البارزة, وجهات نظر 0 comments on توجهات الأطراف الدولية و فاعليتها في الملف الليبي أثناء مؤتمر “باليرمو” و بعده

توجهات الأطراف الدولية و فاعليتها في الملف الليبي أثناء مؤتمر “باليرمو” و بعده

مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية

ملخص

لا يختلف اثنان أن الصراعات المُتواصلة في ليبيا منذ منتصف 2014 وإن كانت بين أطراف وفرقاء ليبيين، فإنها في واقع الأمر واجهة عملية لحروب بالوكالة تخُوضها أطراف ومكونات وتشكيلات ليبية عبر الولاء المباشر وغير المباشر لأطراف إقليمية ودولية وهذه الأخيرة لها مصالح ومطامح في ليبيا تاريخيا واقتصاديا وثقافيا واستراتيجيا، بل أن كل ما يهم تلك القوى الدولية و أذرعها الإقليمية هو فقط ترسيخ حضورها الاستراتيجي واللوجستي المستقبلي في كل أرجاء القارة الإفريقية وان كان الهدف المرحلي، هو بسط النفوذ وتطويع الخيرات الباطنية في شمال إفريقيا وبعض دول الساحل والصحراء الإفريقية[1]…. فكيف يمكن قراءة فعل وفاعلية الأطراف الدولية في الملف الليبي أثناء وبعد المؤتمر الدولي في “باليرمو” والذي جرت أشغاله يومي 12 و13 نوفمبر الحالي؟

مقدمة

أغلب الأطراف الدولية سعت وتسعى للتأثير في مسارات الملف الليبي لأسباب متعددة ومختلفة بناء على مغانم الاستثمار وإعادة الاعتمار المنتظرة في ليبيا إضافة إلى ثروات غدامس وغيرها من المدن والأراضي الليبية وهي ثروات لا تُقدر بثمن وأهمية إستراتيجية، إضافة إلى الموقع الجغرافي غير العادي والنادر لليبيا بناء على إطلالتها الإستراتيجية على البحر المتوسط  وتماسها الجغرافي مع دول الساحل والصحراء وباعتبارها منفذا استراتيجيا للعمق الإفريقي، وبغض النظر عن المواقف الدبلوماسية المعلنة فإنه لابد من التأكيد على الملاحظات التالية في كل مرة عند تحليل أو محاولة فهم المواقف الدولية مما يجري في ليبيا من تطورات:

القوى الدولية التي لها هامش قرار غير مُرتبط بقوى دولية أخرى هي عمليا الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين بينما يُمكن تصنيف كل القوى الدولية الأخرى أنها على ارتباط فعلي واستراتيجي بالسياسات الأمريكية، بينما تُحاول قوى دولية وإقليمية أخرى أن تكتسب هوامش في التحرك والتأثير وخاصة في الملف الليبي والبحث عن الخروج من جُبة الدور الوظيفي، كما تحاول دول إقليمية على غرار تركيا وإيران أن تكتسب أدوارا خارج الدور الوظيفي في ابراز واكتساب أدوار في عدد من الملفات من بينها الملف الليبي وهو أمر جلي وواضح في مرحلة ما بعد ماي2014[2]….

في ليبيا بالذات لا يُمكن للألمان والايطاليين وحتى البريطانيين التصادم مع الخيارات الأمريكية أو حتى السباحة بعيدا عن تكتيكات الدولة العميقة الأمريكية بغض النظر عن هوية وتركيبة الإدارة الأمريكية (الديمقراطيين او الجمهوريين وأي من تياراتهم أو زعمائهم)، والتي هي في الحقيقة لا تُمثل سوى إعطاء النكهة للقرار والسياسات الأمريكية ويعرف المختصين والمتابعين أن بعض دول من بينها من ذكرنا أعلاه تلعب أدوارا رئيسية في ما ظهر للبعض أن الأمريكيين كانوا غير مهتمين بالملف الليبي في السنوات الأخيرة وخاصة قبل شهر يونيو/جوان الماضي كأولوية وخاصة بعد اغتيال السفير الأمريكي في 2012 ولكن المسألة أعمق من ذلك بكثير حيث أن بعض الدول والقوى الإقليمية تخدم منهجيا وعمليا أدوارا بالوكالة للأمريكيين أو حتى لبعض الأجهزة الأمريكية والدفع نحو أجنداتها المرحلية والإستراتيجية[3]، وأيضا بسبب أن الملف الليبي في عدد من جزئياته لم يكن بيد الخارجية الأمريكية والرئاسة بل هو موكول لمؤسسات الدولة الأمريكية العميقة على غرار الأجهزة المخابراتية  ومؤسسات أخرى(جزء منه مسند للبنتاغون حسب بعض المتابعين)….

أدوار ومواقف قوى إقليمية على غرار الجزائر والسودان والأردن غير متمركزة ضمن المحورين الإقليمين الرئيسيين (التركي القطري – الإماراتي السعودي المصري)، وهي تُدير سياساتها بهوامش مُعتبرة على بعض القوى الدولية ولكنها لا يُمكن لها استراتيجيا التصادم معها ويقع الضغط عليها بطُرق مختلفة فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وان كان النظام الأردني يلعب دورا وظيفيا منذ عقود بل منذ نشأته[4]، فان الجزائر والسودان أدوارها غير وظيفية ولكنها لن تكون مستقبلا مصطدمة مع السياسيات الأمريكية في المنطقة وخاصة في العلاقة بالملف الليبي…

دول مجاورة ودول لها علاقات مباشرة وغير مباشرة بالملف الليبي على غرار تونس والمغرب وموريتانيا والسينغال والكونغو لم ولن يكون لها مستقبلا أي أدوار تأثيرية مباشرة نتاج العقل السياسي للدبلوماسية فيها، إضافة إلى أنها لم تصطف بشكل مباشر ضمن المحورين الإقليميين ولكنها ستكون خادمة بشكل آلي للسياسات الأمريكية واقتربت قبل “باليرمو” من الايطاليين في الملف الليبي وان كان للبعض منها هوامش مصالح واللقاءات مع الفرنسيين ثقافيا واقتصاديا وحتى سياسيا ….

لا شك أن القارة السمراء ومنذ سنوات ان لم نقل منذ عُقود هي محور صراع بين دول عديدة فالحضور المتنامي للإيرانيين والصينيين والأتراك والأمريكيين والروس لم يُلاق الارتياح من طرف القوى التقليدية أو التي استعمرت الدول الإفريقية على غرار فرنسا، ولعل ليبيا هي أكبر  تجسدات ذلك الصراع وهناك صراع وتسابق فرنسي أمريكي غير معلن حول الحضور في ليبيا وخاصة بعد امتداد الحضور الفرنسي في الشرق الليبي وقدرتهم على الاحتواء المتدرج لعملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بناء على تعامل عسكري وأمني ولوجستي في معاركه في كل من بنغازي ودرنة وحتى عند سيطرته على الحقول النفطية أواخر يونيو/جوان الماضي، بل أن الأمريكيين لم يكونوا مرتاحين أبدا للحضور الفرنسي منذ ربيع 2017 وهناك نقاط استفهام حول سقوط المروحية الفرنسية يومذاك وتساؤل حول من أسقطها تحديدا كما أن مسارعة الأمريكيين الذين تفاعلوا بدبلوماسية مع الإفتكاك الذكي للفرنسيين للملف الليبي وأعادوه للإيطاليين بطرق ناعمة وهادئة وبروية، إضافة الى أن ما قام به “الجضران” في بداية يونيو الماضي وانسحابه بطريقة شبه آمنة تدل على صراع أجهزة بين دول في الهلال النفطي الليبي[5] وهو ما أثبتته الوقائع اللاحقة من مؤتمر روما (9 يوليو/جويلية الماضي) إلى وإعادة إدارة الحقول النفطية لطرابلس وحكومة الوفاق، ثم لقاء السراج بالسفراء السبع في أوت/أغسطس الماضي …

على غرار تفاعلهم مع التقدم الفرنسي في ليبيا عسكريا وسياسيا تفاعل الأمريكيين مع الحضور الروسي عسكريا وسياسيا بدبلوماسية والإعلان عن قلقهم الهادئ وخاصة عندما تطورت العلاقات بين حفتر والروس سنتي 2016 و2017 كما أنهم لم يرتاحوا لتفعيل طريق الحرير (الصينية)، في القارة الإفريقية أو بتطور العلاقات التركية الإفريقية كما أنهم بقوا رهين سياساتهم الإستراتيجية التي تؤكد على عدم التدخل المباشر في كل الساحات وخاصة بالتوازي وفتح الجبهات المتعددة وما يمكن تأكيده أنهم يقرؤون التطورات الكبيرة للحضور الإقليمي والدولي لعدد من القوى الأخرى بما فيهم حلفائهم الأوروبيين، والخلاصة في هذه النقطة أن هناك توازن بين الحضور الأمريكي ومطامح قوى أخرى بنت إستراتيجيتها منذ سنوات من أجل الحضور الفاعل في القارة الإفريقية وما ليبيا إلا مثال لذلك ….

لابد من التأكيد أن أي إدارة حاكمة لأي قوة دولية ليست وحدة متكاملة وأن هناك صراع بأشكال مختلفة بين أجهزة كل دولة لطبيعة المصالح الاقتصادية والسياسية والصراع بين اللوبيات وينعكس ذلك في فعل دبلوماسية أي دولة تجاه كل القضايا الدولية وفي التفاعل مع أي أزمة، وهو أمر جلي في تضارب المواقف تجاه تطورات الأزمة الليبية منذ 2014 وتعود أسباب ذلك الى تأثير اللوبيات في كل دولة إضافة إلى تضارب مصالح شركات عابرة للقارات ولوبيات ومحافل عالمية وتأثيراتها من دولة إلى أخرى وخاصة في مواضيع تتعلق بالغاز والنفط والمعادن الهامة والنادرة، وبالتالي فإن الملف الليبي لم يكن يوما متفق عليه من حيث القرارات ودعم هذا الطرف أو ذاك أو اتخاذ سياسيات معينة تجاهه وعلى سبيل الذكر فان هناك خيارين في وسط الإدارة الفرنسية في الصائفة الماضية حيث حبذ وزير الخارجية الحالي(وهو وزير دفاع أسبق) التمسك بحفتر كخيار مرحلي لحكم ليبيا ودعم عسكريين لحكم ليبيا أي استنساخ فعلي للنموذج المصري (سيسي ليبيا) أو إنتاج “قذافي2” لحكم ليبيا مستقبلا بينما ترى أجهزة فرنسية أخرى وفقا لتحاليل الخبراء أنه وجب تفعيل الحل السياسي وإجراء وفاق بين فرقاء الصراع  …

 الايطاليون وإدارتهم المرنة والحذرة للملف الليبي أثناء  “باليرمو” وبعده

لم يرتح الايطاليون إلى الافتكاك الذكي للفرنسيين للملف الليبي منهم منذ منتصف 2017 وصولا إلى مؤتمر باريس في 29 أيار/ماي الماضي فسارعوا عمليا ومنذ يونيو/جوان الماضي إلى تبني خطاب أن الملف الليبي وإدارته حق تاريخي وجيو- سياسي لإيطاليا، بل وسارع أهم الوزراء على غرار الدفاع والخارجية والسفير في طرابلس، إلى القيام بلقاءات متعددة ومؤثرة وتعددت الزيارات المكوكية  للعواصم العربية والى دول الجوار ولطرابلس وطبرق،وخاصة لوزيرة الدفاع ورئيس الوزراء وأصبح الملف الليبي بيد الايطاليين تفاوضيا فدخلوا مع المصريين في مفاوضات مستمرة دامت لمدة أسابيع رغم الخلافات حول عدد من النقاط الرئيسية وهي النقاط التي بقيت عالقة حتى مؤتمر “باليرمو”، ومن خلال استقراء الفعل السياسي للإيطاليين يتبين أنهم يتبنون منطق إدامة امتلاك الملف ولعل  تصريحات السفير الليبي لقناة “ليبيا روحها الوطن”[6] في أوت الماضي تُؤكد أن الايطاليين وضعوا خارطة طريقة طويلة المدى وواضحة المعالم لإدارة الملف وخاصة في ظل إصرارهم المتواصل على رفض مخرجات اتفاق باريس التقنية بالذات من حيث تأجيل الانتخابات حتى إقرار دستور وإجراء مصالحة فعلية تؤشر على ذلك وان ذلك تم بمباركة الأمريكيين وأغلب الدول الأوروبية ورضى متنام من طرف اغلب دول الخليج وبعض أركان النظام المصري والحكومة التونسية ومن طرف الجزائريين أيضا…ولا شك أنه قد حدث ارتباك كبير لدى الايطاليين الذين تغيرت رؤيتهم وترتيباتهم وأجنداتهم للمؤتمر الدولي ووجدوا أنفسهم في مأزق نتاج عوامل عدة من بينها:

خلافاتهم الداخلية: وهي خلافات تتركز أساسا بين حزبي الائتلاف الحاكم في ايطاليا وخاصة تضارب رؤية الحزبين في عدد من الملفات وفي العلاقات الخارجية على غرار تفاصيل وجزئيات العلاقة مع الفرنسيين…

  مواقف المحور المصري/الإماراتي/السعودي:وهي مواقف جد مُربكة قبل      وأثناء أشغال “باليرمو” وغلب عليها المناورة والمراوغة والمراوحة في إرسال تهديدات ضمنية بعدم الحضور أو منطق الإرباك المباشر للمؤتمر الدولي وإفراغه من محتواه التوافقي بين كل الأطراف وقد تم توظيف حفتر بشكل درامي قبل وأثناء الأشغال وحتى بعد المؤتمر، ونقل بعض الحاضرين بشكل حصري أنه عند مغادرة الوفد التركي قام ممثلو بلدين صحبة بعض أعضاء وقد أوروبي بحركات بالأيادي تعبر عن النصر، إضافة إلى ما أتته الماكينات الإعلامية الإمارتية والمصرية وبعض أجنحة الإعلام السعودي على غرار نشر كونتي انتقل قبل يوم واحد من المؤتمر إلى الرجمة للتوسل وإقناع حفتر بالحضور، وهو طبعا أمر خال من الصحة ونفته السلطات الإيطالية بشدة…. 

تكتيكات حفتر:

عمليا مارس اللواء المتقاعد عددا من تكتيكاته المعتادة والمستنسخة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وخطاباته على غرار التصريح أنه لن يحضر أشغال المؤتمر خاصة وأن البعض (عبر الصفحات الاجتماعية) قد نقل عن مقربين أن حفتر قد غادر روما بعد أربع ساعات فقط من وصوله في أحد الأيام الأولى من الشهر الحالي نتاج طبيعة النقاشات ونتاج تحذيرات سياسية  وصلت إليه في عدد من مواضيع المؤتمر، ومعلوم أنه زار روسيا يوم 07 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ثم لوح بعدم الحضور ثم تحركت الماكينات الإعلامية الخاصة بحلفائه الإقليميين  لخدمته وتضخيم مواقفه وموقعه، وفي الأخير حضر عشية اليوم الأول وعمد إلى التصريح أنه لا علاقة له بالمؤتمر، ثم ليحضر الجلسة الرسمية ومع الوفود الدولية، ليغادر صحبة السيسي في اليوم الثاني أثناء جلسة نقاشات توحيد المؤسسة العسكرية مُصرا على انه لابد أن يجمع بين صفة القائد العام والأعلى قبل الانتخابات كما صرح المسماري إنهم لا يعترفون في الكرامة بصفة القائد الأعلى، وهي “بهلونيات/تكتيكات” أربكت الايطاليين ولكنهم تعاملوا معها بحذر وذكاء نادر، وعمليا لم يهتم الإيطاليون بزيارة حفتر لموسكو قبل أربع  أيام من المؤتمر مع أنهم علموا بخفاياها وانتبهوا لمتابعة غرضيتها اللاحقة…

استراتيجيا الفرنسيين الصامتة تجاه الايطاليين والمؤتمر الدولي:

مما لا ريب فيه أن الفرنسيين وان بدوا هادئين ظاهريا لافتكاك الايطاليين للملف منهم ما بعد مؤتمر باريس في نهاية آيا/ماي الماضي بعد امتلاكهم العمل واللوجستي له منذ ربيع 2017، فإنهم اعتمدوا سياسات خفية وصامتة في انتظار التطورات والمتغيرات وعمدوا إلى توخي ديبلوماسية احتوائية وخاصة أثناء وبعد مؤتمر “باليرمو”، وطبعا تم تنزيل ذلك عن طريق حلفائهم الموضوعيين أي قيادات الكرامة ومن ورائهم المصريين والإماراتيين وقوى أخرى غير ظاهرة في الصورة…

ولم يبق الفرنسيون مكتوفي الأيدي حيث تحركوا في كل الاتجاهات مثلما فعل الايطاليون قبل وأثناء وبعد مؤتمر باريس،  وتطور فعلهم تكتيكيا عبر عدد من اللقاءات مع الفاعلين الليبيين على غرار استقبال ماكرون للطاهر السني (مستشار السراج السياسي) بداية الشهر الحالي، وأيضا تلاحقت تكتيكات الفرنسيين من خلال استقبال وفد عن نواب مصراتة قبل أسبوع فقط من المؤتمر  إضافة إلى أحداث وتطورات في الداخل الليبي قريبة من فاعلين قريبين من الفرنسيين، ولاشك أن رسائل الايطاليين المعبرة عن مكانة للفرنسيين والتوافق معهم لم تكن مفلحة في استراتيجيات الإرباك التي قد تكون أنجزت بطرق مختلفة وعبر أشكال غير مباشرة….إنّ الايطاليين وإن بدت خطواتهم وإستراتيجيتهم قبل وأثناء المؤتمر الدولي مرتبكة، فإنهم بدوا متزنين حيث لم يفقدوا البوصلة، ومارسوا دبلوماسية حذرة تجاه جميع الأطراف وبدلا من الإصرار أن يكون المؤتمر ناجحا بشكل كامل أو ينفجر،اتبعوا سياسة تحقيق وضمانا لحد الأدنى عبر اختيار أن يكون المؤتمر مؤديا للمؤتمر الجامع ثم لاحقا تبنى على قراراته عملية انجاز الاستحقاقات الانتخابية في ربيع 2019[7]….وإضافة إلى كل ذلك نجح الايطاليون في:بعث رسائل مفادها أنهم طرف دولي مهم وشريك مقتدر ورئيسي وخاصة مستقبلي في القضايا الإقليمية وخاصة تلك التي تهم القارة الإفريقية حيث امتلكوا الملف الليبي بل وأداروه بحكمة واتزان وشراكة رغم أن النجاح يعتبر نسبيا من حيث النتائج المباشرة…

دعموا البعثة الأممية وفكرة إشراك الليبيين في الترتيبات للمؤتمر وفي مخرجاته، ولعل كلمة سلامة كانت دالة عندما قال “إن المؤتمر كان وسيكون جسرا للحل نحو المؤتمر الوطني الجامع”،  وبذلك أفلح الايطاليون في إعطاء فكرة إعادة إشراك الليبيين في الحل أبعادها الرمزية والدلالية من خلال أن كان المؤتمر رافعة وحل أولي للتوجهات الكبرى للخارطة الأممية المستقبلية عبر تحيد موعد انتخابي بعد مرحلة مقبولة (نوفمبر – جوان  أو سبتمبر) عمليا وأطول من المدة التي منحها لقاء باريس ( جوان– ديسمبر)، كما أقر مؤتمر باليرمو ونص على أسس دستورية متعارف عليها لإجراء الاستحقاقات الانتخابية بينما كان إجراء الانتخابات في 10 ديسمبر 2018 سيكون واردا على أسس غير دستورية…. وقد أحبطوا سياسات إرباك المؤتمر وإفراغه من محتواه فوضعوا اللواء المتقاعد خليفة حفتر في صورة”المُربك” لتقدم حل الملف الليبي والباحث عن حكم ليبيا عبر أسس غير دستورية، وأثبتوا للعالم أن بعض الأطراف الإقليمية هي أمثلة للتهور والإرباك، وأنها تلعب أدوار خفية تخريبية بل وتعمل على هوامش عدة في القضايا الإقليمية عبر لوبيات وقوى عالمية عبر تنزيل سياسات تعتمد المادي واللوجيستي وخيارات الإرباك والاحتواء والتأثير في السياسات الدولية في معالجة الأزمات الإقليمية… وقد أثبت الايطاليون ترهات وأكاذيب الحديث عن محور “قطري-تركي – إيطالي – الغرب الليبي”، التي روجت لها قنوات عربية ووسائل إعلام مصرية وخليجية بالأساس،بل وتبين أنها هي مجرد أسطوانة مشروخة تم ترديدها طيلة السنوات الثلاث الماضية، والغريب أنه بعد مؤتمر “باليرمو” قالت تلك الأبواق إن الحلف المذكور سقط وانتهى، وعمليا أكدت دراسات ومتابعات أن مراكز البحوث الأجنبية والفاعلين الرئيسيين التنفيذيين لبعض الأطراف الدولية قد وقفت على سقطات تلك الأبواق ومن يقف وراءها من دول إقليمية وأطراف محلية ليبية… 

         الفرنسيون: السياسات الصامتة والخيارات الحذرة

استطاع العقل السياسي الفرنسي مع وصول ماكرون للحكم استقراء مستقبل القارة الإفريقية وتطور حضور قُوى دولية أخرى فيها، فتم بناء استراتيجيات ديناميكية لقوة الحضور والفعل والتأثير، وتم منذ جويلية/يوليو 2017 امتلاك الملف الليبي ودارته والتواصل مع القوى السياسية والاجتماعية في ليبيا وصولا لمؤتمر باريس في نهاية ماي الماضي[8]، وطبعا وظف الفرنسيون الأزمة السياسية الإيطالية التي طالت لأشهر كما وظفوا تردد الايطاليين في إرساء سياسة إستراتيجية تتناغم مع التطورات السريعة للملف الليبي وترتيباته المطلوبة وضرورة الدفع بمبادرات وخيارات للميدان لتحريك السواكن   …

ومع دخول الايطاليين على خط إدارة الملف بمباركة أمريكية واصطفاف بعض الدول الرئيسية معهم، حدثت خلافات داخل الإدارة الفرنسية وتزامن ذلك مع استقالة أكثر من وزير فرنسي على خلفية ملفات فرنسية داخلية وأخرى إقليمية، وأصبحت السياسة الفرنسية تباعا في حالة تراجع وارتباك وخاصة في قراءة تطورات المشهد في ليبيا ومن بين أسباب ذلك الانحسار المستمر للواء المتقاعد خليفة حفتر وهو الذي راهن الفرنسيون عليه، واحتووا كل معسكره السياسي والاجتماعي خلال السنوات الثلاث الماضية، فهالهم تراجع شعبيته حتى في الشرق الليبي وخاصة بعد ورود تجاوزات نجله المالية ومقربين منه في تقارير أممية، فعدلت الإدارة الفرنسية سياساتها ومواقفها  عبر بعض الخطوات والعلاقات مع بعض أطراف إقليمية،حيثتم تغيير السفيرة الليبية بأخرى وتم الإعلان عن فتح السفارة الفرنسية  في طرابلس خلال شهر أفريل المقبل، كما تم الانفتاح أكثر على حكومة الوفاق الوطني وتم فتح علاقات مع بعض الفاعلين في مدينة مصراتة، وبالتوازي مع زيارة غسان سلامة للقاهرة في أكتوبر الماضي أكدت مصادر مقربة من “الإليزي”، أن الفرنسيين قد عبروا أنهم ضد أي مغامرة عسكرية من طرف حفتر باتجاه المنطقة الغربية…وفي “باليرمو” بدأ الفرنسيون ظاهريا حذرين، وارتاحوا لتصريحات كونتي المؤكدة على التوافق معهم، ولكن وكما بينا أعلاه فان حلفائهم الكلاسيكيين حاولوا إرباك المسارات ومخرجات المؤتمر والبعد التوافقي الذي حرص الايطاليون على إبرازه….

الأمريكيون وسياسات الاحتواء الناعمة والمؤثرة

بدأ الأمريكيون في الخفاء والعلن، مُصرين على تنفيذ تطبيق خطة مساعد المبعوث الأممي للشؤون السياسية “ستيفاني لويليماز”، وهي الخطة الموسومة بالخطة ب والتي نُشرت بعض تفاصيلها أثناء الاشتباكات الدموية جنوب العاصمة طرابلس في نهاية أوت/أغسطس الماضي، و الخلاصة أن الأمريكيين اعتبروا “باليرمو” مجرد محطة وضعوا من خلالها الايطاليين في الواجهة (وهم شريك أساسي لهم بل ويقومون بأدوار وظيفية لهم في أكثر من بلد وفي أكثر من ملف إقليمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية)، وهو ما قد يفسر ضعف التمثيل الأمريكي في المؤتمر بعد أن كان مبرمجا أن يحضر ترامب بنفسه للمؤتمر، كما أن المؤتمر الجامع في بدايات 2019 بالنسبة للأمريكيين سيكون مجرد عملية إضفاء شرعية على خطوات تلميذة رامسفيلد وصولا لهدفهم الأخير وهو الاستقرار في ليبيا للتفرغ لملفات الشرق الأوسط التي ستتفاقم بحدة خلال الأشهر والسنوات القادمة إن لم يكن ذلك بعد أسابيع أو أشهر معدودة، ورغم البيان المهم والمطول للخارجية الأمريكية اثر نهاية أشغال مؤتمر “باليرمو” فإنهم سيعملون على تمطيط الملف الليبي وفقا للمتغيرات والتطورات اللاحقة في المنطقة بما يتناسب مع إستراتيجيتهم مع النظام المصري المؤمنين بضرورة إحداث تغييرات مستقبلية عليه(على أن تلك التغييرات ستتراوح بين تعديلات وإصلاحات أو حتى العمل على  رحيل السيسي في فترة لاحقة)، ولاشك أن الموقف الأمريكي يرتكز على نهاية دور حفتر الذي لعبه في المرحلة السابقة مع الاحتفاظ بإمكانيات تطور فسيفساء السيناريوهات المستقبلية عبر إعطاء دور للناظوري مثلا، ومعلوم أن الأمريكيين هم أكثر العارفين بحفتر وهم يعرفون جيدا هوامش تحركاته ومراميه وحتى أسباب اعتقاله وأبعاده لبعض المقربين منه، مع العلم أنهم عبروا في أكثر من مناسبة وخاصة سنة 2016 عن انزعاجهم من علاقته بالروس… 

*حول مواقف بقية الدول الأوروبية

بدت الدول الأوربية الأخرى مشتتة من حيث مواقفه المعلنة والخفية بين الايطاليين والفرنسيين وان كانت أقرب لإيطاليا وتتراوح أدوارها ووظائفها بين القرب من الفرنسيين والأمريكيين واللامبالاة باستثناء الهولنديين والسويسريين، أما الإنجليز وان كانوا أقرب للموقف الأمريكي فإن لهم استراتيجيات تنزيل هادئة وذات نفس طويل … 

* الروس والسياسات غير الواضحة تجاه الملف الليبي

تنتهج روسيا سياسة غير واضحة في ليبيا، ولا تعتبر قائد الجيش الوطني الليبي اللاعب الرئيسي على الساحة السياسية الليبية، لكن يرغب اللواء المتقاعد في إظهار عكس ذلك للغرب من خلال زيارته إلى موسكو يوم 08 نوفمبر الحالي(أي أربعة أيام فقط قبل “باليرمو”)، مع العلم وأن المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” قد أكد يومها “لن يلتقي فلاديمير بوتين بخليفة حفتر، بل أن ذلك غير مدرج في جدول أعمال الرئيس الروسي”، ومعلوم أن العلاقات الروسية مع حقترقد كانت تجرى منذ 2015 بوساطات مصرية، كما تم الحديث عن مقابلة لحفتر خلال زيارته الأخيرة  مع تاجر روسي يوفر المرتزقة….وقد دار حديث في كواليس “باليرمو” عن استراتيجيا مستقبلية روسية خاصة بالمنطقة الإفريقية مع التركيز على ليبيا والجزائر تحديدا، إلا أن الحضور الروسي المستقبلي في ليبيا ليس موضوعا بسيطا فهو يتراوح بين الممكن السهل والمستحيل نتاج عوامل تاريخية وإرث قديم في المنطقة بكاملها ففي عهد الاتحاد السوفياتي وقوته الضاربة صعب عليه سنة 1951 التموقع في ليبيا يومها،

خاتمة:

إن عودة روسيا من حيث الحضور الاستراتيجي واستعادة جزء من رصيد الاتحاد السوفياتي عالميا أمر مرتبط بالقدرة على التماهي مع التطورات والمتغيرات خلال الأشهر والسنوات القادمة، أما راهنا فليبيا ليست سوريا وما سمح به الأمريكيون والأوروبيون هناك لن يسمحوا به في شمال افريقيا نتاج عوامل متعددة في علاقة بالطاقة والنفط ونتاج رؤية إستراتيجية للأمريكيين لكل المنطقة المتوسطية والشرق أوسطية… وهنا لابد من وضع الاعتبار واستحضار فكرة بعض أنصار القذافي السياسيين حول جلب الروس للساحة الليبية عبر الاستئناس بتجربتهم في سوريا وهي الخطة التي تم تقديمها لحفتر واقناعه بها وشرحها المسماري في اوت/اغسطس الماضي خلال تصريحات له أثناء زيارة له للقاهرة[9]…وعمليا كان الحضور الروسي في “باليرمو” قويا وبدا على الوفد الروسي التحفز والهدوء الحذر مما يعني توضح معالم سياسة مستقبلية ممهدة لاستراتيجيات قادمة لن تكون بالأكيد هي نفسها السياسة الروسية السابقة والمتبعة منذ 2014….  

 

علي عبداللطيف اللافي ( باحث متخصص في الشأن الليبي)

[1]أنظر مقال الباحث “ليبيا: توازن الضعف بين مكونات المشهد السياسي (3 من 3)”، وقد نشر في صحيفة “الرأي العام” التونسية، بتاريخ09-08-2018

[2]مقال الباحث في صحيفة “الرأي” الليبية العدد 136 بتاريخ 04-11-2018 تحت عنوان ” توازن القوى بين مكونات المشهد وحتمية الحل السياسي(3من 4)”

[3] انظر مقال الباحث في صحيفة الرأي العام التونسية المصدر المشار إليه في الهامش الأول …

[4]لمزيد الاطلاع على الدور الوظيفي، يمكن الاطلاع على أطروحة الباحث الأردني الدكتور أسامة عكنان ” الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية عام 1931 وحتى قرار فك الارتباط بالضفة الغربية عام 1988″، جوان 2013 -جامعة “بروكلين بارك” الأمريكية ، تحت إشراف الجامعي جاكوب فريدمان…

[5]مقال الباحث في صحيفة “الرأي” الليبية، العدد 136 المشار إليه في هامش سابق …

[6]أنظر مقال الكاتب “هل تغيرت استراتيجيا الايطاليين عشية مؤتمر باليرمو؟، وقد نشر في موقع المغاربي للدراسات والتحاليل (www.almagharebi.net) ” ” بتاريخ 24-11-2018

[7] انظر مقال الباحث “باليرمو وما بعده”، نشر في صحيفة “الرأي” الليبية العدد 138 بتاريخ 18-11-2018

[8]أنظر مقال الباحث ” لقاء باريس بين المعلن والخفي”،نش                                                                      ر في ملف العدد الثاني من صحيفة “رؤية ليبية”ص 5 بتاريخ 05-06-2018

[9] أنظر نص المُقترح من خلال مقال للناشط السياسي “خالد محمود” (محسوب على أنصار القذافي) في موقع إفريقيا 2050 (www.afrique2050.net) بعنوان “الحل السياسي في ليبيا عبر البوابة الروسية”، نشر بتاريخ 14-08-2018)

البارزة, وجهات نظر 0 comments on إسلاميو تونس.. تراكم تجارب أم براغماتية دون أسس فكرية ؟ بقلم كمال بن يونس

إسلاميو تونس.. تراكم تجارب أم براغماتية دون أسس فكرية ؟ بقلم كمال بن يونس

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية ،واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء  تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة. 

اليوم قراءة جديدة في تجربة الإسلاميين في تونس أعدها خصيصا لـ “عربي21” الكاتب والإعلامي التونسي كمال بن يونس:

مشاركة الإسلاميين: تراكم تجارب وقناعات أم براغماتية دون أسس فكرية؟

تراوحت سياسات الحكم وصناعة القرار في تونس منذ عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مؤسس الدولة الحديثة بين السماح للإسلاميين بالمشاركة في الحياة السياسية واستبعادهم .

وتراوح خطاب الإسلاميين التونسيين بين قبول المشاركة مع خصومهم السياسيين في الشأن العام والنزوع نحو القطيعة والصدام ، لمبررات دينية عقائدية حينا ولأسباب سياسية حينا آخر.

لكن التيار السائد داخل قيادات حركة “النهضة” وانصار الاتجاه الإسلامي التونسي عموما تبنى منذ ثورة كانون ثاني/يناير 2011 خيار المشاركة والتوافق مما مكّنه من أن يجنب نشطاء الحركة الإقصاء والقمع ومكّن عددا منهم من تولي مناصب عليا في الإدارة والدولة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام .

فهل ساهمت هذه المشاركة السياسية في تطوير خطاب الإسلاميين التونسيين؟ وما هي انعكاسات هذه المشاركة إقليميا؟

تكشف الكتب والدراسات والمقالات والحوارات الصحفية الصادرة عن قياديين بارزين في حركة النهضة التونسية، مثل رئيسها راشد الغنوشي ونائبه عبد الفتاح مورو ورئيسي حكومتها عامي 2012 و2013 حمادي الجبالي وعلي العريض ورئيس كتلتها البرلمانية نور الدين البحيري ، خطابا سياسيا يدافع بقوة عن خيار الانتقال الديمقراطي السلمي وعن التعددية ومشاركة الإسلاميين منافسيهم العلمانيين الشأن العام عموما وشؤون الحكم خاصة .

مبررات شرعية وأصولية

وقد حاول خطاب بعض زعماء التيار الإسلامي التونسي تقديم مبررات شرعية وفقهية وفكرية فلسفية تؤصل مواقفهم من المشاركة السياسية والتوافق مع غير الإسلاميين والتصالح مع المجتمع، والقطع مع الخطاب الذي ساد الجماعات الإسلامية سابقا، تحت تأثير كتابات سيد قطب ومحمد قطب وغيرهما من رموز الإخوان المسلمين، الذين وصفوا مخالفيهم والمجتمع بالجاهلية والكفر والضلال.

لكن هذا التطور النوعي سياسيا لم يقترن بصدور كتب ودراسات فكرية وعلمية معمقة تنتقد بوضوح مرجعيات المدرسة الاخوانية وخاصة كتب رمزية مثل “جاهلية القرن العشرين” لمحمد قطب أو “معالم في الطريق” لسيد قطب.

في المقابل تميزت تونس منذ نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات بصدور مقالات ودراسات وكتيبات ومجلات وصفت الفكر السلفي بـ”العقم”، ودعت إلى القطيعة مع مرجعيات الخطاب الإسلامي التقليدي الإقصائية، وإلى خوض جهاد المعاصرة والانتصار للعقلانية .

الإسلاميون التقدميون

وفي هذا السياق لعب تيار الإسلاميين التقدميين بزعامة احميدة النيفير وصلاح الدين الجورشي، ثم ساهم الجامعيون والمثقفون الإسلاميون المستقلون والمستقيلون من الجماعة الإسلامية وحركة الاتجاه الإسلامي ثم من حركة النهضة في إثراء الحوار الإسلامي ـ الإسلامي والإسلامي ـ التعددي الوطني .

وساهمت شخصيات قيادية مركزية في دعم هذا الحوار والانفتاح بينها راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو والزعماء المؤسسون للاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية منذ موفى السبعينيات ومطلع الثمانينيات.

وأثّر انضمام مئات الشباب وطلبة كليات العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلى التيار الإسلامي الاحتجاجي على الحكم، في ترفيع منسوب انفتاح الإسلاميين على مشاركة الخصوم الأيديولوجيين والسياسيين وعلى مرجعياتهم الفكرية وكتبهم ودراساتهم .

 انفتاح فرضه الصراع مع الآخر

وقد استفاد الإسلاميون في تونس مبكرا من الصراعات مع معارضيهم العلمانيين في الحكم وفي المعارضة، داخل الجامعات وفي كامل البلاد ، فانخرطوا في مسارين متوازيين من المشاركات السياسية :

ـ في الجامعات والنقابات تصالح الإسلاميون مبكرا مع منافسيهم اليساريين والليبيراليين، فدخلوا معهم في صراعات فكرية سياسية وفتحوا معهم حوارات أثرت خطاب كل الأطراف السياسية التونسية لاحقا. وكانت الحصيلة مشاركة الطلبة الإسلاميين في الانتخابات الجامعية وفي تسيير مجالس الكليات وهيئات المدارس العليا ومشاركة الخصوم الشيوعيين والاشتراكيين والقوميين والليبراليين خدمة الطلاب وتحسين أوضاعهم والنضالات السياسية.

ـ داخل البلاد استفاد الإسلاميون منذ مُوفّى السبعينيات من بروز معارضة نقابية وأخرى سياسية ليبيرالية ويسارية معتدلة لحكم الرئيس الحبيب بورقيبة .

وأسفرت الحوارات بين قيادات الحركة الإسلامية ووزراء ومسؤولين سابقين في حزب بورقيبة انشقوا عنه، بزعامة رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين أحمد المستيري ونائبه محمد مواعدة والرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي، عن تشكيل تحالفات سياسية، وعن تأسيس أول هيئة لحزب سياسي إسلامي مدني طلب تأشيرة عمل قانونية في يونيو/ حزيران 1981.

ورغم عدم اعتراف السلطات بذلك الحزب، “حزب حركة الاتجاه الإسلامي”، والزج بقياداته في السجن لمدة 3 أعوام، فقد شاركت الحركة وأنصارها في الانتخابات البرلمانية التعددية الأولى التي نظمت في تشرين أول/أكتوبر 1981، ودعمت القائمات الخضراء التابعة للحزب الليبرالي الوسطي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين .

ورغم تزييف نتائج الانتخابات، فقد مكنت العملية الانتخابية النشطاء الديمقراطيين العلمانيين والإسلاميين من خوض أول تجربة للمشاركة في الشأن العام وفي الحياة السياسية التي كان الحزب الحاكم يحتكرها منذ إعلان استقلال تونس عن فرنسا في آذار/ مارس 1956.

خطابا المشاركة والقطيعة
 

وبعد سقوط حكم الرئيس الحبيب بورقيبة في موفى 1987، خاض النشطاء السياسيون الإسلاميون تجارب متناقضة، طور بعضها خطاب المشاركة السياسية وساد بعضها الاخر خطاب القطيعة والصدام ردا على حملات القمع والإقصاء ومحاولات الاستئصال.

كانت الأعوام الثلاثة الأولى من حكم بن علي أعوام انفراج سياسي في علاقة السلطات بالإسلاميين، كان لديهم فيها حضور إعلامي قوى وشاركوا خلالها في الانتخابات البرلمانية في نيسان/إبريل 1989 ضمن قائمات مستقلة بنفسجية اللون ترشحت في كل المحافظات، ونجحوا في تنظيم مئات الاجتماعات السياسية والانتخابية العلنية، روجوا خلالها خطابا يدعو الى التوافق والمشاركة السياسية السلمية .

ووقعت الحركة في موفى 1988، عبر القيادي نور الدين البحيري، على وثيقة الميثاق الوطني في موكب رسمي في قصر الرئاسة في قرطاج برئاسة بن علي زعيم الحزب الحاكم ومشاركة الأحزاب اليسارية والليبراليية المعارضة.

لكن المنعرج الأمني في علاقة الإسلاميين بالسلطة ما بين مطلع التسعينات واندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، أعاد الخطاب السياسي لحركة النهضة الإسلامية، نحو مربع القطيعة والصدام ردا على حملات القمع .

انفتاح على اليسار

في المقابل انفتح خطاب نشطاء التيار الإسلامي السياسي على التيارات العلمانية المعارضة بعد انتخابات 1999 وخاصة بعد تشكل جبهة 18 أكتوبر للحريات في 2005، بزعامة نشطاء من اليسار الاشتراكي والقومي مثل المحامي احمد نجيب الشابي زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي وحمة الهمامي زعيم الحزب العمالي الشيوعي وحقوقيين إسلاميين وقوميين بينهم ثلة من المحامين مثل محمد النوري وسمير ديلو والعياشي الهمامي وعبد الرؤوف العيادي والعياشي الهمامي .

وقد طورت تلك الجبهة خطابا فكريا سياسيا شاملا للشراكة في تسيير شؤون البلاد بين أطراف تختلف عقائديا، عندما صاغت وثائق فكرية سياسية معمقة حول عدد من القضايا الخلافية، بمشاركة رموز لعبت دورا كبيرا بعد ثورة 2011 بينهم قياديون في حركة النهضة وحزب التكتل الديمقراطي بزعامة الطبيب مصطفى بن جعفر، الذي ترأس البرلمان الانتقالي التأسيسي ما بين 2011 موفى ومطلع 2014.

وصدرت في الأثناء مراسلات بين قياديين في حركة النهضة، بينهم رئيسها، ورموز الحزب الحاكم، مثل السفير كمال مرجان (وزير الدفاع والخارجية لاحقا) ومع الرئيس زين العابدين بن علي، خاصة في 2008، للبرهنة على استعداد الإسلاميين للمشاركة في الشأن العام والحياة السياسية، على غرار نظرائهم المحسوبين على تيار الإخوان المسلمين في الجزائر وليبيا وسوريا ومصر واليمن  .

أرضية جاهزة

بعد ثورة يناير 2011 وانفجار ثورات الربيع العربي، كانت الأرضية جاهزة للشراكات السياسية بين الإسلاميين والعلمانيين بمختلف مدارسهم .

وقد شارك قياديون إسلاميون في البرلمان الانتقالي الأول عام 2011 بعدد صغير من النواب، ثم في البرلمان والحكومة اللتين أفرزتهما انتخابات 23 أكتوبر 2011.

وكان من بين إضافات التجربتين القبول بالمشاركة والتخلي عن عقلية الوراثة والانفراد بالمؤسسات رغم فوز مرشحي الحركة بالمرتبة الأولى .

نفس هذا التمشي تواصل بعد المنعرجات الأمنية والعسكرية في بقية دول الربيع العربي. فقد تنازل الإسلاميون عن رئاسة الحكومة والدولة والبرلمان وعن أغلب الحقائب الوزارية مقابل المحافظة على مكسب المشاركة في الحياة السياسية والشأن العام عبر البرلمان والمواقع الإدارية والمجالس البلدية ..الخ 

الانعكاسات على الإقليم

كيف انعكست سلوكيات الإسلاميين التونسيين على محيطهم الإقليمي؟

رفيق عبدالسلام وزير الخارجية التونسي السابق ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية يعتبر أن خطاب حركة النهضة يلعب دورا معدلا للخطاب السياسي والإسلامي في تونس وكامل المنطقة. لكنه يقر بخصوصية كل تجربة وخطابات كل حزب له مرجعية إسلامية في الدول المغاربية والعربية .

محللون آخرون يؤكدون على تأثير التعقيدات الأمنية والعسكرية سلبا على خطاب الحركات والأحزاب الإسلامية السياسية في بقية بلدان الربيع العربي التي انتكست أمنيا وعسكريا .

وفي كل الحالات تثبت أدبيات كثير من الساسة والزعماء الإسلاميين الليبيين والجزائريين، خاصة أنصار التيار المحسوب على الإخوان المسلمين بزعامة محمد صوان في ليبيا  وعبد الرزاق المقري وأبو جرة سلطاني في الجزائر، تفاعلا إيجابيا مع براغماتية الخطاب الإسلامي التونسي وقيادات حركة النهضة .

لكن السؤال الكبير يظل في تونس وبقية دول المنطقة: هل نجح دعاة المشاركة والاعتدال والبراغماتية في إقناع أنصارهم بالأسس الفكرية والمرجعيات الإسلامية التي تبرر خياراتهم، أم يكون السلفيون المتشددون و”الصقور” أول المستفيدين سلبا من إخفاقات دعاة الخطاب الإسلامي المعتدل ومن استفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية محليا وإقليميا؟

البارزة, وجهات نظر 0 comments on مخاطر المحاصصة الطائفية فى ليبيا

مخاطر المحاصصة الطائفية فى ليبيا

 بقلم محمـد أبـو الفضل/الأهرام المصرية

 

كل الدول العربية تلعب فيها حسابات القبيلة والأعراق والمذاهب أدوارا مهمة وبدرجات مختلفة، لكن لكل منها خصوصيته، فما يصلح تطبيقه فى لبنان قد لا يصلح فى العراق، وما يصلح للعراق لن يجدى نفعا فى سوريا أو اليمن. ومعظم التصورات التى يمكن التطرق لها فى إطار المحاصصة الطائفية لن تصلح لحل الأزمة الليبية.

المؤتمر الوطنى الجامع، الذى يحاول غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، أن يجعله يلتئم مع بداية العام المقبل يمر بمرحلة مخاض عسيرة، وتلفه شكوك من جهات كثيرة، تجعل الوصول إليه كمحطة عملية غاية فى الصعوبة، فالأشواك المنثورة فى طريقه يحتاج من يريد تخطيها إلى معجزة سياسية.

لم يضرب سلامة موعدا محددا للمؤتمر، لكنه أشار إلى فترة زمنية مطاطة، قد تجره إلى مصير الانتخابات التى وعد بها قبل نهاية العام الحالي، ثم ضرب موعدا جديدا لها، فى ربيع العام المقبل، دون أن تكون لديه الأدوات اللازمة لتنفيذ وعده فى المرة الأولى أو الثانية، فعدد كبير من المحددات تتحكم فيها دوائر أخري، ترى أن هذه الإجراءات تخدم تيارات مؤدجلة لا تعنيها وحدة ليبيا بقدر ما يعنيها الحصول على جزء من الكعكة. المواعيد المضروبة فى هذا النوع من الأزمات ليست مقدسة بالطبع، لكن تضاربها يعكس مدى الفهم للبيئة التى يعمل فيها مبعوث الأمم المتحدة، وقدرته على استيعاب التطورات والمفاجآت التى يمكن أن تلحق بالأزمة ما يفرض عليها معطيات تجعلها تغير مساراتها فى أى لحظة. اعتراف مجلس النواب الليبى باتفاق الصخيرات لأول مرة فى تعديل دستورى تم الشهر الماضي، يعنى أن الاتفاق قد يكون ساريا لمدة عامين من الآن، لأن الصخيرات نص على العمل به عام ـ (من لحظة الاعتراف به) وليس من لحظة توقيعه ـ (ديسمبر 2015) قابلة للتجديد لعام آخر، بمعنى أن المجلس الرئاسى ومجلس الدولة اللذين انبثقا عن الاتفاق واتخذا جملة من القرارات، كانا حتى وقت قريب من الأجسام السياسية غير الشرعية فى نظر البرلمان. القانون رقم 5 من مجلس النواب تضمن إشارة إلى امكانية اختيار شخصية لمقعد الرئيس ويمكن الاستفتاء عليها، وهى علامة أخرى تؤكد أن المبعوث الأممى لم يهضم جيدا الأوضاع فى ليبيا ودهاليزها، ويريد أن يدير أزمتها بالطريقة التى يراها من دون اعتداد بالأجواء السياسية والمكونات المجتمعية، فضلا عن الجهة القانونية المخولة بحق التشريع والحيل التى يمكن اللجوء إليها. الدكتور غسان سلامة لم يفهم بعد التفاعلات الجارية فى ليبيا، ويصر على عدم الخروج من النموذج اللبنانى الطائفى الذى عايشه فترة طويلة، ولو اجتهد قليلا وقرأ تاريخ الدولة الليبية، وأمعن فى المحركات الرئيسية أيام فترة الاستعمار الإيطالي، والدور الذى لعبته المدن والقبائل، لتمكن من تكوين رؤية أوضح لآليات إدارة الأمور فى الأزمة الليبية.

التعامل مع المؤتمر الجامع يبدو فرصة غسان سلامة الأخيرة لتحقيق قفزة سياسية وتصحيح أخطائه السابقة، فقد أخفق فى إثبات جديته فى تعديل لجنتى الحوار- مجلس الدولة ومجلس النواب- فى تونس خلال شهر سبتمبر من العام الماضي، ولم يستمر فى تكملة مشواره، وانحرف إلى الذهاب نحو مشروعه الخاص بالمؤتمر الجامع، وبعد مواجهة حزمة من العقبات انتقل إلى مربع الانتخابات، وعقب فشل الوصول إليها، عاد مجددا إلى فكرة المؤتمر الجامع.

إذا اعتبرنا أن المؤتمر ورقة رابحة، من وجهة نظر المبعوث الأممي، الحكمة تقتضى مراعاة التعقيدات التى تحيط به وعدم الرهان عليه كثيرا، وإعادة النظر فى بعض التصورات السياسية، لأن كل المعالم التى تحيط بالمؤتمر المنتظر تمضى فى طريق مناهض له.

التحولات الموازية تسير بوتيرة سريعة، وفى اتجاه قد لا يفيد رؤية سلامة أو يسعفه فى تحقيق طموحاته، فمجلس النواب أقر بعض القوانين المعطلة، وتوافق رئيسه عقيلة صالح مع خالد المشرى رئيس مجلس الدولة، لاختيار مجلس رئاسى جديد من رئيس ونائبين واختيار رئيس مستقل للحكومة، وتفعيل هذا التوافق أو الخلاف حول بعض تفاصيله يفرمل الخريطة التى يسير على هديها مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، ويجعل الكثير منها خارج الزمن، لأن وقتها ستكون منفصلة عن الواقع، الذى تصيغ جزءا كبيرا من قسماته جهات، يعتقد سلامة أن له سطوة عليها.

التوقيت الحالى يعزز فرص فشل المؤتمر الجامع، ولنا أن نتخيل حجم النتائج التى سوف تتمخض عن ذلك، يضاف إليها ما ينجم عن الإخفاق فى وضع حد للتدهور الحاصل فى الجنوب، وعدم القدرة على حل مشكلة الكتائب المسلحة فى طرابلس، وارتباك القوى الدولية التى تريد فرض وصايتها على ليبيا، لكنها فتحت بابا للصراع حاولت بعض الجهات الإقليمية إغلاقه مبكرا، من خلال العمل على وجود جيش وطني.

خطة توحيد المؤسسة العسكرية، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على الإمساك بزمام الأمور، يحاول البعض السيطرة عليها أو تخريبها، وسرقة الدور الحيوى الذى قامت به مصر، وهؤلاء يعملون لمصلحة أطراف تريد أن تظل الأزمة مفتوحة على الدوام، ما لم يحققوا أهدافهم الغامضة، ولو على حساب الشعب الليبى ودولته الموحدة.

البصمة المصرية لتوحيد هذه المؤسسة العريقة ضمانة لعودة الأمن والاستقرار وتسوية الأزمة على قواعد تراعى المكونات الأساسية، وبموجبها يجرى تجاوز الكثير من المطبات والعراقيل، وإنهاء الظواهر السلبية، ووقف زحف البعض للتحكم فى المفاصل السياسية والأمنية والاقتصادية.

المساعى التى تحاول بعض القوى تطبيقها لن يكتب لها النجاح، وربما تعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر، وتتضاعف الملامح السلبية فى المشهد الليبي، لأن توحيد المؤسسة العسكرية أكبر من مجرد توقيع اتفاق فى قاعة أو عاصمة، وأبعد من لقطة تسجلها كاميرات التصوير بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني، وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق، لأن الأهم من الاتفاق كيفية تنفيذه على الأرض، فالتوقيع هو بداية الحل وليس نهاية المشكلة. المسألة مرتبطة بالعلاقات التاريخية المتشابكة بين مصر وليبيا، فالقاهرة أسهمت بقوة فى تكوين أول جيش ليبى عام 1940، ما يفرض على بعض الجهات المغامرة مراعاة هذه النوعية من العلاقات الوطيدة، وتجنب الزج بأنفسهم فى قضايا تكشف أوزانهم النسبية وأحجامهم الحقيقية، والتى تدركها الغالبية العظمى من أبناء الشعب الليبى الذين لن تحرفهم محاصصة المؤتمر الجامع عن وحدة مؤسساتهم الوطنية، ولن تثنيهم عن تمسكهم بالدور المصري.

 

وجهات نظر 0 comments on واشنطن و محاولة إعادة “غزو العراق”

واشنطن و محاولة إعادة “غزو العراق”

واشنطن لم تنسحب من العراق في نهاية العام 2011 وهي سعيدة بهذا الإجراء والأسباب كثيرة في هذا المضمار لعل أبرزها عدم قدرتها على تحقيق أيٍّ من أهدافها التي جاءت من أجلها لا المعلنة منها ولا المخفية، فقدرتها على التحكم بمفاصل العراق انتهت إلى غير رجعة، وادعاؤها بأنها جاءت لنشر الديمقراطية باء بالفشل، والعراقيون لم يعد بإمكانهم تحمّل التجاوزات الأمريكية بحق أبنائهم، فما كان منهم إلا أن ضغطوا باتجاه إخراج القوات الأمريكية وهذا ما حصل، لكن العقوبة الأمريكية لهذا القرار جاءت مكلفة جداً فقد اخترق “داعش” عمق البلاد الأمني ودمّر ما لم تستطع أمريكا تدميره، وتحوّل هذا التنظيم الإرهابي إلى ذريعة جديدة لدخول القوات الأمريكية من جديد إلى العراق وكان هذا في العام 2014.

القواعد الأمريكية في العراق

في العام 2014 ومع انتشار التنظيم الإرهابي في أغلب المحافظات العراقية بدأت واشنطن تحضّر نفسها لنشر قواعد عسكرية على امتداد العراق بهدف “محاربة تنظيم داعش” وبالفعل استمرت في بناء القواعد العسكرية هنا وهناك مستغلة الفوضى التي سببتها في العراق لاختراق مدنه والقيام بما يحلو لها هناك، ليصل عدد قواعدها اليوم إلى 12 قاعدة عسكرية خلال السنوات الثلاث الماضية.

في البداية وقّعت أمريكا اتفاقية عسكرية مع حكومة كردستان العراق على بناء خمس قواعد لها بمناطق تحت سيطرة الإقليم، القواعد الخمس، التي ضمنت في الاتفاقية تتوزع على الشكل الآتي: “قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين حلبجة بمحافظة السليمانية والتون كوبري في كركوك”، وفقاً لمصادر عراقية.

وفي الموصل والأنبار، فإن القوات الأمريكية اتخذت قاعدتي “عين الأسد” في قضاء البغدادي و”الحبانية” في الأنبار كقاعدتين عسكريتين، عقب سيطرة تنظيم الدولة على أغلب مدن المحافظة في 2014.
وهناك معلومات تفيد بأن واشنطن قاربت على إنهاء تأسيس قاعدة لقواتها في مطار القيارة العسكري جنوبي مدينة الموصل، بعد تأهيل المدرج وبناء كانتونات سكنية لعوائل العسكريين، ولم تكتف القوات الأمريكية بقاعدة واحدة في الموصل، فقد شرعت بتشييد قاعدة أخرى عند سد الموصل، لكنها ليست بحجم قاعدة القيارة الجوية.

وفي محافظة صلاح الدين، تتخذ واشنطن قاعدة بلد الجوية مقراً لها للتحكم بطلعات طائرات “إف 16” التي منحتها للعراق مؤخراً، أما في معسكر التاجي شمال بغداد، فتوجد قوة أمريكية لأغراض التدريب، وفقاً لستيف وارن المتحدث باسم البنتاغون.
وهناك معلومات أيضاً بأن هناك قاعدة أمريكية أخرى قيد الإنشاء في منطقة المنصورية بمحافظة ديالى.

مقر أمني جديد
أعلنت السلطات العراقية، يوم الأحد الماضي، افتتاح مقر أمني جديد للقوات الأمريكية في العراق داخل محافظة الأنبار، وكشف” فرحان محمد الدليمي” ممثل مجلس محافظة الأنبار لوسائل الإعلام المحلية العراقية، تفاصيل المقر الأمني الجديد، والذي يتيح للقوات الأمريكية فرض سيطرتها الكاملة على الصحراء الغربية العراقية بين محافظتي الأنبار ونينوى أقصى غربي العراق.

وأضاف: إن القوات الأمريكية، تمركزت بشكل مفاجئ شمال نهر الفرات بالقرب من الرمانة على الشريط الحدودي مع سوريا، وهو الموقع الذي جعل القوات الأمريكية صاحبة السيطرة على الصحراء بين محافظتي الأنبار ونينوى.

الغايات والأهداف
هناك مجموعة من الأسئلة يمكن أن نطرحها فيما يخص الغايات والأبعاد السياسية والعسكرية التي ترسمها واشنطن في العراق بعد أن كادت ترتسم معالم الاستقرار على جبهاته، خاصة بعد أن تم تطهير أغلب المحافظات من التنظيم الإرهابي، فماذا تريد واشنطن اليوم؟.

أولاً: من خلال توزيع القواعد الأمريكية نجد أنها تملك قاعدة على الحدود العراقية – الإيرانية وأخرى على الحدود السورية – العراقية فضلاً عن المقر الأمني الذي افتتحته مؤخراً للسيطرة على الصحراء الغربية، صحيح أن ذريعتها هي محاربة “داعش” إلا أن الحقيقة أعمق من ذلك، فهي تريد كسر معادلة القوة التي تشكلها سوريا والعراق وإيران من جهة، وإيران وتركيا من جهة أخرى، وتبحث عن قطع أي نقاط ارتباط بين هذه الدول الأربعة لاسيما طرق “محور المقاومة” الذي كان من المقرر القضاء عليه إلا أن ما حصل جاء عكس توقعات واشنطن في العراق وسوريا وإيران وبالتالي الحلّ اليوم هو زرع قواعد جديدة لمنع هذا الالتقاء وتخفيف بريق أي نصر قادم وتفريغه من محتواه.

ثانياً: أمريكا تعلم بأن تشكيل “ناتو عربي” لمواجهة إيران حلم بعيد المنال طالما أن هناك خلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن هناك دول تربطها بإيران علاقات تاريخية واقتصادية وبالتالي موضوع تشكيله أمر مستبعد، ومن هنا وجدت واشنطن أن بناء مثل هذه القواعد سيشكل آلية ردع جديدة لإيران في المنطقة وتكون هذه القواعد بمثابة نقاط انطلاق لأي مواجهة مع إيران، خاصة وأن الأخيرة تمكّنت من الحفاظ على وحدة العراق على عكس ما كانت تخطط له أمريكا.
كثرة هذه القواعد بهذا الشكل تشكّل قلقاً كبيراً لمستقبل العراق وأمنه واستقراره وكأن واشنطن تحضّر لغزوه من جديد ولكن هذه المرة من الداخل، وبالتالي على العراقيين اليوم البحث عن حل لهذه الأزمة القائمة والتي لا يمكن تجاهلها مهما طال الزمن.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on قانون المالية 2019 : ردود أفعال ساخطة .. و دعوات إلى الإحتجاج قد تنذر بشتاء ساخن

قانون المالية 2019 : ردود أفعال ساخطة .. و دعوات إلى الإحتجاج قد تنذر بشتاء ساخن

منية العيادي
 

أكثر من 60 نائبا للشعب من مختلف الكتل ( الديمقراطية و الجبهة الشعبية و نداء تونس و الولاء للوطن)  سيتقدمون إلى جانب عدد من المستقلين بعريضة طعن في دستورية قانون المالية لسنة 2019، للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين و ستركز عريضة الطعن على كيفية إقحام بعض الفصول في قانون المالية، رغم أنها لا تتعلّق بالجباية أو المالية” وفق ما صرح به أمين عام حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي معتبرا أنه من الأجدر أن يتم إخراجها و التنصيص عليها في قوانين أخرى.

إضافة إلى أن الطعون ستتضمن إخلالات إجرائية تتعلق بتقديم مشروع قانون المالية و النقاش و المصادقة عليه.كما ستشمل كذلك، إخلالات تتعلق بعدم دستورية هذا القانون من خلال رفع السرّ المهني عن المهن الحرّة.
 

و من أكثر الفصول التي أثارت جدلا كبيرا انتقل من البرلمان إلى مواقع التواصل الاجتماعي كما أثار عديد الاحتجاجات، فصل جديد تم إضافته بقانون المالية 2019 و ينص الفصل الذي تم المصادقة عليه في ساعة متاخرة من مساء الاثنين 10 ديسمبر 2018  على تأجيل الانطلاق في العمل بالفصل الرابع من قانون المالية لسنة 2018 الى سنة 2020، و الذي يفرض ضريبة بـ35% على الشركات المصدرة و المساحات الكبرى و وكلاء السيارات .”

و عرفت مناقشة قانون المالية لسنة 2019 جدلا وصل حد ” العنف اللفظي” و الاتهامات المباشرة، خاصة من قبل بعض نواب المعارضة، الذين اتهموا الأغلبية البرلمانية خاصة كتلتي “النهضة” و “الائتلاف الوطني” المحسوبة على رئيس الحكومة، بخدمة رجال الأعمال أو ما سموهم ب “لوبيات المال”، الذين ” يسيطرون على السياسات الحكومية”، من خلال نواب الائتلاف الحاكم.

هذا الفصل الذي وقع التصويت عليه اعتبرت الأغلبية المعارضة أنّه يؤسس لمزيد الصراع الطبقي بين أرباب المال و النفوذ الاقتصادي و بين عامة الشعب و سيؤدي إلى مزيد تفقير الفقراء و دعت المواطنين إلى النزول إلى الشارع و هو ما  ينذر باحتجاجات قد تشهدها البلاد في الأيام القليلة القادمة. 

https://www.facebook.com/Tunisieinfo.officielle/videos/2284078841812436/

 

فقد دعت الجبهة الشعبية في بيان لها التونسيين إلى ”التحرك دفاعا عن وطنهم و مقدرتهم الشرائية و قوتهم، في مواجهة السماسرة و أحزاب اللوبيات و العائلات المالية و الاقتصاد الأسود و الأجهزة السرية و أسيادها في الخارج” حسب البيان.

كما دعت أنصارها إلى ” تعبئة طاقاتهم و التحرك في الساحات و الشوارع مع كل الفئات و القطاعات الشعبية دفاعا عن الوطن والشعب”، وفق نص البيان.

و أكدت أن تونس تعيش مرحلة عصيبة من تاريخها بسبب فرض الحكومة لخيارات “لا وطنية تقوم على ثلاثية التبعية والتجويع والتطبيع”، بلغت ذروتها بتمرير قانون مالية “كرس سيطرة السماسرة وبارونات الفساد على حساب الطبقات الكادحة و المفقرة”.

كما دعت الجبهة الشعبية ، القوى الوطنية التقدمية أحزابا و نظمات و شخصيات إلى الإلتقاء من” أجل وضع حد لحكم ما وصفته بالمافيا و النهب و التطبيع و لسياسات التجويع و محاسبة كل من تورط في دماء التونسيين و نهب مقدراتهم و تدمير اقتصادهم و بيع قرارهم الوطني”.

 حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي و حركة تونس إلى الأمام اعتبرا في بيان مشترك لهما أن الخيارات المصادق عليها في قانون المالية 2019 “لا تخدم مصالح الفئات الضعيفة و المهمشة و ستنعكس سلبا على المقدرة الشرائية لأوسع الفئات الشعبية ولا تخدم سوى مصالح القوى السياسية و الاقتصادية المهيمنة و أجنداتها الانتخابية”

و أكد الطرفان ضرورة تجميع القوى الديمقراطية الاجتماعية و التقدمية للتصدي لكل الإجراءات التي تنال من قوت المواطنين ومقدرتهم الشرائية و مواجهة ما وصفوه ب “الانزلاقات الخطيرة التي تشهدها الساحة السياسية و التي ظهرت في مداولات مجلس نواب الشعب و ما تمخض عنها من قرارات زادت في تعميق القطيعة بين مشاغل المواطنين و انتظاراتهم و بين المنظومة السياسية الحاكمة” حسب نص البيان.

L’image contient peut-être : texte

في سياق آخر كان لعمادة المحامين أيضا احتراز على قانون المالية في الفصل المتعلق بالسر المهني حيث دعا عميد المحامين عامر المحرزي رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لعدم ختم قانون المالية لسنة 2019 .

و طلب المحرزي خلال الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس المعهد الأعلى للمحاماة بتونس من رئيس الجمهورية اعادة القانون لمجلس نواب الشعب من أجل مراجعة ذلك الفصل .

كما نظمت الهيئة الوطنية للمحامين اليوم الخميس مسيرة احتجاجية بالزي الرسمي ، تحت شعار “السر المهني خط أحمر”، وذلك احتجاجا على الفصل 34 من قانون المالية لسنة 2019 و المتعلق برفع السر المهني للمحامي.

https://www.facebook.com/OrdreNationalDesAvocatsDeTunisie/videos/2240035756268291/

و اعلنت الهيئة تكوينها للجنة قانونية للطعن بعدم دستورية الأحكام الواردة بقانون المالية لسنة 2019، و ذلك بالتنسيق مع نواب الشعب الرافضين ايضا لهذا القانون، للقيام باجراءات الطعن في غضون 5 ايام من المصادقة عليه  .

و كان عميد المحامين، عامر المحرزي، قد أكد خلال إضراب عام نفّذه المحامون يوم الإثنين الماضي،رفض الهيئة لهذا الفصل، مبرزا أن كل الأنظمة القانونية “تحافظ على السر المهني للمحامي و لا تخرقه، باعتباره خطا أحمر يمسّ من الأمان القائم بين المحامين وحرفائهم، وهو ما سينعكس على المعاملات والعقود والوضع الإقتصادي بصفة عامة”.

محامون

 الاحتجاجات على قانون المالية توسعت لتصل إلى النقابة التونسيّة لأطباء القطاع الخاص حيث دعت “كافة منظوريها في جميع الولايات إلى المشاركة بكثافة في المسيرة الاحتجاجيّة التّي دعا إليها اتحاد المهن الحرة اليوم الخميس 13 ديسمبر 2018  و التي انطلقت من قصر العدالة عبر شارع 9 أفريل وصولا الى القصبة”.

و عبرت النقابة في بيان صادر عنها الثلاثاء عن “رفضها توظيف عبء جبائي جديد نسبته 1% من رقم المعاملات على أطباء القطاع الخاص و مسديي الخدمات الصحية بصفة عامة في القطاع الخاص الذي ذكر في الفصل 55 من قانون الماليّة لسنة 2019 ورفضها المساس بالسرّ المهني و من ورائه بمبادئ المهن الحرة و خصوصيتها”.

و نددت بـ”الإجراءات الأحادية الجانب التّي يُصادق عليها في قوانين الماليّة دون أي تشاور او اخذ بعين الاعتبار وضعيّة منتسبي قطاع الطب الذين يفاجؤون كلّ سنة بإجراءات جديدة ومتكرّرة في اتجاه واحد وهو مزيد تسليط أعباء ماليّة وضغط جبائي بصفة لم تعد تطاق”.

واعلنت انّها “بصدد العمل المشترك مع جميع مكونات تنسيقيّة المهن الطبيّة واتحاد المهن الحرّة للتصدّي لهذه الاجراءات اللاّدستورية والتّي لا تراعي أي مبدأ للعدالة الجبائيّة بل تستهدف بعض القطاعات المهنيّة بينما تنعم أخرى بالتحفيزات الجبائيّة”.

كما أشارت الى ان “مكتبها التنفيذي سيبقى في حالة انعقاد دائم لاتخاذ كافة الأشكال النضاليّة”.

احتجاجات قانون المالية تتوسّع: نقابة الأطباء تدعو الى التظاهر

من جهته اصدر الاتحاد التونسي للمهن الحرّة بيانا دعا فيه كافة المهنيين إلى مسيرة احتجاجية اليوم الخميس 13 ديسمبر 2018 تعبيرا عن رفضهم لقانون المالية لسنة 2019 الذي تمّت المصادقة عليه يوم الاثنين بالبرلمان و يؤكد التزام كافة المهنيين بعدم تطبيق مقتضياته.

 

البارزة, وجهات نظر 0 comments on عجز الميزان التجاري يتفاقم .. الحكومة تتجاهل السيناريو الأسوأ .. بقلم جنات بن عبد الله

عجز الميزان التجاري يتفاقم .. الحكومة تتجاهل السيناريو الأسوأ .. بقلم جنات بن عبد الله

أعرب مجلس ادارة البنك المركزي في اجتماعه الدوري بتاريخ 10 ديسمبر 2018 عن قلقه ازاء تواصل توسع عجز الميزان التجاري خلال الاشهر العشرة الاولى من السنة.

في ذات السياق وحسب المعهد الوطني للاحصاء شهد عجز الميزان التجاري ارتفاعا خلال الاشهر الاحد عشر الاولى من السنة ويعزى هذا العجز الى تطور الصادرات بنسبة ٪19.9 في حين تطورت الواردات بنسبة ٪20.1 نتيجة الارتفاع الملحوظ في واردات جل القطاعات حسب المعهد الوطني للاحصاء ومنها بالاساس الطاقة بنسبة ٪38.4 والمواد الاولية ونصف المصنعة بنسبة ٪21.9 والمواد الاولية والفسفاطية بنسبة ٪17.6 ومواد التجهيز بنسبة ٪17 والمواد الفلاحية والغذائية الاساسية بنسبة ٪8.9.

ورغم الارتفاع الصاروخي لعجز الميزان التجاري تحلى مجلس ادارة البنك المركزي بالموضوعية المبالغ فيها ليتوقف عند التعبير عن القلق في حين ان الوضع يتطلب تحركا بحجم العجز الجاري الذي بلغ ٪9.2 من الناتج المحلي الاجمالي خلال الاشهر العشرة الاولى من السنة مقابل ٪8.9 خلال نفس الفترة من السنة الماضية وذلك باعتباره المسؤول عن مسك احتياطيات الصرف والذهب والتصرف فيها بمقتضى الفصل 8 من القانون عدد 35 لسنة 2016 مؤرخ في 25 افريل 2016 يتعلق بضبط النظام الاساسي للبنك المركزي.

ان تواصل ارتفاع عجز الميزان التجاري بالنسق الحالي حيث يتوقع ان يبلغ 28 مليار دينار حسب الاحتساب الذي يعكس حقيقة الاحتياطي من العملة الصعبة والذي يعتمد على المبادلات التجارية للشركات المقيمة والخاضعة للنظام العام باعتبار ان مداخيل صادراتها تؤثر على الاحتياطي عكس الشركات غير المقيمة والخاضعة لنظام التصدير الكلي والتي هي غير مطالبة باسترجاع مداخيل صادراتها بمقتضى قانون الصرف الذي يعود الى سنة 1976، هذا الارتفاع يؤكد مرة اخرى ما لاحظه خبراء صندوق النقد الدولي في آخر زيارة لهم الى تونس من ان بلادنا تعتمد على التوريد لتغطية حاجيات السوق المحلية، بما يؤكد مرة اخرى ان اقتصادنا هو اقتصاد ريعي لا مكان فيه للانتاج.

ان تفاقم عجز الميزان التجاري بالنسق الحالي يكشف عن طبيعة الخيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لحكومة الشاهد ومدى مصداقيتها في تأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المهدد بالخروج عن السيطرة في الايام القليلة المقبلة استنادا لتداعيات عجز الميزان التجاري على المقدرة الشرائية، والتضخم، والقدرة التنافسية للمؤسسة الاقتصادية، وسعر صرف الدينار والبطالة…

ورغم وجود سلطة نقدية تنبه وتحذر وتعبر عن قلقها مرة وانزعاجها مرة اخرى من تدهور عجز الميزان التجاري وبالتالي من تدهور العجز الجاري وتدهور الاحتياطي من العملة الصعبة، لم تحرك السلطة التنفيذية ساكنا للحد من نزيف هذا التدهور بل كشفت الجلسة الاخيرة لمجلس نواب الشعب التي خصصت للمصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2019، عن اصرار هذه الحكومة على التمادي في سياستها العدائية لمنظومة الانتاج الوطنية ووقوفها الى جانب لوبيات التوريد من الداخل والخارج في تناقض مع خطابها السياسي الرافع لشعارات الاستقرار والانتعاشة الاقتصادية والتي لا تجد لها أي أثر في تفاصيل اجراءات قانون المالية لسنة 2019.

ان المستوى الخطير الذي بلغه عجز الميزان التجاري والمخاطر التي ستنتج عن ذلك كفيلة باسقاط قانون المالية لسنة 2019 باعتبار طبيعة هذه المخاطر وتداعياتها على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من جهة، وعلى السيادة الوطنية من جهة ثانية.

فانطلاق السنة الادارية في غرة جانفي 2019 بعجز تجاري يفوق 28 مليار دينار ينذر بتواصل انزلاق الدينار، وبتواصل ارتفاع التضخم وبتواصل تدهور المقدرة الشرائية وبتواصل تدمير منظومة الانتاج وبتواصل تدهور الاحتياطي من العملة الصعبة، وباعتبار ان اقتصادنا تحول الى اقتصاد ريعي بفضل سياسة ممنهجة رسمت تفاصيلها لوبيات الداخل والخارج، فانه لا مجال للاستغراب والاحتجاج على فقدان الخبز والادوية والمحروقات والماء والحليب… مع بداية سنة 2019.

وجهات نظر 0 comments on “فورين بوليسي” : كيف تسبب كلينتون و بوش و أوباما بوفاة النظام الليبرالي؟

“فورين بوليسي” : كيف تسبب كلينتون و بوش و أوباما بوفاة النظام الليبرالي؟

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفين والت، يقول فيه إن أحد المواضيع التي كتب فيها المعلقون بشكل متكرر منذ عام 2016، كان الوضع السابق والمستقبل غير الواضح لما يسمى النظام الليبرالي.

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن بعض الكتاب شككوا حتى في أن النظام الليبرالي وجد أصلا، أو شككوا في قيمته المدعاة، في الوقت الذي يدافع فيه آخرون عن إنجازاته الماضية، ويتباكون على موته المحتمل.

 

ويستدرك والت بأن “المعلقين اتفقوا، هذا إن كان هناك إجماع، على أن الرئيس دونالد ترامب يشكل تهديدا خطيرا للنظام الذي تقوده أمريكا، الذي يقوم على قواعد استمرت منذ عام 1945، ويعتقد البعض لو أن هيلاري كلينتون أصبحت رئيسة لبقيت أمريكا (الأمة التي لا يستغنى عنها) تقود العالم تجاه مستقبل أفضل وعناصر النظام المألوفة ستكون مزدهرة (أو على الأقل سليمة)”.

 

ويعلق الكاتب قائلا: “لا شك بعدم اهتمام ترامب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، أو حكم القانون، أو أي من القيم الليبرالية الكلاسيكية، ويبدو أنه لا يهتم بشركاء أمريكا الديمقراطيين ويحب الدكتاتوريين، لكن من الخطأ أن ينظر إليه على أنه السبب الوحيد، أو حتى الأهم، للمتاعب التي أصابت النظام الذي تقوده أمريكا، ففي الحقيقة فإن بذور المشكلات الحالية تعود إلى ما قبل ترامب بفترة طويلة، وهي مرتبطة بشكل رئيسي بقرارات متعلقة بالسياسة الخارجية التي قامت بها إدارات كل من بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما”.

 

ويقول والت: “لنعد ربع قرن للوراء إلى بداية (لحظة القطب الواحد)، فبعد هزيمة الاتحاد السوفييتي، هنأت أمريكا نفسها، وتبنت استراتيجية تصلح لعالم ليست فيه قوة عظمى منافسة، ومع رفض العزلة كان بإمكان واشنطن أن تقوم بالانسحاب تدريجيا من مناطق لم تعد بحاجة ماسة إلى وجودها، وكان بإمكانها تصغير بصمتها العسكرية في العالم مع إبقائها على جاهزية تسمح لها بالتصرف في مناطق رئيسية إن كانت هناك حاجة ماسة لذلك، هذه التحركات كانت ستضطر شركاءنا الأكثر ثراء لتحمل المزيد من المسؤولية للمشكلات المحلية، في الوقت الذي تعالج فيه أمريكا احتياجاتها المحلية، فجعل (الحلم الأمريكي) أكثر واقعية هنا سيبين للأمم الأخرى قيمة الحرية والديمقراطية والسوق المفتوحة وحكم القانون، وأنها تستحق التقليد”.

 

ويلفت الكاتب إلى أن “البديل المنطقي لم يناقش في الدوائر الرسمية، وبدلا من ذلك اتحد كل من الجمهوريين والديمقراطيين خلف استراتيجية (الهيمنة الليبرالية) التي سعت لنشر القيم الليبرالية في كل مكان، ولقناعتهم بأن رياح التقدم تملأ أشرعتهم، ولعشقهم لصورة أمريكا على أنها (الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها) في العالم، بدأوا في استخدام قوة أمريكا للإطاحة بالديكتاتوريين ونشر الديمقراطية، ومقاطعة ما سميت الدول المارقة، وأدخلت أكبر عدد ممكن من البلدان إلى مؤسسات أمنية تقودها أمريكا، فمع حلول عام 2016 كانت أمريكا ملتزمة رسميا بالدفاع عن أكبر عدد من الدول الأجنبية منذ نشأتها”.

 

ويبرر والت قائلا إنه “قد تكون لدى الزعامات الأمريكية أفضل النوايا، لكن الاستراتيجية التي اتبعوها كانت فاشلة في أغلب الأحيان، فالعلاقات مع روسيا والصين اليوم هي الأسوأ منذ الحرب الباردة، وهذان الماردان الآسيويان يتآمران على أمريكا، وأي أمل للتوصل إلى حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين تم تقويضه، وبقية الشرق الأوسط منقسم على أسوأ ما يكون، وقامت كل من كوريا الشمالية والهند وباكستان بتجريب أسلحة نووية، ووسعت من ترسانتها النووية، وانتقلت إيران من مرحلة عدم إمكانية تخصيب اليورانيوم عام 1993 إلى ما يقارب كونها دولة نووية اليوم”.

 

ويجد الكاتب أن “الديمقراطية في حالة تراجع في العالم كله، والمتطرفون العنيفون ينشطون في أماكن أكثر من العالم، والاتحاد الأوروبي يترنح، والفوائد غير المتوازنة للعولمة ولدت ردة فعل قوية ضد نظام الاقتصاد الليبرالي الذي تروج له أمريكا”.

 

ويبين والت أن “هذه التوجهات كلها كانت موجودة قبل أن يصبح ترامب رئيسا بفترة طويلة، لكن كثيرا منها ربما كان أقل احتمالا، أو اقل وضوحا، لو اختارت أمريكا طريقا أخرى”.

 

ويواصل الكاتب قائلا: “ففي أوروبا كان بإمكان أمريكا أن تقاوم إغراءات توسيع حلف الناتو، والتزمت بـ(الشراكة لأجل السلام) الأصلية، وهي ترتيبات أمنية تضمنت روسيا، ومع مرور الوقت كان بإمكانها التخفيف التدريجي لوجودها العسكري، وتسليم الأمن الأوروبي للأوروبيين، فلم يكن ليشعر الزعماء الروس بأنهم مهددون، وما كانوا ليحاربوا جورجيا، أو يستولوا على القرم، ولم يكونوا ولا لمصلحتهم أن يتدخلوا في انتخابات 2016، ومع أخذ الاتحاد الأوروبي دورا أمنيا أكبر فربما ما كانت دول، مثل بولندا وهنغاريا، لتغازل الاستبداد تحت حماية أمريكية”.

 

ويستدرك والت قائلا: “لو كانت أمريكا أكثر حكمة لتركت العراق وإيران في حالة صراع بدلا من محاولة (الاحتواء المزدوج) في الخليج العربي، ما كان سيلغي الحاجة لإبقاء آلاف الجنود في السعودية بعد حرب الخليج الأولى، ولو أن واشنطن جعلت دعمها لإسرائيل والسلطة الفلسطينية مشروطا بإحداث تقدم في مفاوضات السلام للتوصل إلى حل الدولتين، لأزال هذا الأساسين اللذين أقام أسامة بن لادن عليهما عداءه القاتل لأمريكا، وربما ما كانت هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر لتقع، ولما غزونا أفغانستان والعراق، ولوفرنا عدة مليارات من الدولارات، وآلاف الأرواح الأمريكية والأجنبية، ولما نشأ تنظيم الدولة، وأزمة اللاجئين والهجمات الإرهابية في أوروبا، التي ساعدت على صعود الأحزاب اليمنية في أوروبا”.

 

ويقول الكاتب: “لو كانت أمريكا أقل انشغالا بحروب الشرق الأوسط لكانت قادرة على التحرك بسرعة لمواجهة طموحات الصين المتنامية، ولكان لديها المزيد من الإمكانيات للقيام بهذه المهمة الضرورية، وبدلا من الافتراض الساذج بأن الصين ستتحول في المحصلة إلى ديمقراطية وتلتزم بالأعراف الدولية، كان بإمكان أمريكا أن تشترط على بكين التخلي عن أساليبها التجارية التطفلية قبل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، بما في ذلك احترام الملكية الفكرية”.

 

ويرى والت أنه “لو كان هناك اهتمام بتوزيع عائدات العولمة بشكل أعدل لقلل من عدم المساواة الموجودة في أمريكا، ولقلل بالتالي من حالة الاستقطاب التي تمزق البلد اليوم، وكما احتجت روسيلا زيلينسكي في مقال لها في (فورين أفيرز)، فإن تمويل الحروب الخارجية بالاستدانة بدلا من رفع الضرائب يعفي الأمريكيين الأكثر ثراء بسهولة، بل يسمح لهم بزيادة ثروتهم عن طريق إدانة الحكومة الفيدرالية، والحصول على فوائد، ما يزيد من حدة التفاوت الاقتصادي القائم”.

 

ويقول الكاتب: “وأخيرا، لو كانت هناك استراتيجية أكثر التزاما لما سولت للقيادات الأمريكية أن يلجأوا للتعذيب، وتسليم المشتبه بهم بأسلوب غير عادي، ولا القتل المستهدف، ولا التجسس الإلكتروني غير المبرر، وغيرها من الأساليب التي تتناقض مع القيم الأمريكية الأساسية، وكانت ستوفر تريليونات الدولارات التي كان يمكن استخدامها في تقوية الجيش، وتوفير خدمات صحية أفضل للمواطنين الأمريكيين، وإعادة بناء البنية التحتية المتداعية، والاستثمار في تعليم الأطفال، أو التقليل من العجز الدائم في الميزانية”.

 

ويختم والت مقاله بالقول: “عندما نقول إن استراتيجيتنا كانت في معظم الأحوال فاشلة فإن ذلك لا يعني أن أمريكا فشلت في كل شيء، ولا يعني أن العالم سيكون في وضع مثالي اليوم لو اختارت أمريكا طريقا آخر، لكن عندما ينظر الشخص إلى تداعيات سياسة (الهيمنة الليبرالية) وما جلبته فلن يشك أن مقاربة مختلفة كان ستترك أمريكا وبلدانا أخرى كثيرة في وضع أفضل”.

وجهات نظر 0 comments on هل يفجر “كيان البحر الأحمر” الجديد القرن الأفريقي؟

هل يفجر “كيان البحر الأحمر” الجديد القرن الأفريقي؟

أكد مختصون بالأمن القومي في القرن الأفريقي أن الاتفاق الذي تم توقيعه بالرياض بين الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي باستثناء إريتريا، تحت مسمي “كيان البحر الأحمر وخليج عدن”، يأتي ضمن عدة تسويات دولية وإقليمية يتم تنفيذها في هذه المنطقة الملتهبة، التي يعبر من خلالها 13% من إجمالي التجارة العالمية.

ويشير الخبراء إلى أن تبني السعودية للكيان الجديد يأتي ضمن عدة تحركات سابقة لحماية الأمن بالبحر الأحمر ضد التهديدات الإيرانية، كما أنه يأتي كخطوة سابقة في حال التوصل لأي تسويات لإنهاء الأزمة اليمنية الراهنة.

وكان وزراء الخارجية ومسؤولون بارزون بسبع دول مطلة على البحر الأحمر أعلنوا مساء الأربعاء بعد اجتماع مطول بالرياض تأسيس “كيان البحر الأحمر”؛ بهدف تعزيز الأمن والاستثمار والتنمية بالدول المشاطئة للبحر الأحمر.

ووفقا لبيان الخارجية السعودية، فإن الكيان الجديد يضم مصر والسعودية والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، وسوف يقوم بحماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية، ويعزز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض، وأنه جاء بمبادرة من العاهل السعودي الملك سلمان لتحقيق الاستقرار بهذه المنطقة.

وتشير معلومات حصلت عليها “عربي21” إلى أن الكيان موجه في الأساس لفرملة التوسع الإيراني والتركي والقطري بالبحر الأحمر، وأنه من المقرر أن يجتمع فريق من الخبراء الأمنيين بالدول المشاركة في الاتفاق الجديد بالقاهرة خلال الأسبوع المقبل، لوضع خطة العمل الفنية والتنفيذية لشكل الكيان وحركته على أرض الواقع.

وفي تعليقه لـ”عربي21” على الكيان الجديد، يؤكد الخبير بشؤون الأمن القومي عبد المعز الشرقاوي، أن تشكيل هذا الكيان الهدف الأساسي منه أمني وليس اقتصاديا، كما جاء في بيان الخارجية السعودية، ومن خلال المشاركين بالاجتماع الذي سبق إعلان تأسيس الكيان، يتضح أنه تم الاتفاق على تولي السعودية الإنفاق على القوة العسكرية المقترحة التي سوف تقوم بحماية التجارة المارة بالبحر الأحمر، على أن تقوم مصر بمسؤولية التنفيذ.

ويري الشرقاوي أن هناك خطوات بدأتها مصر والسعودية استبقت الإعلان عن هذا الكيان، منها المفاوضات التي رعتها الرياض في أيلول/ سبتمبر الماضي بين إثيوبيا وإريتريا بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ومفوض الاتحاد الأفريقي ووزير خارجية الإمارات؛ لتثبيت المصالحة بين البلدين من جانب، والضغط عليها لوقف التعاون مع تركيا وقطر وإيران من جانب آخر.

وعلى الصعيد المصري، يضيف الشرقاوي أن التدريبات العسكرية التي تجريها القوات المسلحة المصرية مع نظيرتها الأردنية، تحت عنوان “مناورات العقبة”، تصب في هذا الإطار، وكذلك التحركات البحرية المصرية المتواصلة في البحر الأحمر تحت غطاء العملية العسكرية سيناء 2018.

ووفقا للمختص بالأمن القومي، فإن الكيان الجديد يعد بديلا للناتو العربي الذي تم طرحه أكثر من مرة، لمواجهة إيران وحماية الخليج العربي، كما أنه يعكس الرغبة المصرية بالمشاركة في تحالف إقليمي، ليس موجها بشكل مباشر ضد إيران، ويحظي بدعم أمريكي وإسرائيلي، وهو ما يتحقق في الكيان الجديد، الذي تتبناه السعودية ومن ورائها الإمارات، اللتان تعتبران ساحل القرن الأفريقي امتدادا لأمنهما القومي، وتعملان بكل جهد لعدم وجود سيطرة بديلة لهما في هذه المنطقة الهامة.

ويتفق الباحث المختص بالقرن الأفريقي، مصطفي عدنان، مع أن الهدف الأساسي من الكيان الجديد تأمين الممرات التجارية، ومداخل قناة السويس، ومضيق باب المندب، من التهديدات الإيرانية، سواء عن طريق الحوثيين باليمن، أو نتيجة التهديدات الصريحة لطهران بأنها ستمنع تصدير النفط لباقي دول المنطقة إذا تم منعها من تصدير نفطها.

ويضيف عدنان لـ”عربي21” أن الاتفاق شهد غياب دولتين مؤثرتين في أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهما إريتريا المطلة مباشرة على البحر الأحمر، وإثيوبيا صاحبة التأثير الأكبر في منطقة القرن الأفريقي، رغم أنها لا تطل على سواحل البحر الهام، وهو ما يمثل أزمة يمكن أن تشهدها هذه المنطقة الساخنة إذا ما لجأت الدول الأخرى من أصحاب المصالح بالبحر الأحمر، مثل تركيا وإيران وقطر، لتشكيل كيان مواز يضم إريتريا وإثيوبيا.

ويؤكد عدنان أن إريتريا لها ساحل يمتد لمسافة 1150 كم علي البحر الأحمر، بالإضافة لجزر عديدة هامة تتحكم في منطقة القرن الأفريقي بشكل كبير، ومعظم هذه الجزر مؤجرة لتركيا وقطر وإسرائيل والإمارات، كما أن الرياض تتهم إثيوبيا بأنها بمثابة مركز إيراني لدعم الحوثيين باليمن لوجيستيا، وبالتالي فإن أي تحرك أمني أو عسكري للكيان الجديد بهذه المنطقة، يمكن أن يستفز الآخرين، ويحول مياه البحر الهادئة لساحة من الصدام.

وحسب رؤية المختص بالقرن الأفريقي، فإن السعودية تتخذ من كيانها الجديد رأس حربة لتحجيم النفوذ الإيراني بالقرن الأفريقي، باستقطاب دول مثل الصومال وجيبوتي والسودان، التي لها مصالح مشتركة مع إيران، مستخدمة ورقة المساعدات والتنمية؛ لإجبارها على تقليص هذا التعاون، وجعله في أضيق نطاق، إذا كان يستحيل إنهاؤه كليا.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on المشروع السياسي الجديد للشاهد : اجتماعات جهوية تحضيرية لاستقطاب قواعد النداء .. و أطراف من آفاق تونس و المسار و المشروع على الخط

المشروع السياسي الجديد للشاهد : اجتماعات جهوية تحضيرية لاستقطاب قواعد النداء .. و أطراف من آفاق تونس و المسار و المشروع على الخط

منية العيادي
تسعى جميع الأطراف المنضوية تحت كتلة الإئتلاف الوطني و الأطراف الداعمة ليوسف الشاهد هذه الأيام إلى إخراج المشروع السياسي الجديد أو حزب الإئتلاف الوطني إلى النور قريبا مع انطلاق الاجتماعات التحضيرية منذ الأسبوع المنقضي في ولاية سوسة التي احتضنت أول الاجتماعات و اللقاءات الاستشارية حول تفاصيل هذا المشروع السياسي و التي تمّت مناقشتها بحضور سليم العزابي و نواب الجهة في كتلة الائتلاف زهرة ادريس و حافظ الزواري و أحمد السعيدي في انتظار التوجه إلى بقية الولايات.
تحضيرات و اجتماعات جهوية بدأت من سوسة لتشمل كافة الجهات
الاستعدادات للاعلان عن الحزب مازالت في مرحلة التقييم و كانت الاجتماعات التحضيرية قد انطلقت من و لاية سوسة ثم بنزرت في انتظار التوجه إلى ولايات الشمال الغربي هاته الأيام  لتشمل كل جهات الجمهورية  مثلما صرح بذلك رئيس كتلة الائتلاف الوطني مصطفى بن أحمد .
و كان أول اجتماع عقد الخميس الماضي بسوسة بحضور مدير الديوان الرئاسي السابق سليم العزابي و مجموعة تتكون من 120 مناضلا شاركوا في الانتخابات التشريعية لسنة 2014، تم خلاله بإجماع الحاضرين الإقرار بأن حزب نداء تونس لديه أمل ضعيف جدا للمواصلة في المرحلة السياسية القادمة و أبدوا رغبتهم في الانسحاب من نداء تونس و الانضمام إلى كتلة الائتلاف الوطني.

الاجتماع حضره أيضا عدد من أعضاء الحكومة من المحسوبين على نداء تونس و منهم رضوان عيارة و محمد زين العابدين و شكري بن حسن و يقرأ من ذلك أن مشروع الحزب الجديد يسعى إلى استقطاب أبناء النداء و أنصاره و قواعده في الجهات خاصّة و أن هياكل النداء في الجهات انشق عنه جزء كبير منها في الأشهر الثلاث الماضية و أعلن دعمه للشاهد، و منها هياكل بن عروس و القصرين و الكاف و بنزرت، حيث تتالت البيانات الصادرة عن أعضاء من هذه الهياكل معلنة رفضها لتمشي قادة الحزب و دعمها للشاهد الذي تراه الأنسب لتمثيل التوجه الذي بني عليه النداء من البداية .

 

 عملية بناء الحزب ستنطلق من قواعد النداء الذين تمّ إقصاؤهم … و آفاق تونس و المسار و المشروع على الخط

يسعى المشروع السياسي الجديد من خلال اجتماعاته الجهوية التي ستكون بشكل مكثف في المرحلة القادمة ، إلى استقطاب قواعد النداء التي تم إقصاؤها من الحزب و التي على استعداد للمشاركة في عملية إعادة البناء و أيضا أطراف العائلة الوسطية و المنتمية سواء لحزب آفاق تونس أو المسار أو أي أحزاب وسطية أخرى تريد أن تنخرط في هذا المشروع السياسي  وفق تصريح رئيس كتلة الائتلاف بالبرلمان مصطفى بن أحمد.

و أضاف بن أحمد أيضا أن كتلة الائتلاف الوطني ستركز على الشخصيات القريبة من رئيس الحكومة ممن كانوا في نداء تونس أو ممن وقع تجميدهم من طرف شق حافظ-سليم الرياحي كما سيكون هنالك تعامل وثيق مع حركة مشروع تونس مشيرا إلى أنّ القيادات ستفرزها الندوة الوطنية التي ستقام بعد انتهاء الاجتماعات الجهوية و هي التي ستحدد الارضية و الأهداف و الشكل التنطيمي لهذه الحركة.

كما أبرز أن الحزب لا يبحث عن القيادة الفردية بل يطمح إلى العمل الجماعي .

 

أطراف من التجمع داخل الحزب أبرزها الأمين العام السابق للحزب عبد الرحيم الزواري

 

تداولت عديد المواقع الصحفية صورا للأمين العام السابق للتجمع المنحل عبد الرحيم الزواري اثر أول اجتماع تحضيري لحزب الشاهد الجديد في سوسة كما أدرجت عديد التضريحات الإعلامية أن الزواري يمثل أحد الاشخاص الرئيسيين الذين يحركون حزب الشاهد الجديد و كان أحد عرابي التحالف بين الشاهد و النهضة .

إضافة إلى شخصيات تجمعية أخرى بارزة ينتطر أن يتم الكشف عنها خلال الندوة الوطنية للحزب.

الشاهد على رأس المشروع السياسي الجديد ؟

من الممكن أن يكون مدير الديوان الرئاسي السابق سليم العزابي مؤقتا الرجل الأول على رأس حزب الإئتلاف الوطني نظرا لمسؤوليات الشاهد الكبرى على رأس الحكومة حيث أشار النائب عن كتلة الإئتلاف الوطني وليد جلاّد إلى أنّه تمّ عرض الفكرة على يوسف الشاهد و لكنّه مازال يفكّر في الأمر  مضيفا أن الشاهد يعتبر أنّ ” أولويته الحالية تتمثّل في وضع البلاد على السكة” و الحفاظ على التوازن السياسي للبلاد.

من جهتها شددت النائب ليلى الشتاوي على أن الشاهد لديه اليوم كل الحظوظ ليكون على رأس هذه “الديناميكية الجديدة” .

قائلة إنّ  “هذا الشاب” هو من قاد هذه الديناميكية و لديه كل الحظوظ لقيادة هذا المشروع السياسي الجديد لكتلة الائتلاف الوطني.

 

نداء تونس يستعدّ ل”طرد” يوسف الشاهد و الموالين له

بينما يعكف يتجهز يوسف الشاهد و الموالين له على وضع اللمسات الأخيرة للاعلان عن مشروعهم السياسي الجديد في غضون أيام يدرس نداء تونس قرار طرد الشاهد بصفة رسمية من الحزب بعد أشهر من تجميد عضويته، حيث من المنتظر أن تجتمع لجنة النظام الداخلي للنداء هذا الأسبوع وفق ما أكدته بعض المصادر الإعلامية و التي أشارت إلى أن اللجنة ستنظر أيضا في موضوع الوزراء المنتمين للحركة و الذين رفضوا الانصياع إلى قرارات الحزب و خيروا البقاء في الحكومة على الاستقالة و العودة إلى بيت “الطاعة”.

و وفق حركة نداء تونس فإن وجود يوسف الشاهد في الحزب لم يعد له أي داع لعدة أسباب أهمها احتدام الصراع بينه و بين رئيس الهيئة السياسية للنداء حافظ قائد السبسي و كذلك مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي و التي تشهد علاقتهما توترا منذ فترة و زادت سوءا بعد التحوير الوزاري الأخير الذي قام به الشاهد دون إعلامه، و كرد فعل في خطوة أولى انطلق بإعلان تجميد عضويته في سبتمبر المنقضي و إحالة ملفه الى لجنة النظام وفقا لأحكام الفصول 59 و 67 و 69 من النظام الداخلي للحركة و السبب “الخروج عن الخط الحزبي”، لتكون الخطوة الموالية الطرد الرسمي.

 

 

البارزة, وجهات نظر 0 comments on ماذا بعد قرار المحكمة العسكرية بحفظ شكاية الرياحي و التلويح بتتبعه قانونيا ؟

ماذا بعد قرار المحكمة العسكرية بحفظ شكاية الرياحي و التلويح بتتبعه قانونيا ؟

منية العيادي

 

يبدو أن الأمين العام لحزب نداء تونس سليم الرياحي وجد نفسه اليوم وحيدا أمام نتائج و تداعيات قضية ما يعرف بالانقلاب على رئيس الجمهورية و التي اتهم فيها رئيس الحكومة يوسف الشاهد و مدير الديوان الرئاسي السابق سليم العزابي و مدير الأمن الرئاسي العميد رؤوف مرادع و الناشط السياسي و الوزير الأسبق لزهر العكرمي بحياكة مؤامرة للانقلاب على رئيس الحمهورية و الإطاحة به و التآمر على أمن الدولة الداخلي .

فقد أعلنت الوكالة العامة لادارة القضاء العسكري اليوم الاثنين 10 ديسمبر 2018، أنها قررت حفظ الشكاية التي رفعها الرياحي متعهدة بتتبعه قانونيا  .

و استندت الوكالة العامة لادارة القضاء العسكري في بلاغ صادر عنها اليوم في قراراها إلى “مغادرة الشاكي أرض الوطن و عدم حرصه على المثول أمام القضاء للإدلاء بشهادته و تقديم مؤيداته في ما ادعى من وجود مخطط للانقلاب و من تآمر على أمن الدولة الداخلي”.

و ذكّرت بأن الرياحي تخلّف مرتين عن الحضور لدى قاضي التحقيق المتعهد بالقضية حين استدعى الشاكي يوم 30 نوفمبر قصد سماعه في ما ادعاه و الاطلاع على مؤيداته و “تخلف عن الحضور متعللا بتواجده بالخارج لارتباطات مهنية” ثم يوم 6 ديسمبر 2018 حين “تخلف مجددا بتعلة تعرضه لوعكة صحية حسب ما أفاد بذلك محاميه”.

 

و بينما بدا جليا للعيان أن رئاسة الجمهورية و حزب نداء تونس أيّدا بشكل كبير القضية التي رفعها الرياحي خاصة في البداية، إلا أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بحفاظه على مدير الأمن الرئاسي أظهر تجاهله للأمر و ربما أدار ظهره للرياحي.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد  فقد سبق أن أفاد المنسق العام لنداء تونس أنّ النداء لم يتبنّ القضية التي رفعها الرياحي ضدّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتهمة الانقلاب مضيفا أنّ الرياحي قدم القضية بصفته الشخصية لكن الحزب طلب فقط التسريع في البت فيها لجدية الموضوع يأتي هذا بعد أن صرحت الناطقة الرسمية للنداء أنس الحطاب في وقت سابق بأن نداء تونس “تبنى سياسيا القضية التي رفعها الرياحي ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد و التي يتهمه فيها بالاعداد لانقلاب ضد الحزب و ضد رئيس الجمهورية” .  

 

و تجدر الإشارة إلى أن سليم الرياحي لا يزال خارج أرض الوطن وسط عديد التخمينات التي تقول بأنه فارّ و لن يعود بسبب قضية اختلاس أموال ستقوده إلى السجن إذا عاد حسب ما صرّح به الناشط السياسي و الوزير الأسبق الأزهر العكرمي  و هو أحد المتهمين الرئيسيين في “التخطيط” المزعوم للإنقلاب و الذي سبق أن سفه فكرة “الإنقلاب” و اعتبرها مسرحية سمجة لا تقنع أحدا.

و يذكر أن الرياحي رفع يوم الجمعة 23 نوفمبر 2018 المنقضي قضية اتّهم فيها رئيس الحكومة يوسف الشاهد وعددا ممن أسماهم بأعوانه بالتخطيط لتنفيذ انقلاب على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مؤكّدا أن ما أسماه بـ”الانقلاب” ساري المفعول و تم على مستوى البرلمان و أنه ان سيحدث في مستوى الحزب الحاكم لكنه فشل.

و أوضح أنّ مخطط الانقلاب كان ينصّ على أنه في صورة لم ينجح تنفيذه بسلاسة يتم اللجوء إلى أطراف حاملة للسلاح على حدّ تعبيره، معتبرا أنّ “أطرافا متعددة منها المغرّر بها و منها المتعاونة” قال إنها “تعمل بعقلية عصابات في السلطة تورّطت في مخطّط الانقلاب”.