وجهات نظر 0 comments on هل نزع الرئيس الجزائري الصاعق نهائيا ؟ .. بقلم البحري العرفاوي

هل نزع الرئيس الجزائري الصاعق نهائيا ؟ .. بقلم البحري العرفاوي

احتجاجات الجزائريين ضد عهدة بوتفليقة الخامسة بقدر ما كانت جماهيرية حاشدة بقدر ما كانت متحضرة سلمية راقية أبهرت المتابعين من مختلف أنحاء العالم بل وأحرجت السلطة ربما لانها لم تقدم لها مبررا لاستعمال أدوات الدولة في مواجهتها سواء القانونية أو المادية، بل إن كبار المسؤولين في الجيش والسلطة أبدوا تقديرا لتحضر الشعب الجزائري وأعلنوا تفهمهم لاحتجاجاته ونزلوا عند رغبته على مرحلتين:

ـ مرحلة أولى تعهد فيها بوتفليقة من خلال رسالته إلى الجزائريين ـ إذا ما تم انتخابه مجددا ـ بعقد ندوة وطنية تتولى إعداد رؤية للإصلاح الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي ثم القيام بمراجعات للدستور وكذلك تنظيم انتخابات مبكرة التزم بألا يترشح إليها .

هذه الرسالة بدت لعدد من الجزائريين مستجيبة لحدّ معقول من المطالب ورأوها مقدمة مهمة لإصلاح متدرج هادئ، أصحاب هذا الرأي مازالوا يستحضرون العشرية السوداء ويخشون الانزلاق مجددا نحو فوضى مدمرة وهم يتابعون ما آلت إليه أوضاع عدد من بلدان “الربيع العربي” مثل سوريا وليبيا واليمن ومصر، ولا تغيب عن وعيهم التحرشات الخارجية بوطنهم بما هو ثروات أساسا.

غير أن جمهور الشباب وخاصة الطلابي كان حاسما في موقفه وحافظ على حرارة الشارع فانضمت إليه قطاعات مهمة وأعلنت مساندتها له مثل النقابات والمحامين والقضاة وجمعية العلماء الجزائريين وعدد من قادة الأحزاب.

تدخل القائد العسكري قائد صالح في مناسبتين محذرة مرة ومطمئنة أخرى لم يمنع حركة الشباب من مواصلة الإعراض على “العُهدة الخامسة” ومطالبة بوتفليقة بعدم الترشح مجددا لمنع تخفي “الفاسدين” خلف رمزيته لخدمة مصالحهم الخاصة.

أخيرا استجاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للشارع الجزائري بل لقد استجاب قبل ذلك لصورته المشرفة لدى شعبه وهو صاحب مشروع الوئام الوطني، لقد أعلن أخيرا أنه لن يترشح لعهدة خامسة وأنه سيمضي مباشرة إلى تكليف شخصية مشهود لها جزائريا وعربيا ودوليا بتنظيم ندوة وطنية تتولى دعوة الجزائريين إلى وضع خطة للإصلاح السياسي والاقتصادي وقد سبق ذلك كله استقالة رئيس الحكومة وتعيين خلف له ربما لتشكيل حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة وغير مؤدلجة .

عدد من الجزائريين خرجوا إلى الشوارع في مدن عدة مستبشرين بانتصار الحكمة على العناد وانتصار العقل على العاطفة وانتصار الجزائر على المتربصين بها.

الجزائريون تكلموا بصوت واحد بوجه التدخلات الخارجية:هذا شأن عائلي لا دخل للغرباء بين الجزائريين. كانوا يردون على الأمريكان والفرنسيين وهم يعون أنهم لا تعنيهم ديمقراطية ولا حقوق إنسان وإنما تعنيهم فقط مصالحهم وثروات الشعوب يبتزونها.

في الوقت الذي ظن فيه كثير من الجزائريين ومن محبي الجزائر يظنون أن إعلان بوتفليقة عدم الترشح لعهدة خامسة نزعٌ لصاعق الاحتجاجات والفوضى، رأى آخرون أنها ليست إلا “حيلة” من أجل عُهدة خامسة بعنوان تمديد في عهدة رابعة، أصحاب هذا الرأي يدعون إلى شوط آخر من الاحتجاج لمنع عملية “ابتلاع الشارع” بمثل هذه “الحيل” ولمنع استجماع النظام أنفاسه للارتداد على ما تحقق من مكاسب مهمة ولكنها غير كافية.
فهل يقنع الجزائريون بما تحقق ـ وهو غير قليل ـ أم سيستمرون في “التضييق” على سلطة العسكر وهي السلطة الفعلية حتى يُجبروها على ترك السياسة للأحزاب أو ربما يدفعونها إلى “الدفاع” عن مصالحها فتلجأ إلى أساليب تخرج بالمشهد الجزائري ـ لا قدر الله ـ عن سلميته الرائعة إلى ما يؤذي السياسة والسياسيين وعموم المواطنين والمنطقة أيضا ؟؟

وجهات نظر 0 comments on الأردن بين لهيب «صفقة القرن» و نار «الوطن البديل» .. بقلم رضا حرب

الأردن بين لهيب «صفقة القرن» و نار «الوطن البديل» .. بقلم رضا حرب

في ظلّ المسارعة الأميركية والهرولة العربية لتنفيذ «صفقة القرن» التي ستُعيد رسم خريطة المنطقة كجزء من مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي تبنّاه المحافظون الجدد، ويهندس ملامحه الأخيرة ثلاثة مقرّبين من ترامب ونتنياهو، وهم جاريد كوشنر زوج إيفانكا ترامب، وديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة في «إسرائيل»، وجيسون غرينبلات مبعوث ترامب الى الشرق الأوسط . المثير للاهتمام أنّ الثلاثة يهود متشدّدون، ومن أشدّ مؤيدي نتنياهو وإعلان القدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية. لذا، يمكننا القول إنّ المملكة الأردنية الهاشمية تتعرّض لعملية ابتزاز غير مسبوقة من قِبل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وبالتالي يجب ان نطرح السؤال التالي: هل انتهى العمر الافتراضي للكيان الأردني الهاشمي؟
الكيان المعروف بالمملكة الأردنية الهاشمية نشأ، أو بالأحرى أنشأته بريطانيا على ثلاث مراحل، وكلّ مرحلة كانت لها دوافعها. والمثير للاهتمام أنّ كلّ مرحلة تزامنت مع قرار استعماري يؤكد دورها الوظيفي.
المرحلة الاولى كانت نشأة «المنطقة المحمية Protective Zone» – منطقة عازلة عام 1918، وهي عبارة عن جدارين عازلين يعزلان فلسطين، جدار من الشرق جهة العراق، وجدار آخرمن الجنوب جهة الجزيرة العربية، بعد عام واحد على وعد بلفور عام 1917 . هل هي صدفة؟
المرحلة الثانية كانت إعلان قيام إمارة شرق الأردن عام 1921 بعد عام واحد على اتفاقية سايكس – بيكو 1920 التي قسّمت المنطقة. هل هي أيضاً صدفة؟
المرحلة الثالثة كانت إعلان قيام مملكة شرق الأردن، ثمّ تغيّر الاسم الى المملكة الأردنية الهاشمية عام 1949، ونيلها الاستقلال والاعتراف الدولي 1946 قبل عام واحد على قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة 1947 . هل هي أيضاً صدفة ؟
مصطلح الجغرافيا السياسية يعني تأثير الجغرافيا بعواملها كالمساحة والموقع والموارد الطبيعية والديموغرافيا والطبوغرافيا على السياسة، أو العلاقة بين السياسة والحيّز الجغرافي للدولة أو بالأحرى تأثير الجغرافيا على السياسة. العوامل الجغرافية يمكن أن تمنح الدولة أهمية استراتيجية. بما انّ الموارد الطبيعية تُعدّ المكوّن الاقتصادي الأساسي للدولة، نجد انّ المملكة الأردنية الهاشمية لا تمتلك المؤسّس الحيوي للقوة. وهذا في الحقيقة جعلها دوماً أسيرة الدور الوظيفي. كما أنها تعاني من انقسام ديموغرافي حادّ نلاحظه عند السؤال مَن هو الأردني؟ وللغرابة الشديدة ستجد أنّ هناك اردنياً أصيلاً وأردنياً دخيلاً.
صحيح أنّ موقعها الجغرافي أتاح للمملكة الهاشمية أن تلعب دوراً مركزياً في القضية الفلسطينية، ولو سلّمنا جدلاً أنها بجغرافيتها باتت لاعباً جيوبوليتيكياً إلا أنّ قرارها الإقليمي وأولوياتها كانت دائماً صناعة غير محلية نظراً لاحتياجاتها الملحة للمساعدات من دول لها أجنداتها الخاصة كالسعودية والامارات والولايات المتحدة والعراق زمن صدام حسين، وبالتالي يمكن القول إنها لا تملك القوة الاقتصادية التي تؤهّلها للتمرّد على دورها الوظيفي.
مثالان بسيطان على ما نقول: كان دور المملكة في الأزمة السورية سلبياً للغاية. إلى جانب «إسرائيل»، لعب الأردن دور المنصّة لتوسيع رقعة الأزمة السورية، فغرفة العمليات المعروفة بالـ»موك MOC» Military Operations Center كانت ولا زالت في عمّان لخلق منطقة عازلة في الجنوب تحت سيطرة تنظيمات إرهابية موظفة لحماية أمن الكيان الصهيوني على غرار جيش لحْد العميل. قبل أيام أكدت تقارير أنّ السلاح عاد يتدفّق من الأردن بناءً على تعليمات من غرفة الـ»موك». والمثال الآخر، عندما رفض الملك عبدالله صفقة القرن، وأصرّ على الذهاب الى مؤتمر اسطنبول رغم تهديدات الدول الداعمة، في أول قرار للتمرّد على الدور الوظيفي، أوقفت الدول الداعمة مساعداتها ممّا ترك أثراً كاد يهدّد العلاقة بين الشعب والعائلة الحاكمة.
باتت صفقة القرن معروفة للقاصي والداني، لكن المعلَن ليس هوغير المعلن. للصفقة مساران: المسار الأول قطاع غزة، والمسار الثاني الضفة الغربية. وهما مساران منفصلان لفصل القضية إلى قضيتين وشعبين.
المسار الأول: توسيع قطاع غزة بضمّ أراضٍ من صحراء سيناء، ولدوافع «إنسانية» تموّل دول الخوف، ودول أخرى بناء مطار دولي وميناء بحري ومستشفيات ومدارس ومحطات لتحلية المياه، إضافة الى عشرة مليارات مخصّصة للبنى التحتية تدفعها الدول العربية. كلها ستكون بتعهّدات أميركية.
المسار الثاني: وضع الضفة الغربية تحت «الانتداب» الإسرائيلي لـ 30 سنة، بدل مصطلح «احتلال»، على أن يتمّ خلالها التفاوض على الأمن والحدود والمستوطنات وعاصمة دولة فلسطين وصلاحيات السلطة، لكن الحقيقة أنه خلال تلك المدة تعمل «إسرائيل» على التمدّد بالمستوطنات وحشر الفلسطينيين في أماكن ضيقة ومنفصلة لخنقهم تدريجياً حتى تصبح المعيشة تحت السلطة الفلسطينية التي هي مجالس بلديات، لا تُطاق. وفي الوقت نفسه يعمل العرب على شرعنة «الدولة «اليهودية كحق تاريخي وديني». ومن الملاحظ انّ «الذباب الالكتروني الخليجي» بدأ بحملة واسعة لترويج «الحق التاريخي والديني»، والتحريض على الفلسطينيين واتهام الفصائل المقاومة بالإرهاب.
الموقف الأردني من صفقة القرن: في البداية كان للأردن موقف متشدّد، لكنه لاحقاً تحوّل الى موقف متذبذب، والسبب أنه في وضع اقتصادي صعب للغاية. وهنا تأتي الإغراءات لإخضاعه. في صفقة القرن 4 جزرات مسمومات مقابل القبول بها. الجزرة الأولى: الوصاية التامة والحصرية على المقدّسات الإسلامية. ومن منطلق «لكلّ مسلم الحق بزيارة الأماكن المقدسة» تمنح السفارات الأردنية للزوار تأشيرات دخول مقابل رسوم تشكل دخلاً كبيراً للمملكة. الجزرة الثانية: خط السكة الحديدية من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأردن، ومنها يتفرّع إلى الخليج، والى غرب العراق، والى جنوب سورية، ومنها الى شمال سورية وكردستان العراق. ايّ أنّ الأردن يكون مركز ترانزيت وتوزيع Hub. وتشمل الجزرة الثانية وعوداً بإحياء «الأوتوستراد العربي» الذي يربط «إسرائيل» بالخليج وغرب العراق عبر الأردن الذي سيؤمّن للأردن دخلاً إضافياً.
الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لا علاقة له بمحاربة الإرهاب، بل لدعم الانفصاليين وتأمين الخطوط البرية. «إسرائيل» بدأت تجهّز المخططات اللازمة لتنفيذ المشروع وسيساهم العرب بالتكاليف.
الجزرة المسمومة الثالثة: وفقاً لصحيفة الشرق الأوسط بلغت ديون الأردن أكثر من 37 مليار دولار. مقابل الموافقة على صفقة القرن ستقدّم له الدول الخليجية مساعدات مالية تخرجه من أزمته الحالية، لكن مؤقتاً. على المدى البعيد ستفرض الدول الداعمة على الأردن استقبال العدد الأكبر من أهالي الضفة الغربية ونسبة من فلسطينيّي الـ 48 لتأمين الأمن الديموغرافي للدولة اليهودية، مقابل دعم مالي عربي لتسديد ديونه الداخلية والخارجية. والجزرة الرابعة في مدينة نيوم: مدينة نيوم مدينة المستقبل تغطي مساحة تساوي تقريباً مساحة فلسطين، وتشمل أراضي سعودية شمال غرب المملكة ومصرية أراضي في سيناء مع حرية الحركة لسكان غزة للعمل في المشروع وأردنية منطقة العقبة . هذا يعني للأردن أنّ المكاسب الاقتصاية كبيرة إذا التحق بقافلة «صفقة القرن». والأهمّ انّ صفقة القرن هي الترجمة العملية لمدينة نيوم، بمعنى آخر، حلم محمد بن سلمان إقامة مدينة نيوم لا يتحقق من دون «صفقة القرن». «إسرائيل» اكثر المتحمّسين لمشروع نيوم لأنها ستكون المسؤولة عن الجانب العلمي والتقني، ولأنه يدفع باتجاه تطوير التعاون الأمني والعسكري مع المملكة العربية السعودية، ويفتح الباب الى العالم العربي أمام المستثمرين الإسرائيليين. والأهمّ بالنسبة للكيان الصهيوني تصفية القضية الفلسطينية.
يمرّ الأردن اليوم بمرحلة تاريخية حاسمة، فإما أن يلتحق بقافلة «صفقة القرن» ويشارك في تصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي يتحقق «الحلم الإسرائيلي» بـ «الوطن البديل» تحت الحكم الهاشمي الذي لن يعمّر طويلاً بعد إتمام الصفقة، أو إحياء «المملكة العربية المتحدة» ممّا يعني أنّ العمر الافتراضي للمملكة الهاشمية التي نعرفها قد انتهى.
لا بدّ أنّ الملك عبدالله الثاني يدرك مخاطر الأزمة الاقتصادية التي تواجهها المملكة الهاشمية، لكن هل يدرك مخاطر الجزرات المسمومات؟ خياراته محدودة، فإما التمرّد على الدور الوظيفي، وهذا يتطلب تغييراً جذرياً في التحالفات، أو الاستعداد للرحيل.
المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية.

 

وجهات نظر 0 comments on غاز شرق المتوسط : صراع الموارد و النفوذ .. بقلم خطار أبو دياب

غاز شرق المتوسط : صراع الموارد و النفوذ .. بقلم خطار أبو دياب

المسألة تتخطى ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية، وترتبط بقدرة كل دولة في الدفاع عن سيادتها وحقوقها ومصالحها خلال حقبة انهيار أو تفكك أو تبعية لبعض الدول العربية المعنية.

تلاحقت في الفترة الأخيرة عدة أحداث متعلقة باستخراج وملكية الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط: الخلاف على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؛ رفض تركيا بدء قيام قبرص بأي عمليات تنقيب طالما ظلت أزمة انقسامها قائمة؛ وتفرع ذلك إلى تجاذب بين مصر وتركيا، فالأخيرة رفضت اتفاقية ترسيم خط الحدود البحرية بين القاهرة وقبرص الموقَّعة عام 2013، باعتبار أنها تمس بحقوقها الاقتصادية.

هكذا يخفي تداخل الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل وقبرص ولبنان وتركيا واليونان، تسابقا للفوز بالثروة الجديدة في حوض المشرق الذي يشبه البعض طفرة الغاز المنتظرة فيه بطفرة النفط في الخليج العربي في بداية السبعينات، لكن تقديرات الموجودات فيه التي تصل على الأقل إلى 3454 مليار قدم مكعبة من الغاز، وقربه من أوروبا يجعلاننا نقارنه بحوض بحر الشمال الحيوي.

بيد أن إحاطة حوض المشرق بسبعة بلدان متعارضة مع بعضها البعض منذ عقود ستعقّد الاكتشافات والتقدير الفعلي لكميات الغاز، والأدهى أن يؤدي التنافس على موارد الغاز والنفط المكتشفة إلى مسار جديد للصراع في منطقة مأزومة تعيش منذ 2011 مجريات “اللعبة الكبرى الجديدة”.

ويمكن لتداخل صراع النفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية والتجاذب حول الطاقة أن يهددا باتخاذ النزاع أبعادا أكثر خطورة في المستقبل القريب.

لا يمكن تجاهل أهمية حروب المياه في تشكيل المشهد الشرق الأوسطي مع ندرة هذا “الذهب الأخضر”، والأمثلة لا تنقص حول أنهار الفرات والأردن واليرموك والنيل، وكان لذلك دور في اندلاع حرب يونيو 1967.

ومما لا شك فيه أن اتصال أمن الطاقة العالمي بموارد واحتياطات البترول في الشرق الأوسط، سلط الأضواء على هذه المنطقة الواقعة في وسط الكرة الأرضية، وقاد ذلك واشنطن لبلورة سياساتها من خلال عامليْ حماية إسرائيل والتحكم بمواقع ونقل الطاقة.

واليوم في موازاة اكتشافات الغاز والبترول الصخري، وأفق استنفاد موارد البترول الخام، يزداد التركيز على الغاز الطبيعي، ولذا تتنبه روسيا الأولى في سوق تصدير الغاز (تملك لوحدها نحو ربع إجمالي احتياطات الغاز المؤكدة في العالم، ويشكل إنتاجها 71 بالمئة من واردات الغاز لوسط وشرق أوروبا) لتطور اكتشافات حوض المشرق الذي يهدد هيمنتها على السوق الأوروبية، ويمكن أن يحرر الاتحاد الأوروبي من التبعية لروسيا في مجال طاقة الغاز.

ومن الواضح أنه من خلال القواعد الروسية على الساحل السوري تنسج روسيا سياسة تعتمد على البقاء لاعبا أساسيا في الشرق الأوسط، وتعتبر أن نفوذها المكتسب يمنع المنتجين في حوض المشرق من المسّ بمصالح موسكو على المدى المتوسط.

لكن ديمومة النفوذ الروسي العسكري أو السياسي لن تمنح موسكو القدرة على التحكم بمشهد الطاقة المتغير من شرق المتوسط إلى الخليج وترابط ذلك مع طلبات السوق والمصالح المزدحمة. ولذا فإن تقديم الحرب في العراق في الماضي على أنها من أجل الطاقة لم يكن دقيقا بل كانت له أبعاد متعددة.

وهذا ينطبق اليوم على الحروب السورية، التي لها جوانب تتصل بالسيطرة على موارد الطاقة وطرقها، لكنها معنية أساسا بتغيير وجه الإقليم بمجمله وإعادة تركيبه.

نحن إذن أمام مشهد جديد للطاقة في الشرق الأدنى، إذ أن التقنيات الحديثة للتنقيب عن الغاز والبترول في أعماق سحيقة تحت مياه البحار، أبرزت احتمال احتواء حوض شرق المتوسط على مكامن غاز تحتوي على احتياطات هائلة.

وهذه المنطقة هي كذلك البوابة لاحتياطيات النفط والغاز الرئيسية في العالم في منطقة الشرق الأوسط والخليج حتى الآن. ومع مرور الوقت ستترك الاكتشافات الحديثة آثارها على التوازنات العامة في المشهد الجيوبوليتيكي.

وهكذا تؤجج عمليات ونوايا التنقيب عن الغاز نيران أزمات إقليمية محتدمة أو كامنة تشترك فيها كل من إسرائيل ولبنان وتركيا وقبرص واليونان ومصر وحتى روسيا.

فمن مصر إلى سوريا عبر لبنان وإسرائيل وقبرص، يعتبر هذا المورد سلاحا ذا حدين في منطقة تشهد حربا باردة دولية وحروب بالوكالة وأزمات إقليمية مزمنة. خلال مدى قصير من الزمن سوف تصبح مصر وإسرائيل من مصدري الغاز الأساسيين، إذ سيكون الإنتاج في المستقبل أكبر بكثير من احتياجات أسواقهما المحلية.

ولأنه سيتم تسييل كميات من هذا الغاز في المرافق المصرية الموجودة، ستتجه من هناك الصادرات نحو أوروبا، حيث تراجع إنتاج بحر الشمال وهولندا بشكل حاد، لكن الصعوبة ستكمن في منافسة الغاز الروسي رخيص الثمن، وفي هذا تفسير واضح للجانب الاقتصادي من اللعبة الدولية الكبرى للسيطرة على الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين.

ومن جهة أخرى يدلل بدء الحفر الاستكشافي قبالة سواحل قبرص على أن حوض المشرق قد يحتوي على احتياطات الغاز الهائلة. وكما إسرائيل، سيكون لبنان موطنا لاحتياطيات كبيرة من الغاز في منطقته الاقتصادية الخالصة (EEZ)، ويرجّح أن تمتلك سوريا أكبر احتياطي نفطي في المشرق، إلى جانب احتمال وجود حقول جديدة للغاز والنفط في شمال وغرب العراق تنتظر الإفراج عنها؟

وسط كل ذلك، لا يتلخص النزاع بين لبنان وإسرائيل على جزء من حقل غاز يقع على حدود البلدين، بل له أبعاد أخرى. وتسري هذه المقاربة على الصراع داخل قبرص أو حولها، وكذلك على الخشية التركية من خسارة موقع مصب الغاز والنفط على ضوء التقارب المصري-الإسرائيلي الذي تجسد في صفقة الغاز الأخيرة والتفاهمات حول استثمار هذا المورد.

تتخطى المسألة إذن ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة، وترتبط بقدرة كل دولة في الدفاع عن سيادتها وحقوقها ومصالحها خلال حقبة انهيار أو تفكك أو تبعية لبعض الدول العربية المعنية.

وإذا كان لا يُستبعد تماما أن يتطور الصراع متعدد الأطراف حول الطاقة إلى مواجهة أو حرب إقليمية، فبالرغم من استمرار الوساطة الأميركية حول “بلوك 9” بين لبنان وإسرائيل، يخشى المراقبون من ارتفاع التوتر على المدى القصير فقط، لكن خطر المواجهة المباشرة لا يزال منخفضا، في ظل احتمال ترابط ذلك مع حروب سوريا وضخامة التجاذبات الجيوستراتيجية حولها. ويسري الأمر على مصر وتركيا وقبرص. إذ يبقى من الأفضل أن يكون اقتسام موارد الطاقة مدخلا للتعاون، بدل الموت من أجل المياه أو البترول أو الغاز.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on بعد 6 أشهر من القطيعة بين قايد السبسي و “النهضة” : مشهد سياسي جديد في تونس على طريق الانتخابات .. بقلم كمال بن يونس

بعد 6 أشهر من القطيعة بين قايد السبسي و “النهضة” : مشهد سياسي جديد في تونس على طريق الانتخابات .. بقلم كمال بن يونس

حسم الإعلان عن المواعيد الرسمية للانتخابات البرلمانية والرئاسية التونسية، المقرّرة الخريف المقبل، خلافاً معقّداً بين أبرز صُنّاع القرار في تونس، وذلك بعد اتهامات متبادلة بدفع البلاد نحو الاضطرابات والتوتر، بهدف منع تنظيم هذه الانتخابات أو تأجيلها. إذ كشف نبيل بافون، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عن أنه تقرر رسمياً أن تنظم الانتخابات البرلمانية يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول)، والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين، على أن تنظّم الدورة الثانية بعد شهر. والمخطط له انطلاق الأطوار التمهيدية للانتخابات في يوليو (تموز) المقبل.

حصل هذا التطور بعد أيام من لقاء بين رئيسي حزب «نداء تونس»، حافظ قائد السبسي (ابن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي)، وحزب «حركة النهضة»، راشد الغنوشي. وكان هذا اللقاء الأول من نوعه منذ 6 أشهر، أي منذ إعلان الرئيس التونسي وحزبه «نداء تونس» القطيعة مع «حركة النهضة»، وتوجيهه اتهامات سياسية وأمنية خطيرة إليها، ما دفعها إلى الدخول في تحالف استراتيجي مع خصومه، بزعامة رئيس الحكومة يوسف الشاهد. فإلى أين تسير تونس على ضوء آخر المستجدات ؟

تسيطر أجواء حذر شديد على تونس هذه الآونة، على الرغم من الانفراج الذي أحدثه الإعلان عن روزنامة الانتخابات مُفصَّلة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في أعقاب مشاورات شملت رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان والأطراف السياسية. ولقد توالت تعليقات الإعلاميين وتصريحات السياسيين حول قرب خروج البلاد من النفق بعد التوافق على تاريخ الانتخابات، وبروز مؤشرات إغلاق صفحة القطيعة السياسية بين رئاسة الجمهورية وخصومها بزعامة رئيس الحكومة وقيادة «حركة النهضة»، إلا أن السؤال المطروح هو: إلى أي حد سيكون التفاؤل مبرراً… بينما تونس مهدّدة باستفحال الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية إذا ما تعقدت الأوضاع في «الجارة الغربية» الجزائر، وتواصلت الحرب في «الجارة الشرقية» ليبيا ؟

 

ترحيب من جانب واحد

بين ما شدّ الأنظار أن الإعلان الرسمي عن الاجتماع الأول بين حافظ قائد السبسي وراشد الغنوشي صدر في وسائل الإعلام وفي المواقع الرسمية لـ«حركة النهضة» ورئيسها… وليس في المواقع الرسمية لـ«نداء تونس» وزعمائه، ثم إنه صدر الترحيب باستئناف الحوار بعد 6 أشهر من القطيعة والتوتر عن عدد قليل من قيادات «نداء تونس» مقابل ترحيب كبير به من قبل كثرة من قيادات «النهضة»، فبدا وكأن الترحيب الرسمي من جانب واحد.
هذا، وكشفت مصادر من «حركة النهضة» أن اللقاء جرى في بيت الغنوشي بضاحية «رياض الأندلس» العاصمية، وهو ما فُهم على أنه «رسالة حسن نية» من الرئيس قائد السبسي وابنه، وإغلاقاً لصفحة التوتر بين رئيسي الحزبين التي انطلقت بمناوشة كلامية في المكان نفسه قبل نحو 9 أشهر. وفيما يخصّ الترحيب، فإنه صدر (كما سبقت الإشارة) عن عدد صغير من قياديي «النداء»، بينهم الوزير السابق خالد شوكات ورؤوف الخماسي رجل الأعمال وصديق الرئيس التونسي منذ عقود.
وقال الخماسي في تدوينة على موقع «فيسبوك» إنه ضد «القطيعة التي لن تخدم إلا أعداء الخيار الديمقراطي». وانتقد شوكات الساسة الذين اتهمهم بـ«الاستثمار في القطيعة والعداء والصدام» عوض المراهنة مجدداً على سياسة التوافق بين قيادات الأحزاب الوطنية الكبرى وعلى رأسها «النداء» و«النهضة». كذلك رحّب محمد الغرياني، نائب رئيس حزب «المبادرة الدستورية» والأمين العام السابق للحزب الحاكم قبل 2011، بعودة الحوار بين «النهضة» و«النداء» والدستوريين.

 

اتهامات و معارك آيديولوجية

في المقابل، تابع قياديون بارزون في «نداء تونس»، بينهم الوزير المستشار ناجي جلول، والمنسّق العام للجنة إعداد المؤتمر بوجمعة الرميلي، والبرلماني عبد العزيز القطي، انتقاداتهم اللاذعة لقيادة «حركة النهضة»، فحمّلوها مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي خلال السنوات الماضية. ورأى البعض في هذه الاتهامات والانتقادات أن الحملة الانتخابية السابقة لأوانها ستتواصل تحت يافطات آيديولوجية وشعبوية، وليس حول برامج سياسية ومشاريع لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، على حد تعبير نور الدين العرباوي عالم الاجتماع ورئيس المكتب السياسي لـ«حركة النهضة». بل، واتهم العرباوي مَن وصفهم بـ«الاستئصاليين» في المعارضة وفي أحزاب أقصى اليسار «بافتعال معارك آيديولوجية وملفات أمنية، من بينها اتهام النهضة بامتلاك جهاز سرّي يتجسّس على الدولة والمعارضين». وأضاف: «خرافة الجهاز السرّي هي البرنامج الانتخابي للجبهة الشعبية لهذه السنة، ونحن مطمئنون، لأنها ستكون حملة انتخابية فاشلة».

 

عودة للمربع الأول

لكن هل يمكن أن يُسهِم استئناف الحوار بين «النهضة» و«النداء» في خطوة نحو تغيير تكتيكي تقوم به رئاسة الجمهورية وقيادة «النهضة» من أجل تغيير المشهد السياسي وإضعاف القطب المنافس الذي صعد بسرعة ويتزعمه اليوم رئيس الحكومة يوسف الشاهد والوزير السابق سليم العزابي؟ وهل يؤدي تطبيع العلاقات بين قصر قرطاج وقيادة أكبر القوى الإسلامية إلى إعادة خلط الأوراق سياسياً بما يحرم الشاهد من البقاء في الحكم حتى موعد انتخابات أكتوبر المقبل؟ وهل يتوافق السبسي مجدداً مع زعامة «النهضة» إلى درجة التنسيق معها لإسقاط حكومة الشاهد في البرلمان، وتعويضها بحكومة تكنوقراط مستقلة، ومن ثم، منعها من توظيف وجودها في مؤسسات الدولة انتخابياً؟ أم أن الأمر يتعلّق الآن بمجرد مقابلة سياسية لم تتطور إلى مسار مفاوضات ومشاورات وقرارات مشتركة تؤثر في مصير حكومة الشاهد وحزبه؟
هذه أسئلة مهمة تنتظر أجوبة وتوضيحات.

 

حكومة تكنوقراط ؟

عماد الخميري الناطق الرسمي باسم «حركة النهضة» ذكر أن لقاء الغنوشي بحافظ قائد السبسي جاء «ضمن ظرف دقيق تمر به البلاد، وفي سياق وضع البلاد على سكّة إنجاح انتقالها الديمقراطي». ورداً على سؤال حول فحوى اللقاء، وما إذا كان شمل مطلب «النداء» وبعض الأطراف المعارضة (بينها الجبهة الشعبية) حول تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة تشرف على الدولة في مرحلة انتخابات لضمان حياديتها، قال الخميري باقتضاب إن اللقاء بحث «الأوضاع السياسية العامة بالبلاد»، دون تقديم تفاصيل حول مشاورات تعديل الحكومة.
للعلم، كان الغنوشي وبعض المقربين منه، بينهم رئيس الحكومة السابق علي العريّض، والوزير السابق لطفي زيتون، أدلوا أخيراً بتصريحات أوحت بوجود مشاورات بين الأطراف السياسية حول مقترح تغيير رئيس الحكومة الحالي، الذي أصبح مدعوماً بحزب «تحيا تونس»، وتعويضه بشخصية مستقلة ليست طرفاً في السباق الانتخابي المقبل. وفهم كثيرون أن التصريحات تعبّر عن تخوفات في أوساط عدة مِن «تغوُّل حزب تحيا تونس» في المشهد السياسي الجديد، في حال فوزه بالرئاسة وبالغالبية البرلمانية في آن معاً. لكنّ حافظ قائد السبسي عقّب على تصريحات قيادة «النهضة» بالقول: «نحن ننتظر إصدار بيان رسمي من الحركة حول هذا الموقف، وبعدها يمكن أن نبحث فرضية التحرك المشترك في البرلمان من أجل سحب الثقة عن الحكومة الحالية».

كذلك، عندما عقد اللقاء، توقع سياسيون أن تكون القيادتان قد تبادلتا رسائل تضمنت اتفاقاً سرياً مبدئياً حول بعض القضايا، بينها مستقبل الحكومة، ووقف الحملات الإعلامية المتبادلة. لكن صمت رئاسة الجمهورية وقيادة «النداء» قد يوحي بأنه لم يجرِ التوصُّل إلى أي اتفاق يهم القضايا الكبرى ومنها التعديل الحكومي.

وذهب سمير الطيب، الوزير اليساري والأمين العام لحزب المسار الشيوعي سابقاً، أبعد من ذلك، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن تغيير الحكومة الحالية «أصبح غير ممكن اليوم دستورياً وقانونياً وسياسياً لأن الحملات الانتخابية السابقة لأوانها انطلقت منذ مدة والعملية الانتخابية ستنطلق بعد 4 أشهر». ورجّح الطيب مواصلة الحكومة ممارسة مهماتها في ظروف عادية. ومن اليسار أيضاً، اعتبر الحقوقي والمعارض السابق شوقي قداس أنه «لا خوف على مصداقية الانتخابات رغم عدم تغيير الحكومة، لأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي التي تتولى الإشراف المباشر على العملية الانتخابية بكل مراحلها، وليس الحكومة».

 

فرص حزب الشاهد

في هذه الأثناء، حصل أنصار يوسف الشاهد على تأشيرة قانونية لمطلب الحزب الجديد الذي أسسه عدد من كبار كوادر الدولة والمنشقّين عن «نداء تونس» بزعامة سليم العزابي، مدير مكتب رئيس الجمهورية حتى أكتوبر الماضي. وتكشف تصريحات المنسّق العام لهذا الحزب وبعض المقرّبين من رئيس الحكومة يوسف الشاهد ثقة كبيرة في النفس، وفي كون الغالبية الساحقة من كوادر «النداء» والأحزاب العلمانية واليسارية والليبرالية تناصر المشروع السياسي والحزبي الجديد وستلتحق به قبل الانتخابات المقبلة. بل، وتتوقع البرلمانية ليلى الشتاوي أن يفوز الحزب بالغالبية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، ويغدو الحزب الحاكم الجديد، مرجحةً نهاية «النداء» بعد انشقاق كثير من كوادره.
ونفى الوزير إياد الدهماني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن يكون الشاهد انخرط في هذا الحزب أو وظفه خدمة لأجندات انتخابية أو سياسية خاصة. وتحدى معارضيه قائلاً: «من كانت لديه إثباتات حول توظيف هذا الحزب إمكانيات الدولة عليه أن يرفع الأمر إلى القضاء». لكن تطمينات الناطق الرسمي باسم الحكومة لم توقف حملة الانتقادات للحزب ولرئاسة الحكومة، بحجة وجود عدد من الوزراء والولاة وكبار كوادر الدولة والموظفين ضمن طاقمه وطنياً وجهوياً.
أما العزابي، فعلّق على حملة معارضي حزبه بالتذكير بأن «القانون والدستور لا يمنعان رئيس الحكومة والوزراء والموظفين بالانتماء إلى حزبنا مثلما لم يمنعهم من الانتماء إلى أحزاب أخرى تشارك في حكومة الوحدة الوطنية الحالية، مثل (النداء) و(النهضة) و(المسار) و(مشروع تونس)».
ونفى العزابي رداً على سؤال «الشرق الأوسط» خلال مؤتمر صحافي: «حزبنا يريد تطوير المشهد السياسي ودعم سياسات الإصلاح والبناء التي بدأها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وبينها محاربة الفساد. ونحن لسنا حزباً ضدّ طرف معين، بل حزب له مشروع تغيير وإنجاز منفتح على الشباب وعلى كل الطاقات الوطنية».

 

البكوش و سعيد و الجبالي

وتتعاقب المفاجآت وفرضيات تغيير المشهد السياسي التونسي بعد دخول لاعبين سياسيين من الحجم الكبير على الخط، وإعلانهم اعتزامهم المشاركة في السباق الانتخابي والسياسي نحو قصر قرطاج والبرلمان. ويتصدر هؤلاء عدد من المسؤولين السابقين في الدولة، بينهم رئيسا الحكومة السابقان، حمادي الجبالي الأمين العام المستقيل من «حركة النهضة» ورئيس أول حكومة 2012 مطلع 2013، والمهدي جمعة رئيس حكومة التكنوقراط المستقل عام 2014.
كذلك، دخل على الخط الأمين العام لاتحاد دول المغرب العربي والوزير السابق للخارجية والأمين العام السابق لـ«نداء تونس» الطيب البكوش. وكان البكوش قد أعلن عزمه خوض الانتخابات المقبلة وتأسيس حزب يحمل تسمية «من أجل تونس»، ويُذكر أنه كان من بين زعماء الحركة النقابية إبان عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، ثم تولى مهمات حقوقية عربية ودولية، من بينها رئاسة المعهد العربي لحقوق الإنسان. ومن المقرّر أن ينسحب البكوش في يونيو (حزيران) من مهماته الدبلوماسية ليتفرغ لمشواره السياسي والانتخابي.
والتحق بقافلة المرشحين سليم الرياحي، الرئيس السابق للنادي الأفريقي وللحزب الوطني الحر، إذ أعلن من منفاه الاختياري في أوروبا نيته رغم استقالته من الأمانة العامة لـ«نداء تونس». وفي الوقت عينه، كشفت استطلاعات الٍرأي تزايد شعبية شخصيات مستقلّة وحزبية من خارج التيارات الإسلامية والدستورية واليسار التقليدي، منها الأكاديمي وخبير القانون الدستوري قيس سعيد، والوزير والحقوقي السابق محمد عبو زعيم حزب التيار الديمقراطي.

 

قادة تيار الغاضبين

في سياق متصل، ثمة مسائل تشغل معظم السياسيين المعنيين بتشكل المشهد السياسي المستقبلي مثل: مَن سينجح في تشكيل القوة التي تكسب ثقة غالبية التونسيين الغاضبين من أداء كل الحكومات السابقة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً؟ وبمَن سيكسب ثقة التيار المعارض لكل الأحزاب التي خرجت من رحم التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم قبل يناير (كانون الثاني) 2011؟ ثم، مَن سيكون مرشح التيار الشعبي الموالي لمبادئ الثورة «ضد الذين انقلبوا عليها»، حسب تعبير الرئيس السابق المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، وبعض زعماء المعارضة، مثل المحامي عبد الرؤوف العيادي رئيس حزب «وفاء»؟
الأيام الماضية حملت مفاجأة تمثلت في تنظيم أول تحرك سياسي علني حضره «الرؤساء الثلاثة في حكومة الترويكا»، أي مصطفى بن جعفر والمنصف المرزوقي وعلي العريّض. وحضر المظاهرة مع الجمهور راشد الغنوشي وأمين عام حزب «التكتل» الوزير السابق والنقابي خليل زاوية وعدد من الحقوقيين والنشطاء السياسيين. وفهم المراقبون من هذا التحرك الأول من نوعه منذ خمس سنوات تلويحاً من قبل «رفاق الأمس» بالدخول في تحالفات سياسية جديدة رداً على الأزمة مع «نداء تونس» ومع رئاسة الجمهورية وبعض الأحزاب الدستورية.

 

خطاب 20 مارس

 

ختاماً، أعلن فراس قفراش، المستشار الإعلامي في رئاسة الجمهورية، أن الرئيس قائد السبسي قرر عدم الإدلاء بتصريحات صحافية في هذه المرحلة، مع أنه من المقرر أن يخاطب الشعب مباشرة بمناسبة اليوم الوطني يوم 20 مارس (آذار) الحالي. ويتوقع المراقبون أن يوضح الرئيس بالمناسبة موقفه من عدة ملفات، من بينها إشاعة ترشحه لدورة رئاسية جديدة، ومستقبل حزبه الذي يعتبر كثيرون أنه الأوفر حظاً بالفوز في انتخابات الخريف، إذا انسحب نجل الرئيس إلى الصف الثاني في القيادة. وسينتظر التونسيون بالمناسبة توضيح المستجدات في علاقة رئاسة الجمهورية بـ«حلفاء الأمس»، وبينهم قادة «حركة النهضة»، وابنه الروحي يوسف الشاهد الذي تمرّد عليه مع نخبة من كوادر الحزب والدولة ليؤسسوا مشروعهم السياسي الجديد.

 

روزنامة الانتخابات البرلمانية و الرئاسية

كشف نبيل بافون رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية عن المواعيد الرسمية للعملية الانتخابية التشريعية (البرلمانية) المقبلة كما يلي:
– تقديم الترشيحات للانتخابات التشريعية ينطلق يوم 22 يوليو، ويتواصل إلى يوم 29 يوليو.
– الهيئة تُعلِن عن القائمة الأولية للمترشحين يوم 6 أغسطس (آب)، وعن القائمة النهائية في 31 أغسطس كأقصى تقدير.
– الحملة الانتخابية بالنسبة للانتخابات التشريعية تنطلق يوم 14 سبتمبر (أيلول)، وتنتهي يوم 4 أكتوبر.
– يوم 5 أكتوبر سيكون يوم الصمت الانتخابي، ويوم 6 أكتوبر هو يوم الانتخاب.
– أقصى تاريخ إصدار دعوة الناخبين من قبل رئيس الجمهورية هو يوم 7 يوليو 2019.
– تقديم الترشيحات للانتخابات الرئاسية ينطلق يوم 27 أغسطس، ويغلق باب الترشيحات يوم 3 سبتمبر.
– الهيئة ستقدم، على أقصى تقدير، القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية يوم 10 أكتوبر.
– الحملة الانتخابية للرئاسية تبدأ يوم 19 أكتوبر، وتنتهي يوم 8 نوفمبر.
– الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية يوم 14 نوفمبر.
– موعد الدورة الثانية في كل الحالات لن يتجاوز 29 ديسمبر (كانون الأول).
– الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية سيكون يوم 13 نوفمبر على أقصى تقدير.

 

الشرق الأوسط

وجهات نظر 0 comments on وجهان لدونالد ترامب … بقلم د. منير شفيق

وجهان لدونالد ترامب … بقلم د. منير شفيق

الانطباع الذي يتركه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للوهلة الأولى، أنه تفردي في رأيه، متسرع في اتخاذ قراراته وتعليقاته اليومية، كأنه “مغرد خارج السرب” يقول ما يحلو له، وليس رئيس دولة يفترض بها أن تكون دولة مؤسسات.

والتجربة مع قراراته، خلال السنتين الماضيتين، تشير إلى أنها قابلة للتراجع والتعديل، كما قابلة للعودة إلى سيرته الأولى، كأن ما جرى من تراجع وتعديل تحت الضغوط؛ انتهى فعله وتأثيره، (مثال موقفه من الانسحاب من سوريا). وقد تركت تجربته أثراً سلبياً من جهة علاقته بوزرائه ومستشاريه ومعاونيه، مما اضطر أكثر من ثلاثين مسؤولاً على الاستقالة أو الإقالة، الأمر الذي يدل على انفراد بالرأي وتحدي المؤسسة وقادتها حتى المعينين من قِبله.

ومن الانطباعات التي يتركها بأنه متعجل وارتجالي وعنيد ومعاند، ويستغل صلاحيات الرئيس، وما يسمح به الدستور والعرف إلى أبعد مدى، ولا يبالي إذا تعدى ذلك إلى حد تهديده باللجوء إلى تأنيبه، وفرض الاستقالة عليه، فقد رد بأن عواقب ذلك ستكون وخيمة في الشارع. فثمة مؤيدون له يتسمون بالتطرف الشديد، حتى اللجوء إلى السلاح والحرب الأهلية. وقد وصل الأمر بمحاميه السابق مايكل كوهين إلى التشكيك بتسليمه (ترامب) السلطة تسليماً سلساً إذا ما سقط في الانتخابات الرئاسية القادمة.

ومن هنا، برزت تساؤلات مثل هل يمكن للحماقة أو الغرور أو التعصب أن يذهب إلى هذا الحد، فيما طريق المساومة مع المؤسسة أسلم. وكذلك مع الإعلام، وحتى مع قطاع هام من حزبه ومن الحزب الديمقراطي.

لا يمكن لمن يتابع مواقف ترامب وسياساته وصِداماته الداخلية أمريكياً، والخارجية، ولا سيما مع حلفائه، إلاّ أن يتهمه بالحمق والغباء وقلة الدراية السياسية، وبأنه ذاهب بأمريكا وبالعالم إلى أزمات أخطر من الأزمات التي عرفاها حتى اليوم.

على أن هذا وجه للصورة وللحكم على دونالد ترامب، ومن ثم توقع طي صفحته إما بالتأنيب وإما بعدم التجديد له بعد انتهاء ولايته الحالية.

ولكن لماذا لا يؤخذ الرجل بجدية تتخطى الانطباعات وردود الفعل آنفة الذكر في فهم سياساته وموقفه؟

إن أخذه بجدية يفترض أن وراء كل تلك المظاهر في سياساته ومواقفه ثمة مشروع انقلابي يريده هو، كما يريده قطاع مقدر، وربما لا يقل عن أربعين في المئة من الأمريكيين “الواسبس” (البيض الأنكلو-سكسون البروتستانت)، في المقدمة المتصهينون منهم. وهؤلاء يمثلون قطاعاً محافظاً من الرأسمالية الأمريكية الإمبريالية والشعب الأمريكي في مواجهة ما آلت إليه المؤسسة الأمريكية والدولة العميقة والإعلام، من تمثيل للقطاع الرأسمالي الليبرالي الإمبريالي. فدونالد ترامب ليس مجرد فرد ذي نزوات شاذة يريد فرضها على الواقع الأمريكي، داخلياً وخارجياً. فلو كان مجرد فرد له شعبية لهان على المؤسسة ذات الأنياب أن تعالجه. فقد عالجت غيره من الرؤساء بالتدجين، أو بالتأنيب والإقالة، وحتى بالاغتيال والقتل. ولكن إذا كان وراء ترامب شعبية ذات مخالب، وراحت تنقم على ما آلت إليه الدولة، فالوضع مختلف، والصراع جاد وخطر، وما ينبغي له أن يُقرأ بخفة.

فكما يبدو من سياسات ترامب ومواقفه؛ أنه يمثل تياراً يريد أن يُحدِثَ تغييراً عميقاً في المؤسسات وفي الدولة العميقة، كما في الاستراتيجية الخارجية والسياسات الدولية. فما نحكم عليه من خلال السنتين الماضيتين هو رأس جبل الثلج العائم في المحيط.

وإلاّ كيف يفسَّر هذا الصدام غير المتوازن مع ممثلي الدولة العميقة في السي آي إيه، وفي الخارجية وفي البنتاغون، وفي جهاز القضاء وفي الإعلام. فلو أخذنا ما حدث من استقالات وإقالات في إدارته، لا سيما الذين جاء بهم هو نفسه، لوجدنا من جهة وجود شخصيات هامة استعدت للتعاون معه في ظل ما نشب من صراعات بينه وبين المؤسسات، وفي ظل ما عبر عنه من سياسات داخلية وخارجية، ولوجدناها من جهة أخرى لا تستطيع الذهاب معه إلى ما هو أبعد من نصف الطريق، فيما هو مصمم للذهاب إلى ما هو أبعد من نصف الطريق؛ لأنه يريد أن يقطع الطريق كله. فهذه النخب كانت طافية على سطح التيار الأمريكي الشعبي المتطرف الناقم الذي انتخب دونالد ترامب، والذي يهدد معارضيه بالويل والثبور إذا ما تجرأوا على تأنيبه وإقالته. فترامب (كما يبدو) يستلهم هؤلاء في القاعدة، وقد صمم على أن يمضي في رحلته حتى النهاية.

إذا كان أخذ ترامب بجدية يحمل درجة من الصحة في تقدير الموقف، فهذا يعني أن معركة ترامب الأولى داخلية أمريكية-أمريكية، وتسعى لإحداث تغيير نوعي في المؤسسات والدولة العميقة، وليس مجرد مناوشات، أو تناقضات داخل الطبقة الواحدة. وهو ما يحتاج إلى الفوز بالدورة الرئاسية الثانية حتى يكشف كل أوراقه، ويذهب إلى الحسم. هذا بالطبع إذا لم يُحسم الأمر ضده قبل ذلك أو في الانتخابات.

الأمر الثاني الذي يوجب أن يؤخذ فيه ترامب بجدية يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو تركيزه على الصين باعتبارها المنافس، أو العدو “رقم 1” لأمريكا، ومحاولته الفاشلة حتى الآن للمساومة مع روسيا ضدها. ولكنه ما زال مشدوداً للتخبط في مواجهة السياسات الأمريكية العربية-الإسلامية، ولا سيما في مواجهة إيران والقضية الفلسطينية، وإشكالية التماهي مع الكيان الصهيوني، وهو ما يجعل سياساته الخارجية في مهب الريح.

وهكذا، مرة أخرى تقع توجهات الرئيس الأمريكي، كما الرؤساء الذين سبقوه بعد انتهاء الحرب الباردة، في فخ “إعادة تشكيل شرق أوسط جديد” في مصلحة الكيان الصهيوني واستراتيجيته، وذلك من خلال ما طرحه حول ما سمي بـ”صفقة القرن”، وهو الفخ الذي أبعد الرؤساء الأمريكيين عن التقدم باستراتيجية دولية تمس المنافسين الكبار القادمين بقوة (روسيا والصين)، كما على مستوى قوى إقليمية كبيرة (الهند، تركيا، إيران، جنوب أفريقيا).

صحيح أن ترامب يحمل مشروعاً داخلياً انقلابياً يميزه عن سابقيه، وقد أعطاه الأولوية، وصحيح أنه ذاهب للتركيز على الصين وروسيا أكثر من سابقيه أيضاً، ولكنه غارق في الآن نفسه، في حرب اقتصادية وسياسية ضد إيران، وفي مشروع “ناتو” عربي يحمل “صفقة القرن” المزعومة، في آن واحد مع التوجه ضد إيران. وبهذا ترتبك الاستراتيجية الأمريكية في تحديد اولوياتها.

في ما يتعلق بالداخل الأمريكي يعرف ترامب ما يريد، ويعرف أولوياته، وهو ذاهب بهذا الطريق كالقطار السريع. وبالنسبة إلى الصين وروسيا، فواضح دخوله في سباق تسلح مع روسيا، كما كان الحال في مرحلة الحرب الباردة. وأما مع الصين، فجعلها بالدرجة الأولى اقتصادية وتجارية واتصالاتية، ولا سيما مع شركة هواوي، بمثابة الحرب.

يبقى الإرباك في ربطه الحرب على إيران و”صفقة القرن” التي لم يعلنها بعد. وقد واجه العزلة والفشل السياسي في أولى خطواته عندما أعلن القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني ونقل سفارته إليها، مما أدى إلى قطع علاقاته بمحمود عباس، وانعزاله حتى عن أوروبا، وعدم تجرؤ أي من الحكام الأنذال المهرولين المطبعين على إعلان الموافقة على سياساته. فكلما أوغل في الموضوع الفلسطيني كلما صُدم بحائط الفشل، ولن يكون مصير مواجهته لإيران إلاّ الفشل كذلك.

ولهذا خطورة دونالد ترامب تكمن، بالدرجة الأولى، في ما يمكن أن يحققه في أمريكا نفسها، وهو البُعد الذي يجب أن يُراقَب جيداً.

وجهات نظر 0 comments on هل غير لقاء أبوظبي مسار التسوية السياسية في ليبيا ؟ .. بقلم السنوسي بسيكري

هل غير لقاء أبوظبي مسار التسوية السياسية في ليبيا ؟ .. بقلم السنوسي بسيكري

نقطة في غاية الأهمية يمكن أن تساعد في فهم ما جرى خلال لقاء فايز السراج وخليفة حفتر بأبوظبي، هي أن الأخير ليس في موقف ضعف ليقبل بما كان يرفضه بقوة منذ أسابيع قليلة، أي خضوعه لسلطة مدنية ورضوخه لقيادة غير منتخبة.

المنطق وطبائع الأشياء تدفعنا للقول بأن ما تحقق لخليفة حفتر في الجنوب من مكاسب تجعله يشرئب بعنقه إلى السماء لا أن ينظر تحت قدميه، وهو العسكري الذي ينزع بجنون إلى القوة لتحقيق الغايات.

 

إذا تأكد أن حفتر قبل بتسوية سياسية، فإن عاملا آخر أسهم في دفعه للتخلي عن تعنته ورفضه للسراج والمجلس الرئاسي

مقاربة استثمار الفراغ وممارسة الضغوط والتفكيك وتغيير الولاءات بوسائل عدة أثبتت نجاعتها في بنغازي وبوضوح ونتائج أكبر في الجنوب، ويمكن أن تنجح في المنطقة الغربية، فالتأييد لحفتر ليس محدودا في مدن عدة غرب البلاد، وهناك أطراف سياسية واجتماعية وعسكرية يمكن أن تنضم لحفتر إذا أقدم على الدخول للعاصمة، هكذا تبدو الأمور لحفتر وأنصاره، فلماذا يقبل بما اعتبره يوما استصغارا له؟!

لماذا غير حفتر موقفه ؟

معطيات عديدة تشير إلى أن الأقرب هو أن ينساق حفتر لغريزته ويستجيب لنزوعه لاستخدام القوة لفرض الإرادة وتحقيق التغيير الذي ينشده، وينطلق من الجنوب لاكتساح المناطق المتاخمة له في جنوب غربي العاصمة ويتقدم شمالا.

لذا، وإذا تأكد أن حفتر قبل بتسوية سياسية، فإن عاملا آخر أسهم في دفعه للتخلي عن تعنته ورفضه للسراج والمجلس الرئاسي، عاملا ضاغطا أكبر من أن يتخطاه حفتر ويلتف عليه، هذا العامل هو التدخل الأمريكي المباشر لترتيب الوضع عبر العصا والجزرة.

ليس هناك من طرف قادر على إرغام حفتر على القبول بما دأب على رفضه إلا واشنطن، فالأطراف الداعمة للمشير لا تقوى على لجمه، نعم يمكن أن ترفع عنه الدعم جزئيا في محاولة لفرض بعض ما تراه في مصلحتها، لكنها لا تقوى على تغيير مساره الأساسي حتى إذا رغبت.

لكن بالمقابل فإن سيناريو فرض واشنطن على حفتر مقاربة سياسية مناقضة لمساره في الوصول لغايته لا يمكن أن يكون بلا مقابل أو ضمانة أن لا تذهب جهوده طوال خمس سنوات سدى لينتهي به الحال إلى منصب لا تأثير حقيقيا له، وهنا يقع المأزق ويكمن الخطر.

اتفاق ملغوم

ما تناقله بعض من لهم صلة بدوائر صناعة القرار أو حواشيها يتحدثون عن اتفاق لا يمكن أن يكون بديلا أفضل للاتفاق السياسي الراهن، بل هو استفراد سيؤجج الصراع، ولا يمكن تمرير اتفاق كهذا سياسيا إلا من خلال مظلة جامعة تشرعنه، وعسكريا عبر إدماج طرفين رئيسيين فيه، هما كتائب طرابلس ومدينة مصراتة ممثلة في مكوناتها السياسية والاجتماعية والعسكرية.

 

اتفاقات “الفجاءة” عمرها قصير جدا حتى لو تم الضغط لتمريرها، والإصرار على تنفيذها بالقوة سيفضي إلى تفجر صراع قد يكون خطيرا ومريرا،

أي اتفاق لا مظلة جامعة تغطيه وقوة فاعلة تدعمه سيكون صعب التنفيذ، إذ إن المعارضة يمكن أن تكون كبيرة ليس فقط في الغرب الليبي بل أيضا في الشرق، فمن المتوقع أن يضاعف الاتفاق من تهميش البرلمان، وتقزيم دور ووزن رئيسه، بالإضافة إلى أن انتقال حفتر وقواته للعاصمة يعني ترك مدن الشرق خاصة بنغازي لوضع قد يقود إلى تأزيم وربما فوضى.

اتفاقات “الفجاءة” عمرها قصير جدا حتى لو تم الضغط لتمريرها؛ والإصرار على تنفيذها بالقوة سيفضي إلى تفجر صراع قد يكون خطيرا ومريرا، فالطبيعة الاستفرادية للاتفاق يمكن أن تسهم في تعبئة وتكاتف قوى أمنية وعسكرية مواجهتها قد لا تكون شيئا مماثلا لما وقع في الجنوب أو حتى في بنغازي.

ما أردت قوله هو أن حفتر لا يمكن أن يقبل إلا بالتفرد والهيمنة على القرار العسكري بل وحتى الأمني، وهذا في حد ذاته يعني السعي لترويض كافة الفاعلين وإقصاء وحتى استئصال من يرفض الخضوع، وهو ما تتوقعه وتتخوف منه القوى الرافضة له.

و الخلاصة عندي أن الحديث عن تسوية ناجزة لا يمكن أن تكون ممكنة إلا بمباركة كتائب طرابلس ومكونات مصراتة، وفي حال وقع الاتفاق وهذه بعيدة عنه فهو اتفاق هش وبالون اختبار لا يختلف عن سوابقه من لقاءات واتفاقات.

وجهات نظر 0 comments on هل يمهد إفراج مصر عن المختطفين الفلسطينيين لصفقة بين حماس و الاحتلال؟

هل يمهد إفراج مصر عن المختطفين الفلسطينيين لصفقة بين حماس و الاحتلال؟

تناول مختصون فلسطينيون دلالة إفراج السلطات المصرية عن عدد من المختطفين الفلسطينيين في سجونها منذ سنوات، غير مستبعدين أن تمهد الخطوة المصرية الأجواء لتعزيز الثقة للمضي قدما في صفقة تبادل للأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

إنجاز كبير لحماس

وبشأن دلالة إفراج مصر عن عدد من المختطفين الفلسطينيين لديها، ومن بينهم الأربعة الذين يعتقد أنهم ينتمون لكتائب القسام الجناح العسكري لـ”حماس”، عقب زيارة رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية، الأخيرة لمصر، أوضح الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، أن “هذه الزيارة أثمرت إنجازا كبيرا لحماس وللشعب الفلسطيني، بإطلاق سراح الشبان الأربعة بعد إنكار وجودهم في مصر”.

ولفت في حديثه لـ”عربي21“، أن “إنكار وجودهم كان يشير إلى أنهم قد قتلوا أو تمت تصفيتهم”، معتبرا أن “نجاح حماس في الإفراج عن هؤلاء الشبان يؤكد أن هذه الحركة تعمل لصالح الشعب الفلسطيني، وليست صاحبة تفكير ضيق هدفه هو التنظيم”.

ونوه الصواف بأن “حماس استطاعت بحنكتها ودبلوماسيتها أن تقنع الجانب المصري بأن هؤلاء لا علاقة لهم بما يجري بمصر، وأن الإفراج عنهم بات أمرا ضروريا بعدما تم الاعتراف بوجودهم في مصر”.

وأضاف: “قد يكون هناك مصالح ناتجة عن هذا الإفراج للجانب المصري، وبغض النظر عن تلك المصالح أعتقد أننا كفلسطينيين وكحركة حماس، لم ندفع أثمانا سياسية لا لمصر ولا لغيرها؛ لأن أمر الإفراج عن الشبان هو أمر قانوني، ولأن اختطافهم والتحقيق معهم غير قانوني”.

وقدر الكاتب أن “هناك تطورا في العلاقة بين حماس والنظام المصري الحالي، لكن هذا التطور مرتبط بالمصالح، هناك مصالح لمصر تريد أن تحققها، هل ستستطيع؟ في ظني أن الأمر من جهة حماس سيخضع للمقارنة، إن كانت هذه المصالح ضد أو تتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني فلن تقبل حماس ولا قوى المقاومة في غزة”.

وحول إمكانية ارتباط الإفراج عن المختطفين ضمن صفقة شاملة بوساطة مصرية لتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي، قال: “أعتقد أن زيارة أبو العبد (هنية) للقاهرة بحث فيها موضوع صفقة تبادل، لكن هذه الصفقة لن ترتبط بشكل أساسي بالمختطفين الأربعة”.

صفقة تبادل محتملة

وذكر أن “هناك شرطا للمقاومة بإفراج الاحتلال عمن أعيد اعتقالهم من صفقة وفاء الأحرار (شاليط)، وهذا الشرط لا بد أن يتحقق”، مؤكدا أن “حماس ليس لديها مانع أن تخوض في مباحثات جديدة عبر الوسيط المصري مع الجانب الصهيوني إذا نفذ هذا الشرط أولا”.

ورجح الصواف أن “كشوفات حماس جاهزة، والاحتلال يعرف ماذا تريد حماس، وحماس تعرف ماذا تريد، وقد أفهمته للجانب المصري”، منوها بأن “هناك الكثير من الزيارات والوفود التي جاءت لحماس حول هذا الموضوع منذ سنوات، وحماس لا تزال على موقفها وشرطها للبدء في مفاوضات حول صفقة تبادل، كما أن الكشف عن الجنود المتواجدين عندها وحالتهم يرتبط بإفراج الاحتلال عن المعتقلين من صفقة وفاء الأحرار وعدد نحو الستين”.

من جانبه، قدر الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، أن الخطوة المصرية تأتي “من باب تعزيز الثقة ومنح عناصر قوة للسيد هنية وحركة حماس لتعزيز حضورها في الساحة الفلسطينية، وهي ضمن المراجعات في طبيعة وجوهر العلاقة بين حماس والقاهرة”.

وأوضح في حديثه لـ”عربي21“، أن “هذه الخطوة هي ترجمة عملية للحوار الاستراتيجي بين الطرفين الذي انطلق منذ فترة، فالفلسطيني لم يعد يكترث بالكلام المنمق بقدر ما ينتظر أفعالا؛ سواء على صعد المعتقلين في مصر أو على صعيد حصار غزة والتهدئة وكافة الملفات الأخرى”.

وحول تعزيز الخطوة المصرية من دور القاهرة في إتمام أي صفقة تبادل جديدة للأسرى مع الاحتلال، قال الدجني: “هذا هو الوجه الآخر للعملية، بأن تكون هناك جهود مصرية في صفقة تبادل محتملة مع الاحتلال، مع أدراك أن متطلبات هذه الصفقة متعلقة في الأساس بالجانب الفلسطيني والإسرائيلي”.

هناك عقبات ومطبات

واستبعد الكاتب أن يكون إفراج مصر عن المختطفين “جزء من صفقة شاملة تتعلق بصفقة تبادل مع الاحتلال، وهذا ما لا تسمح به مصر أو حماس”، مؤكدا أن “مصر هي الدولة الأكثر تأهيلا في لعب دور هام في هذا الملف، مع التذكير بأن هناك شروطا للمقاومة تؤمن بها القاهرة كرعاية لصفقة وفاء الأحرار”.

أما رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية، إياد الشوربجي، فرأى أن “إفراج مصر عن المختطفين الأربعة من الجهاز العسكري لحماس، يشكل خطوة مهمة في مسار تطور العلاقات بين الطرفين”، معتبرا أنها “خطوة جاءت لتصحيح واقعة لم تكن مبررة بأي شكل من الأشكال”.

وأوضح في حديثه لـ”عربي21“، أن “كلا الطرفين بدأ بفهم الآخر والتعامل معه بطريقة أكثر جدية وواقعية، تخدم مصالحة وتحسن من بيئة علاقاته البينية”، منوها بأنه “لا تزال هناك عقبات ومطبات تعتري هذه العلاقة لاعتبارات سياسية وأيديولوجية، من المتوقع أن تخف حدتها مع تطور العلاقة وإذابة التوترات والتركيز على البعد المصلحي والواقعية السياسية”.

ولجملة من الاعتبارات الداخلية والارتباطات الدولية والإقليمية، استبعد الشوربجي حدوث “تغير جذري واسع في طريقة تعامل مصر مع حماس في الأفق القريب، لكن المتوقع أن تحدث انفراجات وتحسينات في طبيعة العلاقة، بما ينعكس على حجم التجارة البينية وحركة المعبر وتطور عملية التعاطي السياسي، مع بقائها في المستويات الأمنية دون المستويات السياسية الرسمية”.

من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله العقاد، أن “الإفراج عن الأربعة المختطفين وآخرين كانوا محتجزين، فعلا، هو ثمرة جهود استمرت وتواصلت منذ سنة ونصف، والتي بدأت برعاية مصرية لما أسمته حماس حينها بهجوم المصالحة، واستمرت في الوساطة بين فصائل المقاومة والاحتلال؛ للحفاظ على استمرار التهدئة، وإن بمستويات دون المنشودة بعد”.

وأوضح العقاد أن الإفراج عن المختطفين هو “مقدمة أساسية لتهيئة الأجواء لنجاح جهود وساطة مصرية لصفقة وفاء جديدة للإفراج عن معتقلين فلسطينيين من سجون الاحتلال، مقابل ما لدى المقاومة الفلسطينية من جنود إسرائيليين أسرى وآخرين بحوزة كتائب القسام”.

وجهات نظر 0 comments on الترفيع في نسبة الفائدة المديرية هل هو السلاح الأمثل للتقليص من معدلات التضخم المالي في تونس ؟ بقلم د. رضا الشكندالي

الترفيع في نسبة الفائدة المديرية هل هو السلاح الأمثل للتقليص من معدلات التضخم المالي في تونس ؟ بقلم د. رضا الشكندالي

 

ملخص

منذ يناير 2013، رفّع البنك المركزي التونسي تسع مرات متتالية في نسبة الفائدة المديرية بدون أن يكون لهذا القرار أي انعكاس على التضخم المالي، بل زاد هذا الإجراء الطين بلّة وتسارعت وتيرة التضخم المالي في تونس إلى أن وصلت إلى مستويات قياسية أثرت سلبا على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي وعلى تنافسية المؤسسات التونسية. وقد حمّل البنك المركزي المسؤولية كاملة إلى العائلات التونسية عبر القروض التي تتحصل عليها والتي تحولها إلى طلب استهلاك المواد الموردة، ممّا زاد في تفاقم العجز التجاري وسرّع في تراجع الدينار التونسي ومن ثمّة في وتيرة التضخم المالي. لكن المتأمل في الأسباب التي أدت إلى تسارع وتيرة الأسعار في تونس يلاحظ أن العامل الأهم في التضخم المالي ليس نقديا بل بالأساس يعود إلى الانزلاق المتواصل للدينار وأن العامل النقدي في التضخم المالي لا تتحمله العائلات التونسية بل الحكومة عند التجائها للاقتراض الداخلي عبر رقاع الخزينة التي تصدرها والتي تحولها البنوك التجارية إلي سيولة نقدية توجهها للدولة لتمويل موازنتها عوض تخصيصها لتمويل الاستثمار الخاص ممّا يضعف النمو الاقتصادي ويقلّص من خلق فرص التشغيل.

 

مقدمة

كان القرار الأخير للبنك المركزي التونسي الترفيع بمائة نقطة كاملة في نسبة الفائدة المديرية محل جدل كبير بين المختصين في الشأن الاقتصادي. واعتبرت منظمة الأعراف، في بيان لها بتاريخ 20 فيفري 2019، أن هذا القرار سيزيد بنحو 15% في كلفة القروض وأنه ليس بمقدور أي مؤسسة تونسية تحمل مثل هذه الأعباء الإضافية التي ستضعف قدرتها على الإيفاء بتعهداتها إزاء المؤسسات البنكية وستزيد من مصاعب التسيير العادي لها. كما أدانت المنظمة الشغيلة هذا القرار واعتبرته تفقيرا للشعب التونسي ودعت البنك المركزي إلى التراجع عنه. فهل كان البنك المركزي صائبا في قراره ؟ ومن هو المستفيد الأول من هذا القرار ؟

 

استقلالية البنك المركزي لاستهداف التضخم المالي

إن الغاية من استقلالية البنك المركزي إبعاده عن التأثيرات الحكومية فيما يخص القرارات التي يتخذها في السياسة النقدية وانفصاله عن السلطة التنفيذية في تحديد أهدافه واتخاذ قراراته حتى لا يكون مجبرا على تمويل عجز موازنة الدولة وبالتالي متسببا في ارتفاع الأسعار. ويكون البنك المركزي مستقلا عندما يتمتّع مسؤولوه الرسميون بالاستقلالية فيما يتعلق بتعينهم وعدم الاستغناء عن خدماتهم قبل انتهاء المدة المحددة لهم قانونا. كما ارتبطت استقلالية البنك المركزي باستهداف التضخم المالي، فالبنك المركزي، عندما يكون مستقلا، فهو المسؤول الأول عن استقرار الأسعار باعتبار أن مصدر التضخم المالي هو نقدي بالأساس.

وتخضع العلاقة بين البنوك المركزية وحكوماتها إلى المرتكزات الفكرية والفلسفية للمدارس الاقتصادية. فالمدارس الفكرية الاقتصادية ذات البعد الليبرالي ترغب في تقوية استقلالية البنوك المركزية ودعمها وعدم تدخل الحكومات في قراراتها بما أنها تقوم على الفصل بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد النقدي وكل ارتفاع في معدلات السيولة النقدية في الاقتصاد لا يمكن له إلا أن يؤدي إلى ارتفاع في أسعار السلع والخدمات. وتقوم هذه المقاربة الاقتصادية للتضخم المالي على تقليص دور الدولة في الاقتصاد حيث يقتصر أداؤها على الخدمات الأساسية وعلى توفير المناخ الملائم للقطاع الخاص حتى يقوم بمهمته الاقتصادية على أحسن وجه، فاليد الخفية للسوق هي الكفيلة بإيجاد التوازنات الكلية للاقتصاد. وقد أدت هذه المقاربة الاقتصادية إلى ظهور عديد الأزمات الاقتصادية لعل أهمها كساد كبير وزيادة في معدلات البطالة وانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي في ثلاثينات القرن الماضي وانهيار في أهم الأسواق المالية وإفلاس عديد المصارف التجارية خلال أزمة الرهن العقاري في 2008.

وفي المقابل، ترى المدارس الفكرية الاقتصادية، والتي تعطي دورا مهما للدولة من خلال السياسات الاقتصادية التي تنتهجها، أن الترفيع في نفقات الدولة ينشّط الاقتصاد ويحفّز القطاع الخاص على الاستثمار من خلال الطلب الإضافي الذي يحدثه في الاستهلاك الموجه إلى المنتجات المحلية. فالاستثمار الخاص، حسب هذه المقاربة، يتأثر بالطلب الموجه إلى المنتجات المحلية أكثر من تأثره بنسبة الفائدة وكل تدخل للدولة في الاقتصاد عبر الزيادة في النفقات العمومية أو التخفيض في الجباية يترجم إلى زيادة في مداخيل الأفراد ويؤدي إلى ارتفاع في الاستهلاك ممّا يشجع القطاع الخاص على الاستثمار ورفّع من معدلات النمو الاقتصادي. وتفضل هذه المقاربة الاقتصادية تمويل نفقات الدولة بالسيولة النقدية المتأتية من البنك المركزي وتدعو الحكومات إلى التدخل في إدارة البنوك المركزية من خلال تعيين محافظها ومجالس إدارتها حتى تتمكن من الحصول على القروض اللازمة لتمويل العجوزات في موازناتها.

وحسب القانون عدد 35 لسنة 2016، المؤرخ في 25 أبريل 2016 والمتعلق بضبط القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي، فهو مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلالية في تحقيق أهدافها ومباشرة مهامها والتصرف في مواردها. ويتمثل الهدف الأساسي للبنك المركزي التونسي في الحفاظ على استقرار الأسعار بضبط السياسة النقدية الملائمة وهو ما يتطابق مع المقاربة الأولى والتي تعتبر أن مصدر التضخم المالي هو نقدي بالأساس.

 

لماذا رفّع البنك المركزي في نسب الفائدة ؟

في بيانه الصادر عن مجلس إدارته في اجتماعاته يومي 16 و19 فبراير 2019، قرر البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بـ 100 نقطة أساسية كخطوة استباقية للحدّ من الآثار السلبية للتضخم المالي على الاقتصاد وعلى المقدرة الشرائية. وعلل قراره بالكلفة العالية لعدم استعمال السياسة النقدية والتي لولاها لكانت نسبة التضخم المالي برقمين ممّا يجعل من نسبة الفائدة الحقيقية سالبة وهو ما يزيد في الطلب على استهلاك المواد المحلية من ناحية مع تداعياته على التضخم المالي وعلى استهلاك المواد الموردة مع تداعياته السلبية على العجز التجاري وعلى المخزون من العملة الصعبة وخاصة على قيمة الدينار التونسي من ناحية أخرى. علاوة على أن تواصل الضغوط التضخمية، في حال عدم استعمال السياسة النقدية، قد تؤثر سلبا على تأجير الودائع وبالتالي على الادخار وهو ما قد يدفع البنك المركزي إلى الاستجابة إلى مزيد ضخ السيولة المتأتية من طلبات البنوك ممّا قد يرفّع في الحجم الجملي لإعادة التمويل ويزيد من المخاطر التضخمية.

و استدلّ البنك المركزي قراره الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بالمستوي القياسي للعجز الجاري والذي ارتفع بنقطة كاملة في سنة 2018 (11.2% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 10.2% في سنة 2017) وبتراجع الموجودات الصافية من العملة الأجنبية بـ 9 أيام (84 يوم توريد مقابل 93 يوم في سنة 2017).

و يبين الرسم التالي المقتبس من الرسم البياني 3 للمذكرة التقنية للسياسة النقدية للبنك المركزي التونسي بتاريخ 20 فبراير 2019، الحلقة المفرغة للتضخم المالي كما يتصورها البنك المركزي التونسي :

و قد فسر البنك المركزي هذا المستوى العالي من التضخم المالي بعدد من الصدمات ذات الطابع الظرفي والذي يخص أساسا الترفيع في نسب الأداء على القيمة المضافة والمعاليم الجمركية ومعلوم الاستهلاك الواردة في قانون المالية لسنة 2018 علاوة على ارتفاع الأسعار العالمية لبعض المواد الأساسية والطاقة وكذلك الاضطرابات في مسالك التوزيع بالنسبة إلى المنتجات الغذائية الطازجة. كما ذكر البنك المركزي، في مذكرته التقنية للسياسة النقدية بتاريخ 20 فبراير 2019، الأسباب الهيكلية والتي أدت إلى ارتفاع التضخم المالي في سنة 2018 ومنها تفاقم العجز الجاري والذي أثّر سلبا على سعر صرف الدينار (تراجع قيمة الدينار ب12.9% مقابل اليورو و ب 8.6% مقابل الدولار). ورجّح البنك المركزي آفاقا تصاعدية للتضخم المالي في الأشهر القادمة في حال عدم استعمال السياسة النقدية. فالغاية من الترفيع في نسب الفائدة ب 100 نقطة، الحدّ من قدرة العائلات التونسية على الإنفاق وبالتالي من تزايد الاستهلاك الخاص قصد الحد من الضغوط على التضخمية.

 

ما مدى صحة هذه المقاربة الاقتصادية ؟

يعتقد البنك المركزي أن الترفيع من نسبة الفائدة المديرية ب 100 نقطة يقلّص من القروض المسندة للعائلات التونسية وبالتالي من الاستهلاك العائلي وخاصة منه الموجّه إلى التوريد وسيحد من العجز التجاري والجاري وسيدعم استقرار الدينار. فالترفيع في نسبة الفائدة يعدّ، حسب البنك المركزي، إجراءا استباقيا لقطع الحلقة التي تؤدي إلى تأثير تراجع قيمة الدينار على التضخم المالي. فالبنك المركزي يعتبر أن القروض التي تسندها البنوك إلى العائلات التونسية تذهب جلّها إلى الاستهلاك الخاص والحال أن الجزء الأكبر من هذه القروض موجهة إلى اقتناء أو بناء مساكن وفي هذه الحالة لا تعتبر هذه القروض استهلاكية بل موجّهة إلى الاستثمار حيث أن عملية البناء أو اقتناء مساكن من قبل العائلات التونسية تعتبر اقتصاديّا استثمار لما لها من تداعيات إيجابية على النشاط الاقتصادي وعلى خلق فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة. وحتى وإن افترضنا أن جل القروض المسندة إلى العائلات التونسية موجهة إلى الاستهلاك، فلا يعني بالضرورة أن المواد المستهلكة مورّدة بالكامل حتى تؤدي إلى تفاقم العجز التجاري ومن ثمّ العجز الجاري بما أن النصيب الأكبر لتفاقم هذا الأخير ناتج أساسا من العجز الطاقي ومن توريد المواد الأولية ونصف المصنعة ومواد التجهيز اللازمة لعملية الإنتاج. فتحميل كل المسؤولية في تفاقم العجز التجاري لاستهلاك العائلات التونسية مجانب للحقيقة واستعمال أدوات السياسة النقدية للتقليص فيه مضرّ بالنشاط الاقتصادي حيث يمثل هذا العامل المحرك الأساسي للاقتصاد التونسي بعد الانكماش الملحوظ للاستثمار وتراجع نسق نمو الصادرات. فالترفيع في معدل نسبة الفائدة سيزيد في كلفة القروض البنكية المثقّلة على العائلات والمؤسسات الاقتصادية ويدفعها إلى الإحجام عن طلب قروض جديدة ممّا يؤدي إلى تراجع كل محركات النمو الاقتصادي من استثمار وتصدير واستهلاك.

 

من هو المتسبب الرئيسي في التضخم ومن هو الرابح الحقيقي من هذا القرار ؟

يتفّق المتابعون لنشاط البنوك التجارية أن هذه الأخيرة قد شهدت طفرة مالية هامة خلال السنتين الأخيرتين، فقد تطور الناتج الصافي البنكي للعديد من البنوك التجارية بصفة ملحوظ تزامنت مع الترفيع في نسبة الفائدة المديرية تسع مرات متتالية منذ يناير 2013 وخاصة خلال سنة 2018 ممّا يجعل من إقراض الدولة عن طريق شراء سنداتها أمرا يدرّ على البنوك التجارية أموالا طائلة بدون مخاطر تذكر عوضا عن المخاطرة بها في استثمارات خاصة غير مضمونة خاصة وأن نسبة المخاطر عالية في هذه الفترة الحساسة من الانتقال الديمقراطي والتي تتميز بعدم استقرار المشهد السياسي والاجتماعي علاوة على السياسات الاقتصادية غير المشجعة على الاستثمار من زيادة في الضغط الجبائي بثلاث نقاط كاملة منذ 2010 وترفيع في نسبة الفائدة المديرية وتراجع في قيمة الدينار ومراجعات متتالية في أسعار الوقود ممّا يجعل من الاستثمار الخاص مغامرة محفوفة المخاطر ومن تمويله رميا بالأموال في سلة المهملات. فمن مصلحة البنوك التونسية استثمار أموالها في عمليات مربحة لا تحتمل المخاطرة، والاستثمار في سندات الدولة عملية لا تتطلب سيولة نقدية متوفرة في خزائنها بل طلب إلى البنك المركزي لإعادة التمويل يتمّ من خلاله تحويل هذه السندات إلى سيولة نقدية. وقد استحسنت الحكومة التونسية استعمال السياسة النقدية من طرف البنك المركزي والتي تمكّنها من الاقتراض الداخلي بسهولة، فرفّعت حصّته من الاقتراض ب5.6 نقطة خلال سنة 2018، بعد الصعوبات التي اعترضتها للخروج على السوق العالمية. فالعوائد المرتفعة لسندات الدولة والمتأتية من نسب الفائدة العالية تسيل لعاب البنوك التجارية وتدفعها إلى الاستثمار فيها عوض المغامرة بها في تمويل الاستثمار الخاص. وبالتالي تتحمل الدولة المسؤولية الأولى في المبالغ المشطّة التي يضخّها البنك المركزي في الاقتصاد مقابل رقاع الخزينة التي تصدرها والتي تحوّلها البنوك التجارية إلى سيولة نقدية بدون ما يقابله من نمو في الإنتاج ولا تتحمل العائلات التونسية، عبر القروض التي تتحصل عليها، إلا الجزء الضئيل من المسؤولية عندما تتوجه هذه القروض إلى استهلاك المواد المورّدة. فخلافا لما يتصوره البنك المركزي، فالدولة تتحمل المسؤولية كاملة فهي المتسببة أولا في التضخم المالي (بالمفهوم النقدي للتضخم) وثانيا في شحّ السيولة النقدية التي كان من الأفضل توجيهها إلى الاستثمار الخاص حتى يتحسن النمو وتتضاءل البطالة. أمّا الرابح الحقيقي من الترفيع في نسبة الفائدة فهي البنوك التجارية التي تجني من هذه العملية أرباحا سهلة بدون أي جهد يذكر. فاستقلالية البنك المركزي، تقتضي الحذر من تأثير السلطة التنفيذية على البنك المركزي لإقراضها عند عجز في موازنتها، تحولت بمفعول القانون الأساسي له منذ 2016، الى إمكانية إقراضها بوسيط مقنّن أو ب”سمسار” وهي البنوك التجارية وهذا يعدّ نوعا من أنواع تعدد المسالك أو الوسطاء في عملية توزيع الأموال العمومية.

فالقول بأن الهدف الرئيسي للترفيع في نسبة الفائدة هو محاربة التضخم المالي والحرص على تماسك المقدرة الشرائية للمواطن التونسي لا يستند إلى مرتكزات علمية دقيقة بما يفهم أن الغاية من وراء ذلك هو ضمان الربحية للبنوك وتأمين الموارد المالية لتمويل عجز موازنة الدولة.

 

هل كان البنك المركزي مخيرا أم مسيرا في هذا القرار ؟

حسب قانونه الأساسي، تعتبر محاربة التضخم المالي المسؤولية الأولى للبنك المركزي عبر الآلية المعتمدة في السياسة النقدية وهي التأثير على نسبة الفائدة المديرية. وتماشيا مع المقاربة الليبرالية والتي تدعو إلى استقلالية البنك المركزي وتعتبر مصدر التضخم المالي نقدي بالأساس، فإنه لا يمكن التقليص من التضخم المالي إلّا بالترفيع من نسبة الفائدة. لكن السياق التونسي لا يخضع إلى هذه المقاربة بما أن مصدر التضخم المالي ليس نقديا بل متأتيا أساسا من تراجع في قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية وكذلك من ضعف الدولة في السيطرة على مسالك التوزيع وعلى عمليات الاحتكار والتهريب وجنوحها إلى السياسات السهلة في تمويل موازنتها من ترفيع في الضغط الجبائي أو في المديونية العمومية أو اللجوء إلى الاقتراض الداخلي، فتأثير العامل النقدي في التضخم المالي ليس بالأهمية التي أبرزها بيان البنك المركزي الأخير. وبما أن محافظ البنك المركزي وجد نفسه أمام قانون أساسي يلزمه بالتدخل لمحاربة التضخم المالي باستعمال السياسة النقدية، فإنه كان لزاما عليه الاستعمال المفرط لهذه السياسة بالترفيع بمائة نقطة مرة واحدة وهو يعرف مسبقا أن التأثير على التضخم المالي لن يكون إلا في حدود ضعيفة لكن الواضح أن هذا القرار سيزيد من أرباح البنوك التجارية ويسهل تمويل ميزانية الدولة عبر الاقتراض الداخلي ولن يؤثر على التضخم المالي إلا بالقدر القليل.

 

ما هي الحلول الممكنة للتقليص من التضخم المالي ؟

بما أن المتسبب الأساسي في ارتفاع معدلات التضخم المالي في تونس هو الانزلاق المتواصل للدينار أمام العملات الأجنبية الدولار واليورو، فإن الحلول تكمن في السيطرة على التوازنات الخارجية وخاصة العجز التجاري. ومن بين هذه الحلول :

** التفاوض مع المصدّرين المحتكمين على حسابات بالعملة الأجنبية لطرح جزء منها على السوق الوطنية ولو مؤقتا للترفيع من مخزون العملة الصعبة.
 

** تدخل البنك المركزي في سوق الصرف لضخ مبالغ كافية من العملة الصعبة تمكّن من استقرار ولو نسبي في سعر الصرف. فالتجربة التونسية أظهرت أن البنك المركزي تدخل في سوق الصرف في فترات كان الاحتياطي من العملة الصعبة في مستوى منخفض بدون أن يكون لهذا التدخل تأثير كبير على أنشطة التوريد. فمعدّل احتياطي تونس من العملة الأجنبية من سنة 1960 إلى سنة 2018 لم يتجاوز معدل 88 يوما. في حين أن معدل الفترة الممتدة من بداية الثورة إلى اليوم راوح 106 يوما رغم كل المعوقات الاقتصادية من توقف لإنتاج البترول والفسفاط وتأثّر المؤشرات السياحية وغيرها. وبالتالي سياسة الدولة القائمة على حماية الاحتياطي من العملة الصعبة في مقابل تغاضيها عن انزلاق الدينار بصفة متواصلة ليس له أي معنى والاحتياطي من العملة الأجنبية ما هو إلا مجرد وسيلة لحماية العملة الوطنية وليس غاية في حد ذاته.

** اتباع سياسات اقتصادية تشجع على الاستثمار الخاص وخاصة منه الموجه إلى التصدير.

هدنة اجتماعية تجمع الأطراف الثلاث : المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف والحكومة. تتعهد الحكومة بالاستقرار الضريبي وبتجنب السياسات التضخمية التي تمسّ بمستوى الأسعار وبذلك تتعهد منظمة الأعراف باستقرار الأسعار وتتعهد المنظمة الشغيلة باستقرار الأجور بما أن المقدرة الشرائية مستقرة بدورها.

** العمل على عودة إنتاج الفسفاط إلى المعدلات العادية وذلك بفرض القانون وحماية المناجم من المهاترات السياسية واعتباره مسألة أمن قومي.

** تسريع نسق الأشغال في “حقل نوارة” بالجنوب التونسي حتى يكون جاهزا للإنتاج في أواسط هذه السنة

** اعتماد إستراتيجية للطاقات المتجددة للحد من العجز الطاقي.
إتّباع سياسة تمكّن من إدماج العملة الصعبة المتواجدة في السوق السوداء كإصدار قانون تسهّل إدماج هذه الأموال من الدخول في المسالك المنظمة بدون تتبعات عدلية.

** تفعيل مكاتب الصرف خاصة على الحدود التونسية

** إتباع دبلوماسية اقتصادية نشطة تبني شراكات حقيقية مع الصين وتركيا وروسيا وإيطاليا وتحثهم هذه الدول على الاستثمار في تونس.
العمل على إنشاء مناطق حرة في الحدود مع الجزائر ومع ليبيا

** تفعيل اتفاقية الكوميسا والاستفادة من السوق الإفريقية لتنمية الصادرات نحوها 

** إزالة العوائق القانونية والإدارية أمام عودة إنتاج المحروقات إلى المستوى المطلوب 

 

الخاتمة

إنّ الغاية الأساسية من استقلالية البنك المركزي تجنّب تأثير السلطة التنفيذية على البنك المركزي لتمويل ميزانية الدولة عبر اللجوء إلى الاقتراض منه لما لهذه الطريقة من التمويل من آثار تضخمية على الاقتصاد. لكن لجوء الدولة إلى الاقتراض من البنوك التجارية عبر إصدار رقاع الخزينة يعدّ نوعا غير معلن للاقتراض من البنك المركزي عبر وسطاء تجاريين، فالدولة تبقى هي المسؤولة الأولى عن تنامي الكتلة النقدية بدون مقابل لها من الإنتاج وليس العائلات التونسية والقروض الوجهة لها. فالترفيع من نسبة الفائدة ينمّي أرباح البنوك التجارية ويضعف المقدرة الشرائية للمواطن التونسي والقدرة التنافسية للمؤسسة الاقتصادية ولا يمكّن من مقاومة التضخم المالي بما أن مصدره الأساسي غير نقدي بل تراجع في قيمة الدينار التونسي.

 

مركز الدراسات الإستراتيجية و الديبلوماسية

 د. رضا الشكندالي

أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية

وجهات نظر 0 comments on لأكثر من خمسة عقود من الاستغلال : تونس تقرر عدم تمديد اتفاقية استغلال الملح لشركة “كوتيزال”

لأكثر من خمسة عقود من الاستغلال : تونس تقرر عدم تمديد اتفاقية استغلال الملح لشركة “كوتيزال”

عزيزة بن عمر

قرر رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمس الأربعاء عدم تمديد اتفاقية استغلال الملح لشركة “كوتيزال” الفرنسية، التي تنتج نحو نصف إنتاج تونس من هذه المادة.

و قال المتحدث باسم الحكومة، إياد الدهماني، في تصريح ل”وات” الأربعاء، إنه “تم اليوم إعلام الممثل القانوني للشركة بقرار الحكومة بعدم تمديد مدة الاتفاقية”.

و تعمل شركة كوتيزال الفرنسية في إنتاج الملح بتونس وفق اتفاقية تعود لعام 1949، لمدة 50 عاما، وجرى تمديدها آليا مرتين لمدة 15 سنة كل مرة في 1999 و 2014، أي أن الاتفاقية الحالية تنتهي في 2029.

و في ماي 2018، طالبت لجنة الصناعة والطاقة و الثروات الطبيعية في البرلمان الحكومة بمراجعة عقود استغلال الملح التونسي من جانب شركة “كوتيزال” الفرنسية.

و قال رئيس لجنة الصناعة بالبرلمان عامر العريض،”لمغرب نيوز” إن قرار تعليق العمل مع شركة “كوتيزال” جاء متأخرا جدا ، مضيفا العقود الموقعة (بشأن الملح) فيها ظلم للدولة التونسية منذ توقيعها في أربعينيات القرن الماضي، و طريقة الاستغلال لهذه الثروة لا تعود بالفائدة الكافية على تونس”.

و أضاف العريض أنه طلب من الحكومة أن تعلم الشركة المعنية برفض التجديد الآلي قبل انتهاء الآجال حتى يتم فتح مناقصة جديدة و بكراس شروط جديدة تكون أفضل لتونس على مستوى المردود المالي و الجبائي و البيئي و المسؤولية الاجتماعية محليا.

هذا و عبّر رئيس لجنة الطاقة و الثروات الطبيعية في البرلمان عامر لعريض عقب إعلان القرار عن أسفه في تدوينة على صفحته الخاصة في الفيسبوك قائلا نحن ننجز و نعمل و البعض اختصاصه الركوب و المزايدة و ذلك تعليقا على إعلان رئاسة الحكومة عدم التمديد في اتفاقية الملح المبرمة مع شركة كوتيزال Cotusal..

و الملح التونسي، يعد من أجود الأملاح الطبيعية في العالم، و يتم تصديره خاما إلى فرنسا لتكريره و تسويقه في العديد من البلدان الأوروبية والآسيوية.
و يتراوح إنتاج تونس من الملح بين 1.5 – 2 مليون طن سنوياً، يتم تخصيص 100 ألف طن منها للاستهلاك المحلي، وتصدير باقي الإنتاج إلى الخارج.

و يُعد ملف الثروات الطبيعية من أكثر الملفات إثارة للجدل في تونس، بسبب غموض العقود المبرمة مع الشركات المستغلة لمختلف هذه الثروات، على رغم تشديد دستور 2014 على وضع هذه الثروات تحت مراقبة البرلمان، بموجب الفصل الـ13 من الدستور.

و بحسب بيانات رسمية، تنتج شركة كوتيزال الفرنسية وحدها بين 900 ألف ومليون طن في العام، كما تحقق رقم معاملات بنحو 34 مليون دينار (13.6 مليون دولار)، من إجمالي 51 مليون دينار (20.5 مليون دولار) يحققها قطاع استخراج الملح في تونس.

وتخسر الدولة التونسية 900 ألف دينار سنويا، بسبب عدم انضواء شركة “كوتيزال” تحت أحكام مجلة المناجم (قانون) وعدم دفعها الضريبة لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي الحكومية.

وجهات نظر 0 comments on بعد فراغ قيادة ‘نداء تونس’.. إلى أين يتجه حزب الرئيس؟

بعد فراغ قيادة ‘نداء تونس’.. إلى أين يتجه حزب الرئيس؟

عزيزة بن عمر

عاش حزب نداء تونس في الأيام الأخيرة على وقع العديد من التطورات التي طالت قيادة الحزب، من بينها تجميد مهام المنسق العام و استقالة الأمين العام للحزب، سليم الرياحي.

و يؤكد المناصرون للحزب، أن هذه التغييرات تستبق المؤتمر الانتخابي المقبل الذي “سيرتب البيت الداخلي في نداء تونس” قبل الانتخابات الرئاسية و التشريعية المقبلة، في الوقت الذي يرى فيه آخرون أن وضعية حزب الرئيس تسير نحو “مزيد من التعقيد”.Résultat de recherche d'images pour "‫ازمة نداء تونس‬‎"

تطورات متسارعة

أعلن الأمين العام لحزب نداء تونس سليم الرياحي، الجمعة الماضي، استقالته من منصبه.

و تم تكليف الرياحي في الأشهر الأخيرة بالأمانة العامة لنداء تونس، بعد اندماج حزبه الاتحاد الوطني الحر مع الحركة التي أسسها الرئيس الباجي قايد السبسي.

و ثمّن نداء تونس في بيان، قرار “الأمين العام للحزب الجريء والمسؤول والمتمثل في استقالته من مهمة الأمانة العامة للحزب، مغلّبا بذلك المصلحة العليا للحزب والبلاد على مصالحه الشخصية.”

وتأتي استقالة الرياحي من مهامه في الحزب، أياما فقط بعد تجميد الهيئة السياسية لعضوية ونشاط المنسق العام للحزب، رضا بلحاج، في قرار شكك هذا الأخير في شرعيته.

حركية منتظرة

وتعليقا على هذه التطورات التي مست قيادة الحزب، قال النائب البرلماني، حسن العماري في تصريح ” لمغرب نيوز”، إن “هذه الحركية الكبيرة منتظرة بالنظر إلى اقتراب موعد المؤتمر الأول لنداء تونس الذي سينعقد في بداية أفريل المقبل”.

و أوضح العماري “مقابل استقالة الأمين العام و تجميد عضوية المنسق العام، توجد مشاورات لعودة العديد من الكفاءات الندائية السابقة والشخصيات الوطنية إلى الحزب في الفترة المقبلة”.

و يعتقد النائب عن حزب نداء تونس أن “المؤتمر المقبل للحزب سيوضح الرؤية و سيخطو بالحزب خطوة مهمة في طريق الاستعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة”.

وحول وجود مخاوف من استحواذ حركة تحيا تونس المحسوبة على رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، على الخزان الانتخابي لنداء تونس، قال العماري إن “تحيا تونس أسهمت في تشتيت العديد من الأحزاب، من بينها آفاق تونس و الجمهوري و نداء تونس، وهو ما يحقق رغبة طرف سياسي بعينه في إضعاف النداء الذي حقق التوازن السياسي في انتخابات 2014”.

الأزمة مستمرة

في المقابل، يستبعد محللون أن ينهي المؤتمر المقبل لنداء تونس مسلسل الانقسامات الذي يعيش على وقعه الحزب في الأشهر الأخيرة.

و في هذا الإطار، قال المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي ” لمغرب نيوز “إن “نداء تونس يعيش في وضع كارثي ولا يرغب في الاعتراف بأن العجلة تدور في صالح الحركة السياسية الجديدة المحسوبة على رئيس الحكومة”.

و تابع قائلا “الوضع المالي لنداء تونس أيضا في تدهور بعد التحاق العديد من رجال الأعمال و الأقطاب المالية بالمشروع السياسي الجديد”.

و استبعد الجورشي أن المؤتمر المقبل سيحد من وتيرة الخلافات داخل نداء تونس، قائلا “لقد سبق و أن تم تأجيل المؤتمر في أكثر من مناسبة، مما يؤشر على إمكانية التخلي عنه أو تنظيم مؤتمر صوري يتم فيه اختيار القيادة الجديدة بطريقة شكلية”.

اللعبة كبرت في النداء

رضا بلحاج يؤكد أنه المنسق العام لحركة نداء تونس وممثلها القانوني و أن قرار تجميده لا قيمة قانونية له وصدر عن هيئة غير شرعية وجاء على خلفية موقفه من المؤتمر ومطالبته لحافظ قايد السبسي بتقديم كشف عن تصرفه المالي و أنه سيكشف أكثر تفاصيل في إجتماع الأحد

“لم يتم تنظيم المؤتمرات الجهوية والمحلية بعد، كما لم يتم توزيع الانخراطات على قواعد نداء تونس، الأمر الذي يحيل على عدم وجود رغبة في تنظيم مؤتمر ديمقراطي حقيقي على غرار المؤتمرات التي نظمتها حركة النهضة أو حزب العمال”، وفق تعبير الجورشي .