وجهات نظر 0 comments on الإثار السياسية و الأمنية لاعتراف الإدارة الأمريكية بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان

الإثار السياسية و الأمنية لاعتراف الإدارة الأمريكية بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان

المضمون: ستكون للخطوة الامريكية آثار سياسية في الساحة الدولية والإقليمية وفي داخل إسرائيل. ولكنها لا تضع تحديات امنية خاصة. عمليا ستؤثر على قدرة المحافل الامريكية الرسمية للعمل في هضبة الجولان مثلما في كل ارض سيادية لإسرائيل وعلى الفكرة في داخل اسرائيل بان بوسعها أن تحتفظ على مدى الزمن بالأراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة حتى دون اتفاق مع الأطراف العربية.
في اثناء لقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب في 25 اذار 2019 وقع الرئيس على اعلان رئاسي يعترف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان. وذلك بعد اكثر من 37 سنة من تشريع الكنيست للقانون الذي طبق القانون الاسرائيلي على هضبة الجولان في كانون الاول 1981، الخطوة التي معناها العملي كان ضم هضبة الجولان الى اسرائيل (رغم نفي رئيس الوزراء، مناحم بيغن، في ذاك الوقت). على مدى هذه الفترة الطويلة لم يعترف اي لاعب ذي مغزى في الساحة الدولية بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان، وحافظت الساحة الدولية بتزمت على المبدأ الاساس في قرار 242 لمجلس الامن “لا ينبغي الموافقة على اكتساب الارض بالحرب”. وردا على احلال القانون اتخذ مجلس الامن حتى قرار 497 الذي قضى بان الضم لا معنى له من ناحية دولية.
لقد كانت احتياجات السياسة الداخلية هي التي حفزت تحريك الخطوة رئيسي الدولتين على هذه الخطوة. فكلاهما كانا يحتاجان الى هذه الخطوة لارضاء قاعدتهما السياسية. نتنياهو يعيش في ذروة حملة انتخابات، قبل اسبوعين من موعد الانتخابات، وهدفه هو منع تسرب الناخبين الى خصمه السياسي حزب أزرق أبيض ومنافسيه في معسكر اليمين. اما ترامب فيوجد عمليا في حملة انتخابات منذ انتخابه، وبدأ منذ الان نشاطا مكثفا لضمان انتخابه لولاية ثانية في 2020. صحيح أن خطوة الرئيس تعكس ايضا رغبته في مساعدة اعادة انتخاب نتنياهو في الانتخابات القريبة القادمة، ولكن هذه ليست أول حالة لتدخل الادارة الامريكية للانتخابات في اسرائيل، في محاولة لمساعدة المرشح المفضل على الرئيس الامريكي. وقد استقبل الاعلان بالترحاب من معظم الجمهور الاسرائيلي ومن الساحة السياسية الاسرائيلية. هدف هذا المقال هو تحليل الاثار السياسية والامنية لخطوة الرئيس ترامب.

الاثار الامنية
لإحلال القانون الاسرائيلي على الجولان في 1981 لم تكن آثار امنية فورية في 1981، عندما كانت سوريا في وضع عسكري مختلف تماما حيال اسرائيل، ومعقول ان هذه المرة ايضا ستمتنع سوريا عن المواجهة العسكرية المباشرة مع اسرائيل. يحتمل ان يكون دافعها لمحاولة المس باسرائيل والموجودة منذ الان بسبب النشاط العسكري الاسرائيلي في الاراضي السورية في السنوات الاخيرة سيزداد. وهي ستزيد دعمها لجهود حزب الله وغيرها من الميليشيات الشيعية لبناء بنية تحتية للعمليات في هضبة الجولان تعمل عند الحاجة. وسيكون الاستخدام في هذه الحالة حذرا وسيتطلع على الامتناع عن التصعيد الجدي مع اسرائيل. لايران وفروعها مواجهة عسكرية محدودة مع اسرائيل في الاراضي السورية منذ الان، ولا يبدو أنه سيكون لخطوة الرئيس ترامب هذه تأثير على ميزان دوافعها واعتباراتها لكيفية العمل ضد اسرائيل. هكذا ايضا في ما يتعلق بالساحة الفلسطينية. ليس معقولا ان يكون لهذه الخطوة تأثير على قرارات المنظمات المشاركة في الارهاب ضد اسرائيل وفي اعتبارات الافراد اذا كانوا سيعملون ضد اسرائيل.

ردود فعل وآثار سياسية
أعربت الساحة الدولية عن عدم رضاها عن الخطوة الامريكية. أمثلة بارزة: الناطقة بلسان وزارة الخارجية الروسية أعلنت بان تغيير مكانة هضبة الجولان، في ظل تجاوز مجلس الامن، يشكل خرقا مباشرا لقرارات الأمم المتحدة. وأضافت بان لروسيا موقفا مبدئيا يقول ان الجولان يعود لسوريا وذلك وفقا لقرار 497 للأمم المتحدة. بل ان روسيا حاولت ان تستخدم حجة انه اذا كانت الولايات المتحدة لا تعترف بهذه القرارات، فلماذا لا تبدي استعدادا للاعتراف بسيادة روسيا على القرم. وأفاد الاتحاد الأوروبي بانه: “لا تغيير في موقف الاتحاد. فوفقا للقانون الدولي، لا نعترف بسيادة إسرائيل على الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ حزيران 1967، بما في ذلك هضبة الجولان، ولا نعتبرها جزءا من أراضي إسرائيل”. في فرنسا وفي المانيا تحفظوا من تصريحات ترامب وفي وزارة الخارجية الفرنسية بان السيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان تتعارض والقانون الدولي. وقالت الناطقة بلسان الحكومة في برلين انه “تغيير الحدود القومية يجب أن يتقرر بالسلام بين الطرفين المشاركين”.
تتفق مع هذا الموقف أيضا دول الشرق الأوسط الصديقة لإسرائيل، وبالطبع اعداؤها أيضا: فقد شددت مصر على موقفها الثابت في أن الجولان السوري هو ارض عربية محتلة وفقا لقرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها قرار 497. وعلى حد قول القاهرة، فان على الاسرة الدولية ان تحترم قرارات الأمم المتحدة وميثاق الأمم المتحدة يحظر السيطرة على الأراضي بالقوة. وقال وزير الخارجية الأردني ان “موقف الأردن بالنسبة لهضبة الجولان يبقى كما كان دائما، الجولان هو ارض سورية محتلة وذلك بموجب قرارات دولية تشير بشكل واضح لا يقبل التأويل بانه محظور الاستيلاء على الأرض بالقوة. والسلام الشامل يحتاج الى انسحاب إسرائيلي من كل الأراضي العربية المحتلة، وهضبة الجولان السورية هي جزء لا يتجزأ من هذه الأراضي. اما دول الخليج وعلى رأسها السعودية فقد أعربت هي الأخرى عن معارضتها وكررت القول ان هضبة الجولان هي ارض محتلة.
وشجب الناطق بلسان الخارجية الإيرانية قرار ترامب وشدد على أن “الكيان الصهيوني” يحتل أراض عربية وإسلامية – الامر الذي يجب أن ينتهي. وعلى حد قوله، فبموجب قرارات مجلس الامن والأمم المتحدة فان الجولان يعتبر ارضا سورية محتلة. وشجبت تركيا الخطوة بشدة وأعلنت عن نيتها التوجه في هذه المسألة الى المؤسسات الدولية.
يمكن الافتراض، بالتالي، بان الاسرة الدولية ودول الشرق الأوسط ستواصل التعاطي مع هذه الخطوة مثلما تعاطت مع القرار الأمريكي لنقل السفارة الى القدس. وستواصل عدم الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، مع استثناءات هامشية وقليلة ممن يرغبون بارضاء إدارة ترامب. سؤال منفصل هو اذا كانت هذه المعارضة ستترجم الى خطوات عملية. يحتمل أن يحاول العالم العربي وتركيا اتخاذ قرارات في محافل الأمم المتحدة تعارض هذه الخطة وتؤكد من جديد قرار 497. معقول أن تصطدم مثل هذه المحاولة بفيتو امريكي من جانب مجلس الامن، ولكن يحتمل أن يتخذ اعلان بهذه الروح في الجمعية العمومية فتتوفر له الأغلبية. وباستثناء ذلك من غير المتوقع خطوات عملية خاصة ذات مغزى في الساحة الدولية.
في العالم العربي ستجعل هذه الخطوة التعاون العلني مع إسرائيل من جانب الدول الموقعة على اتفاقات السلام معها ودول تقيم علاقات غير رسمية معها كدول الخليج صعبا جدا. والافتراض بان تترجم المعارضة والعداء لقسم كبير من الدول العربية لنظام الأسد الى موافقة على الخطوة الامريكية لا يأخذ بالحسبان الفصل الذي تجريه هذه الدول بين النظام وبين الدولة السورية السيادية. والتقديرات التي برزت مع بدء الهزات في العالم العربي بانه حلت نهاية لما يسمى حدود سايكس بيكو وبالتالي من المتوقع حدوث تغييرات على حدود الدول العربية – تبددت حاليا. فالدول تحافظ على صيغتها السياسية وعلى حدودها حتى لو سادت فيها الفوضى ومبدأ عدم تغيير الحدود بالقوة بقي كما كان في 1991، حين أدى احتلال صدام حسين للكويت الى توحيد كل العالم العربي ضده، مثلما كان في 2018 عندما قمعت محاولة الحكم الكردي الذاتي في العراق للتحول الى دولة مستقلة، إذ قمعتها حكومة العراق بدعم من كل العالم العربي. العالم العربي لن يكون مستعدا للموافقة على مس إسرائيل بسيادة دولة عربية.
بالنسبة للاثار السياسية مع سوريا، من غير المعقول ان تحاول سوريا ان ترد على هذه الخطوة بجهد للمس باتفاق الفصل بين إسرائيل وسوريا وبالمسيرة التي بدأت لاعادة تواجد القوة الدولية ونشاطها. كما لا يبدو أن الخطوة الامريكية ستمس بامكانية استئناف المفاوضات مع سوريا على اتفاق سلام اذا ما نشأت في المستقبل ظروف ما وقامت حكومة في اسرائيل تكون معنية باستئناف المفاوضات. اذا كانت سوريا مستعدة لان تدخل في مثل هذه المفاوضات مع إسرائيل عدة مرات بعد إحلال القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان، فلماذا تغير الخطوة الامريكية هذا السلوك السوري؟ يمكن بالطبع الادعاء بانه من ناحية السياسة الداخلية سيكون من الأصعب على كل حكومة إسرائيلية أن تتخذ مثل هذا القرار لان المعارضين سيدعون بانه لا يوجد أي سبب يجعل إسرائيل تدخل في مثل هذه المفاوضات التي تنطوي بالضرورة على بحث في إمكانية التنازل عن أراضي في هضبة الجولان حين تكون القوة العظمى والحليفة الأساس لإسرائيل تؤيد سيادتها في هضبة الجولان. ولكن ينبغي أن نأخذ بالحسبان بان إدارة أمريكية أخرى يمكنها أن تغير موقف الولايات المتحدة في المستقبل في هذا الموضوع، لاعتبارات سياسية داخلية او لتغيير الظروف.
هذه الخطوة تعزز صورة الإدارة الامريكية الحالية كمن تقف بلا شروط الى جانب اسرائيل وتتبنى مواقفها تجاه الدول العربية. كما أنها ستعزز التحفظ الموجود منذ الان لدى حلفاء الولايات المتحدة من سياستها العامة في المنطقة مما سيجعل من الصعب على الإدارة ان توسع وتعمق التنسيق معها وليس فقط في المواضيع الفلسطينية. يمكن ان ينطبق هذا أيضا على الموقف من مساعي الإدارة لتجنيد اكبر عدد ممكن من الشركاء الإقليميين لسياستها تجاه ايران. هذه الصورة ستمس اكثر بقدرة إدارة ترامب على التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين وتجنيد الدول العربية لمساعدتها في تسويق صفقة القرن التي احتمالاتها على أي حال في تحقيق التقدم في الساحة الفلسطينية ستكون هزيلة حتى قبل هذه الخطوة. في إسرائيل يمكن لهذه الخطوة أن تشجع المحافل السياسية التي طرحت أفكار ضم المناطق الفلسطينية من محاولة تحقيق هذه الأفكار بعد الانتخابات، بدعوى أن الإدارة الامريكية لن تمنعها. واذا كان نتنياهو هو رئيس الوزراء التالي فان ترامب سيتوقع خطوات تأييد مشابهة من جانبه قبيل الانتخابات الامريكية، الامر الذي سيعزز صورة إسرائيل كمن تنحاز في الخلاف السياسي الأمريكي الداخلي مع كل آثار ذلك على علاقات إسرائيل مع الحزب الديمقراطي.
وبالاجمال، ستكون للخطوة الامريكية اثار سياسية في الساحة الدولية والإقليمية وفي داخل إسرائيل. ولكنها لا تضع تحديات امنية خاصة. عمليا ستؤثر على قدرة المحافل الامريكية الرسمية للعمل في هضبة الجولان مثلما في كل ارض سيادية لإسرائيل وعلى الفكرة في داخل اسرائيل بان بوسعها أن تحتفظ على مدى الزمن بالاراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة حتى دون اتفاق مع الأطراف العربية.

مقال بقلم شلومو بروم

وجهات نظر 0 comments on الجزائر إذ تعيد كتابة ربيع العرب .. بقلم جلال الورغي

الجزائر إذ تعيد كتابة ربيع العرب .. بقلم جلال الورغي

يبدو العام الجديد 2019 عام الجزائر بامتياز. وما يخطه الشعب الجزائري من تحركات استثنائية على جميع الأصعدة، من أجل التغيير ينهض كعنوان للمرحلة في البلاد وفي المنطقة. وبقدر الخشية على الجزائر- المتعطشة للتغيير- من مصائر صعبة من عدم الاستقرار، عالقة في النفوس والذاكرة القريبة والبعيدة المرتبطة بالبلاد والمنطقة، بقدر ما يتبدد هذا القلق وتتوارى هذه الخشية عندما نتوقف عند السمت العام الذي طبع هذا الحراك التاريخي، وما انطبع به أسبوعا بعد أسبوع من مظاهر تبدو غير تقليدية، وتقطع مع الأنماط التقليدية للاحتجاجات، ومع أي حراك تقليدي شهدته بلدان منطقتنا سابقا، مشرقا ومغربا، واتسم بحالة معهودة من الاحتقان والتوتر ومظاهر العنف والعنف المضاد.

ينهض الحراك الجزائري اليوم مختلفا واستثنائيا، وبمعالم فريدة، تميّز بها إلى حد الآن وفرضت علينا التوقف عندها لما لها من دلالات عميقة على المشهد السياسي الجزائري والعربي، وحتى أوسع من ذلك، بحكم ما للجزائر من ثقل في المنطقة. وهو أيضا حراك ذو تأثير عميق لما له من انعكاسات على تجارب وحركات التغيير والإصلاح في المنطقة. إصلاح وتغيير يبدو اليوم حاجة تاريخية واستراتيجية ملحة، في منطقة ترنو للعبور لمرحلة جديدة بعد عقود من الركود، استنفد خلالها المنوال القديم، تجربة سياسية، وتنمية اقتصادية. ولعل من المناسب قبل التوقف عند الخصائص الأساسية المميزة لهذا الحراك أن نعطي لمحة مختصرة عن سياقاته.

تعتبر الجزائر البوابة الرئيسية بين ضفتي أوروبا وإفريقيا، وقد نالت استقلالها باقتدار في 2 يوليو/تموز 1962، متحررة من الاستعمار الفرنسي بعد حرب تحرير كانت الأكثر ملحمية على المستوى العربي والإفريقي. تقع الجزائر على مساحة جغرافية تقدر بـ 2.4 مليون كم مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 41 مليون نسمة، وهي تمثل أحد الأعمدة الأساسية للقارة الإفريقية جغرافية وسياسة، وأحد أبرز البلدان المغاربية والعربية. نجحت الجزائر في تحقيق حد معقول من الاستقرار، بعد أزمة حادة عصفت بها لسنوات طويلة، عقب إلغاء المسار الانتخابي عام 1991. وكان لبوتفليقة، الذي يطالب الشعب اليوم برحيله، وقبله لمين زروال، الذي يتم تداول اسمه ضمن سيناريوهات الخروج من الأزمة، كان لهما دور مقدر في تخفيض منسوب الأزمة واحتوائها في إطار مصالحة وطنية أو ما عُرف بالوئام المدني، رغم ما أثير حوله من مؤاخذات. قدرة النخب السياسية والعسكرية الجزائرية في تجاوز العشرية السوداء، لم يواكبه نجاح على المستوى الاقتصادي، فلم تنجح الجزائر في إنجاز إصلاحات هيكلية عميقة، وبقي اقتصادها يعتمد أساسا على الثروات النفطية، حيث أن 97% من صادرات البلاد هي من المحروقات (النفط والغاز)، كما أن ثلثي الدخل الوطني الخام هو من المحروقات.

وعلى الرغم مما ضخه ارتفاع أسعار النفط والغاز على المستوى العالمي، من مداخيل للخزينة الجزائرية، مكنها من استخلاص ديونها الخارجية، ووفّر لها احتياطيا من العملة الصعبة وصل في 2014 إلى 178 مليار دولار أمريكي إلى جانب صندوق سيادي بقيمة 37 مليار دولار. غير أن هذا الاحتياطي انكمش مع بداية عام 2018 إلى 97 مليار دولار فقط، بينما استنزف الصندوق السيادي بالكامل لتغطية العجز المتتالي في الميزانيات السنوية.

وبسبب هذا العجز المزمن للحكومات المتعاقبة في إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية هيكلية جدية وعميقة، ظل الاقتصاد الجزائري يعاني من حالة انكماش مزمنة، ومن خلل متواصل في التوازنات المالية، استنزفت بسببها إمكانيات هائلة من مقدرات البلاد من أجل الإنعاش وتغطية العجز، بينما كان يمكن لتلك الإمكانيات المبددة أن تكون رافعة للازدهار والنهضة.

وقد عمّق من هذه الأزمة الاقتصادية الهيكلية، وعدم القدرة على تجاوزها، حالة الركود السياسي وغياب دينامكية تنافسية في المشهد السياسي، بسبب عوامل كثيرة ترتبط بشرعية الحكم ومرجعيته. وفي هذا السياق يدخل الحراك الشعبي السلمي اليوم في الجزائر إلى مرحلة جديدة، تبدو البلاد أحوج ما تكون إليها من أجل الاندراج في ديناميكية جديدة، تؤسس لعقد اجتماعي وسياسي جديد بين الدولة والمجتمع، تأخذ بعين الاعتبار الحيوية الكبيرة في المجتمع لاسيما وأن 70% منه من الشباب المندفع باتجاه التغيير. ديناميكية تستعيد بها الجزائر حيويتها الداخلية، سياسة واجتماعا واقتصادا، وتعيد تفعيل دورها الخارجي في سياق دبلوماسية نشيطة تليق بمكانتها التاريخية والاستراتيجية في الفضاء المغاربي العربي والإفريقي والدولي. فالسلمية التي ميّزت الحراك في أسابيعه المتتالية، والإصرار عليها، أعطى للحراك زخما غير مسبوق. وتحوّل الحراك بفضل هذا النهح السلمي منه حراكا طاردا إليه حراكا جاذبا. وبقدر ما عهدنا في الاحتجاجات السياسية من مظاهر التوتر والاحتقان والعنف، بقدر ما شهدنا في حراك الجزائر حالة من الايجابية والتفاؤل والاحتفالية، فقد نجحت الهبّة الجزائرية التغييرية في إخراج وإظهار أجمل ما في الجزائريين من تحضر وتلاطف وتضامن وتوحّد. وبسبب هذا الاصرار على السلمية والنجاح في تكريسها سمتا يوميا في الاحتجاجات، تصاعد زخم الحراك بشكل متدرج، وتوسعت دائرة المشاركين فيه والمؤمنين بمطالبه وأهدافه.

حراك الجزائر جاء مشددا ومتمسكا بالتصدي للتدخلات الخارجية لا أداة لها

بدت السلمية رسالة جديدة من الجزائريين لبلادهم وللمنطقة والعالم، إن المطالبة بالتغيير والإصلاح الحقيقي لا الشكلي، والعميق لا السطحي، ليس تجذرا في العنف، وإنما تجذرا في السلمية وتعزيزا لها. كما بعث هذا السمت السلمي للحراك برسالة للعالم، أن قوى التغيير قوى جادة ومعتدلة، حريصة على أمن بلدانها وأمان شعبها، ومكاسب العمران فيها، وهي قوى جاءت لتعزيزه وتطويره وليس لنقضه وتفويره. جدّد الحراك شعور الجزائريين بوطنيتهم واعتزازهم بهويتهم. وبدّد صورة نمطية شائعة، علقت بأذهان الكثيرين عن الجزائريين بسبب تجربة العشرية السوداء التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأشخاص، فقد نجح الجزائريون في إعادة اكتشاف أنفسهم، وانتمائهم، فرفرف العلم الجزائري في البلاد، وتزيّنت به الشوارع وتوشحت به المدن والقرى، وتلحّف به شباب وشابات الجزائر في المليونيات التي خرجت للتظاهر، وتناقلته شاشات وفضائيات العالم، حتى استحال راية ترفرف في الفضائيات العالمية. ولعل البهاء المميز لألوان الراية بأخضرها الباعث في الروح سلما، والبياض المعانق لها صفاء، والنجمة الحمراء المتوسطة لها كأنها وجه شهيد التحرير يتلألأ، كل ذلك كثف سردية جديدة لحراك تاريخي لا يزال يسطّر ملحمة فريدة عن الجزائريين. مسالمون نهجا ومبدئيون قيما وموحدون شعبا، محتفون بالتنوع ثقافة والأهم من ذلك مبدئيون أهدافا. أظهر الجزائريون، نساء ورجالا، شبابا وكهولا، في الداخل والخارج، أجمل ما فيهم من قيم، قدمت الجزائر والجزائريين بشكل مختلف، كما يرون هم أنفسهم لا كما يقدّمهم الآخرون.

إلى جانب ذلك أبزر الحراك حالة وعي متقدمة للجزائريين بتنوعهم واختلافهم في إطار وحدتهم. وبدا الاحتجاج في شكل من أشكاله احتفاء غير مسبوق بالتنوع لدى مختلف الشرائح التي شاركت في المسيرات، عبرت عن نفسها بتلقائية وبشكل بهيج. وتحوّل الحراك رغم جدية وحيوية مطالبه، في الوقت نفسه إلى احتفالية بالتنوع والتعدد والاختلاف، بدا واضحا من خلال اللباس والشعارات وطرق التعبير وأشكالها، حتى كأننا أمام حراك بقدر ما عبّر عن مطالب الجزائريين بقدر ما حرص على إعادة تقديمهم بشكل مختلف وفريد. لذلك فالتوقف عند هذه الرسالة التي بعث بها الجزائريون من خلال احتفالية التنوع واحتفائية التعدد، هي السردية الجديدة المتخيلة التي يكتبها الشعب الجزائري عن نفسه. سردية تقوم على الاحتفاء بالتعدد والاختلاف في إطار وحدة وطنية مرتكزاتها التعايش السلمي في إطار مجتمع حر وسيد يتطلع للمستقبل عبر نظام ديمقراطي تعددي يعبّر عن إرادة الشعب في الحكم الرشيد والتنمية والكرامة وحسن إدارة ثرواته. اللافت أيضا في حراك الجزائر أنه جاء مشددا ومتمسكا بالتصدي للتدخلات الخارجية لا أداة لها. وقد بدا الأمر واضحا من خلال الشعارات التي رفعت منذ الأيام الأولى للحراك والمحذرة من التدخلات الأجنبية في شأن بلادهم وخيارات شعبها، بل تصاعدت الشعارات التي رفعها أبناء الجزائر في الحراك ضد الدول الإقليمية والغربية المعروفة بنزعتها التدخلية في شؤون المنطقة وبلدانها، وكانت الشعارات الرافضة للنفوذ الفرنسي والتدخل الأمريكي واضحة صارخة.

هذا الاصرار الجزائري على رفض التدخلات الخارجية، يؤشر إلى اعتزاز الجزائريين بأنفسهم وباستقلاليتهم، وأيضا بوعيهم بحجم الضرر الذي انجرّ عن التدخلات الأجنبية في بلدان ما يعرف بالموجة الأولى من الربيع العربي، كمصر وليبيا واليمن وسوريا. تدخلات خارجية كانت مبيّتة وواضحة في مخططها لإرباك التغيير الذي طالب به كثير من الشعوب العربية، ونجحت هذه التدخلات فعلا في تحويل حلم التغيير إلى حالة من الاحتراب الأهلي، وانتهت بعض هذه الدول على غرار مصر بيد ديكتاتورية أبشع من التي تم التخلص منها، لذلك كان مفهوما أن ترتفع حساسية الحراك الجزائري ـ وهو المستفيد من دروس المنطقة ـ ضد التدخلات الخارجية، حتى بدا الحراك مواجها للتدخل الخارجي وليس أداة له.

تكتب الجزائر اليوم عبر حراكها الشعبي سردية جديدة، تحتفي فيها بتاريخها ومنجزاتها ماضيا، وتتجاوز إخفاقاته، وتصحح الحاضر وتعالجه، وتطلق نفسها للمستقبل أكثر قوة ومناعة وثقة، شعارها في ذلك ما رفعه شباب الجزائر في الحراك: «نعم إننا قادرون».

وجهات نظر 0 comments on العرب بين قمّتَين: تونس 2004 و تونس 2019 .. بقلم عبد الوهاب بدرخان

العرب بين قمّتَين: تونس 2004 و تونس 2019 .. بقلم عبد الوهاب بدرخان

مؤتمرات القمة العربية لا تثير اهتمام أي عربي من المحيط إلى الخليج، وهذا موقف مزمن لم يستجدّ بسبب الارتباك العربي في التفاعل جماعيا مع الانتفاضات الشعبية، بدءا من العام 2011 وقد برز فيها الشباب، ولا بسبب العجز عن حلِّ أي من الأزمات التي تحوّلت إلى حروب أهلية، فضلا عن البلبلة التي انتابت المواكبة العربية لتطورات «عملية السلام» بين الفلسطينيين وإسرائيل، ما شكلّ أكبر الأخطار على «القضية المركزية» التي يواصل الثنائي دونالد ترامب – بنيامين نتنياهو إفراغها من محتواها، إلى أن بلغا الآن حدّ تغيير وضع الجولان السوري، من احتلال إسرائيلي كما يقرّ القانون الدولي إلى «سيادة إسرائيلية» وفقا لترامب وزمرة المتعصّبين المحيطين به.

كان اعتداء الرئيس الأمريكي على تاريخ القدس وهويتها وما تمثّله للشعب الفلسطيني وحقوقه الإنسانية وللمسلمين عموما، باعترافه بها عاصمة لإسرائيل، أدّى إلى جعل القمة الـ 29 في الظهران «قمة القدس» كردٍّ عربي رافض للقرار الأمريكي، الذي لم يلقَ من المجتمع الدولي سوى الرفض أيضا، فهل تسمى قمة تونس بعد أيام «قمة الجولان»، وهل يكفي ردّ الفعل هذا لاعتبار أن العرب ضنينون بحقوقهم في مواجهة الصلف الأمريكي – الإسرائيلي؟ الخطر في قرارات هذه الإدارة أنها تجرّد القانون الدولي من أي قيمة عملية أو أخلاقية، والأخطر أنها ترفّع الانتهاكات والمخالفات الإسرائيلية إلى مرتبة الأمر الواقع المحصّن أمريكيا، كما أنها تنعش الشحن الأيديولوجي الإيراني.

يبدو الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني وتدفعه سوريا كدولة، كأنه ضريبة ضعف العرب وانكشافهم بعد التحوّلات التي دهمتهم داخليا في إطار ما سمّي «الربيع العربي»، وضريبة الغرق في الانقسامات حيال إيران وتدخّلاتها التي تفوّقت على إسرائيل بالإجرام والتخريب. هناك من يخشون أن تقود المواجهة الأمريكية مع إيران إلى تقارب بينهما في نهاية المطاف، فهذا منطق الصراعات ومؤدّاها، وأن يقود هذا التقارب أيضا إلى أثمان يدفعها العرب أيضا لسلام ما، قد يُدرَك وقد لا يُدرك.

انطلاقا من هذه الاعتبارات، تبدو المشاعر والانفعالات السلبية حيال القمة العربية بالغة العفوية والتلقائية، فالعربي كمواطن مكلوم يبحث عن فاعلية، وفي أسوأ الأحوال عن تضامن تفاعلي بين القمة والمجتمعات التي كبرت همومها بتعاظم الأخطار، لكن الانطباع العام لدى النخب والشارع يكاد اليوم أن يكون واحدا: يلتقون في القمة بروتوكوليا لتأكيد أن ثمة روابط لا تزال تجمعهم، ويعملون خارجها متفرّقين ومتناحرين كما لو أنهم لم يلتقوا أبدا.

في تونس، أقرّ عام 2004 «بيان مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي» بعد خلافات استلزمت تأجيل موعد القمة، ففي أو اخر آذار (مارس) بدأ وزراء الخارجية اجتماعهم التحضيري قبل يوم من وصول القادة بمراجعة مسودة ذلك البيان، وفجأة دخل عليهم مسؤول تونسي ليطلب فضّ الاجتماع بأمر من الرئيس السابق (المخلوع) الذي لم يعجبه مسار النقاش، وأراد موافقة الوزراء على البيان بالصيغة التي قدّمت إليهم، وقيل آنذاك إنها صيغة أمريكية مطابقة لما كانت واشنطن تروّجه من دعوات إلى الإصلاح الاقتصادي و«الدمقرطة» السياسية. وحتى بعد التوافق على صيغة معدّلة لم يخلُ انعقاد القمة مطلع أيار (مايو) من مناقشات حادة، وتضمن البيان عناوين لـ«التطوير والتحديث»، منها مثلا «تحقيق أسس الديمقراطية والشورى وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام، واحترام حقوق الإنسان، بما يدعم دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية»، ومنها أيضا «مواصلة الإصلاحات الاقتصادية للارتقاء بمستوى معيشة الشعوب العربية ورفع معدلات النمو الاقتصادي، وتفعيل دور القطاع الخاص، وتبني الاستراتيجيات والخطط والقوانين اللازمة للإسراع بإنجاز السوق العربية المشتركة»، مع إشارات إلى الاهتمام بشؤون الشباب وأوضاع المرأة.

ستة أعوام كانت الفاصل بين هذا البيان الذي بدا إقراره شكليا، وبين تفجّر الانتفاضات الشعبية، بدءا من تونس نفسها أواخر 2010، لتصبح تلك التوصيات المعدّلة والمخففة والمموّهة محور حديث الشارع وأهدافه ومثار صراعات لم ينجلِ غبارها بعد. كانت القمم التالية، بما فيها تلك التي انعقدت في الجزائر والخرطوم ودمشق وسرت، أعادت تأكيد الحاجة إلى الإصلاحات، لذلك يجدر التساؤل هل كانت الدول المأزومة أساسا لتتفادى الاضطراب الذي عرفته وتعرفه لو أنها التزمت تلك التوصيات؟ القمة لا تملك سلطة الإلزام، لكن كل دولة تملك خيار الالتزام بما يناسبها ووفقا لخصوصياتها، أما عدم الالتزام وتجاهل التوصيات ومواصلة النهوج على ما فيها من ظلم واستبداد، فأظهرت التجربة أنها لم تكن فقط خيارات خاطئة، بل أدّت إلى كوارث.

منذ 2011 لم يجرِ أي نقاش على مستوى عربي، ولم تُمكَّن الجامعة العربية من تفعيل أي خطة للتعامل مع التحوّلات الحاصلة، ولو من قبيل المساعدة وتوفير الخبرات. كانت ولا تزال هناك حاجة إلى توافق على قيم ومبادئ عامة للإصلاح، بحيث تشكّل أسسا لـ «نظام عربي جديد» ينبثق من التوافقات الداخلية التي تقوم عليها الأنظمة الجديدة، وحين تحوّلت الانتفاضات الشعبية إلى حروب أهلية في ثلاثة بلدان، سجّلت محاولة واحدة قادتها الجامعة في سوريا، لكنها أُجهضت سريعا لمصلحة تدويل مستمر من دون نتائج، مثلما هو التدويل في ليبيا واليمن. ولعل الأسوأ في هذا المجال أن مسارعة الإسلاميين إلى تصدّر المشهد حيثما حصلت انتفاضات أدّت إلى انقسامات مجتمعية وحكومية تسفّه الحراكات الشعبية، وتفضّل عودة الأنظمة السابقة.

في قمة تونس 2004 كانت هناك، مثلا، قرارات تؤكّد «الالتزام بمبادرة السلام العربية واعتبارها المشروع العربي لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم، ورفض المواقف التي تتعارض معها ومع قواعد الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام»، وتشدّد على أن «عملية السلام قامت على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، ولا يحق لأي جهة مهما كانت أن تجري أي تعديل على أي من مرجعيات العملية السلمية لغايات التنصل من التزاماتها أو التراجع عما وقّعت عليه من اتفاقات»، وتعتبر أن «أي تعديل أو مساس بمرجعيات عملية السلام، يعتبر استباقا غير مقبول لنتائج المفاوضات، وانتهاكا للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني»، بل تؤكد باسم القادة «عروبة القدس وعدم شرعية الإجراءات الإسرائيلية لضمها وتهويدها، وتغيير طبيعتها وتركيبتها السكانية والجغرافية». كما أنها في سياق دعمها قرار المجتمع الدولي إعادة كامل الجولان العربي السوري المحتل إلى خط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، ترفض «كل ما اتخذته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من إجراءات تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والطبيعي والديموغرافي للجولان المحتل، ويعتبرون هذه الإجراءات غير قانونية ولاغية وباطلة».

كل هذه القرارات/الالتزامات العربية تبدو اليوم محل تساؤل وتشكيك وتراجع، على الرغم من أن الحقوق المشار إليها لم تعد إلى أصحابها، بل جعلها الثنائي ترامب – نتنياهو في مهب الريح، ومهما بلغ إصرار المجتمع الدولي الآن على تغليب القانون والشرعية الدوليين، فإنه يميل في نهاية المطاف إلى تسويات؛ تخلّصا من استفراد الولايات المتحدة بكل دولة على حدة للتنمّر عليها وابتزازها. ومثلما أجمعت الآراء سابقا على أن إيران هي المستفيدة، بعد إسرائيل، من قرار ترامب في شأن القدس، تجدّد هذا الإجماع غداة قراره بالنسبة إلى الجولان، بل بدا كما لو أن هناك سباقا بين إيران وتركيا، فالأولى تدعو إلى «تعاون إقليمي» ضد هذا القرار والثانية تسعى إلى تبني نقله إلى مجلس الأمن. أمام العرب فرصة في قمة تونس لتطوير موقفهم في الدفاع عن القدس والجولان، كما في قطع الطريق على الخطة المسماة «صفقة القرن»، لأن التهاون في المصلحة العربية العامة يفتح الأبواب لتدخّلات شتّى.

 

عن صحيفة الحياة اللندنية

وجهات نظر 0 comments on بعد عام على مسيرات العودة بغزة.. ماذا حقق الفلسطينيون؟

بعد عام على مسيرات العودة بغزة.. ماذا حقق الفلسطينيون؟

اجمع محللون سياسيون أن “الإنجازات التي حققتها مسيرة العودة وكسر الحصار قرب السياج الأمني الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة محدودة، ولم تلبِ حاجة الفلسطينيين بعد، لكن يمكن البناء عليها”.

وقال المحللون، إن أهم تلك الإنجازات على المستوى المحلي، يتمثل في نجاحها بترسيخ ثقافة المقاومة الشعبية لدى الفلسطينيين، وتحقيق بعض التسهيلات المعيشية للقطاع على مستوى إعادة فكفكة الحصار ضمن تفاهمات “التهدئة”، إضافة إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية، ونجاح المسيرة في إدانة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي 22 مارس الجاري، تبنى مجلس حقوق الإنسان الأممي قرارا يدين جيش الاحتلال الإسرائيلي، لارتكابه جرائم ترتقي لـ”جرائم حرب” بحق المتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزة، ويدعو لتعزيز وجود الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وما أُخذ على المسيرة، هو ارتفاع عدد ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية بشكل كبير سواء من الشهداء أو الإصابات، ما يتطلب إعادة تقييم لعمل المسيرة من أجل الحرص على تقليل أعداد الضحايا، بحسب المحللين.

كما فشلت المسيرة في تجاوز حالة الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي، الذي أثّر عليها وعلى حالة الزخم الشعبي بشكل كبير.

الإنجازات

من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم أن مسيرة العودة حققت إنجازات عدة على المستويين المحلي والدولي، موضحا أنه على المستوى المحلي، فقد أعاد الفلسطينيون ما يسمى بالمقاومة السلمية على جدول أعمالهم، خاصة في قطاع غزة، بعد أن أخذت المقاومة فيها طابعا مسلحا، وتم تحييد قطاعات كبيرة من الفلسطينيين من المقاومة بشكل عام؛ إذ إن المقاومة السلمية تطال أعدادا كبيرة منهم، وفق إبراهيم.

وتابع: “هذه الثقافة لم نرها بغزة خلال السنوات الماضية، وهي شكل جديد من المقاومة”.
كما نجح الفلسطينيون، خلال مسيرة العودة، على التوحّد ضمن قرار واحد، حيث شاركت جميع الفصائل بما فيها حركة “فتح” (انسحبت لاحقا بسبب تداعيات الانقسام)، في فعاليات هذه المسيرة، كما قال.

 

وساهمت المسيرات أيضا في “إعطاء المقاومة زخما شعبيا وجماهيريا كبيرا في صفوف الفلسطينيين”، إلى جانب ذلك، نجحت المسيرة في الحصول على تسهيلات معيشية (محدودة) على مستوى إعادة فكفكة الحصار ضمن تفاهمات التهدئة.

وأكد أن تلك الإنجازات رغم محدوديتها، يمكن “البناء عليها” على طريق تحقيق الإنجازات.

وتقود مصر وقطر والأمم المتحدة، مشاورات منذ عدة أشهر، للتوصل إلى تهدئة بين الفصائل الفلسطينية بغزة وإسرائيل، تستند على تخفيف الحصار المفروض على القطاع، مقابل وقف الاحتجاجات التي ينظمها الفلسطينيون قرب السياج الفاصل.

وعلى المستوى الدولي، أعادت مسيرات العودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية؛ ما ساهم في تغيير جوهري لنظرة المجتمع الدولي لما يحدث بغزة، وقال إبراهيم إن “المسيرات شكلت دفعة كبيرة للقضية الفلسطينية، حيث ساهمت في فضح الجرائم الإسرائيلية”.

وفي ذلك الصدد، أدان مجلس حقوق الإنسان إسرائيل على ارتكابها جرائم حرب.

يتفق معه، طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي، قائلا، “إن الهدف المباشر والتكتيكي من المسيرات هو كسر الحصار عن غزة، لكن هذا الهدف لازال معلقا حتى الآن، رغم التسهيلات المحدودة المقدّمة”.

 

وتابع في حديثه للأناضول: “الهدف معلق لأن إسرائيل لازالت حتى اللحظة تتهرب من استحقاقات تفاهمات التهدئة التي ترعاها مصر والأمم المتحدة، والتي يترتب عليها تخفيف الحصار عن غزة”، مستبعدا أن تنجح مسيرة العودة وحدها في تحقيق هدف كسر الحصار عن غزة، إذ يتطلب ذلك عملا سياسيا مرافقا لها.

ويرجح عوكل غياب القرار الإسرائيلي حول ملف التهدئة خلال الشهور القليلة القادمة، بسبب انشغال الداخل الإسرائيلي بالانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، لافتا إلى أن “مسيرة العودة قدمت نموذجا للعالم أن أهالي قطاع غزة يستطيعون إدارة النضال السلمي الشعبي الهادف، وليس فقط يجيدون إطلاق الصواريخ والمقاومة المسلحة”.

تثبيت حق العودة

من جهته، رأى المحلل السياسي مصطفى الصواف أن “مسيرة العودة شكلت عملا إبداعيا في وقت كاد فيه العالم أن ينسى القضية الفلسطينية”، مبينا أن “المسيرة نجحت في تثبيت حق الشعب الفلسطيني في العودة للأرض التي هُجّر منها أجداده عام 1948”.

كما وحّدت المسيرات “القوى والفصائل الفلسطينية على منهج واحد، وكان من نتائجها غرفة العمليات المشتركة”، معتقدا أن “المشرفين على مسيرة العودة أعادوا تقييم عمل تلك المسيرات والأدوات التي استخدمت خلالها، ووضعوا معالم جديدة للمرحلة المقبلة”.

وأضاف أن “عملية التقييم لا بد أن تجري بين الفينة والأخرى؛ من أجل الحفاظ على استمرارية المقاومة الشعبية وضمان حضورها بقوة”، مشيرا إلى أن الفترة الأخيرة، شهدت إعادة تقييم حيث تم إدخال أدوات جديدة للمسيرة كـ”الإرباك الليلي والبالونات المتفجرة”.

ويرجح الصواف أن يحمل العام الثاني من المسيرات “تفكيرا آخر وطريقة أخرى للتعامل مع الاحتلال”، معتبرا أن “مسيرة العودة تحاول الوصول إلى الأهداف التي حددها القائمون عليها؛ حيث وضعت المسيرة منذ انطلاقتها هدفيْن رئيسيين الأول، تكتيكيا يتمثل بكسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، والآخر استراتيجي ويتمثل بحق العودة”.

 

وبدأ القائمون على المسيرة، بحسب الصواف، بخطوات نحو تحقيق الهدف التكتيكي، لكن ما أعاق الوصول إليه حتى اليوم هو “مكر العدو وضعف الوسطاء”، مضيفا أن “الاحتلال إذا تم الاقتراب من قواعد تفاهمات التهدئة بغزة بدأ يماطل ولا يستجيب”.

لكن الصواف يرى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يستجيب للمطالب الفلسطينية إلا تحت الضغط والقوة، ما دفع المشرفون على المسيرات بابتكار “الإرباك الليلي” ليكون واحدا من تلك الضغوط.

الإخفاقات

وأجمع المحللون الثلاثة على أن مسيرة العودة شابها بعض الإخفاقات، ما أثر سلبيا عليها.

وقالوا إن أبرز تلك الإخفاقات تمثّلت في حجم الخسائر البشرية الكبير، سواء من شهداء أو إصابات، إذ كان بالإمكان تقليصها إلى حد كبير، منوهين إلى أن “المشرفين على المسيرات كان من المفترض أن يجروا حملة لتوعية الجمهور وتقديم الإرشادات إليه، من أجل التقليل من حجم الخسائر البشرية”.

ووفق المحللين، أخفقت المسيرات في تجاوز حالة الانقسام الفلسطيني السياسي الداخلي، التي انعكست عليها بشكل سلبي وأثرت على قوتها وزخمها الشعبي.

وانطلقت مسيرة العودة وكسر الحصار في 30 مارس2018، حيث يشارك فلسطينيون، مساء كل جمعة، في الفعاليات السلمية للمسيرة التي تُنظم قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويطالب المشاركون في المسيرة الأسبوعية، بعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، ورفع الحصار عن القطاع.

فيما يقمع جيش الاحتلال الإسرائيلي تلك المسيرات السلمية بعنف، ما أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة الآلاف بجروح مختلفة.

وجهات نظر 0 comments on الجزائر : هل يكرر الفريق أحمد قايد صالح تجربة السيسي؟

الجزائر : هل يكرر الفريق أحمد قايد صالح تجربة السيسي؟

اتخذ الجيش الجزائري منذ بدء الحراك بالشارع في شهر  فيفري موقفا أشبه بالحيادي، وأكد وزير الدفاع الوطني في الجزائر، الفريق أحمد قايد صالح في وقت سابق أن الجيش الوطني الشعبي جاهز لتأمين الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18  أفريل المقبل.

إلا أن قايد صالح خرج بتصريح الثلاثاء طالب فيه بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تحدد حالة عجز الرئيس عن ممارسة مهامه، في تطور أثار تساؤلات حول إذا ما كان الجيش الجزائري يستنسخ تجربة نظيره المصري؟ وهل سينقلب على حراك الشارع والعملية الديمقراطية المقبلة؟

انقلاب أبيض

المحلل السياسي الجزائري إسماعيل خلف الله رأى أن “رسالة رئيس هيئة أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري قايد صالح كانت في البداية تهديد ووعيد، ثم في الأسبوع الثاني صرح بأن الجيش يساير الحراك الشعبي، ثم بعدها قال إن الجيش متخندق مع الشعب”.

وتابع خلف الله في حديث لـ”عربي21″: “تصريح صالح الأخير باقتراح تفعيل المادة 102، ما هو في اعتقادي إلا محاولة لإحداث انقلاب أبيض على مطالب الحراك الشعبي، وذلك لإبقاء منظومة الحكم نفسها والمتغير الوحيد فيها هو ذهاب بوتفليقة فقط، وأعتقد أن الشعب سيرفض هذا الطرح”.

وأوضح بأن “التجربة الجزائرية تبقى فريدة ولا يمكن تشبيهها بالحالة المصرية، لأن الانقلاب الذي حصل في مصر في 2013، قد حصل في الجزائر شبيه له في جانفي 1992”.

مقارنة غير صحيحة

من جهته، أشار الباحث الجزائري محمد علي بيوض إلى أن “المقارنة بين التجربة المصرية والجزائرية غير صحيحة لوجود فوارق كثيرة”، مضيفا أنه “لا يظن أن الجيش الجزائري يشبه نظيره المصري في هذه المسألة أو في أدواره”.

وتابع في حديث لـ”عربي21″: “الجيش المصري هو من بنى الدولة المصرية الحديثة منذ زمن محمد علي باشا الذي كان قائدا عسكريا، وكل من حكم مصر من بعده هم من الجيش الذي استمر حكمه لحين وصول الرئيس محمد مرسي للحكم، ولكن في الجزائر يختلف الوضع تماما، فالجيش لا يشارك في الحكم بشكل مباشر، ولكن يمارس تأدية أدوار معينة من خلال نفوذه فحسب”.

وحول ما إذا كان تصريح صالح الأخير يشير لإمكانية انقلاب الجيش على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة والانقلاب على الرئيس المنتخب القادم قال بيوض: “هذا الأمر غير متوقع حاليا، وما قام به قايد صالح فقط هو اقتراح تطبيق مادة 102 من الدستور، ولم يفرضها وقدم هذا المقترح بصفته قائدا لمؤسسة من المؤسسات السيادية في الجزائر”.

لاعب أساسي

وكان للجيش الجزائري دور محوري في الحكم وتحديدا بعد إلغاء نتائج انتخابات عام 1992، وهذا الدور إضافة لتصريحات قادة الجيش حول المطالبة بعزل بوتفليقة، يدفع للتساؤل حول الدور المقبل للجيش في الحكم.

وفي هذا الإطار، أكد بيوض أن “الجيش لن يلعب دورا سياسيا بشكل مباشر، ولكن الأدوار غير المباشرة يقوم بها منذ فترة طويلة، بمعنى أنه لا يوجد رئيس خرج دون تزكية الجيش”.

وأشار إلى أن “الجيش الذي انقلب على الشرعية الانتخابية عام 1992 كان يرأسه جنرالات علمانيون استئصاليون، ولكن خريطة الجيش الحالي تختلف عن السابق، وأيضا الجنرالات الحالية تختلف عن التيار الاستئصالي والعلماني الحاد الذي كان موجودا آنذاك”، وفق تقديره.

ولفت إلى أن “الجيش منذ بداية الحراك وهو يرسل رسائل مبطنة ومطمئنة للشارع، حيث ظهر قايد صالح أكثر من مرة وخاطب الشعب برسائل طمأنة، بمعنى وكأنه يريد استمرار الحراك الهادئ والسلمي”، معتقدا أن “هدوء وسلمية الحراك كان للجيش دور فيه، بحيث أنه يضبط التوازن”.

 

وأوضح أن “الجيش استفاد من تجربة العشرية السوداء الدموية التي حدثت في الجزائر، وتعلم من الخطأ السابق حينما انقلب على صندوق الانتخاب عام 1992″، متوقعا أن “لا يكرر خطأه لسببين، أن الخطأ تحمله كل الشعب الجزائري بمن فيهم أبناء الجيش، وثانيا أن تجربة الجوار السيئة كتجربة مصر وسوريا تخيف الحراك السلمي، وبنفس الوقت تخيف أطراف الدولة”.

وبين بيوض أن “الجميع لا يريد التحول إلى أطراف سيئة السمعة كدول الجوار، ثم إن الجيش له مكانته حاليا، فلماذا يلجأ إلى الأساليب غير الجيدة؟”، منوها إلى أن “الشارع يطلب من الجيش أن يقوم بمرافقة العملية السياسية دون تدخل مباشر”.

وأضاف أن “الجيش هو طرف قوي من الأطراف الموجودة والمتصارعة في النظام الآن، وهذا الصراع بين كتلة المخابرات التي يقودها الجنرال توفيق وبين كتلة الرئيس الحالي بوتفليقة وبين كتلة الجيش”.

من ناحيته، قال إسماعيل خلف الله: “أعتقد أن الجيش سيحاول أن يبقى لاعبا أساسيا في رسم السياسة الجزائرية، والدليل أن قايد صالح كان يستطيع أن يعطي الأمر لرئيس المجلس الدستوري بتفعيل المادة 102 بدون أن يصرح بذلك علنا، ولكن هي رسالة مفادها بأن المؤسسة العسكرية ستبقى فاعلة في المشهد السياسي الجزائري، وهذا ما يرفضه الحراك الشعبي وترفضه المعارضة بكل أطيافها”.

وتابع: “وأنا أعتقد أن الجيش حتى وإن قدم مرشحه سيبقى مسايرا للمرحلة الانتقالية حتى تستقر الأمور ثم ينسحب تدريجيا من المشهد السياسي، وهذا ما يطمح إليه غالبية الشعب الجزائري، لتبقى مهمة الجيش هي السهر على حماية حدود البلد المترامية بين البحار والرمال والجبال”.

معارضة ضعيفة

وحول دور المعارضة في مستقبل الجزائر السياسي، قال محمد علي بيوض: “المعارضة حاليا تعيش حالة نشاط جيد لكنه لم يصل لمرحلة التوحد، وقُدمت مبادرات مختلفة من مختلف أطياف المعارضة ولكنهم لم يصلون لمبادرة واحدة”.

وتابع: “لكن الآن يوجد اتفاق أنه يجب فتح باب للحوار مع المعارضة والشخصيات المستقلة من أجل إيجاد خريطة وحل للخروج من الأزمة، وإذا عُقدت ندوة الحوار هذه سيكون هناك أمل كبير للخروج من الأزمة بالتالي هم نشيطون ولكن غير موحدين”.

اقرأ أيضا: إذاعة الجزائر: المجلس الدستوري لم يجتمع لحسم مصير بوتفليقة

وعن إمكانية استغلال الجيش لعدم توحد المعارضة الذي يسبب لها الضعف قال بيوض: “المعارضة ضعيفة منذ فترة طويلة، بل حتى أن بعض أطراف المعارضة وجزءا من الإسلاميين قبل بداية الحراك، اقترحوا على الجيش أن يتدخل لمرافقة وتهيئة العملية الديمقراطية من غير ممارستها”.

وخلص بالقول إن “المعارضة بحد ذاتها وتحديدا جزء من الإسلاميين اقترحوا على الجيش أن يهيئ جوا ديمقراطيا لانتخابات نزيهة وشفافة، بمعنى لا يوجد تحفظ كبير من المعارضة على أي دور يقوم به الجيش”.

وجهات نظر 0 comments on على وقع الانتخابات: إعادة عجن المشهد التونسي .. بقلم بحري العرفاوي

على وقع الانتخابات: إعادة عجن المشهد التونسي .. بقلم بحري العرفاوي

حين فازت حركة النهضة في انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، سارع خصومها إلى إعلان تكوينهم لجبهة معارضة، ورفضوا دعوتها إياهم لمشاركتها الحكم.

كانوا يعلمون أن أعضاء الحركة ليسوا مدربين على إدارة شؤون دولة، فكلهم كانوا خارج الفعل السياسي؛ إما في السجون وإما في المهجر. لم تجد حركة النهضة إلا حزبين صغيرين محسوبين على التيار العلماني شاركاها الحكم وتحمّلا معها مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية، في تجربة ديمقراطية بعد خمسة عقود من حكم الحزب الواحد والفرد الواحد.

لم تكن بداية تجريب الحكم يسيرة على الإسلاميين، فقد تجنّد ضدها الإعلام والاتحادات، وأغلب المثقفين والجامعيين، وأغلب الأحزاب السياسية، فكانت حملات النقد والتشويه والتحريض، وكانت الاعتصامات والإضرابات وسد الطرقات وإيقاف إنتاج الفوسفات، وهو أهم مصدر للميزانية التونسية.

ثم كانت فاجعة اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، في 6 شباط/ فبراير 2013، وكان المجلس التأسيسي يستعد يومها لمناقشة قانون “العزل السياسي” الذي يستهدف وجوها سياسية محسوبة على النظام السابق.. كادت الفاجعة أن تُدخل البلاد في حرب أهلية، كما خططت لها “غرفة عمليات” غير معلومة لحد اليوم، وكانت النتيجة استقالة رئيس الحكومة يومها السيد حمادي الجبالي، أحد أبرز قيادات النهضة، ليخلفه السيد علي العريض، بعد أن كان وزيرا للداخلية. لقد كانت أول بادرة من بوادر اهتزاز حكم “الترويكا”، وتحديدا حكم النهضة.

 

لم تكن بداية تجريب الحكم يسيرة على الإسلاميين، فقد تجنّد ضدها الإعلام والاتحادات، وأغلب المثقفين والجامعيين، وأغلب الأحزاب السياسية، فكانت حملات النقد والتشويه والتحريض، وكانت الاعتصامات والإضرابات

كان لا بد من فاجعة ثانية لمنع تصويت المجلس التأسيسي على “دستور” كان جاهزا للتصويت ومرشحا لتحصيل الأغلبية، فكانت عملية اغتيال الزعيم العروبي محمد البراهمي يوم عيد الجمهورية (25 تموز/ يوليو 2013، وبنفس طريقة اغتيال شكري بلعيد.

حكومة الترويكا التي بيدها الداخلية والدفاع وكل أجهزة الدولة لم تكن قادرة على معرفة القتلة، رغم تأكدها من كون خصومها يقفون وراء الجريمتين.. هذه المرة أفلحت “غرفة العمليات” في تصديع “جسم” الترويكا، حين انضم رئيس البرلمان مصطفى بن جعفر، رئيس حزب التكتل من أجل العمل والحريات، إلى ما عُرِف بـ”اعتصام الرحيل”، مما عطل نشاط المجلس التأسيسي وأوقف التصويت على الدستور، بل وفرمل المسار السياسي كليا، مما أفسح المجال لمنظمات وطنية، على رأسها اتحاد الشغل، كي تتدخل لتنظيم “حوار وطني” ينتهي إلى خروج النهضة وشريكيها من الحكم، وتكوين حكومة كفاءات مستقلة عن الأحزاب؛ تتولى تصريف الشأن العام وتهيئ لانتخابات برلمانية ورئاسية نهاية 2014.

وجدت حركة النهضة نفسها مجبرة على الانحناء للعاصفة، خاصة بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي، وبعد انكشاف تدخلات خارجية ترفض استمرار الروح الثورية في البلاد العربية. أبدى الأستاذ راشد الغنوشي مرونة كبيرة في التعاطي مع “الأزمة”، فمنع تمرير قانون “العزل السياسي” ضد التجمعيين، ثم قبل بملاقاة “زعيم” المعارضة يومها، الباجي قائد السبسي، فشد إليه الرحال، حيث كان يعالج بباريس، منتصف شهر آب/ أغسطس 2013، وتم الاتفاق معه على “تسوية” بدت نتائجُها بعدها مباشرة، حين أعلن الباجي قائد السبسي انسحابه من “اعتصام الرحيل” بساحة باردو قُبالة مبنى البرلمان التونسي.

انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2014 كانت كما لو أنها “عملية إخراج فني” لتوافقات سياسية مسبقة، أو لعل الصناديق صدّقت نوايا “الشيخين” حين عزما على “التوافق” كوصفة سياسية ناجعة لإنقاذ السفينة، كما يردد الأستاذ راشد الغنوشي دائما.

“التصويت المفيد” الذي التزمته أطياف المعارضة، حين التزمت في الدورة الثانية بالتصويت للباجي قائد السبسي ضد منافسه الدكتور منصف المرزوقي، لم يُحقق لها أهدافها بعزل النهضة وإقصائها من الحكم، إذ أعلن الباجي، وقد فاز بالرئاسة والبرلمان، عن عزمه على “التوافق” مع النهضة في حكم البلاد، ووجد نفسه في “مواجهة” خصوم النهضة، وهو القادر عليهم بحكم خبرته ومعرفته بـ”التفاصيل”، فقد كان رئيس حكومة ما بعد اعتصام “القصبة 1” و”القصبة 2″، وكان هو من أوصل تونس إلى أول انتخابات ديمقراطية في 2011 وسلّم الحكم بطريقة حضارية هادئة.

 

ظلت حركة النهضة في وضعية مريحة جدا طيلة ثلاثة أعوام، وهي شريكة في الحكم مع النداء دون أن تكون في الواجهة.. لقد وجدت من الوقت ما يكفي لإعادة ترميم نفسها في هدوء واطمئنان

لقد ظلت حركة النهضة في وضعية مريحة جدا طيلة ثلاثة أعوام، وهي شريكة في الحكم مع النداء دون أن تكون في الواجهة، فلا تتحمل مسؤولية كل فشل (وهو كثير) ولا تتعرض لاستهداف مباشر كونها ليست في الصدارة. لقد وجدت من الوقت ما يكفي لإعادة ترميم نفسها في هدوء واطمئنان، وقد توقفت مسيرات “شكون قتل شكري” التي دأبت الجبهة الشعبية على تنظيمها صبيحة كل أربعاء في شارع بورقيبة وسط العاصمة، وتُرفع فيها شعارات مستهدفة رئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي. لقد تحول الغنوشي في الإعلام وعند العديد من السياسيين ولدى كثير من النخب؛ إلى رمز للوطنية وللحكمة وللتعفف عن الحكم، بعد أن قبل بالحوار الوطني وأخرج أعضاء حزبه من الحكم، من أجل استقرار وطني وسلم أهلية وتوافق بين التونسيين.

لماذا توقف التوافق بين الشيخين وانقطع “حبل الود” بينهما؟ لماذا بدا المشهد كما لو أنه يرتد إلى ما قبل توافق 2013؟ لماذا عادت “الفواجع” إلى التناسل كما لو أننا بصدد إعادة “عجن” المشهد واستدعاء أجواء الاغتيالات السياسية زمن الترويكا ؟ ما هي آفاق المسار الديمقراطي في تونس ؟

ضمنت وصفة “التوافق” التي توصل إليها “الشيخان”، الغنوشي والسبسي، لقاء بباريس في 15 آب/ أغسطس 2013؛ استقرارا سياسيا لتونس، وضمنت للسبسي وصولا لسدة الرئاسة، وضمنت للنهضة توقّيا من قصف إعلامي وسياسي استمر طيلة وجودها في الحكم.

ما الذي جعل الباجي قائد السبسي يُعلن نهاية “التوافق” مع النهضة، رغم تأكيد كل قادتها تمسكهم به وإعلانهم عن علاقاتهم المميزة مع رئيس الجمهورية، مؤسس حزب النداء؟

في حوار تلفزي بإحدى القنوات الخاصة، يوم 24 أيلول/ سبتمبر 2018، فاجأ الباجي قائد السبسي الجميع بإعلانه نهاية التوافق مع حركة النهضة، محملا إياها مسؤولية هذا الإنهاء.

حركة النهضة تنفي أن تكون طلبت ذلك، إنما تؤكد أنها اختلفت مع رغبة رئيس الجمهورية في إقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وتبرر ذلك بحرصها على الاستقرار السياسي في ظل تهديدات أمنية وأزمة اقتصادية.

 

كان يُفترض أن يكون الباجي قائد السبسي هو المتمسك برئيس حكومة هو من جاء به، لكونه ابن حزبه الفائز بانتخابات 2014، فكيف يدعو هو إلى إقالته وتتمسك به النهضة؟

النهضة لا تتمسك بالشاهد لذاته، وإنما لهدف وطني يتجاوز المصالح الحزبية. وقد اشترطت على الشاهد إعلانه التزاما بعدم الترشح للرئاسة في انتخابات 2019.

 

سبب “توجس” السبسي من الشاهد.. إنها الرئاسية القادمة؛ يريدها لنفسه إذا استطاع إليها سلامة صحية، ويريدها لابنه خلافة لا تنسجم مع المسار الديمقراطي ومع أشواق الثورة

النهضة تدرك سبب “توجس” السبسي من الشاهد.. إنها الرئاسية القادمة؛ يريدها لنفسه إذا استطاع إليها سلامة صحية، ويريدها لابنه خلافة لا تنسجم مع المسار الديمقراطي ومع أشواق الثورة. لم يعتد الباجي قائد السبسي “استعصاء” من حركة النهضة التي ظنها طيّعة لحد قبولها بكل “شهواته”، حتى وإن كانت غير مقبولة سياسة وعقلا وكفاءة، ولذلك سارع إلى إعلان إنهاء “التوافق” وتحميلها مسؤولية ذاك.

ويرى مراقبون أنه كان “يهدد” فقط ويأمل أن تعود النهضة إليه “صاغرة” وتستجيب لـ”شهوته” تلك، فتقبل بالتخلي عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وربما تلتزم بدعم السبسي في الرئاسة، أو دعم ابنه الذي لا يخفي طموحه في خلافة والده بعد أن خلفه في ترؤس حزب “نداء تونس”.

ظلت حركة النهضة، في بيانات مجلس شوراها وبيانات مكتبها التنفيذي وتصريحات زعمائها، تعلن تقديرها لرئيس الجمهورية، وتُعلي من شأنه ومن دوره في خدمة البلاد وتحقيق الاستقرار وحماية المسار، غير أن سيادة الرئيس ظل بأسلوبه البورقيبي الذكي يُرسل تهديداتهـ ويتوعّد بـ”صيد القُبّرة” التي ظنت أنها في مأمن.

بعد أسبوع فقطـ، أي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، كانت الندوة الصحفية لهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي القياديين في الجبهة الشعبية، وكانت “المفاجأة” الإعلامية والأمنية في آن؛ حين أعلنت عن وجود “جهاز سري” تابع لحركة النهضة تخترق به وزارة الداخلية، ويقوم بمهام تهدد السلم الأهلي والأمن الوطني لصالح حزب سياسي.

ظلت تلك “المفاجأة” مدار حديث الإعلام والساسة وتحديدا خصوم حركة النهضة، رئيس الجمهورية استقبل تلك “الهيئة” وتسلم منها وثائق هي أشبه ما تكون بـ”مجلد” كبير، وأعلن أن ما تقوله الهيئة فيه معقولية.. كان يرسل برسالة للنهضة، وكأنه يقول لها إنه من “أنقذها” سابقا (وقد قالها)، وإنه من يقدر على إعادتها لمنطقة “الشبهة”، وعليها أن تبحث لنفسها عن مخرج أو أن تعود إليه “صاغرة”.

لا ينفي متابعو الشأن العام التونسي أن الباجي قائد السبسي سياسي محنك، وأنه يُحسن استثمار كل الملفات في مصلحته السياسية.. ودخول الباجي على “خط” هيئة الدفاع عن الشهيدين كان عبارة عن عملية لفت نظر الغنوشي إلى كون الباجي يقف “هنا”، حيث ترتفع أصواتٌ تزعجك وتشوش عليك، وتنال من “سمعة” سياسية اكتسبتها بفضل “التوفق” والتنازل عن السلطة عند طاولة الحوار الوطني؛ لصالح حكومة كفاءات غير مسيسة بتاريخ 26 كانون الثاني/ يناير 2014.

 

رئيس الجمهورية استقبل تلك “الهيئة” وتسلم منها وثائق هي أشبه ما تكون بـ”مجلد” كبير، وأعلن أن ما تقوله الهيئة فيه معقولية.. كان يرسل برسالة للنهضة، وكأنه يقول لها إنه من “أنقذها” سابقا (وقد قالها)، وإنه من يقدر على إعادتها لمنطقة “الشبهة”، وعليها أن تبحث لنفسها عن مخرج أو أن تعود إليه “صاغرة”

يوسف الشاهد “الجامح” عن “معلمه” استفاد من تآكل حزب النداء، ونأى بنفسه عن معاركه، وأسس كتلة “التحالف الوطني” التي تحولت بسرعة إلى كتله هامة ومحددة في البرلمان، ثم أعلن يوم 27 كانون الثاني/ يناير 2019، في اجتماع كبير بمدينة المنستير، عن ولادة حزبه “تحيا تونس”.

الباجي الذي أسس حزب نداء تونس، واستجمع من حوله أطياف المعارضة وانتصر بها في انتخابات 2014 ودخل قصر قرطاج رئيسا، هو اليوم أشبه ما يكون بمن يلاحق عصفورا طار من بين يديه، هو يشعر فعلا بأن الشاهد “طار” من بين يدي حزبه، وطار معه أكثر من نصف كتلة النداء لينضم إلى كتلة “الائتلاف الوطني” التي يستند إليها الشاهد معززة بكتلة النهضة، تمنعان إسقاطه في البرلمان إذا قرر رئيس الجمهورية عرض الحكومة على منح الثقة.

المشهد السياسي اليوم وعلى أبواب انتخابات 2019 يبدو متحركا بسرعة، ويتعرض لعملياتِ “عَجن” متتالية؛ لا تكاد تنتزع صورة حوله حتى تفاجئك تحولات جديدة.

الجبهة الشعبية تشهد مرحلة صعبة بسبب “خيبة” مسعاها بملف “الجهاز السري”، حين طلع عليهم محام نسف كل أحلامهم، وكشف عن “معنى” آخر لوثيقة ظلوا يستندون إليها في كل ندواتهم ويظنونها السلاح الحاسم بوجه النهضة، بل وسارعوا إلى المطالبة بحلها قبل أن يقول القضاء كلمته.

 

معركة داخلية حول مرشحهم للرئاسة قد تهدد تماسكا حافظوا عليه لستة أعوام، وقد تقلص من حظوظهم الانتخابية، وقد لا يحصلون على ما حصلو عليه في الانتخابات السابقة

وها هم في معركة داخلية حول مرشحهم للرئاسة قد تهدد تماسكا حافظوا عليه لستة أعوام، وقد تقلص من حظوظهم الانتخابية، وقد لا يحصلون على ما حصلو عليه في الانتخابات السابقة، وخاصة بسبب فقدان صدقيتهم في استعمالهم أساليب غير سياسية في خصومتهم مع النهضة (“الجهاز السري”، “الغرفة السوداء” “الاغتيالات”)، وكلها ملفات خسرتها الجبهة قضائيا..

وجه جديد يُصنع على عجل وبنكهة دستورية وروح حربية ضد الإسلاميين يجتذب إليه كثيرا من فاقدي الأمل في النداء، وحتى في اليسار.. تحاول زعيمته الاستثمار في صورة الزعيم الراحل بورقيبة رحمه الله، وهي تركب حصانا كما ركبه وكما يرمز إليه حصانه في الشارع الرئيسي بالعاصمة.

 

حركة النهضة تبدو الأوفر حظا في المحطة الانتخابية القادمة، وحزب الشاهد يحقق تقدما سياسيا يؤهله ليكون في المرتبة الثانية، وهو ما يغري صاحبه بالتقدم للرئاسة

تونس التي لم ينتخب فيها في 2014 إلا حوالي ثلاثة ملايين ناخب؛ تتوالد فيها أحزاب بلغت 217 حزبا، ليس ثمة ما يؤكد اختلافها عن بعضها سوى أسمائها، وهي عاجزة عن أن تجد كيمياء سياسية توحدها، سواء بدافعية وطنية أو برغبة في مواجهة “خصم” يُخاصمونه ولا يجدون الطريق إلى الإيقاع به.

حركة النهضة تبدو الأوفر حظا في المحطة الانتخابية القادمة، وحزب الشاهد يحقق تقدما سياسيا يؤهله ليكون في المرتبة الثانية، وهو ما يغري صاحبه بالتقدم للرئاسة.

إن منسوب الحرية العالي مكن الجميع اليوم من ممارسة السياسة في تونس، ولكننا بحاجة أكيدة إلى من يمارسون السياسة بما هي طريق إلى خدمة الناس وليست طريقا إلى السلطة.

وجهات نظر 0 comments on الجولان و أمريكا… و أنظمة العرب المخجلة .. بقلم محمد عايش

الجولان و أمريكا… و أنظمة العرب المخجلة .. بقلم محمد عايش

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تنشغل جيوش إلكترونية عربية بكيل الشتائم له يوميا على الإنترنت، كان الوحيد الذي أبدى احتجاجه على الموقف الأمريكي الجديد من هضبة الجولان، التي هي أرض عربية محتلة، ولا يعترف العالم ولا القانون الدولي بالسيادة الإسرائيلية عليها، إلا في إطار كون هذه السيادة احتلالا عسكريا إجراميا خارجا عن القانون.

الأنظمة العربية لم تعد تكترث حتى بالأرض العربية، لا بل انشغلت وسائل إعلام خليجية في الحديث عن تبرئة المحقق مولر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكثر من التفاتها إلى الموقف الأمريكي من الأراضي العربية المحتلة، والمفارقة هي أن هذه الأنظمة العربية ذاتها أشبعتنا تنديدا بالوجود الروسي والإيراني في سوريا، على اعتبار أنه انتهاك لسيادة بلد عربي، بينما التزموا الصمت ويلتزمون الصمت إزاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان، والموقف الأمريكي من هذا الاحتلال.. وكأن الإيرانيين أجانب بينما الإسرائيليون من أهل البيت.

بعض الأنظمة العربية وصلت إلى درجة من الهوان والانحدار لم يكن أحد يتوقعها، فحتى البيانات والخطابات الصورية التي كانت تقدمها الأنظمة العربية لشعوبها، كوجبات تلفزيونية مسائية، أصبحنا نفتقدها، لأن ترامب يقوم باستعباد الحكام العرب وإسكاتهم ويمنعهم حتى من الاحتجاج الصوري، أو إصدار بيانات وهمية لأغراض إعلامية وبهدف إلهاء شعوبهم. وعلى العموم ليست المشكلة في الأنظمة العربية، فهي مفضوحة ومعروفة وأصبحت في السنوات الأخيرة تتهافت على إسرائيل، من أجل إرضاء نتنياهو والاستعانة به في مواجهة شعوبها، لكن المهم هنا هو تحليل الموقف الأمريكي الجديد من الجولان، وما الذي تقوم به إدارة ترامب في ما يتعلق بمنطقتنا العربية والصراع العربي الإسرائيلي؟

الإدارة الأمريكية تقوم حاليا بتغيير الوضع القانوني للصراع العربي الإسرائيلي بشكل كامل، وتقوم بتصفية الملفات الكبرى الخلافية من طرف واحد، ومن دون أي تفاوض، ومن الواضح أيضا أنها تقوم بتنفيذ «صفقة القرن» بشكل عملي قبل أن تعلن عن مضمونها، وهذا ما ينسحب أيضا على قضيتي اللاجئين والقدس، وهو الأمر الذي يبدو أن ملك الأردن فهمه بوضوح من زيارته الأخيرة إلى واشنطن، ولذلك عاد إلى بلده وألقى خطابه المفاجئ الذي أعلن فيه «بغضب» التمسك بموقفه من القدس المحتلة وعدم القبول بأي تغيير.

 

الولايات المتحدة تقوم حاليا بانتهاك القانون الدولي، وتقدم الدعم المطلق لإسرائيل في التهام الأرض العربية، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس والجولان، ودليل ذلك أنه خلال العام الماضي 2018 بلغ الاستيطان الإجرامي غير المشروع في الضفة ذروته بتسجيل أكثر من 480 ألف مستوطن، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق منذ عام 1967، ما يعني أن الضفة الغربية لم تعد موجودة أصلا، إذ أنها موزعة بين جدار فاصل ومستوطنات يهودية وحواجز عسكرية.. وما بين هذا وذاك تجمعات فلسطينية صغيرة.

إسرائيل استغلت الإدارة الأمريكية الجديدة خير استغلال، واستفادت من التوترات التي تشهدها المنطقة العربية، كما استفادت من الأنظمة الفاقدة لشرعيتها في المنطقة بسبب أن هذه الأنظمة اضطرت للارتماء في الحضن الإسرائيلي، من أجل البقاء في الكراسي.. ولذلك فإن ترامب وصهره دعموا الاستيطان في الضفة، واتخذوا قرار نقل سفارتهم إلى القدس المحتلة، والآن يعترفون بضم الجولان السوري المحتل.. بينما العرب صامتون أو منشغلون بكيل الشتائم لأردوغان من خلال جيوشهم الإلكترونية التي ينفقون ملايين الدولارات لتمويلها.

والخلاصة هنا هي أن الواقع العربي بالغ البؤس، ويبعث على الخجل، وبينما لا يجرؤ أي حاكم عربي على إدانة أمريكا والقول لها إن الجولان هي أراض سورية عربية محتلة، فإن أردوغان وحده فعلها.. أما الأمريكيون فلماذا يفعلون ذلك؟ الجواب بسيط، وهو أنهم يقومون بتصفية فعلية للقضية الفلسطينية، وإنهاء لملفات الصراع بشكل تدريجي، من دون أي مفاوضات، ومن دون أي اكتراث لأي طرف عربي أو فلسطيني.

عن صحيفة القدس العربي

وجهات نظر 0 comments on نيويورك تايمز: ضوء أخضر أميركي لضم الضفة

نيويورك تايمز: ضوء أخضر أميركي لضم الضفة

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية مقالة للكاتب مايل كوبلو حول تأثير اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل على الضفة الغربية حيث سيجد فيها قادة اليمين الإسرائيلي ضوءاً أخضر لضم الضفة. والآتي ترجمة نص المقالة وفقا لما نشرت “الميادين نت”:
في 9 نيسان – أبريل المقبل، سوف يذهب الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع لاختيار حكومتهم المقبلة. سيكون ذلك اقتراعاً واسعاً عما إذا كان يجب أن يظل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قائداً لإسرائيل في ضوء اتهامه في ثلاث حالات فساد بالرشوة وانتهاك الثقة. مع هذه الفضائح، تم تجاهل الخلافات السياسية إلى حد كبير ، تاركين الناخبين الإسرائيليين في خطر إحداث كارثة لهم يمكن تجنبها عن غير قصد من خلال ضم الضفة الغربية.
لقد أثار الرئيس ترامب هذا الخطر. كيف ذلك؟ فقد غرّد على تويتر يوم الخميس قائلاً إن “الوقت قد حان للولايات المتحدة للاعتراف الكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، والتي لها أهمية استراتيجية حاسمة لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي!”. وهي الإشارة الأخيرة والأهم من واشنطن بأن السيد ترامب مستعد لقبول السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية.
ولكن اليمين الإسرائيلي يقرأ أيضاً هذه الإشارات من قبل اليمين الإسرائيلي كتشجيع لمواصلة ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية – وهي خطوة أكثر خطورة من شأنها أن تعرض “إسرائيل” لتهديد وجودي لا مثيل له لطابعها اليهودي والديمقراطي.
وقالت “نيويورك تايمز” إنه لا شك أن هناك فرقاً كبيراً بين المنطقتين، وكلاهما خاضع للسيطرة الإسرائيلية منذ حرب عام 1967. فمرتفعات الجولان ذات الكثافة السكانية المنخفضة، التي استولت عليها من سوريا وضمتها “إسرائيل” في عام 1981 في تحدٍ للنقد الدولي، كانت تستخدم من قبل سوريا لقصف منطقة الجليل الإسرائيلية الأدنى منها.
أما الضفة الغربية، فهي مكتظة بالسكان وكان مستقبلها القضية الأكثر تعقيداً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عام 1967. إن ضمها سيحول دون استقلال دولة فلسطينية، ويخاطر بإشعال الشرق الأوسط بأكمله.
هذا التهديد لم يعد بعيدًا عن الأفق. يقود زعيما حزب “اليمين الجديد” اللذان يتمتعان بشخصية جذابة، نفتالي بينيت وأيليت شاكيد، وكلاهما وزيران في حكومة نتنياهو الائتلافية، حركة الضم، وقد وصل حماسهما إلى حزب ليكود الذي يرأسه نتنياهو أيضًا. من بين المشرّعين من حزب ليكود الـ29 الذين يتنافسون على إعادة انتخابهم، هناك 28 مسجلاً على أنهم يدعمون ضم جزء على الأقل من الضفة الغربية، كما تفعل لجنة الليكود المركزية.
الأهم من ذلك، فإن رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين، الذي يحتل المرتبة الثانية في قائمة ليكود الانتخابية خلف نتنياهو، قال يوم الأحد أن وصفًا لمرتفعات الجولان بأنه “تحت سيطرة إسرائيل” في التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأميركية – وهو هو تحوّل عن التقارير السابقة التي أطلقت عليها تسمية “الاحتلال الإسرائيلي” – هي خطوة أولى مهمة نحو الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية.
لكن الوصول إلى هذا الهدف سيخلق تحديات مروعة لم تواجهها “إسرائيل” منذ إنشائها عام 1948. كما صنفته مجموعة قادة “إسرائيل” من أجل الأمن الإسرائيلي ، فإن الضم سيكلف مليارات الدولارات سنويًا، وسيخلق حدودًا لا يمكن الدفاع عنها تقريبًا بسبب شبكة العنكبوت الخاصة بالأراضي التي تحكمها “إسرائيل” داخل الضفة الغربية الكبرى والتي يريد معظم مؤيدي هذه الخطة ضمها. وهو ما يقدم ذخيرة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات ضد “إسرائيل”، وسيدمر العلاقات الخارجية لإسرائيل مع مجموعة من البلدان
كما سيضمن أن يصبح الانقسام الحزبي الناشئ في الولايات المتحدة حول سياسات “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين هوة، قد تفتح الخلاف بين نتنياهو وحليفه القوي الرئيس ترامب، الذي يعتقد أنه قادر على ابتكار صفقة نهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذك بجعل أي صفقة من هذا القبيل مستحيلة.
الأهم من ذلك، أن ضم الضفة الغربية – ما إذا كانت لنسبة 60 في المائة من الضفة فقط التي تسيطر عليها “إسرائيل” الآن ، أو ضمّها كلها – من شأنه أن يؤدي إلى انهيار التنسيق الأمني بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية ، ومن المحتمل أن يتسبب في زوال هذه السلطة، مما يجبر “إسرائيل” على السيطرة على كل الضفة الغربية، أحبت ذلك أو لم تحبه. سيتعين على “إسرائيل” حينها منح الجنسية لـ2.5 مليون فلسطيني يعيشون هناك، مع إعطاء خيار عدم كونها “دولة يهودية”، أو تدمير ديمقراطيتها من خلال حرمان الفلسطينيين من المساواة السياسية. إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يهدد “إسرائيل”، القوة العسكرية والاقتصادية البارزة في المنطقة، فهذا هو.
وبينما كان نتنياهو نفسه هو زعيم الليكود الوحيد الذي لا يدعم صراحة ضم الضفة الغربية، فإن مأزقه السياسي قد يدفعه إلى معسكر الضم. تخلق مشاكله القانونية حافزًا قويًا لتشكيل حكومة ستصدر قانونًا يحظر اتهام رئيس الوزراء الحالي.
تشير استطلاعات الناخبين إلى أن الانتخابات التي ستجري الشهر المقبل ستؤدي إلى انقسام شبه كامل بين كتلة الليكود بقيادة نتنياهو والأحزاب المتحالفة معها، وكتلة معارضة يقودها بيني غانتس. وهذا يعني أن نتنياهو سيبقى في السلطة مع شركاء الائتلاف اليميني، الذين سيكون تأثيرهم على رئيس الوزراء هائلاً. وسيكون الموضوع في قائمة أمنياتهم هو توسيع السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الإسرائيليين كانوا بالكاد ينتبهون. كما يشير الصحفي الإسرائيلي ألوف بن، هذه حملة لن تدور حول أي قضايا، لكن على نتنياهو نفسه. وبقدر ما يهتمون بالسياسة، فإنهم قلقون بشأن الإرهاب وتكلفة المعيشة، مع ذكر 9 في المائة منهم فقط أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو شاغلهم الرئيسي وأن 2 في المائة فقط يدرجون مستقبل الضفة الغربية.
رغم أن 15 في المائة فقط من اليهود الإسرائيليين يؤيدون ضم الضفة الغربية، فإن مجموعة من الناشطين اليمينيين يستعدون لتجاوز تفضيلات أغلبية أكبر بكثير ولكن أقل عقائدية. وإذا خرج نتنياهو منتصراً مرة أخرى، فإن احتمالات أن تسلك “إسرائيل” هذا المسار مرتفعة للغاية.
لم يطرح المؤيدون للضم مطلقًا اقتراحًا تفصيليًا بما سوف يستتبعه الضم. وقد يكون الناخبون الإسرائيليون على وشك الاندفاع نحو الرمال المتحركة حتى أنهم لا يدركون وجودها.

المصدر: وكالة معا

وجهات نظر 0 comments on الجولان الآن…! و الضمّ يعني المقاومة و التحرير و إلّا…؟؟

الجولان الآن…! و الضمّ يعني المقاومة و التحرير و إلّا…؟؟

 

ميزة الإنسان عن باقي الكائنات العاقلة أو شبه العاقلة، أنّه يبدع، ويبني على تجاربه، ويتعلّم من تاريخه ليصيغ مستقبله بوعيٍ وإدراك، بل وبتصميم… وإنسان اليوم بات يعرف ما يخبئه الزمن الآتي، وقادرٌ على تصميمه، فما ننتظره في الغد هو ما صنعنا مقدّماته اليوم.

ترامب المأزوم في بيته الأسود، والمعرّض للمحاكمات، والساعي إلى ولايةٍ ثانيةٍ يبيع الوهم لنتنياهو المأزوم والمرتهب كيانه من مجرد بالوناتٍ وطائراتٍ ورقيةٍ حارقةٍ من غزة، البقعة المحاصرة والمستنزفة الى حد الجوع!

أهدى ترامب نتنياهو نقل السفارة الامريكية الى القدس، فكلّ ما فعله أنّه قدّم له ورقةً على التلفاز، ومع ازدياد أزمة ترامب ونتنياهو يغرّد ترامب أنّه سيهدي الأخير ورقةً جديدةً تقول إنّ الجولان اسرائيليٌّ الى الابد…

ترامب عمليا لم يقم بأيّ جهدٍ وليس معنيّاً بعملٍ ميدانيّ، وربما لا يرغب، وهو يدرك أنّه لا يستطيع، فقد قرّر الانسحاب من سورية، وقرر حلف المقاومة في قمة أركانه الثلاثة أنّ طريق دمشق – بغداد ستفتتح عنوةً، وكذا فشرق وشمال سورية سيعودان الى السيادة السورية، فعُدد الحرب باتت جاهزةً وكذا قرارها…

في الحاصل العمليّ لتوقيع ترامب قرار نقل السفارة، ولإمكانية أن يصدر ورقةً بتوقيعه بتطويب الجولان اسرائيلياً الى الابد، هو باع نتنياهو كلاماً في الهواء، وقدّم ما لا يملك لمن لا يستحق، وليس له بالأمر من حقٍّ ابدا.

حتى اللحظة يبدو الامر كلاماً بكلام، واعلاناتٍ بإعلانات، والاهداف تتقاطع عند الواهب والطالب، اما الواقع العملي وميزان القوى فلها كلامٌ اخر…

احتلت “إسرائيل” لبنان وغزت عاصمته وأقامت في جنوبه قرابة نصف قرن، وسعت للتهويد، فلبنان ليس أقل أهمية من الضفة والجليل والجولان لجهة المياه والمناخ والمنافسة والجغرافية والموانئ، إلّا أنّ رجال وسلاح المقاومة والتصميم ألزمت قادة الكيان ومعهم أمريكا وهي في عزّ قوتها وتماسكها وتهيمن على العالم متفرّدةً وبهمجية الانسحاب تحت النار ودون قيدٍ أو شرط وسقطت أهمّ أدوات “إسرائيل” لفرض مشيئتها عمليا – الاحتلال.

وفي غزة، وحين كانت امريكا ايضا سائدةً ومقررة، ومعها حلف الاعتدال العربي القوي ماليا وعسكريا وسياسا ومهيمنا على العرب والمسلمين، فعل سلاح ورجال المقاومة ما فعلوه في لبنان وانسحبت “إسرائيل” وفكّكت المستوطنات تحت النار ودون قيد أو شرط وبرغم أن امريكا سائدة وسورية محاصرة من الجهات الاربع ومستهدفة في خاصرتها اللبنانية وفي رئتها العراقية.

ميّز الله الانسان بالعقل، والتفكير والانتاج والارتقاء، والتطور، مستفيداً من تجاربه، والأهمّ والأكثر ذكاءً يستفيد من خلاصة تجارب الشعوب والأمم، وهذا عصر “الإنفوسفير”، والتاريخ المفرط والذكاء الصناعي دليل قاطع…

رجال وسلاح المقاومة في لبنان وفي غزة ليسوا من طينة مختلفة عن رجال الجيش الاسطوري العربي السوري، وسلاحهم من مصانع الجيش السوري باعتراف الكل، والكثير من خبرتهم حصدوها اما في معسكرات الجيش السوري او في ميادين تدريب الحرس الثوري الإيراني، وما زالت سورية وايران رأس المقاومة وحلفها ومصنعها وجدارها الصلب…

ليعلن ترامب ما يريد، وليوقع الاوراق، وليستعرض نتنياهو عزمه الاعلامي ويباري في الحلبات الصوتية من يشاء، فعندما تبدأ البنادق والصواريخ عرسها لن يفيد توقيع ترامب لوريقات في الهواء وعليه فبالهواء تتبعثر…

انه الدرس اللبناني المؤكد في غزة، والمثبت اسطوريا في الحرب السورية…

توقيع ترامب وريقات تهدي الجولان لــ “إسرائيل” ، لا تغيّر  في واقع ميزان القوى، فدماء رجال الله وسلاحهم هي الفعل الحاسم وقد حان وقتهم، والجولان كالقدس تنبئنا أنّ زمنها قد أزف، فلا تخافوا ولا ترتهبوا وهلمّوا الى السلاح والمقاومة ليعود الجولان وسط سورية وفلسطين جنوبها على وعد الرئيس الراحل حافظ الاسد…

الزمن لا يرحم والحقّ لا يعود إلّا بالمطالبة والحقّ الوطنيّ والقوميّ بالدماء والسلاح… فإلى السلاح..

الجولان الآن…! والضمّ يعني المقاومة والتحرير وإلّا…؟؟

هيئة تحرير موقع التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة

ميزة الإنسان عن باقي الكائنات العاقلة أو شبه العاقلة، أنّه يبدع، ويبني على تجاربه، ويتعلّم من تاريخه ليصيغ مستقبله بوعيٍ وإدراك، بل وبتصميم… وإنسان اليوم بات يعرف ما يخبئه الزمن الآتي، وقادرٌ على تصميمه، فما ننتظره في الغد هو ما صنعنا مقدّماته اليوم.

ترامب المأزوم في بيته الأسود، والمعرّض للمحاكمات، والساعي إلى ولايةٍ ثانيةٍ يبيع الوهم لنتنياهو المأزوم والمرتهب كيانه من مجرد بالوناتٍ وطائراتٍ ورقيةٍ حارقةٍ من غزة، البقعة المحاصرة والمستنزفة الى حد الجوع!

أهدى ترامب نتنياهو نقل السفارة الامريكية الى القدس، فكلّ ما فعله أنّه قدّم له ورقةً على التلفاز، ومع ازدياد أزمة ترامب ونتنياهو يغرّد ترامب أنّه سيهدي الأخير ورقةً جديدةً تقول إنّ الجولان اسرائيليٌّ الى الابد…

ترامب عمليا لم يقم بأيّ جهدٍ وليس معنيّاً بعملٍ ميدانيّ، وربما لا يرغب، وهو يدرك أنّه لا يستطيع، فقد قرّر الانسحاب من سورية، وقرر حلف المقاومة في قمة أركانه الثلاثة أنّ طريق دمشق – بغداد ستفتتح عنوةً، وكذا فشرق وشمال سورية سيعودان الى السيادة السورية، فعُدد الحرب باتت جاهزةً وكذا قرارها…

في الحاصل العمليّ لتوقيع ترامب قرار نقل السفارة، ولإمكانية أن يصدر ورقةً بتوقيعه بتطويب الجولان اسرائيلياً الى الابد، هو باع نتنياهو كلاماً في الهواء، وقدّم ما لا يملك لمن لا يستحق، وليس له بالأمر من حقٍّ ابدا.

حتى اللحظة يبدو الامر كلاماً بكلام، واعلاناتٍ بإعلانات، والاهداف تتقاطع عند الواهب والطالب، اما الواقع العملي وميزان القوى فلها كلامٌ اخر…

احتلت “إسرائيل” لبنان وغزت عاصمته وأقامت في جنوبه قرابة نصف قرن، وسعت للتهويد، فلبنان أثمن من الضفة والجليل، وأهمّ من الجولان لجهة المياه والمناخ والمنافسة والجغرافية والموانئ، إلّا أنّ رجال وسلاح المقاومة والتصميم ألزمت قادة الكيان ومعهم أمريكا وهي في عزّ قوتها وتماسكها وتهيمن على العالم متفرّدةً وبهمجية الانسحاب تحت النار ودون قيدٍ أو شرط وسقطت أهمّ أدوات “إسرائيل” لفرض مشيئتها عمليا – الاحتلال.

وفي غزة، وحين كانت امريكا ايضا سائدةً ومقررة، ومعها حلف الاعتدال العربي القوي ماليا وعسكريا وسياسا ومهيمنا على العرب والمسلمين، فعل سلاح ورجال المقاومة ما فعلوه في لبنان وانسحبت “إسرائيل” وفكّكت المستوطنات تحت النار ودون قيد أو شرط وبرغم أن امريكا سائدة وسورية محاصرة من الجهات الاربع ومستهدفة في خاصرتها اللبنانية وفي رئتها العراقية.

ميّز الله الانسان بالعقل، والتفكير والانتاج والارتقاء، والتطور، مستفيداً من تجاربه، والأهمّ والأكثر ذكاءً يستفيد من خلاصة تجارب الشعوب والأمم، وهذا عصر “الإنفوسفير”، والتاريخ المفرط والذكاء الصناعي دليل قاطع…

رجال وسلاح المقاومة في لبنان وفي غزة ليسوا من طينة مختلفة عن رجال الجيش الاسطوري العربي السوري، وسلاحهم من مصانع الجيش السوري باعتراف الكل، والكثير من خبرتهم حصدوها اما في معسكرات الجيش السوري او في ميادين تدريب الحرس الثوري الإيراني، وما زالت سورية وايران رأس المقاومة وحلفها ومصنعها وجدارها الصلب…

ليعلن ترامب ما يريد، وليوقع الاوراق، وليستعرض نتنياهو عزمه الاعلامي ويباري في الحلبات الصوتية من يشاء، فعندما تبدأ البنادق والصواريخ عرسها لن يفيد توقيع ترامب لوريقات في الهواء وعليه فبالهواء تتبعثر…

انه الدرس اللبناني المؤكد في غزة، والمثبت اسطوريا في الحرب السورية…

توقيع ترامب وريقات تهدي الجولان لــ “إسرائيل” ، لا تغيّر  في واقع ميزان القوى، فدماء رجال الله وسلاحهم هي الفعل الحاسم وقد حان وقتهم، والجولان كالقدس تنبئنا أنّ زمنها قد أزف، فلا تخافوا ولا ترتهبوا وهلمّوا الى السلاح والمقاومة ليعود الجولان وسط سورية وفلسطين جنوبها على وعد الرئيس الراحل حافظ الاسد…

الزمن لا يرحم والحقّ لا يعود إلّا بالمطالبة والحقّ الوطنيّ والقوميّ بالدماء والسلاح… فإلى السلاح..

 

  موقع التجمع العربي و الإسلامي لدعم خيار المقاومة

وجهات نظر 0 comments on بعد تصريحات وزير خارجية أمريكا في لبنان : هل تتجه المنطقة نحو حرب حاسمة ؟ .. بقلم بحري العرفاوي

بعد تصريحات وزير خارجية أمريكا في لبنان : هل تتجه المنطقة نحو حرب حاسمة ؟ .. بقلم بحري العرفاوي

زيارة وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو إلى لبنان وإعلانه في ندوة صحفية مع وزير خارجية لبنان جبران باسيل، هجوما عن حزب الله ووصمه بالإرهاب وبتحقيق أجندا إيرانية في المنطقة وادعاء أن دخوله للحكومة إنما هو بغاية تحصيل الدعم المادي من خزينة الدولة للحزب مدعيا أن حزب الله بجناحه العسكري يمثل عبئا على الحكومة وقال إنه هو من يملك قرار السلم والحرب، بل ووجد من “الجرأة” وقلة الذوق البروتوكولي ما جعله يحرض اللبنانيين ضد الحزب بقوله:”على اللبنانيين أن يختاروا بين منهج “الإباء” وبين الخضوع لحزب الله وإيران، وهو تحريض على الفتنة وعلى الاقتتال الداخلي وقد فهم بعض المراقبين بأن في قوله هذا تهديدا خفيا بكون الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل قد يُقدمان على عمل ما ضد حزب الله.

وزير خارجية لبنان كانت كلمته واضحة بخصوص حزب الله إذ قال أنه حزب وطني وليس إرهابيا وأنه جاء للحكومة بالانتخابات وأنه مدعوم بقاعدة شعبية كبيرة وأكد حرص اللبنانيين على الوحدة الوطنية وقال أن وصم حزب الله بالإرهابي يخص من وصموه بذاك الوصم ولا يعني اللبنانيين.

حين نجمع تصريحات وزير خارجية أمريكا مع تصريح ترامب بخصوص هضبة الجولان المحتلة ومطالبته الدول الاعتراف بكونها إسرائيلية، نفهم بأن الأمريكان والإسرائيليين يريدون الدفع نحو حرب جديدة في المنطقة.

يعرف الأمريكان والإسرائيليون بأن تلك الحرب لن تكون سهلة وقد تابعوا التحركات الماراتونية لأطراف محور المقاومة خاصة زيارة بشار الأسد السريعة إلى طهران ولقاؤه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ثم لقاؤه الرئيس الإيراني حسن الروحاني بحضور قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي رافقه في عودته إلى دمشق.

بعد تلك الزيارة كان اجتماع قادة أركان كل من العراق وسوريا وإيران بما يؤكد أن الاستعداد لحرب قريبة هو في أعلى درجاته، حرب قد تكون هجومية هذه المرة وليست دفاعية، سبق أن تحدث المرشد الأعلى للثورة عن مرحلة هجومية.

تصريحات ترامب ووزير خارجيته بخصوص حزب الله وإيران هل هي تصريحات الواثق من نفسه أم إنها تصريحات الخائف يُكثر من الصراخ لتجميع الآخرين حوله حتى يشعر بالأمان ؟

بعد فشل قمة وارسو وفشل كل الجولات التحريضية في المنطقة ضد محور المقاومة وبعد فشل ناتنياهو في انتزاع وعود من بوتين بدعم علني ضد إيران وسوريا وحزب الله بات الكيان الاسرائيلي في حالة ارتعاب وهو يرى محور المقاومة يحاصره من غزة الى لبنان الى سوريا وبدعم من دولة إيران المقتدرة وذات القرار السيادي والموقف السياسي الشجاع.

الصواريخ الأربعة التي فاجأت العدو وهي تقصف تل أبيب لم يتبنها فصيل فلسطيني مقاوم مثل حماس أو الجبهة أو الجهاد وهو ما أدخل استعلامات العدو في حيرة حتى ظهر البيان رقم واحد ل”حركة المقاومة العربية لتحرير فلسطين” وهي “حركة” تظهر لأول مرة كمعطى جديد في ساحة المعركة وهو ما سيزيد في ارتعاب العدو بالنظر إلى دقة تلك الصواريخ وغياب معلومات عن هذه الحركة المقاومة الجديد التي يبدو أنها ولدت كبيرة مقتدرة وفعالة.

“حركة المقاومة العربية” يبدو أنها حركة منبثقة عن “غرفة العمليات المشتركة” التي تجمع مختلف فصائل المقاومة بالإضافة إلى قوى سورية وفيلق القدس والحشد الشعبي والمرجح أيضا أن  عملية سلفيت البطولية التي نفذها الشاب عمر يوسف أبو ليلى إنما هي من ترتيب “حركة المقاومة العربية”.

الحرب القادمة سواء سعى إليها الأمريكان والإسرائيليون أو سعى إليها محور المقاومة ستكون حربا محددة لمصير المنطقة وستعيد رسم الخارطة بناء على نتائج الحرب.

المجهود العربي الذي طفا على السطح منذ مدة لاستعادة سوريا إلى الجامعة العربية بهدف إبعادها عن إيران وحزب الله والعراق يبدو أنها باءت بالفشل وها إن بشار الأسد يظهر في طهران يحتضنه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية ولم يظهر ـ بعد زيارة عمر البشير له ـ  مع ملك من ملوك العرب ولا مع أحد زعماء الأحزاب والحركات العربية من صناع القرار.