يصعب جداً على طرف سياسي واحد ان يتمكن من الدولة التونسية ويحكمها بمفرده، نظرا لقلة الخبرة بشؤون الدولة وقصر النظر وضعف الخيال ،،،،سيظل هذا الطرف يلاحق وهم التمكين طوال حياته ولكنه لن يتمكن فأمامه ،شعب زئبقي، ذو عشرة وجوه، وجه لك ووجه لخصمك، ووجه للضيف وآخر للأجنبي وآخر للاحبة وآخر للأعداء،، شعب ابتلع في بطنة سبعة أو ثمانية حضارات ( بربرية، فينيقية، بيزنطية، وندالية، عربية، تركية، إسبانية، فرنسية،الخ )، يسايرك في أوهامك و يوافقك على رأيك و استنتاجاتك، ليحصل منك على منفعة ما، أو ليتقي شرك،،، يحدثك باللغة التي تتمناها وتفهمها،  و لكن يمين البكوش في صدره، فهو يحتفظ لنفسه بحقيقته المطلقة،،في صندوق أسود، محكم الغلق. و لا يفيدك في شيئ أن تهدده، بالحرب الأهلية التي يتواتر التهديد بها من قبل أنصارك، فهو في النهاية، ورغم وداعته الظاهرة شعب عنيد وقادر على رفع التحدي، اذا فرض عليه، فضلا عن أنه لا تتوفر شروط الحرب الأهلية في تونس ( ليس لنا لا أعراق ولا قوميات مختلفة ولا حتى اثنيات ولا مذاهب دينية متطاحنة، فعلى أي أساس ستقوم الحرب الاهلية، هل تعتقدون انها أزرار، تضغطون عليها فتندلع الحرب )، ويبقى التهديد المتواصل بها نوعا من الابتزاز السياسي، المنطلق من فراغ، أو الترهيب المجاني الذي لا طائل من ورائه لان الجميع حطم جدار الخوف. 


الطبقة السياسية الحالية، سيما الحاكمة منها أو القريبة من دوائر الحكم، تتميز بكثير من علامات الرثاثة والمسكنة والطمع وحتى الغباء واللهث على الكراسي والغنائم والفقر الثقافي والمعرفي وجهل التاريخ ونقص التجربة…. ثماني سنوات، بعض أطرافها تمارس السلطة، ولكنها ظلت كما هي في البداية، لم تتطور قيد أنملة، ظل هاجسها الأوحد، التمكن من السلطة والبقاء فيها أطول مدة ممكنة، فهي طبقة عقيمة وعاجزة وتدور في حلقة مفرغة، أي على طريقة جمل البروطة القيرواني، تظل شاهدة على الانهيار الذي يطال الوضع العام في تونس، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، ولكنها لا تحرك ساكنا ولا تبدي أية قدرة على التأثير إيجاباً فيه، شغلها الشاغل المواعيد الانتخابية والمناورات البائسة لتفكيك صف الخصوم وتشريدهم والتهديد الفارغ، تارة بالحرب الأهلية وطورا بالإرهاب، الأمر الذي يدل على الجبن والعقم. ولا تريد أن تتخلى عن السلطة، ريثما تكتمل تجربتها وترتفع كفاءتها الإدارية والمهنية وتصبح قادرة على ادارة أجهزة الدولة…. هي تطبق مبدأ : ” أنا هنا، و سأبقى هنا و لا يهم ان كنت لا أحكم فعليا، فكما قال الخبير الدستوري : أنا لا أحكم، أنت لا تحكم ولا نترك أحدا يحكم….”. بعض أطرافها يطبقون روشتة سياسية، روشتة التمكين، التي قد تكون جربت في بلاد أخرى فصحت ولكنها في تونس تصطدم بواقع متمرد، بدون ضجيج، عصي على العجن ، قائم بالأساس على الزئبقية وعلى الممانعة السلبية… المثل الشعبي يقول: “الفم ما يقول لا والحاجة ما تتقضى “، هو شعب يصعب عليك القبض عليه وتطويعه، واذا تعنت، فإنك لا تحصل منه الا على قبض الريح، مثل الرمل الذي تمسكه بقبضة يدك، وتضغط عليه وتعصره على أمل المحافظة عليه، فتتساقط كل حباته، حبة حبة ولا يبقى منه شيئ في قبضتك.

 

(*) قبض الريح، هي حالة من يقبض على الهواء، أو وصف من يرجو ما لا يقع ومن يتعلق بالأوهام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *