استمعت و أنا في غرفتي بالمبيت الجامعي سنة 1979 الى خطبة لعبد الحميد كشك رحمه الله يروي من تاريخنا حادثة سبي ملك من الروم امرأة مسلمة فأرسل اليه قائد مسلم رسالة يقول له إذا لم تطلق سراح المراة حالا أجيئك بجيش أوله عندك وآخره عندي الموت أحب اليه من الحياة فأطلق سراحها و أرسلها معززة و في حماية عشرات من نساء دولته…بكيت يومها و أنا اتابع أخبار قتل المسلمين على يد الصهاينة في فلسطين وعلى يد الروس في افغانستان.
اقتنعت أن لا كرامة لمواطن دولته ضعيفة و أمته مهزومة و أن كرامة الفرد و عزته من كرامة و عزة أمته.

أتساءل دائما ما الذي يجعل سائحا غربيا يتجول في شوارعنا عاريا و يدخل مساجدنا لالتقاط الصور دون أن يشعر بأي توجس أو ارتياب ؟ أليس لأنه يجد في قرارة نفسه أنه ينتمي لدولة قوية منتصرة ؟ لا صحة لما يقال من أنه يجد أننا شعب مضياف ومسالم فهو لا يجد هذا في نفسه بل يجد أننا مهزومون تابعون و لا نقدر على إيذائه.

الغرب الذي يذهب اليه شبابنا هاربا من الفقر ولاجئا من الاستبداد هل يمكن أن ينظر اليه الغربيون على أنه ينتمي الى حضارة منتصرة ؟

ما حدث في نيوزيلاندا لا يختلف عما يحدث منذ عقود ضد المسلمين على أيدي أعدائهم و على أيدي بعضهم بتحريض من أعدائهم…المسلمون لا ينتمون في نظر الآخرين الى حضارة منتصرة بل الى حضارة مهزومة والى دُول فاشلة والى أنظمة عميلة وليس لهم من سند و لا قدرة و لا همة أصلا بل إنهم هم من يهينون تاريخهم و حضارتهم ويتبرؤون من دينهم و من هويتهم ويخوضون اقتتالا بشعا ضد بعضهم سواء باسم الثورة او باسم الحداثة أو باسم الدين والطائفة.

ليس المشكلة في عدد قتلى المصلين على يد مجرم عنصري حاقد وإنما في تلك الجرأة على ذواتٍ إنسانية مسالمة وفي وضعية تعبّد، إنها ليست شجاعة ولا بطولة حين يقتل القاتل وإنما هي “مهانة” نفس القتيل عنده وغياب مهابتها لديه وهذا هو الجواب عن “جرأة” المجرمين علينا نحن المسلمين في عصرنا هذا.

المسلمون لا يسألون لماذا نحن مهزومون وإنما يسألون لماذا نحن “ضحايا” وبدل البحث عن طرائق الانتصار ووسائله فانهم يستلذون “غربتهم” ولا يغادرون عقدة “المنبوذية” وكأن قدرهم أن يظلوا على هامش التاريخ مفعولا بهم وفيهم لا يقدرون على شيء.

سنظل نحصي ضحايانا و شهداءنا و سنظل في اعين الاخرين مهزومين و لا نستحق الحياة ما لم نؤمن بأن الحياة اقتدار وما لم نسع الى انتزاع مكانة لنا في العالم ومكان اقتدارا واستحقاقا لا تبعية ولا تفضلا من أي جهة.

حين يشعر من تسول له نفسه الاعتداء على مواطن مسلم بأن وراءه دولة أو أمة مقتدرة لن يعجزها أن تجلبه للمحاكمة من أي نقطة من العالم أو أن وراءه من ينتصر اليه ف”يقتص” له وباقصى سرعة وفي أي مكان فلن يستضعفنا لا حاقدون عنصريون ولا مختلون فقدوا عقولهم.

نحن في دول لا يقدر حكامها على رفض تسليم مواطنيها لسلطات أجنبية ولا تقدر على حمايتهم من أن تغتالهم يد الاجرام العالمي ولا تقدر على محاكمة قاتلي مواطنيها ولا تقدر على قطع علاقات مع دول يحكمها مجرمون .

ما دمنا في “حماية” غالبينا فإننا لسنا أكثر من معتاشين نخوض معارك الصغار والصغائر ضد بعضنا ولسنا أبعد مدى من مقابر متحركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *