وجهات نظر 0 comments on القمة العربية القادمة: قمة أخرى أم قمة من نوع آخر ؟ .. بقلم د. ناصيف حتي

القمة العربية القادمة: قمة أخرى أم قمة من نوع آخر ؟ .. بقلم د. ناصيف حتي

لا بد من طرح السؤال حول القمة العربية القادمة التى ستستضيفها تونس نهاية هذا الشهر. هل ستكون قمة روتينية، رقما جديدا يضاف إلى عدد القمم التى، حسب نظام جامعة الدول العربية، يجب أن تعقد كل عام خلال شهر مارس

قمة تقوم خلالها كل دولة بعرض موقفها المعروف عادة من هذه القضية أو تلك، وتنتهى ببيان عام يحضر مسبقا، «طالما هو تكرار لمواقف سابقة بشكل عام، مع بعض إضافات أو تنقيحات أحيانا». بيان يكرر مواقف مبدئية من القضايا الأساسية فى المنطقة، يطالب ويناشد كما يدين ويستنكر. بيانا ومعه قرارات مكررة، قد يحمل بعضها تحفظا من دولة أو أكثر على القرار أو على أحد بنوده، خاصة بشأن الموقف من إيران ومن حلفائها فى المنطقة فى إطار الحرب الباردة المتصاعدة فى الشرق الأوسط.

من الممكن ومن المرتجى، أن يكون هنالك استثناء، وهو إن حصل لن يكون للمرة الأولى فى تاريخ الجامعة العربية ولو من المرات القليلة، للبحث الجدى فى التوصل إلى بلورة مقترحات وسياسات عملية تجاه بعض التحديات والمخاطر. سياسة تحظى بتوافق فعلى واسع وليس فقط بتوافق كلامى، وباستعداد لتوفير الدعم المطلوب لهذا التوافق لاحقا بحيث لا ينتهى مفعول القرار المتخذ فى القمة، لحظة انتهاء القمة، بل يؤسس على هذه الأخيرة لبلورة سياسات عربية مشتركة.

 

***
فى ما يلى بعض هذه التحديات التى يجب أن تحظى بأولوية التعامل معها بسبب تداعياتها الخطيرة، وهى تداعيات على الكل العربى إن لم تكن فى اللحظة نفسها، ففى أوقات مختلفة:

أولا: للتذكير بسوء الأوضاع العربية، نشير إلى بيان للبنك الدولى بشأن التكلفة العامة للحروب والنزاعات المسلحة التى شهدتها الدول العربية منذ عام 2010 وحتى عام 2018 التى تبلغ نحو 900 مليار دولار. ذلك يشمل تكلفة الدمار وفرص النمو الضائعة. واعتبر هذا الرقم كحد أدنى. كما أشار التقرير إلى «تراجع كبير فى مؤشر عدالة توزيع الدخل، وجاءت فى ذيل دول العالم متأخرة فى ذلك عن أمريكا اللاتينية وإفريقيا».
وكان من المنتظر أن تتناول القمة الاقتصادية التنموية العربية فى بيروت فى يناير الماضى هذا الأمر ضمن أمور أخرى ولكن طبيعة السياسات العربية أسقطت مستوى القمة من حيث التمثيل واتخاذ القرار، مما أفقدها مصداقيتها لجهة طبيعة ونوعية المداولات والقرارات والمتابعة.

ثانيا: دخول «الربيع العربى» عامه التاسع، ولو أنى أفضل تعبير «الفصول الأربعة» على التعبير المتعارف عليه: دول انفجرت وصارت دولا فاشلة تعيش حروبا أهلية مثل سوريا وليبيا واليمن وصراعات دولية وإقليمية على أرضها ودول لم تسقط فى أتون الحرب الأهلية و«حروب الآخرين» على أرضها، ولكنها تشترك مع جميع الدول الأخرى، ودول لم تشهد «الربيع العربى» فى تردى أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية وازدياد هذا التردى والمخاطر التى يحملها على الأمن والاستقرار إذا لم يتم التعامل معه بفعالية: إنها بمثابة قنابل موقوتة جاهزة للانفجار أو للتفجير عن بعد.

ثالثا: يرى عدد من المراقبين أننا نعيش عشية «ربيع عربى ثان» بدأت انطلاقته من الجزائر والسودان مع ما يحمله من تداعيات على دول أخرى مع الوقت.

رابعا: غياب ساطع وفاضح لدور عربى فاعل لتسوية الملفات الساخنة وخاصة فى سوريا وليبيا فكأنما العرب مجرد مراقبين غير معنيين بما يجرى بين جدران بيتهم مع ما لذلك من تداعيات عليهم حاضرا ومستقبلا إن لم يشاركوا فى صنع الحلول.
وقد شهدنا بداية تطبيع عربى فردى مع سوريا باتجاه إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية وخفت سرعة هذا التطبيع كما توقفت إشارات البحث بالعودة السورية إلى الجامعة بناء على «نصائح غربية» خاصة بإعادة تحديد توقيت ذلك بعد انطلاق قطار التسوية السياسية. القطار الذى لم ينطلق بعد.

خامسا: تأتى القمة عشية الانتخابات الإسرائيلية التى ستعيد اليمين المتشدد إلى السلطة، أيا كانت تركيبة الكنيست الجديدة و عشية انطلاق «صفقة القرن» الأمريكية.

عناصر هذه الصفقة التى اتضحت أيضا عبر «اللغة الأمريكية» الجديدة حول القدس والأراضى المحتلة واللاجئين. كلها تدل على أن مشروع السلام الأمريكى لا يمكن أن يلاقى الحد الأدنى المقبول فلسطينيا وعربيا إذ يسقط أسس وقواعد ومبادئ عملية السلام ومرجعياتها. فكيف سيكون الرد العربى على ذلك؟

هل سيكتفى العرب بحوار الطرشان القائم على ترداد التمسك الكلامى بمبادرة السلام العربية دون توفير أى قوة دفع لها على الأرض وذلك بنية عدم الاصطدام بالموقف الأمريكى لأسباب استراتيجية إقليمية.

القمة القادمة تقع على مفترق طرق: هل ستكون مجرد رقم يضاف إلى عدد القمم العربية السابقة، أم تشكل لحظة توقف بغية العمل على بلورة توافق الحد الأدنى الممكن للتعامل المشترك مع هذه التحديات حتى لا يستمر الانهيار الذى ستدفع ثمنه الشعوب العربية فى النهاية.

د. ناصيف حتي

وجهات نظر 0 comments on عشية القمة العربية بتونس : رسالة مفتوحة الى ترامب و ماكرون و ناتنياهو..و البقية .. بقلم كمال بن يونس

عشية القمة العربية بتونس : رسالة مفتوحة الى ترامب و ماكرون و ناتنياهو..و البقية .. بقلم كمال بن يونس

عشية انعقاد القمة العربية بتونس واحتفال الشعب الفلسطيني والعالم العربي بيوم الارض الفلسطينية صدرت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ” مبادرة استقزازية جديدة ” لكل أنصار السلام والحرية في العالم ..فيها انحياز الى اليمين المتطرف الاسرائيلي الذي قتل قبل 24 عاما رئيس الحكومة الاسرئيلية اسحاق رابين بسبب انخراطه في مسار السلام مع القيادة الفسلطينية بزعامة ياسر عرفات ومع القادة العرب .

·     انتهك الرئيس الامريكي ترامب مجددا ” القيم الكونية الامريكية ” ومقررات الامم المتحدة و” الشرعية الدولية ” والقانون الدولي والقيم الكونية عندما أعلن  عبر شبكة ” تويتر” عن ” قرارات” تاريخية استعمارية جديدة ، آخرها محاولة تشريع احتلال قوات اسرائيل للجولان السوري ..

+ الجولان أرض سورية مساحتها تفوق ال1860 كلم مربع ، تحتل اسرائيل ثلثيها منذ حرب جوان 1967 ،رغم القرارات الاممية التي تدين هذا الاحتلال .. وهي أرض سورية عربية ليست للبيع .. وليست مجرد ” شريط ” يمكن ” يتبرع به ” ترامب او غيره لاسرائيل مستفيدا من الدمار الذي لحق بسوريا وأغلب الدول العربية منذ مدة..

+ مهما كانت المعطيات الظرفية فان السياسات الاستعمارية الى زوال ، ولا مبرر لقرار ترامب عن الجولان السوري الذي انتهكت سيادته الوطنية منذ حرب جوان 1967 …التي أدت كذلك الى احتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء المصرية وجزءا من الاردن ولبنان..

جاء هذا الموقف الاستعماري الجديد بعد حوالي عام و3 أشهر عن اعلان ترامب نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس المحتلة ، في مغازلة للوبيات انتخابية ومالية أمريكية ودولية ..متناسيا أن أحرار العالم أجمع لا يمكن أن يقبلوا باحتلال القدس ، مهما كانت المجمعات التجارية لدونالد ترامب وحلفائه شاهقة ومغرية ..

·     وفي بارس أدت تحركات ” السترات الصفراء” وضغوطات مافيات من أقصى اليمين وأقصى اليسار على الرئيس ماكرون إلى “تنازلات ” قدمها الرئيس الفرنسي للمتطرفين وبعض اللوبيات الاستعمارية الجديدة الصاعدة في اوربا .

فقد صدرت عن ماكرون موفى الشهر الماضي  تصريحات استفزازية مناقضة لقيم الجمهورية الفرنسية وثورتها خلال اجتماع مع ” منظمة يهود فرنسا ” الكريف” (CRIF) ، أوحى بانخراط باريس في الخلط الذي يدفع عنه أقصى اليمين الاسرائيلي بين اليهود وسلطات الاحتلال الاسرائيلية ، مع اتهام من ينتقد سياسات حكومة الاحتلال ” بالعداء للسامية ” ..

·     ولا يخفى أن موقفي ترامب وماكرون يتناقضان جوهريا مع قيم زعماء الثورات الفرنسية والامريكية والحقوقية الغربية والعالمية ..فضلا عن مواقف الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديغول والحزب الديغولي الفرنسي ، بما في ذلك الرئيس الاسبق جاك شيراك ..وقد كانا يوصفان بصديقي العرب وفلسطين وحركات التحرر الوطني مع زعماء اليسار الاوربي المعتدل .

++   المطلوب اليوم أن توجه رسالة مفتوحة عالمية إلى ترامب وماكرون وناتنياهو وحلفائهم ترفض احتلال الجولان والقدس وفلسطين وبقية الاراضي العربية ..وترفض اقحام أنفهم في شؤون سوريا وفلسطين ومئات ملايين العرب والمسلمين في تعاملهم مع السياسات الاستعمارية الجديدة ..مهما كان لونها ..

+ على القادة الفلسطينيين بزعامة محمود عباس والزعماء العرب الذين سيجتمعون في تونس الاسبوع القادم العرب أن يوجهوا هذه الرسالة بوضوح حول عروبة الجولان والقدس وفلسطين وكل الاراضي المحتلة ..

وعلى ممثلي المجتمع المدني العربي والعالمي والحقوقيين وانصار قيم التحرر والقانون الدولي أن يبعثوا فورا مثل هذه الرسالة المفتوحة إلى ترامب وماكرون وناتنياهو وحلفائهم..

وجهات نظر 0 comments on صراعات وتباينات وخلافات حول هوية المرشح الرئاسي : الجبهة الشعبية و تبعات الأدوار الوظيفية لقيادتها المركزية .. بقلم على اللافي

صراعات وتباينات وخلافات حول هوية المرشح الرئاسي : الجبهة الشعبية و تبعات الأدوار الوظيفية لقيادتها المركزية .. بقلم على اللافي

حسمت 7 مُكونات من أصل 9 مكونة للائتلاف اليساري الموسوم بــ”الجبهة الشعبية”، أول أمس الثلاثاء 19 مارس الحالي الجدل الدائر حول مرشح الجبهة لرئاسيات نوفمبر 2019 عبر اختيار حمة الهمامي مرشحا رغم عدم إمضاء كل من حزبي “الوطد الموحد” و”القطب” للبيان الصادر عن اجتماع مجلس الأمناء، وجاءت قرارات الاجتماع بعد الجدل الدائر منذ أسبوعين بين الحزبين الرئيسيين في الجبهة أي “الوطد الموحد” و”حزب العمال” حول اسم المرشح وحول آليات اتخاذ القرار وخاصة في ظل التأجيل المتواصل للندوة الوطنية وعدد من اجتماعات المجلس المركزي وفي ظل وجود بوادر تباينات وصراعات محليا ومركزيا وجهويا منذ أشهر، ولكن ما هي عمليا أسباب التباينات بين المكونات الرئيسية، وما هي قصة الصراعات والاتهامات الدائرة في تنسيقيات الجبهة ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟، وهل هي نتاج طبيعي لتبعات الأدوار الوظيفية التي قامت بها الجبهة في المشهد السياسي منذ تأسيسها ثم غداة اغتيال المرحوم الشهيد شكري بلعيد في 06 فيفري 2013، وما هي آفاق ومستقبل الجبهة الشعبية في أفق الاستحقاقات الانتخابية؟

++ الجبهة الشعبية ومسيرة السنوات السبع المتعثرة

تأسست الجبهة الشعبية في أكتوبر 2012 وهي عمليا تواصل وقطيعة مع “جبهة 14 جانفي” التي أسستها تنظيمات يسارية بداية 2011 أي غداة نجاح ثورة الحرية والكرامة، وغلُب على مكونات الجبهة الانتماء لأقصى ووسط اليسار الماركسي إضافة إلى ثلاث مكونات من اليسار العُروبي حيث تطورت الجبهة كميا عبر التناقص والازدياد لعدد المكونات إلا أنها لم تتطور من حيث الخطاب السياسي الذي بقي مُتمسكا بالمقولات الكلاسيكية للماركسية اللنينية من حيث العمل والتنظيم والأداء والخطاب وفي رؤيته للسياسية والتحالفات وبناء الجبهات وفي رؤيته للتطورات الإقليمية والدولية، إلا أن أكبر الأخطاء الذي سقطت فيها الجبهة هو منطق أداء ادوار وظيفية محلية وإقليمية رغم تنبه بعض رموزها لذلك في خطابها السياسي سنة 2012 ولعل أبرز من تفطن لخطورة ذلك هو المرحوم بلعيد في كثير من مواقفه وخاصة حول العلاقة بنداء تونس والأحزاب التجمعية والدستورية…

إلا أنه باستشهاده تغيرت المُعطيات والقراءات والاصطفافات وأصبحت الجبهة حليفا سياسيا وموضوعيا لنداء تونس وقوى سياسية أخرى، فظهرت جبهة الإنقاذ والتي كانت فيها الجبهة رافدا ظاهريا وتحشيديا لا غير حيث غابت في الربح وحضرت في الخسارة ذلك أن جبهة الإنقاذ حدت من الدور التاريخي لليسار التونسي حيث قلصت عمليا من فعلها السياسي الاختياري المباشر بل وأصبحت حسب البعض طرفا مُلحقا ووظيفيا باليمين الليبرالي (أنظر تصريح الأستاذ عمر الماجري – الإعلان الجديد – سبتمبر 2014)، وهو ما أكدته بلاغات وبيانات الأطراف المغادرة للجبهة (أكثر من خمس مكونات من بينها: تونس الخضراء – الوطد الاشتراكي الثوري – الجبهة الشعبية الوحدوية – جناح في رباطة اليسار العمالي التروتسكية – حزب النضال التقدمي …)، كما حسم تنظيمين ناصريين يومها بقاءهما خارج الجبهة (حزب الغد – حركة الشعب)، في ما التحق حزب “القطب” بالجبهة منذ تأسيسه كما عاد لها “الوطد الاشتراكي الثوري” (نهاية 2017) واختار “التيار الشعبي” المنشق على حركة الشعب الناصرية الانضمام لها قبل ذلك، والخلاصة أن الجبهة تأسست بـــ 11 مكونا ثم تطورت إلى 13 لتنسحب 5 مكونات ثم يلتحق مكونان وهي تضم حاليا 09 مكونات ( حزب العمال – الوطد الموحد – القطب – حزب الطليعة – التيار الشعبي – حركة البعث – الوطد الاشتراكي – الحزب الشعبي للحرية والتقدم – جناح في رابطة اليسار العمالي التروتسكية)، وبتحلل جبهة الإنقاذ في نهاية 2013 خاضت الجبهة معارك سياسية عديدة بعقلية السقوط في الأدوار الوظيفية محليا وإقليميا وخاضت انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية بتلك العقلية فتبنت مثلا خيار قطع الطريق على المرزوقي لصالح منافسه الباجي قائد السبي، وقبل ذلك علق الناطق الرسمي حمة الهمامي على لقاء الغنوشي- السبسي بالقول أن “سي الباجي يعرف آش يعمل” كما أنها اصطفت عمليا مع المحور المصري الإماراتي إقليميا، ولم يتغير في الجبهة طوال السنوات الماضية لا الخطاب السياسي ولا الممارسة ولا النظرة للواقعين الإقليمي والمحلي ورغم خسارة مكوناتها الطلابية لمعارك المجلس العلمية كل سنة ونتائجها الكارثية كجبهة في بلدات 2018 فإنها واصلت معارك التحشيد ورفع شعارات ثمانيات القرن الماضي في رؤيته للساحة السياسية وراهنت على سقوط حكومة “الائتلاف الوطني” حتى أن الهمامي أكد انه سيقع التحشيد يوم 06 فيفري لإسقاط الحكومة حتى أن البعض علق أن الهمامي يردد أحلاما في خطاباته السياسية حيث أن الهمامي نفسه لم ينزل أصلا للشارع ذلك اليوم وقبل ذلك غابت الجبهة الشعبية عن احتفالات الذكرى الثامنة للثورة…

++ مواقف مختلف مكونات الجبهة من الجدل

أ‌- حزب الطليعة العربي الديمقراطي (بعثي التوجه) كان واضحا من البداية حيث اتخذ قرارا منذ 5 أسابيع بدعم ترشيح حمة الهمامي، وقد طالب القيادي أحمد الصديق في تصريح لأحد الإذاعات الخاصة أمناء الجبهة والمجلس المركزي بإعلان مُرشح وحيد للانتخابات الرئاسية لغلق هذا الملف في أقرب وقت ممكن خاصة وأن ما لاحظه لا ينبئ بالخير لهذا يجب التحرّك بسرعة قبل أن يتفاقم الوضع والذهاب لخوض المعارك الأهمّ التي تنتظرهم، وشدد الصديق أن الرحوي دخل في حملة انتخابية سابقة لأوانها.

ب- التيار الشعبي طالب عمليا بالحسم النهائي لمرشح الجبهة الشعبية لرئاسيات 2019، حيث أكد القيادي بالجبهة عن التيار الشعبي محسن النابتي لإحدى اليوميات أن المسألة قد أحدثت توترا داخل الجبهة وخاصة الظهور الإعلامي لمنجي الرحوي ومحاولته التقليل من شأن دور بقية الأحزاب المكونة للجبهة وهذه التصرفات قد أساءت إليهم كثيرا، وقال النابتي مضيفا أن “الرحوي اتبع طريقا مغايرا عبر الضغط سواء على صفحات الفايسبوك أو في وسائل الإعلام والقرارات لا تؤخذ بهذه الطريقة”، كما اتهم النابتي أن “هناك سوء تقدير كبير من قبل حزب الوطد في علاقة بدفع الأمور بهذه الطريقة قبل قرار المجلس المركزي، وما قام به هذا الحزب هو خرق لكل المواثيق ولن تبقى الجبهة رهينة الحملات التي يقوم بها الرحوي”…

ت‌- أحزاب ومكونات على غرار “حركة البعث” و”رابطة اليسار العمالي” و”الحزب الشعبي للحرية والتقدم” و”الوطد الاشتراكي الثوري” هي أيضا ساندت حسم الأمر داخل مجلس الأمناء مثلها مثل “التيار الشعبي” وحزب الطليعة” وحزب العمال” وهي أحزاب وافقت على ترشيح الهمامي من خلال إمضائها لبيان مجلس الأمناء…

ث‌- حزب “الوطد الموحد” و”حزب القطب” لم يمضيا عمليا البيان الصادر أول أمس الثلاثاء عن مجلس الأمناء مما يعني أن لهما خيارات أخرى بديلة أو لاحقة، أو بالأحرى سينتظران اجتماعات الهياكل المركزية خلال الأيام القادمة ولكن الثابت أن هناك إعادة فرز داخل الجبهة في انتظار حل القضايا الخلافية الأخرى وكيفية معالجتها وخاصة على المستويين المحلي والجهوي والتي ستحددها معارك القائمات في تشريعيات 2019 والتي قد تحدث إرباكات أخرى بعد إرباكات اقتراح الوطد الموحد للرحوي كمرشح…

++ التباينات والصراعات الأخيرة وتبعات الدور الوظيفي

ما ظهر للعيان هو صراع حول هوية المرشح الرئاسي لم يعد داخليا بل خرج إلى العلن وبات في الواجهة، وهو ما اضطر كل المكونات تقريبا للمسارعة بايجاد آليات لفض الخلاف وتوسعه على غرار تهديد حزب الطليعة في بداية الأسبوع الحالي بمنح مجلس الأمناء مهلة بـ48 ساعة للحسم النهائي، وعمليا تواترت الخلافات التوترات والصراعات (وهي التي ليست جديدة منذ أشهر وتحديدا منذ مقررات مؤتمر حزب العمال في ديسمبر الماضي)، بل هي صراعات جسدتها وعمليا أظهرتها للإعلام حرب الزعامة الأخيرة وهي صراعات أقلقت كثيرا مُنتسبي الجبهة وقياداتها الوسطى وتنسيقياتها الجهوية في ما انخرط أنصار الحزبين الرئيسيين ( الوطد الموحد – حزب العمال) في الاصطفاف وفي سرد الاتهمات على الشبكات الاجتماعية وهو ما أضر بصورة الجبهة لدى منتسبيها ولدى الرأي العام وكانت له ترتباته السياسية والتنظيمية محليا وجهويا ومركزيا…

ومنذ ظهور التباينات وتوسع الجدل اختار الهمامي الصمت والتقيد الظاهري بقرارات المجلس المركزي لاستمالة أكبر عدد ممكن من مؤيديه، أما الرحوي فقد انطلق في حملته الانتخابية في محاولة للضغط وجلب أكثر عدد من مناضلي الجبهة لصفه لا سيما وأنه يحظى فقط بدعم حزبه وسند قوى ضغط على الجبهة من خارجها، ومن الواضح أن التنافس الحاصل كان على أشدّه بين الرجلين ولن يوقفه قرار مجلس الأمناء والذي ستكون له تداعياته الكبيرة داخل الجبهة وداخل الحزبين فالخلاف تاريخي بين “الوطد” و”البوكت”( التسمية السابقة لحزب العمال)، وعمليا خلق الجدل القائم وسيخلق توترا كبيرا صلب الجبهة الشعبية وستكون ترتباته كبيرة على الكتلة البرلمانية (15 نائبا) وأيضا على اختيارات قوائمها في تشريعيات 2019 خاصة وان أعضاء “الوطد الموحد” اختاروا الدعوة للجنة مركزية لحزبهم في ما رفض بعض قياديي حزب العمال طريقة تعامل قيادة حزبه مع مجريات الجدل على غرار نص رئيس التحرير السابق لصحيفة “صوت الشعب” (صحيفة حزب العمال) “عبد الجبار المدوري” والذي ذكر بالعلاقة المتوترة بين التنظيمين منذ بداية التسعينات وحذر من مواصلة نفس السياسات تجاه الوطد والتي قال أنها لم تفد البوكت يوما..

خطورة الترتبات ومآلات المعركة الأخيرة بين “الوطد الموحد” و”العمال” وان تفطن إليها العديد من قيادات الجبهة والذين طالبوا من مختلف مكوناتها وأحزابها بضرورة إنهاء الإشكال والخروج بقرار نهائي قبل مزيد تعقيد الوضع، وذلك وعيا بمنهم بأن الوقت يلعب ضدّ الجبهة والمطالبة بان تحل إشكالات أخرى عالقة تنظيميا وسياسيا وفي علاقاتها ببقية مكونات المشهد السياسي وبترتبات التطورات مغاربيا وإقليميا ودوليا، إضافة إلى أن الجبهة خسرت معارك كثيرة أضرت بها مواقف وبيانات وتصريحات وجعلت مصداقيتها نسبية على غرار سياسات ما عرف بـــ”هيئة الدفاع” والتي أدى فشلها وعدم تقبل الرأي العام لخطابها إلى تشكيل ما يعرف بـــ” محامون ضد التمكين” وهو سقوط مدو لسياسة القيام بأدوار وظيفية بوعي أو دون وعي، فمتى ينتبه اليسار أن هذه ليست أدواره التي ناضلت من أجلها تياراته ومناضليه في شبابهم …

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية بتاريخ 21 مارس 2019

وجهات نظر 0 comments on بمناسبة ذكرى الاستقلال و القمة العربية : هل ينتصر الولاء لتونس من جديد ؟ .. بقلم كمال بن يونس

بمناسبة ذكرى الاستقلال و القمة العربية : هل ينتصر الولاء لتونس من جديد ؟ .. بقلم كمال بن يونس

في تاريخ الشعوب والدول محطات ينسى فيها العقلاء خلافاتهم وجراحهم ، ويقطعون فيها مع منطق تصفية الحسابات والثأر وعقلية ” عليّ وعلى أعدائي”..و” أنا أو لا أحد”..” ومن بعدي الطوفان”..الخ

+ وفي تونس منذ اعلان الاستقلال التام في 20 مارس 1956 ثم معارك الجلاء الزراعي والعسكري برزت اختلافات وصراعات سياسية و دموية بين رجالات الدولة وأجيال من المعارضين والنقابيين والحركة الطلابية والمثقفين والحقوقيين والاعلاميين..

لكن الأغلبية كانت تحتكم غالبا للمرجعيات الوطنية وتعطي الأولوية للمصلحة العليا للبلاد والشعب ، وتقدم تنازلات للخصوم..حقنا للدماء وحرصا على عدم تعطيل مسار ” الجهاد الأكبر” ضد الأمية والجهل والتخلف والفقروالتبعية والوهن ..الخ

فكانت الحصيلة نسب تنمية بشرية واقتصادية معقولة رغم النقائص والإخفاقات وبعض الغلطات القاتلة ، ومن بينها القطيعة مع الشباب واختلال التوازن بين الفئات والطبقات والجهات وأحياء المدينة الواحدة ، بما في ذلك العاصمة  والمدن الساحلية ” الغنية “..

++ وإذ تعيش تونس منذ أكثر من عام أجواء حملة  انتخابية سابقة لأوانها عمقت بعض أزماتها الهيكلية والظرفية ، فهل لم يحن الوقت لتدارك الأمر ؟

قد يكون الاحتفال بالعيد الوطني ، أي ذكرى الاستقلال عن الاستعمار المباشر قبل 63 عاما، فرصة للنقد الذاتي والتقييم والاعلان عن قرارات شجاعة من مختلف الاطراف في الحكم والمعارضة والنقابات والمجتمع المدني..

البلاد تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى سياسيين شجعان يكرسون شعار” الولاء لتونس وشعبها ومصالحها” قبل التفكير في مصالحهم الضيقة وأجنداتهم الخاصة وحساباتهم الحزبية والجهوية ..

++ ومع اقتراب موعد القمة العربية ال30 المقرر تنظيمها يوم الأحد 31 مارس الجاري في تونس ، بعد مؤتمرات فنية ووزارية عربية بالجملة ، تتأكد الحاجة إلى الوطنيين المخلصين في كل مؤسسات الدولة والمجتمع ، ليقوموا بمبادرات تؤكد ولاءهم إلى  البلد ومصالح شعبه ، من خلال انجاح القمة وما يسبقها من تظاهرات ومؤتمرات ، بدءا من الترحيب بكل الضيوف وتأجيل خوض صراعات ثانوية معهم ومع الفسيفساء السياسية التي يمثلونها .

++ لا بد من التنبيه مجددا إلى كون الاستقلال ليس سياسيا فقط ولا بد أن يكون كذلك اقتصاديا وماليا .

وبعيدا عن الأوهام ، نسجل منذ اليوم أنه ليس متوقعا من القمة العربية أن تؤدي إلى إغداق أموال طائلة على تونس .

لكن نجاحها مهم جدا رغم ذلك بالنسبة لصورة البلد ، وفرص بناء جسور جديدة للحوار والتفاوض مع ممثلي الدول العربية الشقيقة والشخصيات الاعتبارية التي ستزور بلدنا بالمناسبة وبينها الامين العام للامم المتحدة وووفود الاتحاد الاوربي والامناء العامون لمنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ـ الايسسكو ـ والمصارف العربية والاسلامية والاوربية ..

++ وفي هذه المرحلة الإنتقالية الجديدة في تاريخ تونس التي تستعد لانتخابات رئاسية وبرلمانية تعددية جديدة ، يمكن لكل المسؤولين في الدولة والاحزاب والنقابات ” تجميد تناقضاتهم ” و المشاركة في انجاح القمة العربية والتظاهرات المصاحبة  .

عسى أن يكرّس إعلان الوفاء لدماء شهداء الحركة الوطنية  ولتضحيات الديمقراطيين والمناضلين الحقوقيين قبل 20 مارس 1956  وبعده من خلال سلوكيات تؤكد وعي النخب والزعماء السياسيين ومناضليهم ونضجهم بالمخاطر والتحديات الاقليمية والدولية التي تواجه البلاد وشعبها ..

وجهات نظر 0 comments on الوضع السياسي الراهن و قبض الريح ! .. سياسة التمكين، إلى أين ؟؟؟؟ .. بقلم العربي عزوز

الوضع السياسي الراهن و قبض الريح ! .. سياسة التمكين، إلى أين ؟؟؟؟ .. بقلم العربي عزوز

يصعب جداً على طرف سياسي واحد ان يتمكن من الدولة التونسية ويحكمها بمفرده، نظرا لقلة الخبرة بشؤون الدولة وقصر النظر وضعف الخيال ،،،،سيظل هذا الطرف يلاحق وهم التمكين طوال حياته ولكنه لن يتمكن فأمامه ،شعب زئبقي، ذو عشرة وجوه، وجه لك ووجه لخصمك، ووجه للضيف وآخر للأجنبي وآخر للاحبة وآخر للأعداء،، شعب ابتلع في بطنة سبعة أو ثمانية حضارات ( بربرية، فينيقية، بيزنطية، وندالية، عربية، تركية، إسبانية، فرنسية،الخ )، يسايرك في أوهامك و يوافقك على رأيك و استنتاجاتك، ليحصل منك على منفعة ما، أو ليتقي شرك،،، يحدثك باللغة التي تتمناها وتفهمها،  و لكن يمين البكوش في صدره، فهو يحتفظ لنفسه بحقيقته المطلقة،،في صندوق أسود، محكم الغلق. و لا يفيدك في شيئ أن تهدده، بالحرب الأهلية التي يتواتر التهديد بها من قبل أنصارك، فهو في النهاية، ورغم وداعته الظاهرة شعب عنيد وقادر على رفع التحدي، اذا فرض عليه، فضلا عن أنه لا تتوفر شروط الحرب الأهلية في تونس ( ليس لنا لا أعراق ولا قوميات مختلفة ولا حتى اثنيات ولا مذاهب دينية متطاحنة، فعلى أي أساس ستقوم الحرب الاهلية، هل تعتقدون انها أزرار، تضغطون عليها فتندلع الحرب )، ويبقى التهديد المتواصل بها نوعا من الابتزاز السياسي، المنطلق من فراغ، أو الترهيب المجاني الذي لا طائل من ورائه لان الجميع حطم جدار الخوف. 


الطبقة السياسية الحالية، سيما الحاكمة منها أو القريبة من دوائر الحكم، تتميز بكثير من علامات الرثاثة والمسكنة والطمع وحتى الغباء واللهث على الكراسي والغنائم والفقر الثقافي والمعرفي وجهل التاريخ ونقص التجربة…. ثماني سنوات، بعض أطرافها تمارس السلطة، ولكنها ظلت كما هي في البداية، لم تتطور قيد أنملة، ظل هاجسها الأوحد، التمكن من السلطة والبقاء فيها أطول مدة ممكنة، فهي طبقة عقيمة وعاجزة وتدور في حلقة مفرغة، أي على طريقة جمل البروطة القيرواني، تظل شاهدة على الانهيار الذي يطال الوضع العام في تونس، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، ولكنها لا تحرك ساكنا ولا تبدي أية قدرة على التأثير إيجاباً فيه، شغلها الشاغل المواعيد الانتخابية والمناورات البائسة لتفكيك صف الخصوم وتشريدهم والتهديد الفارغ، تارة بالحرب الأهلية وطورا بالإرهاب، الأمر الذي يدل على الجبن والعقم. ولا تريد أن تتخلى عن السلطة، ريثما تكتمل تجربتها وترتفع كفاءتها الإدارية والمهنية وتصبح قادرة على ادارة أجهزة الدولة…. هي تطبق مبدأ : ” أنا هنا، و سأبقى هنا و لا يهم ان كنت لا أحكم فعليا، فكما قال الخبير الدستوري : أنا لا أحكم، أنت لا تحكم ولا نترك أحدا يحكم….”. بعض أطرافها يطبقون روشتة سياسية، روشتة التمكين، التي قد تكون جربت في بلاد أخرى فصحت ولكنها في تونس تصطدم بواقع متمرد، بدون ضجيج، عصي على العجن ، قائم بالأساس على الزئبقية وعلى الممانعة السلبية… المثل الشعبي يقول: “الفم ما يقول لا والحاجة ما تتقضى “، هو شعب يصعب عليك القبض عليه وتطويعه، واذا تعنت، فإنك لا تحصل منه الا على قبض الريح، مثل الرمل الذي تمسكه بقبضة يدك، وتضغط عليه وتعصره على أمل المحافظة عليه، فتتساقط كل حباته، حبة حبة ولا يبقى منه شيئ في قبضتك.

 

(*) قبض الريح، هي حالة من يقبض على الهواء، أو وصف من يرجو ما لا يقع ومن يتعلق بالأوهام .

وجهات نظر 0 comments on اليسار و السترات الصفراء .. بقلم عبد الحسين شعبان

اليسار و السترات الصفراء .. بقلم عبد الحسين شعبان

مثل البرق انتشرت بسرعة خارقة حركة ” السترات الصفراء” احتجاجاً على رفع أسعار الوقود المخصص للسيارات، فقد نزل أعضاؤها إلى شوارع باريس، وخصوصاً في شارع الشانزليزيه الباذخ في أناقته ورقيّه، وذلك في تشرين الثاني/نوفمبر/2018 والتحق بها عشرات الآلاف من الغاضبين على سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، وخصوصاً سياساته الضريبية على حساب الفقراء والكادحين والمحابية بشكل صارخ للأغنياء، لاسيّما أصحاب المصارف والشركات الكبرى ومصالح الرأسمالية العليا.

وإذا كان اليسار وراء حركة الاحتجاج الشهيرة قبل ما يزيد على 50 عاماً (مايو/أيار/1968)، والتي ضمّت طيفاً واسعاً من طلبة الجامعات والشبيبة، إضافة إلى  مثقفين وأكاديميين ومفكرين وتحالفت مع الحركة النقابية والعمالية، فإن حركة “السترات الصفراء” تقف اليوم وحيدة في الميدان، وإنْ حاول اليمين واليسار التواصل معها، لكن المطالب الشعبية العامة وسوء الأوضاع الاقتصادية كانت هي الأساس في اندلاعها، وساهم التواصل الاجتماعي في تدعيم وتعميم مطالبها وإعطائها مثل هذا الزخم المعنوي، وخصوصاً استمراريتها وتحدّيها للسلطات الحاكمة، التي استخدمت جميع الوسائل لإجهاضها أو تسويفها.

واليسار الفرنسي مثله مثل اليسار الأوروبي والعالمي، فضلاً عن اليسار العالمثالثي بكل تفريعاته يشهد معاناة كبيرة، لاسيّما بصعود اليمين الشعبوي في عدد من البلدان مثل إيطاليا وفرنسا والمجر وألمانيا والنمسا وهولندا وغيرها وفاز مؤخراً في انتخابات البرازيل والسلفادور وقاد حركة تمرّد في فنزيلا المحاصرة من جانب واشنطن منذ عقد ونصف من الزمان، كما صعد الإسلاميون في الانتخابات التي جرت في العديد من البلدان العربية، ناهيك عن موجة تكفير إرهابية شغلت العالم أجمع والتي تجلّت بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على نحو ثلث أراضي كل من العراق وسوريا، الأمر الذي استوجب إقامة” تحالف دولي” لمواجهتها، دون أن ننسى تأثيراتها على أوروبا بشكل خاص والغرب بشكل عام.

ولعلّ اليسار بشكل عام والفرنسي بشكل خاص لا ينقصه المفكرين والمثقفين، لكن انسحابه من مهماته الأساسية، لاسيّما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ورضوخه لآليات العولمة عمّق من أزمته المعتّقة، خصوصاً ولم يعد الاصطفاف القديم قائماً، لا بالتمثيل ولا بالتعبير عن مصالح الكادحين وحقوقهم، وهو ما دفع النظام الرأسمالي العالمي وبعد انتهاء عهد “الحرب الباردة” وانحلال النظام الاشتراكي العالمي للتغوّل على المكتسبات التي حققها العمال والفلاحين في البلدان الرأسمالية العريقة، التي لم تعد تعتبر “دولة رعاية” حقيقية، كما كان يتم الترويج له.

وازداد الأمر تعقيداً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية الإجرامية في الولايات المتحدة واندلاع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في العام 2008، مما دفع أوساطاً عديدة للانحياز لصالح اليمين الفاشي والعنصري الذي رفع أكثر الشعارات رنيناً وصخباً، بما فيها الحفاظ على “الهويّة الثقافية” لشعوب البلدان الغربية في مواجهة موجة ظاهرة اللجوء والهجرة، من الجنوب إلى الشمال ومن البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية.

وشهد العالم أجمع قوارب الموت اليومية التي نقلتها شاشات التلفاز ومعسكرات احتجاز اللاجئين اللّاإنسانية والتي لا تتوفر فيها شروط الحد الأدنى،  ناهيك عن مخالفة العديد من البلدان الغربية لالتزاماتها الدولية التي تتطلبها الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها،  فبعد أوروبا جاء دور واشنطن، التي عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مواقفه الشعبوية العدائية تجاه اللاجئين من المكسيك وأثار زوبعة لم تنتهي بعد، لبناء سياج عنصري بزعم حماية الولايات المتحدة، سيّما وأن سياسته تركت توترات على العديد من مناطق العالم بما فيها منطقتنا العربية ، خصوصاً حين أعلن على نحو سافر انحيازه لـ”إسرائيل” وقام بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس خلافاً لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 .

ومن باب الإنصاف القول: إن عوامل موضوعية وأخرى ذاتية كانت وراء صعود اليسار العالمي، لاسيّما بعد الحرب العالمية الثانية، إلّا أن مثل تلك العوامل غابت أو اختفت بسبب اختلال موازين القوى، ناهيك عن “الأزمة الفكرية” التي عاشها اليسار بعد انحلال الكتلة الاشتراكية وفشل النموذج الاشتراكي العالمي ممثلاً بالموديل السوفييتي وتوابعه، ليس هذا فحسب، بل حصلت تبدّلات بنيوية على نهج اليسار ومواقفه، فلم يعد قسماً منه في ظلّ العولمة ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها قلعة الإمبريالية الأولى، وقد تخلّى الكثير من الحركات اليسارية بما فيها في منطقتنا وفي البلاد العربية عن شعاراتها في مواجهة الامبريالية، وبعضها نقل رحيله من الولاء لموسكو إلى التطلّع لواشنطن، باعتبارها القوة العالمية الأولى المتنفّذة  في العلاقات الدولية مسقطاً عنها صفة ” الدولة الأكثر رعاية” لـ”إسرائيل” التي عانت المنطقة بسببها من احتلال وعدوان وحروب أكثر من سبعة عقود من الزمان. وزاد من أزمة اليسار العربي الوضع الإقليمي والتداخلات الحاصلة فيه إيرانيّاً وتركيّاً لفرض الهيمنة والاستتباع.

ويمكن القول إن بعض مواقف اليسار في الغرب خفّضت جناحيها لشعارات التحالف مع حركات التحرّر الوطني ودفاعها عن قضايا حق تقرير المصير للشعوب وحقوق الإنسان بشكل عام، مزدرية من يريد أن يذكّرها بتلك الأطروحات، باعتبارها تعود إلى الماضي السحيق، وأكل الدهر عليها وشرب.

وشهد اليسار أما تخلياً عن شعاراته ضد الامبريالية أو انكفاءً وعزلة وتقوقعاً، وعاش همومه الداخلية الخاصة بكل بلد، تلك المتعلقة بالأوضاع المعاشية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ومشكلات الحكم والانتخابات والتحالفات القلقة مع قوى ظلّت متربّصة بها، ولم نشهد منذ ثلاث عقود ونيّف من الزمان احتجاجات كبرى أو مواجهات من تلك التي عرفناها في الخمسينات والستينات والسبعينات، وتدريجياً، فقد اليسار الكثير من وزنه وتوازنه، خصوصاً حيال القضايا العامة المتعلقة بالسلام ونزع السلاح والعنصرية والتضامن الأممي، ناهيك عن النكوص عن بعض القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية، لدرجة بهت لونه وتغيّر شكله ومضمونه أحياناً. والأمر لا ينحصر على الغرب وحده إنما يمتد إلى منطقتنا  وهو ما أكدته الهبّات الشعبية التي حصلت فيها وأطلق عليها “الربيع العربي”  فلم يكن دوره فاعلاً أو بمستوى المسؤولية  كما هو في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، بل إن بعض توجهاته كانت سلبية، دون أن يعني ذلك تنزيه بعض التوجهات التي رافقت اندلاعه والتي أدت إلى حرفه في منعرجات ودروب ضيقة .

 فهل سيخلي اليسار الأوروبي التقليدي مواقعه لحركة ” السترات الصفراء” مثلما أخلى اليسار العربي مواقعه للإسلاميين، أم أن ثمة حسابات أخرى وإعادة نظر ومراجعة ضرورية يمكن أن تعيد له بريقه أو شيئاً منه بعد الخيبات الكثيرة؟ الأمر الذي يحتاج إلى وقفات جادة ومسؤولة وشاملة على صعيد الفكر والممارسة وقراءة المستجدات والمتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية والداخلية على نحو متمعن واستشرافي ، بما فيها مخرجات الثورة العلمية – التقنية الرابعة، ولاسيّما ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام، والطفرة الرقمية ” الديجيتل”.

لقد فعل اليسار الأوروبي والعربي فعلهما في الستينات، وامتدت حركة الاحتجاج  إلى الجامعات والأوساط الطلابية والشبابية في الغرب عموماً، بل ذهبت بعيداً إلى المكسيك والبرازيل واليابان، وكانت الشعارات ترتفع ” ممنوع المنع” و” نطلب المستحيل لنحصل على الممكن“، وكانت حصيلتها في فرنسا إنزال الجنرال شارل ديغول من قمة السلطة بكل ثقله التاريخي، وفي الولايات المتحدة ارتفاع حركة معارضة الحرب على الفيتنام والمطالبة بالانسحاب الأمريكي من الهند الصينية وهو ما حصل لاحقاً، فضلاً عن تفجر حركة مطالبة بالحقوق المدنية وحقوق المرأة والدفاع عن المهمشين.

و يمكنني الإشارة إلى بعض ملامح حركة اليسار وتوجهاته الجديدة في العالم العربي في بلدين كبيرين، ففي العراق شهد أواخر العام1967 ومطلع العام 1968 حركة احتجاج طلابية عارمة وتحركاً عمّالياً هي جزء لا يتجزأ من الموجة اليسارية وخيوطها الجيفارية التي تدعو لحرب تحرير شعبية طويلة الأمد، كما شهدت مصر في فبراير (شباط) ونوفمبر (تشرين الثاني) العام  1968 حركة احتجاج ومعارضة كبرى قد تكون الأولى من نوعها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت من نتائج هزيمة 5 يونيو (حزيران) 1967، إضافة إلى انبثاق وتطور حركة المقاومة الفلسطينية في إطار توجهات وطنية ويسارية جديدة، فهل ستنجب حركة “السترات الصفراء” يساراً جديداً متجاوزاً القائم مثلما شهدت الستينات تجاوزاً للتيار اليساري التقليدي من أفكار ماركس ووجودية سارتر إلى الحركة البنيوية التفكيكية  لميشيل فوكو وجاك دريدا وماركوز وجاك لاكان وهابرماز وأضرابهم.

 

 

نشرت في مؤمنون بلاد حدود للدراسات والأبحاث 6/3/2019

وجهات نظر 0 comments on عيد الإستقلال و مناخات التأزم .. بقلم المنصف السليطي

عيد الإستقلال و مناخات التأزم .. بقلم المنصف السليطي

يحتفل التونسيون يوم الأربعاء 20 مارس 2019، بالذكرى 63 لعيد الاستقلال إحدى المحطات المضيئة في تاريخنا لما جسدته من انتصار للشعب في معركة نضال طويلة امتدت من سنة 1881 إلى عام 1956، من أجل الحرية والكرامة وبناء الدولة الوطنية المستقلة ورد الإعتبار لهوية البلد وحضارته. لذلك يعتبر عيد الاستقلال من أهم المناسبات التي يستحضر فيها التونسيون نضالات أبناء وبنات الشعب التونسي وشهداء تونس في مواجهة قوى الاستعمار لاستعادة الوطن من الوصاية الخارجية. وهو تذكير للأجيال الناشئة بمدى معاناة الآباء من أجل الحصول على حقهم في تقرير مصيرهم وفرصة لإحياء مشاعر روح المواطنة وحب الوطن في قلوبهم. وسيحتفل الشعب التونسي هذه السنة بعيد الاستقلال ، أي نعم بعد أن كللت ثورتهم بدستور ديمقراطي جديد و وبتركيز أغلب مؤسسات الدولة القانونية والدستورية وقطعنا خطوات إيجابية في تجسيد وتثبيت المسار الديمقراطي للبلاد ولكن ومما لا جدال فيه كذلك في ظل أوضاع اقتصادية و اجتماعية صعبة وفي ظل إهتراء منظومة الحكم والمعارضة وتعدد مظاهر الخلل ونقاط الضعف في منظومة الثورة وعودة مخازنية العهد السابق للإمساك بخيوط اللعبة السياسية بتونس.

 وقد جاء الاستحواذ الاستعماري على “أيالة” تونس ضمن سياقات تاريخية عامة ميّزت العالم خلال القرن التاسع عشر وهي التوسع الأوروبي لاقتسام العالم والهيمنة عليه، وقد انجرّ عن الأطماع والضغوطات الخارجية، إثر التسرّب التجاري والمالي الأوروبي، تدهور أوضاع البلاد إلى درجة الأزمة السياسية وتعرّض جلّ محاولات التقدّم والإصلاح إلى صعوبات وفشل. وحولت فرنسا السيطرة المالية إلى هيمنة كاملة بعد الاحتلال العسكري ومنها إلى احتلال شامل وكامل بعد إمضاء معاهدة  المرسى في 8 جوان 1883، واليوم محدقة بنا العديد من المخاطر جراء ضعف التوازنات المالية والتدهور المفزع لقيمة الدينار أمام العملات القوية وتفاقم العجز التجاري وتصاعد المديونية بشكل صاروخي وهيمنة القوى المالية العالمية وفرض سياساتها المالية علينا ،وكل هذا يذكرنا بأن بلادنا  قد استعمرت عبر البوابة المالية اولا فلا تستهينوا بالموافقة على مشاريع مثل “أليكا ” التى تسمح للرأس المال المعولم بتطويع  كافة  المجالات  والأنشطة الإنتاجية الصناعية والخدمية والتجارية التونسية إلى الأهداف التى رسمتها وهي في النهاية معارضة لمصالح تونس العليا.

ومما يحز في القلب أن عيد الاستقلال تحول إلى إجازة رسمية  وأقتصر على مناسبة احتفالية يتيمة تقام بالقصر  الجمهوري يدع لها “سادة “القوم بينما لا تكاد تجد أثرا لمظاهر الزينة والاحتفاء بهذه المناسبة لدى الشعب التونسي على غرار شعوب البلدان الديمقراطية  التي تهتم بأعيادها الوطنية وتجعل منها مناسبة يستعيد فيها الضمير الجمعي حيويته والوجدان الشعبي عافيته  ويحي ذكرى العيد  ويصبح عامل التقاء ووحدة وانسجام ونقطة ضوء للانطلاق نحو المستقبل .وفي تونس على الرغم من السماح لكافة المنظمات والتيارات بتنظيم التظاهرات التي تريدها للاحتفال ، إلا أن أغلبهم يكتفي بعقد  أو حضور بعض الفعاليات  الهزيلة التي لا تليق بهذه المناسبة. وكأن الشعب التونسي وهو الذي يعاني ما يعاني من تعدد الكوارث وتدهور المفزع  لمنظوماتنا  التعليمة  والصحية و الاجتماعية ليس في حاجة لتغيير الأحوال والاحتفال والابتهاج ، فلنجعل من هذه الذكرى مناسبة لاستعادة روح الوحدة الوطنية  وفرصة ليغزو فيها الفرح والسرور عيون الأطفال  وتخليدا لشهدائنا الأبطال الذين ضحوا بدمائهم الزكية من أجل نيل السيادة الوطنية و لتأسيس دولة حرة و مستقلة.بعيدا عن مناخات  التأزم و العدم والرداءة و الانهزام.

وجهات نظر 0 comments on هجوم نيوزيلندا الإرهابي.. ملاحظات عن الإسلاموفوبيا و عنا ! .. بقلم فراس أبو هلال

هجوم نيوزيلندا الإرهابي.. ملاحظات عن الإسلاموفوبيا و عنا ! .. بقلم فراس أبو هلال

لم يكن هجوم نيوزيلندا الإرهابي مفاجئا للكثيرين، خصوصا للمسلمين الذين يعيشون في الغرب ويتابعون بشكل يومي تصاعد خطاب الإسلاموفوبيا، الذي مهد لهذه الجريمة ولجرائم أخرى سبقتها وقد تلحقها -لا قدر الله-.

فخطاب اليمين الغربي المقزز ضد الإسلام والمسلمين هو الذي أسس بلا شك لمجموعة هجمات إرهابية ضد المسلمين ومساجدهم، لأنه غذى نزعات الخوف من المسلمين واعتبارهم خطرا على أوروبا والأمريكيتين وأستراليا وغيرها من الدول ذات الغالبية البيضاء/المسيحية.

وقوع الهجوم الإرهابي الأخير في نيوزيلندا الدولة المعروفة بهدوئها وتنوعها، والتي تحكم من رئيسة وزراء ليبرالية ربما سمح لكشف الأيدولوجيا المؤسسة لعقلية الإرهابي منفذ العملية، وبالتالي كشف تأثره بخطاب الإسلاموفوبيا، وقطع الطريق على تقديم قراءات “نفسية” للحدث تستخدم أحيانا في تفسير مثل هذه العمليات. 

ولكن ما هي الأسباب الرئيسية في تصاعد الإسلاموفوبيا؟ ثمة أربعة أسباب رئيسية:

أولا: تصاعد شعور الرفض للمؤسسات الحاكمة في الغرب، والتي تحكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتتموضع هذه المؤسسات والأحزاب الحاكمة غالبا في تيارات الوسط: يسار الوسط ويمين الوسط، وبما أنها تحكم منذ أكثر من ستة عقود فمن الطبيعي أن تظهر تيارات “متمردة” مناهضة لها.

 

تمظهر هذا التمرد في اتجاهين متناقضين، أحدهما “محمود” وهو اليسار، والآخر متطرف وهو اليمين المتشدد. ظهر في أمريكا ترامب على اليمين، ولكن ظهر أيضا بيرني ساندرز على اليسار، وفي بعض الدول الأوروبية صعدت تيارات يسارية أهمها على الإطلاق جيرمي كوربن ويسار اليونان، ولكن التوجه لليمين كان أكبر وهو الذي يشكل خطورة حقيقية على الوضع القائم وهو الذي صنع الأرضية الخصبة للإسلاموفوبيا.

 

خطاب اليمين الغربي المقزز ضد الإسلام والمسلمين هو الذي أسس بلا شك لمجموعة هجمات إرهابية ضد المسلمين ومساجدهم

ثانيا: الانكماش الاقتصادي وتراجع “دولة الرفاه” في كثير من دول الغرب والشرق. وفي حالات الانكماش وتراجع الموارد تبدأ مظاهر الانفجارات الاجتماعية بالتشكل، وقد كانت مسألة الهجرة وارتفاع عدد المهاجرين إحدى القضايا المركزية في هذه الانفجارات، حيث نظر إليها كسبب في قلة الموارد وزيادة السكان بدرجة تقلل من نسبة الرفاه الذي يوزع على كل فرد. ومع ارتفاع عدد المسلمين في دول الغرب ونيوزلندا وغيرها من الدول اختلطت الشعارات الرافضة للهجرة بشعارات التخويف من المسلمين “كمهدد للطبيعة الثقافية للغرب وكسبب في تراجع الرفاه”، وهو ما ساهم في تصاعد “الإسلاموفوبيا”.

ثالثا: صعود نخب سياسية متطرفة، استغلت المشاعر المناهضة للهجرة والأيدولوجيا الكامنة لدى بعض القطاعات الشعبية حول “تفوق” الرجل الأبيض وهوية “أوروبا المسيحية” لتحقيق أهداف انتخابية.

 

لعبت بعضت وسائل الإعلام اليميني بشكل متعمد أو غير متعمد على الخلط بين الإسلام وبين التطرف، أو بين المسلمين وبين التنظيمات الإرهابية التي تنسب نفسها “للجهاد”

 

وقد أصبح بعض سياسي هذه النخب خلال العقدين الماضيين جزءا من “التيار الرئيسي” في السياسة الغربية وحققوا إنجازات انتخابية غير مسبوقة بالاستفادة من السببين المذكورين سابقا، بل إن تقدم هذه النخب أدى إلى التأثير بشكل غير مباشر على خطاب زعماء بعض تيارات الوسط ويمين الوسط وجعلها تلجأ لشعارات “يمينية” وتنتمي للإسلاموفوبيا بهدف الحفاظ على القواعد الانتخابية ومنع تسربها للتيارات اليمينية المتشددة، كما أن هذه المناخات أدت إلى تراخي بعض أحزاب “يمين الوسط” في التعامل مع ظاهرة الخوف “الرهابي” من الإسلام داخل صفوف سياسييها ووضع حد لها خوفا من خسارة بعض قواعدها الشعبية.

رابعا: صعود حركات التطرف “الجهادية” وخصوصا تنظيم “الدولة”، الذي أصبح مادة يومية للإعلام الغربي خصوصا بعد العمليات الإرهابية التي نفذت في الغرب من قبل منتمين أو متأثرين بهذا التنظيم.

وهنا لعبت بعضت وسائل الإعلام اليميني بشكل متعمد أو غير متعمد على الخلط بين الإسلام وبين التطرف، أو بين المسلمين وبين التنظيمات الإرهابية التي تنسب نفسها “للجهاد”. ومع الضخ الإعلامي الكبير تصاعدت ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تصور بشكل أو بآخر كل مسلم باعتباره “خطرا ممكنا” أو “إرهابيا محتملا”.

وعلى الرغم من تصاعد هذه الظاهرة، إلا أن من المنصف القول أن غالبية الشعوب الغربية لم تتأثر بها حتى الآن، كما أن كثرا من وسائل الإعلام الغربية تواجهها وإن كانت حتى الآن عاجزة عن التأثير الذي يمكن أن يوازي الإعلام اليميني أو إعلام “التابلويد” الشعبي الأكثر انتشارا.

هذا عن الغرب وظاهرة الإسلاموفوبيا، فماذا عنا نحن العرب والمسلمين؟

لا بد في الحديث عن هذه الظاهرة السرطانية من ملاحظات عن تعامل العرب والمسلمين معها، وثمة ملاحظتان رئيسيتان:

أولا: غياب دور قوي وفعال للدول العربية والإسلامية في مواجهة الظاهرة، وخفوت الصوت الرسمي، باستثناءات بسيطة، عن المطالبة عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتركيز على محاربة الخوف الرهابي من الإسلام، وأيضا محاربة بعض مظاهر القمع ضد الأقليات المسلمة كما يحدث في ميانمار/بورما أو في الصين.

 

ثمة ظاهرة عربية تتصاعد يوما بعد يوم، وهي “الليبراليين” المعادين لليبرالية! فالليبرالي الحقيقي يجب أن يقف مع حقوق الجميع وحرياتهم

 

إن غياب مثل هذا الدور يجعل مسلمي الغرب ضحية سهلة أمام تغول اليمين وتجاه ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، إذ أن دول العالم في النهاية لا يوجد ما “يضغط” عليها لوضع حد للتخويف من الإسلام، بل إن الأمر يزداد سوءا بقيام بعض الدول بالتحريض المباشر وغير المباشر على مسلمي الغرب ومنظماتهم لأسباب تتعلق بصراعات سياسية داخلية، وهو أمر مؤسف وغريب لأن الدولة العاقلة لا تحكم سياستها الخارجية بصراعاتها الداخلية، بل بمصالحها ومصالح شعوبها.

ثانيا: ثمة ظاهرة عربية تتصاعد يوما بعد يوم، وهي “الليبراليون” المعادون لليبرالية! فالليبرالي الحقيقي يجب أن يقف مع حقوق الجميع وحرياتهم، ويجب أن يواجه الظلم والكراهية ضد أي طرف حتى لو كان مختلفا معه، وهذا ما يحدث لدى غالبية الليبراليين في الغرب، بينما يغرق كثير من “ليبراليي” العرب بالخصومة مع الإسلاميين، التي تحولهم إلى داعمين للاستبداد داخليا، ومنكرين للإسلاموفوبيا خارجيا!

هذا التيار من الليبراليين كان يسخف من مخاوف مسلمي الغرب من “الإسلاموفوبيا”، واعتبرها بعض رموزه جزءا من دعاية “الإخوان” في الغرب، ووقف بعضهم مع قرارات مجحفة بحق المسلمين مثل سماح المحكمة الأوروبية قبل عام للشركات بمنع الحجاب ضمن رموز دينية أخرى، واعتبروا من يرفضون القرار “إسلاميين” غير مندمجين في مجتمعاتهم الغربية.

 

هنا يتحول هذا التيار إلى دفاع عن ظلم الأقليات برغم ادعائه لليبرالية، وينصب نفسه للحكم في قضية تخص مسلمي الغرب بالرغم من أنه لا يعيش في الغرب ولا يتابع الضخ الإعلامي اليومي المتأثر بالإسلاموفوبيا، ولكنه يتخذ هذا الموقف بسبب خلافاته الداخلية “المشروعة” مع تيارات إسلامية.

وجهات نظر 0 comments on التدخل الروسي في ليبيا.. محدداته و اتجاهاته .. بقلم السنوسي بسيكري

التدخل الروسي في ليبيا.. محدداته و اتجاهاته .. بقلم السنوسي بسيكري

ليبيا حليف لروسيا لعقود خلت قبل ثورة السابع عشر من فبراير، ولطالما شكل الاتحاد السوفياتي، وفي القلب منه روسيا الاتحادية، درعا يحمي النظام السابق من ضغوط الغرب ويفسح له المجال للمناورة  وحتى تهديد المصالح الأمريكية والأوروبية هنا وهناك.

 

لماذا لم وقفت روسيا على الحياد في آخر أيام القذافي؟

لكن روسيا لم تحمِ حليفها من قوات الناتو ولم تحرك ساكنا وقت صدور قرار مجلس الأمن رقم 1973 القاضي بحماية المدنيين حال وقوع اعتداء من قوات القذافي، واعتبر مراقبون روس أن وقوف الرئيس الروسي “ديمتري مدفيدف” على الحياد في الأزمة الليبية العام 2011م لا يعكس توجها روسيا أصيلا، فقد أظهر استطلاع رأي أجراه مركز ليفادا “Levada” الروسي أن 13% فقط من الروس أيدوا سياسة مدفيدف.

لذا فإن التدخل الروسي القوي والعنيف والمواجهة العنيدة لمواقف الدول الغربية في الأزمة السورية وأيضا التدخل في ليبيا لم تعكس فقط تفكير ورؤية وسلوك الرئيس “بوتين”، بل عبرت عن رأي عام روسي يرى أن حماية ودعم الحلفاء القدامى واجب.

 

مصالح روسية في ليبيا

بالقطع هناك مصالح اقتصادية لروسيا في ليبيا، فقد بلغت العقود التي تم توقيعها قبل تفجر الثورة نحو 8 مليارات دولار أمريكي منها اتفاقات تسليح وأخرى مشاريع بنية تحتية كالسكك الحديدية وأخرى اتفاقات اكتشاف نفطي.

 

إن لتدخل روسيا في ليبيا بعد يتجاوز المكاسب الاقتصادية وينحو منحى آخر في إطار الصدام مع الغرب في ملفات عدة.

غير أن البعض يرى أن المصالح الاقتصادية وحتى مشاريع الطاقة ليست هي الباعث الرئيس خلف التدخل الروسي في الصراع الليبي من خلال دعم خليفة حفتر وقواته في عملياته العسكرية المختلفة، فقد ذهب الخبير الروسي ميخائيل كروتيكن “Mikhail Krutikhin” إلى أن غاية بوتين ليس التنقيب على البترول الليبي، بل منع الأوروبيين من فعل ذلك.

صحيفة الصن “The Sun” البريطانية ذهبت إلى شيء قريب من هذا المعنى بالقول إن معلومات مصدرها المخابرات البريطانية تظهر أن موسكو أرادت اللعب بورقة الهجرة غير الشرعية في ليبيا للضغط على أوروبا أو أهم عواصمها، مما يعني أن لتدخل روسيا في ليبيا بعد يتجاوز المكاسب الاقتصادية وينحو منحى آخر في إطار الصدام مع الغرب في ملفات عدة.

وعليه فإن الصفقات التجارية ومشاريع الطاقة تتعدى الحاجة الاعتيادية في تقدير المصالح لتتحول بالنسبة للروس إلى أداة استراتيجية للضغط وورقة سياسية للتفاوض مع الأطراف النافذة على الخريطة الدولية.

 

موسكو لها قنوات مع حفتر وسيف الإسلام وفتحت قناة اتصال وتفاهم مع المجلس الرئاسي ورئيسه فايز السراج وتحاول التواصل مع “مصراتة”

التقرير الذي نشره موقع بلومبرغ “Bloomberg” حول الدور الروسي في ليبيا، والذي اعتمد في مضمونه على معلومات وتحليلات خبراء روس ودبلوماسيين غربيين وغيرهم يشير إلى أن موسكو لم تحسم أمرها في ما يتعلق بحليفها الرئيسي ولم تقطع في رهانها على من يكون النافذ في القرار السياسي الليبي وكيف.

بمعنى أن حفتر البالغ من العمر 77 عاما هو خيار للرهان في المدى القصير وليس في المدى الطويل، وأن سيف الإسلام الذي يمثل النظام السابق، الصديق القديم لروسيا، والدائرة الأهم لاختيار الحليف بالنسبة لموسكو، يواجه ملاحقة قضائية من المحكمة الجنائية الدولية تحول دون وصوله للحكم سلميا عبر انتخابات، ولا يملك قوة عسكرية ضاربة تمكنه من أن يكون بديلا فاعلا على الأرض.

هذه العوائق دفعت الروس إلى أن تتبنى موقفا سياسيا يصفه البعض بالمتوازن، ولكنه في حقيقته يعكس حالة من عدم اليقين حيال الخيار الأمثل.

فتح قناة اتصال وتفاهم مع المجلس الرئاسي ورئيسه فايز السراج ومحاولة التواصل مع “مصراتة” يعكس ما وصف بالتوازن، وهو في رأيي فتح المجال لكل الخيارات للتماهي مع الاتجاه الذي تفرضه الظروف المحلية والدولية، وهو موقف مؤقت يمكن أن يتغير بشكل سريع إذا ما تطور الوضع واحتدم الصراع دوليا حول ليبيا.

وجهات نظر 0 comments on جريمة نيوزيلندا : الحضارات المنتصرة تنصر إنسانها…سنظل نحصي قتلانا .. بقلم بحري العرفاوي

جريمة نيوزيلندا : الحضارات المنتصرة تنصر إنسانها…سنظل نحصي قتلانا .. بقلم بحري العرفاوي

استمعت و أنا في غرفتي بالمبيت الجامعي سنة 1979 الى خطبة لعبد الحميد كشك رحمه الله يروي من تاريخنا حادثة سبي ملك من الروم امرأة مسلمة فأرسل اليه قائد مسلم رسالة يقول له إذا لم تطلق سراح المراة حالا أجيئك بجيش أوله عندك وآخره عندي الموت أحب اليه من الحياة فأطلق سراحها و أرسلها معززة و في حماية عشرات من نساء دولته…بكيت يومها و أنا اتابع أخبار قتل المسلمين على يد الصهاينة في فلسطين وعلى يد الروس في افغانستان.
اقتنعت أن لا كرامة لمواطن دولته ضعيفة و أمته مهزومة و أن كرامة الفرد و عزته من كرامة و عزة أمته.

أتساءل دائما ما الذي يجعل سائحا غربيا يتجول في شوارعنا عاريا و يدخل مساجدنا لالتقاط الصور دون أن يشعر بأي توجس أو ارتياب ؟ أليس لأنه يجد في قرارة نفسه أنه ينتمي لدولة قوية منتصرة ؟ لا صحة لما يقال من أنه يجد أننا شعب مضياف ومسالم فهو لا يجد هذا في نفسه بل يجد أننا مهزومون تابعون و لا نقدر على إيذائه.

الغرب الذي يذهب اليه شبابنا هاربا من الفقر ولاجئا من الاستبداد هل يمكن أن ينظر اليه الغربيون على أنه ينتمي الى حضارة منتصرة ؟

ما حدث في نيوزيلاندا لا يختلف عما يحدث منذ عقود ضد المسلمين على أيدي أعدائهم و على أيدي بعضهم بتحريض من أعدائهم…المسلمون لا ينتمون في نظر الآخرين الى حضارة منتصرة بل الى حضارة مهزومة والى دُول فاشلة والى أنظمة عميلة وليس لهم من سند و لا قدرة و لا همة أصلا بل إنهم هم من يهينون تاريخهم و حضارتهم ويتبرؤون من دينهم و من هويتهم ويخوضون اقتتالا بشعا ضد بعضهم سواء باسم الثورة او باسم الحداثة أو باسم الدين والطائفة.

ليس المشكلة في عدد قتلى المصلين على يد مجرم عنصري حاقد وإنما في تلك الجرأة على ذواتٍ إنسانية مسالمة وفي وضعية تعبّد، إنها ليست شجاعة ولا بطولة حين يقتل القاتل وإنما هي “مهانة” نفس القتيل عنده وغياب مهابتها لديه وهذا هو الجواب عن “جرأة” المجرمين علينا نحن المسلمين في عصرنا هذا.

المسلمون لا يسألون لماذا نحن مهزومون وإنما يسألون لماذا نحن “ضحايا” وبدل البحث عن طرائق الانتصار ووسائله فانهم يستلذون “غربتهم” ولا يغادرون عقدة “المنبوذية” وكأن قدرهم أن يظلوا على هامش التاريخ مفعولا بهم وفيهم لا يقدرون على شيء.

سنظل نحصي ضحايانا و شهداءنا و سنظل في اعين الاخرين مهزومين و لا نستحق الحياة ما لم نؤمن بأن الحياة اقتدار وما لم نسع الى انتزاع مكانة لنا في العالم ومكان اقتدارا واستحقاقا لا تبعية ولا تفضلا من أي جهة.

حين يشعر من تسول له نفسه الاعتداء على مواطن مسلم بأن وراءه دولة أو أمة مقتدرة لن يعجزها أن تجلبه للمحاكمة من أي نقطة من العالم أو أن وراءه من ينتصر اليه ف”يقتص” له وباقصى سرعة وفي أي مكان فلن يستضعفنا لا حاقدون عنصريون ولا مختلون فقدوا عقولهم.

نحن في دول لا يقدر حكامها على رفض تسليم مواطنيها لسلطات أجنبية ولا تقدر على حمايتهم من أن تغتالهم يد الاجرام العالمي ولا تقدر على محاكمة قاتلي مواطنيها ولا تقدر على قطع علاقات مع دول يحكمها مجرمون .

ما دمنا في “حماية” غالبينا فإننا لسنا أكثر من معتاشين نخوض معارك الصغار والصغائر ضد بعضنا ولسنا أبعد مدى من مقابر متحركة.