وجهات نظر 0 comments on لماذا اهتزت العلاقة بين النهضة و السبسي ؟ .. بقلم سمية الغنوشي

لماذا اهتزت العلاقة بين النهضة و السبسي ؟ .. بقلم سمية الغنوشي

الكثير من مراقبي تونس ومحبيها المشفقين على تجربتها الديمقراطية الوليدة، باتوا يتساءلون بشيء من الاستغراب المشوب بالقلق عن سر التقلب الفجائي في مواقف الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي من النهضة وسبب تعثر، إن لم نقل اهتزاز، ما عرف بخيار التوافق (خصوصا ببن “الشيخين”، أي الغنوشي والسبسي) الذي صمد في وجه عديد الهزات والتقلبات.

ما الذي حصل؟ وما الذي جعل الأمور تتجه إلى التوتر والتصعيد على مستوى الخطاب والسلوك السياسيين للنخبة التونسية في الأشهر الأخيرة؟ 

بدأت نذر الأزمة السياسية تلوح في الأفق منذ أن أصر رئيس الجمهورية على الإطاحة برئيس حكومته، يوسف الشاهد، في إطار ما عرف بمبادرة قرطاج 2.
 
كان العنوان الظاهري لمبادرة قرطاج 2 تقييم المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية لعمل الحكومة.

إلا أن الهدف المضمر والحقيقي من وراء كل ذلك، كان إبعاد الشاهد عن رئاسة الحكومة، بعد احتدام الصراع بينه وبين نجل الرئيس، حافظ قايد السبسي، الذي استلم قيادة نداء تونس في أجواء أزمات داخلية عصفت بحزب الرئيس.

ورغم أن وثيقة قرطاج 2، التي تمخضت عن اجتماعات الحوار بين مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، تضمنت 64 نقطة تلخص برنامج الحكم للمرحلة القادمة تم الاتفاق على 63 منها، إلا أنه تم التشبث بالنقطة الأخيرة التي وردت في ذيل الوثيقة.

مربط الفرس إذن، كانت النقطة 64 التي تضمنت تغيير الحكومة، وكان الغرض الرئيسي من بقية الفصول التغطية على هذا المطلب، لا غير.  

ما زاد في إصرار الباجي على تغيير حكومة الشاهد هو تقدم النهضة في الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في شهر مايو من السنة الجارية، على حساب حزب الرئيس الذي أسّسه ومازال يرعاه من قرطاج ( نداء تونس).

ولّد هذا الفوز النهضاوي غيضا مكتوما في نفس الرئيس، وحرّك شعورا متناميا لديه بأن سياسة الاحتواء الهادئ التي سلكها مع النهضة لم تؤت أكلها. 

لذا لا يمكن قطع الطريق عن تثبيت النهضة موقعها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي يفترض أن تنعقد بعد عام من البلدية التي سبقتها (خريف 2019)، إلا عبر الإطاحة بيوسف الشاهد وتفجير كل الألغام المتاحة في وجهها: من التنظيم الموازي، إلى التورط في الاغتيالات، إلى معركة المساواة في الإرث، والحبل على الجرار.

انتقل السبسي إذن من سياسة الاحتواء الانتخابي إلى التحجيم السياسي، عبر الضغط الإعلامي والنفسي، استعدادا للمحطات القادمة. وكان ذلك متزامنا مع اتهام يوسف الشاهد بتدبير انقلاب مزعوم على رئيس الدولة.  

 

“رسائل الباجي للنهضة واضحة،: إما أن تقبلوا الإطاحة بالشاهد.. أو الويل و الثبور”
رسائل الباجي للنهضة واضحة، سواء تلك التي يوجهها عبر الإعلام أو في المجالس المغلقة، وهي الآتي: إما أن تقبلوا الإطاحة بالشاهد وتطلقوا يدي في تشكيل حكومة جديدة على المقاس، أو الويل والثبور: حرب باردة وساخنة بلا هوادة، تشهر فيها كل الأسلحة في وجوهكم، بما في ذلك بث الفوضى وتحريك المطلبية الاجتماعية، واحتجاج الشارع والاتهام بالتنظيم الموازي، وغيره كثير. 

لا يمكن فهم ملابسات اهتزاز العلاقة بين الباجي قايد السبسي والنهضة بمعزل عن هذا السياق السياسي العام. فقد رأى السبسي في الأخيرة عقبة كأداء أمام إزاحة يوسف الشاهد عن سدة القصبة، بعد أن صمم على التخلص منه تحت غطاء مبادرة الحوار الوطني لتقييم عمل الحكومة.

ولأن النهضة تمتلك الكتلة الأكبر في البرلمان، ولا يمكن الإطاحة بالشاهد وحكومته من دون مصادقة كتلتها، فقد اعتبر الباجي إصرارها على مقولة الاستقرار الحكومي، ثم تزكية الفريق الحكومي الجديد تحديا صارخا له وخطيئة لا تغتفر. 

حاول الباجي أن يذهب بعيدا في صراعه مع النهضة، زاعما أن العلاقة قد انقطعت بطلب منها. وحينما لم ينل مبتغاه: أي الإطاحة بالشاهد بأيدي النهضة والإتيان بوزير حكومة جديد حسب الطلب (يشرف هو على معركة تحجيم النهضة، في نظام شبه برلماني جل الصلاحيات فيه بيد الحكومة والبرلمان)، انتقل إلى استخدام المدفعية الثقيلة بتحريك لجنة الدفاع عن اغتيال بلعيد والإبراهمي المرتبطة بالجبهة الشعبية (ائتلاف لأحزاب يسارية وقومية عرفت بشدة عدائها للنهضة)، لتقوم بدور التحريض والاتهام المتكرر بالاغتيال.   

وهي لعمري من المضحكات المبكيات، فالكل يدرك أن النهضة كانت ضحية هذه الاغتيالات أصلا، وهي التي دفعتها لتسليم الحكومة لفريق من التكنوقراط، في خضم أزمة سياسية خانقة عصفت بالبلاد عام 2013.

ولو كان من صحة لزعم تورط النهضة، فلم يتم إشهاره في وجهها الآن بالذات، بعد التوافق والتحالف معها طيلة ثلاث سنين، وقد أشرف من يطلقها اليوم على نهاية فترته الرئاسية؟! 

ثم خرج علينا بقصة التنظيم الموازي الذي زعم أن النهضة تديره، بغية خلط الأوراق وإرجاع الصراع إلى المربع الأمني، بدل أن يبقى في نطاقه السياسي، وهو الأسلوب ذاته الذي اعتاده نظام بن علي في التعاطي مع حركة النهضة منذ بداية التسعينيات ولأكثر من عقدين من الزمن.

بالتوازي مع هذه المعركة، عمل الباجي على إعادة توجيه السياسة الخارجية التونسية صوب المحور السعودي- الإماراتي وإخراجها عن خط الحياد التقليدي.

ومن ذلك استقبال محمد بن سلمان وإعادة تجديد خيوط الوصل بالإمارات، وتوثيق العلاقة بالجنرال حفتر في ليبيا وبكل القوى المعادية للربيع العربي.

 

“حاولت جهات في قرطاج امتطاء مركب النقابات لإسقاط الحكومة”
هذا المحور الذي ما انفك يتربص شرا بالتجربة التونسية ويراها خطرا على وجوده، فمجرد استمرارها برهان على أن الديمقراطية ممكنة في عالم عربي مبتلى بالديكتاتوريات والفتن والحروب.

وعلى الجهة الأخرى، حاولت جهات في قرطاج امتطاء مركب النقابات لإسقاط الحكومة، وقد بدا ذلك جليا في حضور قيادات سياسية لنداء تونس، في إضراب قطاع الوظيفة العمومية الذي شنه الاتحاد العام التونسي للشغل يوم  22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ثم محاولة تأجيج الأجواء تمهيدا لتحريك عوامل الاحتجاج والغضب، ومن ثم إسقاط الحكومة بالشارع، بعد استنفاد كل الوسائل السياسية المتاحة.

في محاولة الذهاب بهذا الصراع إلى حده الأقصى، استدعى الباجي على عجل مجلس الأمن القومي لاتخاذ قرارات ضد النهضة، بزعم تهديدها للأمن القومي، فلقي صدا وإعراضا من رئيس الحكومة، لأن هذا الأخير يدرك تمام الإدراك أن القصد من كل ذلك، هو رفع الغطاء السياسي عن الأحزاب الداعمة له، وفِي مقدمتها النهضة. 

كما أن الباجي لم يقبل بعد، أن الحزب الذي أسسه في الأصل لمواجهة الترويكا، وتحديدا النهضة، قد بات منهكا ممزقا بالصراعات الداخلية ولم يعد يقوى على منافسة غريمه سياسيا وانتخابيا، مما زاد في توتره وحنقه ودفعه لاستخدام كل أوراق الضغط والانخراط في معركة كسر العظم التي نشهدها اليوم. 

لكن لو نبشنا قليلا خلف السطح الظاهري للأزمة، لرأينا أن مشكلة ساكن قرطاج التسعيني مزدوجة، فهو لم يهضم بعد تركيبة النظام السياسي الذي يقيد يديه عن فعل كل ما يريد، ومن ذلك الصلاحيات الواسعة الممنوحة للبرلمان ورئاسة الحكومة. لذا خاطبه الشاهد مذكرا في أوج الصراع تحت قبة البرلمان: لست وزيرا أول في نظام رئاسي، أنا رئيس حكومة ونظامنا شبه برلماني!

 

“مشكلة الرئيس التونسي أنه بات يدير السياسة مدفوعا بانفعالات الغضب والرغبة في تصفية الحسابات” 

الباجي ببساطة لم يقبل بعد أن دستور الثورة 2014 قد وزع السلطة ومنحه صلاحيات محددة في إدارة السياسة الخارجية والدفاعية، ولم يسمح له بالتدخل في كل ملفات الحكم. 

ثمة هوة كبيرة في تونس بين ثقافة سياسية مغرقة في المركزية والشخصانية، وواقع سياسي غيرت الثورة قدرا كبيرا من معطياته السياسية والتشريعية.

من ذلك التوجه نحو توزيع السلطة بدل مركزيتها بين يدي جهة واحدة، وهو ما يفسر تبرم الباجي والمحيطين به في قرطاج من دستور الثورة، وما يعتبرونه عيوبا قاتلة في نظام سياسي يكبل أيديهم، فيحملونه وزر كل مطبة تعترضهم.

مشكلة الدستور في أعينهم هو توزيعه السلطة بين البرلمان والحكومة والرئاسة، في إطار من التوازن النسبي للسلطات، والأصل عندهم أن تجتمع بيد الرئيس، فقط لأنه هو الرئيس وساكن القصر!

وفعلا، كانت هذه الروح التي سكنت دستور الثورة وحركت واضعيه؛ إدراكا لشرور النظام الاستبدادي وسعيا لمعالجة علل حكم سياسي فردي مركزي، هيمن على كل صغيرة وكبيرة في البلاد منذ استقلالها عام 1956. 

مشكلة الرئيس التونسي أنه بات يدير السياسة مدفوعا بانفعالات الغضب والرغبة الجامحة في تصفية الحسابات، بدل الالتزام بمنطق الروية والحكمة الذي سلكه منذ سنة 2014، ويرتد إلى منطق الاستئصال القديم، في معركة صفرية حادة ملخصها: أنا أو الطوفان. 

لا شك أن هذه السياسة التي يصر الرئيس على انتهاجها، ستكون لها تداعيات سلبية على المشهد السياسي وعلى صورة البلد، وربما عرضت تجربتها الديمقراطية إلى بعض الاهتزاز.

لكن، واهم من يحسب أن المعادلات السياسية داخليا وخارجيا تتيح للرئيس أن يجترح ما يشاء، لأنه لم يعد من السهل إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الثورة، والتصرف وكأن شيئا لم يكن، والتلذذ بسؤال إمكانية حل النهضة من عدمه.

 

“السياسة التي يصر الرئيس على انتهاجها ستكون لها تداعيات سلبية على المشهد السياسي و على صورة البلد”
ثم لا أحد من العارفين بالنهضة، مشرقا ومغربا، يأخذ اتهامات الباجي بالتنظيم الموازي مأخذ الجد، فالنهضة هي نموذج الاعتدال والمرونة في محيط إسلامي بالغ التأجج والتوتر.

يبقى الأمل، في نهاية المطاف، أن يتغلب منطق الحكمة ولغة العقل على الانفعالات وإغراءات الغريزة، وهو الأفضل لتونس ومستقبل تجربتها في التحول الديمقراطي الهادئ السلمي.

ما يبعث على التفاؤل، هو أن النخبة السياسية في هذا البلد، اعتادت الوقوف على شافة الهاوية تطالع قاعها الأسود السحيق حينا، قبل أن تثوب لرشدها وترتد خطوات إلى الخلف صوب التسويات والتوافقات.

وجهات نظر 0 comments on واشنطن بوست: هل يمكن لليسار العالمي أن يقف ضد ترامب؟

واشنطن بوست: هل يمكن لليسار العالمي أن يقف ضد ترامب؟

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للصحافي إيشان ثارور، يقول فيه إن حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاء تتويجا لفترة رهيبة من إعادة تشكيل السياسة العالمية.

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن الحركات اليمينية في الغرب، وبالذات في أوروبا، هاجمت النظام الدولي الحالي بأعلى صوتها، و”حققت أرباحا كبيرة”، فحققت مكاسب انتخابية، بتركيز غضبها على مخاطر العولمة والاستياء الشعبي منها.

ويلفت ثارور إلى أن هذه الظاهرة تكررت مرة أخرى هذا الأسبوع، حيث أشار المعلقون اليمينيون في طرفي الأطلسي إلى أن المظاهرات في فرنسا هي دليل إضافي على أن الشعب في خلاف مع النخبة الليبرالية البعيدة عن الواقع المعاش، مشيرا إلى أن هذا المزيج من الخبراء والسياسيين يحتج بأن ضريبة الكربون التي اقترحتها حكومة ماكرون هي دليل على تهور “العولمة” التي يتبناها سماسرة السلطة.

ويقول الكاتب: “حتى ترامب شارك في ذلك، مشيرا إلى أن المشكلات التي يعاني منها ماكرون تثبت أن اتفاقية المناخ في باريس كانت فاشلة، (وليس مهما أن الغضب تجاه الرئيس الفرنسي يتعلق بالطريقة التي يحكم فيها، وليس حول الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي)، وقام أيضا بإعادة نشر تغريدة مضللة من أحد مؤيديه، فادعى أن المتظاهرين يهتفون باسم ترامب، وأنهم غاضبون من أجندة (ماكرون) الاشتراكية، (بغض النظر عن كون أحد أسباب انتقاد المواطنين الفرنسيين لماكرون هو أنه ليس اشتراكيا بما فيه الكفاية)”.

وينوه ثارور إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كرر نظرة البيت الأبيض للأمور خلال خطابه في بروكسل، فسخر من بيروقراطيي الاتحاد الأوروبي، وتعدد الثقافات التي ينادي به أشخاص مثل ماكرون، وقال بومبيو: “مهمتنا هي أن نفرض سيادتنا قبل النظام العالمي، ونريد من أصدقائنا أن يساعدونا في فرض سيادتهم أيضا.. نصبو لأن نجعل النظام العالمي يخدم مواطنينا، لا أن يتحكم فيهم، وتنوي أمريكا أن تقود الآن ودائما”.

ويفيد الكاتب بأن حزب بومبيو، الحزب الجمهوري، كان في السابق أول من يرحب بالسوق الحرة، ونفوذ رأس المال الأمريكي العابر للحدود، ورؤية الحرية الاقتصادية خلف الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنه الآن تراجع في ظل حكم ترامب تحت راية قومية الدم والتراب، ليكون صدى لسياسة اليمين المتطرف الأوروبي، بدلا من مؤسسة اليمين الوسط التقليدية للقارة الأوروبية.

ويبين ثارور أنه ردا على ذلك، فإن الديمقراطيين الوسط، مثل المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، حثوا حلفاءهم في أوروبا وأمريكا بأن يميلوا نحو اليمين في موضوع الهجرة؛ وذلك لئلا يتهموا بأنهم يشجعون الهجرة الجماعية، في الوقت الذي يعتقد فيه آخرون بأن من الجنون أن يسمحوا لليمين بأن يفرض شروط الحوار.

وتنقل الصحيفة عن عضوة مجلس النواب براميلا جايابال (ديمقراطية عن واشنطن)، قولها: “يجب علينا أن نقول ما نعتقده بوضوح بأن شعبنا له الحق في السيطرة على من يدخل ويخرج عبر حدودنا.. وأن نسقط الفزاعة التي يستخدمها الجمهوريون، التي تقول بأن أي ديمقراطي يؤمن بإصلاح نظام الهجرة، ويدعو لسياسات إنسانية، فإنه يؤمن في الواقع بـ(حدود مفتوحة)”.

ويستدرك الكاتب بأنه “أبعد من المعارك حول الحدود، فإن منافسي ترامب وبومبيو في أمريكا يجدون صوتهم السياسي في الخارج، فقد ترأس بيرني ساندرز اجتماعا للقيادات اليسارية في فيرمونت، ساندرز الذي تحتمل منافسته للترشح للرئاسة في انتخابات 2020، أصبح في الأشهر الأخيرة أكثر صراحة في الشؤون الدولية، محذرا من تكون (محور استبداد) في السياسة العالمية يتطلب ردا تقدميا موحدا”.

ويقول ثارور: “أشار زميلي ديف ويغل، الذي حضر النشاط بأن (الموضوع الرئيسي خلال اللقاء كان حول فشل اليسار الدولي في التنظيم بفعالية مثل اليمين القومي)، وكانت انتصارات القوميين المتطرفين ألقت بظلالها على أعمال الاجتماع، بما فيها انتصار الزعيم اليميني المتطرف الإيطالي ماتيو سالفيني، الذي يتولى منصب نائب رئيس الوزراء حاليا، وكذلك القومي اليميني المتطرف جير بولسونارو في البرازيل، وفي كلتا الحالتين، أدى قلق الناخبين حول توجهات بلدانهم بعد الأزمة المالية إلى اختيارهم أكثر المرشحين معاداة للمؤسسة”.

وتورد الصحيفة نقلا عن السياسي اليساري فرناندو حداد، الذي هزمه بولسونارو، قوله لويغل بأن البرازيل “تحصد نتائج فشل المشروع النيوليبرالي”، وقد ربط الحزب اليساري الحاكم في البرازيل سابقا بالفشل، مشيرة إلى أن الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية تراجعت في أماكن أخرى في الغرب، بعد الأزمة المالية لعام 2008، فيما فشل زعماء تلك الأحزاب في إقناع الناخبين الغاضبين بسبب الوضع الاقتصادي، الذي اعتبر تيار اليسار الوسط مسؤولا عنه.

ويجد الكاتب أن “هذا قد يتغير؛ لأن ساندرز وجماعته قاموا بمناقشة طرق لبناء شعبوية لا تحتاج إلى الاختباء خلف شعارات، ولا إثارة المخاوف من المهاجرين”.

وتذكر الصحيفة أن يانيس فاروفاكيس، وهو وزير مالية اليونان السابق، الذي حضر اجتماع فيرمونت، كتب في مقال له في وقت سابق من هذا العام: “نحتاج أن نثبت بأن الطريقة الوحيدة التي يمكن للأكثرية فيها استعادة السيطرة على حياتنا، ومجتمعاتنا، ومدننا، وبلداننا هي من خلال تنسيق نضالنا على محور الصفقة الدولية الجديدة.. حيث لا يمكن أن يسمح لرؤوس الأموال العالمية بأن تمزق مجتمعاتنا كل ممزق، يجب علينا الإيضاح بأنه ليس هناك بلد عبارة عن جزيرة، وبالضبط كما يحتاج التغير المناخي منا العمل على المستوى المحلي والدولي، وكذلك الحرب ضد الفقر والدين الخاص والمصرفيين المارقين”.

ويشير ثارور إلى أن بحسب ويغل، فإن فاروفاكيس حث ساندرز على أن يترشح للرئاسة، بالإضافة إلى أن خطاب المرشحين المحتملين لانتخابات 2020 الرئاسية، شبيه بذلك، فربطت السيناتورة إليزابيث وارين (ديمقراطية عن ماساتشوستس) في خطاب لها مؤخرا بين تحدي عدم المساواة مع النضال السياسي ضد الفساد والاستبداد في مناطق أخرى.

وقالت وارين: “هذا المزيج من الاستبداد والفساد الرأسمالي يشكل تهديدا قويا للديمقراطية في أمريكا وفي أنحاء العالم.. إنه تهديد لأن الفساد الاقتصادي لا يعرف الحدود، وفي اقتصاد عالمي قد يوفر الفساد ميزة استراتيجية”.

ويشير الكاتب إلى أنه مثل فاروفاكيس وساندرز، فإن وارين دعت إلى ترميم العولمة، حيث يتم التفاوض على الصفقات الدولية لصالح العمال، وأعادت “الدفاع عن الديمقراطية” إلى تقوية حقوق العمال على المستوى الدولي، وإغلاق ملاذات الضرائب لأصحاب الثروات الفاحشة، وكسر احتكار الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات.

ويعلق ثارور قائلا: “كل بطريقته، تحاول وارين، ويحاول ساندرز للتوصل إلى خطة لأجندة دولية تقدمية، حيث تأمل قيادات اليسار بأن تولد هذه الإجراءات أرباحا اقتصادية تساعد كثيرا في مواجهة الأحزاب التي تلعب على مخاوف الناخبين، وتدعو للقومية اليمينية”.

ويلفت الكاتب إلى أن “هناك في أوروبا بعض قصص النجاح لليسار، بما في ذلك صعود حزب الخضر في ألمانيا، وفي أمريكا، وبالرغم من استعراضات ترامب، إلا أن سياسة معارضة الهجرة تبقى قناعة الأقلية، حيث أظهر استطلاع حديث أن أكثر من 75% من الأمريكيين يعتقدون أن الهجرة (شيء جيد)”.

ويختم ثارور مقاله بالقول: “لكن تبقى هناك قاعدة صاخبة مؤيدة لترامب، وأحزاب اليمين على أبواب تحقيق نجاحات كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية العام القادم، وبعد المظاهرات في فرنسا تراجع حزب ماكرون أمام اليمين المتطرف”.

وجهات نظر 0 comments on توقفت عند حكومة الجبالي… عتبة 3℅ في النمو الاقتصادي‎ و الحكومات المتتالية ؟

توقفت عند حكومة الجبالي… عتبة 3℅ في النمو الاقتصادي‎ و الحكومات المتتالية ؟

تونس أوروماد – عزيزة ين عمر

يواصل البرلمان مناقشة مشروع الميزانية لسنة 2019 حيث أكّد يوسف الشاهد في اليوم الأوّل لعرض الميزانية على الجلسات العامة أن الهدف هذا العام هو تحقيق نسبة نمو تقدر بـ3,1 ℅ سنة 2019 مع مواصلة التحكم في عجز الميزانية وحصره في حدود 3.9 ℅ من الناتج الداخلي الخام وحصر نسبة المديونية في حدود 70,9 ℅ من الناتج الداخلي الخام.
ويعتبر تحقيق نسبة نمو بـ3 ℅ هدف لم يتم تحقيقه منذ 6 سنوات حيث حاولت الحكومات المتعاقبة تجاوز هذه العتبة ولكنها فشلت في تحقيق ذلك.
ومن المنتظر ان تحقق الحكومة هذا العام نسبة نمو بين 2.6 و2.8 في المائة هذا العام بينما كان مسطّر في ميزانية 2018 أن تتخطى الحكومة نسبة نمو بـ3 ℅ بعد أن حقق الاقتصاد التونسي نسبة 2.2 ℅ في 2017.
وفي هذا السياق،أكّد سليم بسباس كاتب الدولة السابق لوزارة المالية وعضو مجلس نواب الشعب عن حركة النهضة أنّ غياب الاستقرار السياسي وتغير الحكومات بشكل متواصل ساهم في تراجع النمو الاقتصادي والذي بلغ 4 ℅ في 2012.
وأضاف بسباس في تصريح” لمغرب نيوز” أنّ المناخ السياسي أثّر كثيرا على الظروف الاقتصادية في البلاد وساهم في تراجع النمو الاقتصادي فضلا عن غياب الانسجام بين الأطراف السياسية التي يجب أن تكون متجنّدة من أجل دعم اقتصاد البلاد.
وأوضح بسباس أن التجاذبات السياسية تدخلت في الخيارات الاقتصادية مثل قانون التقاعد والذي سيعرض على الجلسة العامة في مجلس نواب الشعب وسيرتكز النقاش على أساس التجاذبات السياسية لا الخيارات الاقتصادية والاجتماعية.
وتسعى تونس إلى تحقيق نسبة نمو تقدّر بـ4.5 في سنة 2020 والتخفيض في نسبة البطالة إلى 12 في المائة إضافة إلى التخفيض في المديونية إلى 70 في المائة من الناتح المحلي وأن لا يتجاوز العجز في الميزانية 3 في المائة إضافة إلى التخفيض في نسب التضخّم إلى 4 بالمائة لتطبيق كل الوعود التي تعهدت بها لصندوق النقد الدولي.
وبدأ الاقتصاد التونسي هذا العام يتعافى بعد التدحرج المتسارع في السنوات بعد أن بلغت نسبة النمو في 2012 حوالي 4 ℅ خلال حكومة حمادي الجبالي، ثم تراجعت إلى 2.6 سنة 2013 حيث عرفت البلاد في ذلك العام عدم استقرار سياسي بتغيير الحكومة وحدوث الاغتيالات السياسية.
وفي 2014، حققت الحكومة 2.3 ℅ وواصل هذا النمو في تراجعه في سنة 2015 حيث بلغ 1.1 ℅ قبل أن ينخفض إلى 1℅ ليرتفع في سنة 2017 إلى 2.2 ℅.
وعانى الاقتصاد التونسي من الاستقرار السياسي والاجتماعي حيث تميزت سنة 2012 بالمطلبية والاحتجاجات وشهدت البلاد من شمالها إلى جنوبها تنظيم ألاف الإضرابات والتي أثرت سلبا توقف الانتاج وفي نفقات الدولة التي تصاعدت بشكل لافت جراء الضغوط النقابية والاستحقاقات الثورية.
وبعد انتخابات 2014،عرفت البلاد كسادا اقتصاديا غير مسبوق خاصة في ظلّ حكومة الحبيب الصيد حيث لم يرتفع النمو الاقتصادي عن 1.1 في المائة وهو رقم سلبي جدا ولا يساهم في خلق مواطن شغل أو استقطاب المستثمرين.
وفي ظلّ هذا التذبذب والصعود الاقتصادي والنزول،تسعى الحكومة التونسية إلى تحقيق نقلة في 2019 تمهيدا للوفاء بتعهداتها تجاه صندوق النقد الدولي وخاصة تجاه الشعب بعد أن قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريح سابق إن 2018 ستكون آخر السنوات الصعبة للتونسيين

وجهات نظر 0 comments on بين تمسّك الأساتذة بمبدأ المُقاطعة و رفض الوزارة سياسة المُقايضة …و “التلميذ لا حول و لا قوة له”‎

بين تمسّك الأساتذة بمبدأ المُقاطعة و رفض الوزارة سياسة المُقايضة …و “التلميذ لا حول و لا قوة له”‎

تونس أروماد- عزيزة بن عمر

أغلقت تماما لغة الحوار بين نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية وحلت محلها لغة التهديد و التصعيد و الوعيد. و امام هذه الحرب تحول التليمذ الذي لا حول له و لا قوة الى وقود للمعارك بين الطرفين ، حتى أن جهة من هذه الجهات استغلت حاجياته للتعليم و التأطير و التقييم كحجّة للمقايضة و لتقديم مطالبه ، و من أوجه المقايضة المطالبة بالزيادة في اجور المعلمين مقابل استئناف الامتحانات .

و استيقظ تلاميذ تونس صباح اليوم الاثنين ، على مدارس و اساتذة مضربين على الامتحانات ، الأمر الذي دفع بالتلاميذ للخروج أفواجا من المعهد احتجاجا على قرار الأساتذة مقاطعة الامتحانات على غرار ما تم بعدد من المعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية في معتمديات منزل بوزيان والرقاب وسيدي علي بن عون وبئر الحفي وسيدي بوزيد المدينة في حين التحق عدد اخر منهم بمقاعد الدراسة من ذلك معهد خالد بن الوليد ومعهد 2 مارس والمدرسة النموذجية في سيدي بوزيد والمؤسسات التربوية بمعتمدية السوق الجديد.

وقد عبّر عدد من الاولياء عن غضبهم من قرار مقاطعة الامتحانات وندّدوا بالتجاء الأساتذة الى مثل هذه الأساليب للضغط على الحكومة معتبرين ان التلميذ أصبح ضحية ووسيلة لتحقيق مطالب الأساتذة وطالبوا بحق التلاميذ في إجراء الامتحانات لمعرفة مستويات أبنائهم، بحسب تصريحاتهم.

في المقابل، اتّهم الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي فخري السميطي، وزارة التربية بـ”محاولة إفشال السير العادي للدروس خلال هذا الأسبوع والمراهنة على غلق المؤسسات التربوية”.

وقال السميطي في تصريح إعلامي، اليوم، إن “عدد المربّين الذين لم يستجيبوا لدعوة مقاطعة الامتحانات ضئيل جدّا، وبذلك لن تنجح الوزارة في تأمين الفروض التأليفية وبالتالي ستسعى إلى غلق أبواب المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية في وجه الأساتذة والتلاميذ”. مضيفا “نحن متمسّكون بمواصلة مقاطعة الامتحانات مع التدريس بصفة عادية”.

وتابع سنتمسّك كمربّين بانتهاج أسلوب حضاري مع مديري المؤسسات التربوية إذا رفضوا تمكيننا من ممارسة عملنا وسنلتزم بقرارنا كلّفنا ذلك ما كلّفنا”.

وكان وزير التربية حاتم بن سالم قد دعا يوم أمس الأحد خلال الجلسة العامة التي خُصّصت لمناقشة ميزانية الوزارة المذكورة الأساتذة إلى عدم مقاطعة الامتحانات، متوجّها لهم بالقول “اتعطلوا الامتحانات نطبّق القانون.. أرضاكم أو لم يرضيكم”.

و يتهم المتابعون للشأن العام في تونس نقابة التعليم باستغلال التلميذ كورقة ضغط لابتزاز الوزارة في سبيل تحقيق مطالب الأساتذة التي تتلخص في المسألة المادية من زيادات في الرواتب والمنح.

وكانت وزارة التربية قد نشرت بيانا عبرت من خلاله عن رفضها القاطع لقرار نقابة التعليم مقاطعة الامتحانات لمخالفته قوانين العمل النقابي.

كما عبرت في بيان آخر عن استغرابها لما أسمته أسلوب وعيد وشيطنة من الكاتب العام لجامعة التعليم الثانوي، متوعدة باقتطاع أيام من أجور الأساتذة المقاطعين للامتحانات.

ويؤكد المستشار بديوان وزير التربية محيي الدين المسعودي على تعاطي الوزارة مع كافة مطالب الأساتذة المالية بالأساس والتفاوض معهم بشكل جدي، غير أنه يرفض ما أسماها سياسة لي الذراع والتعنت.

ويقول إن مطالب الأساتذة بالزيادة في قيمة المنح تعد شططا وتعجيزية بالنظر للميزانية المخصصة لوزارة التربية، لافتا إلى أن الوزارة ستقتطع من أجور الأساتذة المقاطعين للامتحانات.

وجهات نظر 0 comments on دول الجوار الليبي تؤيد المبادرة الأممية وتتعهد بدعم العملية السياسية

دول الجوار الليبي تؤيد المبادرة الأممية وتتعهد بدعم العملية السياسية

منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، ومقتله في مدينة سرت عام 2011، وجدت ليبيا نفسها غارقة في صراعات دامية، وانقسامات عرقية ومذهبية، وتدخلات أجنبية، حوّلت البلاد إلى ساحة لتصفية «خلافات العالم». ولقد مرّت سبع سنوات على الحدث الأبرز في التاريخ الليبي المعاصر، ومع ذلك ما زالت الأطراف الليبية تعيش أزمتها السياسية والأمنية الطاحنة.

هذه الأزمة الطاحنة لا يقتصر تأثيرها السلبي على الداخل الليبي وحده، بل يمتد إلى الإقليم وبعيداً عبر المتوسط. والحقيقة، أن تداعياتها حوّلت هذا البلد العربي الثري، إلى وكر لشتى الجماعات الإرهابية، والمتطرفين، وعصابات الجريمة المنظمة وتجار البشر، وجعلت منه مركزاً للهجرة غير المنظمة.

نيران اللااستقرار الليبي تضرب في كل الاتجاهات؛ وهو ما دفع جهات كثيرة لتبني مبادرة تهدف إلى إعادة الاستقرار الذي افتقدته ليبيا طويلاً. وكان من آخر محاولات حل المأزق، اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي الذي عقد في الخرطوم الخميس 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، باعتباره إكمالاً لجهود إقليمية ودولية وانشغالات محلية، تسعى إلى إيجاد سبل لإنهاء الأزمة.

وكان قد سبق اجتماع الخرطوم هذا بأيام، عقد «مؤتمر بالرمو» يومي 12-13 من الشهر ذاته بجزيرة صقلية الإيطالية، وبدوره كان قد سبقه في شهر مايو (أيار) الماضي مؤتمر مثيل عُقد في العاصمة الفرنسية باريس، بالفكرة ذاتها… أي حل الأزمة الليبية.

لكن يبدو أن الجهود الثلاثة غرقت في «رمال الأزمة التي تهب من أنحاء الصحراء الليبية». وبحسب المراقبين، انغمس كل منها في طموحات ورغبات الدولة المضيفة، ما عدا اجتماع الخرطوم الذي غرق هو الآخر، لكن في «أزمة الجنوب» وأعمال العنف والعمليات الإرهابية التي تدور هناك منذ أشهر.

عملياً، لم يتوصل اجتماع الخرطوم، إلى أكثر من التوصية التقليدية بـ«ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة»، والبحث عن آلية أمنية تضع حداً لتمركز الجماعات الإرهابية التي نقلت عملياتها إلى هناك. إذ خيّمت عليه أجواء العمليات القتالية والإرهابية في الجنوب الليبي على مداولات «اجتماع وزراء خارجية دول الجوار» بالخرطوم، فأنهى جلساته باللازمة التقليدية «إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية».

قلق غسان سلامة

في بداية اجتماع الخرطوم، أطلق الدكتور غسان سلامة، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، تصريحات قلقة بشأن مآلات الأوضاع هناك، وإعلانه دخول متطرفين عبر النيجر إلى منطقة جنوبي غرب البلاد، واعتبر ذلك تهديداً جدياً للعملية السياسية التي يقودها.

سلامة، قال للاجتماع: إن «عمليتين إرهابيتين كبيرتين» وقعتا أخيراً في جنوب ليبيا، وأن ثمة معلومات تشير إلى المنفذين لهاتين العمليتين «من القادمين الجدد». وأضاف: «وهذا مثار لقلقنا»، كما شكا من صعوبات لوجيستية تواجه المنظمة الأممية في «الوصول والتمركز» في المناطق الليبية الشاسعة، ولفت إلى أهمية «قرع ناقوس الخطر مجدداً بشأن الأوضاع في ليبيا».

الدول المجتمعة من جهتها، أبدت قلقها من حالة اللااستقرار التي تعيشها ليبيا، على الرغم من أن بعضها تواجه اتهامات بدعم متطرفين، وتقول أخرى إن حركات مسلحة تعمل ضدها تستغل حالة السيولة الليبية لتنطلق ضد بلادها. وإزاء هذا الوضع؛ قال سلامة: «أفهم القلق الذي يساور هذه الدول التي تجاور جنوب ليبيا؛ لوجود حركات مسلحة ليبية، وتشكيلات مسلحة غير ليبية، وتصاعد تمركز الحركات الإرهابية، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية، وإجمالاً كلها عناصر لا تبعث على الارتياح». ومن بين العمليتين اللتين ذكرهما سلامة، فإن تنظيم داعش تبنى هجوماً على بلدة في الصحراء الجنوبية، أدى إلى قتل عدد من الأشخاص وخطف آخرين، بينهم رجال شرطة.

وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد الدخيري، الذي تتهم بلاده جماعات متمردة مسلحة سودانية باستغلال التوتر في ليبيا، قال: إن الخرطوم «تمد يدها لكافة الفرقاء الليبيين، وهي تأمل من خلال عمليات أمنية مشتركة، القضاء على الخطر الذي تمثله بعض المجموعات المسلحة الوافدة إلى الجنوب الليبي». وشدد الوزير السوداني، الذي واجهت بلاده اتهامات من أطراف ليبية، بأنها تدعم مجموعات إسلامية متشددة بعينها في أوقات سابقة، على أهمية تحقيق المزيد من التفاهمات للوصول إلى تسويات سياسية ومجتمعية تعيد ليبيا إلى العالم مجدداً.

كذلك أوضح الدرديري، أن بلاده اختارت هذا التوقيت للاجتماع لاستغلال ما أطلق عليه: «الرياح المواتية التي تهب على المنطقة»، مثل السلام في جنوب السودان، والمصالحة الإثيوبية الإرترية، والمساعي التصالحية العربية. الدرديري شدد على أن التعاون لمجابهة أخطار الحركات المسلحة المتمركزة في ليبيا، وما تقوم به من جريمة منظمة وعمليات إرهابية «يوجب العمل على إعادة الاستقرار إلى ليبيا»، معيداً الاتهام الذي توجهه حكومته لحركات دارفورية متمردة مسلحة بأنها جعلت من ليبيا ملاذاً، تعمل فيه بصفة «مرتزقة»، إلى جانب الفصائل المتنازعة هناك.

البيان الختامي

بيان اجتماع الخرطوم الختامي أكد أن حل الأزمة جذرياً يكمن في «الخيار السياسي الذي يقرره الليبيون أنفسهم دون إقصاء»، وتأييد مبادرة الأمم المتحدة، ودعم دول الجوار من أجل مصالحة وطنية، تثمر مؤسسات وطنية قوية وذات مصداقية. وأعلن دعم دوله لـ«خطة العمل من أجل ليبيا» التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام غسان سلامة، رافضين التدخل الأجنبي في الشأن الليبي.

كذلك، أعلن اجتماع الخرطوم أهمية إيلاء الأوضاع المتوترة في الجنوب الليبي الأهمية القصوى، وتكثيف التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة الإرهاب والعنف والتطرف والجريمة المنظمة والأنشطة الإجرامية، كافة.

ومن جهته، أبلغ وزير الخارجية الليبي محمد طاهر سيالة، الصحافيين عقب نهاية الاجتماع، أن حكومته «تعتبره اجتماعاً مهماً لعودة الاستقرار إلى بلاده، وبمقدور ما توصل إليه المجتمعون الإسهام في مكافحة الحركات المتطرفة والإرهابية في ليبيا، وفي عوده الاستقرار وإقامة الانتخابات والحياة السياسية إلى طبيعتها».

ورغم الرأي الإيجابي من «حكومة الوفاق الوطني» الليبية الذي أبداه سيالة، فإن تقارير رأت أن التمثيل في اجتماع الخرطوم لم يكن بالمستوى المطلوب؛ إذ غاب عنه وزراء خارجية كل من تونس، والجزائر، وتشاد، والنيجر، ومثلهم موظفون ودبلوماسيون أقل كثيراً من صفة وزير، عدا تونس التي بعثت «وزير دولة».

وكان لافتاً كذلك من كلمات الوفود وجود «تنافس» مكتوم وتسابق دولي وإقليمي على الملف الليبي. فمن جهتها، فإن إيطاليا – الدولة المستعمرة السابقة لليبيا – اعتبرت الصراع الليبي «مسألة أمنية وطنية»، وقال السفير الإيطالي في الخرطوم فابريتزيو لوباسو: إن اجتماع الخرطوم يلعب دوراً «جيوسياسياً مهماً»، ويسير على نهج بلاده في بالرمو. وتابع: «بالنسبة لإيطاليا قضية ليبيا مسألة أمنية، وأكدنا على أن مصير المنطقة رهين بحقيق السلام في ليبيا»، مستطرداً: «تحوّلت هذه الجغرافيا الواسطة إلى مرتع للمجرمين والإرهابيين، وأصبحت تشكل مصدر خطر على الإقليم».

أما فرنسا، التي شاركت بمبعوثها إلى ليبيا فريديرك ديساغنيو، فقد أعلنت أنها تعتبر خطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتجارة البشرة «قضية وطنية فرنسية»، ودعت إلى وضع خطة عمل لاستعادة الاستقرار، وأن أحداث الجنوب أظهرت أن العملية السياسية أساسية لحل الأزمة.

وغامزاً من قناة دول لم يحددها، قال المبعوث الفرنسي: «الأسرة الدولية ستحدث الفارق عندما تتحدث بصوت واحد ضد هؤلاء الناس الذين يعلمون ضد أمن ليبيا. دول الجوار لها نصيب الأسد في تحقيق ذلك حين تحارب الجماعات المسلحة الإرهابية وتجارة الأسلحة، والقوات الأجنبية في التراب الليبي». أما الاتحاد الأفريقي، فقد حذرت مبعوثته إلى ليبيا، أميرة الفاضل، في كلمتها للاجتماع، من التدخل الأجنبي في الملف الليبي، ودعت إلى حل المشكلة بعيداً عن الأجندات الدولية، وأعلنت عن رغبة الأفارقة في مبادرة ترعاها القارة، وتدعمها الأمم المتحدة لحل النزاع الليبي.

ملف معقّد ومتشابك

الخبراء يرون أن الملف الليبي معقد ومتشابك، وأنه يدار من خارج ليبيا. فالغربيون عينهم على «حقول النفط الغنية»، وقلوبهم على أيديهم من سيطرة الإرهابيين والعصابات عليها. ودول الإقليم لها أجنداتها ومطامعها، وتحالفاتها داخل الفسيفساء الليبية المتطاحنة، لكن خطر «التطرف والإرهاب يهدد الجميع».

لقد خلق استمرار الانفلات الأمني والانقسام السياسي، أزمة اقتصادية حادة فاقمت الأوضاع الكارثية في ليبيا، بينما ظل الليبيون يتنافسون ويتقاتلون «جميعهم ضد جميعهم»، لكن أبرز وجوه الانقسام الليبي تتمثل في الحكومتين اللتين تتنازعان الشرعية، كل على حساب الأخرى. ففي غرب البلاد تحاول حكومة «حكومة الوفاق الوطني» التي يترأسها فايز السراج، وتحظى باعتراف أممي ودولي، و«الحكومة الليبية المؤقتة» برئاسة عبد الله الثني، المدعومة من رجل الجيش القوي المشير خليفة حفتر بشرق البلاد، فرض سيطرتها دون جدوى. وإلى جانب هاتين الحكومتين، هناك العشرات – إن لم تكن المئات – من الميليشيات والجماعات المسلحة المتطرفة، والقوات المسلحة الأخرى التي توالي الأطراف العشائرية والعرقية المتنافسة. هذا الوضع القلق أدى إلى استمرار القتال والاشتباكات بين الأطراف الليبية، وتحوُّل ليبيا إلى ساحة معارك مستمرة، تهدأ لتشتعل من جديد لأسباب مختلفة، أو حتى دون أسباب معروفة. ولقد أنهك القتال والاضطراب الأمني اقتصاد البلد الغني بالنفط، وجعل سكانه يواجهون أزمات طاحنة اقتصادية وصحية، أدت هي والقتال العشوائي إلى قتل ونزوح وتشريد مئات الآلاف.

خريطة الصراع الليبي

> يقود فايز السراج «حكومة الوفاق الوطني» وهي حكومة معترف بها دولياً، تدعمها منظمة الأمم المتحدة والدول الكبرى، وتم تعيينها من قبل البرلمان المنتخب، الذي يعرف بـ«مجلس النواب»، لكنها تواجه بشكل أساسي تحديات الجماعات المسلحة. ويحاول «مجلس النواب» الذي انتخب في مدينة طبرق (شرق ليبيا) خلال يونيو (حزيران) 2014، بسط السلطة التشريعية بعدما حل مكان البرلمان السابق «المؤتمر الوطني العام».

> على الرغم من تسلم «مجلس النواب» مهامه، فإن الإسلاميين الذين كانوا يحتكمون على وجود مؤثر في «المؤتمر الوطني العام»، شككوا في شرعيته. وأعادوا «المؤتمر الوطني العام» المنحل للانعقاد، بطلب حكومة «فجر ليبيا» الإسلامية التوجه، ليعتبر نفسه «السلطة الشرعية والوحيدة». وهكذا تخلى عن اعترافه بـ«مجلس النواب»؛ وبناءً على ذلك ألّف حكومة تابعة له تدعمها الجماعات الإسلامية.

* يقود عبد الله الثني «الحكومة المؤقتة»، وهي الحكومة التي تشكلت من برلمان طبرق في سبتمبر (أيلول) 2014، وهي تمارس مهامها من مدينة البيضاء بشرق البلاد.

> يقف المشير خليفة حفتر خلف عملية «كرامة ليبيا»، التي أسسها خلال مايو (أيار) 2014. وتحارب قوات حفتر المجموعات والميليشيات الإسلامية باعتباره «الجيش الوطني الليبي»، ولقد دأبت هذه القوات على شن عمليات برية وجوية على تلك المجموعات والميليشيات. وللعلم، تتلقى هذه العمليات الدعم والمساندة من ميليشيا الزنتان، وقوات الصاعقة والصواعق في طرابلس، وهدف حفتر المعلن هو إعادة توحيد الجيش الليبي باعتباره قائداً له.

> في غرب ليبيا تنشط ألوية الزنتان والصواعق، وهي ميليشيات مناوئة للإسلاميين تدعم الحكومة المعترف بها دولياً. ولقد دخلت ميليشيا الزنتان القوية في اشتباكات مع ميليشيا «فجر ليبيا» الإسلامية، وهي الجهة التي تحتجز «سيف الإسلام القذافي».

> أطلقت الجماعات الإسلامية ميليشيا «فجر ليبيا» المدعومة من ميليشيات مدينة مصراتة، ويدعمها «المؤتمر الوطني العام»، وهي القوات التي يحاربها بشكل أساس الجيش الليبي.

> تتكون «ميليشيا مجلس شورى ثوار بنغازي» من تحالف بين ميليشيات إسلامية، قاتلت ضد قوات الجيش الليبي، ونفذت عمليات انتحارية ضد بعض معالقه، وأشهرها عملية تفجير مطار بنينة (بنغازي)، وهي تضم «جماعة أنصار الشريعة»، الجماعة الأشد تطرفاً والتي تصنف دولياً بأنها «جماعة إرهابية» مقربة من «القاعدة»، وكذلك «ميليشيا 17 فبراير»… وغيرها.

> أظهر تنظيم داعش في ليبيا عام 2015، وجوداً ميدانياً لافتاً. وتقول التقارير: إنه اعتمد على جماعات موجودة في مدينة درنة (شرق ليبيا) التي اشتهرت بمعقل الجماعات الإرهابية، والتي أعلنت ولاءها له. لكن التنظيم تكبد خسائر كبيرة في مواجهات مع «مجلس شورى المجاهدين» الموالي لتنظيم «القاعدة»، ومع ذلك شنّ هجمات ضد سفارات وفنادق وهجمات في طرابلس وبنغازي.

> تعد عملية «درع ليبيا» تجمعاً لميليشيات تنشط عبر البلاد، وهي تدعم «المؤتمر الوطني العام»، وهي بمثابة ذراعها العسكرية، ويقود فرعها في بنغازي محمد الزهاوي، ومقاتل سابق ضمن «جماعة أنصار الشريعة» التابعة لـ«القاعدة».

محاولات لحل الأزمة

> وقّعت أطراف ليبية في مدينة الصخيرات المغربية 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015 اتفاقاً على تشكيل حكومة «وحدة وطنية»، لكنه لم يحظ بإجماع كافٍ.

> نظمت تونس في سبتمبر (أيلول) 2017 جولة مباحثات بين الأفرقاء الليبيين، هدفت لإجراء تعديلات على اتفاق الصخيرات، وشارك فيه ممثلون عن البرلمان ومجلس الدولة المتكون نتيجة لاتفاق الصخيرات.

> نظمت فرنسا في مايو (أيار) الماضي مؤتمراً للحوار الليبي، اتفقت خلاله الأطراف في العاصمة الفرنسية باريس على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حدد لها العاشر من ديسمبر الحالي، مع التزام بتهيئة الأجواء لجعلها حرة ونزيهة لتعتمد نتائجها. لكن الخطة الفرنسية في «مؤتمر باريس» فشلت بسبب رفض الجدول الزمني المحدد لتلك الانتخابات، من قبل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في مجلس الأمن.

> عقد في مدينة بالرمو، كبرى مدن جزيرة صقلية الإيطالية يومي 12-13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مؤتمر بشأن ليبيا توصل إلى نتائج مثيلة لما توصل إليه من قبل «مؤتمر باريس»، وكان اللافت كشفه وجود رغبة إيطالية في عزل تيار «الإسلام السياسي» وقص أجنحة الميليشيات المحسوبة عليه. ولقد أكد بيان بالرمو الختامي على «أهمية إجراء الانتخابات وفقاً لخطة الأمم المتحدة الجديدة ربيع العام المقبل»، لتعذر إجرائها الشهر الحالي، كما كان مقرراً في السابق. وشدد أيضاً، على أهمية وضع إطار دستوري للانتخابات. هذا هو الشيء نفسه الذي نادى به «اتفاق باريس» الذي لم ينص على وجوب إجراء الانتخابات بعد إجازة الدستور، وهو الشيء الذي تطالب به جماعات الإسلام السياسي وحلفائها الإقليميون.

التيار الإسلامي وخصومه، من جهتهم، يصرون على ضرورة إصدار الدستور أولاً، تحت ذريعة خشية «حدوث فراغ دستوري». أما التيار المناوئ لهم فيرى، أن بالإمكان إجراء الانتخابات بتعديل الإعلان الدستوري، وإجراء الاستحقاق الانتخابي وفقاً له، وهذا هو الطرح الذي يؤيده المشير خليفة حفتر و«حكومة الوفاق الوطني» المعترف بها دولياً برئاسة السراج وآخرين، «بمواجهة جماعات الإسلام السياسي المدعومين من قطر وتركيا عسكرياً ومالياً ضده»، بحسب اتهامات حفتر.

ومن المنتظر، بحسب مراقبين للوضع الليبي، أن يفقد «تيار الإسلام السياسي» وداعموه الإقليميون، في حال إجراء الانتخابات، الكثير من نفوذه… وذلك لأن صورته في الداخل الليبي، وكذلك صورته في الإقليم والعالم، ارتبطت طوال سنوات بالاضطراب الليبي، وبأنه «داعم للإرهاب والميليشيات» التي تقف ضد قيام الدولة.

مبادرة غسان سلامة

> قدم رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الدكتور غسان سلامة، خطة عمل جديدة في جلسة الأمم المتحدة حول ليبيا في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتتكون خطة سلامة من ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: يجري في هذه المرحلة تعديل الاتفاق السياسي الليبي استناداً على المادة 12 منه.

المرحلة الثانية: تبدأ بعقد «مؤتمر وطني» يرعاه الأمين العام للأمم المتحدة، ويفتح الباب أمام من سبق استبعادهم. ويصار إلى إدخال الأطراف المُحجمة عن المشاركة في العملية السياسية، ومجلسي النواب والأعلى للدولة، ومن يشتكون ضعف تمثيلهم أو غير الممثلين. وخلال المؤتمر تجرى عملية اختيار أعضاء الجهات التنفيذية وإعادة تشكيلها توافقياً؛ ليقوم مجلس النواب بمعاونة «هيئة صياغة» بإعداد الدستور، وإعداد تشريع لإجراء استفتاء دستوري وانتخابات رئاسية وبرلمانية.

المرحلة الثالثة والأخيرة: تعمل على الوصول للمراحل النهائية للعملية السياسية في غضون سنة، وإكمال الإجراءات التشريعية، بما في ذلك إجراء الاستفتاء الدستوري، وانتخاب برلمان ورئيس برلمان، بنهاية الفترة الانتقالية التي حددتها الخطة.

إضافة إلى مبادرات الحل السابقة، فإن الأزمة الليبية شهدت مبادرات كثيرة قدمها أطراف كثيرون، ومن بينها المبادرة المصرية، ومبادرة الاتحاد الأفريقي، والمبادرة «الجزائرية التونسية المصرية» – المعروفة بالمبادرة الثلاثية لدول الجوار -، والمبادرة الهولندية، ومبادرة الخرطوم الرامية إلى توحيد جهود المبادرة الرباعية التي تضم بلدان الجنوب الليبي «السودان تشاد النيجر ومصر».

لكن مع كثرة المبادرات و«أنياب المصالح» المخفية تحت «الإشفاق» على شعب ليبيا، ما زال «النفط الليبي» مثيراً للشهية بالنسبة للشركات الغربية، كما أنه يخيف كثيرين أيضاً؛ لأن «الإرهابيين» يحيطون به من كل الجهات.

وجهات نظر 0 comments on لماذا ينبغي تطوير علاقات تونس بالسعودية ….بقلم علية العلاني

لماذا ينبغي تطوير علاقات تونس بالسعودية ….بقلم علية العلاني

زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان إلى تونس يوم 27 نوفمبر 2018 تأتي في ظروف إقليمية ودولية دقيقة جدا.
ولا نُخفي أن للتونسيين رؤى متعددة بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، ولكل مبرراته. هذه هي تونس بشقيها الرسمي والشعبي. وهنايمكن القول أيضا أن تونس بشقها الرسمي وجزء من شقها الشعبي ترحب بزيارة ولي العهد الرجل القوي في المملكة لأربعة أسباب:
السبب الأول: أن العلاقات مع المملكة ضاربة في القدم وأن الملك فيصل رحمه الله كان صديقا حميما للرئيس الأسبق بورقيبة، ورغم اختلاف وجهات النظر بين الزعيمين في بعض القضايا إلا أن ذلكلم يمنع من استمرار الود بينهما وتقوية التعاون في شتى المجالات.
السبب الثاني: أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان ضاعفا نسق التعاونالاقتصادي والأمني بين البلدين دون التدخل في الاختيارات السياسية والدبلوماسية لتونس في فترة ما بعد 2011.
السبب الثالث: أن المملكة تعرف جيدا أن النخب التونسية العاملة بالسعودية وعددها 28 ألف حاليا من أفضل الكفاءات في مختلف المجالات، وأن تونس مكان خصب للاستثمار خاصة بعد صدور الإجراءات الجديدة للاستثمار وتعزيز الحوكمة، لذا فإنها ستُفيد وتستفيد وربما تفتح أبوابا جديدة في ظل برنامج المملكة الطموح2030. وهنا تصبح الزيارة عامل دفع لانخراط تونس في هذه الديناميكية الاقتصادية وفي التنسيق بشكل أكبر في المجال السياسي والأمني.
السبب الرابع: هناك بعض الأحزاب والجمعيات تعمل منذ 2011 إلى اليوم على إضعاف العلاقات التونسية مع السعودية والإمارات ومصر لربطها مع أحلاف أخرى، ونقول لهؤلاء أن تونس عصيّة عن أي توظيف سياسي أو دبلوماسي وأنها ستبقى صديقة للجميع بما يحفظ المصالح العليا للبلاد.
لكل هذه الأسباب لا نرى في هذه الزيارة سوى الخير للبلدين، ومرحبا مرة أخرى بولي العهد محمد بن سلمان في بلده الثاني تونس.

وجهات نظر 0 comments on حركة النهضة و قضية الجهاز السري …

حركة النهضة و قضية الجهاز السري …

مغرب نيوز- عزيزة بن عمر 

تطرق رئيس الجمهورية خلال إشرافه بقرطاج على اجتماع مجلس الامن اليوم إلى مسألة الجهاز السري لحركة النهضة داخل وزارة الداخلية ، معتبرا أن ما نقلته هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد و البراهمي ” كلام معقول” ، قائلا أن المسألة أصبحت مفضوحة اليوم لدى القاصي و الداني و سيتم البت فيها من قبل المحاكم في القريب العاجل .

النهضة تُدين تصريحات رئاسة الجمهورية : 

أدانت حركة النهضة نشر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية اتهامات اعتبرتها كاذبة و صادرة عن بعض الأطراف بنيّة الإساءة إلى طرف سياسي والتهجم على قيادات سياسية وطنية، في سابقة خطيرة تتعارض مع حيادية المرفق الرسمي (قصر قرطاج) ودور الرئاسة الدستوري الذي يُمثّل رمز الوحدة الوطنية وهيبة الدولة، حسب نص البيان.

‎‎ونبّهت الحركة إلى “خطورة إقحام مؤسسة الرئاسة بأساليب مُلتوية بنيّة ضرب استقلالية القضاء وإقحامه في التجاذبات السياسيّة” مَن طرف مَن وصفتهم بالمُتاجرين بدماء بلعيد والبراهمي.
و رفض كثيرون من قيادات النهضة الإدلاء بأي تعليق “لمغرب نيوز” حول ما كشفته هيئة الدفاع بخصوص ما يُعرف بالجهاز السري للحركة، مشيرين إلى أن موقفهم الرسمي الوحيد هو البيان التكذيبي الذي أصدرته الحركة بهذا الشأن، ومعتبرين أن اولوياتهم في هذه الفترة هي مداولات البرلمان بخصوص ميزانية الدولة لسنة 2019.

بيان النهضة جاء بعد ساعات من كشف أعضاء هيئة الدفاع عن فحوى لقائهم برئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة و رئيس مجلس الأمن القومي، إذ قدّموا له تقريراً يتضمن معطيات جديدة في ما يتعلق بـ”الجهاز السري لحزب سياسي”، في إشارة إلى حركة النهضة.
ومجلس الأمن القومي هو هيئة تونسية تابعة لرئاسة الجمهورية، تأسست سنة 1990 تحت اسم المجلس الوطني للأمن، وأُعيد تنظيمها عام 2017 باسمها الحالي، ويترأسها رئيس الدولة ومن بين مهامها التداول في المسائل التي تخصّ السياسات العامة في مختلف المجالات المتعلقة بالأمن القومي.

“وثائق شديدة الخطورة” :

و قد أوضح عضو الهيئة المحامي نزار السنوسي في تصريحات صحفية أنه تم إطلاع رئيس الدولة على “وثائق شديدة الخطورة على الأمن القومي لتونس تفيد وتؤكد أن لحركة النهضة جهاز سري خاص تقاطع عمله مع عمليات اغتيال عدة”، من ذلك الإعداد لاغتيال رئيس الجمهورية الحالي ونظيره الفرنسي السابق فرنسوا هولاند سنة 2013.

ومن بين المعلومات التي تم كشفها واستنكرتها النهضة بشدة في بيانها، اتهم السنوسي “عبد العزيز الدغزني، صهر رئيس الحركة راشد الغنوشي، بسرقة الجهاز الذي يتم من خلاله حرق الوثائق بعد أن تم حجزه باعتباره كان مسؤولاً عن هذا الجهاز، في وقت لم يتم حتى الآن الاستماع إليه أو استنطاقه”.

ورداً على اتهام النهضة لهيئة الدفاع بالترويج لاتهامات زائفة، أكد السنوسي أن الهيئة كشفت حقائق موثّقة بمحاضر رسمية وبمؤيدات قضائية، مشيراً إلى أن اجتماعهم برئيس الدولة ليس سياسياً، نظراً لما يمنحه له الفصل 77 من الدستور التونسي من صلاحيات باعتباره رئيس مجلس الأمن القومي.

وتشمل هذه الصلاحيات التعاطي مع كل الملفات والقضايا المتعلقة بالأمن القومي في البلاد. وما كشفته هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي يندرج، حسب رأيه، في هذا السياق.

وأضاف السنوسي أنهم طلبوا من رئيس الجمهورية تشكيل لجنة ظرفية داخل المجلس لمتابعة ملف الجهاز السري لحركة النهضة والمعطيات ذات العلاقة، معلناً رفع قضية ضد وزير الداخلية الحالي هشام الفراتي باعتباره ضلّل الرأي العام بنفيه، خلال جلسة مساءلة في البرلمان في 19 نوفمبر الحالي، وجود غرفة سوداء في مقر الوزارة، “رغم أنه تم إثبات وجودها وإدخال وثائق خطيرة إليها بطرق غير قانونية”، بحسب تعبيره.

يُذكر أن هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي كانت قد كشفت خلال ندوة صحافية بتاريخ الثاني من أكتوبر الماضي عن وجود ما أسمتها بالغرفة السوداء في مقر وزارة الداخلية، تتضمن وثائق مسروقة من ملف قضائي عُثر عليها بحوزة المتهم مصطفى خذر الذي تؤكد الهيئة علاقاته الوطيدة بقيادات عليا في النهضة وتتهمه بترؤس جهازها السري الذي يقف وراء عمليتي اغتيال بلعيد والبراهمي وسرقة هذه الوثائق لطمس الحقائق.

وفي لقاء صحافي ثانٍ في 12 نوفمبر الحالي، بيّنت هيئة الدفاع أن قاضي التحقيق الأول المتعهد بالقضية عاين بتاريخ التاسع من الشهر نفسه وجود غرفة مغلقة مليئة بالوثائق في الوزارة وقام بالحجز عليها وتغيير أقفالها.

“أجهزة فوق الدولة”:

الحديث عن وجود جهاز سري لحركة النهضة يتكفل بالتخطيط لعمليات اغتيال في تونس و تنفيذها اشتركت فيه بعض الأطراف، من بينها أمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي، وهو حزب السياسي الراحل محمد البراهمي، إذ أفاد بأن القرائن والأدلة الموجودة بحوزة القضاء تؤكد حقيقة وجود هذا الجهاز.

وقال حمدي” لمغرب نيوز” إنه لا يمكن الحديث عن انتخابات قادمة أو مستقبل عملية سياسية في تونس، “في ظل وجود حزب سياسي يمتلك أجهزة خاصة فوق الدولة يمارس من خلالها عمليات خارج نطاق القانون”.

وجهات نظر 0 comments on وزير خارجية تونس: زيارة ولي العهد السعودي دعم لعلاقاتنا التاريخية قال لـ «الشرق الأوسط»: إن بلاده قدمت اقتراحاً إلى المغرب و الجزائر لعقد اجتماع تشاوري مغلق

وزير خارجية تونس: زيارة ولي العهد السعودي دعم لعلاقاتنا التاريخية قال لـ «الشرق الأوسط»: إن بلاده قدمت اقتراحاً إلى المغرب و الجزائر لعقد اجتماع تشاوري مغلق

تونس- كمال بن يونس

رحب وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، بزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تونس، ضمن جولته العربية، ووصف علاقات تونس بالرياض بالمميزة، ونوه بالتطورات السياسية والاستراتيجية الإيجابية التي تشهدها دول مجلس التعاون ودول المشرق العربي، وبينها نتائج الانتخابات العامة التي شهدتها مملكة البحرين قبل أيام.
وكشف الجهيناوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن تحركات تقوم بها تونس بالتنسيق مع الرياض التي ترأس الدور الحالية للقمة العربية، استعداداً للقمة العربية الثلاثين التي سوف تعقد في مارس (آذار) القادم بتونس، ومن المتوقع أن يحضرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ليسلم الرئاسة إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.
كما أورد الجهيناوي أن تونس تقوم بالتنسيق مع مصر والجزائر ودول الجوار الليبي، دعماً لمسار التسوية السياسية للأزمة الليبية.
وفيما يلي نص الحوار:
– معالي الوزير، رحبت الرئاسة التونسية بزيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي إلى تونس، وهي أول زيارة له إلى تونس. كيف تنظرون إلى هذه الزيارة؟
– أريد أن أسجل أن الترحيب بزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يؤكد عراقة العلاقات بين تونس والسعودية، التي بدأت قبل أكثر من 70 عاماً، عندما دعمت السعودية حركة التحرير الوطني التونسية ضد الاستعمار الفرنسي سياسياً ومادياً، واستضافت الزعيم الحبيب بورقيبة.
وقد كانت العلاقات بين تونس والسعودية متميزة دوماً سياسياً واقتصادياً، وتعتبر السعودية اليوم المستثمر الاقتصادي الثالث في تونس كدولة، وعبر صندوق التنمية السعودي، والبنك الإسلامي للتنمية، وعشرات المؤسسات المشتركة.
وقد قررت القمة العربية التي عقدت في الظهران في أبريل (نيسان) الماضي، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بالإجماع، أن تنظم القمة العربية الـ30 في تونس، خلال شهر مارس القادم.
ونحن في تونس أوشكنا على استكمال الاستعدادات اللوجيستية والتنظيمية، تحضيراً لهذه القمة.
ونتابع مشاوراتنا مع الدول الشقيقة سياسياً، استعداداً لبلورة شعارها ومضامينها، ولإنجاح استضافة هذا المؤتمر العربي التاريخي، الذي سوف يقترن بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بلادنا، للقاء أشقائه العرب، وليسلم رئاسة الدورة إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي.
– كيف تنظرون إلى التطورات السياسية والمتغيرات الإقليمية في دول المشرق العربي عامة، ودول الخليج العربي خاصة؟
– المتغيرات الإقليمية تؤكد وجود مؤشرات إيجابية داخلياً وإقليمياً، بدءاً من المؤشرات الاقتصادية والتنموية، وصولاً إلى الانتصارات في مجال الحرب على الإرهاب والفوضى؛ خاصة بعد إقرار وقف شبه شامل لإطلاق النار في سوريا.
ونعتبر أن نجاح المسار السياسي الداخلي في أكثر من دولة عربية، إيجابية مهمة جداً. وأسجل في هذا السياق نجاح الانتخابات العامة التي نظمت قبل أيام في الشقيقة البحرين، ونهنئ قيادتها وشعبها على الإقبال الكبير، وعلى هذه الخطوة السياسية الكبيرة التي رحبت بها جامعة الدول العربية، وأغلب الأطراف الدولية والإقليمية.
إن الاستقرار في البحرين مهم جداً بالنسبة لكل الدول الخليجية والعربية. ونتمنى أن تساهم العملية الانتخابية الأخيرة في تحقيق مزيد من الاستقرار في الشقيقة البحرين، وكل دول الخليج والمشرق العربي.
وننوه بالمناسبة بتطور الأوضاع السياسية والأمنية في العراق وسوريا.
وتأمل تونس أن تكون قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، يوم 9 من الشهر القادم ديسمبر (كانون الأول) مناسبة لتأكيد جهود دعم الأمن والاستقرار والشراكة الاقتصادية والتنمية الشاملة.
– تقدم العاهل المغربي محمد السادس بمبادرة لتسوية الخلاف القديم مع الجزائر، وردت عليه الجزائر بدعوة إلى عقد اجتماع في مستوى وزاري لتفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي. ما الموقف التونسي؛ خاصة أن الأمين العام للاتحاد المغاربي تونسي؟
– تونس تتابع جهودها الدبلوماسية مع الأشقاء في كل الدول المغاربية، لدعم جهود تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي. واقترحنا تواريخ محددة لتنظيم لقاء تشاوري مغلق، بعيداً عن الأضواء، بين وزراء خارجية الدول المغاربية الخمس.
ونحن نتابع جهوداً خاصة مع القيادة في الشقيقتين: جمهورية الجزائر والمملكة المغربية، من أجل إغلاق ملف الخلافات الثنائية العربية والإقليمية، وبينها الخلاف الجزائري المغربي.
ونعتقد أن مبادرة صاحب الجلالة ملك المغرب محمد السادس، وتصريحات الأشقاء في الجزائر، وتحركات الدبلوماسية المغاربية يمكن أن تساهم في تفعيل العلاقات المغاربية – المغاربية، ثنائياً وجماعياً، وفي طي صفحة الخلافات القديمة بين الشقيقتين جمهورية الجزائر والمملكة المغربية.
– ما جديد التحركات السياسية التونسية – الجزائرية – المصرية، والدولية، من أجل إنهاء الأزمة المعقدة جداً في ليبيا، التي تضررت منها تونس اقتصادياً وأمنياً وسياسياً؟
– نعتقد في تونس أن نجاح جهود معالجة الأزمة في ليبيا، لن يفيد الشعب الليبي فقط؛ بل كل الدول المجاورة له، وخاصة تونس، وهي الدولة الوحيدة التي لم تغلق حدودها أبداً أمام الأشقاء الليبيين، رغم تعقد الأوضاع أمنياً وعسكرياً في بلدهم.
وتستضيف تونس مئات الآلاف من الأشقاء الليبيين الفارين من الحرب، الذين لم نعتبرهم أبداً لاجئين؛ بل اعتبرناهم ضيوفاً، ويتواصل الترحيب بهم رغم تراكم ديونهم لدى المصحات والمؤسسات التونسية.
وقد شارك الرئيس الباجي قائد السبسي في قمة باريس الدولية عن ليبيا، في مايو (أيار) الماضي، ثم في قمة باليرمو قبل نحو أسبوعين. وزرت شخصياً طرابلس وطبرق وبنغازي خلال شهر يوليو (تموز)، والتقيت الرؤساء الثلاثة وكل الأطراف، وسوف نشارك في اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا الذي سوف يعقد الخميس في العاصمة السودانية الخرطوم.
كما سنشارك في اجتماع سيعقد في القاهرة في التاسع من الشهر القادم، بمشاركة وزراء خارجية المبادرة الرئاسية الخاصة بليبيا، التي انطلقت منذ 2016، أي الجزائر ومصر وتونس.
ويمكن أن تنجح هذه المساعي التي تدعم مسار التسوية السياسية الذي أعلن عنه في الصخيرات المغربية، ودعمته الأمم المتحدة، على أن تبادر الأطراف الليبية بطي صفحة الخلافات القديمة، وتهيئ الأجواء للمصالحة الليبية الشاملة، حقناً للدماء، وتفاعلاً مع إرادة الشعب والسياسيين في إعادة بناء ليبيا التي أنهكتها الحرب. ومن جهتنا في تونس نستعد لعقد اجتماع اللجنة العليا التونسية الليبية الشهر القادم برئاسة رئيسي الحكومة في البلدين.

السعودية أول مستثمر عربي في تونس
– تربط السعودية وتونس علاقات خاصة منذ عهد المؤسس، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، الذي استقبل الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وعدداً من زعماء الحركة الوطنية التونسية في الأربعينات. وأكد بورقيبة مراراً أنهم حصلوا على دعم سياسي ومالي من القيادة السعودية. وتعتبر المملكة أول مستثمر عربي مباشر في تونس، باستثمارات تفوق قيمتها ملياري دولار. ويوجد في تونس نحو 45 مؤسسة سعودية – تونسية، تفوق قيمة استثماراتها مليار دولار، توفر أكثر من 6500 فرصة عمل للتونسيين.
استثمر صندوق التنمية السعودي في تونس نحو 500 ألف دولار، بينما تتجاوز قيمة استثمارات البنك الإسلامي للتنمية في تونس ملياري دولار، كما يوجد في السعودية أكثر من 6 آلاف تونسي، يعملون في كثير من القطاعات.
وقدمت السعودية مشروعات شراكة جديدة مع تونس، إضافة إلى هبة مالية قيمتها 100 ألف دولار، لصيانة جامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان، العاصمة التاريخية العربية الأولى في شمال أفريقيا.

وجهات نظر 0 comments on توجهات وفاعلية الأطراف الدولية في الملف الليبي أثناء وبعد مؤتمر “باليرمو”

توجهات وفاعلية الأطراف الدولية في الملف الليبي أثناء وبعد مؤتمر “باليرمو”

لا يختلف اثنان أن الصراعات المُتواصلة في ليبيا منذ منتصف 2014 وإن كانت بين أطراف وفرقاء ليبيين، فإنها في واقع الأمر واجهة عملية لحروب بالوكالة تخُوضها أطراف ومكونات وتشكيلات ليبية عبر الولاء المباشر وغير المباشر لأطراف إقليمية ودولية وهذه الأخيرة لها مصالح ومطامح في ليبيا تاريخيا واقتصاديا وثقافيا واستراتيجيا، بل أن كل ما يهم تلك القوى الدولية و أذرعها الإقليمية هو فقط ترسيخ حضورها الاستراتيجي واللوجستي المستقبلي في كل أرجاء القارة الإفريقية وان كان الهدف المرحلي، هو بسط النفوذ وتطويع الخيرات الباطنية في شمال افريقيا وبعض دول الساحل والصحراء الافريقية[1]….

فكيف يمكن قراءة فعل وفاعلية الأطراف الدولية في الملف الليبي أثناء وبعد المؤتمر الدولي في “باليرمو” والذي جرت اشغاله يومي 12 و13 نوفمبر الحالي؟

* ملاحظات أساسية ومنهجية

أغلب الأطراف الدولية سعت وتسعى للتأثير في مسارات الملف الليبي لأسباب متعددة ومختلفة بناء على مغانم الاستثمار وإعادة الاعمار المنتظرة في ليبيا إضافة الى ثروات غدامس وغيرها من المدن والأراضي الليبية وهي ثروات لا تُقدر بثمن وأهمية استراتيجية، إضافة الى الموقع الجغرافي غير العادي والنادر لليبيا بناء على اطلالتها الاستراتيجية على البحر المتوسط وتماسها الجغرافي مع دول الساحل والصحراء وباعتبارها منفذا استراتيجيا للعمق الافريقي، وبغض النظر عن المواقف الدبلوماسية المعلنة فإنه لابد من التأكيد على الملاحظات التالية في كل مرة عند تحليل او محاولة فهم المواقف الدولية مما يجري في ليبيا من تطورات:

أ- القوى الدولية التي لها هامش قرار غير مُرتبط بقوى دولية أخرى هي عمليا الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين بينما يُمكن تصنيف كل القوى الدولية الأخرى أنها على ارتباط فعلي واستراتيجي بالسياسات الامريكية، بينما تُحاول قوى دولية وإقليمية أخرى أن تكتسب هوامش في التحرك والتأثير وخاصة في الملف الليبي والبحث عن الخروج من جُبة الدور الوظيفي، كما تحاول دول إقليمية على غرار تركيا وإيران أن تكتسب أدوارا خارج الدور الوظيفي في ابراز واكتساب أدوار في عدد من الملفات من بينها الملف الليبي وهو أمر جلي وواضح في مرحلة ما بعد ماي2014 [2] ….

ب- في ليبيا بالذات لا يُمكن للألمان والايطاليين وحتى البريطانيين التصادم مع الخيارات الأمريكية أو حتى السباحة بعيدا عن تكتيكات الدولة العميقة الامريكية بغض النظر عن هوية وتركيبة الإدارة الامريكية (الديمقراطيين او الجمهوريين وأي من تياراتهم أو زعمائهم)، والتي هي في الحقيقة لا تُمثل سوى إعطاء النكهة للقرار والسياسات الامريكية ويعرف المختصين والمتابعين أن بعض دول من بينها من ذكرنا أعلاه تلعب أدوارا رئيسية في ما ظهر للبعض أن الأمريكيين كانوا غير مهتمين بالملف الليبي في السنوات الأخيرة وخاصة قبل شهر يونيو/جوان الماضي كأولوية وخاصة بعد اغتيال السفير الأمريكي في 2012 ولكن المسألة أعمق من ذلك بكثير حيث أن بعض الدول والقوى الاقليمية تخدم منهجيا وعمليا أدوارا بالوكالة للأمريكيين أو حتى لبعض الأجهزة الأمريكية والدفع نحو أجنداتها المرحلية والاستراتيجية[3]، وأيضا بسبب أن الملف الليبي في عدد من جزئياته لم يكن بيد الخارجية الامريكية والرئاسة بل هو موكول لمؤسسات الدولة الامريكية العميقة على غرار الأجهزة المخابراتية ومؤسسات أخرى (جزء منه مسند للبنتاغون حسب بعض المتابعين) ….

ت- أدوار ومواقف قوى إقليمية على غرار الجزائر والسودان والأردن غير متمركزة ضمن المحورين الاقليمين الرئيسيين (التركي القطري – الاماراتي السعودي المصري)، وهي تُدير سياساتها بهوامش مُعتبرة على بعض القوى الدولية ولكنها لا يُمكن لها استراتيجيا التصادم معها ويقع الضغط عليها بطُرق مختلفة فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وان كان النظام الأردني يلعب دورا وظيفيا منذ عقود بل منذ نشأته[4]، فان الجزائر والسودان أدوارها غير وظيفية ولكنها لن تكون مستقبلا مصطدمة مع السياسيات الأمريكية في المنطقة وخاصة في العلاقة بالملف الليبي…

ث- دول مجاورة ودول لها علاقات مباشرة وغير مباشرة بالملف الليبي على غرار تونس والمغرب وموريتانيا والسينغال والكونغو لم ولن يكون لها مستقبلا أي أدوار تأثيرية مباشرة نتاج العقل السياسي للديبلوماسية فيها، إضافة الى أنها لم تصطف بشكل مباشر ضمن المحورين الإقليميين ولكنها ستكون خادمة بشكل آلي للسياسات الأمريكية واقتربت قبل “باليرمو” من الايطاليين في الملف الليبي وان كان للبعض منها هوامش مصالح واللقاءات مع الفرنسيين ثقافيا واقتصاديا وحتى سياسيا ….

ج- لا شك أن القارة السمراء ومنذ سنوات ان لم نقل منذ عُقود هي محور صراع بين دول عديدة فالحضور المتنامي للإيرانيين والصينيين والأتراك والامريكيين والروس لم يُلاق الارتياح من طرف القوى التقليدية أو التي استعمرت الدول الإفريقية على غرار فرنسا، ولعل ليبيا هي أكبر تجسدات ذلك الصراع وهناك صراع وتسابق فرنسي أمريكي غير معلن حول الحضور في ليبيا وخاصة بعد امتداد الحضور الفرنسي في الشرق الليبي وقدرتهم على الاحتواء المتدرج لعملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بناء على تعامل عسكري وأمني ولوجستي في معاركه في كل من بنغازي ودرنة وحتى عند سيطرته على الحقول النفطية أواخر يونيو/جوان الماضي، بل أن الأمريكيين لم يكونوا مرتاحين أبدا للحضور الفرنسي منذ ربيع 2017 وهناك نقاط استفهام حول سقوط المروحية الفرنسية يومذاك وتساؤل حول من أسقطها تحديدا كما أن مسارعة الأمريكيين الذين تفاعلوا بديبلوماسية مع الافتكاك الذكي للفرنسيين للملف الليبي وأعادوه للإيطاليين بطرق ناعمة وهادئة وبروية، إضافة الى أن ما قام به “الجضران” في بداية يونيو الماضي وانسحابه بطريقة شبه آمنة تدل على صراع أجهزة بين دول في الهلال النفطي الليبي[5] وهو ما أثبتته الوقائع اللاحقة من مؤتمر روما (9 يوليو/جويلية الماضي) إلى وإعادة إدارة الحقول النفطية لطرابلس وحكومة الوفاق، ثم لقاء السراج بالسفراء السبع في أوت/أغسطس الماضي …

ح- على غرار تفاعلهم مع التقدم الفرنسي في ليبيا عسكريا وسياسيا تفاعل الأمريكيين مع الحضور الروسي عسكريا وسياسيا بديبلوماسية والاعلان عن قلقهم الهادئ وخاصة عندما تطورت العلاقات بين حفتر والروس سنتي 2016 و2017 كما أنهم لم يرتاحوا لتفعيل طريق الحرير (الصينية)، في القارة الافريقية أو بتطور العلاقات التركية الافريقية كما أنهم بقوا رهين سياساتهم الاستراتيجية التي تؤكد على عدم التدخل المباشر في كل الساحات وخاصة بالتوازي وفتح الجبهات المتعددة وما يمكن تأكيده أنهم يقرؤون التطورات الكبيرة للحضور الإقليمي والدولي لعدد من القوى الأخرى بما فيهم حلفائهم الأوروبيين، والخلاصة في هذه النقطة أن هناك توازن بين الحضور الأمريكي ومطامح قوى أخرى بنت استراتيجيتها منذ سنوات من أجل الحضور الفاعل في القارة الافريقية وما ليبيا الا مثال لذلك ….

د- لابد من التأكيد أن أي إدارة حاكمة لأي قوة دولية ليست وحدة متكاملة وأن هناك صراع بأشكال مختلفة بين أجهزة كل دولة لطبيعة المصالح الاقتصادية والسياسية والصراع بين اللوبيات وينعكس ذلك في فعل دبلوماسية أي دولة تجاه كل القضايا الدولية وفي التفاعل مع أي أزمة، وهو أمر جلي في تضارب المواقف تجاه تطورات الأزمة الليبية منذ 2014 وتعود أسباب ذلك الى تأثير اللوبيات في كل دولة إضافة الى تضارب مصالح شركات عابرة للقارات ولوبيات ومحافل عالمية وتأثيراتها من دولة الى أخرى وخاصة في مواضيع تتعلق بالغاز والنفط والمعادن الهامة والنادرة، وبالتالي فإن الملف الليبي لم يكن يوما متفق عليه من حيث القرارات ودعم هذا الطرف أو ذاك او اتخاذ سياسيات معينة تجاهه وعلى سبيل الذكر فان هناك خيارين في وسط الإدارة الفرنسية في الصائفة الماضية حيث حبذ وزير الخارجية الحالي(وهو وزير دفاع أسبق) التمسك بحفتر كخيار مرحلي لحكم ليبيا ودعم عسكريين لحكم ليبيا أي استنساخ فعلي للنموذج المصري (سيسي ليبيا) أو انتاج “قذافي2” لحكم ليبيا مستقبلا بينما ترى أجهزة فرنسية أخرى وفقا لتحاليل الخبراء أنه وجب تفعيل الحل السياسي واجراء وفاق بين فرقاء الصراع …

* الايطاليون وادارتهم المرنة والحذرة للملف الليبي أثناء وبعد “باليرمو”

1- لم يرتح الايطاليون الى الافتكاك الذكي للفرنسيين للملف الليبي منهم منذ منتصف 2017 وصولا الى مؤتمر باريس في 29 أيار/ماي الماضي فسارعوا عمليا ومنذ يونيو/جوان الماضي الى تبني خطاب أن الملف الليبي وادارته حق تاريخي وجيو-سياسي لإيطاليا، بل وسارع أهم الوزراء على غرار الدفاع والخارجية والسفير في طرابلس، الى القيام بلقاءات متعددة ومؤثرة وتعددت الزيارات المكوكية للعواصم العربية والى دول الجوار ولطرابلس وطبرق، وخاصة لوزيرة الدفاع ورئيس الوزراء وأصبح الملف الليبي بيد الايطاليين تفاوضيا فدخلوا مع المصريين في مفاوضات مستمرة دامت لمدة أسابيع رغم الخلافات حول عدد من النقاط الرئيسية وهي النقاط التي بقيت عالقة حتى مؤتمر “باليرمو”، ومن خلال استقراء الفعل السياسي للإيطاليين يتبين أنهم يتبنون منطق إدامة امتلاك الملف ولعل تصريحات السفير الليبي لقناة “ليبيا روحها الوطن”[6] في أوت الماضي تُؤكد أن الايطاليين وضعوا خارطة طريقة طويلة المدى وواضحة المعالم لإدارة الملف وخاصة في ظل إصرارهم المتواصل على رفض مخرجات اتفاق باريس التقنية بالذات من حيث تأجيل الانتخابات حتى إقرار دستور واجراء مصالحة فعلية تؤشر على ذلك وان ذلك تم بمباركة الأمريكيين وأغلب الدول الأوروبية ورضى متنام من طرف اغلب دول الخليج وبعض اركان النظام المصري والحكومة التونسية ومن طرف الجزائريين أيضا…

2- لا شك أنه قد حدث ارتباك كبير لدى الايطاليين الذين تغيرت رؤيتهم وترتيباتهم وأجنداتهم للمؤتمر الدولي ووجدوا أنفسهم في مازق نتاج عومل عدة من بينها:

أ- خلافاتهم الداخلية: وهي خلافات تتركز أساسا بين حزبي الائتلاف الحاكم في ايطاليا وخاصة تضارب رؤية الحزبين في عدد من الملفات وفي العلاقات الخارجية على غرار تفاصيل وجزئيات العلاقة مع الفرنسيين…

ب- مواقف المحور المصري/الإماراتي/السعودي: وهي مواقف جد مُربكة قبل واثناء أشغال “باليرمو” وغلب عليها المناورة والمراوغة والمراوحة في إرسال تهديدات ضمنية بعدم الحضور أو منطق الارباك المباشر للمؤتمر الدولي وافراغه من محتواه التوافقي بين كل الأطراف وقد تم توظيف حفتر بشكل درامي قبل واثناء الاشغال وحتى بعد المؤتمر، ونقل بعض الحاضرين بشكل حصري أنه عند مغادرة الوفد التركي قام ممثلو بلدين صحبة بعض أعضاء وقد أوروبي بحركات بالأيادي تعبر عن النصر، إضافة الى ما أتته الماكينات الإعلامية الامارتية والمصرية وبعض أجنحة الاعلام السعودي على غرار نشر ان كونتي انتقل قبل يوم واحد من المؤتمر الى الرجمة للتوسل وإقناع حفتر بالحضور، وهو طبعا أمر خال من الصحة ونفته السلطات الإيطالية بشدة ….

ت- تكتيكات حفتر: عمليا مارس اللواء المتقاعد عددا من تكتيكاته المعتادة والمستنسخة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وخطاباته على غرار التصريح أنه لن يحضر أشغال المؤتمر خاصة وأن البعض (عبر الصفحات الاجتماعية) قد نقل عن مقربين أن حفتر قد غادر روما بعد أربع ساعات فقط من وصوله في أحد الأيام الأولى من الشهر الحالي نتاج طبيعة النقاشات ونتاج تحذيرات سياسية وصلت إليه في عدد من مواضيع المؤتمر، ومعلوم أنه زار روسيا يوم 07 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ثم لوح بعدم الحضور ثم تحركت الماكينات الإعلامية الخاصة بحلفائه الإقليميين لخدمته وتضخيم مواقفه وموقعه، وفي الأخير حضر عشية اليوم الأول وعمد الى التصريح أنه لا علاقة له بالمؤتمر، ثم ليحضر الجلسة الرسمية ومع الوفود الدولية، ليغادر صحبة السيسي في اليوم الثاني اثناء جلسة نقاشات توحيد المؤسسة العسكرية مُصرا على انه لابد أن يجمع بين صفة القائد العام والأعلى قبل الانتخابات كما صرح المسماري انهم لا يعترفون في الكرامة بصفة القائد الأعلى، وهي “بهلونيات/تكتيكات” أربكت الايطاليين ولكنهم تعاملوا معها بحذر وذكاء نادر، وعمليا لم يهتم الإيطاليون بزيارة حفتر لموسكو قبل أربع أيام من المؤتمر مع أنهم علموا بخفاياها وانتبهوا لمتابعة غرضيتها اللاحقة…

ث- استراتيجيا الفرنسيين الصامتة تجاه الايطاليين والمؤتمر الدولي:

مما لا ريب فيه أن الفرنسيين وان بدوا هادئين ظاهريا لافتكاك الايطاليين للملف منهم ما بعد مؤتمر باريس في نهاية آيا/ماي الماضي بعد امتلاكهم العمل واللوجستي له منذ ربيع 2017، فانهم اعتمدوا سياسات خفية وصامتة في انتظار التطورات والمتغيرات وعمدوا الى توخي ديبلوماسية احتوائية وخاصة أثناء وبعد مؤتمر “باليرمو”، وطبعا تم تنزيل ذلك عن طريق حلفائهم الموضوعيين أي قيادات الكرامة ومن ورائهم المصريين والاماراتيين وقوى أخرى غير ظاهرة في الصورة…

ولم يبق الفرنسيون مكتوفي الأيدي حيث تحركوا في كل الاتجاهات مثلما فعل الايطاليون قبل وأثناء وبعد مؤتمر باريس، وتطور فعلهم تكتيكيا عبر عدد من اللقاءات مع الفاعلين الليبيين على غرار استقبال ماكرون للطاهر السني (مستشار السراج السياسي) بداية الشهر الحالي، وأيضا تلاحقت تكتيكات الفرنسيين من خلال استقبال وفد عن نواب مصراتة قبل أسبوع فقط من المؤتمر إضافة الى احداث وتطورات في الداخل الليبي قريبة من فاعلين قريبين من الفرنسيين، ولاشك ان رسائل الايطاليين المعبرة عن مكانة للفرنسيين والتوافق معهم لم تكن مفلحة في استراتيجيات الارباك التي قد تكون أنجزت بطرق مختلفة وعبر اشكال غير مباشرة….

3- الخلاصة أن الايطاليين وان بدت خطواتهم واستراتيجيتهم قبل وأثناء المؤتمر الدولي مرتبكة، فانهم بدوا متزنين حيث لم يفقدوا البوصلة، ومارسوا ديبلوماسية حذرة تجاه جميع الأطراف وبدلا من الإصرار أن يكون المؤتمر ناجحا بشكل كامل أو ينفجر، اتبعوا سياسة تحقيق وضمان الحد الأدنى عبر اختيار أن يكون المؤتمر مؤديا للمؤتمر الجامع ثم لاحقا تبنى على قراراته عملية انجاز الاستحقاقات الانتخابية في ربيع 2019[7]….

وإضافة الى كل ذلك نجح الايطاليون في:

أ- بعث رسائل انهم طرف دولي مهم وشريك مقتدر ورئيسي وخاصة مستقبلي في القضايا الاقليمية وخاصة تلك التي تهم القارة الافريقية حيث امتلكوا الملف الليبي بل وأداروه بحكمة واتزان وشراكة رغم أن النجاح يعتبر نسبيا من حيث النتائج المباشرة…

ب- دعموا البعثة الأممية وفكرة اشراك الليبيين في الترتيبات للمؤتمر وفي مخرجاته، ولعل كلمة سلامة كانت دالة عندما قال “ان المؤتمر كان وسيكون جسرا للحل نحو المؤتمر الوطني الجامع”، وبذلك أفلح الايطاليون في إعطاء فكرة إعادة اشراك الليبيين في الحل أبعادها الرمزية والدلالية من خلال أن كان المؤتمر رافعة وحل أولي للتوجهات الكبرى للخارطة الأممية المستقبلية عبر تحيد موعد انتخابي بعد مرحلة مقبولة (نوفمبر – جوان أو سبتمبر) عمليا وأطول من المدة التي منحها لقاء باريس ( جوان – ديسمبر)، كما أقر مؤتمر باليرمو ونص على أسس دستورية متعارف عليها لإجراء الاستحقاقات الانتخابية بينما كان اجراء الانتخابات في 10 ديسمبر 2018 سيكون واردا على أسس غير دستورية….

ت- أحبطوا سياسات ارباك المؤتمر وافراغه من محتواه فوضعوا اللواء المتقاعد خليفة حفتر في صورة “المُربك” لتقدم حل الملف الليبي والباحث عن حكم ليبيا عبر أسس غير دستورية، وأثبتوا للعالم أن بعض الأطراف الإقليمية هي أمثلة للتهور والارباك، وأنها تلعب أدوار خفية تخريبية بل وتعمل على هوامش عدة في القضايا الإقليمية عبر لوبيات وقوى عالمية عبر تنزيل سياسات تعتمد المادي واللوجستي وخيارات الارباك والاحتواء والتأثير في السياسات الدولية في معالجة الازمات الاقليمية…

ث- أثبت الايطاليون ترهات وأكاذيب الحديث عن محور “قطري-تركي – إيطالي – الغرب الليبي”، التي روجت لها قنوات عربية ووسائل اعلام مصرية وخليجية بالأساس، بل وتبين أنها هي مجرد أسطوانة مشروخة تم ترديدها طيلة السنوات الثلاث الماضية، والغريب أنه بعد مؤتمر “باليرمو” قالت تلك الابواق ان الحلف المذكور سقط وانتهى، وعمليا أكدت دراسات ومتابعات أن مراكز البحوث الأجنبية والفاعلين الرئيسيين التنفيذيين لبعض الأطراف الدولية قد وقفت على سقطات تلك الأبواق ومن يقف وراءها من دول إقليمية وأطراف محلية ليبية…

* الفرنسيون: السياسات الصامتة والخيارات الحذرة

استطاع العقل السياسي الفرنسي مع وصول ماكرون للحكم استقراء مستقبل القارة الافريقية وتطور حضور قُوى دولية أخرى فيها، فتم بناء استراتيجيات ديناميكية لقوة الحضور والفعل والتأثير، وتم منذ جويلية/يوليو 2017 امتلاك الملف الليبي وادارته والتواصل مع القوى السياسية والاجتماعية في ليبيا وصولا لمؤتمر باريس في نهاية ماي الماضي[8]، وطبعا وظف الفرنسيون الازمة السياسية الإيطالية التي طالت لأشهر كما وظفوا تردد الايطاليين في إرساء سياسة استراتيجية تتناغم مع التطورات السريعة للملف الليبي وترتيباته المطلوبة وضرورة الدفع بمبادرات وخيارات للميدان لتحريك السواكن …

ومع دخول الايطاليين على خط إدارة الملف بمباركة امريكية واصطفاف بعض الدول الرئيسية معهم، حدثت خلافات داخل الإدارة الفرنسية وتزامن ذلك مع استقالة أكثر من وزير فرنسي على خلفية ملفات فرنسية داخلية وأخرى اقليمية، وأصبحت السياسة الفرنسية تباعا في حالة تراجع وارتباك وخاصة في قراءة تطورات المشهد في ليبيا ومن بين أسباب ذلك الانحسار المستمر للواء المتقاعد خليفة حفتر وهو الذي راهن الفرنسيون عليه، واحتووا كل معسكره السياسي والاجتماعي خلال السنوات الثلاث الماضية، فهالهم تراجع شعبيته حتى في الشرق الليبي وخاصة بعد ورود تجاوزات نجله المالية ومقربين منه في تقارير أممية، فعدلت الإدارة الفرنسية سياساتها ومواقفها عبر بعض الخطوات والعلاقات مع بعض اطراف إقليمية، حيث تم تغيير السفيرة الليبية بأخرى وتم الإعلان عن فتح السفارة الفرنسية في طرابلس خلال شهر أفريل المقبل، كما تم الانفتاح أكثر على حكومة الوفاق الوطني وتم فتح علاقات مع بعض الفاعلين في مدينة مصراتة، وبالتوازي مع زيارة غسان سلامة للقاهرة في أكتوبر الماضي أكدت مصادر مقربة من “الإليزي”، أن الفرنسيين قد عبروا أنهم ضد أي مغامرة عسكرية من طرف حفتر باتجاه المنطقة الغربية…

وفي “باليرمو” بدأ الفرنسيون ظاهريا حذرين، وارتاحوا لتصريحات كونتي المؤكدة على التوافق معهم، ولكن وكما بينا أعلاه فان حلفائهم الكلاسيكيين حاولوا ارباك المسارات ومخرجات المؤتمر والبعد التوافقي الذي حرص الايطاليون على ابرازه….

* الأمريكيون وسياسات الاحتواء الناعمة والمؤثرة

بدأ الامريكيون في الخفاء والعلن، مُصرين على تنفيذ تطبيق خطة مساعد المبعوث الاممي للشؤون السياسية “ستيفاني لويليماز”، وهي الخطة الموسومة بالخطة ب والتي نُشرت بعض تفاصيلها أثناء الاشتباكات الدموية جنوب العاصمة طرابلس في نهاية أوت/أغسطس الماضي، و الخلاصة أن الأمريكيين اعتبروا “باليرمو” مجرد محطة وضعوا من خلالها الايطاليين في الواجهة (وهم شريك أساسي لهم بل ويقومون بأدوار وظيفية لهم في أكثر من بلد وفي أكثر من ملف إقليمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية)، وهو ما قد يفسر ضعف التمثيل الأمريكي في المؤتمر بعد أن كان مبرمجا ان يحضر ترامب بنفسه للمؤتمر، كما أن المؤتمر الجامع في بدايات 2019 بالنسبة للأمريكيين سيكون مجرد عملية اضفاء شرعية على خطوات تلميذة رامسفيلد وصولا لهدفهم الأخير وهو الاستقرار في ليبيا للتفرغ لملفات الشرق الأوسط التي ستتفاقم بحدة خلال الأشهر والسنوات القادمة إن لم يكن ذلك بعد أسابيع أو أشهر معدودة، ورغم البيان المهم والمطول للخارجية الأمريكية اثر نهاية أشغال مؤتمر “باليرمو” فانهم سيعملون على تمطيط الملف الليبي وفقا للمتغيرات والتطورات اللاحقة في المنطقة بما يتناسب مع استراتيجيتهم مع النظام المصري المؤمنين بضرورة احداث تغييرات مستقبلية عليه (على ان تلك التغييرات ستتراوح بين تعديلات واصلاحات أو حتى العمل على رحيل السيسي في فترة لاحقة)، ولا شك ان الموقف الأمريكي يرتكز على نهاية دور حفتر الذي لعبه في المرحلة السابقة مع الاحتفاظ بإمكانيات تطور فسيفساء السيناريوهات المستقبلية عبر إعطاء دور للناظوري مثلا، ومعلوم أن الأمريكيين هم أكثر العارفين بحفتر وهم يعرفون جيدا هوامش تحركاته ومراميه وحتى أسباب اعتقاله وابعاده لبعض المقربين منه، مع العلم أنهم عبروا في أكثر من مناسبة وخاصة سنة 2016 عن انزعاجهم من علاقته بالروس…

* حول مواقف بقية الدول الأوروبية

بدت الدول الاوربية الأخرى مشتتة من حيث مواقفه المعلنة والخفية بين الايطاليين والفرنسيين وان كانت أقرب لإيطاليا وتتراوح أدوارها ووظائفها بين القرب من الفرنسيين والأمريكيين واللامبالاة باستثناء الهولنديين والسويسريين، أما الأنقليز وان كانوا أقرب للموقف الأمريكي غان لهم استراتيجيات تنزيل هادئة وذات نفس طويل…

* الروس والسياسات غير الواضحة تجاه الملف الليبي

تنتهج روسيا سياسة غير واضحة في ليبيا، ولا تعتبر قائد الجيش الوطني الليبي اللاعب الرئيسي على الساحة السياسية الليبية، لكن يرغب اللواء المتقاعد في إظهار عكس ذلك للغرب من خلال زيارته إلى موسكو يوم 08 نوفمبر الحالي (أي اربع ايم فقط قبل “باليرمو”)، مع العلم وأن المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” قد أكد يومها “لن يلتقي فلاديمير بوتين بخليفة حفتر، بل أن ذلك غير مدرج في جدول أعمال الرئيس الروسي”، ومعلوم ان العلاقات الروسية مع حقتر قد كانت تجرى منذ 2015 بوساطات مصرية، كما تم الحديث عن مقابلة لحفتر خلال زيارته الأخيرة مع تاجر روسي يوفر المرتزقة….

وقد دار حديث في كواليس “باليرمو” عن استراتيجيا مستقبلية روسية خاصة بالمنطقة الافريقية مع التركيز على ليبيا والجزائر تحديدا، الا أن الحضور الروسي المستقبلي في ليبيا ليس موضوعا بسيطا فهو يتراوح بين الممكن السهل والمستحيل نتاج عوامل تاريخية وإرث قديم في المنطقة بكاملها ففي عهد الاتحاد السوفياتي وقوته الضاربة صعب عليه سنة 1951 التموقع في ليبيا يومها، والخلاصة أن عودة روسيا من حيث الحضور الاستراتيجي واستعادة جزء من رصيد الاتحاد السوفياتي عالميا أمر مرتبط بالقدرة على التماهي مع التطورات والمتغيرات خلال الأشهر والسنوات القادمة، أما راهنا فليبيا ليست سوريا وما سمح به الامريكيون والأوروبيون هناك لن يسمحوا به في شمال افريقيا نتاج عوامل متعددة في علاقة بالطاقة والنفط ونتاج رؤية استراتيجية للأمريكيين لكل المنطقة المتوسطية والشرق أوسطية…

وهنا لابد من وضع الاعتبار واستحضار فكرة بعض أنصار القذافي السياسيين حول جلب الروس للساحة الليبية عبر الاستئناس بتجربتهم في سوريا وهي الخطة التي تم تقديمها لحفتر واقناعه بها وشرحها المسماري في اوت/اغسطس الماضي خلال تصريحات له اثناء زيارة له للقاهرة[9]…

وعمليا كان الحضور الروسي في “باليرمو” قويا وبدا على الوفد الروسي التحفز والهدوء الحذر مما يعني توضح معالم سياسة مستقبلية ممهدة لاستراتيجيات قادمة لن تكون بالأكيد هي نفسها السياسة الروسية السابقة والمتبعة منذ 2014….

البارزة, وجهات نظر 0 comments on على هامش الجدل حول جولة ولي العهد السعودي العربية : هل تمتلك تونس سياسة شاملة في علاقاتها العربية و الخليجية ؟ .. بقلم كمال بن يونس

على هامش الجدل حول جولة ولي العهد السعودي العربية : هل تمتلك تونس سياسة شاملة في علاقاتها العربية و الخليجية ؟ .. بقلم كمال بن يونس

على هامش التحولات السياسية والجيو استراتيجية السريعة في المشرق العربي عموما والدول الخليجية خاصة والجدل حول جولة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في عدة عواصم عربية بينها تونس يكون السؤال الكبير : هل تمتلك تونس رؤية ديبلوماسية لتلك المستجدات ولمستقبل علاقاتها بالرياض ودول المشرق العربي ؟

    لا خلاف حول التباينات الكبيرة التي برزت بين المواقف الرسمية و الحقوقية و الشعبية من مستقبل العلاقة بين تونس و المملكة العربية السعودية عامة ومن زيارة الامير محمد بن سلمان خاصة .

و لئن اولت مواقف الجمعيات والنقابات والمنظمات الصحفية أولوية لملف الصحفي جمال خاشقجي بأبعاده الحقوقية والسياسية ، فقد سادت تصريحات مستشاري رئيس الجمهورية وقيادات حزب نداء تونس وسياسيين من الائتلاف الحاكم لهجة ” براغماتية ” أعطت الأولوية لتقاطع المصالح بين تونس والحكومات ورجال الاعمال في دول الخليج العربية  ولفرص تطوير الشراكة في مجالات الاستثمار والمبادلات والتشغيل .

وقد أورد وزير الخارجية خميس الجهيناوي في تصريح للصباح نيوز أن تونس تدعم التطورات الايجابية في دول المشرق العربي عامة ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة ، وتسعى الى دعم استثمارات السعودية والخليجية في  تونس والى ترفيع مستوى الشراكة معها دون استثناء ، وسجلت بارتياح تحسن الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية في العراق وسوريا ونجاح العملية الانتخابية التي نظمت قبل ايام في مملكة البحرين ورحبت بها جامعة الدول العربية واغلب الدول في المنطقة.

في نفس الوقت اعتبر الجهيناوي أن موقف تونس من جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي واضح ومتقدم عن مواقف اغلب الدول الغربية التي سوف يشارط قادتها في قمة ال20 في الارجنتين بحضور الرئيس التركي وولي العهد السعودي .

  بالنسبة لسوريا أورد الجيهناوي في تصريحه للصباح نيوز أن الاوضاع تحسنت كثيرا بعد وقف اطلاق النار ودعم اغلب دول المنطقة للمسار السياسي وللسلطة المركزية في دمشق ، واجماعها على ضرورة القضاء على ما تبقى من جيوب الارهاب والعنف .

وأورد وزير الخارجية أن تونس التي فتحت قنصليتها في دمشق قد تطور مستوى تمثيلها الديبلوماسي وشراكتها في سوريا .

  بالنسبة للعراق التي سبق لوزير الخارجية أن زارها والتقى قادة مختلف الاطراف فيها اعتبر وزير الخارجية ان أوضاعها تتحسن بنسق سريع امنيا وسياسيا واقتصاديا ويمكن تطوير الشراكة معها ومع بقية الدول الخليجية والعربية .

  بالنسبة لبلدان النزاعات و الحروب ، وعلى راسها ليبيا و اليمن وسوريا ، اعتبر وزير الخارجية أن موقف تونس يتصدر المواقف التي تدعم جهود التسوية السياسية . وأعلن أن تونس وسف تستضيف قريبا اجتماع اللجنة العليا التونسية الليبية وسوف تشارك يوم الخميس في مؤتمر وزراء خارجية دول جوار ليبيا.

كما سيحضر وزير الخارجية مع نظيريه الجزائري والمصري بعد نحو اسبوعين في القاهرة  مؤتمر وزراء المبادرة الرئاسية حول ليبيا .

 في الاثناء تتقدم خطوات التحضير اللوجستي والسياسي لتنظيم القمة العربية ال30 في تونس خلال الايام العشر الاخيرة من شهر مارس القادم ومن المقرر ان تقترن بزيارة العاهل السعودي سلمان الذي سوف يسلم الرئاسة الى الرئيس الباجي قائد السبسي .

 إذن فإن الديبلوماسية التونسية التي لعبت دورا مميزا منذ مرحلة الكفاح الوطني في الاربعينات من القرن الماضي عندما كان الزعيم بورقيبة ورفاقه يحصلون على الدعم السياسي والمادي في مصر وسوريا والسعودية والعراق ، يمكن أن تكون من بين مداخل اخراج تونس من أزمتها الحالية المتعددة الأوجه وبينها الازمة الاقتصادية والمالية .

إن قيمة الاسثتمارات الخليجية في تونس تفوق حاليا ال6 مليار دينار ويمكن مضاعفتها مرارا ، إذا نجح صناع القرار في تحقيق الامن والاستقرار وتحسن مناخ الاعمال في البلاد .

و يمكن الاستفادة بنسق أكبر من فرص الشراكة الهائلة مع بلدان كل بلدان الخليج التي تستعد لعقد قمتها في الرياض الشهر القادم ، وبينها المؤسسات المالية العربية والاسلامية والدولية العملاقة  في البحرين التي تراهن كل دول العالم على دعم استقرارها دعما لدور ها كعاصمة مالية مميزة .