وجهات نظر 0 comments on من الذي يُشعل النيران في الشرق الأوسط؟

من الذي يُشعل النيران في الشرق الأوسط؟

النيران مشتعلةٌ فى كل أرجاء الشرق الأوسط، لا تكاد تخبو فى مكان، حتى تشتد في مكان آخر؟ وكأن هناك يدا شيطانية خفية، تقف وراء كل تلك الحرائق المدمرة؟ والأمر المثير أن تلك النيران لا تأكل سوى أبناء تلك المنطقة من العرب، ولا تستنفد سوى مقدّراتها؟
اليمن الذي كان، يوما ما، سعيداً، أصبح يُصنف اليوم بأنه يعانى من أسوأ كارثة إنسانية، نتيجة حربٍ عبثية، اقتربت من خمس سنوات، أطرافها المباشرون هم أبناء العمومة من العرب العاربة، والعرب المستعربة، من أهل الجزيرة العربية، والخليج، وامتدت نيران تلك الحرب، لتصل إلى أرض الحجاز ونجد وأبو ظبي، والتى لم تشهد حروباً منذ عقود طويلة؟
سورية الحبيبة تحولت ساحة للاقتتال الداخلى على مدى ثماني سنوات، تمزّقت أشلاء، وتكالبت عليها القوى الإقليمية والدولية، والدم المُراق على الأرض السورية هو، في النهاية، دم عربي؟ ليبيا المناضلة، وشعبها الذي انتفض ضد طاغية، وتطلع إلى استعادة حريته، ومقدّراته، ما كاد يقترب من تحقيق طموحاته، حتى اشتعلت نيران الشقاق على يد ضابط متقاعد من ضباط معمر القذافي الذي كان أسيراً لدى تشاد، وأعلن انشقاقه على القذافي، وتحول إلى لاجئ في أميركا برعاية مخابراتها المركزية، وحصل على جنسيتها، وظهر مع نجاح ثورة الشعب الليبي، ليصبح عامل شقاق، وفرقة، وأخيراً اقتتال دموي، تراق فيه دماء الليبيين؟
وسط تلك الأجواء، تشتعل نيرانٌ جديدة فى السودان، ينتفض الشعب السوداني الحر في وجه
“لن تضرب أميركا إيران لصالح أي طرف إقليمي، ولا هي ستتوقف عن ابتزاز الدول العربية النفطية” نظام عمر البشير، بعد ثلاثين عاماً من القهر والاستبداد، والقمع الدموي، تخرج مجموعة من الجنرالات ترفع شعار دعم الحراك الثوري، الشعبي، وتعزل البشير وتعتقله، وتشكل مجلسا عسكريا يتولى الحكم، ثم ما تلبث أن تكشف عن الوجه الحقيقى لها، فتفضّ اعتصام الثوار السلمي بالعنف العسكري بقوات مليشيات الجنجويد، ويسقط الثوار قتلى، وجرحى، وغرقى، بل ومُغتصبين. وفى النهاية، الدم المراق سوداني.
لا ينبغي أن نغفل ما يجري في الجزائر من توتراتٍ على مدى أكثر من أربعة أشهر، حراك شعبي أسبوعي، إحكام سيطرة من رئاسة أركان الجيش، ولكن الأمور لا تزال تجري في سياق سلمي، بعيداً عن إراقة الدماء، وهو ما نرجو أن يستمر، حتى الوصول إلى حل يحقق طموحات الشعب الجزائري.
إلى جانب كل تلك النيران التى اشتعلت في أرجاء المنطقة، هناك نيران اشتعلت في العراق، وأراقت دماء الملايين، ولا زالت بقاياها مستمرة. وبالطبع، هناك نيران مشتعلة منذ ما يزيد على سبعة عقود، وهي النيران على الأرض الفلسطينية، والتي لا تزات مشتعلة، خصوصا في قطاع غزة، ما بين المقاومة الصامدة والعدو الإسرائيلي.
تبقى الأسئلة الأهم: هل لايزال هناك مجالٌ لمزيد من إشعال النيران؟ ومن الذي يُشعل تلك النيران؟ وما الهدف منها؟ تأتي الإجابة من واقع الأحداث في قلب المنطقة، في حادثتين متتابعتين، الأولى في بحر العرب، وبالتحديد بالقرب من المياه الإقليمية لسواحل الفجيرة، إحدى إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم استهداف أربع ناقلات نفط بعملياتٍ تخريبيةٍ محدود. وهى إشارة واضحة إلى أن طرق إمدادات النفط من الخليج إلى البحار المفتوحة، يمكن أن تتعرّض للخطر. وأشارت أصابع الاتهام إلى إيران، أو بعض أجنحتها فى المنطقة. نفت إيران أي علاقة لها بالحادث، وتضاربت التحليلات ما بين السعى إلى تصعيد الصراع بين أميركا وإيران، لصالح أطرافٍ إقليمية، وبين سعى إيران إلى تخفيف الضغط عليها الناتج عن العقوبات الإقتصادية الأميركية.
وبينما كانت التحليلات عن أبعاد الحادث تتضارب، فوجئ العالم بحادثٍ أشد عنفاً، حيث
“هل لايزال هناك مجالٌ لمزيد من إشعال النيران؟” تعرّضت ناقلتا نفط في أثناء إبحارهما فى بحر عُمان لهجومٍ غامضٍ أشعل فيهما النيران، ولم يتم الكشف عن أبعاد ذلك الهجوم حتى الآن، سواء كان، بصواريخ موجهة، أو بطائرات مسيّرة، أو بألغام بحرية. المهم أن كلا من أميركا وإيران قامت بنجدة أطقم الناقلتين. وعاد الحديث عن اشتعال النيران فى المنطقة، وبادرت أميركا هذه المرة بتوجيه الاتهام مباشرة إلى إيران، وتوجهت إلى مجلس الأمن في محاولة لإدانة إيران بتهديد السلم والأمن الدوليين.
وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة كل تلك النيران المشتعلة، وبينما أميركا تتهم إيران بتهديد السلم والأمن الدوليين، تشهد المنطقة أحداثاً أخرى على هضبة الجولان السورية المحتلة، وفي إحدى المستوطنات اليهودية، يعقد نتنياهو اجتماعا لحكومة العدو الإسرائيلي، يحضره السفير الأميركي في إسرائيل، والسبب هو الاحتفال بتدشين مستوطنة إسرائيلية تحمل اسم الرئيس الأميركى ترامب على هضبة الجولان، تقديراً لإعلانه أن الجولان تحت السيادة الإسرائيلية.
والحدث الثاني الذي تستعد له المنطقة عقد ورشة العمل الاقتصادية في البحرين، لمناقشة تسوية القضية الفلسطينية عن طريق “الاستثمار مقابل السلام”، وليس الأرض مقابل السلام. وتعلن واشنطن عن الأطراف العربية التي بدأت تبدي موافقتها على المشاركة في تلك الورشة. وفي مقدمتها مصر والأردن والمغرب. تلك الورشة التي يعتبرها مراقبون كثيرون مقدمةً وتمهيدا لطرح الشق السياسي لصفقة القرن، والمزمع الإعلان عنها في نوڤمبر/ تشرين الثاني المقبل، عقب الانتخابات الإسرائيلية.
وفي وسط كل تلك الأجواء المتناقضة ما بين طبول الحرب وورش عمل التطبيع مع العدو الإسرائيلى، يخرج علينا ترامب بتصريحاته عن الاستعداد للحوار مع إيران؟ نعود إلى السؤال: من الذي يُشعل النيران في الشرق الأوسط، وما الهدف منها؟ المؤكّد أنه لا أميركا ستضرب إيران لصالح أي طرف إقليمي، ولا هي ستتوقف عن ابتزاز الدول العربية النفطية، بدعوى حمايتها من التهديد الإيراني. والأهم أن خطتها المعروفة بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية ماضية فى طريقها. وليبقى الشرق الأوسط مشتعلاً، طالما النيران لا تحرق إلا العرب.

وجهات نظر 0 comments on التوظيف السياسي و المالي للرياضة ..أزمات سياسية بالجملة .. و منظمات و اتحادات قارية و دولية تحت الطلب

التوظيف السياسي و المالي للرياضة ..أزمات سياسية بالجملة .. و منظمات و اتحادات قارية و دولية تحت الطلب

منية العيادي

تصاعدت في السنوات الأخيرة ظاهرة التوظيف السياسي و المالي للرياضة و كرة القدم خاصة و مدى تأثيرها على القرارات السياسية العربية و الدولية و الأمثلة و الوقائع التي تداخلت فيها السياسة مع الرياضة كثيرة حتى بات على المتابع الرياضي أن يكون محللا سياسيا ليتمكن من فهم و متابعة ما يجري في الملاعب و ما تقرره اللجان التحكيمية.

فضائح رياضية كبرى غزت الميدان الرياضي دوليا و عربيا و كانت لها نتائجها الوخيمة و أضرارها على العلاقات بين الدول و الشعوب فيما بينها و آخرها و نتحدث “محليا” الفضيحة الكروية التي حدثت في مباراة الترجي الرياضي التونسي و الوداد البيضاوي المغربي في نطاق إياب الدّور النهائي لرابطة الأبطال الإفريقية و تداعياتها على العلاقات بين الشعبين و جماهير الفريقين.

 

أزمة نهائي رابطة الأبطال الإفريقية بين الترجي و الوداد .. المهزلة تنتقل من رادس إلى باريس .. فمن يربح المعركة ؟؟

كان للأحداث المثيرة التي شهدها لقاء إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية، بين الترجي الرياضي التونسي و الوداد البيضاوي المغربي يوم 31 ماي الماضي في الملعب الأولمبي برادس تداعيات سلبية كبيرة على الرياضة الافريقية حيث لم تعرف المباراة نهاية طبيعية و أوقفها الحكم الغامبي بكاري غاساما في الدقيقة 61 و أعلن بعد جدال كبير تتويج الترجي باللقب و بينما رفض رئيس الكاف أحمد أحمد تسليم الكأس للترجي كما تقضي بذلك أعراف المسابقة، كان رئيس الحكومة يوسف الشاهد هو من سلمها للاعبين.

و أثارت المباراة اعتراضات من قبل الفريق المغربي، لا سيما بشأن العطل في تقنية المساعدة بالفيديو “الفار” و انسحب لاعبو الوداد من أرض الملعب إثر توقف اللعب بعد نحو ساعة على انطلاق المباراة، عقب قرار الحكم إلغاء هدف التعادل (1-1) الذي سجلوه قبل ذلك بدقائق، و مطالبتهم بالعودة إلى تقنية الفيديو لتبيان ما إذا كان قرار الحكم صائبا.

رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الملغاشي أحمد أحمد، اتهم في تصريحات لصحيفة “فرانس فوتبول” الشهيرة رئيس الترجي حمدي المدب بتهديده بقوله (هل تريد قيام ثورة هنا ؟) مستغربا أن يشتغل الفار بالمسابقات التي يرعاها الكاف في كل البلدان عدا تونس” و مشككا بأن يكون الأمر مجرد صدفة.إدارة الوداد، احتجت على قرار الكاف الذي قرر في اجتماع لاحق، بالعاصمة الفرنسية باريس، إعادة اللقاء خارج تونس و هو ما رفضته إدارة الترجي و قررت اللجوء إلى المحكمة الرياضية الدولية “تاس”.

و كان سعيد الناصيري رئيس الوداد قد راسل الكاف لعرض حمدي المدب و باقي المسؤولين الكرويين بتونس يتقدمهم وديع الجريء رئيس جامعة كرة القدم التونسية و طارق بوشماوي عضو تنفيذية الكاف ، على لجنة الأخلاقيات لتقول كلمتها في الموضوع بعد اتهامه لهم بتهديده و تعرضه لمساومات و يتوفر على أدلة تثبتها.

ما حدث على ملعب رادس و الذي وصفه عديد المحللين الرياضيين و القانونيين بالفضيحة و المهزلة الكبرى التي لازالت تلقي بضلالها إلى اليوم بنتائجها الوخيمة اليوم على كل الأطراف ، الترجي و جمهورها و الوداد و جمهوره و كرة القدم عموما و الكاف و الجامعة التونسية و تونس و المغرب و العلاقات بينهما و ما حدث على شبكات التواصل الاجتماعي و على بعض الفضائيات من تجاذبات و شتائم و تهديدات بين جماهير البلدين خير دليل.

https://youtu.be/p86fwKIuMAU?t=128

و يرى الباحث في القانون العام شكري بن عيسى أن كرة القدم تسيطر عليها اعتبارات خارجة عن الرياضة، و أن تونس بعد ما حصل تضررت بما حدث فوق أرضها و بما لصق بها بعد قرار “الكاف”، في الوقت الذي حصل في رادس كان بتداخل بين كل الأطراف، و لكن تونس هي التي كانت الأكثر سلبية فتحملت كل التبعات الوخيمة.

 و قال بن عيسى إن أوّل المسؤولين عما حدث في رادس هو الكنفدرالية الافريقية و رئيسها أحمد أحمد، فـ”الكاف” هي من يقع على عاتقها مسؤولية التنظيم و الاشراف العام، والفوضى التي حدثت كان سببها الرئيس تخلف جلب تجهيزات “الفار”، و حكمها هو من دخل في ارتباك و لم يعلن نهاية المقابلة و القرار اللازم في الوقت الضروري، كما لم يفرض عدم دخول الغرباء للملعب و محيطة مثلما يخوله له القانون، و كان من المفروض احضار تجهيزات “الفار” قبل اسبوع كامل و ليس انتظار اللحظات الاخيرة ليحدث ما حدث، و تدخل المباراة في المجهول.

أما الطرفين التاليين فاعتبر بن عيسى أنهما على حد السواء جامعة كرة القدم و رئيسها و جمعية الترجي و رئيسها، فهما من تلعب في بلدهم و على ملعبهم المقابلة و عليهما مسؤوليات نظامية دقيقة اضافة للمعنوية، وكان عليهما مراقبة و متابعة قضية تجهيزات “الفار” قبل حصول المكروه، و لو تابعا الامر بعناية لما تخلف وصول التجهيزات “المتبخرة”، وأيضا في خصوص النواحي الأمنية التنظيمية المتعلقة بسلامة اللعبة، وما كان أصلا لرئيس الترجي ورئيس الجامعة ان يدخلا المستطيل الأخضر من أساسه.

كما حمل بن عيسى المسؤولية لرئيس الحكومة يوسف الشاهد قائلا إنه انساق كعادته في التوظيف السياسي من أجل حصد مصالح شخصية ضيقة، و ذلك بالحضور و الشحن و الضغط للحصول على اللقب بكل الطرق، و هو ما خلق ذلك المناخ المتشنج الحاد الذي أفضى للتقارير السلبية على الأمن و التنظيم داخل رادس، اضافة الى ذلك الطاقم الأمني المكثف لحراسته ما أثار حالة الرعب باستعراض أسلحة “ثقيلة”، بعد حالة التشنج التي حصلت نتيجة الغاء هدف الوداد.

 

و تابع بن عيسى : “و في الوقت الذي كان فيه المغاربة في الكواليس يحشدون الدعم لفريقهم و يتوعدون و يهددون، و حققوا في النهاية مبتغاهم بكل الطرق القانونية و الاثباتات الواقعية و عبر اللوبيات و شبكات الضغط و ربما حتى بالرشوة ، كان الشاهد كما الترجي في ادارتها تحتفي و تدعي فوزا و نصرا صار سرابا في أيام،  و زاد في تعقيد الأمور باتهام “الكاف” و اعتبار قرارها “مهزلة” في تعليق شعبوي، مثل دليلا جديدا على تدخل السياسي في الرياضي. 

في المقابل قال المحامي و المحلل الرياضي فتحي المولدي إن التداخل بين السياسي و الرياضي  ليس وليد اليوم و لا يوجد في تونس فقط بل نجده في أعرق الديمقراطيات العالمية معتبرا ما قام به الشاهد طبيعي جدا ( رغم رفضه للتدخل السياسي في المناسبات و المسابقات الرياضية )، لأن فريق الترجي يقوم باللعب في إطار مسابقة قارية و بالتالي فهو يمثل تونس و صورة تونس .

و أضاف فتحي المولدي أن المغرب هو من بدأ بالحشد الشعبي و السياسي ضد تونس و فريق الترجي و جماهيره مشيرا إلى أن رئيس الكاف أحمد أحمد دافع عن المغرب لاعتبارات شخصية و هي أن زوجته مغربية و بالتالي فإن السلطة السياسية في تونس لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام قضية كهذه كسب الرهان فيها يكون لمن لديه وزنا سياسيا أكبر. 

 

التوظيف السياسي للرياضة في المنطقة العربية

 على عكس تجارب سابقة في كل أنحاء العالم، تبدو الرياضة مصطبغة بالخلافات السياسية في المنطقة العربية، و بدلًا من أن تؤدي دورها في التقريب بين الشعوب فهي على العكس تستخدم كأداة في خلافات بين الأنظمة بالمنطقة ، و آخر انعكاسات ذلك ظهرت خلال أزمة كأس آسيا الأخير الذي فازت به قطر، و تنظيم الدوحة أيضًا لكأس العالم 2022.

 

** محاولات إفشال بطولتي كأس العالم قطر 2022 و المغرب 2026

 تنظيم بطولتي كأس العالم عامي 2022 و 2026، شهد منافسة سياسية شرسة بين الدول للفوز بهما، كانت محصلتها صراعًا عربيًا-عربيًا، بعدما شكلت الرياضة و “كرة القدم” هدفًا أكبر في اهتمام السياسيين العرب، و أداة و وسيلة سياسية لتلميع الأنظمة، ثم أداة للكيد السياسي، وفق خبراء و محللين.

كانت أبرز حالتين لهذا الكيد السياسي في المجال الرياضي، هي سعي دول الحصار لإفشال تنظيم قطر استضافتها لكأس 2022 عبر تدخلات مختلفة، و التصويت ضد طلب المغرب الدعم العربي لتنظيم بطولة 2026.

البطولتان تحولتا لسلاح تتقاتل به الحكومات العربية على العشب الأخضر بدلًا من تحولهما إلى مناسبة لتوحيد العرب، وخروج المونديال في قطر أو المغرب بشكل مشرف لكل العرب.

صحيفة “الغارديان” البريطانية كشفت أن دول الحصار الأربع ، خاصة الرياض و أبو ظبي سعتا لمنع والتشكيك في فوز قطر بتنظيم بطولة كأس العالم 2022، بمطالبة قطر بالتخلي عن استضافة البطولة مقابل رفع العقوبات، أو بأعمال غير مشروعة.

الكاتب البريطاني “جيم ووترسن” كشف عن تمويل سعودي-إماراتي لمؤتمر عُقد بلندن، هدف إلى التشكيك في منح تنظيم بطولة كأس العالم 2022 بقطر، ضمن محاولات استغلال الإعلام الغربي في تشويه استضافة قطر للبطولة، قبل أن تفشل كل هذه المحاولات.

إلا أن القرار الأخير للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) يوم 22 ماي المنقضي ،جاء بالانتصار للموقف القطري بشأن تنظيم كأس العالم 2022، بمشاركة 32 منتخبًا و عدم توسيعها إلى 48.

و كان هذا القرار بمثابة انتصار سياسي للدوحة على دول الحصار بعد إقحام السياسة في الرياضة، وسعيها لإفشال تنظيم قطر للمونديال، بدلًا من التعاون لإنجاح العرب سويًا في بطولة دولية تقام لأول مرة في دولة عربية.

 نفس الكيد السياسي تكرر للمغرب لمنع دعمها لاستضافة كأس العالم 2026، برفض تركي آل الشيخ مسئول الرياضة السابق في السعودية علنا -في تغريدة- دعم المغرب لأنها تدعم قطر ضد الحصار في محاولة لاستغلال هذه المناسبة الرياضية في تحقيق انتقام سياسي.

مغردون فسروا تصريحات “آل الشيخ” بأنها رسالة سياسية لتذكير المغرب بحاجتها إلى الدعم السعودي وأن عليها الاختيار بين الرياض والدوحة، و هو ما أغضب إعلاميين و رياضيين مغاربة حينئذ و انتقدوا “آل الشيخ” بعنف لخلطه الرياضة بالسياسية.

مراقبون سياسيون و رياضيون تحدثوا عن أن قوة التحالف السياسي بين أمريكا و السعودية، و الصراع الخليجي مع قطر، حالت دون تصويت السعودية و الإمارات و 5 دول عربية أخري، لصالح المغرب لاستضافة مونديال 2026، ما أضاع تنظيم البطولة من المغرب و أثار حربًا إعلامية بين الرباط و الرياض.
مع هذا لم يخلو هذا الصراع من مكاسب، كان أبرزها تضامن الجزائر مع المغرب، رغم الحدود المغلقة والتوتر السياسي بين البلدين.

 

** مباراة قطر و الإمارات في نصف نهائي بطولة كأس الأمم الآسيوية .. ساحة لتصفية الخلافات السياسية

 كانت لمباراة منتخبي قطر و الإمارات لكرة القدم في نصف نهائي بطولة كأس الأمم الآسيوية جانفي الماضي تداعيات واسعة بعد فوز قطر على الإمارات بأربعة أهداف للاشئ و ترشحها للدور النهائي لأمام اليابان.

و قد جاءت المباراة بنتيجتها، في غمرة الخلاف السياسي المحتدم، بين أبو ظبي و الدوحة، ضمن الأزمة القائمة بفعل مقاطعة تفرضها الإمارات مع عدة دول عربية، بينها السعودية و مصر و البحرين على الدوحة .

و كان هذا اللقاء الرياضي ،  تعرض لإسقاط كل تداعيات الخلاف السياسي بين البلدين عليه ، بحيث بدا لكثيرين أنها تحولت إلى ما يشبه الموقعة العسكرية في ظل حشد الجانبين لها أظهرت مدى طغيان ما هو سياسي، على ما هو رياضي حيث تحدثت تقارير عن منع السلطات الإماراتية، لسعود المهندي نائب رئيسي الاتحادي الآسيوي و القطري و رئيس اللجنة المنظمة للمسابقة القارية، من دخول الإمارات قبل أن يسمح له لاحقا بالدخول.

كما رفضت السلطات الإماراتية، دخول وفد إعلامي قطري، كان يفترض أن يشارك في تغطية فعاليات البطولة، وأعادته على الطائرة نفسها إلى الدوحة، فضلا عن وضع عراقيل أمام دخول مشجعين قطريين إلى الإمارات لتشجيع فريق بلادهم، وقد طال الخلاف السياسي أيضا الجماهير العمانية، المشاركة في البطولة، والتي قيل إن معظمها يشجع المنتخب القطري، إذ شنت شخصيات إماراتية هجوما على الجماهير العمانية، مستهجنة تشجيعها للمنتخب القطري.

 

**  أحداث عربية أخرى استغلت فيها الرياضة سياسيًا 

 يحفل تاريخ اللقاءات الرياضية العربية بمناسبات استخدمت فيها اللعبة، لإذكاء الخلاف بين الشعوب العربية، بمحاولات “تسييس الرياضة “.

  • فخلال نهائي البطولة العربية التي استضافتها القاهرة و الاسكندرية و برج العرب في مصر، تعرض الحكم الدولي المصري، إبراهيم نور الدين، إلى الضرب المبرح على يد فريق الفيصلي الأردني، عقب المباراة التي جمعته مع الترجي التونسي، لتلقي بظلالها لفترة طويلة على العلاقات بين الشعبين المصري و الأردني.
  • و يتذكر الجميع أيضا المثال الواضح للتوتر بين الشعبين المصري و الجزائري، في أعقاب مباريات منتخبي البلدين في تصفيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010، و ما لعبه الإعلام المصري، من تأجيج للخلاف ونقله من منافسة رياضية، إلى شقاق بين شعبين وصلت حد تدخل الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي  خصص آنذاك غالبية خطاب وجهه يوم 21 نوفمبر 2009، في مجلس الشعب ، للحديث عن الاعتداءات التي تعرض لها عدد من المصريين، في أعقاب المباراة قائلاً إن “مصر لن تتهاون مع من يسيء إلى أبنائها”  .

      و وجهت اتهامات لنجليه علاء و جمال ، بأنهما حاولا استغلال الرياضة لاشتعال حرب مع الجزائر و          السعي “لتوظيف الرياضة لخدمة التوريث”، أي خلافة جمال مبارك لوالده قبل قيام ثورة 2011.

      كما تولى عدد من الصحافيين الرياضيين و المذيعين و مقدمي البرامج الرياضية آنذاك عملية شحن       هائلة متبادلة، في ظل سيطرة عناصر غير مؤهلة بشكل كاف على الإعلام الرياضي في البلدين، و       بالتالي تحولت الفضائيات المصرية، إلى أبواق للتعصب في اطار عملية شحن غير مسبوقة.

  • كما تحول كأس العالم روسيا 2018 مسرحا آخر لصراع مصري سعودي قطري سياسيّ  و ساحة لتصفية الخلاف السعودي القطري من خلال سلاح القرصنة و ظهور قناة بي أوت كيو BeoutQ التي كسرت الإحتكار القطري عبر قناة بي إن سبورت beIN SPORTS لنقل مباريات كرة القدم خلال هذه التظاهرة الدوليّة كما رُفعت دعاوي قضائية بالقاهرة و الرياض ضد “احتكار” القناة القطرية، و تم منع رياضيين من الظهور فيها، و تغريم القناة في محاكم مصرية، و السطو على مبارياتها .

    صراع سعودي-قطري تجاوز القطيعة السياسية و الحصار الإقتصادي، ليَتمظهر في شكل جديد مجاله

   ملاعب كرة القدم و التكنولوجيا المعقّدة للتشفير و القرصنة .

 

قضية المنشطات و عقاب روسيا المستمر  .. هل يكشف السعي الأمريكي للهيمنة على  منظمات رياضية دولية و توظيفها في معاركها السياسية و الاقتصادية مع أوربا و روسيا و الصين  ؟؟..

أبقى الاتحاد الدولي لألعاب القوى خلال اجتماع مجلسه في موناكو على إيقاف روسيا المستبعدة من منافساته منذ نوفمبر 2015 بعد فضيحة المنشطات و الفساد المنظمة.

و هي المرة الـ 11 التي يخيب فيها مجلس الاتحاد الدولي آمال الروس الذين يعود آخر ظهور لهم في المحافل الدولية لألعاب القوى الى بطولة العالم 2015 في بكين.

و الاتحاد الدولي لألعاب القوى هو المنظمة الرياضية العالمية الوحيدة التي لم ترفع عقوبة الإيقاف عن روسيا علما بأن اللجنة الأولمبية الدولية أعادتها إلى كنفها، و كذلك الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات.

و لاحظ تقرير لجنة العمل التقدم الحاصل من جانب الروس في مجال مكافحة المنشطات و وصف ذلك بـ”تطورات إيجابية” حسب المصدر القريب من الملف كدفع تكاليف معالجة الفضيحة (2,8 مليون يورو) والدخول إلى بيانات مختبر موسكو لمكافحة المنشطات.

و إيقاف روسيا سيمتد أقله حتى اجتماع مجلس الاتحاد المقبل على هامش بطولة العالم في الدوحة (27 سبتمبر الى 6 اكتوبر)، ما يجعل مشاركة وفد روسي مستبعدة في المنافسات حتى في حال رفع الإيقاف في ذلك التاريخ، لكن في المقابل سيشارك الرياضيون النظيفون تحت علم حيادي.

و يرى مراقبون أنه من الممكن أن تكون واشنطن، التي تسعى إلى السيطرة على منظمات رياضية و تطويعها لخدمة مصالحها و التحكم في العالم، وراء تمديد حرمان روسيا من المشاركة في بطولة ألعاب القوى .

و الرئيس الأمريكي ترمب الذي أساسا منذ وصوله الى سدة الحكم, انقلب على عدد كبير من المنظمات الدولية و الاقليمية حيث انسحب من بعضها و راح يهدد البعض الآخر يحاول اليوم السيطرة على بعض المنظمات الرياضية الدولية و توظيفها في معاركه السياسية و الاقتصادية مع أوربا و روسيا و الصين ..و يرى محدثنا المحلل الرياضي فتحي المولدي، أنه لا يخفى على أحد أن أمريكا التي قامت بالانقلاب على جوزيف بلاتر الذي تم توقيفه و إجباره على ترك منصبه في جوان 2015 ، “ بعد أن كشف أن منح قطر تنظيم مونديال 2022 تم بعد تدخل من جانب ساركوزي لدى بلاتيني “الذي طلب منه بأن يصوت مع المقربين منه لصالح قطر” . 

و قال إن أميركا سعت بكل الوسائل للحصول على تنظيم كأس العالم 2026 على حساب المغرب و لم يعجبها تنظيم روسيا لمونديال 2018 الذي شهد نجاحا باهرا و استضافة قطر لمونديال 2022 و أدى هذا الموقف إلى هجوم من جانب “الخاسرين” على الفيفا .. إنقلترا الخاسرة أمام روسيا لتنظيم مونديال 2018، و الولايات المتحدة أمام قطر”. 

و أضاف فتحي المولدي أن الولايات المتحدة الأمريكية و في إطار الامبريالية المتواصلة على نطاق اقتصاد العالم اليوم تحاول بكل الوسائل السيطرة على الساحة الرياضية العالمية و ليس كرة القدم فقط و إنما الألعاب الأولمبية لأنها تعتقد كما الكثير أنها بواسطة الرياضة تستطيع السيطرة على العالم لأن أكبر مجال رياضي يمس أكبر عدد ممكن من الناس حول العالم هو الألعاب الأولمبية ثم كأس العالم .

 

 

 

 

 

وجهات نظر 0 comments on البرلمان يُقصي نبيل القروي من انتخابات الرئاسة ؟؟؟

البرلمان يُقصي نبيل القروي من انتخابات الرئاسة ؟؟؟

عزيزة بن عمر
تعديل قانون الانتخابات يثير جدلا واسعا في الأوساط السياسية فيما تجادل الحكومة بأنه ضروري لتحصين الديمقراطية الناشئة “ممن يسعون للتحايل على القانون واستغلال ثغرات القانون السابق”.

صادق مجلس نواب الشعب اليوم علي الفصل 42 مكرر بموافقة 127صوتا ،الذي يضبط عدم قبول الترشحات للانتخابات الرئاسية لكل شخص تبين للهيئة قيامه أو استفادته خلال 12 شهرا التي تسبق الانتخابات بإعمال تمنعها الفصول18و19و20 من المرسوم عدد87 لسنة2011 المتعلق بتنظيم الاحزاب السياسية وذلك علي الاحزاب السياسية او مسييريها او تبين قيامه أو استفادته من الاشهار السياسي كما يعرفه الفصل 2من المرسوم116 المتعلق بحرية الاعلام السمعي البصري.

و ينص القانون على أنه يجب على هيئة الانتخابات أن ترفض ترشح من تتأكد استفادته من الجمعيات الأهلية ومن تلقى تمويلا أجنبيا في الاثني عشر شهرا التي تسبق الانتخابات.

و قال الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني إن الاحزاب السياسية ملزمة منذ 2014 بهذا القانون. ولكن القرار الجديد سيشمل المستقلين بهدف تكافؤ الفرص بين المستقلين والأحزاب وبهدف حماية الديمقراطية في تونس.

لكن مالك قناة نسمة نبيل القروي قال لرويترز ”ما يحصل هو انتكاسة قوية للديمقراطية.. إنه قانون خصص لإقصائي من السباق بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن ملايين التونسيين ينوون التصويت لي.. لكن سوف نتوجه للقضاء للطعن“.تعديل قانون الانتخابات يمنع نبيل القروي من الترشح للرئاسة

و ذكر مصدر حكومي تحدث لرويترز أن القانون لا يستهدف القروي أو غيره وإنما الغرض منه فقط حماية الديمقراطية ممن يسعون للتحايل على القانون واستغلال ثغرات القانون السابق.

و قال نعمان العش” لمغرب نيوز” إن تعديل قانون الانتخابات يأتي تلبية لرغبة رئيس الحكومة يوسف الشاهد وأُعدّ على مقاسه لخوض السباق الرئاسي، لكن الشاهد الذي أسس حزبا باسم ‘تحيا تونس’ بعد خصومات ومعارك مع حزبه السابق ‘نداء تونس’ لم يعلن رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية.

تذهب جميع المؤشرات باتجاه إسقاط مشروع التعديل الانتخابي؟؟؟؟

جاء مقترح تعديل القانون الانتخابي بغاية إبعاد رؤساء المؤسسات الإعلامية و الجمعيات من السباق الانتخابي، وهو ما أحدث جدلاً واسعاً بين مؤيد لتنقية المناخ السياسي و فرض المساواة بين المترشحين و رافضين يعتبرونه إقصاء للخصوم السياسيين وضرباً للمنافسين.

وانطلق الجدل مع إعلان نبيل القروي مالك قناة نسمة الخاصة و جمعية “خليل تونس” نيته الترشح للانتخابات الرئاسية عبر قناته التلفزيونية الأمر الذي عارضه كثيرون بسبب ما وصفوه استغلالاً لمنبر إعلامي و توظيفاً للعمل الخيري لخدمة أهدافه السياسية وطموحاته الانتخابية.

و يشير المشروع الجديد إلى أنه “لا يقبل الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب لكل شخص أو قائمة تبين للهيئة قيامه أو استفادته خلال السنة الانتخابية بأعمال يمنعها التشريع المتعلق بالأحزاب السياسية على الأحزاب ومسيريها والتي تخص سقف جمع التبرعات و الهبات و الوصايا و التمويل الأجنبي و التمويل من قبل الذوات المعنوية و الإشهار السياسي وتوزيع الامتيازات المالية”.

و كان القيادي بالحركة، الحميد الجلاصي، اعتبر في تصريح صحافي أن توظيف القروي لجمعيته “خليل تونس” و قناته من أجل الدعاية السياسية، يعتبر تحايلاً على الشعب التونسي و ابتزازا له، كما أشار إلى أن ما تقوم به رئيسة جمعية “عيش تونسي” يعتبر خرقا للقانون، على حد تعبيره.

وأشار الجلاصي إلى أن توقيت طرح هذا القانون ليس صائباً، خاصة أنه يأتي قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات، وذلك يعتبر توظيفاً للشاهد لأجهزة الدولة من أجل غايات و مصالح شخصية.

و كانت حركة النهضة أدانت ما اعتبرته تحايلا على الرأي العام من خلال توظيف بعض الأطراف للعمل الخيري والإعلامي بمجال العمل السياسي، في إشارة مبطنة إلى مالك قناة نسمة نبيل القروي الذي أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية في 10 نوفمبر الثاني المقبل.

و في المقابل أكد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي و مرشحه للانتخابات الرئاسية، محمد عبو، ” لمغرب نيوز” دعم حزبه و مساندته لمنع ترشح أصحاب مؤسسات إعلامية و جمعيات خيرية للانتخابات، بقطع النظر عن دوافع الحكومة من اقتراح هذه المبادرة، حسب تعبيره.

و قال عبو إن نواب التيار سيُصوتون لفائدة هذا المقترح لأن ذلك يخدم المسار الديمقراطي في تونس بقطع النظر عن القلق الذي تشعر به الحكومة إزاء صعود طرف معين أو تقدمه للانتخابات.

و شدد عبو على أن يكون العمل الخيري بعيدا عن السياسة، معتبرا أنه من غير الأخلاقي السكوت عن التلاعب بالقوانين.

قانون على المقاس

و لكن الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي يقول إنه يرفض تمرير التعديلات المقترحة على القانون الانتخابي في هذا الوقت بالذات، مع اقتراب الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر المقبل، لأنها “صيغت على المقاس بطريقة إقصائية”.

و يضيف المرزوقي في تصريح تلفزيوني رغم أن لدي تحفظات كثيرة على صاحب قناة نسمة و ممارساته فإني أرفض تغيير قواعد اللعبة قبل فترة وجيزة من انطلاق السباق الانتخابي”، معتبرا أنه كان من الأجدر القيام بتلك التعديلات لتنقيح القانون الانتخابي قبل سنة على الأقل من انطلاق موعد إجراء الانتخابات.

و دعا عددا من الجمعيات الناشطة في مراقبة نزاهة الانتخابات على غرار “مراقبون” و”عتيد” إلى تأجيل النظر في تعديل القانون الانتخابي عقب انتخابات 2019، إلى حين توسيع المشاورات بشأنه و إشراك جميع الأطراف اللاعبة في الساحة الانتخابية لتحقيق أكبر قدر من التوافق حوله.

و تقول رئيسة الجمعية التونسية من أجل نزاهة و ديمقراطية الانتخابات ليلى الشرايبي إن تغيير قواعد اللعبة الانتخابية في المسافة الأخيرة من الانتخابات يضر بمصداقية الانتخابات و نزاهتها و يفتح الباب إلى التشكيك في نتائجها و إدخال البلاد في أزمة غير محسوبة.

و اعتبرت ليلى في حديثها لها أن رفع العتبة الانتخابية له تداعيات سلبية على الأحزاب الصغيرة و المستقلين، مع أن المدافعين عن الترفيع في العتبة يرون أنها سترشّد الترشحات و تمكّن من ضمان برلمان ذي كتل قوية قادرة على تحقيق الاستقرار الحكومي و سَنّ التشريعات الإصلاحية.

و لم يستبعد مراقبون لجوء جزء من نواب البرلمان للطعن أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، في دستورية القانون المتعلق بالانتخابات و الاستفتاء إن تم تمريره عبر توافق بعض الكتل البرلمانية أو حتى لجوء رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي نفسه للطعن فيه.

ليزي : الانتخابات الرئاسية و التشريعية المقبلة في موعدها
في أعقاب ذلك أكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في البلاد تم ضبط مواعيدها وفقاً للقانون، وأن مطالب بعض الأطراف بالظروف الامنية و الاقتصادية الوطنية و الاقليمية وحديثها عن إمكانية تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية لن تثني الهيئة عن مواصلة عملها.

و قال عضو هيئة الانتخابات عادل البرينصي “إن الهيئة جاهزة و مستعدة لإجراء الانتخابات، معتبراً أن الوضع العام ليس أسوأ، وفق توصيفه، من سنة 2014، ومؤكداً أن التأجيل لا يكون الا في صورة وجود خطر داهم يهدد أمن واستقرار البلاد”.

و أعرب عضو الهيئة الانتخابية عن اعتقاده بأن تنقيح القانون الانتخابي في هذا الظرف “غير محبذ أخلاقيا و سياسيا و غير مناسب من حيث التوقيت”، على حد قوله، مشيرا الى ان الهيئة مطالبة بتطبيق القانون في صورة اجراء التعديل وعدم التدخل في عمل السلطة التشريعية.

يذكر أنّه تمّ رفع الجلسة العامة بتاريخ 13 جوان 2019 المخصّصة للتصويت على تعديل القانون الانتخابي لعدم اكتمال النصاب في ظل حضور 63 نائبا فقط، ثمّ رفعها مرّة أخرى للتشاور بين الكتل البرلمانية.

و على الرغم من المصاعب الاقتصادية التي يشعر بها أغلب المواطنين منذ الاطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 2011، فإن تونس تحظى بإشادة واسعة باعتبارها النموذج الديمقراطي الناجح الوحيد في المنطقة بعد صياغة دستور حديث وإجراء انتخابات حرة في 2011 و2014 وانتقال ديمقراطي سلس دون عنف.الانتخابات التونسية

ندوات ودراسات, وجهات نظر 0 comments on هل يسقط اتفاق سوتشي حول إدلب ؟

هل يسقط اتفاق سوتشي حول إدلب ؟

مقدمة

تتعرض منطقة خفض التصعيد الأخيرة، في محافظة إدلب شمال غرب سورية، والتي كرسها اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في سوتشي[1]، لهجوم عنيف تشنه قوات النظام وميليشياته، بدعم من حلفائها الروس منذ مطلع أيار/ مايو 2019. وقد أدى الهجوم حتى الآن إلى مقتل مئات المدنيين، وتدمير عشرات المراكز الصحية والمدارس التي يُستخدم أكثرها مراكز للإيواء، فضلًا عن نزوح ما يزيد على نصف مليون من السكان. وهو يهدد بإسقاط اتفاق سوتشي ومعه كامل مسار أستانا، وفتح الباب واسعًا أمام مواجهة شاملة بين قوات المعارضة المدعومة تركيًا وقوات النظام المدعومة روسيًا.

أسباب التصعيد الأخير

جاء هذا التصعيد الروسي بعد فشل الجولة الأخيرة من محادثات أستانا أواخر نيسان/ أبريل 2019، بمشاركة كل من روسيا وتركيا وإيران. وكان يفترض أن تتوصل الأطراف فيها إلى اتفاق نهائي حول أسماء أعضاء اللجنة الدستورية ومهماتها وآليات عملها لوضع مسودة دستور جديد؛ تمهيدًا لإقرارها، وإجراء انتخابات ترى روسيا أنها الطريق الوحيدة لإنهاء الصراع المستمر منذ ثماني سنوات، وتتذرع بأن التصعيد الأخير جاء بعد هجمات نفذتها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) وأدت إلى مصرع 22 جنديًا من قوات النظام أواخر نيسان/ أبريل 2019.

تتهم روسيا تركيا بالمسؤولية عن الإخلال بتعهداتها بموجب اتفاق المنطقة منزوعة السلاح، وبحاجتها إلى تأمين مطار حماة العسكري، وقاعدة حميميم التابعة لها في ريف اللاذقية، والتي تزعم موسكو أيضًا أنها تتعرض لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة من المنطقة منزوعة السلاح.

نص اتفاق سوتشي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام السوري، في ريفَي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، بعرض يراوح بين 15 و20 كيلومترًا[2]. كما نص الاتفاق على التزام الجانب الروسي ضمان عدم القيام بعمليات عسكرية ضد إدلب، في مقابل إبعاد الجماعات “المتطرفة” عن المنطقة منزوعة السلاح، و”العمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية، واستعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب -اللاذقية) وإم 5 (حلب -حماة) بحلول نهاية عام 2018″. كما أكد الطرفان “عزمهما محاربة الإرهاب داخل سورية بجميع أشكاله وصوره”، واتخاذ “إجراءات فاعلة لضمان نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب”. وتقوم تركيا وروسيا بتسيير دوريات عسكرية منسقة لمراقبة الالتزام بالاتفاق باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة منزوعة السلاح[3]. وبموجب الاتفاق أيضًا تقوم تركيا باستكمال إنشاء 12 نقطة مراقبة للجيش التركي في منطقة خفض التصعيد في إدلب، لحماية وقف إطلاق النار.

ويأتي التصعيد كذلك بعد فشل تفاهم روسي – تركي، تسمح تركيا بموجبه بسيطرة “مدنية” أو “غير عسكرية” للنظام في مناطق من ريف إدلب الجنوبي، بما يشمل الطرق الدولية، ومدينة جسر الشغور، في مقابل السماح بسيطرة تركية على منطقة تل رفعت، التي تتواجد فيها حاليًا وحدات حماية الشعب الكردية، وتنطلق منها هجمات على منطقة عفرين التي تسيطر عليها تركيا في إطار عملية “غصن الزيتون”، وأدت إلى مقتل جندي تركي مطلع أيار/ مايو 2019. كما تأمل تركيا، من خلال سيطرتها على تل رفعت، إلى فتح الطريق الدولية بين غازي عينتاب ومدينة حلب، ومن ثم الوصول إلى عمق السوق السورية التي خسرتها مع اندلاع الحرب. لكن المفاوضات مع روسيا لم تتوصل إلى أي نتيجة؛ بسبب معارضة إيران والنظام السوري لسيطرة تركيا على تل رفعت؛ الأمر الذي دفع روسيا إلى المضي قدمًا منفردة في الحملة الأخيرة، في محاولة لانتزاع المناطق المشرفة على طريق خان شيخون-معرة النعمان-سراقب الممتدة بين حماة وحلب، وطريق جسر الشغور-أريحا-سراقب الممتدة بين اللاذقية وحلب.

وقد ازداد الوضع تأزمًا بين موسكو وأنقرة بعد أن أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مطلع أيار/ مايو 2019، عن قرب التوصل إلى اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية، لإنشاء منطقة عازلة بعمق 20-25 كيلومترًا، على طول الحدود السورية – التركية، في مناطق شرق الفرات حيث تسيطر وحدات حماية الشعب التركية؛ ما يعني تحقيق انفراجٍ في العلاقات بين أنقرة وواشنطن بعد سنين من التوتر بسبب تحالف واشنطن مع الكرد وتجاهلها مخاوف تركيا الأمنية. وتأمل واشنطن في أن يسهم إنشاء هذه المنطقة في حل التناقض بين تركيا والأكراد؛ إذ تلبي هذه المنطقة حاجات تركيا الأمنية، من جهة، بإنشاء منطقة عازلة على طول حدودها الجنوبية مع سورية، وتحول من جهة أخرى دون حصول هجوم تركي على الميليشيات الكردية المسيطرة في مناطق شرق الفرات لكن بعيدًا عن الحدود التركية.

ويُعتقد أن روسيا تحاول الضغط على تركيا من بوابة إدلب للحيلولة دون الاستجابة لضغوط أميركية لإلغاء صفقة صواريخ “إس 400” التي تعاقدت تركيا لشرائها من روسيا، وذلك لصعوبة الشروط التي تضعها واشنطن على تركيا لتزويدها بصواريخ باتريوت.

معطيات الميدان

ما إن انتهت جولة محادثات أستانا في أواخر نيسان/ أبريل 2019 بالفشل، حتى كثّف الطيران الروسي قصفه للمنطقة منزوعة السلاح؛ تمهيدًا لهجوم قوات النظام والميلشيات المتحالفة معها. وخلال شهر من المعارك تقريبًا تمكنت هذه القوات من انتزاع السيطرة على 18 بلدة وقرية، في مناطق ريف حماة الشمالي والغربي، كانت تحت سيطرة المعارضة، وأهمها قلعة المضيق وكفر نبودة.

خلال الأسابيع الأولى للهجوم، ساد صمت تركي تجاه الخروق الروسية، مع تواتر أنباء عن حصول اجتماعات أمنية تركية مع النظام السوري جرى بعضها في طهران. لكن الوضع تغير مع امتداد القصف الروسي إلى عمق منطقة خفض التصعيد، وحصول حملات تهجير واسعة للسكان، وقصف النظام محيط نقاط المراقبة التركية في ريف حماة الشمالي.

بناء عليه، قام تحالف من قوات المعارضة في 6 حزيران/ يونيو 2019، بإطلاق هجوم مضاد، أدى إلى استعادة بعض المناطق التي انتزعها النظام، والسيطرة على مناطق كانت سابقًا تحت سيطرة النظام في ريف حماة الشمالي. وقد شاركت في المعارك قوات “الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة من تركيا، كما أعطى استخدام المعارضة أسلحة جديدة مضادة للدروع مؤشرات حول مدى التزام تركيا بدعم المعارضة، وأهمية معركة إدلب بالنسبة اليها، فضلًا عن ظهور أسلحة مضادة للطائرات تقول المعارضة إنها ساعدت، إلى درجة ما، في الحد من تأثير القصف الجوي أثناء المعارك، بعد إصابة طائرة سوخوي 22 تابعة للنظام.

حتى الآن، باءت بالفشل محاولات روسيا إنشاء وقائع جديدة على الأرض عبر فرض سيطرتها على مثلث سهل الغاب حتى جسر الشغور، وأيضًا في شمال شرق وجنوب شرق إدلب، أي الطرق الدولية اللاذقية-حلب وحماة –حلب، لكن هذا لم يؤدّ إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

احتمالات التصعيد والتسوية

رغم التصعيد الكبير الذي شهدته المنطقة منزوعة السلاح، فإن أسباب إنشاء هذه المنطقة ما زالت قائمة بالنسبة إلى الطرفين الروسي والتركي. وتدرك موسكو أن عملية عسكرية كبيرة في إدلب ستؤدي بالضرورة إلى انهيار مسار أستانا، الذي يتعرض لضغوط شديدة مع استمرار محاولات الولايات المتحدة إعادة الاعتبار إلى مسار جنيف، وزيادة ضغطها على إيران لإخراجها من سورية.

يعدّ اتفاق إدلب أمل موسكو الوحيد لإنقاذ مسار أستانا الذي تهدد تركيا بالانسحاب منه إذا قامت روسيا بعمل عسكري كبير ضد إدلب. ومن شأن ذلك أن يقوض فرص الحل السياسي وفق الرؤية الروسية في سورية، والقائمة على ثنائية الدستور والانتخابات. أما في إطار إستراتيجي أوسع، فإن عملية عسكرية كبيرة في إدلب ستدفع تركيا مجددًا إلى التقارب مع الغرب، وستؤدي بالضرورة إلى تبديد كل جهود روسيا لانتزاع تركيا من حضن الولايات المتحدة؛ تلك الجهود المستمرة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز/ يوليو 2016، بما في ذلك مساعي ربط تركيا بروسيا باتفاقيات حول التجارة والطاقة، وحتى تزويدها بمنظومة صواريخ إس 400 التي أثارت قلقًا واسعًا في الغرب، وبين حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

نجحت تركيا في إيضاح أهمية إدلب بالنسبة إليها، من خلال دفع أعداد كبيرة من قوات المعارضة السورية، بما في ذلك الموجودة في مناطق درع الفرات، إلى المشاركة في صد الهجوم الروسي على إدلب وتزويدها بأسلحة نوعية، ساهمت في استعادة أجزاء من المناطق التي سيطر عليها النظام، كما ساهمت في السيطرة على مناطق جديدة.

وأوصلت المقاومة الشرسة التي أبدتها قوات المعارضة في الدفاع عن معقلها الأخير رسالة تركية مهمة إلى روسيا، مفادها أن معركة إدلب، في حال قررت روسيا خوضها، لن تكون كبقية المعارك، وخاصة مع ظهور أسلحة مضادة للطائرات. كما أظهرت هذه المقاومة حرص تركيا على إبقاء سيطرة فصائل المعارضة على إدلب، باعتبارها ورقة مهمة للضغط في اتجاه الحل السياسي.

ومن المرجح أن تؤدي الضغوط الدولية دورًا في منع وقوع حمام دم في إدلب أو موجات نزوح واسعة؛ بسبب وجود نحو أربعة ملايين مدني في المحافظة، أكثرهم من النازحين من مناطق أخرى داخل سورية، في حال حصول هجوم عسكري روسي شامل عليها. وكانت الولايات المتحدة حذرت من أنها لن تقف مكتوفة اليدين في حالة استخدام السلاح الكيماوي في الهجوم على إدلب.

كل ذلك يقلل من احتمالات حصول مواجهة شاملة في المدينة ويرجح بقاءها محصورة في مناطق محددة ذات أهمية إستراتيجية أو اقتصادية.

خاتمة

رغم اختلاف مصالحهما، واختلاف رؤية كل منهما لما نُفذ من الاتفاقيات حتى الآن، ما زالت روسيا وتركيا تجدان مصلحة في الحفاظ على اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في إدلب. وسوف تسعى تركيا إلى فرض وقف لإطلاق نار في المنطقة، والعودة إلى الوضع السابق، أي ما قبل الحملة العسكرية التي بدأها النظام السوري مطلع أيار/ مايو 2019، وحقق فيها تقدمًا. أما روسيا فسوف تحاول إلزام تركيا تنفيذ أجزاء من اتفاق المنطقة منزوعة السلاح، وخاصة المتعلقة بإبعاد فصائل المعارضة إلى الشمال؛ ما يوفر الحماية لقاعدة حميميم الجوية الروسية من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة، وفتح الطريق الدولية بين اللاذقية وحلب وبين حماة وحلب، وهو شريان التجارة الرئيس الذي يحتاجه النظام للبدء بالتعافي اقتصاديًا. لكن هذا لن يحصل من دون تفاهمات حول مستقبل تل رفعت، والوجود الكردي في مناطق غرب الفرات؛ ما يرجح بدأ جولة جديدة من المفاوضات التركية – الروسية. ولن تكون واشنطن بعيدة عن تلك المفاوضات في ضوء ارتباطها بتحالفها مع الأكراد ووجودها العسكري في منبج التي لم يحسم وضعها بعد.

في كل الأحوال، إن الإبقاء على اتفاق سوتشي هو مصلحة لتركيا وروسيا في الأزمة، في ضوء عدم إمكانية حسم وضع إدلب، ريثما تتضح صورة التفاهمات الإقليمية والدولية حول قضايا الحل السياسي في سورية وكيفية الوصول إليه. وهذا لا يعني أن روسيا والنظام لن يستغلا أي فرصة للتقدم على جميع المحاور، إذا سنحت مثل هذه الفرصة.

[1] وقع الاتفاق خلال لقاء قمة جمع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في 17 أيلول/ سبتمبر 2018، في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود.

[2] “مؤتمر صحفي للرئيس الروسي بوتين ونظيره التركي أردوغان في سوتشي”، يوتيوب، 17/9/2018، شوهد في 11/6/2019، في:

https://bit.ly/2RdnUsh

[3] “سوريا: ما هي بنود اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح بإدلب؟”، بي بي سي عربي، 18/9/2018، شوهد في 11/6/2019، في:

https://bbc.in/2QzYg01

 

 

 

المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات

وجهات نظر 0 comments on أي دور لفرنسا و إيطاليا في تونس و دول الجوار ؟

أي دور لفرنسا و إيطاليا في تونس و دول الجوار ؟

++التطبيع بين الدول الأوربية و النهضة له انعكاسات علي ليبيا و الدول المغارببة و العربية 

مغرب نيوز* عزيزة بن عمر

تعتبر النهضة المكون الإسلامي الأول في العالم العربي الذي تقدم بطلب للحصول على تأشيرة حزب. كما يعتبر زعيمها راشد الغنوشي الشخصية الإسلامية الاولى التي أقرت بحق الشعب في اختيار من يحكمه بغض النظر عن معتقداته، حين أكد في حوار صحفي شهير سنة 1980 ” نحترم إرادة الشعب لو إختار الحزب الشيوعي ولكننا نعمل من بعد ذلك على تغيير موازين القوى بالوسائل السلمية” لتتحول شيئا فشيئا من خركة دعوية إلى حزب سياسي قوي في البلاد .

‏راشد الغنوشي : نحن نطمح لعالم يسوده #السلام و #العدالة بين الشعوب وبين الأمم، و#الديمقراطية، لذلك نسعى إلى علاقات تبادل نافع بيننا وبين كل الدول، فنحن نريد تشجيع #السلم في منطقتنا و #العالم، والتعاون في محاربة#الإرهاب وتشجيع التنمية و التبادل الحر. 
‏ولا نريد أي مشاكل مع كل الدول.

L’image contient peut-être : une personne ou plus et gratte-ciel

 

النهضة من حركة دعوية إلى حزب سياسي : 

ترى شخصيات في حركة النهضة التونسية، أن الحركة تحوّلت من حالة الإسلام السياسي إلى حالة الإسلام الديمقراطي، خصوصاً بعد المؤتمر العاشر الذي عُقد في عام 2016 وفصل بين العمل الدعوي والسياسي. كما كان من بين مخرجاته وضع الأسس الأولى لحزب سياسي مدني، مختص في العمل السياسي دون غيره، منصرف إلى التفكير في حلّ المشاكل التنموية وإدارة البلاد، بعد تحوّل “النهضة” إلى مساهم دائم في كل الحكومات التي عرفتها تونس بعد الثورة.
وتطرح هذه الاستحقاقات أسئلة صعبة على “النهضة” بشأن مآلات الانتقال إلى الإسلام الديمقراطي و الحكم و الإدارة و تطوير بناء الحركة. وبدلاً من البحث بتروٍ عن أجوبة لهذه الأسئلة التي تواجهها، وجدت الحركة نفسها منهمكة في التعاطي مع تحديات أن تكون في الحكم وتلاحق التطورات في المنطقة العربية والأفريقية، في موازاة إدراكها لحقيقة وجود قوى دولية تتابع بحذر شديد ملامح التطور الذي تشهده الحركة وتراقب عن كثب طريقة إدارتها لجملة هذه التحديات.

رافاران استقبل الغنوشي هذا العام لأنه لم يعد بإمكان فرنسا تجاهل حركة النهضة

لقاء الغنّوشي بالسياسين الفرنسيين كان على أعلى مستوى، وتناول الوضع في تونس وفي المنطقة (ليبيا والجزائر)،

و يمكن الحصول على أجوبة بشأن بعض الأسئلة التي تواجهها الحركة من خلال آخر تحركات رئيس الحركة، راشد الغنوشي، وأحدثها زيارته إلى فرنسا ولقاؤه عدداً من المسؤولين الفرنسيين،

حتى من عبّر منهم سابقاً عن مواقف مناهضة لـ”النهضة”، مثل رئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران، الذي اعتبر قبل عام في تصريح إذاعي أن “تونس في خطر وهي بصدد الجنوح ويمكن أن تتحول إلى فضاء سياسي يستولي فيه الإسلاميون على السلطة بطريقة ديمقراطية”، مضيفاً أنه “من المُلّح تجنب حدوث سيناريو مماثل”. غير أن رافاران استقبل الغنوشي هذا العام بكل حفاوة، لأنه “لم يعد بإمكان فرنسا تجاهل حركة النهضة بعد الآن، خصوصاً مع إمكانية فوزها بالانتخابات التشريعية المقبلة (مقررة في أكتوبر المقبل)” على حد ما ورد على موقع “أفريك إنتليجينس”.

و أكد الغنوشي للفرنسيين ما يقوله لكل الأطراف الأجنبية المهتمة بالشأن التونسي، من أن البلاد نجحت في “المصادقة على دستور تقدمي، ديمقراطي، توافقي، وحداثي يحترم هوية الشعب، نابع من رؤية استشرافية لتونس في المستقبل يحفظ حقوق التونسيين وحرياتهم ويؤسس لدولة القانون والمواطنة والمساواة”.

كما أشار، خلال محاضرة قدمها أمام عدد من المفكرين الفرنسيين، إلى أن تونس “تمكنت من تشكيل مؤسسات وهيئات دستورية مستقلة مثل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة مكافحة الفساد وهيئة مكافحة التعذيب، وغيرها من الهيئات، وسنّ جيل جديد من التشريعات والقوانين على أرضية الدستور الجديد عزّزت حقوق التونسيات والتونسيين وحرياتهم مثل حرية التنظّم في جمعيات وأحزاب وحرية التعبير وحرية الإعلام واستقلاليته وقوانين تجرّم العنف ضد المرأة وقوانين ضد التمييز العنصري”.

ولفت إلى أنه تم “تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 ثم الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014 والانتخابات المحلية في ماي 2018 والبلاد تستعد الآن لتنظيم تشريعيات ورئاسيات أواخر العام الحالي، فضلاً عن تركيز الحكم المحلي بانتخاب أكثر من سبعة آلاف عضو مجلس بلدي جديد في إطار تنزيل الباب السابع من الدستور وتعزيز اللامركزية والديمقراطية التشاركية والشعبية”. وبالنسبة إلى الغنوشي فإن “هذا النجاح لم يكن صدفة، ولكنه كان نتيجة لخيارات تم اتباعها من قبل الفاعلين السياسيين التونسيين وفي مقدمتهم النهضة.

“.https://www.facebook.com/rached.ghannoushi/videos/447293526020189/

وشدّد الغنوشي على انتهاج حركته “مبدأ التوافق كأساس لمعالجة الخلافات، وتشكيل حكومة مع أحزاب علمانية، والتمسك بهذا المبدأ ليشمل كل فضاءات الشأن العام ويضم إسلاميين وعلمانيين وقديماً وجديداً، بديلاً عن منطق الإقصاء والاستقطاب الذي ساد في تجارب مماثلة فتعثرت”. هذه المواقف للغنوشي رأى مراقبون أنها تحمل رسائل مهمة للغرب عموماً، ومحورها تطمينات على المسار الذي تتجه فيه الحركة إلى حزب ينتهج الواقعية السياسية في تعامله مع الفرقاء المحليين، ويحرص على مدنية الدولة ولا يخاف طرح قضاياها الكبرى والبحث عن مناطق مشتركة لا تتعارض مع التطورات التي تشهدها البلاد.


النهضة تدرك بلا شك أن بقاءها في المشهد رهن تحقيق استقرار اجتماعي و سياسي


في الوقت عينه، يبدو أن أهم شركاء تونس، فرنسا و ألمانيا و إيطاليا، بدأت تتعامل مع النهضة على أساس أنها معطى ثابت في المشهد السياسي والنسيج الاجتماعي التونسي، خصوصاً بعد فوزها الأخير في الانتخابات البلدية، وفي ضوء ما تقدمه الاستطلاعات من تفوقها الممكن في الانتخابات التشريعية المقبلة. أي أن “النهضة” أصبحت شريكاً ضرورياً، اقتصادياً تحديداً، ولم يعد بالإمكان تجاوزه أو العمل على تحييده، على عكس قوى عربية تحاول الإلقاء بثقلها في المشهد التونسي بغاية إقصائها. وعلاوة على هذه القوى الأوروبية، تنضم قوى غربية عديدة أخرى، على رأسها الولايات المتحدة، لبحث وتمحيص عملية الانتقال إلى الإسلام الديمقراطي الذي يتحدث عنه الغنوشي، لأنه قد يشكل مثالاً وحلاً لمعضلات كثيرة في المنطقة العربية الاسلامية.

الغنوشي في ألمانيا: النهضة متمسكة بالتوافق بين الإسلاميين و العلمانيين

منهم وزير الخارجية : الغنوشي يلتقي 8 من كبار مسؤولي ألمانيا

ففي ال23 من فيفري 2019 أدى راشد الغنوشي مرفوقا بعدد من كوادر النهضة زيارة إلى دولة ألمانيا التقى فيها بعديد الشخضيات الألمان أبرزها لقاء مع وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نيلز أنان وكبير مستشاري أنجيلا ميركل للشؤون الخارجية يان هاكر.

و قد أعرب المسؤولين الألمان عن إعجابهم بتجربة الإنتقال الديمقراطي في تونس التي صنعت الإستثناء في دول الربيع العربي” و عن” إعجابهم بتجربة حركة النهضة والدور الذي لعبته في إنجاح التجربة والمحافظة عليها” وبأنهم “أكدوا أهمية ما تقدم تونس كنموذج تتوافق فيه الديمقراطية مع الإسلام وحقوق الإنسان بعكس القراءات المتطرفة للإسلام والتي تربطه بالعنف والتشدد”.

بدوره رئيس النهضة راشد الغنوشي دعا” الحكومة الألمانية إلى زيادة و تكثيف هذا الدعم خاصة بتشجيع الشركات الألمانية على الإستثمار في تونس و توثيق العلاقة بين المؤسسات الجامعية الألمانية و التونسية خاصة عن طريق توفير منح دراسية للطلبة التونسيين”.

https://www.facebook.com/rached.ghannoushi/videos/%D9%85%D9%84%D8%AE%D8%B5-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D8%B1%D8%A7%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A%D9%81%D8%B1%D9%8A-2019-/335575333814185/

 

و خلال الزيارة التقى الغنوشي كلا من وزير الدولة للشؤون الخارجية نيلز أنان وكبير مستشاري أنجيلا ميركل للشؤون الخارجية الدكتور يان هاكر  ووزيرة الدولة للتعاون الدولي فلاشبارت ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني ولجنة الصداقة مع دول المغرب العربي في البرلمان الألماني ورئيسة اللجنة غابريالا هاينريخ والأعضاء النواب بيتر ستاين ورودريك كيزواتر والمدير العام لقسم الشرق الأدنى والأوسط بوزارة الخارجية فيليب أكرمان.

الغنوشي في منتدى حوار المتوسط بروما 

شارك رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي منتصف أفريل 2019  في منتدى حوار المتوسط بروما مختزلا في كلمته التي ألقاها بالمناسبة  النموذج التونسي يكمن في ثلاثة مبادئ رئيسيّة ،و هي التوافق و تقاسم السلطة و السياسات الشاملة .

و تابع قائلا ” لقد تعلّمنا من خلال تجربة الانتقال الديمقراطي المعقّدة فن بناء التوافقات.
في خضم الأزمة السياسية عام 2013، اخترنا في حركة النهضة تسليم السلطة لحكومة انتقالية محايدة، و بذلك أنقذنا بلادنا و تجربتنا من الانهيار بإصدار أحسن دستور ديمقراطي في المنطقة و تمكنا من تنظيم الانتخابات التشريعيّة و الرئاسيّة لسنة 2014.
نعتقد أنه في ظل ديمقراطية ناشئة ليس من الحكمة و لا من المناسب أن يتم استلام الحكم بناء على أغلبية انتخابية بسيطة، بل وجب العمل معا على بناء توافقات مع مختلف القوى السياسية”.

https://www.facebook.com/rached.ghannoushi/videos/298039334456847/

 كما كان للغنوشي زيارة إلى إيطاليا في أكتوبر 2016  بدعوة من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الإيطالي، التقى خلالها بمسؤولين رسميين و كبار في الحكومة الإيطالية و أبرزهم وزير الخارجية باولو جانتيلوني لبحث سبل تطوير الدعم الإيطالي لتونس و إيجاد حلّ للأزمة الليبية، كما كان لرئيس حركة النهضة لقاء برئيسة البرلمان الإيطالي لاورا بولدريني حيث ألقى كلمة بالبرلمان. و دعا الغنوشي آنذاك وزير الخارجية إلى تكثيف علاقات التعاون بين تونس و إيطاليا و إلى الرفع من مستوى الدعم الذي تقدمه إيطاليا و أوروبا لتونس. كما تطرق اللقاء حينها إلى الوضع في ليبيا و تأثيراته السلبية على كل المنطقة ضمن مجهودات حركة النهضة و سعيها إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتنازعة و ضرورة إيجاد مدخل للحوار و التوافق بينها و إيجاد حل للأزمة التي طال أمدها.

العجمي الوريمي : النهضة أصبحت معطى ثابت في المشهد العالمي :

شدد عضو النهضة العجمي الوريمي على أن التحركات الأخيرة لكوادر النهضة تأتي في إطار ما يسمى دعما للديبلوماسبة التونسية كما أن الزيارات تعتبر “خيرا على البلاد لا على النهضة ” سيما و أنه هناك اهتمام بالتجربة التونسية و مسار الانتقال الديمقراطي ،كما ان هناك دول بدأت تتعامل مع النهضة على أساس أنها معطى ثابت في المشهد السياسي و النسيج الاجتماعي التونسي، خصوصاً بعد فوزها في الاستحقاقات الاتخابية الأخيرة  .

الغنوشي في تركيا : مراسم الافتتاح الرسمي  لجامع” تشامليجا”

شارك راشد الغنوشي في الخامس من ماي الفارط  في اسطنبول في مراسم الافتتاح الرسمي لجامع تشامليجا وهو أكبر جامع في الجمهورية التركية .
دُعي بعدها الغنوشي  إلى مأدبة عشاء ضمت رؤساء الوفود المشاركة ، حيث كان له لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تناول علاقات الأخوة والصداقة بين تونس وتركيا وسبل تعزيزها

L’image contient peut-être : 9 personnes, personnes souriantes, personnes debout, mariage et costume

 

 

أصبحت الحركة تشكل جزءا أساسيا من المشهد السياسي في البلاد فهي على خلاف بعض الأحزاب الأخرى التي تشكلت بناء على مصالح ايديولوجية ظرفية وأحيانا متناقضة، تمكنت من الحفاظ على تماسك بيتها الداخلي، بالرغم من التحديات التي واجهتها خلال السنوات الأخيرة. قد تفقد حركة النهضة دورها القيادي في السلطة، حتى  و إن اتخذت هذه القيادة في حد ذاتها بعد انتخابات سنة 2014 شكلا مختلفا؛ أي القيادة من الخلف، لكن فرضية زوال الحركة كما يفترض البعض، تبدو غير واقعية تماما؛ على الأقل ضمن السياق السياسي الحالي في البلاد. لكن السؤال الأهم هو هل يمكن أن يكون هذا الحزب قادرا على الصمود ضمن الديناميكية الحالية للمشهد السياسي التونسي؟

وجهات نظر 0 comments on بعد 50 عاما على تأسيس “الاتجاه الإسلامي” : تونس.. “النهضة” و تحولات الإسلام الاحتجاجي بعد الثورة .. بقلم كمال بن يونس

بعد 50 عاما على تأسيس “الاتجاه الإسلامي” : تونس.. “النهضة” و تحولات الإسلام الاحتجاجي بعد الثورة .. بقلم كمال بن يونس

فتح المكتب السياسي لحركة “النهضة” التونسية، بمناسبة الذكرى الـ 37 للإعلان عن تأسيس أول حزب سياسي مدني له مرجعيات إسلامية في حزيران (يونيو) 1981، ملف نصف قرن كامل من مسيرة نشطاء “الاتجاه الاسلامي” التونسي تراوحت بين خيارات القطيعة والصدام الثوري مع السلطات والمشاركة والتطبيع مع الواقع المحلي والنظام الدولي.

 

 
وفتح لأول مرة حوار علني حول ظاهرة “الصحوة الإسلامية” و”الاسلام الاحتجاجي” التونسي منذ بروز “جماعات الدعوة والصحوة الشبابية الدينية” أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات .

وقد تطورت هذه الظاهرة الدينية التونسية بسرعة إلى تيار شبابي ثقافي فكري سياسي نقابي وطني ثم إلى حراك ثوري في الجامعات والنقابات تأثر ببعض الحركات اليسارية والأحزاب الليبيرالية الوطنية التونسية والمغاربية ثم بحركات التحرر الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والثورة الإيرانية .

وأصبح هذا التيار الشبابي الثقافي السياسي لاحقا من أهم الأطراف المؤثرة في الجامعات والمعاهد الثانوية والمجتمع وفي الصراعات على السلطة في العقد الأخير من عهد الحبيب بورقيبة وفي عهد خلفه زين العابدين بن علي ثم بعد اندلاع الثورات العربية مطلع 2011.

ولعل السؤال الكبير اليوم هو: هل سيساهم إحياء الذكرى الـ40 لتأسيس “حركة الاتجاه الإسلامي” والثلاثين لتأسيس حركة “النهضة” في مراجعات فكرية سياسية ومسار نقد ذاتي جريء لاستيعاب خصوصيات تجارب قوى “الإسلام الاحتجاجي” التونسية والمغاربية التي يعلن زعماؤها اليوم اختلافهم مع مجموعات “الإسلام السياسي” المشرقية، وانخراطهم فيما يسمونه تيار “الإسلام الديمقراطي” المتصالح مع المرجعيات المدنية والحقوقية الدولية ودستور البلاد ومع تراث تيارات التنوير والنهضة والإصلاح المغاربية والمحلية منذ ثلاثة قرون؟

خلافات علماء الاجتماع والخبراء

وقد اختلف علماء الاجتماع والمؤرخون والاعلاميون في تصنيف تجربتي حركة “الاتجاه الإسلامي” و”النهضة” التونسية وتأثيراتها في المنطقتين المغاربية والعربية وفي الجالية المسلمة في أوروبا .

وكشفت كثير من الدراسات والأبحاث في هذا المجال تباينا بين من وصف “الاتجاه الإسلامي التونسي” قبل الإطاحة ببورقيبة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 ثم “النهضة” بعد 1988 حراكا احتجاجيا سياسيا ثوريا إيجابيا وناجعا بررته إخفاقات السلطات التونسية والنظام العربي.

في المقابل اعتبرت تقييمات خصوم “النهضة” من داخل أحزاب السلطة وفصائل من اليسار الطلابي والنقابي الحركات الشبابية الإسلامية “ورقة” وظفتها مجموعات مصالح وأطراف سياسية محلية وأخرى استعمارية إقليمية ودولية لإضعاف “القوى التقدمية” والمعارضة اليسارية والليبيرالية المدنية ثم لتبرير سياسات القمع والاعتراض على مطالبات الحقوقيين والمعارضين العلمانيين بالتعددية والإصلاح والتغيير..

“شكلانية دينية” وقمع

في نفس الوقت برزت قراءات متباينة لظاهرة “الإسلام الاحتجاجي” مثلما سماها عالم الاجتماع عبد الباقي الهرماسي قبل 50 عاما بعد أعوام قليلة من كتاباته عن “نهاية المقدس” و”انتهاء تأثير الدين في المجتمع التونسي”..

 

ولئن عدل بعض الباحثين مثل عبد الباقي الهرماسي مبكرا دراستهم للظاهرة الشبابية الإسلامية، فإن التيار السائد داخل النخب العلمانية الحاكمة والمعارضة ظل يقلل من دلالاتها. وقد اعتبرها بعضهم مثل عالم الاجتماع والمفكر عبد الوهاب بوحديبة “شكلانية دينية”.

وقد وظفت مثل هذه التقييمات لاحقا في قمع النشطاء الإسلاميين التونسيين في عهد بورقيبة ومطلع عهد بن علي رغم انتماء عبد الوهاب بوحديبة وبعض تلامذته إلى الجيل المؤسس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وللتيار الليبيرالي التعددي التونسي وللدراسات الجامعية المعمقة عن الفكر الإسلامي وسوسيولوجيا السياسة والمجتمع والمقدسات في تونس والدول والمغاربية والعربية.

مؤامرة ومرتزقة؟

وقد اعتبر بعض الإعلاميين والمثقفين والجامعيين التونسيين في الربع الأخير من القرن الماضي الحراك الشبابي الإسلامي جزءا من مؤامرة داخلية ودولية تستهدف المكاسب التقدمية للمجتمع التونسي والدولة التحديثية .

وقد حذر عالم الاجتماع عبد القادر الزغل في كتاباته مبكرا من خطر “عودة التدين في تونس الحديثة والعلمانية” ووصف شباب الحركات الإسلامية بـ”الانكشارية الإسلامية” وشبههم بفئة من المجندين المرتزقة في العهد العثماني …

لكن باحثين كبار آخرين اعتبروا الحراك الشبابي الإسلامي “ظاهرة معقدة وفسيفسائية متعددة الأبعاد والروافد” مثلما أورد المفكر احميدة النيفر والكاتب صلاح الدين الجورشي والإعلامي زياد كريشان والحقوقي محمد القوماني والصحفي عبد العزيز التميمي ورفاقهم مؤسسوا “التيار الإسلامي المستقبلي” و”مجلة 15*21″ ثم منتدى الجاحظ وتيارا “الإسلاميين التقدميين” و”الإسلاميين المستقلين” مطلع الثمانينيات من القرن الماضي .

 

وكان احميدة النيفر أحد المنسقين الثلاثة لدراسة “الحالة الدينية 2011 ـ 2015” التي أصدرتها مؤسسة مؤمنون بلاحدود للدراسات والأبحاث في 4 مجلدات ضخمة وضمنتها دراسات وشهادات لعشرات من كبار الباحثين والمفكرين وعلماء النفس والاجتماع والتاريخ والدراسات الحضارية بينهم عبد اللطيف الهرماسي ومنير السعيداني ونادر الحمامي وعبد المجيد الشرفي وعبد الحق الزموري وأسماء نويرة وفوزي البدوي وعلي اللافي وعلي الزيدي وحفيضة شقير والهادي يحمد ويوسف الصديق وراضية العوني.

التطبيع مع الغرب ومع الدولة التونسية

راشد الغنوشي رئيس حركة “النهضة” وعلي العريض رئيس الحكومة السابق ونائب رئيس الحركة حاليا وعدد من رموز تيارها الشبابي منذ نحو 40 عاما مثل العجمي الوريمي ورضا إدريس وعبد الرؤوف النجار يعتقدون أن من بين نقاط القوة في حركتهم نجاحها في استيعاب مناضلين من أجيال وتوجهات مختلفة وتحقيق المصالحة مع الهوية التونسية.

 

واعتبر العريض أن الحركة قامت بنقد ذاتي جريء وشامل على الأقل مرة كل 10 أعوام بما أهلها لتنفتح تدريجيا على كامل المجتمع التونسي وعلى قيم الحداثة الغربية والعالمية ثم للتصالح مع الدولة التونسية ومع العواصم الغربية بما في ذلك باريس عاصمة اللائكية المعادية للدين في القرن الماضي.

وتحدث الغنوشي وأعضاء الوفد المرافق له في جولاته مؤخرا في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا عن “تطبيع رسمي” لعلاقت حركة “النهضة” مع العواصم الغربية التي انحازت ضدها سابقا بسبب الخلط بين مرجعياتها الفكرية السياسية ومسارات بعض الحركات والتنظيمات المشرقية المحسوبة على الجماعات “الجهادية المتطرفة” و”المليشيات الإسلامية المسلحة” و”الجماعات المقاتلة” وحركات “الإسلام السياسي” العنيفة .

ونوه الغنوشي بخيار التوافق بين قيادة حركة “النهضة” وقيادات الحزب الحاكم منذ 5 أعوام بزعامة الرئيس الباجي قائد السبسي ثم رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالمصالحة النهائية بين الحركة والدولة .

 

واستدل الغنوشي باستضافته لإلقاء كلمة في مؤتمرحزب “النداء” في 2015 في مدينة سوسة السياحية، ثم مشاركة رئيس الدولة في الجلسة الافتتاحية في المؤتمر العاشر لحركة “النهضة” في 2016 ودفاعه عن خيار التوافق السياسي مع “الإسلام الديمقراطي” بحضور سفراء العواصم الغربية والعالمية وعدد كبير من رموز الدولة والحزب الحاكم في عهد بورقيبة وبن علي مثل الهادي البكوش وعبد الرحيم الزواري ومحمد الغرياني وكمال مرجان وكمال الحاج ساسي …

الأوفياء لخط ثورة 2011

لكن هذه المواقف المناصرة للتوافق لا يمكن أن تحجب الاختلافات العميقة والمتصاعدة داخل النخب التونسية العلمانية وفي صفوف الإسلاميين عموما والنهضويين خاصة، فيما يتعلق بعدة ملفات من بينها الوفاء لشعارات ثورة 2011 وتقييم حصيلة الحكومات المتعاقبة خلال الأعوام الثمانية الماضية والتي شهدت تجارب عديدة للتوافق والتنازلات المتبادلة بين العلمانيين والإسلاميين داخل البرلمان والسلطة التنفيذية .

وفي الوقت الذي يحمل فيه غالبية رموز الأحزاب العلمانية واليسارية قيادات حركة النهضة مسؤولية الاخفاقات بعد ثورة 2011 تتعالي أصوات من داخل التيار الإسلامي عموما وحركة “النهضة” خاصة لانتقاد ما يصفونه بتحالف قيادتهم مع رموز النظام القديم والدولة العميقة .

ويتصدر تيار”المعارضين” قياديون حافظوا على عضوية القيادة الموسعة للحركة، بينهم الوزير السابق والأمين العام سابقا لاتحاد الطلبة عبد اللطيف المكي ونائب رئيس الحركة سابقا عبد الحميد الجلاصي والوزير السابق والمستشار السياسي لرئاسة الحركة لطفي زيتون ..

وتوسع تيار “الغاضبين” ليشمل قيادات تاريخية انسحبت من الحركة وأخرى حافظت على علاقات مميزة بها مثل الوزير السابق الحقوقي والمحامي سمير ديلو ورئيس الحكومة في 2012 ومطلع 2013 والأمين العام السابق حمادي الجبالي الذي أعلن الترشح للرئاسة بصفة مستقل ورفض عروضا كثيرة بالعودة إلى الحركة وتحمل مسؤولية عليا فيها مجددا ..

في هذا المناخ العام يتساءل المراقبون الذين يراهنون على “الدور التعديلي” لتجربة حركة “النهضة” داخل تونس وخاصة في محيطها الاقليمي المغاربي والعربي إن كان الاحتفال بذكرى التأسيس سيمكن رموز الاجيال الثلاثة “للاتجاه الإسلامي” التونسي من الانفتاح أكثر على المجتمع وعلى النخب الإسلامية وعلى كل رموز تيار الهوية والاصلاح والتجديد الفكري والثقافي.. بما سوف يساعدها على مزيد ترشيد المسار السياسي فكرا وممارسة وعلى تحقيق نتائج مقبولة في انتخابات موفى العام الجاري.

الإجابة عن كل هذه الأسئلة ستحدد إن كان قادة “النهضة” وكوادرها قادرين فعلا على المصالحة الداخلية الواسعة وعلى استرجاع ثقة غالبية ناخبيهم في 2011.. بعد أن تراجع عددهم في انتخابات 2014 ثم في الانتخابات البلدية في 2018.. بما كشف أن “السياسة تحرق”..

 

 

 

 

 

وجهات نظر 0 comments on عبد الفتاح البرهان على خطى عبد الفتاح السيسي .. بقلم جعفر عباس

عبد الفتاح البرهان على خطى عبد الفتاح السيسي .. بقلم جعفر عباس

في 11 من نيسان (أبريل) الماضي، أعلن قادة عسكريون الإطاحة بحكم عمر البشير، وشكلوا مجلسا قالوا إنه سيتولى إدارة البلاد، بالتوافق مع التنظيم الذي قاد ثورة شعبية دامت أربعة أشهر، ولأن عساكر جميع بلدان العالم الثالث قبيلة واحدة، فقد بدأ عسكر السودان في التنصل من ذلك التعهد، والسير على نفس طريق عسكر مصر الذين ركبوا موجة الثورة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك، ثم انقلبوا على الثورة والثوار.

 

بين السيسي والبرهان

كان المشير بأمرِهِ عبد الفتاح السيسي قد أعلن فور  بلوغه أعلى مراقي السلطة في مصر، زهده في الحكم، وبذل الكثير من حلو الكلام عن تعزيز الممارسة الديمقراطية ودرء الفتن ومهددات السلم الأهلي، وشيئا فشيئا تحول حكمه إلى دكتاتورية عضوض.

وكان من عجيب المصادفات أن رأس المجلس العسكري في السودان أيضا يحمل اسم عبد الفتاح (البرهان)، ثم اتضح أنه يتخذ من عبد الفتاح (السيسي) المصري معلِّما وشيخا، فكان ما كان من أمر مذبحة 29 رمضان التي بلغ عدد ضحاياها 118 حتى فجر الخميس 6 حزيران/ يونيو الجاري.

 

لا أحد في السودان يشك في أن العصيان المدني سيؤدي إلى سقوط حكم العسكر،

كانت نقطة التحول في مسار الثورة الشعبية في السودان، اعتصام مئات الآلاف من الثوار أمام مقر قيادة الجيش السوداني، وظل الاعتصام قائما منذ يومها حتى الثالث من حزيران (يونيو) الموافق 29 رمضان، وكان الثوار عازمين على عدم فض الاعتصام ما لم يتم نقل السلطة من العسكر إلى المدنيين، ومن جانبهم تعهد العسكر بعدم فض الاعتصام لأنه التزم بالسلمية.

 

ساحة للقتال غير المتكافئ

في فجر 29 من رمضان فوجئ المعتصمون النيام بمئات الجنود يطلقون عليهم النيران بكثافة قتالية، ويشعلون النيران في الخيام التي كانوا قد نصبوها لتقيهم حر الشمس وهم صيام، وخلال سويعات كان المكان قد غص بالجثث والحرائق، واختلط حابل المعتصمين بنابل الجنود، ثم تحولت عاصمة السودان المثلثة (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) إلى ساحة قتال غير متكافئ بين عسكر مسلحين بمختلف وسائل القتل، ومدنيين لم يكن أمامهم من سلاح سوى الأقدام هربا من موت زؤام.

كان قوام القوة التي اكتسحت مقر الاعتصام ما يعرف بقوات الدعم السريع، وهي مليشيا شكلها نظام عمر البشير لإخماد التمرد في إقليم دارفور الملتهب، وكانت أصلا عصابات تحمل اسم الجنجويد، وأبلت في تلك المهمة بلاء غاية في السوء، ومارست أبشع أنواع الإبادة والتنكيل بأهل دارفور، وأحرقت قرى وبلدات كاملة مما اضطر ملايين الدارفوريين إلى النزوح إلى مخيمات ترعاها الأمم المتحدة أو إلى تشاد المجاورة.

 

الجنجويد تحتل الخرطوم

حتى يوم الناس هذا فإن الخرطوم محتلة ومستباحة من قبل الجنجويد، الذين يمارسون وحشية مفرطة في التعامل مع عابري الطريق، ويطلقون النيران على الناس متى وكيفما أرادوا، وما من جهة تردعهم، لأنهم مسنودون بقائدهم محمد حمدان حميدتي، الذي صار نائب رئيس المجلس العسكري، الذي انقلب على الثوار سعيا للانفراد بالسلطة.

واعتماد المجلس العسكري على مليشيا لا تلتزم بأي ضوابط مهنية أو أخلاقية لترويع الناس، مؤشر إلى أن جنرالات المجلس لا يثقون بجنود وصف ضباط وصغار ضباط القوات المسلحة كسند لهم ولمسعاهم للانفراد بحكم البلاد، ولعلهم اليوم يعيشون في خوف من تلك المليشيا التي صارت ترابط في جميع أحياء العاصمة السودانية، وتبدي عداء فاضحا لجماهير المدن عامة وهو أمر يتجلى في العنف اللفظي تجاه كل من يمر بهم.
 
حتى يوم الأربعاء الخامس من حزيران (يونيو) الجاري تم انتشال 40 جثة من نهر النيل، جميعهم من الشبان الذين كانوا في موقع الاعتصام لحظة اجتياحه، وكان شهود عيان في موقع الحدث قد شاهدوا شاحنات وسيارات إسعاف تحمل جثثا وتغادر مكان الاعتصام إلى جهات غير معلومة، مما يرجح الروايات بأن عدد ضحايا مذبحة رابعة السودانية يفوق المائتين.

 

الخرطوم محتلة ومستباحة من قبل الجنجويد، الذين يمارسون وحشية مفرطة في التعامل مع عابري الطريق

وأخذت العزة بالإثم عبد الفتاح البرهان فتلا بيانا عبر وسائل الإعلام ليس ليتأسف ويعتذر لحدوث المجزرة ولكن ليعلن وقف التفاوض مع قوى الثورة، وتنصل المجلس العسكري من أي اتفاق معها، والبقاء في سدة الحكم لتسعة أشهر أخرى يتم بعدها طبخ انتخابات بطريقة شيخه عبد الفتاح المصري ليتسنى له الزعم بأن البلاد تشهد تحولا نحو الديمقراطية.

وكان رد الفعل الشعبي الغاضب صدمة للبرهان والقائد المليشياوي حميدتي فقد التزمت الجماهير بدعوة العصيان المدني الذي نادت له قيادة الثورة وانتصبت آلاف المتاريس في شوارع جميع المدن السودانية، وتحولت البلاد بأكملها إلى ساحة اعتصام.

لم يتوقع أحد في السودان أن يتعرض مسلمون صائمون للإبادة وهم نيام قبل 24 ساعة من عيد الفطر، فكان أن انتشر وسم “عيد شهيد#” في جميع منابر ومنصات التواصل الاجتماعي في السودان وخارجه، بل وردد الآلاف بيت الشعر الذي لا يخلو منه مقال في العالم العربي قرين أي عيد، بعد تحويره بحيث صار: 

عيد بأية حال عدت يا عيد/ بما مضى أمر لأمر فيك جنجويد.

ويفترض أن يعود الناس في السودان الى مواقع أعمالهم يوم الأحد 9 حزيران (يونيو) الجاري، وعندها سيكتشف عسكر السودان كيف أن سلاح العصيان المدني شديد المضاء، وقد لحس البرهان يوم الأربعاء الماضي ما قاله عن إغلاق ملف التفاوض، على أمل فض تراجع الجماهير عن العصيان،  ولكن ما عاد أحد يصدق وعوده فقد درج خلال الأسابيع القليلة الماضية على إعلان الشيء اليوم، ثم إعلان نقيضه غدا.

لا أحد في السودان يشك في أن العصيان المدني سيؤدي إلى سقوط حكم العسكر، ولكن لا أحد أيضا يشك في أنه طالما أن مليشيا الجنجويد موجودة في كل الساحات، ومسلحة حتى الأسنان، فإن مآلات الأمور قد تكون مرعبة ومدمرة، لأن تلك المليشيا ستفقد حظوتها في ظل أي حكم غير عسكري، وقد تمارس الانفلات الأهوج، طالما أن أفرادها الموجودين في كل ركن من العاصمة المثلثة يتباهون علنا أمام الجماهير بقولهم: هتفتم “يا عنصري ومغرور/ كل البلد دارفور” وها نحن ننقل دارفور إلى الخرطوم.

أقول قولي هذا يوم الخميس السادس من حزيران (يونيو)، وأنا مدرك أن السودان قد يشهد تحولات وتقلبات كثيرة قبل أن يجد هذا المقال طريقه إلى النشر بعد يومين.

وجهات نظر 0 comments on خطورة ربط غسان سلامة بين تقسيم الثروة و الحل السياسي .. بقلم السنوسي بسيكري

خطورة ربط غسان سلامة بين تقسيم الثروة و الحل السياسي .. بقلم السنوسي بسيكري

نقلت مصادر إخبارية حديثا للمبعوث الأممي لليبيا الدكتور غسان سلامة يجزم فيه بضرورة إدماج ملف الثروة في أي حل سياسي مقبل، وهو تصريح فريد جديد له علاقة بضغوط يواجهها سلامة، وسلامة أكثر حساسية لتصريحات خليفة حفتر منه إلى مطالب جبهة طرابلس.

عدد من مصادر الأخبار وتقارير الرصد والتحليل أشارت إلى أن كلام سلامة جاء بعد تصريحات لحفتر يقول فيها بأن جيشه لا يتحصل على التمويل اللازم من ثروة البلاد التي تقع تحت سيطرته وتحميها قوات تابعة له، وحفتر هنا يحاول أن يصدِّر أزمة التمويل التي يواجهها بعد تضخم إنفاقه العسكري وانتقال داعميه الإقليميين إلى سياسة المال مقابل الإنجاز.

 

ربط مفخخ

أعتقد أن جزم سلامة بضرورة الربط بين الحل السياسي وتقسيم الثروة سيفتح بابا جديدا يوسع نطاق الجدل السياسي في ليبيا، أو أنه سيدفع إلى خيار متعجل مفخخ لا يحقق العدالة والمصلحة العامة ولا يوقف هدر الثروة وتضييع موارد البلاد.

لم يكن سلامة يوما موقنا بأن الصراع الليبي في حقيقته هو صراع على الثروة، ولم أسمع منه أن الصراع على الثروة هو الجوهر وإنما يتخفى حول الصراع على السلطة، وقد يكون سلامة مؤمنا بما يقوله اليوم منذ الأيام الأولى لتوليه المنصب، إلا أنه لم يصرح به بهذا الجزم، وهذا له دلالته.

أيضا ينبغي التنويه إلى أن حديث سلامة يأتي في خضم أزمة هي الأخطر منذ العام 2011م، وهي الهجوم على طرابلس، والتي ساهم المجتمع الدولي في استمرارها، وإطالة عمرها بعدم التدخل لوقفها، ولابد أن الحل المرتقب ذو طبيعة مختلفة، وربما سيكون مطلب تقاسم الثروة أحد أهم محاوره.

 

لم يكن سلامة يوما موقنا بأن الصراع الليبي في حقيقته هو صراع على الثروة،

أما البعد الفني في تقسيم الثروة فهو موضوع شائك وشديد التعقيد، وربط المسار السياسي به في هذه المرحلة الحرجة ومع هذا المنعطف الخطير إما أنه سيربك المسار السياسي ويضاعف من تعقيده، أو يجعل البحث عن حل سياسي دافعا لتبني مقاربة مفخخة لتقاسم الثروة كما سبقت الإشارة.

إن الاتفاق على تقسيم عادل وفعال للثروة لن يكون أيسر من أي قضية جدلية معلقة، ولن يكون أيسر من موضوع الدستور الذي قاد الخلاف حول آلية وضعه إلى عرقلته حتى صار البحث اليوم حثيثا عن مخرج بعيدا عن الدستور بعد أن كان متصدرا مطالب الانتقال وجزءًا أساسيا من النزاع.

ومن باب شحذ الأذهان والتفكير بصوت عال أقول لقد كانت حساسية ملف الدستور سببا في الضغط القوي لتمرير مطلب التساوي في عدد أعضاء الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، ولا يستبعد أن ترتفع أصوات تطالب بمفاهيم خاصة للقسمة لن يكون أعسرها قسمة عائدات النفط بالتساوي بين الأقاليم التاريخية الثلاثة.

 

معايير تقسيم الثروة

وفي ظل التراشق والشحن الجهوي الذي ارتفع منسوبه إبان الأعوام الماضية وعلا صداه خلال الحرب المشتعلة اليوم على تخوم العاصمة طرابلس، فإن معايير وضوابط تقسيم الثروة لا يمكن أن تكون موضوعية وتوافقية وعلى أساس من التراضي الذي تحوطه مشاعر الأخوة، ومن الممكن في هكذا وضع أن تكون الحقوق التي تفرضها الجغرافيا السياسية غالبة، وإذا وقع هذا فإن الانزلاق إلى ما هو أخطر محتمل.

ولك أن تتصور أخي القارئ كيف سينعكس هذا الموضوع على الحراك السياسي وعلى مواقف أطراف النزاع، وعلى شكل خارطة الاصطفاف على مستوى ليبيا.

ومن المهم التذكير بأن أخطاء الماضي القريب والبعيد ساهمت بشكل كبير في أن نندفع إلى خيارات ملغومة، ولو أن تفعيلا حقيقيا وقع على سبيل المثال للبلديات من خلال تفويضها صلاحيات تنفيذية وتوفير المخصصات المالية اللازمة للقيام بدورها الخدمي الواسع لما كان الحديث عن تقسيم الثروة مقلقا ولكان أيسر وأسهل وأكثر نجاعة.

 

في ظل غياب أطر دستورية وتوافقات على هياكل سياسية وإدارية فإن الزج بملف تقاسم الثروة يعني إضافة البنزين على النار

إن التأخير في الحل السياسي والتعنت في التنازل في ملفات أقل حساسية واللجوء إلى القوة لفرض إرادة طرف على آخرين يوفر البيئة والمناخ اللازمين للدفع بخيارات يمكن استغلالها في غير مصالح المواطنين فتضيع معها العدالة المرجوة من توزيع الثروة، والفارق بين توزيع الثروة وتقسيمها كبير.

تقسيم الثروة لا يمكن أن يحل محل التوزيع العادل للثروة، وفي ظل غياب أطر دستورية وتوافقات على هياكل سياسية وإدارية فإن الزج بملف تقاسم الثروة يعني إضافة البنزين على النار وليس العكس، وعندما تصبح الغاية هي تقاسم الثروة فإنها ستكون المحدد الرئيسي لمقاربة الهيكل والتنظيم الإداري أو ربما متجاوزة لها، وإذا قرن هذا بالوضع الاجتماعي المشبع بالجهوية فإن النتائج لا يمكن أن تكون إيجابية.

وجهات نظر 0 comments on قمم… أم حركة بلا بركة ؟ .. بقلم  نهلة الشهال

قمم… أم حركة بلا بركة ؟ .. بقلم  نهلة الشهال

ألم يكن بامكان الامريكان ابلاغ حلفائهم الخليجيين قبل القمم الثلاث بالتغييرات في مواقفهم حتى يأخذوها بالاعتبار؟ ترامب يقول “سنصل الى اتفاق. لإيران إمكانات اقتصادية هائلة، ونحن لا نتطلع الى تغيير النظام، انا لا أتطلع أبداً لإيذاء إيران”، وكوشنر يوقّع على حل الدولتين، وعلى القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المستقلة!!

 

 مع أنها الأيام الاخيرة من رمضان، قبل عيد الفطر، إلا أن قمماً ثلاث تنعقد الآن في الرياض. دفعة واحدة، أو بالأحرى بالتتابع، وقد خُصِّص لكل منها يوم واحد: الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، ثم تلك المقررة منذ زمن وليس بشكل طارئ كسالفتيها، القمة الاسلامية. وهي محاولة لتحشيد الموقف على هذه المستويات للتصدي لـ”الخطر الايراني”.

ومن دون التصريح بذلك، إلا أن هذه “القمم” تبدو أيضاً وكأنها تمهيد لـ”ورشة البحرين” التي يُفترض أن تعقد في 25 و26 حزيران/ يونيو، وهي مخصصة لبحث سبل الوصول الى “الازدهار والسلام في الشرق الاوسط”، أو ما يسميه الفلسطينيون بتهذيب جَم “السلام الاقتصادي”. وقد سبق لهم تجريب مخططات له أكثر تأسيساً على قواعد جدية منها الاجماع الدولي، وفشلت، لأن الأمر لا يتعلق بتجويعهم ثم اطعامهم (في صيغة أشبه بالقانون البافلوفي، معطوفاً على الحقن بالتيئيس التام).

وعلى الرغم من ذلك، فالرئيس الامريكي واثق من نجاحه بشراء سكوتهم ورضاهم على “الحل” الذي هندسه زوج ابنته، وأسماه هو “صفقة القرن” (وكأن الموضوع هو تخيّل مخططات عبقرية والصراخ أنْ “وجدتها”!). والمرجح ألا تنعقد ورشة البحرين لانشغال الحليف الإسرائيلي (وهو بالأحرى صاحب الأمر)، الذي يواجه “صعوبات” في تقعيد صيغة حكومية قابلة للعيش، ما أدى الى حل الكنيست والتخطيط لانتخابات نيابية في تشرين الاول/ اكتوبر، أي الدخول في نفق، سيليه نفق إنطلاق التحضيرات للانتخابات الرئاسية الامريكية بدءاً من مطلع 2020.. وهكذا “تقدِّرون وتضحك الاقدار”.

الاحتماء بالقدر وليس بالإمكانات المبنية لصون القضية الفلسطينية، ليس بالطبع ما ينبغي أن يكون عليه الحال، لكنه في شروط اليوم يتيح إبقاء الصراع قائماً، وهو المهم. واستطراداً وإمعاناً في المهزلة، فترامب ونسيبه كانا بنويان إتمام الصفقة بمال غيرهم، فيدفع الخليجيون الكلفة المالية للمشاريع والتي يقال عنها “استثمارية”، وربما يُمنح “الفلسطينيون الجدد” بئري غاز مكتشَفين قبالة غزة تقدر قيمة حجم الغاز فيهما بأكثر من 100 مليار دولار وذلك لـ”رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي في غزة”… مصالح كثيرة في العالم وفي المنطقة لا تُطابق هذه السذاجة الامريكية، ولديها مخططات أخرى: “طريق الحرير الجديد” الصيني، واستعادة التعددية القطبية الروسية، ومصالح إقليمية متعددة.. هذا علاوة على أن حلفاء أمريكا الاخرين وعلى رأسهم مصر لا ينظرون بعين الرضا الى فكرة انشاء “ناتو عربي”، اللصيقة بخطط صفقة القرن ومحاربة إيران. هو “فياسكو” إذاً!

وأما إيران التي يُنوى إخافتها بالقمم الثلاث الحالية، فقد سبق لها أن أجابت على تصريحات ترامب التهديدية بالسخرية منها باعتبارها جعجعة. وأما من تراجع بعد ذلك فالرئيس الامريكي الذي راح يؤكد أن موقفه لا يتعدى الضغط على طهران للقبول بمباشرة مفاوضات معه تناسب واشنطن أكثر من الاتفاق النووي الذي ألغاه العام الفائت. وهو راح يوسِّط معها من يمكن توسيطه، وآخرهم اليابان التي زارها يوم الاربعاء، قبيل تلك القمم بيوم واحد، لمعرفته بوطود علاقات طوكيو بطهران.. وصرح هناك بالتالي: “لقد حادثني رئيس الوزراء (الياباني) عن هذا (يقصد التوسط)، واعتقد ان إيران سترغب بالكلام ونحن بالتالي نرغب كذلك بالكلام. سنرى ما سيحدث.. فلا أحد يريد لأشياء رهيبة أن تقع وبالاخص أنا”، مضيفاً “أعتقد أننا سنصل الى اتفاق. لإيران إمكانات اقتصادية هائلة.. ونحن لا نتطلع الى تغيير النظام، نحن نتطلع الى لا-اسلحة نووية. انا لا اتطلع أبداً لإيذاء إيران”. Yes !

وبمقدار غرابة التصريحات الاخيرة لترامب، يأتي البيان الختامي الذي أعقب لقاء صهره كوشنر مع ملك الاردن مطلع الاسبوع، قاصداً اقناعه بـ”صفقة القرن” فإذا به يوقع على: “ضرورة مضاعفة الجهود للوصول الى سلام شامل ودائم مؤسَس على حل الدولتين الذي يضمن انشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية”! اي والله هذا ما ورد في البيان.

ألم يكن بامكانكم يا قوم ابلاغ حلفائكم الخليجيين بهذا كله حتى يأخذوه بالاعتبار؟ ألم يكن بامكانكم ارسال مستشار إعلامي اليهم يجعلهم يكفون عن التصريحات الخرقاء حول الأذى الذي يلحقه الإيرانيون بهم. ولكنهم يستمعون الى جون بولتون أكثر وهو يطابق هواهم: “طبعا هم الذين خربوا ناقلتي النفط قبالة الشارقة، وإلا فمن يكون غيرهم؟ نيبال مثلاً”. وهذا التصريح لمستشار الرئيس الذي كان هو الآخر يوم الاربعاء – قبيل القمم بيوم – في أبو ظبي، ربما لشد عضد الحلفاء إزاء تراخي رئيسه.. وهو الذي قال فيه الكوريون الشماليون (الذين يغازلهم ترامب ويغتاظ هو من ذلك) أنه “مؤجِج حروب” و”مُنتَج بشري معطوب”!

هؤلاء يحكمون العالم، ثم يستغربون ألا تسير الامور وفق هواهم.

 

 نهلة الشهال
رئيسة تحرير السفير العربي

وجهات نظر 0 comments on ما بعد البشير.. هل سيقضي صراع المحاور الإقليمية على الثورة السودانية ؟ بقلم محمد السعيد

ما بعد البشير.. هل سيقضي صراع المحاور الإقليمية على الثورة السودانية ؟ بقلم محمد السعيد

كانت قرابة خمسة أشهر متواصلة من الاحتجاجات التي انطلقت في ديسمبر/كانون الأول الماضي وأدّت في النهاية إلى إطاحة الجيش السوداني برئيس البلاد “عمر البشير” من منصبه. فترةٌ كانت كافية لجعل مشاهد الاحتجاجات والتظاهرات في الشوارع طقسا تقليديا من طقوس الحياة اليومية للسودانيين، وجعلت أخبارها مكررة ومألوفة لمسامع المتابعين للأحوال السودانية، لكن ما لم يكن مألوفا أو عاديا أو مكررا هو موقع تلك الاحتجاجات الرمزية التي وقعت منذ أسبوعين فقط، في الخامس والعشرين من أبريل/نيسان المنصرم، في شارع الجمهورية وتحديدا أمام مقر السفارة المصرية في العاصمة الخرطوم.

   

فبخلاف سائر الاحتجاجات السودانية المستمرة التي تركزت مطالبها على الإطاحة بشركاء نظام البشير وتسليم السلطة لحكومة مدنية، كانت احتجاجات السفارة المصرية أحد فصول دفعة خاصة من الاحتجاجات التي استهدفت من يراهم السودانيون اليوم العائق الرئيس أمام مطالبهم في انتقال سياسي ديمقراطي وسلس، ومن يرونهم داعمين رئيسين للاستيلاء العسكري على السلطة، وهم في نظر الثوار السودانيين تحالف ثلاثي يشمل الدول الثلاث التي يعرفها العالم الآن على أن أنظمتها هي الأكثر عداء للحراك الجماهيري العربي بجميع أشكاله وتنوعاته: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، تحالف يرى السودانيون أنه يرغب الآن في هندسة المشهد السياسي للبلاد بشكل يخدم مصالحه، وذلك عبر تقليل مكاسب الحركة الشعبية الجماهيرية إلى الحد الأدنى، وفي الوقت نفسه تعظيم مكاسب الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات البيروقراطية التقليدية في الدولة السودانية.

في ضوء ذلك، كانت هتافات(1) المحتجين السودانيين خارج السفارة المصرية في الخرطوم واضحة ومركزة نحو هدفها بشكل كبير مثل: “قول للسيسي دا السودان.. وأنت حدودك بس أسوان”، وهو هتاف لا يبدو أنه يُعبّر فقط عن رفض سياسات الرئيس المصري الحالي “عبد الفتاح السيسي”، من يرى السودانيون أنه يستغل موقعه في قيادة الاتحاد الأفريقي لشراء المزيد من الوقت للسلطة العسكرية وعرقلة الانتقال السياسي في بلادهم، ولكنه يُعبّر عن حالة أوسع من الرفض لجميع أشكال التدخل الخارجي الإقليمي والدولي التي تهدف إلى إدارة الانتقال السياسي في الدولة التي تعد أحد مفاتيح أفريقيا الأهم، ومن ثم تقليل المكاسب السياسية للحراك الجماهيري السوداني.

   

غير أن مراسم الغضب الاحتجاجي لم تقف عند حدود الهتافات على ما يبدو، حيث أقدم المتظاهرون أمام السفارة المصرية على خطوة جريئة وغير تقليدية بإرسال مذكرة رمزية للسفير المصري طالبوا فيها السيسي بوقف التدخل في الشؤون السودانية، وهي رسالة تبدو مطابقة تماما للرسالة التي تلقاها(2) حلفاء الثورات المضادة الآخرون في السعودية والإمارات عبر الهتافات واللافتات المنددة ورفض المساعدات المغموسة بالأهداف السياسية، رفض تجلّى مع قيام المعتصمين أمام مقر الجيش بطرد شاحنة مساعدات إماراتية وإجبارها على الخروج من مقر الاعتصام في وقت سابق من الشهر الماضي أيضا.

     

كانت الترويكا “السعودية المصرية الإماراتية” قد حسمت مواقفها(3) على ما يبدو وأعلنت وقوفها خلف المجلس العسكري الانتقالي منذ ثلاثة أسابيع، وسخّرت نفوذها السياسي والمالي لتوجيه دفّة الانتقال السياسي في السودان، حيث تعهدت الرياض وأبوظبي بتقديم حزم مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار في صورة وديعة مباشرة لدى البنك المركزي السوداني لإيقاف التدهور في قيمة العملة، وهو دعم سخي رد عليه “عبد الفتاح البرهان”، رئيس المجلس العسكري، بالإشادة بالدعم المصري السعودي الإماراتي لبلاده، واصفا المملكة تحديدا بأنها “أفضل أصدقاء السودان في الوقت الراهن” حد تعبيره.

     

تسلط هذه المفارقة الواضحة بين الموقف المتشكك للمتظاهرين والثوار السودانيين تجاه ثلاثي الثورات المضادة، وبين موقف السلطة العسكرية الحاكمة حاليا للبلاد، تسلط الضوء على إحدى أكبر معضلات الانتقال السياسي هناك، ففي حين كانت الثورة السودانية بالأساس احتجاجا داخليا سودانيا ضد الفساد والاستبداد والقمع الذي مارسه نظام البشير على مدار 30 عاما، فإن مصير السودان اليوم لا يبدو أنه يقع في أيدي السودانيين وحدهم، من وجدوا أنفسهم فجأة طرفا في لعبة ضخمة حول السلطة والنفوذ بين مجموعة واسعة من القوى الإقليمية والدولية، وهي لعبة تدور رحاها في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي منطقة القرن الأفريقي بشكل خاص، وتضافرت معها العديد من العوامل لتجعل السودان إحدى أبرز ساحاتها، بداية من الجغرافيا المميزة على البحر الأحمر، ومرورا بالهشاشة الاقتصادية والسياسية التي جعلت السودان دوما غير قادر على الاعتماد على نفسه بمعزل عن الرعاة الأجانب، وليس انتهاء بـ30 عاما من حكم عمر البشير الذي كان يبدل حلفاءه وأعداءه أسرع مما يبدل أحذيته، ضمن مقامرته الكبرى التي صممها من أجل البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، والتي يبدو أن المجلس العسكري الحالي سيسير على بعض خُطاها.

   

الطريق إلى الخرطوم

تنبع القيمة الإستراتيجية للسودان من سِمتين جغرافيتين، أولاهما سواحله الممتدة على البحر الأحمر، وثانيهما نهر النيل الذي يشق قلب البلاد مانحا إياها المياه الوفيرة ومساحات شاسعة من الأراضي الأكثر خصوبة، وفي حين أن هذه المزايا الطبيعية لم تكن كافية لجعل السودان محطة بارزة للتنافس بين القوى العالمية التي غالبا ما كانت تخشى من التورط في الصراعات العرقية طويلة الأمد في البلاد، فإنها كانت مغرية بشدة للقوى الإقليمية التي توافدت إلى السودان في السنوات الأخيرة بحثا عن الفرص الكامنة في واحد من أفقر بلدان أفريقيا.

  

منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت دول الخليج وبخاصة السعودية والإمارات وقطر في مقدمة(4) القوى الطامحة لاكتساب موطئ قدم في السودان، فرغم انتعاش الخزائن المالية لهذه الدول بفعل عائدات النفط والهيدروكربونات، فقد ظلّت تحمل هواجس كبرى بسبب فقرها المائي وقلة الأراضي الزراعية اللازمة لسد الاحتياجات الداخلية من الغذاء، لذا فإن هذه الدول سارعت مبكرا للاستثمار في القطاع الزراعي السوداني.

   

لكن العلاقات التي قامت بداية على رغبة طويلة الأمد في ضمان الأمن الغذائي؛ سرعان ما اكتسبت أبعادا جيوسياسية مع قدوم “عمر البشير” إلى السلطة أواخر الثمانينيات عبر انقلاب عسكري، واحتضانه الخطابي للتوجه الإسلامي الثوري الذي وضعه بشكل تلقائي ضمن قائمة حلفاء نظام الثورة الإسلامية في طهران، تحالف سرعان ما تمخض عن توقيع اتفاقية دفاعية بين البلدين، ما منح إيران موطئ قدم جديدا على الحدود البحرية للسعودية، وفي الوقت نفسه منح طهران الفرصة للاستفادة من السودان كباحة خلفية لطموحاتها الإقليمية، حيث شرعت في بناء مصانع للأسلحة وفتح خطوط إمداد لتزويد حلفائها ووكلائها خاصة حزب الله في لبنان.

  

بعد ذلك، منحت تغيرات السياسة(5) في الأعوام الأخيرة فرصا أكبر في السودان لأكبر منافسي إيران من دول الخليج العربية، فمع استقلال جنوب السودان عام 2011 بعد حرب أهلية طويلة، ورث الجنوب معظم احتياطات النفط المشتركة سابقا ما تسبب في تقلص عائدات السودان بشكل كبير، ومع قيام الحرب الأهلية في جنوب السودان لاحقا، وتناقص العائدات التي يحصل عليها السودان مقابل شحن النفط الجنوبي عبر موانئه، أُجبر النظام السوداني على البحث ليس فقط عن مورِّدين بدلاء للنفط، ولكن عن مصادر مختلفة للدخل والسيولة المالية في ظل الأزمة الاقتصادية المُلِحَّة.

  

كانت تلك فرصة(6) لا تُقدّر بثمن للرياض التي تمتلك قدرة على ضخ المال الذي يحتاج إليه السودان بشدة وبكمٍّ لا تستطيع إيران أن تجاريه، لذا كان 11 مليار دولار من التعهدات باستثمارات السعودية كافية تماما لدفع نظام البشير لتغيير وجهته للضفة العربية من الخليج، وفي المقابل فإن اهتمامات السعودية، وحليفتها الإمارات في السودان، لم تعد تقتصر على الأمن الغذائي، فمع دخول البلدين إلى الحرب في اليمن مطلع عام 2015، كان الحصول على جحافل من المقاتلين منخفضي التكلفة من السودانيين الفقراء إغراء لا يمكن مقاومته، ويبدو أن الصفقة الضمنية عملت بشكل جيد، ففي مقابل الأموال والاستثمارات الخليجية، قطع السودان علاقاته مع إيران، وقدم 14 ألف مقاتل من الجيش والميليشيات تصدروا الصفوف الأمامية لمعارك التحالف السعودي في اليمن.

  

بخلاف ذلك، كانت السعودية والإمارات قد نجحتا(7) فيما يبدو في إقناع نظام البشير أن بإمكانهما إقناع واشنطن بتخفيف العقوبات على السودان ورفع البلاد من على قوائم الإرهاب؛ حال قبلت الخرطوم التخلي عن طهران والتحالف مع الرياض وقبول التعاون مع أميركا في مجال “مكافحة الإرهاب”، وهو ما تحقق جزئيا بإعلان واشنطن مطلع عام 2017 رفع بعض العقوبات عن السودان في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما قبل تسلم ترامب رسميا للسلطة، قبل أن تزيل إدارة الأخير لاحقا السودان من لائحة الدول المدرجة في قائمة حظر السفر الأميركي، مُشيدةً بتعاون الخرطوم في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية.

   

غير أن حلفاء الخليج الجدد لم يكونوا على قدر توقعات البشير على طول الخط، فبخلاف فشلهم في إقناع واشنطن برفع السودان من قوائم “الإرهاب” الأميركية والبدء في تسوية خلافات البشير مع المحكمة الجنائية الدولية، لم تضخ صنابير المساعدات السعودية المال للسودان بالقدر الذي وعدت به في البداية، حيث تخلفت الرياض عن مواعيد العديد من الاستثمارات والحِزم المالية للسودان، وهو ما دفع البشير لاستغلال أزمة مجلس التعاون الخليجي منتصف عام 2017 من أجل المناورة ضد الرياض والتودد إلى خصومها في قطر، رافضا الضغوط السعودية الإماراتية بقطع العلاقات مع الدوحة. 

   

كانت مناورة السودان برفض الانحياز في أزمة مجلس التعاون الخليجي على ما يبدو مدفوعة بتناقص ثقة البشير في وعود الرياض وتيقُّنه بصعوبة الاستغناء عن الاستثمارات القطرية، والتي رغم أن حجمها لا يضاهي حجم نظيرتها السعودية، فإنها لا تزال ضرورية للحفاظ على اقتصاد السودان الهش في الوقت الذي ظهرت فيه الدوحة أكثر التزاما بوعودها المالية. وفي الواقع يمكن القول إن البشير نجح لفترة طويلة في استغلال أزمة الخليج عبر الاستفادة من الكتلتين، حيث نجح خلال العام الماضي 2018 على سبيل المثال في تلقي استثمارات كبرى من كلا الطرفين، أبرزها عقد بقيمة 4 مليارات دولار مع الدوحة لاستثمار وتطوير ميناء سواكن على البحر الأحمر.    

    

لعبة المحاور الإقليمية

بالنسبة إلى قطر الواقعة تحت حصار خليجي خانق، كان الاستثمار في السودان يتجاوز الأهداف الاقتصادية، ليكتسب بدوره بُعدا جيوسياسيا، ففي الوقت الذي استثمرت فيه السعودية والإمارات في سلسلة من الشراكات التجارية في بلدان شرق أفريقيا، فإنهما سرعان ما حوّلتا هذه الشراكات إلى تحالفات جيوسياسية وعسكرية كما هو متوقع، واستخدمتاها في فرض المزيد من الضغوط على خصومهما ودعم سياساتهما في المنطقة، وفي حين أن هذه الشبكة كانت تهدف بالأساس لاحتواء النفوذ الإيراني في شرق أفريقيا، فإن الرياض تحديدا لم تتوانَ في استخدامها لممارسة أقصى ضغط ممكن ضد الدوحة لإخضاعها إبان الأزمة الخليجية.

   

ولمواجهة السياسات القسرية السعودية الإماراتية، وجدت قطر نفسها في مسار يُحتّم عليها تعزيز تحالفها مع تركيا، وهو تحالف كان يتعزز عاما بعد عام منذ اندلاع الربيع العربي 2011 ووقوف تركيا وقطر على الجانب نفسه في دعم الحركات الشعبية في مواجهة الأنظمة السياسية القائمة، وهو جانب مُناقض للسعودية والإمارات اللتين راهنتا على الأنظمة القائمة وبشدة، وبلغ التحالف التركي-القطري ذروته مع اندلاع الأزمة الخليجية وانحياز أنقرة الصريح للدوحة، وقيامها بإرسال الآلاف من قواتها لقاعدة عسكرية في العاصمة القطرية بهدف حمايتها من غزو محتمل كان في طريقه للحدوث على الأرجح من جيرانها.

   

على مدار الأشهر التالية، كان البحر الأحمر وشرق أفريقيا الفضاء المثالي للشراكة التركية القطرية، ولم يكن السودان بعيدا عن ذلك بكل تأكيد، فقبل أسابيع من توقيع السودان لعقد لتطوير جزيرة سواكن مع الدوحة، استقبل السودان زيارة تاريخية من الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” هي الأولى لأي رئيس تركي للبلد الأفريقي منذ استقلاله منتصف الخمسينيات، حيث تم الإعلان عن اتفاق خصص بموجبه السودان جزيرة سواكن لتركيا للعمل على إحياء الطريق القديم للحجاج الأفارقة، وإنشاء رصيف بحري لتشغيل السفن المدنية والعسكرية، ضمن حزمة اتفاقات بقيمة 650 مليون دولار وتعهدات برفع التجارة البينية من 500 مليون دولار إلى أكثر من 10 مليارات دولار.

لا يعد الاهتمام التركي بالسودان جديدا على كل حال، وعلى غرار دول الخليج فإن تركيا تستثمر(8) بكثافة في القطاع الزراعي السوداني، حيث قامت بتأجير 780 ألف فدان من الأراضي الزراعية لمدة 99 عاما، وهي استثمارات لا تخلو من أبعاد جيوسياسية أيضا، مع اندفاع السياسة التركية العثمانية الجديدة نحو صراع النفوذ في البحر الأحمر مستندة إلى ركيزتين رئيستين؛ أولاهما روابطها التاريخية والثقافية مع بلدان المنطقة التي تعود إلى العصر العثماني، وثانيهما المساعدات والاستثمارات الاقتصادية، ليس فقط في السودان، ولكن أيضا في الصومال وجيبوتي.

    

وعلى غرار الرياض وأبوظبي مجددا، فإن أنقرة بدأت تسعى خلال الأعوام الأخيرة لتحويل نفوذها الاقتصادي إلى رافعة للنفوذ الجيوسياسي والعسكري، فقامت بافتتاح قاعدة عسكرية في الصومال عام 2017، وقامت بتوقيع اتفاقات أمنية مع كلٍّ من كينيا وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا لتدريب قوات الأمن في هذه الدولة على “مكافحة الإرهاب”، ما يعكس اهتمام أنقرة المتزايد بلعب دور كبير في منطقة البحر الأحمر وأمن الممرات المائية في شرق أفريقيا.

   

وفّر الطموح التركي والحصار القطري إذن متنفسا لنظام البشير بعيدا عن الهيمنة الافتراضية للسعودية والإمارات، ومكّنه من تحقيق المكاسب من جميع الأطراف، وكما نجح في الداخل في وضع نفسه مركزا وراعيا أوحد لشبكة معقدة من الأجهزة الأمنية والعسكرية، فإنه نجح أيضا في وضع نفسه مركزا للمحاور(9) الإقليمية المتنافسة التي صارت تنظر للبشير باعتباره راعيا لمصالحها.

   

في ضوء ذلك، يمكن تفسير حالة الارتباك التي أصابت القوى الإقليمية في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية الكبرى التي اندلعت ضد نظام البشير أواخر العام الماضي، والتي كانت استثناء واضحا من المشهد الإقليمي المميز لاصطفافات الربيع العربي؛ وهو مشهد تنحاز فيه أنقرة والدوحة للاحتجاجات والتطلعات الشعبية، في مقابل دعم الرياض وأبوظبي للأنظمة السياسية الأوتوقراطية، في مشهد بدا معه السودان جملة اعتراضية في سياق احتجاجات العرب.

فبالنسبة إلى الرياض وأبوظبي والقاهرة وحلف داعمي الثورات المضادة، فإن نظام البشير لم يكن صديقا حقيقيا، ولكنه كان حليفا متقلبا يمكن أن يبدل ولاءه في أي لحظة، هذا بخلاف انتمائه الأيديولوجي الظاهر كأقدم أنظمة الحكم الإسلامية العسكرية في المنطقة، وهي حقيقة قاسية كان على هذه الدول المعادية بشدة للإسلام السياسي أن تتجاهلها لفترة طويلة في تعاملها مع البشير، لذا فإنه ورغم كراهية هذه الدول لأي تغيير يأتي عبر الجماهير لمخاوف أن يلهم تغييرات مماثلة تضرب شواطئهم، كانت احتجاجات السودان تحمل فرصة كامنة لاستبدال نظام أكثر استقرارا وولاء لمصالح هذه الدول بنظام متقلب، شريطة أن تتم إدارة الانتقال السياسي بطريقة تقلل من مكتسبات الحركة الشعبية السودانية الحالية، وتعظّم من مكتسبات الأجنحة العسكرية التي تتمتع بروابط وثيقة مع هذه الدول بحكم المشاركة الطويلة للقوات السودانية في حرب اليمن.

   

على الجانب الآخر، فإن أنقرة والدوحة لم تنجحا -إلى حد بعيد- في صياغة مقاربة تجمع بين الأخلاقية والبراغماتية في التعامل مع الاحتجاجات السودانية، وواصلتا الرهان على البشير باعتباره أفضل الخيارات الجيوسياسية المتاحة، وأقلها ضررا، لما يمكن أن يُتبعه سقوط البشير من مُكتسبات جديدة تضاف لمحور “الثورات المضادة”، فلم يقدم الإعلام القطري الدعم المعتاد شديد الكثافة عنه للربيع العربي مع الانتفاضة السودانية رغم أنه لم يُعادِها بحال، مُكتفيا بالتغطية الإخبارية الاعتيادية، في حين ظلت أنقرة متمسكة بالبشير حتى لحظاته الأخيرة، وقد تسببت هذه الحسابات في نشوء مشهد إقليمي مرتبك بشدة، فمع لحظة الإطاحة بالبشير، وفي حين تلقى المجلس العسكري الحاكم -بحكم الواقع- دعما ثابتا وراسخا من محور إقليمي راسخ ومستقل متمثل في معاداته للثورات بصورة مُطلقة، فإن قوى الثورة الجماهيرية تظل حتى اللحظة بلا حلفاء إقليميين ودوليين حقيقيين يرتكزون على دعمهم.

   

الثورة

يستمر الصراع ويحتدم إذن بين العسكريين والأمنيين المدعومين من محور الثورات المضادة، وبين قوى الثورة السودانية المختلفة، الممثلة بقوى الحرية والتغيير، والتي تفتقر إلى وجود داعم حقيقي، في ظل فقدان تركيا والدوحة للكثير من رأس مالهما الرمزي في الشارع السوداني بسبب موقفهما المرتبك من البشير والاحتجاجات التي أطاحت به، وهو صراع من المؤكد أن تداعياته لن تقتصر على الانتقال السياسي داخل السودان فقط، ولكن على موقع الخرطوم في لعبة موازين القوى المعقدة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والتي تدور رحاها ليس فقط بين القوى الإقليمية مثل السعودية وتركيا ومصر وإيران والإمارات، ولكن أيضا بحضور القوى العالمية الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين وروسيا.

  

لطالما كان السودان لاعبا لا يمكن التنبؤ به، خاصة منذ قدوم البشير إلى السلطة ووقوع السودان تحت طائلة العقوبات الأميركية، ما أجبره على البحث عن حلفاء بعيدا عن الغرب وعلى وجه التحديد في الصين وروسيا. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الصين والسودان جارية منذ عام 1959، فإنها ركزت خلال عقودها الأولى على شراكة الدولتين في حركة عدم الانحياز مع تعاون محدود في مجال التجارة.

ولكن مع التقدم الصيني المتزايد وتفاقم عزلة السودان، توسع وجود بكين بشكل ملحوظ في الدولة الأفريقية خلال العقد الأول من الألفية، حيث دشنت الصين 65 مشروعا للبنية التحتية في السودان شملت بناء القصر الرئاسي ومشاريع السكك الحديدية ومحطات توليد الكهرباء بالإضافة لدور الصين البارز في استخراج النفط السوداني بعد الحظر الدولي الذي قادته الولايات المتحدة، لتتحول الصين لاحقا إلى المصدر الرئيس للواردات السوادنية بحصة بلغت 24% وبفارق الضِّعف عن أقرب منافسيها. وفي ظل الحصار والعقوبات الغربية، كان من الطبيعي أيضا أن تتحول الصين -جنبا إلى جنب مع روسيا- إلى أبرز مزودي الأسلحة للجيش السوداني خلال الأعوام الأخيرة.

  

ليس من الصعب إذن فهم أسباب اهتمام الصين بالسودان، فمع وقوع البلد الأفريقي على طريق حيوي للتجارة بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، فإن وجوده يصبح جوهريا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما يُفسّر بدوره استثمار الصين في دعم نظام البشير وامتناعها عن التعليق على التظاهرات ضده وترحيبها بالسلطة الجديدة حتى الآن، مع التعهد بالحفاظ على علاقات ودية مع السودان.

  

ينطبق الأمر نفسه على روسيا التي تشعر ربما أنها فقدت حليفا في منطقة حيوية مع رحيل البشير، في ظل التعاون الأمني واسع النطاق بين البلدين الذي زاد بشكل ملحوظ منذ عام 2017 مع توقيع اتفاقية بين البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصفها الديكتاتور السوداني آنذاك أنها تمنح روسيا “مفاتيح أفريقيا” مقابل “الحماية الروسية من الأعمال العدوانية في المنطقة”، على حد وصفه.

في ضوء ذلك يمكننا القول -و لن نكون مخطئين في ذلك- إن الولايات المتحدة تبرز في قائمة أبرز المستفيدين الجيوسياسيين من رحيل عمر البشير، رغم أنها لا تزال تتبنى موقفا حياديا وتراقب من بعيد السجال الدائر بين الفرقاء السودانيين. فرغم أن البشير قدّم الكثير من التنازلات لإرضاء واشنطن خلال العامين الماضيين، فإن سجله في جرائم الحرب وملاحقته من قِبل المحكمة الجنائية تجعله حليفا مُكلفا للسياسة الأميركية على المستوى الشعبي، وهو ما يفسر ميل أميركا لإسناد الملف السوداني خلال الأعوام الأخيرة إلى وكلائها الإقليميين الأبرز وهم الإمارات والسعودية ومصر.

   

في هذا السياق، يبدو أن سودان ما بعد البشير وفي ظل الحكم العسكري القائم حتى الآن ينتقل رويدا رويدا من معسكر الدول المارقة بالتصنيف الأميركي إلى حليف محتمل لواشنطن، ليكون بذلك آخر المنضمين إلى الترتيب الإقليمي الجديد للولايات المتحدة في القرن الأفريقي.

  

كانت الولايات المتحدة قد بدأت تشعر بالذعر بفعل التوسع الصيني في أفريقيا خلال العقود الأخيرة، وهو ما دفع الجيش الأميركي إلى إدخال تعديلات جوهرية في خريطة أولوياته الإستراتيجية في أفريقيا، واضعا مكافحة الصين وروسيا في قلب إستراتيجية الدفاع الوطني الجديدة التي كُشف عنها مطلع العام الماضي 2018، بعد عقد ونصف من التركيز على “مكافحة الإرهاب”. وكان اتفاق السلام الأخير الذي أنهى الصراع طويل الأمد بين إثيوبيا وإريتريا ورفع العقوبات الأميركية على إريتريا نفسها وحتى تخفيف العقوبات على نظام البشير قبل الإطاحة به، كانت جميعها تجليات للسياسة الأميركية الجديدة التي تدور بالأساس حول تحجيم النفوذ الصيني.

   

لم تعد الإطاحة بعمر البشير ومستقبل الانتقال السياسي في السودان بعده مجرد قضية حراك جماهيري أطاح بديكتاتور مستبد، ولكنه تحول إلى جولة جديدة في اللعبة الكبرى لمراكز القوى في القرن الأفريقي، ووفقا لما أفرزته نتائج هذه الجولة حتى الآن، تبرز الولايات المتحدة كأبرز الفائزين الدوليين، في حين أن السعودية والإمارات ومصر ومحور الثورات المضادة هو أكبر الفائزين الإقليميين خاصة حال نجاحهم في جلب الاستقرار للنظام العسكري القائم وتفتيت الحراك الشعبي الحالي وتقليل مكاسبه، في المقابل؛ يبدو أن المحور الإقليمي التركي القطري خسر الكثير من نفوذه ورمزيته في هذه الجولة، غير أن رد الفعل الداخلي المناهض للسعودية ربما يُمثّل فرصة لدور تركي قطري أكثر اتزانا قد يسهم في تقليل التأثير الاستبدادي لدول الخليج في الانتقال السياسي السوداني، ولكنها تبقى نافذة ضيقة -إلى حدٍّ ما- في ظل استثمار كلا البلدين  الكثير من الأصول في نظام البشير، والقليل جدا منها في التودد إلى الثوار ودعم المطالب الشعبية في اللحظات الحاسمة، وهو ما ينبغي أن يرى السودانيون خلافه بأي شكل، خصوصا إذا ما امتدت أيادٍ خارجية واضحة، عبر وكلائها الداخليين لإفشال مكتسبات الحراك الشعبي.

الجزيرة