وجهات نظر 0 comments on ما بعد البشير.. هل سيقضي صراع المحاور الإقليمية على الثورة السودانية ؟ بقلم محمد السعيد

ما بعد البشير.. هل سيقضي صراع المحاور الإقليمية على الثورة السودانية ؟ بقلم محمد السعيد

كانت قرابة خمسة أشهر متواصلة من الاحتجاجات التي انطلقت في ديسمبر/كانون الأول الماضي وأدّت في النهاية إلى إطاحة الجيش السوداني برئيس البلاد “عمر البشير” من منصبه. فترةٌ كانت كافية لجعل مشاهد الاحتجاجات والتظاهرات في الشوارع طقسا تقليديا من طقوس الحياة اليومية للسودانيين، وجعلت أخبارها مكررة ومألوفة لمسامع المتابعين للأحوال السودانية، لكن ما لم يكن مألوفا أو عاديا أو مكررا هو موقع تلك الاحتجاجات الرمزية التي وقعت منذ أسبوعين فقط، في الخامس والعشرين من أبريل/نيسان المنصرم، في شارع الجمهورية وتحديدا أمام مقر السفارة المصرية في العاصمة الخرطوم.

   

فبخلاف سائر الاحتجاجات السودانية المستمرة التي تركزت مطالبها على الإطاحة بشركاء نظام البشير وتسليم السلطة لحكومة مدنية، كانت احتجاجات السفارة المصرية أحد فصول دفعة خاصة من الاحتجاجات التي استهدفت من يراهم السودانيون اليوم العائق الرئيس أمام مطالبهم في انتقال سياسي ديمقراطي وسلس، ومن يرونهم داعمين رئيسين للاستيلاء العسكري على السلطة، وهم في نظر الثوار السودانيين تحالف ثلاثي يشمل الدول الثلاث التي يعرفها العالم الآن على أن أنظمتها هي الأكثر عداء للحراك الجماهيري العربي بجميع أشكاله وتنوعاته: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، تحالف يرى السودانيون أنه يرغب الآن في هندسة المشهد السياسي للبلاد بشكل يخدم مصالحه، وذلك عبر تقليل مكاسب الحركة الشعبية الجماهيرية إلى الحد الأدنى، وفي الوقت نفسه تعظيم مكاسب الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات البيروقراطية التقليدية في الدولة السودانية.

في ضوء ذلك، كانت هتافات(1) المحتجين السودانيين خارج السفارة المصرية في الخرطوم واضحة ومركزة نحو هدفها بشكل كبير مثل: “قول للسيسي دا السودان.. وأنت حدودك بس أسوان”، وهو هتاف لا يبدو أنه يُعبّر فقط عن رفض سياسات الرئيس المصري الحالي “عبد الفتاح السيسي”، من يرى السودانيون أنه يستغل موقعه في قيادة الاتحاد الأفريقي لشراء المزيد من الوقت للسلطة العسكرية وعرقلة الانتقال السياسي في بلادهم، ولكنه يُعبّر عن حالة أوسع من الرفض لجميع أشكال التدخل الخارجي الإقليمي والدولي التي تهدف إلى إدارة الانتقال السياسي في الدولة التي تعد أحد مفاتيح أفريقيا الأهم، ومن ثم تقليل المكاسب السياسية للحراك الجماهيري السوداني.

   

غير أن مراسم الغضب الاحتجاجي لم تقف عند حدود الهتافات على ما يبدو، حيث أقدم المتظاهرون أمام السفارة المصرية على خطوة جريئة وغير تقليدية بإرسال مذكرة رمزية للسفير المصري طالبوا فيها السيسي بوقف التدخل في الشؤون السودانية، وهي رسالة تبدو مطابقة تماما للرسالة التي تلقاها(2) حلفاء الثورات المضادة الآخرون في السعودية والإمارات عبر الهتافات واللافتات المنددة ورفض المساعدات المغموسة بالأهداف السياسية، رفض تجلّى مع قيام المعتصمين أمام مقر الجيش بطرد شاحنة مساعدات إماراتية وإجبارها على الخروج من مقر الاعتصام في وقت سابق من الشهر الماضي أيضا.

     

كانت الترويكا “السعودية المصرية الإماراتية” قد حسمت مواقفها(3) على ما يبدو وأعلنت وقوفها خلف المجلس العسكري الانتقالي منذ ثلاثة أسابيع، وسخّرت نفوذها السياسي والمالي لتوجيه دفّة الانتقال السياسي في السودان، حيث تعهدت الرياض وأبوظبي بتقديم حزم مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار في صورة وديعة مباشرة لدى البنك المركزي السوداني لإيقاف التدهور في قيمة العملة، وهو دعم سخي رد عليه “عبد الفتاح البرهان”، رئيس المجلس العسكري، بالإشادة بالدعم المصري السعودي الإماراتي لبلاده، واصفا المملكة تحديدا بأنها “أفضل أصدقاء السودان في الوقت الراهن” حد تعبيره.

     

تسلط هذه المفارقة الواضحة بين الموقف المتشكك للمتظاهرين والثوار السودانيين تجاه ثلاثي الثورات المضادة، وبين موقف السلطة العسكرية الحاكمة حاليا للبلاد، تسلط الضوء على إحدى أكبر معضلات الانتقال السياسي هناك، ففي حين كانت الثورة السودانية بالأساس احتجاجا داخليا سودانيا ضد الفساد والاستبداد والقمع الذي مارسه نظام البشير على مدار 30 عاما، فإن مصير السودان اليوم لا يبدو أنه يقع في أيدي السودانيين وحدهم، من وجدوا أنفسهم فجأة طرفا في لعبة ضخمة حول السلطة والنفوذ بين مجموعة واسعة من القوى الإقليمية والدولية، وهي لعبة تدور رحاها في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي منطقة القرن الأفريقي بشكل خاص، وتضافرت معها العديد من العوامل لتجعل السودان إحدى أبرز ساحاتها، بداية من الجغرافيا المميزة على البحر الأحمر، ومرورا بالهشاشة الاقتصادية والسياسية التي جعلت السودان دوما غير قادر على الاعتماد على نفسه بمعزل عن الرعاة الأجانب، وليس انتهاء بـ30 عاما من حكم عمر البشير الذي كان يبدل حلفاءه وأعداءه أسرع مما يبدل أحذيته، ضمن مقامرته الكبرى التي صممها من أجل البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، والتي يبدو أن المجلس العسكري الحالي سيسير على بعض خُطاها.

   

الطريق إلى الخرطوم

تنبع القيمة الإستراتيجية للسودان من سِمتين جغرافيتين، أولاهما سواحله الممتدة على البحر الأحمر، وثانيهما نهر النيل الذي يشق قلب البلاد مانحا إياها المياه الوفيرة ومساحات شاسعة من الأراضي الأكثر خصوبة، وفي حين أن هذه المزايا الطبيعية لم تكن كافية لجعل السودان محطة بارزة للتنافس بين القوى العالمية التي غالبا ما كانت تخشى من التورط في الصراعات العرقية طويلة الأمد في البلاد، فإنها كانت مغرية بشدة للقوى الإقليمية التي توافدت إلى السودان في السنوات الأخيرة بحثا عن الفرص الكامنة في واحد من أفقر بلدان أفريقيا.

  

منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت دول الخليج وبخاصة السعودية والإمارات وقطر في مقدمة(4) القوى الطامحة لاكتساب موطئ قدم في السودان، فرغم انتعاش الخزائن المالية لهذه الدول بفعل عائدات النفط والهيدروكربونات، فقد ظلّت تحمل هواجس كبرى بسبب فقرها المائي وقلة الأراضي الزراعية اللازمة لسد الاحتياجات الداخلية من الغذاء، لذا فإن هذه الدول سارعت مبكرا للاستثمار في القطاع الزراعي السوداني.

   

لكن العلاقات التي قامت بداية على رغبة طويلة الأمد في ضمان الأمن الغذائي؛ سرعان ما اكتسبت أبعادا جيوسياسية مع قدوم “عمر البشير” إلى السلطة أواخر الثمانينيات عبر انقلاب عسكري، واحتضانه الخطابي للتوجه الإسلامي الثوري الذي وضعه بشكل تلقائي ضمن قائمة حلفاء نظام الثورة الإسلامية في طهران، تحالف سرعان ما تمخض عن توقيع اتفاقية دفاعية بين البلدين، ما منح إيران موطئ قدم جديدا على الحدود البحرية للسعودية، وفي الوقت نفسه منح طهران الفرصة للاستفادة من السودان كباحة خلفية لطموحاتها الإقليمية، حيث شرعت في بناء مصانع للأسلحة وفتح خطوط إمداد لتزويد حلفائها ووكلائها خاصة حزب الله في لبنان.

  

بعد ذلك، منحت تغيرات السياسة(5) في الأعوام الأخيرة فرصا أكبر في السودان لأكبر منافسي إيران من دول الخليج العربية، فمع استقلال جنوب السودان عام 2011 بعد حرب أهلية طويلة، ورث الجنوب معظم احتياطات النفط المشتركة سابقا ما تسبب في تقلص عائدات السودان بشكل كبير، ومع قيام الحرب الأهلية في جنوب السودان لاحقا، وتناقص العائدات التي يحصل عليها السودان مقابل شحن النفط الجنوبي عبر موانئه، أُجبر النظام السوداني على البحث ليس فقط عن مورِّدين بدلاء للنفط، ولكن عن مصادر مختلفة للدخل والسيولة المالية في ظل الأزمة الاقتصادية المُلِحَّة.

  

كانت تلك فرصة(6) لا تُقدّر بثمن للرياض التي تمتلك قدرة على ضخ المال الذي يحتاج إليه السودان بشدة وبكمٍّ لا تستطيع إيران أن تجاريه، لذا كان 11 مليار دولار من التعهدات باستثمارات السعودية كافية تماما لدفع نظام البشير لتغيير وجهته للضفة العربية من الخليج، وفي المقابل فإن اهتمامات السعودية، وحليفتها الإمارات في السودان، لم تعد تقتصر على الأمن الغذائي، فمع دخول البلدين إلى الحرب في اليمن مطلع عام 2015، كان الحصول على جحافل من المقاتلين منخفضي التكلفة من السودانيين الفقراء إغراء لا يمكن مقاومته، ويبدو أن الصفقة الضمنية عملت بشكل جيد، ففي مقابل الأموال والاستثمارات الخليجية، قطع السودان علاقاته مع إيران، وقدم 14 ألف مقاتل من الجيش والميليشيات تصدروا الصفوف الأمامية لمعارك التحالف السعودي في اليمن.

  

بخلاف ذلك، كانت السعودية والإمارات قد نجحتا(7) فيما يبدو في إقناع نظام البشير أن بإمكانهما إقناع واشنطن بتخفيف العقوبات على السودان ورفع البلاد من على قوائم الإرهاب؛ حال قبلت الخرطوم التخلي عن طهران والتحالف مع الرياض وقبول التعاون مع أميركا في مجال “مكافحة الإرهاب”، وهو ما تحقق جزئيا بإعلان واشنطن مطلع عام 2017 رفع بعض العقوبات عن السودان في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما قبل تسلم ترامب رسميا للسلطة، قبل أن تزيل إدارة الأخير لاحقا السودان من لائحة الدول المدرجة في قائمة حظر السفر الأميركي، مُشيدةً بتعاون الخرطوم في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية.

   

غير أن حلفاء الخليج الجدد لم يكونوا على قدر توقعات البشير على طول الخط، فبخلاف فشلهم في إقناع واشنطن برفع السودان من قوائم “الإرهاب” الأميركية والبدء في تسوية خلافات البشير مع المحكمة الجنائية الدولية، لم تضخ صنابير المساعدات السعودية المال للسودان بالقدر الذي وعدت به في البداية، حيث تخلفت الرياض عن مواعيد العديد من الاستثمارات والحِزم المالية للسودان، وهو ما دفع البشير لاستغلال أزمة مجلس التعاون الخليجي منتصف عام 2017 من أجل المناورة ضد الرياض والتودد إلى خصومها في قطر، رافضا الضغوط السعودية الإماراتية بقطع العلاقات مع الدوحة. 

   

كانت مناورة السودان برفض الانحياز في أزمة مجلس التعاون الخليجي على ما يبدو مدفوعة بتناقص ثقة البشير في وعود الرياض وتيقُّنه بصعوبة الاستغناء عن الاستثمارات القطرية، والتي رغم أن حجمها لا يضاهي حجم نظيرتها السعودية، فإنها لا تزال ضرورية للحفاظ على اقتصاد السودان الهش في الوقت الذي ظهرت فيه الدوحة أكثر التزاما بوعودها المالية. وفي الواقع يمكن القول إن البشير نجح لفترة طويلة في استغلال أزمة الخليج عبر الاستفادة من الكتلتين، حيث نجح خلال العام الماضي 2018 على سبيل المثال في تلقي استثمارات كبرى من كلا الطرفين، أبرزها عقد بقيمة 4 مليارات دولار مع الدوحة لاستثمار وتطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر.    

    

لعبة المحاور الإقليمية

بالنسبة إلى قطر الواقعة تحت حصار خليجي خانق، كان الاستثمار في السودان يتجاوز الأهداف الاقتصادية، ليكتسب بدوره بُعدا جيوسياسيا، ففي الوقت الذي استثمرت فيه السعودية والإمارات في سلسلة من الشراكات التجارية في بلدان شرق أفريقيا، فإنهما سرعان ما حوّلتا هذه الشراكات إلى تحالفات جيوسياسية وعسكرية كما هو متوقع، واستخدمتاها في فرض المزيد من الضغوط على خصومهما ودعم سياساتهما في المنطقة، وفي حين أن هذه الشبكة كانت تهدف بالأساس لاحتواء النفوذ الإيراني في شرق أفريقيا، فإن الرياض تحديدا لم تتوانَ في استخدامها لممارسة أقصى ضغط ممكن ضد الدوحة لإخضاعها إبان الأزمة الخليجية.

   

ولمواجهة السياسات القسرية السعودية الإماراتية، وجدت قطر نفسها في مسار يُحتّم عليها تعزيز تحالفها مع تركيا، وهو تحالف كان يتعزز عاما بعد عام منذ اندلاع الربيع العربي 2011 ووقوف تركيا وقطر على الجانب نفسه في دعم الحركات الشعبية في مواجهة الأنظمة السياسية القائمة، وهو جانب مُناقض للسعودية والإمارات اللتين راهنتا على الأنظمة القائمة وبشدة، وبلغ التحالف التركي-القطري ذروته مع اندلاع الأزمة الخليجية وانحياز أنقرة الصريح للدوحة، وقيامها بإرسال الآلاف من قواتها لقاعدة عسكرية في العاصمة القطرية بهدف حمايتها من غزو محتمل كان في طريقه للحدوث على الأرجح من جيرانها.

   

على مدار الأشهر التالية، كان البحر الأحمر وشرق أفريقيا الفضاء المثالي للشراكة التركية القطرية، ولم يكن السودان بعيدا عن ذلك بكل تأكيد، فقبل أسابيع من توقيع السودان لعقد لتطوير جزيرة سواكن مع الدوحة، استقبل السودان زيارة تاريخية من الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” هي الأولى لأي رئيس تركي للبلد الأفريقي منذ استقلاله منتصف الخمسينيات، حيث تم الإعلان عن اتفاق خصص بموجبه السودان جزيرة سواكن لتركيا للعمل على إحياء الطريق القديم للحجاج الأفارقة، وإنشاء رصيف بحري لتشغيل السفن المدنية والعسكرية، ضمن حزمة اتفاقات بقيمة 650 مليون دولار وتعهدات برفع التجارة البينية من 500 مليون دولار إلى أكثر من 10 مليارات دولار.

لا يعد الاهتمام التركي بالسودان جديدا على كل حال، وعلى غرار دول الخليج فإن تركيا تستثمر(8) بكثافة في القطاع الزراعي السوداني، حيث قامت بتأجير 780 ألف فدان من الأراضي الزراعية لمدة 99 عاما، وهي استثمارات لا تخلو من أبعاد جيوسياسية أيضا، مع اندفاع السياسة التركية العثمانية الجديدة نحو صراع النفوذ في البحر الأحمر مستندة إلى ركيزتين رئيستين؛ أولاهما روابطها التاريخية والثقافية مع بلدان المنطقة التي تعود إلى العصر العثماني، وثانيهما المساعدات والاستثمارات الاقتصادية، ليس فقط في السودان، ولكن أيضا في الصومال وجيبوتي.

    

وعلى غرار الرياض وأبوظبي مجددا، فإن أنقرة بدأت تسعى خلال الأعوام الأخيرة لتحويل نفوذها الاقتصادي إلى رافعة للنفوذ الجيوسياسي والعسكري، فقامت بافتتاح قاعدة عسكرية في الصومال عام 2017، وقامت بتوقيع اتفاقات أمنية مع كلٍّ من كينيا وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا لتدريب قوات الأمن في هذه الدولة على “مكافحة الإرهاب”، ما يعكس اهتمام أنقرة المتزايد بلعب دور كبير في منطقة البحر الأحمر وأمن الممرات المائية في شرق أفريقيا.

   

وفّر الطموح التركي والحصار القطري إذن متنفسا لنظام البشير بعيدا عن الهيمنة الافتراضية للسعودية والإمارات، ومكّنه من تحقيق المكاسب من جميع الأطراف، وكما نجح في الداخل في وضع نفسه مركزا وراعيا أوحد لشبكة معقدة من الأجهزة الأمنية والعسكرية، فإنه نجح أيضا في وضع نفسه مركزا للمحاور(9) الإقليمية المتنافسة التي صارت تنظر للبشير باعتباره راعيا لمصالحها.

   

في ضوء ذلك، يمكن تفسير حالة الارتباك التي أصابت القوى الإقليمية في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية الكبرى التي اندلعت ضد نظام البشير أواخر العام الماضي، والتي كانت استثناء واضحا من المشهد الإقليمي المميز لاصطفافات الربيع العربي؛ وهو مشهد تنحاز فيه أنقرة والدوحة للاحتجاجات والتطلعات الشعبية، في مقابل دعم الرياض وأبوظبي للأنظمة السياسية الأوتوقراطية، في مشهد بدا معه السودان جملة اعتراضية في سياق احتجاجات العرب.

فبالنسبة إلى الرياض وأبوظبي والقاهرة وحلف داعمي الثورات المضادة، فإن نظام البشير لم يكن صديقا حقيقيا، ولكنه كان حليفا متقلبا يمكن أن يبدل ولاءه في أي لحظة، هذا بخلاف انتمائه الأيديولوجي الظاهر كأقدم أنظمة الحكم الإسلامية العسكرية في المنطقة، وهي حقيقة قاسية كان على هذه الدول المعادية بشدة للإسلام السياسي أن تتجاهلها لفترة طويلة في تعاملها مع البشير، لذا فإنه ورغم كراهية هذه الدول لأي تغيير يأتي عبر الجماهير لمخاوف أن يلهم تغييرات مماثلة تضرب شواطئهم، كانت احتجاجات السودان تحمل فرصة كامنة لاستبدال نظام أكثر استقرارا وولاء لمصالح هذه الدول بنظام متقلب، شريطة أن تتم إدارة الانتقال السياسي بطريقة تقلل من مكتسبات الحركة الشعبية السودانية الحالية، وتعظّم من مكتسبات الأجنحة العسكرية التي تتمتع بروابط وثيقة مع هذه الدول بحكم المشاركة الطويلة للقوات السودانية في حرب اليمن.

   

على الجانب الآخر، فإن أنقرة والدوحة لم تنجحا -إلى حد بعيد- في صياغة مقاربة تجمع بين الأخلاقية والبراغماتية في التعامل مع الاحتجاجات السودانية، وواصلتا الرهان على البشير باعتباره أفضل الخيارات الجيوسياسية المتاحة، وأقلها ضررا، لما يمكن أن يُتبعه سقوط البشير من مُكتسبات جديدة تضاف لمحور “الثورات المضادة”، فلم يقدم الإعلام القطري الدعم المعتاد شديد الكثافة عنه للربيع العربي مع الانتفاضة السودانية رغم أنه لم يُعادِها بحال، مُكتفيا بالتغطية الإخبارية الاعتيادية، في حين ظلت أنقرة متمسكة بالبشير حتى لحظاته الأخيرة، وقد تسببت هذه الحسابات في نشوء مشهد إقليمي مرتبك بشدة، فمع لحظة الإطاحة بالبشير، وفي حين تلقى المجلس العسكري الحاكم -بحكم الواقع- دعما ثابتا وراسخا من محور إقليمي راسخ ومستقل متمثل في معاداته للثورات بصورة مُطلقة، فإن قوى الثورة الجماهيرية تظل حتى اللحظة بلا حلفاء إقليميين ودوليين حقيقيين يرتكزون على دعمهم.

   

الثورة

يستمر الصراع ويحتدم إذن بين العسكريين والأمنيين المدعومين من محور الثورات المضادة، وبين قوى الثورة السودانية المختلفة، الممثلة بقوى الحرية والتغيير، والتي تفتقر إلى وجود داعم حقيقي، في ظل فقدان تركيا والدوحة للكثير من رأس مالهما الرمزي في الشارع السوداني بسبب موقفهما المرتبك من البشير والاحتجاجات التي أطاحت به، وهو صراع من المؤكد أن تداعياته لن تقتصر على الانتقال السياسي داخل السودان فقط، ولكن على موقع الخرطوم في لعبة موازين القوى المعقدة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والتي تدور رحاها ليس فقط بين القوى الإقليمية مثل السعودية وتركيا ومصر وإيران والإمارات، ولكن أيضا بحضور القوى العالمية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين وروسيا.

  

لطالما كان السودان لاعبا لا يمكن التنبؤ به، خاصة منذ قدوم البشير إلى السلطة ووقوع السودان تحت طائلة العقوبات الأميركية، ما أجبره على البحث عن حلفاء بعيدا عن الغرب وعلى وجه التحديد في الصين وروسيا. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الصين والسودان جارية منذ عام 1959، فإنها ركزت خلال عقودها الأولى على شراكة الدولتين في حركة عدم الانحياز مع تعاون محدود في مجال التجارة.

ولكن مع التقدم الصيني المتزايد وتفاقم عزلة السودان، توسع وجود بكين بشكل ملحوظ في الدولة الأفريقية خلال العقد الأول من الألفية، حيث دشنت الصين 65 مشروعا للبنية التحتية في السودان شملت بناء القصر الرئاسي ومشاريع السكك الحديدية ومحطات توليد الكهرباء بالإضافة لدور الصين البارز في استخراج النفط السوداني بعد الحظر الدولي الذي قادته الولايات المتحدة، لتتحول الصين لاحقا إلى المصدر الرئيس للواردات السوادنية بحصة بلغت 24% وبفارق الضِّعف عن أقرب منافسيها. وفي ظل الحصار والعقوبات الغربية، كان من الطبيعي أيضا أن تتحول الصين -جنبا إلى جنب مع روسيا- إلى أبرز مزودي الأسلحة للجيش السوداني خلال الأعوام الأخيرة.

  

ليس من الصعب إذن فهم أسباب اهتمام الصين بالسودان، فمع وقوع البلد الأفريقي على طريق حيوي للتجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، فإن وجوده يصبح جوهريا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما يُفسّر بدوره استثمار الصين في دعم نظام البشير وامتناعها عن التعليق على التظاهرات ضده وترحيبها بالسلطة الجديدة حتى الآن، مع التعهد بالحفاظ على علاقات ودية مع السودان.

  

ينطبق الأمر نفسه على روسيا التي تشعر ربما أنها فقدت حليفا في منطقة حيوية مع رحيل البشير، في ظل التعاون الأمني واسع النطاق بين البلدين الذي زاد بشكل ملحوظ منذ عام 2017 مع توقيع اتفاقية بين البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصفها الديكتاتور السوداني آنذاك أنها تمنح روسيا “مفاتيح أفريقيا” مقابل “الحماية الروسية من الأعمال العدوانية في المنطقة”، على حد وصفه.

في ضوء ذلك يمكننا القول -و لن نكون مخطئين في ذلك- إن الولايات المتحدة تبرز في قائمة أبرز المستفيدين الجيوسياسيين من رحيل عمر البشير، رغم أنها لا تزال تتبنى موقفا حياديا وتراقب من بعيد السجال الدائر بين الفرقاء السودانيين. فرغم أن البشير قدّم الكثير من التنازلات لإرضاء واشنطن خلال العامين الماضيين، فإن سجله في جرائم الحرب وملاحقته من قِبل المحكمة الجنائية تجعله حليفا مُكلفا للسياسة الأميركية على المستوى الشعبي، وهو ما يفسر ميل أميركا لإسناد الملف السوداني خلال الأعوام الأخيرة إلى وكلائها الإقليميين الأبرز وهم الإمارات والسعودية ومصر.

   

في هذا السياق، يبدو أن سودان ما بعد البشير وفي ظل الحكم العسكري القائم حتى الآن ينتقل رويدا رويدا من معسكر الدول المارقة بالتصنيف الأميركي إلى حليف محتمل لواشنطن، ليكون بذلك آخر المنضمين إلى الترتيب الإقليمي الجديد للولايات المتحدة في القرن الأفريقي.

  

كانت الولايات المتحدة قد بدأت تشعر بالذعر بفعل التوسع الصيني في أفريقيا خلال العقود الأخيرة، وهو ما دفع الجيش الأميركي إلى إدخال تعديلات جوهرية في خريطة أولوياته الإستراتيجية في أفريقيا، واضعا مكافحة الصين وروسيا في قلب إستراتيجية الدفاع الوطني الجديدة التي كُشف عنها مطلع العام الماضي 2018، بعد عقد ونصف من التركيز على “مكافحة الإرهاب”. وكان اتفاق السلام الأخير الذي أنهى الصراع طويل الأمد بين إثيوبيا وإريتريا ورفع العقوبات الأميركية على إريتريا نفسها وحتى تخفيف العقوبات على نظام البشير قبل الإطاحة به، كانت جميعها تجليات للسياسة الأميركية الجديدة التي تدور بالأساس حول تحجيم النفوذ الصيني.

   

لم تعد الإطاحة بعمر البشير ومستقبل الانتقال السياسي في السودان بعده مجرد قضية حراك جماهيري أطاح بديكتاتور مستبد، ولكنه تحول إلى جولة جديدة في اللعبة الكبرى لمراكز القوى في القرن الأفريقي، ووفقا لما أفرزته نتائج هذه الجولة حتى الآن، تبرز الولايات المتحدة كأبرز الفائزين الدوليين، في حين أن السعودية والإمارات ومصر ومحور الثورات المضادة هو أكبر الفائزين الإقليميين خاصة حال نجاحهم في جلب الاستقرار للنظام العسكري القائم وتفتيت الحراك الشعبي الحالي وتقليل مكاسبه، في المقابل؛ يبدو أن المحور الإقليمي التركي القطري خسر الكثير من نفوذه ورمزيته في هذه الجولة، غير أن رد الفعل الداخلي المناهض للسعودية ربما يُمثّل فرصة لدور تركي قطري أكثر اتزانا قد يسهم في تقليل التأثير الاستبدادي لدول الخليج في الانتقال السياسي السوداني، ولكنها تبقى نافذة ضيقة -إلى حدٍّ ما- في ظل استثمار كلا البلدين  الكثير من الأصول في نظام البشير، والقليل جدا منها في التودد إلى الثوار ودعم المطالب الشعبية في اللحظات الحاسمة، وهو ما ينبغي أن يرى السودانيون خلافه بأي شكل، خصوصا إذا ما امتدت أيادٍ خارجية واضحة، عبر وكلائها الداخليين لإفشال مكتسبات الحراك الشعبي.

الجزيرة 

وجهات نظر 0 comments on مآلات الحرب الباردة ضد إيران في الخليج .. بقلم إيمان رجب

مآلات الحرب الباردة ضد إيران في الخليج .. بقلم إيمان رجب

تشهد منطقة الخليج خلال المرحلة الحالية فصل آخر من «حرب باردة» بين الولايات المتحدة وإيران، وسبقتها فصول أخرى فى سنوات التفاوض حول برنامج إيران النووى طوال العقد الأول من القرن العشرين، ومن المتوقع ألا تسفر الحرب الباردة الحالية عن اندلاع حرب مباشرة بين الجانبين فى الخليج، بل ستقود لجولة جديدة من المفاوضات حول دور إيران فى الترتيبات الجديدة التى تسعى إدارة ترامب لخلقها فى المنطقة.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on أحزاب تونس تلجأ إلى التحالفات لتعزيز حظوظها في الانتخابات المقبلة

أحزاب تونس تلجأ إلى التحالفات لتعزيز حظوظها في الانتخابات المقبلة

منية العيادي

 

مع انطلاق العد التنازلي للانتخابات التشريعية و الرئاسية المقررة في شهرَي أكتوبر و نوفمبر  2019،  ظهرت بين الأحزاب السياسية ، تحالفات و مبادرات ، تطرح نفسها كبديل قادر على تعديل المشهد السياسي في رابع استحقاق انتخابي يخوضه التونسيون بعد ثورة 14 جانفي 2011 و تسعى من خلالها بعض الأحزاب الجديدة إلى رفع حظوظها و البحث عن مكان لها في المشهد السياسي الحالي .

 

المرزوقي و العيادي .. من الانقسام السياسي إلى التحالف الانتخابي

 

قرّر كل من “حزب الحراك” (حراك تونس الإرادة سابقا) الذي يرأسه الدكتور المنصف المرزوقي و “حركة وفاء” التي يتزعمها الأستاذ عبد الرؤوف العيادي. ، الدخول في “تحالف سياسي انتخابي منفتح على كل القوى السياسية المؤمنة بأهداف الثورة و العاملة على تحقيق أهدافها”، وفق ما أعلن عنه أمس الأربعاء بالعاصمة، رئيس الحراك، منصف المرزوقي.

L’image contient peut-être : 1 personne

L’image contient peut-être : 3 personnes, costume

و أكد المرزوقي خلال ندوة صحفية عقدت الأربعاء ، تفاعل حزب الحراك و حركة وفاء إيجابيا مع مبادرة “تونس أخرى” التي أطلقتها كفاءات مستقلة يوم 2 ماي 2019، و التي تضم عددا من الكفاءات و الناشطين في المجتمع المدني من المستقلين حزبيا وإيديولوجيا، من أجل بناء مشروع سياسي وطني و اجتماعي، “قصد تحقيق العديد من الأهداف، منها أساسا تفكيك منظومة الفساد و تحييد اللوبيات المستفيدة منها و إعادة هيكلة الإقتصاد الوطني بالتعويل على القدرات الذاتية”.

و أشار إلى أن برنامج الحزبين يتطلب وجود كتلة سياسية قوية و رؤية استشرافية بعيدة المدى و التزاما وطنيا حقيقا يتجاوز الخلافات الحزبية و الإيديولوجية و تضافر جهود كل القوى المجتمعية، مضيفا أن الحزبين سيتقدمان إلى الإنتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، “للإنخراط في المسار الإصلاحي و لإعادة الإعتبار للسياسة و السياسيين”، وفق توصيفه.

و كان المرزوقي شرع منذ سبتمبر الماضي في لقاءات تشاورية مع رئيس حركة “وفاء” عبد الرؤوف العيادي من أجل وضع أرضية للتحرك المشترك و من أجل تنسيق الجهود و القوى لإنقاذ البلاد من الوضع المتأزم الذي تمر به.

و يعد المرزوقي و العيادي من القيادات المؤسسة لحزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” و نواته الصلبة، جمعهم مشروع سياسي ثوري و فرقتهم الهزات السياسية التي ضربت الحزب بعد فوزه في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 و صعود المرزوقي إلى رئاسة الجمهورية في 2012 .

 

مشاورات متقدمة بين النداء و المشروع و البديل

حركة نداء تونس المشروع وتحيا تونس: التحالف الانتخابي المستحيل

 

أفاد الأمين العام لحركة “مشروع تونس” حسونة الناصفي أن المشاورات متقدمة جدا بين المشروع و حركة نداء تونس (شق الحمامات)، و حزب البديل من أجل خوض غمار الانتخابات القادمة بصفة موحدة مشيرا إلى أن المشاورات تأتى في إطار جهود تجميع ما أسماه “النداء التاريخي”، و العائلة الوسطية الديمقراطية.

L’image contient peut-être : 2 personnes, intérieur

و تابع الناصفي أنّه هناك لجنة بصدد تحضير و إعداد اتّفاق سيتمّ التوقيع عليه من قبل هذه الأطراف، متابعا بأنّ الإتّفاق سيتضمّن المشاركة في الإنتخابات التشريعية بقائمات موحّدة، إلى جانب الإتفاق أيضا على مرشّح واحد للإستحقاق الرئاسي، كما أشار إلى امكانية التحاق البديل التونسي بهذا الاتفاق خاصّة وأنّه أصبح من بين الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية حاليا.

و أضاف الناصفي “أن المسار سياسي حزبي بالأساس قبل أن يكون برلمانيا لذلك فإن عملية التوحيد ستكون على مستوى الحزبين”.

 

كما أفاد رئيس اللجنة المركزية لنداء تونس و رئيس كتلته البرلمانية سفيان طوبال في تصريح لمغرب نيوز أن المشاورات تجري حثيثة مع مشروع تونس و البديل و التي من الممكن أن تتوج بكتلة موحدة في انتظار اتمام بقية الاجراءات لتكون الأحزاب داخل تيار سياسي واحد إلى جانب بعض الأحزاب الأخرى المنشقة عن النداء .

L’image contient peut-être : 3 personnes, personnes souriantes, personnes assises, table et intérieur

L’image contient peut-être : 4 personnes, personnes souriantes, personnes assises, table et intérieur

و تابع: ” نحن نرحب بأي حركة أو حزب من الأحزاب المنشقة عن النداء للانضمام إلى هذه المبادرة لضمان التوازن السياسي في البلاد و ضمان النجاح في الانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة و هدفنا خارطة طريق لاستعادة النداء التاريخي و تكوين جبهة وسطية قادرة على ضمان التنافس و بالتالي ضمان التوازن السياسي في البلاد .

 

“المبادرة” و  “تحيا تونس” و الإندماج في حزب ساسي واحد

 

قرّر كل من حزب المبادرة الدستورية الديمقراطية و حركة تحيا تونس الإندماج في شكل حزب ساسي واحد “في إطار تجسيم إرادة الحزبين في الوحدة و الإندماج من أجل تونس في أفق توحيد القوى الوطنية والتقدمية ذات المرجعية المشتركة، وللحدّ من التشتّت الذي تعانيه العائلة الوسطية، وقد تمّ في هذا المجال “.

L’image contient peut-être : 2 personnes, costume

L’image contient peut-être : 5 personnes, personnes assises, table et intérieur

وقد اجتمع يوم أمس وفدان ممثلان عن الحزبين و تم الإتفاق على مبدأ الاندماج بين الحزبين، و القيام بما يلزم من أجل إنجاح هذا المسار.

https://web.facebook.com/tahyatounes.tn/videos/438792970016501/

كما تم الإتفاق على العمل المشترك من أجل إتمام البرنامج الشامل للحزب في أبعاده السياسية والتنموية قصد إيجاد الحلول الناجعة للتحديات والصعوبات التي تعيشها البلاد في مرحلتها الانتقالية، إلى جانب الحرص على حسن إعداد خطة الحزب للانتخابات الرّئاسية والتشريعية القادمة وتوفير كل عوامل الفوز لها.

و قد تمت دعوة “مناضلي و مناضلات الحزبين إلى إستثمار هذه الفرصة التاريخية للإندماج من أجل بناء حزب شعبي ديمقراطي قوي متأصل في تراثه الوطني الإصلاحي وحامل لمشروع إنقاذ مستقبلي قادر على تحقيق النقلة النوعية لبلادنا”.

 

المعارضة .. مشاورات بطيئة و  لا جدية في التفاوض

مقابل ذلك، تسعى أحزاب المعارضة اليوم  إلى الدخول في ائتلافات جدية  لخوض غمار الانتخابات و لكن رغم قرب التوجهات و البرامج و الأفكار بين تلك الأحزاب إلا أنها لم تنجح إلى الآن في تجميع قواها و إيجاد تحالفات فيما بينها  .

و اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي،  أن خطوات الأحزاب الديمقراطية، المنخرطة اليوم في مشاورات من أجل التحالف، بطيئة و تكاد تراوح مكانها”  مضيفا أن “الحزب الجمهوري” يطرح اليوم على بقية الأحزاب مهمة إنقاذ وطني، و “المطلوب من القوى الديمقراطية هو أن تجمع قواها و أن تدخل الاستحقاق الانتخابي كقوة بديلة من أجل تغيير الحكم في تونس، و تعديل المشهد السياسي”.

Résultat de recherche d'images pour "‫عصام الشابي‬‎"

و ذكر الشابي أنه “نظرا للبطء في المشاورات، و أمام ضيق الوقت، فقد كان لا بد من طرح نقاش داخل الحزب الجمهوري حول الذهاب إلى الاستحقاق الانتخابي بقوائم مستقلة، مفيدا بأنهم مستعدون لمد أيديهم لبقية الأحزاب و أنهم بصدد التشاور حاليا مع المسار و حركة تونس للأمام و الشعب و مبادرة قادرون و الحزب الديمقراطي الاجتماعي.

من جهته أكد الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، أنّ “حركة الشعب معنية بالانتخابات و تعتبرها استحقاقا وطنيا، و لهذا حرصت على تقديم عروض سياسية للعديد من الأطراف التي تعتبرها قريبة منها، و لكن للأسف لا يوجد تقدم كبير في التحالفات، خاصة أن أحزاب المعارضة، و التي من المفروض أن تقدم نفسها كبديل حقيقي من أجل إنقاذ البلاد، تراوح مكانها”، مضيفا أن “المطلوب طرح البديل، و لكن لا جدية في التفاوض”.

Résultat de recherche d'images pour "‫زهير المغزاوي‬‎"

و بيّن المغزاوي أن “حركة الشعب بصدد التشاور مع حركة تونس للأمام و الحزب الجمهوري و المسار، وفي نفس الوقت بدأت تعد العدة للدخول إلى الانتخابات بقوائم مستقلة. و في حالة وجود إمكانية للتحالف فسيكون ذلك مهما، و لكن أيضا في صورة عدم التوصل إلى أي اتفاقات فالحركة ستقدم نفسها كبديل”.

 النائب عن التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، أفاد أن “التيار الديمقراطي، و خاصة في علاقة بالانتخابات التشريعية، و نظرا لضيق الوقت و ما تتطلبه المشاورات من لقاءات و اجتماعات، و في ظل حلول شهر رمضان، و قرب الفترة الصيفية و موعد تقديم القوائم بتاريخ 22 جويلية، فإنه قرر المشاركة في الانتخابات بقوائم “تيارية”.

Résultat de recherche d'images pour "‫غازي الشواشي‬‎"

و أضاف الشواشي، أنه بحكم التجربة التي اكتسبوها طيلة الأعوام الماضية، فإن “التحالفات صعبة، و بالتالي يجب ربح الوقت”، مشيرا إلى أنّ “حظوظ التيار الديمقراطي وافرة بعد حصوله على المرتبة الثالثة في الانتخابات البلدية، وبالتالي يمكن المحافظة على هذا الترتيب أو تحقيق نتائج أفضل، وعلى أساس ذلك لا صعوبة في منافسة بقية الأحزاب، خاصة وأن تونس لا يمكن أن تكرر نفس السيناريو السابق”.

 

 “ائتلاف قادرون” .. 200 شخصية مؤسسة  أبرزها أحمد نجيب الشابي و الطاهر بن حسين

منذ 17 مارس الماضي أعلنت مجموعة قيادات حزبية وشخصيات وطنية عن تشكيل مبادرة سياسية أطلق عليها تسمية “ائتلاف قادرون”، ضمت 200 شخصية مؤسسة و جمعت شخصيات تقدمية و برلمانيين و وزراء سابقين و جمعيات ديمقراطية وأحزاب سياسية من بينها “الحركة الديمقراطية” برئاسة أحمد نجيب الشابي و “حزب المستقبل” بقيادة الطاهر بن حسين.

Résultat de recherche d'images pour "‫"ائتلاف قادرون"‬‎"

و تهدف المبادرة وفقا لمنسقها العام محمود بن رمضان إلى توحيد كل الطاقات الموجودة في القطب الديمقراطي التقدمي الاجتماعي لخوض تجربة الانتخابات و لتقديم أمل جديد للتونسيين عن طريق الابتعاد عن الأطر الجامدة للأحزاب القائمة على المركزية و الخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة، في ضل مشهد سياسي يتسم بالفراغ و عدم التوازن.

و أضاف بن رمضان  أن مرشحي الائتلاف للانتخابات القادمة سيكونون من داخل الجهات و سيتم اختيار الشخصية المركزية بطريقة ديمقراطية تختارها مكونات الائتلاف، و من يفوز في الانتخابات الداخلية الأولية سيتم ترشيحه للرئاسة.

و قال رئيس الحركة الديمقراطية نجيب الشابي إن هذه المبادرة قائمة على حقائق برزت في الانتخابات البلدية و هي أن الأحزاب السياسية غير قادرة على تحقيق تغيير بصفة منفردة و بالتالي كان لابد من إعادة التوازن للمشهد السياسي و ذلك لا يمكن أن يتحقق دون تجميع كل القوى الحزبية و غير الحزبية .

Image associée

 

 

وجهات نظر 0 comments on هل يُغيّر الوافدون الجدد الخارطة السياسية في تونس؟

هل يُغيّر الوافدون الجدد الخارطة السياسية في تونس؟

 عزيزة بن عمر 

انطلق منذ 10 أفريل الماضي عمل مكتب تسجيل الناخبين للهيئة العليا المستقلة للانتخابات  بشارع الحبيب بورقيبة قبالة المسرح البلدي.

و على غرار بقية مكاتب التسجيل التابعة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات فان الهدف واحد: تسجيل أكبر عدد ممكن من الناخبين الذين لم يتسن لهم الإدلاء بأصواتهم في إنتخابات  2011 و 2014 و2018. أعوان التسجيل قارين كانوا أو متنقلين يبذلون ما في وسعهم للتعامل مع الراغبين الجدد في الادلاء باصواتهم في الانتخابات القادمة.

و في السياق ذاته أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات  أنها نجحت في تسجيل أزيد من مليون ناخب جديد للانتخابات التشريعية المقبلة.

ووفق أرقام الهيئة، فقد وصلت الكتلة الناخبة في تونس إلى نحو 7.5 مليون ناخب.

ويمكن لهذا الرقم تغيير الخارطة السياسية داخل البرلمان بعد أكتوبر 2019، وفق محللين سياسيين.

أكثر من مليون مُسجّل.. وتمديد فترة التسجيل بيد مجلس هيئة الانتخابات

أفاد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنيس الجربوعي أنّ عدد المُسجلين الجدد للانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة فاق المليون مُسجلاRésultat de recherche d'images pour "‫هيئة الانتخابات‬‎".

وقال الجربوعي في تصريح “لمغرب نيوز ” إنّ الهيئة تكون بذلك قد حققت قبل 3 أيام من انتهاء فترة التسجيل للانتخابات 80 بالمائة من أهدافها، مُوضحا أنّ “المخطط العملياتي و الاستراتيجي مع الادارة التنفيذية وادارة شؤون العمليات بالهيئة يتمثل في تسجيل أكثر عدد من الناخبين خاصة وان هنالك أكثر من 3 ملايين تونسي غير مسجل في الانتخابات”.

واعتبر الجربوعي أنّ هيئة الانتخابات قامت اليوم بالعمل اللازم وحاليا تأمل خلال الـ3 أيام المتبقية الوصول لتحقيق الهدف.

وأرجع الجربوعي هذه النتائج إلى العمل الميداني الذي قامت به هيئة الانتخابات بفضل انتشار أكثر من 3500 عون بكامل تراب الجمهورية.

أمّا بخصوص فرضية تمديد فترة التسجيل للانتخابات، قال الجربوعي إنّ “مجلس الهيئة سينعقد مساء الاربعاء القادم للنظر في الاحصائيات الخاصة بعملية التسجيل ومدى نجاح المخطط العملياتي، هذا بالإضافة إلى النظر في مسألة الميزانية واعداد الموارد البشرية.

وأضاف الجربوعي أنّ “هنالك 2 سيناريوهات مطروحة الأول الاكتفاء بعدد المسجلين للاستحقاق الانتخابي المرتقب والثاني يتمثل في إمكانية إضافة بعض الاسابيع على ضوء معطيات واحصائيات وامور علمية بحتة”، وفق تعبيره

من المستفيد؟

تُطرح تساؤلات عدة لدى الرأي العام حول من سيستفيد من توسّع الجسم الانتخابي في تونس.

و يجيب المدير التنفيذي لمرصد شاهد لمراقبة الانتخابات، الناصر الهرابي، ” لنغرب نيوز” عن هذا السؤال بالقول إن “الجزء الأكبر من المسجلين الجدد قد يصوت لصالح الأحزاب الصغرى والقوى المعارضة، شريطة توصلها إلى إقناع الناخبين الجدد ببرامجها ، نافيا وجود جزء من المسجلين الجدد ضمن الخزان الانتخابي للأحزاب الحاكمة.​

ويتوقف النجاح في استقطاب هذا الرقم المهم من الناخبين، وفق المتحدث، على القدرة على إقناع الشباب، وهم الفئة الأكبر من المسجلين وخاصة منهم طلاب الجامعات، في ظل تصاعد ظاهرة البطالة.

و تابع قائلا: “الإنجاز الحقيقي ليس تسجيل مليون ناخب جديد، بقدر إقناع هؤلاء بالتوجه إلى صناديق الاقتراع لإنهاء ظاهرة العزوف التي تشهدها البلاد منذ انتخابات 2014”.

تأثير محتمل

يتوقع المحلل السياسي، الجمعي القاسمي، أن يكون لحجم الجسم الانتخابي تأثير مباشر على الانتخابات المقبلة، خاصة إذا توجه المسجلون الجدد إلى صناديق الاقتراع.

و يفسّر القاسمي كلامه بالقول: “توجه مليون ناخب جديد إلى صناديق الاقتراع سيكون له انعكاس سلبي فوري على الأحزاب التقليدية الكبرى، إذ سيبحثون عن بدائل سياسية جديدة”.

ويردف المحلل السياسي قائلا: “هذا ما يفسّر قلق حركة النهضة على سبيل المثال من تزايد أعداد المسجلين، لإدراكها أن الناخبين الجدد لا ينتمون إلى خزانها الانتخابي”.

خلال حملة تشجيع الشباب على التسجيل في القوائم الانتخابية
خلال حملة تشجيع الشباب على التسجيل في القوائم الانتخابية

وكان المكتب التنفيذي لحركة النهضة قد دعا “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في بيان له، إلى “اتخاذ الإجراءات الضروريّة لتجاوز تعثر التسجيل بالخارج” و”إعطاء مزيد من التوضيحات حول ما يشاع من حصول تسجيل آلي قد يكون تم لقطاعات واسعة من المواطنين”.

ويشير المحلل السياسي إلى أن “الانتخابات التشريعية القادمة ستشهد صعود العديد من الائتلافات المستقلة والأحزاب الصغيرة التي ستستفيد من توسع الجسم الانتخابي”.

ويستطرد القاسمي قائلا: “تعزز حظوظ المستقلين وأحزاب المعارضة سيفرز فسيفساء غير متجانسة، وسيُصعّب مهام القوى الفائزة في تشكيل حكومات قوية وقادرة على تنفيذ برامجها”.Résultat de recherche d'images pour "‫الخارطة السياسية في تونس‬‎"

وجهات نظر 0 comments on شبه الجزيرة العربية: هل يشكل مضيق هرمز صلب التوتر بالخليج؟

شبه الجزيرة العربية: هل يشكل مضيق هرمز صلب التوتر بالخليج؟

يتجدد الحديث عن مضيق هرمز، الواقع بين إيران وسلطنة عمان، كلما تصاعد التوتر في المنطقة الخليجية نظرا للأهمية الإستراتيجية البالغة لهذا المعبر الرئيسي في مجال تجارة النفط العالمية. وبحكم هذه الأهمية، لا تتردد إيران المشرفة على إدارته مع سلطنة عمان في التهديد بإغلاقه في وجه سفن الشحن الإقليمية أو الدولية. فما أهمية مضيق هرمز؟ وما نسبة إسهامه في اقتصاد النفط؟ الإجابة بالنص والصور والفيديو.

“الوضع في الخليج متوتر، متى لم يكن الوضع لدينا كذلك! نملك في خليجنا ستين في المئة من احتياطي العالم من النفط، ويبلغ الاحتياط النفطي المؤكد لدينا في الخليج حوالي 650 مليار برميل”. هذا التعبير الدال الواضح يعود للكاتب خالد أحمد الصالح، وجاء في مقال نشرته الخميس صحيفة “الراي” الكويتية في نسختها الإلكترونية.

فقد تجدد التصعيد والتهديد في المنطقة الخليجية في بداية الأسبوع بعد تعرض ناقلتي نفط سعوديتين الإثنين لـ “هجوم تخريبي” قبالة سواحل الإمارات، وذلك غداة تعرض سفن شحن تجارية من عدة جنسيات لأعمال “تخريبية” أيضا في المياه الإماراتية قبالة إيران.

واتهمت السعودية الخميس إيران بإعطاء الأوامر للحوثيين بمهاجمة منشآتها النفطية قرب الرياض بطائرات من دون طيار.

ويتركز هذا التصعيد الدائر أساسا بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وحليفتيها السعودية والإمارات من جهة ثانية، حول نقطة معبر رئيسية في اقتصاد النفط العالمي: مضيق هرمز. فإذا كان الخليج يملك ستين في المئة من احتياطي العالم من النفط، فإن المضيق الواقع بين إيران وسلطة عمان تعبر منه يوميا ما لا يقل عن 30 في المئة من كمية النفط المنقول من هذه المنطقة لاقتصادات إلى كبرى دول آسيا وفي مقدمتها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية.

استهداف سفن تجارية إماراتية.. ما الهدف من وراء التصعيد الجديد في الخليج؟

ولا يمر النفط من بلدان الخليج لأسواق آسيا فحسب، بل المضيق شريان حيوي أيضا بالنسبة للأسواق الأوروبية والأمريكية. ولهذا السبب، فقد صنفته واشنطن بين أبرز ممرين للنفط في العالم إلى جانب مضيق ملكا (أو ملقا) الواقع في جنوب شرق آسيا، وبالتحديد بين ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية.

ما أهمية مضيق هرمز؟
فهو بالتالي مهم أيضا لمنتجي النفط في الشرق الأوسط، وأبرزهم السعودية والإمارات وإيران والكويت والعراق. فلا تتردد إيران، والتي تشترك مع سلطة عمان في إدارة المضيق، بإغلاقه في وجه سفن الشحن كرد منها للنشاط الأمريكي في المنطقة، ما سيؤدي إلى تقلص جحم العرض الخام ونشوب أزمة وانكماش اقتصادي عالميين.

ويقع مضيق هرمز في أقصى مياه الخليج العربي، بين إيران شمالا وعمان والإمارات جنوبا. ولا يتعدى عرضه 60 كيلومترا وعمقه لا يزيد عن 60 مترا. وبحسب بعض التقارير، يمر منه تقريبا كل إنتاج قطر من الغاز الطبيعي المسال.

ونظرا لعمقه المتواضع، فإن السفن التي تأتي من المحيط الهندي مضطرة للعبور من ممر مائي بين جزيرتي قوان وراس دوبة العمانيتين، قبالة شبه جزيرة مسندم، قبل أن تدخل في ممر ثان تتخلله ثلاث جزر هي طنب الصغرى، طنب الكبرى وأبو موسا. وتفرض إيران سلطتها على هذه الجزر منذ عام 1971، إلا أن الإمارات تقول إنها تابعة لها.

مضيق هرمز مصدر توتر مستمر في الشرق الأوسط
وتعبر عبر مضيق هرمز يوميا نحو ثلاثين سفينة شحن محملة بالنفط من بلدان الخليج باتجاه الأسواق الآسيوية أساسا. وبحسب توقعات الخبراء، فإن إغلاقه سيتسبب في فقدان نحو عشرة ملايين برميل من النفط يوميا من السوق العالمية. كما أن ذلك سيتسبب في أزمة تجارية حادة بالنسبة لدول الخليج التي تعتمد اقتصاداتها على المحروقات.

وقد أعلنت الرياض الإثنين تعرض ناقلتي نفط سعوديتين لـ “هجوم تخريبي” قبالة السواحل الإماراتية، وذلك غداة إعلان أبوظبي تعرض أربع سفن شحن تجارية من عدة جنسيات لـ “عمليات تخريبية” في مياهها، في شرق إمارة الفجيرة.

ويتمتع ميناء الفجيرة بموقع إستراتيجي يتيح للإمارات تصدير النفط من دون المرور بمضيق هرمز، ومن ثم ضمان حركة التصدير في حال حصول أي توترات إقليمية.

طلعت مسلم، خبير إستراتيجي: المناورات الإيرانية في مضيق هرمز
وبحكم ميثاق الأمم المتحدة حول حقوق البحر المبرم في 1982، يعتبر مضيق هرمز ممرا دوليا يتيح حق العبور لكل السفن فضلا عن جنسيتها.

ونشرت الولايات المتحدة عدة قواعد عسكرية في الشرق الأوسط، إذ تستضيف البحرين الأسطول البحري الخامس فيما تحتضن قطر أكبر قاعدة أمريكية بالخليج. من جهتها، تملك فرنسا قاعدة عسكرية في أبوظبي.

وجهات نظر 0 comments on أمريكا و إيران و مخاطر الحرب .. بقلم د. منير شفيق

أمريكا و إيران و مخاطر الحرب .. بقلم د. منير شفيق

المواجهة التي فتحتها إدارة دونالد ترامب ضد إيران تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة حدة وتعقيداً، ثم ارتفع مستوى المواجهة العسكرية مع التعزيز العسكري الأمريكي؛ الذي تمثل بإرسال بارجتين جبارتين من حاملات الطائرات والصواريخ، وأرتال من طائرات “بي-52” إلى منطقة الخليج. ثم دق ترامب طبول الحرب على لسان جون بولتون، الأمر الذي فرض طرح السؤال: هل الصراع يتجه إلى اندلاع حرب كما حدث في مرحلة 2002/2003 بالنسبة إلى العراق، أم أن الوضع الراهن لا سيما من جهة موازين القوى التي تحكم المواقف لا تسمح بالوصول إلى هذه النقطة، وربما وصلت المواجهة إلى ضربات عسكرية متبادلة ومسيطراً عليها؟

لا شك في أن الوضع مختلف من نواحٍ كثيرة بين اليوم وما كان عليه في المرحلة العراقية. فعلى الأقل، كان قرار الحرب على العراق شبه معلن زمن إدارة جورج دبليو بوش، فيما كان دونالد ترامب قد وعد في معركته الانتخابية بإغلاق ما فتح من ملفات عسكرية، وعدم الزج بأمريكا في حروب خارجية، فيما بدا أن سلاحه الرئيسي في تنفيذ أهدافه وسياساته هو استخدام الضغوط المالية والاقتصادية التي يراها أكثر فاعلية من التورط بالحرب الحامية، كما ابتزاز الحلفاء بنهب الأموال منهم بحجة حمايتهم.

وهنالك الفارق الكبير على مستوى ميزان القوى العالمي في ما بين المرحلتين والحالتين من جهة، كما، من جهة أخرى، الفارق الكبير في المواجهة السياسية أو العسكرية من قِبَل كل من العراق وإيران. فإدارة الصراع الإيرانية في الملعب السياسي، كما المواجهة العسكرية من جانبها وجانب جبهتها، مختلفتان جداً جداً بين الحالتين، كما أن النتائج بالضرورة ستكون مختلفة جوهرياً.

لعل المشترك الوحيد بين الوضعين أو الحالتين هو الدور الصهيوني، أو الانحياز الأمريكي لتنفيذ هدف صهيوني “إسرائيلي” من وراء الصراع مع كل من العراق وإيران، أكثر منه هدف أمريكي، ومصلحة أمريكية، أو استراتيجية أمريكية على المستوى الدولي. وهذا الذي يلعب دوراً في القرار الأمريكي قد يطغى على الحسابات الدقيقة لموازين القوى، أو في تقدير الموقف والنتائج، الأمر الذي يفسر كيف ربحت أمريكا الحرب ضد العراق عسكرياً وفشلت سياسياً، وخرجت من العراق بخفيْ حنين.

يمكن أن تقرأ استراتيجية ترامب ضد إيران من خلال الممارسة السياسية والعملية، وليس التصريحات كما يلي: الذهاب بالحصار الاقتصادي إلى آخر مدى، وقد عُزز بالخطوات العسكرية (إرسال البارجتين وطائرات بي-52)، ليمنع أي تعرض من جانب إيران أو حلفائها لأمريكا وحلفائها؛ رداً على الحصار. فالواضح أن الاستراتيجية الأمريكية تتمثل في الذهاب بالخنق الاقتصادي إلى حدوده القصوى، مع التهديد بالرد العسكري على أية “محاولة مؤذية” ضد الذهاب بالحصار إلى أقصى مدى.

هذه الاستراتيجية بمثابة إعلان حرب ضد إيران، ولا سيما إذا لم تترك منافذ تجعل الحصار لا يصل إلى حد الخنق. من هنا، يجب اعتبار أن حرباً مندلعة الآن من جانب أمريكا ضد إيران، وإيران بالضرورة في حالة حرب. فالحصار في علم الحرب؛ حربٌ بلا نيران.

فالمعادلة الآن حرب عدوان من جانب أمريكا اقتصادياً وعسكرياً في آن. أما من جانب إيران، فهي في حالة حرب دفاعية تبدأ أولاً بفتح ثغرات أساسية ضد الحصار. وهنا تلعب السياسة وإدارة الصراع على المستويين الإقليمي والدولي؛ دوراً هاماً. ولكن ما يحدث من رضوخ للحصار الأمريكي من قِبًل شركات تابعة للدول المعارضة سياسياً لأمريكا، كما عدم الاصطفاف الدولي بقوة وتحدٍ، لمواجهة الصلف الأمريكي، المخالف للقانون الدولي وللأعراف الدولية، فهذا خطر على كل دول العالم، وذلك حين يُسمح لأمريكا أن تفرض حصاراً اقتصادياً ومالياً لإخضاع الدول الأخرى واستتباعها. وهو كأس قد يدور على الجميع، مما يجعل التهاون معه وعدم اتخاذ مواقف حازمة ضده؛ خللاً سياسياً على المستوى الدولي والإقليمي والعربي والإسلامي والرأي العام العالمي.

من هنا، تصبح مواجهة إيران وحلفائها لهذه الحرب ضرورة في مصلحة شعوب العالم كله، وليست مصلحة إيرانية فقط؛ لأن نجاح دونالد ترامب في استراتيجية الحصار الاقتصادي والحصار العسكري سيُخضع العالم للبلطجة الأمريكية، وسيُشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية وعلى المستقبل العربي والإسلامي، الأمر الذي يوجب الاصطفاف العالمي، وفي مقدمه الفلسطيني والعربي والإسلامي ضد أمريكا في الحرب العدوانية التي تشنها على إيران.

وإيران من جهتها لها كل الحق في مواجهة هذا العدوان، إذ كيف يمكن أن يسمح لإدارة ترامب أن تذهب بالخنق الاقتصادي والمالي والتهديد العسكري إلى الحدود القصوى، ولا يُسمح لإيران بالصمود والرد وكسر الحصار وردع العدوان قبل أن يحدث، وهو حادث، وفي أثنائه، وبعده؟

إن أول ما يجب أن يؤسس عليه هو التركيز على عدالة الموقف الإيراني في الحرب التي تخوضها أمريكا ضد إيران، وأن ثاني ما يجب أن يؤسس عليه الموقف هو الوقوف الحازم ضد لا شرعية العقوبات والحصار والتهديد العسكري بالأساطيل وحاملات الطائرات، أي الوقوف الحازم ضد استراتيجية أمريكا في مواجهة معارضيها، وتنفيذها لأهدافها وأهداف دولة الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، والمتفشية كالسرطان. فهذه الاستراتيجية تهدد شعوب العالم كله إذا تركت تحقق على غاربها، كما وتهدد الحياة الدولية بالحروب والخراب وتجعل من القانون الدولي مهزلة. أما ثالث ما يجب أن يؤسس عليه الموقف، فهو ضرورة إنزال الهزيمة بأمريكا في هذه الحرب الظالمة التي تشنها ليس على إيران فحسب، وإنما أيضاً على العالم كله، بل يصل خطرها على الداخل الأمريكي نفسه حيث راحت تذهب به إلى الانقسام.

وبهذا يكون ترامب من خلال حربه ضد إيران؛ قد وضع نفسه والعالم أمام خطر المواجهة العسكرية التي قد تبدأ بضربة قاسية يرد عليها بمثلها أو أقل قليلاً. وهنا تبرز خطورة التدحرج نحو حرب واسعة، وهي حرب تفترض على أمريكا أن تفكر بها جيداً، وهي التي لم تحتمل ما واجهته من مقاومة في العراق وأفغانستان.

يذهب بعض المحللين إلى أن ترامب لا يريد أن يدخل الحرب، وليس من سياسته أن يكرر ما فعله بوش أو كلينتون أو أوباما، ولكن ما يفعله هو الدخول إلى الحرب؛ حين يذهب بالحصار إلى آخر مداه، وحين يستدعي البوارج والطائرات لتنفيذ سياسة الحصار لإرهاب إيران. فإيران لا تستطيع أن تسمح بالأمرين، ولهذا فترامب ذاهب إلى الحرب وهو منقادٌ وراء مجموعة من مستشاريه. وسُربت معلومات أن ترامب أخذ يضيق ذرعاً بمستشاريه الذين يسعون للحرب.

ويبقى على الدول الأخرى، ولا سيما روسيا والصين وأوروبا وتركيا والعراق، وكل من لا يريد الحرب، أن يكسر الحصار ولا يكتفي بمعارضته؛ لأن ترامب أعلن الحرب، ومضى ليشرب كأسها حتى الثمالة، إذا لم تأخذ الدول دوراً لمنعه، أو إذا لم ينسحب في الوقت المناسب.

ليس كافياً الركون إلى القول إن ترامب لا يريد الحرب أو راح يدعو للتفاوض، وليس كافياً القول إن إدارته منقسمة بين صقور يريدون الحرب وبين من لا يريدون الحرب؛ لأن الوقوف على الهاوية مع اتباع سياسة إما قطع الأنفاس وإما الركوع على الركبتين (الاستسلام)؛ سياسة خطيرة، ومع من؟ مع من يمتلكون القدرة على الرد، ويمتلكون الإرادة للرد حتى لو لم يكونوا راغبين في الحرب.

فاللعبة الأمريكية هنا خطرة، كما تمارس على الأرض عملياً، وإذا لم تتراجع مع ما وصلها، ويصلها، من رسائل “غير مباشرة”، فإن احتمالات التدحرج نحو الاشتباك تزداد يوماً بعد يوم. فالكرة في ملعب ترامب، وقد وضع نفسه في معادلة الخاسر إذا تراجع، والخاسر إذا استمر في عناده. وليتذكر أن أمريكا خسرت في العراق، بالرغم من نجاحها العسكري واحتلاله. والحرب هنا غير الحرب مع العراق، فأمريكا اليوم أضعف من أمريكا بوش، عسكرياً في البر، وسياسياً على مستوى العالم، وداخلياً على مستوى وحدتها الداخلية، فخسارتها بانتظارها.

وجهات نظر 0 comments on أول قوة عربية تنتقم لنصف قرن من خيانة مال النفط للقضية العربية ..بقلم منى صفوان

أول قوة عربية تنتقم لنصف قرن من خيانة مال النفط للقضية العربية ..بقلم منى صفوان

مشهد الادانات العربية لاستهداف المنشآت النفطية في السعودية، بـ7 طائرات مسيرة يمنية، هو أكثر مشاهد الابتذال السياسي، وتؤكد رهن القرار العربي بيد المال السعودي.

ان هذا الاقتصاد النفطي هو من اشترى أغلى الاسلحة في العالم ليقتل ربع مليون مواطن يمني بحسب إحصائيات الامم المتحدة

ملايين اليمنيين يعيشون تحت حصار اقتصادي ، وحرب اقتصادية ومجاعة لم تؤثر على الاقتصاد العالمي ،وامن المنطقة 
الغارات شبه اليومية على المدارس والبيوت والمصانع وحرق المزارع وقوافل الغذاء ،لم تحرك ضمير العالم ، والادنات العربية
وحين يرد اليمني، ويعلن بشجاعة مسئوليته عن اكبر عملية نوعية ، تقف في خط حق الرد، والدفاع عن النفس، وانتقاما لقتل الاطفال والامهات والابرياء، يكون منطق المال مستاء جدا ، ‘يتحدث عن استراتيجية تدمير، وعمل تخريبي. 

بالأمس انسحب الحوثيون من ميناء الحديدة ، وبدأ تنفيذ اتفاق السويد، وبرغم ذلك لم تتوقف الغارات والخروقات السعودية لضرب الحديدة ،وهي لا تستهدف فقط المقاتل اليمني ،بل المدني البريء أيضا 

ان كل يمني كان خلال 5 سنوات هو هدف حربي للسلاح السعودي ، ان هذا النفط يا أصحاب القلوب الرحيمة يقتلنا في اليمن ، ويحاصرنا، ولا صوت نسمعه لكم

اليمن ليس بحاجه لتضامن احد، طالما هذا النظام العربي مرتهن وضعيف ،ويكفي ان يكون معه كل أحرار العالم
لقد تعلم اليمن ان يواجه لوحده، ويقاتل نيابه عن الجميع ، اننا نسمع بوضوح اصوات الشعوب العربية الحرة ،التي تؤيد الضربة اليمنية بيد أنصار الله الحوثيين ، الذين يبروزن كاهم قوة عربية صاعدة في المنطقة 

وتأييد ايران ودعمها، يأتي في اطار دعم المحور العربي المقاوم ، ضد النظام العربي الرسمي الذي يعمل لتصفيه القضية الفلسطينية 

ان هذا النفط الذي تتباكون عليه ،لم يسخر للامة خلال نصف قرن كان هو الخنجر المسموم في ظهر الامة وقضاياها، بمال هذا النفط الذي يحترق اليوم لاول مرة بنيران عربية 

هذا النفط العربي خان العرب ، ‘حارب كل حركات التحرر العربي ، واجهض الثورات، ودمر مقدرات الشعوب العربية وليس فقط في اليمن. 

اليمن اليوم لا يثأر لنفسه فقط، ان يوجه فقط رسالة صغيرة ،ان المظلوم لا يمكن ان يبقى مكسورا إلى الابد ، وينتظر دعم وأسناد ونصرة احد

وان لم تحرر نفسك، فلن يهتم لك أحد ، اليمن اليوم وليس فقط حركة الحوثيين، يعيدون ترتيب موازين القوي، بعد ان قهر القوي صاحب الحق، وتم شراء العدل والانصاف بهذا المال النفطي 

هذا المال الذي كان يمكنه أن يحول الامة العربية لاقوى الامم، ويجعل من ايران اقل شانا وتدخلا ، ويقف امام كل الاطماع وأولها الاطماع الإسرائيلية ،التي لن تكتفي بما اغتصبته من أرض فلسطين. 

اليوم نساء واطفال اليمن الذين قتلوا بيد هذا المال المدنس، يباركون هذه العملية في هذا الشهر المبارك ، وهذا فقط يكفي.

*من حائط الكاتبة (منى صفوان) على “الفيسبوك”

وجهات نظر 0 comments on تونس.. “اتحاد الشغل” و شروط بناء الكتلة التاريخية لتوفيق المدني

تونس.. “اتحاد الشغل” و شروط بناء الكتلة التاريخية لتوفيق المدني

على الرغم من جهود الحكومات المتعاقبة على حكم تونس، للهيمنة على المنظمة النقابية الأكبر في البلاد، “الاتحاد العام التونسي للشغل، فقد ظل هذا الأخير ينحت كيانه النقابي المتميز، الذي أوصله إلى نيل جائزة نوبل للسلام مع عدد من المنظمات النقابية التونسية الأخرى.

الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني، يسلط الضوء في كتاب شامل صدر حديثا عن الاتحاد العام التونسي للشغل، على مسيرة هذه المنظمة النقابية، ويتساءل عما إذا كان سيتحول إلى حزب سياسي على النمط البريطاني، ثم يكون مدخلا لكتلة تاريخية بين القوى السياسية الأبرز في البلاد لبناء نظام ديمقراطي صلب.

وفي الجزء الثالث والأخير من هذا العرض للكتاب، الذي أعده قسم أفكار في “عربي21”، نسلط الضوء على مفهوم الكتلة التاريخية، التي يرى المديني أن الاتحاد العام التونسي للشغل يمكنه أن يضطلع بمهمة تشكيلها، ليس فقط للدفاع عن قواعده العمالية، وإنما في تأسيس نموذج ديمقراطي قريب من التجارب الغربية.

يعتقد حزب العمال الجديد أنّ الطبقة المتوسطة المطرودة من السلطة بصفتها الاجتماعية، والفئات الشبابية المهمشة، والعمال والفلاحين، لا تزال هي القوى الاجتماعية المؤهلة لحمل المشروع السياسي الديمقراطي في تونس، على الرغم مما أصابها من ضعف وتهتك، ورغم الاتجاهات التقليدية التي استقطبت معظم الفئات المهمشة. ولا تزال هذه الفئات تؤلف ما يمكن تسميته بالكتلة التاريخية بالمفهوم الغرامشي، التي تشكل تحالفًا طبقيًا حقيقيًا بين الشرائح الثورية والديمقراطية من الطبقة المتوسطة، والعمال والفلاحين الفقراء ضد الشرائح العليا التي أصبحت شرائح قمعية وكمبرادورية من طبيعة جديدة، إلا أنَّ القوى الاجتماعية التي تشكل قوام حركة سياسية شعبية وتحالف ديمقراطي عريض، تنحصر في أربع: اثنان منها تنطويان على تعدد واختلاف أيديولوجي وسياسي، وعلى ميلٍ واضحٍ نحو التحديث والعصرنة السياسية، في صيرورتهما الطبقية، وهما الطبقة المتوسطة، ولاسيَّما كتلة الانتلجنسيا، واثنان أخريان تنطويان على ضرب من وحدة إيديولوجية، وعلى ميلٍ إلى المحافظة والتقليدية، ناتج عن تأخر الوعي، هما العمال والفلاحون.

لذلك يرى حزب العمال الجديد، وفق كتاب توفيق المديني، أنّه لابد من أن تتصدى الطبقة المتوسطة باعتبارها تشكل العمود الفقري للمجتمع التونسي على وهنها، وكتلة الإنتلجنسيا لقيادة المشروع الوطني الديمقراطي، وعلى مدى نجاحها في إعادة إنتاج وعي سياسي حديث ديمقراطي، وعلى مدى جسارتها، تستطيع أن تستقطب العمال والفلاحين والفئات المهمشة لمصلحة تحقيق تحالف ديمقراطي، ومن أجل تحقيق أهداف الثورة، في بناء الدولة الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.

فما هو تعريف الطبقة المتوسطة؟

يقول المديني في هذا السياق: “في ما يتعلق بالواقع العربي: علينا أن نرى الاختلاف الجذري الأساس في التكون التاريخي لمختلف شرائح الطبقة المتوسطة. فالمجتمع العربي شأنه شأن كل مجتمعات بلدان العالم الثالث، يتميز بتعدد الأنماط الإنتاجية فيه. ومزايا أنماط العالم الثالث مرتبطة مع سمة مميزة أخرى وهي تمازج وتناسب بعض الأنماط والوزن النوعي لكل منها، وحتى عدد هذه الأنماط أيضا، والذي (أي التمازج) لم يكن مألوفا لتاريخ دول الغرب المستقلة”.

 

واستعرض المديني رأي عدد من الباحثين الغربيين إزاء مفهوم الطبقة الوسطى، ومنهم مورو برجر(Morro Berger) الذي يشدد على الأهمية التاريخية لنشوء الطبقة المتوسطة الحديثة، التي تقوم بأعباء التحديث والنهضة الوطنية في مصر الثورة، في مؤلفه البيروقراطية والمجتمع في مصر المعاصرة، إذ جاء في ختام هذا المؤلف الصياغة التالية لمقولته:”وكثيرًا ما يقال أن النظام العسكري القائم يحاول تمثيل الطبقة المتوسطة التقليدية من موظفي الحكومة وأرباب الأعمال الحرّة وصغار التجار. وإنّما الحقيقة تكمن في أنّ النظام العسكري يحاول أن يكون ممثلاً للطبقة المتوسطة (الحديثة)، التي مازالت في طورالتكوين، والتي تقع على عاتقها مهام تكنولوجية وإدارية وريادية في مجال تحفيز الإستثمارات. وعلى وجه التحديد، فإن النظام العسكري يحاول خلق طبقة جديدة ليمثلها”.

وضمن هذا الإطار، طرح بعض أساتذة العلوم السياسية في الغرب، مثل مانفردهولبرن، وجيمس بل، مقولة “الطبقة المتوسطة الجديدة، لكي تقتصر على الفئات التكنوقراطية والمهنية والبيروقراطية المدنية والعسكرية العليا، والتي أصبحت في نظرهم محور السلطة الاقتصادية والسياسية ورمزالجاه الإجتماعي والإداري في بلدان الشرق الأوسط”.

وهكذا، فإنّ الطبقة المتوسطة، وفق المديني، تضم مختلف الشرائح الاجتماعية التي تعيش بشكل أساسي، على المرتبات المكتسبة في الحكومة والقطاع العام، وفي قطاع الخدمات والمهن الحرّة الخاصة. كما يمتلك بعض من شرائح هذه الطبقة وسائل الإنتاج (مثل العقارات أو الأراضي الزراعية، أو أسهم بعض الشركات).

وقسم المدينة الطبقة المتوسطة إلى ثلاثة شرائح تضم كل شريحة فئات متجانسة بقدر الإمكان: الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة، وتضم العلماء والباحثين وأساتذة الجامعات والمعاهد العليا والمديرين وأصحاب المهن المتميزة كالأطباء والمهندسين والقضاة والمحامين والفنانين وكبارضباط الجيش والمخابرات والفنيين العاملين في قطاع المعلوماتية، والمدراء العامين في القطاع العام.

والشريحة المتوسطة من الطبقة المتوسطة، وتضم عددًا أكبرمن الأفراد بالمقارنة مع الشريحة العليا. وتتكوّن أساسًا من الموظفين الذين يشغلون وظائف إدارية وفنية وإشرافية في الوزارات والأجهزة والمصالح الحكومية وإدارات الحكم المحلي، مثل الموظفين في القطاع العام، والأساتذة، والموظفين العاملين في البنوك.

أما الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، فتضم الموظفين الصغار العاملين في قطاعات الدولة المختلفة. وغالبًا لا يتمتع أفراد هذه الشريحة بمستوى تعليمي عالي، وهم يمثلون أغلبية الطبقة الوسطى، وقاعدتها العريضة. كما تضم أيضا المعدمين وصغار المزارعين وصغار الحرفيين وصغار المشتغلين بتجارة التجزئة وغالبية عمال الزراعة والصناعة والمشتغلين بمختلف أنواع الخدمات الرثة.

وأكد المديني “أنّ الطبقة المتوسطة بشرائحها الثلاث طبقة فضفاضة واسعة تستقبل يوميًا مواليد جددًا من خارجها”.

طحن الطبقة المتوسطة بعد الثورة

ولاحظ المؤلف أن تآكل الطبقة المتوسطة في تونس، يعود بصورة رئيسة إلى التوزيع غير العادل للثروات، وهذا ما أصبح متفشيًا منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث مالت كفة الفساد على حساب الاعتدال في الإنفاق والإيرادات، الأمر الذي قاد إلى تقسيم الطبقة المتوسطة – التي هي في الأساس عماد نهضة المجتمع التونسي – إلى قسمين: قسم ينضم إلى الفئة النخبوية من المجتمع الغني وقسم ينحدر إلى الطبقة الفقيرة أو محدودة الدخل.

 

وأضاف: “ما تشهده تونس من انزلاقها في غياهب الثورة الشعبية ووقوفها على صفيح ساخن لا تحمد عقباه دليل على انسحاق الطبقة المتوسطة. ويمكن تشبيه ما يحدث على الساحة التونسية في العصر الحديث إلى ما واجهته الدول الرأسمالية الغربية في العقود السابقة خلال القرنين الثامن عشر والعشرين على وجه التحديد وثورات شعوبها ضد الأنظمة المستبدة الإقطاعية، وضد الأنظمة الفاشية والنازية، وبعضها ضد الأنظمة الاشتراكية الشمولية”.

وبعد أن عرض المديني للتحولات الاقتصادية التي عاشتها تونس خلال النصف قرن الماضي، وتأثير ذلك على انخفاض نسبة المنتمين للطبقة الوسطى بمختلف شرائحها، أكد أن توسع قاعدة الطبقة المتوسطة مرتبط بصفة وثيقة بتطور مؤشرات النمو والحوكمة ومكافحة الفقر.

وأضاف: “إن تراجع هذه الأخيرة بتونس خلال السنوات الأخيرة لاسيما على صعيد الناتج المحلي الإجمالي (8%) واشتداد موجات التضخم المحسوس إلى حدود 9 % وطغيان التوجس والخوف في ميدان الاستثمار يدفع جدّيًا إلى إعلان التفكير في صياغة المعالم الحالية للطبقة المتوسطة بمختلف شرائحها”.

وتابع: “هذه حقيقة الطبقة المتوسطة في تونس التي كانت ضامنًا لاستقرار البلاد في عهد النظام السابق (حكم الحبيب بورقيبة، وحكم زين العابدين بن علي) والتي كانت تشكل العمود الفقري للمجتمع التونسي، ولا تزال، وكانت مفخرة لتونس، لا سيما أنّ الرئيس المخلوع بن علي استعمل شريحة منها مقربين لدائرة سلطته لمؤازرة نظامه، ودَجَّنَ شريحة أخرى منها بتسهيل القروض الاستهلاكية كالسيارة الشعبية والكمبيوتر والقروض المزدوجة”.

الطبقة المتوسطة محرك رئيس للتنمية الناجحة في تونس

وأشار المديني إلى أن “الانتفاضات العربية التي اندلعت بسبب نوعية الحياة المتاحة لها ونظم الحوكمة القائمة اهتمام خبراء الاقتصاد السياسي والباحثين الذين استخلصوا مفهوم الطبقة المتوسطة في النقاط التالية: تحسين مؤشرات التنمية في الصحة والتعليم مقابل تقلص الاستثمارات في الخدمات الاجتماعية العامة من حيث الكم والنوع خصوصًا في معظم البلدان غير النفطية ذات الدخل المتوسط، إضافة إلى ارتفاع مستويات التعليم لدى القوى العاملة مقابل تراجع فرص العمل اللائق مما أدَّى بالشباب العربي من ذوي المؤهلات العلمية الأعلى بشكل خاص إلى الهجرة نحو الغرب”.

وذكر المديني، أنَّ الجدير بالاهتمام أن الطبقة المتوسطة هي أكبر شريحة اقتصادية في المنطقة العربية، تضم زهاء نصف عدد السكان وبعد أن بقي حجمها شبه ثابت بين سنوات 2000 و2011 بدأت تتقلص على أثر الأزمات التي عمت عددًا من بلدان المنطقة”.

وأشار إلى أن الطبقة المتوسطة لم تعد اليوم في حاجة إلى الصدقات المتمثلة في الإعانات وغيرها من أشكال الدعم التي توفرها الحكومة، بل تريد وظائف وفرص عمل تُمَكِّنُهَا من النجاح والتألق”، مؤكدا أن ذلك “يتطلب اعتماد السياسات الهادفة إلى زيادة الإنتاجية الاقتصادية، وتوجيه الاستثمارات اللازمة لهذا الغرض من أجل إنعاش الصناعات التحويلية، وتعزيز الصناعات الأخرى والخدمات ذات القيمة المضافة العالية، علاوة على ذلك يستحسن اتخاذ مبادرات صغيرة قادرة على تحقيق التنمية خصوصًا في المناطق الريفية”.

ورأى المديني أنّ مناقشة سياسات التنمية والعدالة الاجتماعية تُعَدُّ أمرًاضروريًا لدفع الطبقة المتوسطة إلى الأمام وتسمح للفقراء بأن ينخرطوا في الطبقة المتوسطة.

وقال: “هكذا يبدو أننا في تونس، في حاجة ماسة إلى كتلة تاريخية حقيقية بقيادة الطبقة المتوسطة، وتتكون من مختلف أطياف العائلات الفكرية والسياسيىة والنقابية اليسارية والقومية والليبرالية، لمساعدة الشعب التونسي على تحقيق طموحاته في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن أجل بناء نظام ديمقراطي جديد، هذا مع احترام السيادة الوطنية”.

حزب وفاقي

وأكد المديني في ختام كتابه أن بناء حزب عمالي جديد أصبح ضرورة، بوصفه حزبًا وفاقيًا مدنيًا تونسيًا تقدميًا ديمقراطيًا اجتماعيًا، يستمد أصالته من كلّ تجارب الحركة الإصلاحيّة التقدمية التونسيّة وتاريخ الحركة الوطنيّة بأبعاده السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والنقابيّة، ويتبنى المنهج العلمي في التحليل للواقع الاجتماعي والسياسي، أي الديالكتيك بوصفه عقل الواقع.

ويتمايز حزب العمال الجديد المرتقب وفق المديني، عن الأحزاب الشمولية، على اختلاف مرجعياتها الأيديولوجية: القومية والماركسية، والإسلامية، التي تعتقد أنّها تمتلك الحق والحقيقة.

 

أهمية كتاب المديني، لا تكمن فقط في أنه يناقش من داخل ذات الأفكار المشكلة للاتحاد عن تطلعات قطاع عريض من مكونات هذه المنظمة النقابية العريقة للعب دور سياسي مشابه لدور الاتحاد أيام معركة التحرير الوطني مطلع القرن الماضي، طالما أن معركة الظلم واحدة، ولكن تكمن في أنه يضع الاصبع على موضوع مهم للغاية، وهو الدور السياسي للمنظمة النقابية، وهو موضوع لا يتم مناقشته في تونس إلا في سياق الصراع الدائر بين العائلتين الفكرتين الأكبر في تونس، وهما العائلة الليبرالية والعلمانية واليسارية المشكلة للاتحاد، والعائلة الإسلامية ذات الانتشار الاجتماعي الواسع.

وتزداد أهمية كتاب المديني، الذي يمكن أن يكون جزءا من جهود تاريخية لتوثيق إسهامات الاتحاد العام التونسي للشغل في الثورة التونسية التي أسقطت نظام حكم ابن علي، ومهدت لحراك ثوري لازالت فصوله لم تنته بعد في عدد من دول العالم العربي، في كونه يأتي بينما يستعد التونسيون للانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة نهاية العام الجري، وهي محطة يراهن عليها النمراقبون عامة، والتونسيون على وجه الخصوص، لأن تكون داعما لنموذج ناجح للتحول الديمقراطي في المنطقة العربية، لا يستثني أحدا من مكونات المجتمع.

 

وجهات نظر 0 comments on جحيم إدلب.. هل تآمرت تركيا حقا على السوريين؟

جحيم إدلب.. هل تآمرت تركيا حقا على السوريين؟

تشكل محافظة إدلب مع ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وجزء صغير من ريف اللاذقية الشمالي منطقة خفض تصعيد وفقا لاتفاق تم توقيعه في سبتمبر أيلول من العام 2017 بين كل من تركيا وروسيا وإيران، في العاصمة الكازاخية استأنه (نور سلطان حاليا).

وفي سبتمبر من العام 2018، أبرمت كل من تركيا وروسيا اتفاق “سوتشي” بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في منطقة «خفض التصعيد» تلك.

وفقا لهذا الاتفاق قامت المعارضة السورية بسحب أسلحتها الثقيلة من المنطقة التي شملها الاتفاق في شهر أكتوبر من نفس العام.

ساد الهدوء الحذر منطقة خفض التصعيد من وجود خروقات متفرقة على مدار الشهور الماضية قبل أن تنفجر الأمور من جديد في حملة شرسة بدأها النظام مع حلفائه الروس والإيرانيين على إدلب ومحيطها قبل عدة أيام وخلفت مئات القتلى والجرحى وعشرات آلاف المشردين في العراء ناهيك عن الدمار الهائل.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا متعلق بشكل أساسي بالموقف التركي الذي يبدو غير مفهوم لكثير من السوريين. فبينما تتوالى الصور والمشاهد القاسية والغير إنسانية من إدلب، تبدو تركيا، بوصفها أحد الضامنين لاتفاقيات وقف التصعيد في إدلب، متراخية في الوقوف أمام هذا الهجوم الشرس. فما هي خلفيات الموقف التركي من الهجوم على إدلب وهل حقا باعت تركيا السوريين هناك مقابل صفقات أخرى؟ ولماذا تحركت روسيا في إدلب في هذا التوقيت؟

في الحقيقة، بعد توقيع اتفاق سوتشي الروسي التركي، لم يكن عسيرا على أي مراقب لمجريات الصراع في سوريا وما افرزه من توازنات دولية وإقليمية معقدة من أن يتنبأ بأن الاستقرار في إدلب لن يكون طويل الأمد وبأن المحافظة ستعود إلى واجهة العنف مجددا في وقت ليس بالبعيد. هذا بالضبط ما أشرنا اليه في مقالتنا المنشورة بتاريخ الخامس والعشرين من شهر سبتمبر أيلول الماضي تحت عنوان “اتفاقية ادلب…استراحة محارب أم مقدمة لعودة الاستقرار؟”.

قلنا وقتها أن الاتفاق الروسي التركي في إدلب لن يرسم خطوطا مستدامة لحدود الصراع على سوريا. فبينما يكمن عامل التثبيت الأقوى وشبه الوحيد في الإرادة التركية التي تستهدف الحفاظ على هذا الاتفاق، إلا أنه لدينا مجموعة متكاملة من العوامل والظروف التي يمكن أن تؤدي إلى انهياره في أي وقت.

فالروس ليسوا أهلا للثقة في الحفاظ على تعهداتهم والتزاماتهم من جانب. كما أنهم بارعون للغاية في اختلاق الذرائع حال أرادوا تغيير موقفهم. أضف إلى ذلك عدم وضوح معالم الصفقة، أو بصيغة أدق، الثمن الذي دفعه الأتراك للروس ليقتنصوا منهم اتفاق سوتشي في الوقت الذي كانت فيه جحافل النظام وحلفائه تتجهز لاقتحام إدلب اسوة ببقية المحافظات السورية.

هذا الغموض، إضافة إلى عدم وجود أي شيء ينبئ بوجود اتفاق متكافئ بين البلدين، يجعنا نرجح افتراض أن روسيا اختارت تأجيل المعركة في ذلك الوقت مرحليا بسبب تهديدات غربية وخاصة أمريكية محذرة من اقتحام ادلب، فقامت وقتها بالاستجابة للرغبة التركية بتجنب اقتحام إدلب وذلك لتحقيق مكاسب تكتيكية في جذب انقرة إلى جانبها وربما قبض ثمن ذلك.

أضف إلى كل ذلك بأن تركيا لا تمثل مركز قوة كبيرة في سياق الحالة السورية على الرغم من تواجدها العسكري في بعض المناطق. فالوجود التركي إنما كان نتيجة لاتفاقيات تم توقيعها مع روسيا التي تمثل فعليا مركز الثقل الرئيسي على الأرض السورية. لولا هذه الاتفاقيات ما كانت تركيا تستطيع أن تتدخل عسكريا في سوريا، لا في درع الفرات ولا في غصن الزيتون.

كذلك لم تكن تركيا قادرة عسكريا على حماية إدلب لو لم تقتنص دبلوماسيا اتفاقية سوتشي من الروس، هذه الاتفاقية التي يبدو لنا بان الظروف الدولية وقتها إضافة إلى الإصرار التركي الكبير لعبا دورا كبيرا في تمريرها لدى الروس.

لماذا تحرك الروس في إدلب؟

نعتقد بأن التحرك العسكري الروسي السوري الأخير في إدلب جاء كنتيجة لانزعاج روسيا بسبب فشل النسخة الثانية عشرة من محادثات استانه. فبينما كانت تسعى روسيا لتحقيق انجاز سياسي، فإن تركيا لم تستجب لرغبتها فيما يتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية.

من جهة أخرى فإن الأنباء الواردة عن تفاهمات تركية أمريكية بشأن إقامة منطقة آمنة شرق الفرات قد أزعجت الروس بشدة.

فالمنطقة الآمنة التي يتم الحديث عنها والتي من المفترض أن تمتد من جرابلس غربا إلى عين ديوار شرقا على امتداد الحدود التركية السورية سيتم فرض حظر طيران فيها ومنع تقدم النظام السوري وحلفائه من الروس والايرانيين اليها. وهو ما يشكل ضربة لمخططات روسيا بالتقدم إلى هذه المناطق حال الانسحاب الأمريكي من سوريا.

هل تركيا متآمرة مع روسيا في إدلب؟

في الحقيقة، وبعيدا عن الكلام العاطفي الذي قد تفرضه المناظر المؤلمة لأهلنا في إدلب، والرغبة في رؤية دور تركي أكثر فاعلية للجم هذا التغول الروسي، فإننا لا نعتقد بأن تركيا متورطة في أي صفقة مع الروس خلف ما يجري في المحافظة المنكوبة اليوم وذلك لعدة أسباب منطقية:

نعتقد بأن تركيا وقعت مجددا في فخ التوازنات الأمريكية الروسية في سوريا ولا نعتقد بانها متآمرة بأي شكل من الأشكال لما يجري في إدلب من فظائع، إلا أنها للأسف مقيدة اليدين سياسيا وميدانيا. أولا: تركيا كانت الدولة الوحيدة التي بذلك جهود مشهودة وجبارة ووقفت بقوة ضد اقتحام إدلب أواخر العام الماضي واستطاعت أن تقتنص اتفاقية سوتشي مع الروس والتي جنبت المحافظة بالفعل مصيرا أسود.

ثانيا: أن المراقب للوضع الميداني سيجد بوضوح بأن تركيا نفسها مستهدفة منه. فهناك تعمد في قصف محيط نقاط المراقبة التركية المنتشرة في المنطقة، كما أن إحدى هذه النقاط قد تعرضت بالفعل لقصف مدفعي مباشر خلف إصابات في صفوف الجنود الأتراك مما أجبرهم على توفير غطاء جوي لإخلاء الجرحى. أضف إلى ذلك قيام النظام السوري لأول مرة باستهداف قرية مريمين التابعة لعفرين والتي يسيطر عليها الجيش التركي إضافة إلى استهداف الأكراد للجيش التركي وفصائل المعارضة المتحالفة معه انطلاقا من تل رفعت مما تسبب في مقتل عدد من الجنود الاتراك.

قام الجيش التركي بالرد على هذه العمليات وتقدم في تل رفعت على الرغم من وجود تفاهمات مع روسيا تمنع ذلك. فسر البعض التقدم التركي هذا في تل رفعت كصفقة بين تركيا وروسيا بحيث تتقدم الأخيرة في إدلب مقابل تقدم تركيا في ريف حلب، وهذا ما يتنافى مع المنطق السليم وسياق الاحداث.

ثالثا: تشتت وضع المعارضة السورية في إدلب وتناحرها إضافة إلى تصنيف بعض فصائلها على لوائح الإرهاب الدولية، كلها أمور تصعب المهمة التركية وتعيق صانع القرار التركي الذي بات حذرا وكأنه يمشي في حقل للألغام. وعلى الرغم من أن تركيا متحالفة مع بعض الفصائل المقاتلة من المعارضة السورية والتي أظهرت قدرا لا بأس به من الانضباط للتوجيهات التركية، إلا أن تركيا لا تستطيع توجيه هذه الفصائل لقتال النظام السوري أو روسيا.

هذه النقطة معقدة للغاية، فنحن الآن في سياق عملياتي لا يمكن معه المجازفة، فلو وجهت تركيا فصائل المعارضة المحسوبة عليها لقتال الروس أو النظام السوري فسيقود ذلك حتما إلى مواجهة مباشرة مع الجيش التركي الذي سيكون ملزما بدعم هذه الفصائل، وهذا ما سيدخل تركيا في وضع صعب على كل المستويات السياسية والعسكرية، بل يمكننا القول بأن هذا السيناريو هو ما يبحث عنه أعداء تركيا لتوريطها في وضع غير قانوني واتهامها بالوقوف إلى جانب مجموعات إرهابية في إدلب.

في المحصلة، نعتقد بأن تركيا وقعت مجددا في فخ التوازنات الأمريكية الروسية في سوريا ولا نعتقد بانها متآمرة بأي شكل من الأشكال لما يجري في إدلب من فظائع، إلا أنها للأسف مقيدة اليدين سياسيا وميدانيا وغير قادرة فعليا على تقديم الكثير.

وجهات نظر 0 comments on هل نحن أمام سياسة أميركية جديدة لردع إيران

هل نحن أمام سياسة أميركية جديدة لردع إيران

تحركات دبلوماسية أميركية، وتصريحات، وعقوبات غير مسبوقة، واتصالات مع مختلف الأطراف، توحي بسياسة أميركية مغايرة لتلك التي اعتمدها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما نحو إيران، سياسة ترمي وفق ما هو معلن إلى كبح الجهود الإيرانية الهدّامة في دول المنطقة ومجتمعاتها.

إن وصول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في زيارة مفاجئة إلى العراق يدخل ضمن إطار التحركات المعنية، وذلك بعد سلسلة خطوات انفتاحية اعتمدها فريق الحكم الجديد في العراق برئاسة عادل عبدالمهدي؛ خطوات استهدفت تعزيز العلاقات بين العراق ومحيطه العربي على أمل استعادة التوازن بعض الشيء في المعادلات الإقليمية التي تؤثر عراقيا. ويتمثل ذلك في حالة توزع مراكز النفوذ، والاصطفافات والاستقطابات التي تتسم بها لوحة القوى السياسية والعسكرية العراقية الحالية بانتماءاتها وتوجهاتها المختلفة.

ما يضفي أهمية خاصة على زيارة بومبيو أنها جاءت في أجواء تصفير تصدير النفط الإيراني، وفرض حزمة جديدة من العقوبات الأميركية التي شملت قطاع المعادن. هذا إلى جانب إعلان الحرس الثوري منظمة إرهابية، فضلا عن اتخاذ القرارات بحق العديد من المسؤولين الإيرانيين، وقيادات حزب الله. كل هذه الخطوات تؤكد وجود توجّه جديد في السياسة الأميركية نحو إيران، وهذا ما يُستشف أيضا من التحركات العسكرية الأميركية التي تمثلت في إرسال حاملة الطائرات أبراهام لينكولن، وقاذفات بـ52 إلى المنطقة. وليس من المستبعد أن تكون هناك خطوات أخرى تتمثل في تعزيز إمكانيات القوات الأميركية الموجودة في العراق أصلا، أو تلك التي يمكن أن تصل إليه في أي لحظة.

وما يستنتج من مختلف التحركات هو أن العراق لن يكون، مثلما كان منذ سقوط نظام صدام حسين وحتى الآن، ساحة مفتوحة للتواجد الإيراني الذي تحكّم بمفاصل الدولة والمجتمع. وهناك عوامل داخلية عراقية تساعد السياسة الأميركية، منها حالات الفساد الفلكية التي اتسمت بها حكومة نوري المالكي التي كانت تابعة في كل شيء للنظام الإيراني. ولم تكن حكومة حيدر العبادي نفسها بعيدة عن أمر كهذا. وقد ولّدت تلك الحالات تذمرا لافتا في الشارع العراقي بصورة عامة، وفي الشارع الشيعي الوطني في الجنوب على وجه الخصوص، كما الإخفاق في معالجة تبعات ملف الموصل، ومناطق سنجار، بالإضافة إلى الأسئلة التي مازالت تنتظر الإجابات، وهي الأسئلة التي تدور حول العوامل التي ساعدت داعش في السيطرة السريعة على الموصل والمناطق المحيطة بها بما في ذلك سنجار.

يضاف إلى هذه العوامل، تمكّن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني من فرض نفسه عبر الانتخابات على المستويين الكردي والعراقي العام، الأمر الذي حقق توازنا في هذين المستويين. هذا إلى جانب التوافق الذي تم حول عادل عبدالمهدي رئيسا للوزراء؛ وهو توافق لم يكن له أن يتم لولا الضغط الأميركي، والتراجع الإيراني الاضطراري.

أما سوريا، فيبدو أن حالة مناطق النفوذ ستدوم إلى حين آخر. وهذا معناه أن الولايات المتحدة ستستمر في استخدام ورقة منطقة شرقي الفرات ضمن إطار حساباتها الخاصة بتوازنات الوضعية العراقية، والاحتمالات المستقبلية. وهي ورقة مهمة على صعيد ضبط العلاقة مع تركيا في سياق عملية إعادة صياغة معادلات ضبط المنطقة من جديد.

ورغم ما يُشاع هنا وهناك حول خلافات أميركية روسية بشأن الملف السوري، إلا أنه في التوجّه العام يُلاحظ وجود توافق على الخطوط العامة من جهة تحديد مناطق النفوذ، وإعادة رسم الحدود بينها من حين إلى آخر، وذلك لاعتبارات ميدانية، وأخرى تتصل بحسابات إقليمية. ولعل تصريحات جيمس جيفري الأخيرة بخصوص التفاهم مع الروس حول ما يجري في جنوب إدلب وشمال حماة، تؤكد استمرارية التفاهمات رغم التصريحات المتشنجة التي تصدر عن المسؤولين الروس، وهي تصريحات باتت جزءا من عُدّة الشغل إذا صح التعبير.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل سيستمر التفاهم الأميركي الروسي بخصوص ترتيب الأوضاع في سوريا، أو على الأقل المحافظة على عملية توزّع القوى الأجنبية المنخرطة في عملية الصراع على البلد إلى حين آخر، وذلك ريثما تتبلور ملامح التطورات المقبلة التي ستشهدها الساحة العراقية؟ أم أن روسيا لن تتخلى عن تحالفها مع الإيرانيين، وتفاهماتها مع الأتراك، وذلك استعدادا لمعرفة تبعات الجهود التنافسية مع الأميركان في ساحات أخرى. وما يستنتج من القرائن المتوفرة حاليا هنا وهناك، هو أن اللوحة السورية لن تشهد تغييرات دراماتيكية في المدى المنظور، وربما على مدى العامين القادمين. لأن المسرح مهيّأ للمشهد العراقي الذي سيؤثر بطبيعة الحال في المشهدين السوري واللبناني.

وفي الحالة العراقية، هناك دور لافت للقوى العراقية الداخلية التي ستضطر، في حالة اشتداد الضغط الأميركي، إلى إعادة النظر في مواقفها ومواقعها من التنافس الأميركي الإيراني. وهي حالة ليس من المستبعد أن تتحول إلى وضعية صراع غير مباشر عبر القوى الإقليمية والمحلية، وربما إلى صراع مباشر محدود إذا ما أصرّت إيران على التصرف وفق شعاراتها المعلنة.

وتبقى أسئلة معلّقة مفتوحة بخصوص الدور العربي في التقريب بين العراقيين، غير المرتاحين، بمختلف انتماءاتهم، للتغلغل الإيراني في العراق، واتخاذه قاعدة للانتشار في دول المنطقة، وتهديد الأمن والاستقرار فيها.

يبدو أن المنطقة ستشهد صيفا ساخنا، ولكن هل سيقتصر ذلك على الجانب الدبلوماسي، والتشدد في اتخاذ المزيد من العقوبات والإجراءات التهديدية الرادعة؟ أم أنه سيتجاوز ذلك إلى اشتباك عسكري محدود، ربما يكون مقدمة لصراع أوسع يكون مدخلا لعملية تفاهمات دولية إقليمية جديدة، ولكن بشروط تتناسب مع المتغيرات التي كانت، والحسابات المستقبلية؟

الجميع في انتظار ماهية الموقف الأميركي الذي ليس من السهل التكهن به. فهناك حسابات كثيرة معقدة تؤخذ بعين الاعتبار في أي سعي يتناول ترتيب الأوضاع مجددا في منطقة هامة كمنطقة الشرق الأوسط. كما أن حملة الانتخابات الأميركية باتت على الأبواب، وهي تؤدي عادة إلى إرجاء البتّ في القرارات الصعبة، ولكن من يدري، فربما تتخذ الإدارة الحالية من عملية الإقدام على مثل هذه القرارات متكأ للاستمرارية.

بقلم الكاتب السوري عبدالباسط سيدا