في تاريخ الشعوب والدول محطات ينسى فيها العقلاء خلافاتهم وجراحهم ، ويقطعون فيها مع منطق تصفية الحسابات والثأر وعقلية ” عليّ وعلى أعدائي”..و” أنا أو لا أحد”..” ومن بعدي الطوفان”..الخ

+ وفي تونس منذ اعلان الاستقلال التام في 20 مارس 1956 ثم معارك الجلاء الزراعي والعسكري برزت اختلافات وصراعات سياسية و دموية بين رجالات الدولة وأجيال من المعارضين والنقابيين والحركة الطلابية والمثقفين والحقوقيين والاعلاميين..

لكن الأغلبية كانت تحتكم غالبا للمرجعيات الوطنية وتعطي الأولوية للمصلحة العليا للبلاد والشعب ، وتقدم تنازلات للخصوم..حقنا للدماء وحرصا على عدم تعطيل مسار ” الجهاد الأكبر” ضد الأمية والجهل والتخلف والفقروالتبعية والوهن ..الخ

فكانت الحصيلة نسب تنمية بشرية واقتصادية معقولة رغم النقائص والإخفاقات وبعض الغلطات القاتلة ، ومن بينها القطيعة مع الشباب واختلال التوازن بين الفئات والطبقات والجهات وأحياء المدينة الواحدة ، بما في ذلك العاصمة  والمدن الساحلية ” الغنية “..

++ وإذ تعيش تونس منذ أكثر من عام أجواء حملة  انتخابية سابقة لأوانها عمقت بعض أزماتها الهيكلية والظرفية ، فهل لم يحن الوقت لتدارك الأمر ؟

قد يكون الاحتفال بالعيد الوطني ، أي ذكرى الاستقلال عن الاستعمار المباشر قبل 63 عاما، فرصة للنقد الذاتي والتقييم والاعلان عن قرارات شجاعة من مختلف الاطراف في الحكم والمعارضة والنقابات والمجتمع المدني..

البلاد تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى سياسيين شجعان يكرسون شعار” الولاء لتونس وشعبها ومصالحها” قبل التفكير في مصالحهم الضيقة وأجنداتهم الخاصة وحساباتهم الحزبية والجهوية ..

++ ومع اقتراب موعد القمة العربية ال30 المقرر تنظيمها يوم الأحد 31 مارس الجاري في تونس ، بعد مؤتمرات فنية ووزارية عربية بالجملة ، تتأكد الحاجة إلى الوطنيين المخلصين في كل مؤسسات الدولة والمجتمع ، ليقوموا بمبادرات تؤكد ولاءهم إلى  البلد ومصالح شعبه ، من خلال انجاح القمة وما يسبقها من تظاهرات ومؤتمرات ، بدءا من الترحيب بكل الضيوف وتأجيل خوض صراعات ثانوية معهم ومع الفسيفساء السياسية التي يمثلونها .

++ لا بد من التنبيه مجددا إلى كون الاستقلال ليس سياسيا فقط ولا بد أن يكون كذلك اقتصاديا وماليا .

وبعيدا عن الأوهام ، نسجل منذ اليوم أنه ليس متوقعا من القمة العربية أن تؤدي إلى إغداق أموال طائلة على تونس .

لكن نجاحها مهم جدا رغم ذلك بالنسبة لصورة البلد ، وفرص بناء جسور جديدة للحوار والتفاوض مع ممثلي الدول العربية الشقيقة والشخصيات الاعتبارية التي ستزور بلدنا بالمناسبة وبينها الامين العام للامم المتحدة وووفود الاتحاد الاوربي والامناء العامون لمنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ـ الايسسكو ـ والمصارف العربية والاسلامية والاوربية ..

++ وفي هذه المرحلة الإنتقالية الجديدة في تاريخ تونس التي تستعد لانتخابات رئاسية وبرلمانية تعددية جديدة ، يمكن لكل المسؤولين في الدولة والاحزاب والنقابات ” تجميد تناقضاتهم ” و المشاركة في انجاح القمة العربية والتظاهرات المصاحبة  .

عسى أن يكرّس إعلان الوفاء لدماء شهداء الحركة الوطنية  ولتضحيات الديمقراطيين والمناضلين الحقوقيين قبل 20 مارس 1956  وبعده من خلال سلوكيات تؤكد وعي النخب والزعماء السياسيين ومناضليهم ونضجهم بالمخاطر والتحديات الاقليمية والدولية التي تواجه البلاد وشعبها ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *