وجهات نظر 0 comments on “اتحاد الشغل” و جدلية العلاقة بين النقابي و السياسي

“اتحاد الشغل” و جدلية العلاقة بين النقابي و السياسي

على الرغم من جهود الحكومات المتعاقبة على حكم تونس، للهيمنة على المنظمة النقابية الأكبر في البلاد، “الاتحاد العام التونسي للشغل، فقد ظل هذا الأخير ينحت كيانه النقابي المتميز، الذي أوصله إلى نيل جائزة نوبل للسلام مع عدد من المنظمات النقابية التونسية الأخرى.

الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني، يسلط الضوء في كتاب شامل صدر حديثا عن الاتحاد العام التونسي للشغل، على مسيرة هذه المنظمة النقابية، ويتساءل عما إذا كان سيتحول إلى حزب سياسي على النمط البريطاني، ثم يكون مدخلا لكتلة تاريخية بين القوى السياسية الأبرز في البلاد لبناء نظام ديمقراطي صلب.

وفي هذا العرض للكتاب،  نرصد هذه المحطات عبر ثلاث محاور رئيسية: اتحاد الشغل من التأسيس إلى الثورة.. جدلية النقابي والسياسي، ثم في الجزء الثاني نطرح سؤال التحول إلى حزب سياسي، فيما نتناول في الجزء الثالث والأخير، علاقة الاتحاد بالكتلة التاريخية.

حوّل الاتحاد العام التونسي للشغل، عقب تنفيذه يوم الخميس 17 جانفي 2019 إضرابًا عامًا في قطاع الوظيفة العمومية، مسارات النقاش في تونس من مآلات وتداعيات الإضراب على مستقبل الحكومة والبلاد إلى نقاشات سياسية وشعبية بشأن الدور السياسي للاتحاد إثر إعلان نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسيى للشغل، أمام حشود من أنصار الاتحاد، أمام مقر البرلمان التونسي، أنّ المنظمة النقابية ستكون مهتمة بشكل كُلّي في المستقبل بأي انتخابات تجرى في تونس، قائلاً : “إنّ اتحاد الشغل تَهُمُّهُ الانتخابات التشريعية والرئاسية ولن نتخلى عن حقنا في أي من الانتخابات القادمة”.

 

وجاء هذا الإعلان بمنزلة رسائل متعددة الأبعاد، حين كشف نورالدين الطبوبي عن عزم المركزية النقابية المشاركة بكامل ثقلها في المحطات الانتخابية المقبلة في خريف العام الجاري، وهو الإعلان الذي أثارجدلاً واسعًا في الأوساط السياسية التونسية، بين مؤيد ومتخوف، وطرح بصفة علانية حزمة من الاستفهامات حول مستقبل المنظمة النقابية وأدوارها، إِنْ أَقْحَمَتْ نفسها بصفة رسمية في عالم السياسة، من باب الانتخابات، والتي قد تنتج عنها إعادة تشكيل المشهد السياسي والاصطفافات الحزبية في البلاد، لا سيما أنّ مشاركة اتحاد الشغل في الانتخابات إِنْ حصلت، ستخرج أكبر منظمة نقابية من الاكتفاء بدورها الاجتماعي المدافع عن حقوق العمال، إلى لعب دور سياسي سيكون له تأثير بالغ في مستقبل الحكم، الأمر الذي سيقود إلى إنشاء الاتحاد العام التونسي للشغل حزب عمالي جديد على غرار حزب العمال البريطاني.

تقدم هذه الدراسة البحثية التاريخية والسياسية المرتكزة على المنهج التاريخي الذي يعتمد على وصف الحقائق المرتبطة بالموضوع، والوقوف على طبيعتها، وتحليل علاقاتها، والربط بين معطياتها، وتحليلها من أجل التوصل إلى تقديم مقاربة في فهم الترابط القوي بين الدورالنقابي الذي يقوم به الاتحاد العام التونسي للشغل، باعتباره الهيئة النقابية الأبرز في تونس، وبين الدور السياسي الذي يقوم به هذا الاتحاد منذ تأسيسه في سنة 1946، بوصفه قوة حقيقية سواء في معركة التحرير الوطني من الاستعمار الفرنسي، أو في بناء الدولة الوطنية الحديثة، وكذلك في الصراع الاجتماعي مع نظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، فيما كان له الدور الحاسم في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.

إضافة إلى أنّ اتحاد الشغل قاد الحوار الوطني في سنة 2013 الذي انتهى بالإطاحة بحكم الترويكا بقيادة حركة “النهضة”، ما أهلّه مع كل من منظمة أرباب العمل وعمادة المحامين ومنظمة حقوق الإنسان، للفوز بجائزة نوبل للسلام.

 

ويتجدَّد الجدل حول دور الاتحاد العام التونسي للشغل في الشأن السياسي الوطني عادة عندما يحصل التوتُّر بين المنظمة النقابية المركزية والسلطة السياسية الحاكمة، التي تتهم المنظمة النقابية بتجاوز وظيفتها الطبيعية: من المطلبية الاجتماعية إلى الشأن السياسي. غير أن العلاقة بين السياسي والاجتماعي في مجال تحرُّك الاتحاد يُعَدُّ إحدى خصائص هذه المنظمة وفرادتها، لذلك تبدو مسألة الفعل الوطني (السياسي) لهذه المنظمة النقابية الوطنية مسألة «محسومة» ماضيًا وراهنًا وربما مستقبلاً.

يتكون هذا الكتاب من مقدمة، وثلاثة عشر فصلاً، يبدأ الفصلان الأول والثاني بمسح تاريخي لحقبة الاستعمار الفرنسي لتونس الممتدّة من سنة 1881 ولغاية 1956، حيث بدأت تظهر النقابات المستقلّة بعد الحرب العالمية الأولى بالتوازي مع ميلاد “الحزب الحرّ الدستوري” في 1920، فتم إنشاء “جامعة عموم العملة التونسيين”، وهو أوّل تنظيم نقابي في إفريقيا، على يدي محمد علي الحامي في 1924، وصولاً إلى تأسيس “الإتحاد العام التونسي للشغل” في 1946 بقيادة فرحات حشاد، الذي كان معروفًا إلى جانب دوره النقابي بأنّه من أبرز القادة الوطنيين خلال فترة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، ما جعل المخابرات الفرنسية تغتاله في الخامس من ديسمبر 1952.

 

الاتحاد والحركة الوطنية

ويركز الفصل الثالث، بالتحليل على طبيعة التناقضات الحادة التي كانت تشق الحركة الوطنية التونسية في مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية الجديدة، بين جناح الحبيب بورقيبة مدير الحزب الدستوري الذي ينادي ـ بسياسة المراحل وبمبدأ خذ وطالب ـ الذي يندرج ضمن ما يسميه بفلسفة “التهديد والترغيب”، وبين جناح صالح بن يوسف الأمين العام للحزب آنذاك الذي كان ينادي “بمواصلة الكفاح المسلح” ومبدأ ـ التحرير الكامل ـ الذي يندرج ضمن “تحرير المغرب العربي”.

ومع حصول تونس على الاستقلال الداخلي، وتفجر الصراع داخل الحزب الدستوري الجديد بين تياري الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف، وجد الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه مجبرًا على المشاركة في الصراعات الداخلية للحزب الدستوري، في حين رفض هو من قبل الارتباط بأي حزب سياسي كان. وقد تحالف بورقيبة مع الاتحاد ليحسم الصراع السياسي الداخلي، وللقضاء على منافسه بن يوسف. وكان دور الاتحاد العام التونسي للشغل مفصليًا، إذْ مكَّنَ الحزب الدستوري الجديد بقيادة الحبيب بورقيبة من اجتياز أكبرأزمة شهدها في تاريخه حتى الاستقلال في سنة 1956.

وبعد الانتهاء من تصفية آخر اليوسفيين كانت المسألة الملحة أمام بورقيبة وحزبه هي تصفية الحركة النقابية التي تضيق بها حدودها المرسومة لها في مؤتمرات هذا الحزب. وبدأت المعركة في المؤتمر الوطني السادس للاتحاد الذي عقد بتونس في أيلول (سبتمبر) سنة 1956. ومن الملاحظ أنّه في فترة الاستقلال، وأمام غياب الحزب السياسي المعارض، حاول أحمد بن صالح، باعتباره رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل، ولما له من تطلعات سياسية اشتراكية ديمقراطية، تعبر عن مصالح البرجوازية الصغيرة الإصلاحية في الحزب الدستوري الجديد، جعل هذا الاتحاد منظمة نقابية سياسية، حين طرح فكرة تكوين حزب عمالي إصلاحي على غرارحزب العمال البريطاني.

ويبحث الفصل الرابع، في جدلية الصراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة، سواء في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، أو في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

 

الاتحاد والثورة

غير أنّه مع انطلاقة الانتفاضة الشعبية من مدينة سيدي بوزيد يوم 17 دسيمبر 2010، وضع الاتحاد العام التونسي للشغل كل ثقله في هذه الثورة عندما انتقل مركز ثقلها من منطقة الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين)، ليأخذ بُعْدًا وطنيًا شاملاً. فكان ذلك التزاوج غير المفتعل بين النضال الاجتماعي والنضال الديمقراطي، الذي أسفر عن نجاح الثورة التونسية في إسقاط نظام بن علي في 14 كانون ثاني (يناير) 2011، باعتبارها ثورة من أجل الحرّية والكرامة، وفي سبيل بناء نظام ديمقراطي جديد للحياة السياسية التونسية.

 

اتحاد الشغل منذ انخراطه في الثورة التونسية، عمل على محو الحقبة السوداء التي عاشها في ظل حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي

وفي الفصلين الخامس والسادس يبحث الكتاب في مرحلة الصراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة “النهضة” الإسلامية، التي استلمت السلطة في تونس، بعد انتخابات 23 تشرين أول (أكتوبر) 2011.

وذكر المديني أن “اتحاد الشغل منذ انخراطه في الثورة التونسية، عمل على محو الحقبة السوداء التي عاشها في ظل حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، واستعادة عافيته، وتوسيع قاعدته بوصفه القوة الوازنة الرئيسة في البلاد التي استقطبت حوله ليس المنظمات الأهلية فحسب، وإنما أيضا غالبية الأحزاب الصغيرة”.

ولما كان الاتحاد يمتلك شرعية النضال من أجل محاربة الفساد منذ سبعينيات القرن الماضي، والشرعية الاجتماعية كونه المنظمة النقابية الأعرق والأكبر عربيًا وأفريقيًا، كما ترى فيه النخب اليسارية والمدنية رمانة القبّان التي تحمي التوازن في البلاد، فقد دفع هذا الوضع قوى الإسلام السياسي لمحاولة استهدافه بعد العام 2011، سواء من خلال محاولة تشكيل منظمة بديلة سرعان ما حاصرها الفشل، أو بالاعتداء على مقارّه وضرب وحدته، وتشويه دوره الاجتماعي.

وتعود مواقف الإسلام السياسي المعادية للاتحاد إلى نظرتها إليه بوصفه منظمة محسوبة على القوى اليسارية بمختلف تفرعاتها، وقوة لا يمكن تجاوزها في أية محاولة للسيطرة على مفاصل الدولة، وهو ما تأكد في سنة 2013 بعد اغتيال القياديين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وانتشار ظاهرة الإرهاب في تونس، وتسفير الجهاديين التونسيين إلى القتال في سوريا، في لل تراجع هيبة مؤسسات الدولة.

ويناقش الفصل السابع طبيعة الحكم المعولم الذي أفرز “الديمقراطية التوافقية” بين اليمين العلماني واليمين الديني. وباتت هناك مواجهة بين خطابَين متماسكَين في تونس. مؤيّدو الحكومة من اليمين الليبرالي واليمين الديني يرون أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل يجري التلاعب به وتوظيفه من بيروقراطيّته لأهدافٍ حزبيّة فئوية صرف، في حين من الأنفع له أن يكتفي بلعب دوره النقابي.

أمّا المعارضون لنظام الخصخصة والعولمة الليبرالية في الاقتصاد، فيقولون إِنَّ على الاتحاد أن يكون مستقلاًّ، ويتدخّل بشكلٍ فعّالٍ في الحياة السياسية كَسُلْطَةٍ مُضَادَّةٍ. فيما بات الرأي العام في تونس يتعاطى مع الاتحاد العام التونسي للشغل كما لو أنه يتوجه إلى طرف سياسي معارض، ولعله كان مُدْرِكًا كما أدرك الذين من قبله أنّ الاتحادَ لا يُقْرَأُ فحسب من زاوية نقابية، فهو طرف اجتماعي يَخْتَزِنُ مجموعات ضغط سياسي، وتنويعات إيديولوجية، وناشطين حزبيين يساريين تمرسوا في ساحات النضال النقابي المطلبي، وكلّ هذا يَجْعَلُ من الاتحاد أحد الأطراف المفاتيح في أيّ معادلةٍ توافقٍ واستقرار ٍكما في أيّ ترتيبٍ سياسيٍ محتملٍ.

أما باقي الفصول من الكتاب، الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، فقد تركزت على دراسة طبيعة الصراعات التي خاضها الاتحاد العام التونسي للشغل، مع الحكومات التونسية المتعاقبة، ومع صندوق النقدالدولي. فقد عاش المشهد السياسي التونسي حربًا باردةً حقيقيةً بين الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل السيد نور الدين الطبوبي ورئيس الحكومة التونسية السيد يوسف الشاهد.

 

الخلاف مع حكومة الشاهد

ويعود جوهر الخلاف بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة يوسف الشاهد إلى شهر نوفمبر 2017، حين أبرم الطرفان اتفاقًا يلتزم فيه الاتحاد بمواصلة دعم الحكومة وعدم التشويش على قانون المالية لسنة 2018، مقابل تعهد الحكومة باحترام خطوط الاتحاد الحمراء ولا سيما منها عدم الزيادة في أسعار المواد الأساسية وعدم خصخصة مؤسسات القطاع العام، وهو اتفاق تجاوزه الشاهد.

ورأى المديني أن الأزمة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، ليست في انتماء يوسف الشاهد البورجوازي واعتناقه مذهب العولمة الليبرالية في الاقتصاد، بل إنّ مشكلة الاتحاد تكمن تحديدًا مع الأحزاب التي تمارس “المراهقة السياسية” والأطراف التي تزين الخصخصة، وهذا ما جعله يدعو في الفترة الأخيرة إلى ضرورة شن الإضراب العام.

 

ويتحدث المرلف عن أن هناك شبه إجماع لدى تكوينات المجتمع المدني في تونس، على أن الصراع الحقيقي في تونس هو بين سياسة الاتحاد الرافضة للخصخصة والإصلاحات الاقتصادية المفروضة من جانب صنودق النقد الدولي، وبين الأطراف السياسية التي تدفع بالشاهد نحوها لا سيما من قبل الحزبين الكبيرين “النداء والنهضة”، وحزبي “آفاق تونس والوطني الحر” الشريكين في الإئتلاف الحاكم، بينما لا يزال الإتحاد العام التونسي للشغل يلعب دور الملجأ للمعارضة الديمقراطية التي تستجير به من هيمنة الأحزاب السياسية المدافعة عن الخصخصة والاندماج في نظام العولمة الليبرالية من موقع الطرف التابع والضعيف للدول الغربية والمؤسسات الدولية المانحة.

ويرى المديني أن اتحاد الشغل يتقدم دفاعًا عن مؤسسات القطاع العام، والسيادة الوطنية للدولة التونسية، ورفض إصلاحات صندوق النقد الولي.

وقال: “بما أنّ تونس تعيش حاليًا مخاض ثورة ديمقراطية عميقة، وهي بصدد بناء نظامها الديمقراطي الجديد، الذي قوامه بناء دولة الحق والقانون، وإقامة تعددية سياسية حقيقية، وإقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة، فإنّ الاتحاد ازداد دوره النقابي والسياسي في زمن الانتقال الديمقراطي”.

وأضاف: “يُعَدُّ الاتحاد العام التونسي للشغل من أبرز الفاعلين المعنيين بهذا التطور الاقتصادي وتأثيراته الاجتماعية والسياسية، فكما تتعرض الحكومة التونسية بمختلف أجهزتها لضغوطات وشروط صندوق النقد الدولي بشأن تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، فإنّ الاتحاد هو الآخر ـ نظرًا إلى خصوصيته النقابية ـ يواجه تحدّيات مماثلة، حيث أصبحت الحماية الاجتماعية وضمان الحقوق الدنيا للعاملين تحديًا جسيمًا في ظل استشراء التجارة الموازية والاقتصاد غير المنظم، الذي ينخر الاقتصاد الوطني”.

وجهات نظر 0 comments on أحلام الربيع العربي تترنح لكنها لا تسقط … بقلم سالم العوكلي

أحلام الربيع العربي تترنح لكنها لا تسقط … بقلم سالم العوكلي

ظلت مطالب الديمقراطية والدولة المدنية وحرية التعبير تدور في دائرة النخب المثقفة، لكن الأغلبية الراكنة عادة للاستقرار قد تراودها أحلام بمثل هذه القيم سرعان ما تنقشع إذا ما وجدت نفسها في قلب كابوس الفوضى والانفلات الأمني وارتفاع الأسعار وغيرها من المنغصات اليومية، فتتراجع لمطالبها الحياتية اليومية، ولهذا السبب قايض الطغاة الاستقرار ودعم الرغيف بشرعية حكمهم، وتأخرت عندنا مشاريع الإصلاح السياسي التي اجتاحت في العقود الأخيرة الكثير من دول ما يسمى العالم الثالث، في أمريكيا اللاتينية أو أفريقيا أو آسيا.

للأسف أصبحنا بين خيارين أحلاهما مر، الدولة الدينية أو الدولة العسكرية مع ضعف البديل المدني الذي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر أحزاب سياسية لها برامج واضحة وقاعدة شعبية عريضة، ومنظمات مجتمع مدني فاعلة وذات خبرة، أما الثورة المعلوماتية أو الرقمية الكبرى فاستطاعت أن توفر لدى الأجيال الجديدة إمكانية التواصل والتخطيط والحشد التي أصبحت صعبة عبر الوسائل التقليدية، وكان بإمكانها أن تملأ الميادين لتبدأ سلسلة سقوط طغاة أحكموا قبضتهم على بنى الدولة الداخلية ولم يحسبوا حساب ما تضمره هذه التطورات التقنية الهائلة، غير أن التيارات الدينية التي ترعرعت في ظل الاستبداد اجتاحت هذا الحراك بتنظيماتها وبنظامها البنيوي الذي لا يختلف عن النظم السياسية الساقطة إن لم يكن أخطر منها، وفي الواقع ما عزز إمكانية ترميم النظم القديمة لنفسها والعودة تحت شعارات جديدة هو البديل الذي اعتبره الراكنون إلى الاستقرار أملهم في العودة من حيث بدءوا.

الثورات تسقط أنظمة لكنها لا تبني دولة، والثورات العنيفة خصوصا قد تجتث النظام من جذوره لكنها غالبا لا تفضي إلى ديمقراطية في مدى منظور، ورغم الوقع الرومانتيكي الراهن للثورة الفرنسية إلا أنها كانت كابوسا لجيلين تقريبا رغم قرن التنوير الذي سبقها، وجاءت بعدها ثلاث ديكتاتوريات شرسة، لكن القيم التي أيقظتها لم تنطفئ، وأيضا الأحلام التي أيقظها الربيع العربي لن تخمد وستظل الظاهرة تعود عبر الزمن، وتنتقل من مكان إلى مكان، بعد أن اكتشفت الشعوب مدى قوتها حين تكسر حاجز الخوف وتخرج إلى الشارع، واكتشفت مدى هشاشة هذه الأنظمة الكرتونية.

في الحالة الليبية لم يكن الحكم منذ 1973 ، ومنذ إعلان النقاط الخمس، حكما عسكريا بالمعنى الحرفي، لأن رأس النظام بدأ في تقويض المؤسسة العسكرية التي جاء للسلطة عن طريقها، وطرح نفسه كمثقف أو مفكر أو ثائر سرمدي، وتكونت حاشيته وسلطته المتنفذة من مريدي أيدلوجيته الذين شكل منهم لجانه الثورية النافذة في كل مؤسسة، من المعسكرات إلى المدارس، وأصبح الانتماء العقائدي إلى هذه الأطروحات هو الطريق إلى النفوذ والمال وتقلد المناصب، واستخدم قاموس الدولة الدينية في وصف مظاهر الميكرودكتاتورية التي أسسها في مجتمع ناشئ مازال في طور تأسيس دولته الوطنية لأول مرة في التاريخ، وانغمس بروح المخلّص في حمى استعارته لهذا القاموس الذي يسبغ نوعا من القداسة على أيديولوجيته وأفكاره ومعاركه الدونكيشوتية، ويجعلها غير قابلة للنقاش أو النقد، عارضا لافتاته الإسلامية التي تتجاوز حتى طموح الإسلام المتشدد، مثل : “القرآن شريعة المجتمع” و “أمرهم شورى بينهم” كتقية إيمانية أمام أية مطالب بالديمقراطية، غير أن النظام المذعور من المتغيرات الدولية في العقدين الأخيرين فتح من جديد المجال للمصطلحات التي كان يعتبرها رجعية “كفرية” مثل الدستور والمجتمع المدني والمنابر وغيرها، ولو من منطلق استعراضي يحاول به أن “يدوكر” نظامه بما يتوافق ومطالب العالم الجديد، وهو القائل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر “إذا اشتدت الرياح فمن الحكمة أن ترخي حبال خيمتك كي لا تقتلعها الرياح”.

هذا التوافق في القاموس بين النظام الدكتاتوري والتنظيمات الدينية خلق بينهما تحالفا ضمنيا تجاه البديل الثالث المهدد لهما، وهو الدولة المدنية التي يكتسب فيها الحاكم شرعيته من الصندوق، والتي من أهم مظاهر تحققها إمكانية التداول السلمي للسلطة، ومازال هذا التحالف بين الخصمين اللدودين مستمرا حتى الآن، فالدكتاتوريات التي أطيح بها العام 2011 تحاول أن تعود تحت شعار محاربة الإرهاب، وقوانين الطوارئ والمحاكم العسكرية تعاد تحت الشعار نفسه، والمجموعات الإسلاموية بكل مستوياتها تقوض المسار الديمقراطي وتصدر فتاواها تحت شعار مقاومة عودة “طواغيت” العسكر إلى الحكم، وكلاهما يتصرف وفق هذا التحالف الضمني وكأن لا سبيل أو سبلا أخرى لبناء الدولة المحترمة التي تتناغم مع العصر.

نفى القذافي الحاضر المضاد لمنظومته التسلطية إلى المستقبل الغامض حين كان يكرر أن أطروحته تتجاوز كل البنى الراهنة للدولة والشرعية وأن أية مطالب بالقيم الحديثة نوع من الرجعية وعودة إلى الخلف، بينما نفى البديل الإسلاموي الحاضر المتعارض مع مشروعه إلى الماضي السحيق، وفي الحالتين تتم مصادرة الراهن ونفيه صوب الغموض (اليوتوبيا المؤجلة أو الفردوس المفقود) الذي تتضح فيه رغبة هذه التيارات الفاشية في السلطة ورغبتها في أن تكون هذه السلطة مقدسة.

وعندما خرجت الشعوب المنفية خارج الزمن إلى الميادين وأسقطت نظماً بالية، كانت تحاول أن تلتحق بالزمان الكوني وأن تستعيد راهنها، وليصبح فضاء الإنترنت مساحة للسخرية والتهكم على هذه القداسات المزيفة التي حكمت ومازالت تحاول أن تحكم بها الفاشيات وجدان الرعية الورع، وكان الضوء الذي بزغ على أكف الجيل الجديد عبر شاشات صغيرة كافيا لتصديع منظومات الظلام التي أطبقت على هذه المجتمعات التي مارست طقوس الورع تجاه سلطات مقابل طعامها واستقرارها المزعوم.

أسهم تيار الإسلام السياسي في عسكرة الثورة ونقلها من الميادين إلى الجبهات، كما أسهم في إعادة المؤسسة العسكرية إلى المشهد بفعل نشره للسلاح في أيدي الجماعات المؤدلجة والإجرامية التي لا تهدد الدولة المدنية فقط ولكن تهدد بناء الدولة من الأساس والأمن القومي، لكن الأغلبية الناعمة هي من ستحسم الصراع لصالح الدولة المدنية مهما اشتدت قبضة السلطة، وما يحدث في الجزائر والسودان يؤكد أن هذه الصحوة الاجتماعية التي تهب على المنطقة لها أسبابها المتعلقة بمتغيرات بنيوية في المجتمع السياسي ولها أفقها المستقبلي الذي يحيل الصراع في المنطقة لأول مرة حول قيم الدولة المدنية الحديثة إلى إرادة الشعوب بعد قرون من الاستسلام لنظم استبدت بها وهي تتغني بالشعارات الوطنية أو الدينية.

وجهات نظر 0 comments on مصر: تجدُّد الصراع بين السيسي و الجيش على السيطرة السياسية

مصر: تجدُّد الصراع بين السيسي و الجيش على السيطرة السياسية

لم تحظَ التعديلات الدستورية المتصلة بدور القوات المسلحة في الشأن السياسي بالحد الأدنى من الاهتمام داخل مصر وخارجها، ولا في مداولات البرلمان أيضاً، بما يتناسب مع انعكاساتها على مستقبل النظام السياسي والاقتصادي وإمكانية التداول السلمي للسلطة.

وفي تحليل لـ مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، كتبه الباحث بهي الدين حسن، أوضحت أن تعديل المادة 200 من الدستور يمنح القوات المسلحة لأول مرة مهام ”صون الدستور والديموقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد“.

بذلك يصير الجيش فوق كل سلطات الدولة على الصعيد اليومي، وخاصة في وقت الأحداث السياسية الكبرى. إذ يفوضه ذلك التعديل الدستوري ضمناً أمر تفسير الدستور فيما يتعلق بهذه الأمور على حساب المحكمة الدستورية العليا، بل واستخدام مايحتكره من قوة مسلحة “بوصفه القوة القادرة على فرض المصلحة العليا للدولة”.

بعبارة أخرى، بإمكان الجيش فرض وجهة نظره ومشيئته على مؤسسات الدولة الأخرى وكافة الأطراف السياسية في الحكم والمعارضة، بما في ذلك احتمال “منع وصول غير العسكريين إلى مقعد الرئاسة، أو ترجيح كفة فصيل سياسي على حساب آخر”.

لا تحول صياغة تعديل المادة 200 دون احتمال استخدام هذه الصلاحيات في مواجهة رئيس ذي خلفية عسكرية أيضاً، بمن في ذلك السيسي. فبمقتضى هذا التعديل، “سيكون على القوات المسلحة التحرك الفوري بقرار من قائدها العام، دون انتظار قرار من رئيس الجمهورية… لإقرار ما تراه محققاً للصالح العام”..فالتعديل يؤكّد أن القانون الحاكم لمعادلات النظام السياسي في مصر منذ أول انقلاب عسكري عام 1952 هو الصراع السياسي الدائم بين الرئيس والجيش الذي رفعه على أكتافه لسدة الحكم.

رغم حرص السيسي على اتباع سياسة “الكرسي الدوار” مع كبار القادة العسكريين من أجل التخلص المبكر من كل نجم سياسي محتمل “ولمنع الانقلاب عليه”، شهد العامان الأخيران مؤشرات على احتدام الصراع بين السيسي والعسكريين.

ففي خلال 15 شهراً فقط في الفترة الممتدّة من أكتوبر 2017 حتى ديسمبر 2018، جرى إقصاء مفاجئ لكل من محمود حجازي رئيس الأركان، واللواء خالد فوزي مدير المخابرات العامة، ووزير الدفاع صدقي صبحي، واللواء محمد عرفان جمال الدين مدير جهاز الرقابة الإدارية، ومحمد الشحات مدير المخابرات العسكرية.

وخلال الفترة نفسها، جرت عملية إقالة واسعة النطاق لأكثر من مائتين من كبار قيادات المخابرات العامة، وذلك بصورة غير متوقّعة من دون تقديم أي مبرّر للرأي العام.

وعيّن السيسي مدير مكتبه اللواء عباس كامل مديراً للمخابرات العامة، وجدير بالذكر أن ثلاثة من أبناء السيسي قد شغلوا مؤخرا مواقع قيادية مؤثرة في المخابرات العامة وجهاز الرقابة الإدارية.

وصل هذا الصراع ذروته في نهاية عام 2017 حين أعلن على التوالي اثنان من أبرز القادة العسكريين المتقاعدين، أحمد شفيق القائد الأسبق للقوات الجوية، وسامي عنان رئيس الأركان الأسبق، اعتزامهما تحدي السيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2018، وتلاهما ضابط ثالث هو العقيد أحمد قنصوة من القيادات الوسطي وغير متقاعد. انتهى الأمر بوضع الأول في الإقامة الجبرية، وبمحاكمة وسجن الثاني والثالث.

كما تعرض عشرات من ضباط الجيش المتعاطفين مع عنان للاحتجاز في السجن.

من المؤكد أن أجواء الصراع بين السيسي وجيشه مختلفة عن تلك التي أحاطت بالصراع بين عبد الناصر وعامر عند وضع دستور 1964 بما تضمنه من نص جديد زاد من النفوذ السياسي للجيش، ولكن من المرجح أن تكون أجواء الصراع الجديدة على صلة أيضاً بتعديل المادة 200.

يبدو هذا الصراع متواصلاً أيضاً في إطار التعديلات الدستورية الأخيرة، ولكن مسرحه هو البرلمان – الذي تتشكل أغلبيته من قيادات عسكرية وأمنية سابقة ومن أشخاص معروفين بصلاتهم الوثيقة بالمؤسسات العسكرية والأمنية.

فقد امتنع 94 نائباً دون سبب معلن عن حضور جلسة الإقرار المبدئي لها، واعترض أو امتنع عن التصويت عليها نواب معروفون بصلاتهم الوثيقة بالأجهزة الأمنية.

بينما تظل قائمة النواب (155 نائباً) الذين قدموا التعديلات المقترحة سرية على الرأي العام، بل حتى على أعضاء البرلمان أنفسهم. بعد تقليص مدة حكم السيسي ، شارك 553 من بين 596 نائباً في جلسة الاقتراع الأخير في 16 أبريل، مما يرجح أن هذا التعديل بالذات، أي المتعلق بمدة حكم السيسي، هو موضع خلاف داخل المؤسسات العسكرية والأمنية.

كما أن رئيس البرلمان علي عبد العال وجّه الدعوة إلى 720 شخصية عامة ورجل دولة ووزيراً سابقاً، ورئيس وأعضاء لجنة الخمسين التي وضعت الدستور، وذلك للمشاركة في ما أسماه “الحوار المجتمعي” بالبرلمان حول التعديلات الدستورية.

لبّى الدعوة 11 فقط منهم، بينما عبّرت رموز مرموقة في نظام مبارك عن معارضتها الحادة علناً للتعديلات الدستورية ولمشروعية إجراء الاستفتاء عليها. على سبيل المثال، لمّح حسام بدراوي، وهو آخر أمين عام للحزب الوطني الديمقراطي السابق الذي كان يتزعّمه مبارك، في تغريدة عبر تويتر إلى أن هذه التعديلات ليست السبيل المناسب لتحقيق “الاستقرار المؤسسي” في مصر. كما شكك بدراوي لاحقا في المشروعية القانونية للاستفتاء علي هذه التعديلات.

صار الجيش منذ انقلابه في جويلية 2013 المشرف والمراقب الأول على الاقتصاد المصري. فمع استلام السيسي الحكم، كرّس جهوده من أجل التمكين السياسي والاقتصادي للجيش و”توليد أقصي قدر من الأرباح للعسكريين وشبكاتهم المختلفة”، والمساعدة على خلق طبقة عريضة من العسكريين المتقاعدين والعاملين في المنشآت العسكرية والأمنية والاقتصادية والمدنية ومؤسسات الدولة والهيئات الحكومية.

قد تُغرق طبقة الضباط وحلفاؤها مصر في حمام دماء في حال تعرّض احتكارها للسياسة والاقتصاد للتهديد. تعديل المادة 200 هو دسترة للأمر الواقع الجديد.

ولكن التعديل غير معني بمعالجة الصراع السياسي المزمن داخل النخب العسكرية ذاتها، ولا الأنماط الجديدة من الصراعات الناشئة لأسباب اقتصادية. فقد بدأت تطفو على السطح صراعات جماعات المصالح العسكرية المتعددة حول اقتسام الغنائم، غير أن أكثر ما يقلق الجيش ليس هذه الانقسامات الداخلية، بل خطر تجدد اضطرابات شعبية واسعة النطاق يكون مسؤولاً عن قمعها. فقد يؤدي ذلك إلى حدوث “انشقاق داخلي” في الجيش ذاته نتيجة الانقسام الطبقي داخله، كما قد يؤدي إلى احتدام الصراع بين “الملك” الحالي وصانع الملوك حول أيهما له الأولوية، حماية الرئيس، أم حماية الجيش من الانشقاق.

وجهات نظر 0 comments on لماذا يرفض الجيش الجزائري المرحلة الانتقالية ؟

لماذا يرفض الجيش الجزائري المرحلة الانتقالية ؟

أكدت المؤسسة العسكرية في الجزائر التزامها بالحلول الدستورية المتاحة والممكنة للخروج من الأزمة، رافضة الدخول في مرحلة انتقالية.

واتهمت افتتاحية العدد الأخير من مجلة الجيش من وصفتهم بـ”الذين باعوا ضمائرهم، وضربوا المصلحة العليا للوطن عرض الحائط، بل ويتآمرون عليه”، بـ”محاولة الزج بالبلاد في أتون الفوضى والاختلال”، من خلال “رفض الحلول المتاحة والممكنة، التي من شأنها أن تتيح للبلاد تجاوز الأزمة”.

قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح

هاجس التجارب السابقة..

في هذا الصدد، اعتبر المحلل الأمني أحمد ميزاب أن المسألة لا تتعلق بأخطار يخشاها الجيش، “لكن هناك واقع مرتبط بتجارب سابقة يدرك الجيش أن سلبياتها أكبر من إيجابياتها”، مشيرا إلى أن “الطريق الحالي محفوف بالمخاطر، وهناك من يحاول جر الجزائر نحو فراغ دستوري”.

وأكد ميزاب، في تصريح له وجود “جهات” تسعى إلى أن “يتحول الانتقال السلس للسلطة في الجزائر إلى انزلاق سياسي”، معتبرا أن الجيش “عمل منذ بداية الحراك على تحقيق المطالب التي رفعت”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن الجيش “عمل على تفويت الفرصة على كل من حاول أن يزج بالجزائر في نفق مظلم”، وأنه يريد أن “تكون الحلول طبيعية وفي وقت زمني مقبول”.

احترام القواعد الدستورية..

من جهته، شدد المحلل السياسي عبد الرحمن بن شريط على أن المؤسسة العسكرية في الجزائر “حريصة على احترام القواعد الدستورية والانتقال الطبيعي للسلطة”.

ويرى بن شريط أن المؤسسة العسكرية، برفضها المرحلة الانتقالية، “تتفادى التدخلفي المعترك السياسي، الذي من شأنه أن يجلب لها الكثير من الانتقادات”، خصوصا إذا كان هذا التدخل “خارج الإطار الدستوري”، كما تتفادى “التورط في مرحلة محفوفة بالمخاطر السياسية والأمنية”.

 

Voir l'image sur Twitter

“الانتقالية ستعيد الجيش للثكنات”

أما المحلل السياسي إسماعيل معراف فقد استبعد أن يكون الهاجس الأمني وراء رفض المؤسسة العسكرية الذهاب إلى مرحلة انتقالية، مشيرا إلى أن “هذه المرحلة من شأنها إعادة الجيش للثكنات، عوض التدخل في الشؤون السياسية”.

وقال معراف إن المرحلة الانتقالية تعني “نهاية 57 سنة من حكم الجيش، و20 سنة من حكم العصابة”.

المصدر : وكالات

وجهات نظر 0 comments on هل يتمكّن آل سعود وأبناء زايد من الاستيلاء على ثورة الخرطوم؟

هل يتمكّن آل سعود وأبناء زايد من الاستيلاء على ثورة الخرطوم؟

أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية في السودان، أدّت في النهاية إلى إسقاط سلطة “عمر البشير” وتولّي المجلس العسكري الانتقالي زمام الأمور في هذا البلد الإفريقي، ولفتت تلك المصادر إلى أن السعودية والإمارات لعبتا دوراً أساسياً في تعيين ذلك المجلس العسكري بما يتماشى مع أهدافهما التخريبية في المنطقة ولمصادرة تلك الثورة وتلك الاحتجاجات الشعبية بما يخدم مصالحهما في القارة السمراء، وذلك لأنهما يعتقدان بأنه لو نجحت الثورة السودانية ولم يكن للسعودية والإمارات دور بارز فيها فإنه من المحتمل أن تنسحب الحكومة السودانية الجديدة من تحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي يقوم بالكثير من الجرائم الإنسانية في اليمن.

وحول هذا السياق، أشار المحلل السياسي “خالد الجيوسي”، إلى العلاقة بين التحالف العسكري السوداني والسعودية والإمارات، حيث قال: “عندما يؤكد المجلس العسكري السوداني استمرار مشاركته العسكرية في تحالف العدوان السعودي الذي يشن حرباً همجية على أبناء الشعب اليمني، فإن هذا يعني بأن “عبد الفتاح البرهان”، رئيس المجلس العسكري السوداني يعدّ وكيلاً للسعودية والإمارات، وذلك لأنه شكر مؤخراً هذين البلدين على دعمهما للمجلس العسكري السوداني، قائلاً إن دعم الإمارات والسعودية كان له تأثير كبير على هذه المرحلة التي تشهد الكثير من التطورات في الساحة السودانية”.

وأكد “الجيوسي” أن أحد المطالب الرئيسية للشعب السوداني كان الانسحاب من الحرب اليمنية وألّا يصبح الجيش السوداني مرتزقاً، لكن يبدو أن قادة المجلس العسكري السوداني يتحركون نحو تأجير الجيش السوداني لبعض دول المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات من أجل الحصول على المال.

وهذا الأمر أصبح واضحاً أيضاً في الدور المشبوه للسعودية والإمارات في ليبيا، حيث أفادت العديد من المصادر الإخبارية بأن الرياض وأبو ظبي قدمتا الكثير من الدعم المالي والعسكري لقائد الجيش الوطني الليبي، الجنرال “خليفة حفتر” لكي يتمكن من القضاء على حكومة الوفاق الوطنية الشرعية وتولّي زمام الأمور في ليبيا.

وأضاف “الجيوسي” أن تمديد فترة المجلس العسكري السوداني لثلاثة أشهر والحديث عن الاتفاقات التي أضعفت آمال الشعب السوداني من إمكانية إحداث تغييرات حقيقية في ظل حضور قادة سودانيين تابعين للسعودية والإمارات، وهذا الأمر يؤكد بأن تطلعات الشعب السوداني وثورته وأحلامه تمّت مصادرتها من قبل أمراء الخليج الفارسي، ولهذا يجب على شعب السودان مواصلة الاحتجاجات السلمية والبحث والتحرّي من أجل الحصول على بيان قانوني يؤكد الدور المشكوك والمشبوه الذي يقوم به قادة المجلس الانتقالي السوداني لخدمة مصالح الرياض وأبوظبي.

التدخلات السعودية الإماراتية في شؤون السودان تثير غضب المحتجين

مع اقتراب مرور شهر على الإطاحة بـ”عمر البشير”، بدأت تبرز على نحو أكثر وضوحاً محاولات كل من السعودية والإمارات، لتقديم نفسهما كمنقذ سياسي واقتصادي للسودان.

لكن الخبراء الاستراتيجيين والمحتجين السودانيين يقابلون عروض هذه الدول بكثير من الحذر، مخافة تكرار تجربة “البشير” نفسها فيما يتعلّق بتقديم خدمات مدفوعة الثمن، على غرار قرار المشاركة إلى جانب تحالف العدوان السعودي الإماراتي الغاشم في حرب اليمن.

وعلى الرغم من أن قرار الاحتجاجات الثورية على نظام “البشير” كان ذاتياً من قبل الشعب السوداني، إلا أن الرياض وأبو ظبي، حاولتا التدخل في مسار هذا الحراك، وتسخير التطورات لمصلحة أجندتهما في المنطقة.

وحول هذا السياق كشفت تغريدة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” عن تدخل بلاده في الأحداث الجارية في السودان، عقب الإطاحة بنظام “عمر البشير” ولقد وضّحت تغريدة “قرقاش” بشكل كامل التدخلات الإماراتية في المنطقة برمتها، حيث قال “يحق للدول العربية بشكل كامل دعم انتقال منظّم ومستقر في السودان”، وأضاف “لقد عانينا من الفوضى الشاملة في المنطقة، ومن المنطقي ألّا تكون لنا حاجة للمزيد منها”. وفي وقت سابق انتقدت صحيفة نيويورك تايمز موقف إدارة الرئيس “دونالد ترامب” الذي تراه سلبياً تجاه تدخل السعودية والإمارات  في أحداث السودان.

وفي سياق متصل نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً أشارت فيه إلى أن الرياض وأبو ظبي وجدتا فرصة في تعزيز مصالحهما الاستراتيجية في القرن الإفريقي، لكن المحتجين السودانيين الذين يطالبون بحكومة مدنية التفتوا إلى التحركات الأخيرة، وحملوا لافتات تحذّر الرياض وأبو ظبي من أنهما لن يتحكّما بمستقبل البلاد.

وفي السياق ذاته، كشف التقرير السنوي لحالة السلم والأمن في إفريقيا، أن التدخلات الإماراتية بالقرن الإفريقي أسهمت في تعقيد العلاقات الثنائية بين دول المنطقة، وهو الأمر الذي يقود إلى إفشال أي مساع للإصلاحات الإقليمية.

وقال التقرير، الذي أُطلق ضمن النسخة الثامنة من منتدى “تانا” للسلم والأمن المقام بمدينة “بحر دار” شمالي إثيوبيا، إن ما تفعله الإمارات من عسكرة بمنطقة البحر الأحمر ستكون له تداعيات أمنية عديدة على المنطقة.

يذكر أن الإمارات والسعودية دخلتا منطقة القرن الإفريقي منذ أكثر من عشر سنوات، مدفوعتان برغبتهما في خدمة أطماعهما التوسعية بالقرن الإفريقي، والتصدي للدور التنموي الذي تؤديه عدد من دول العالم الإسلامي في تلك المنطقة، وإفشال مشاريعها التنموية هناك.

في نهاية المطاف، توكد العديد من التقارير بأن التدخلات السعودية والإماراتية لم تجد من يقتنع بها داخل البيت السوداني، وخاصة في صفوف الحراك الثوري، وذلك لأن السودانيين يدركون جيداً بأن كل ما تريد أن تقدّمه هذه الدول من خدمات، سيكون السودان في غنى عنها بعد الإطاحة بـ”البشير”.

ويؤكد العديد من المراقبين أن تلك الدول ستجد نفسها في حاجة أكثر مما مضى للسودان بعد تعافيه السياسي والاقتصادي، خصوصاً السعودية، التي تدرك تماماً أن بقاء الجنود السودانيين في اليمن، هو خط الدفاع الأول عن أمنها من هجمات الجيش اليمني واللجان الشعبية “أنصار الله”.

الوقت الايراني

وجهات نظر 0 comments on هل يصل التوتر بين أمريكا وإيران إلى “مواجهة عسكرية” في الخليج؟

هل يصل التوتر بين أمريكا وإيران إلى “مواجهة عسكرية” في الخليج؟

تناولت صحف عربية، بنسختيها الورقية والإلكترونية، تزايد التوتر بين طهران وواشنطن وموجات التصعيد من الطرفين.

واعتبر البعض أن “سقف الخطابات الإيرانية بات عالياً”.

وتساءل كُتّاب عما إذا كان ثمة نذر “مواجهة” أمريكية مع إيران تلوح في الأفق، بينما رأى آخرون أن إيران ستكون “الخاسر الأكبر” في حال حدوث مواجهة.

وأعلنت طهران تقليص بعضٍ من التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، وأبلغت بذلك كلا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا.

يشير مصطفى فحص في الشرق الأوسط اللندنية إلى أن واشنطن “قرعت طبول الحرب جدياً هذه المرة، ووجهت رسالة واضحة لنظام طهران بأن مخططات الاحتكاك غير المباشر عبر الوكلاء فقدت جدواها، وأنها ستتحمل مسؤولية أي فعل عدائي يقْدمون عليه ضد الولايات المتحدة أو ضد حلفائها في المنطقة”.

بولتون هدد بالرد بقوة لا هوادة فيها على أي هجوممصدر الصورةREUTERS

ويقول: “للمرة الأولى منذ انتصار الثورة الإيرانية قررت واشنطن قلب الطاولة بوجه طهران، وغادرت المساحة الرمادية التي استخدمتها لربط النزاع معها والتي نجحت في الحفاظ على علاقة مريبة بين البلدين على مدى 40 سنة، استطاع خلالها الطرفان تجاوز الأزمات وتجنب المواجهة المباشرة، بعدما تمسكا بما يمكن تسميتها ̕شعرة معاوية̔، التي على ما يبدو أن إدارة البيت الأبيض لم تعد متمسكة بها، وحذّرت طهران من أن خياراتها الاستراتيجية تبدلت”.

ويرى عبد الوهاب القصاب في العربي الجديد اللندنية أن إيران ستكون “الخاسر الأكبر إذا قرّرت التدخل للتأثير على أمن الملاحة في مضيق هرمز، لأن الرد الأمريكي سيكون ساحقاً على ما يبدو، ولم يبق لها مجال إلا بتبني خيار تراجعٍ مشرّف، يتيح لها العودة إلى المجتمع الدولي، بإعلان قبولها بالشروط الاثني عشر، ومن دون مواربة أو مناورة، فقد أوشكت الصادرات النفطية الإيرانية الوصول إلى الصفر، على ضوء انصياع حتى الدول التي تعتمد على النفط الإيراني، كالصين والهند، للعقوبات الأمريكية”.

“نذر مواجهة أمريكية مع إيران؟”

وتحت عنوان “نذر مواجهة أمريكية مع إيران؟”، يستبعد محمد كريشان في القدس العربي اللندنية شروع الولايات المتحدة في حرب ضد إيران.

ويقول: “ربما يكون الكلام الأكثر قرباً من التوازن، بعيداً عن أي تهوين أو تهويل، هو ذلك الذي قاله مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الجنرال مارك كيميت من أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بصدد إعلان حرب ضد إيران، والهدف من التعزيزات الأمريكية في الخليج هو الردع، فقد تُقدِم إيران نتيجة لخطأ في الحسابات وتحت ضغط العقوبات، على تصرف غير محسوب وفي هذه الحالة نحن هناك للرد”.

الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع الحرس الثوري الإيرانيمصدر الصورةAFP/GETTY

ويضيف الكاتب: “إذن ليس أمام أبناء هذه المنطقة الساخنة من العالم سوى الانتظار وأيديهم على قلوبهم”.

ويحذر إبراهيم الزبيدي في العرب اللندنية من مغبة المواجهة مع واشنطن.

ويقول: “وما إقدام ترامب على جعل عقوباته الخانقة مسلحة بالقوة الباطشة المتأهبة إلا سعيا وراء تفليس النظام الإيراني من هيبته أمام شعبه وأمام شعوب المنطقة، وإلا استفزازاً مُذلاً ومهيناً يهدف إلى استدراج أحد قادة الحرس الثوري أو الميليشيات العراقية أو اللبنانية إلى ارتكاب حماقة من أي نوع وأي حجم لتكون القشة التي ستقصم ظهر هذا البعير الأطرش والأخرس والأعمى الذي لا يريد أن يعرف حده فيقف عنده، وأنه، عاجلاً أو آجلاً، لن يكون إلا من الخاسرين”.

ويرى مصطفى ملا هذال في النبأ العراقية: “على الرغم من سقف الخطابات الإيرانية الذي بات عال، إلا أن الضغوطات الأمريكية آتت أكلها، ذلك عبر التضخم الاقتصادي الذي تشهده البلاد، فضلاً عن الغلاء الفاحش الذي طال بعض السلع ولا يزال يدنو من البعض الآخر”.

ويضيف: “وفق المعطيات فإن أمريكا لم تُقدم على تجربة عسكرية بعد تلطخ سمعتها في حربها التي شنّتها في أفغانستان والعراق، لذا أصبح من المؤكد أن تلجأ إلى السلاح الاقتصادي الذي هو الخيار المرحلي الوحيد أمام الرئيس الجمهوري المتخبط”.

وجهات نظر 0 comments on التيار المدخلي في المنطقة المغاربية: الأدوار المسترابة … بقلم علي اللافي

التيار المدخلي في المنطقة المغاربية: الأدوار المسترابة … بقلم علي اللافي

 

أظهرت السنوات الماضية ما كان مخفيا قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، بخصوص العلاقة المُريبة بين قادة وأتباع التيار السلفي المدخلي السعودي المنشأ – أو من يسمون “المداخلة”- في العالم العربي وفي المنطقة المغاربية خاصة بل وأصبح هؤلاء من مجرد موالاة الحكام إلى تكفير المخالفين، واستخدام السلاح لتنفيذ مخططات الأنظمة أو وكلاء محور إقليمي بعينه، فما هو واقع التيار المدخلي في بلدان المغرب العربي وما هي آفاقه المستقبلية؟

ماهية التيار المدخلي وبداية ظهوره في المنطقة المغاربية

عادة ما تتحدد ماهية أي تيَار بطبيعة العناصر التي تنتسب إليه من حيث مرجعياتهم الفكرية والمذهبية ورؤيتهم السياسية، إلا أن المداخلة (على الرغم من أنهم يرفضون المصطلح)، هم عمليا تيار متحكم فيه بل هم عمليا نتاج واقعي لإكراهات فكرية ودينية وإقليمية، تعرَضت لها المملكة العربية السعودية أثناء حرب الخليج في بداية تسعينات القرن الماضي، وعمليا المداخلة ينتسبون لـــــ”الجامية” (نسبة للشيخ الأرتري “محمد أمان الله الجامي”) أو «المدخلية» (نسبة للسعودي “ربيع المدخلي”)، ويتكوّن التيار المدخلي المغاربي أساسا من بعض العناصر الذين يرفضون ظاهرا الاشتغال بالسياسة، وعمليا ليس بين عناصر هذا التيار ارتباطات تنظيمية ظاهرة للعيان كما لا توجد له زعامة موحدة بل زعامات كثيرة مُتنوعة يتقارب بعضها ويجتمعون في بعض المسائل ويحصل بينهم افتراق واختلاف أحياناُ وقد يصل إلى حد القطيعة، وإنما يجمع عناصر هذا التيار تشابه المنهج في التعامل مع المُخالف ومحاولة احتكار التسمي بــ”السنة” و”السلفية” وتضليل بقية التيارات ولهذا التيار موقف مُتشدد من العمل السياسي والحزبية والانتخابات والتقارب مع الآخرين، كما أنه مُغال في ما يسمى طاعة ولي الأمر.

بدأ انتشار التيار المدخلي بطرق ناعمة وتحت مظلات متعددة للبحث عن حواضن شعبية وخاصة في كل من الجزائر وليبيا وتونس وتحت مظلات أخرى في المغرب وموريتانيا باعتباره اقل تواجدا، وتم التخفي تحت مُحاربة “الجهاديين” ونشر الكتب وفتح الجمعيات ومراكز متخصصة، ولكن النخبة سرعان ما انتبهت لخطورته وبدأت في العمل على تطويق الظاهرة والعمل دون استمرار تمدُده.

أول ظهور للتيار المدخلي كان في ليبيا بناء على أن القذافي ومن اجل رفع العقوبات الدولية عن نظامه في بداية تسعينات القرن الماضي دعا بعض الفقهاء والشيوخ السعوديين لزيارة ليبيا بل وأفسح لهم يومها مجال الدعوة في إطار مُكافحة بقية التنظيمات الإسلامية المعارضة لنظامه على غرار “تيار الإخوان المسلمين” و”الجماعة الليبية المقاتلة” وكان ذلك مُمكنا بناء على خاصية التيار المدخلي وجنوحه للدفاع عن الأنظمة القائمة وتحريمه الخروج على “ولي الأمر” (الحاكم) حتى لو كان جائرا واستنادا على مقولة أن «الفتنة أشد من القتل» (وهو شعار رفعه أنصار التيار المدخلي أيام الثورة التونسية) وفي فبراير 2011 في ليبيا عبر معارضتهم الصريحة والعلنية لثورة 17 فبراير/ شباط 2011 في ليبيا، وقد تم اعتماد نفس الحُجة والبراهين في كل المناسبات الهامة في البلدان المغاربية ومع ذلك اعتمدوا نهجا مُتشددا ولكنه يعتمد التقية في أداء الأدوار المُسندة إليهم عند كُل تطور سياسي أو اجتماعي فيعمدون إلى محاربة التيارات الوطنية والقول في أدبياتهم وخطبهم وتسجيلاتهم أنها تعمد إلى تقسيم صُفوف الأمة…

فسيفساء التيار المدخلي في البلدان المغاربية

1– التيار المدخلي في الجزائر

نشأ التيار المدخلي في منصف التسعينات ولكنه اعتمد منطق المُواربة والتخفي ثم بحث في السنوات الأخيرة عن حاضنة شعبية ولعب أدوار خفية قبل أن يبدأ في التعبير عن نفسه والإدلاء بمواقف بدت غريبة وخطيرة على غرار تشكيكهم في النشيد الوطني الجزائري عبر التلويح أن النشيد يتضمن قسما بغير الله ( يبدأ النشيد الذي كتب نصه الشاعر “مُفدي زكرياء” بــــــ«قسما بالساحقات الماحقات..”)، وقد وقف المداخلة في الجزائر مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وانتقدوا معارضيه ودافعوا ضمنا على العُهدة الخامسة قبل خفوت أصواتهم مع بداية الحراك الشعبي والذي أوصوا أنصارهم بعدم مُناصرته، وقد استخدمت الدولة العميقة في الجزائر التيار المدخلي لتعزيز شرعيتها الدينية، قبل أن تنحو باتجاه التخلص من عبئهم في السنوات الماضية، بل وبدأت إجراءات وترتيبات جديدة اتخذتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لاستعادة التحكم بالمجال الديني، وقطع المنافذ على الجماعات التي استطاعت أن تتمدَد بفضل سياسة غض الطرف، ولاحظ المتابعين العودة إلى التأكيد على «المرجعية الدينية الوطنية»، وتحديدا المذهب المالكي، ما يعني غلق الباب أمام التيارات الوافدة، ومن ضمنها المداخلة…

2- التيار المدخلي في ليبيا

بعد انتصار ثورة فبراير ومقتل العقيد معمر القذافي وهروب نجله الساعدي إلى النيجر، خرج أتباع الحركة السلفية عموما للعلن، وقد نظروا إلى انتخابات المؤتمر الوطني العام 2012 على أنها “بدعة لا يجوز الخوض فيها…”

وقبل الانتخابات، قام أتباع المدخلي في ليبيا، بهدم تُراث الصوفية في ليبيا وحرق أدبيات الإخوان المسلمين، ومع اندلاع الصراع بين تياري “الكرامة” و”الفجر” في صيف 2014، انضمت جماعات المداخلة المسلحة للفصائل المتحاربة، وقبل ذلك وأثناء زيارة رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان للمملكة العربية السعودية طلب من شيوخ المداخلة والسلفية بها إصدار فتوى تحض أتباعهم في ليبيا على المساهمة في انتخابات مجلس النواب الليبي التي أجريت في الخامس والعشرين من جوان 2014، ومن ثم صدرت فتوى على موقع الشيخ “ربيع المدخلي” بأنه على الليبيين المشاركة في الانتخابات لاختيار نُوابهم، وفهم السلفيون الرسالة وشاركوا في عمليات الاقتراع بكافة المدن والقرى المُتواجدين بها، وبالتالي بدأت مواقفهم تتطور وفقا لاصطفاف المملكة العربية السعودية إقليميا والتي أصبحت ضمن إطار المحور الإماراتي/المصري ضد المحور التركي/القطري وان كان أشكال غلب عليها الحذر والتواري، وفي الشرق الليبي ناصر المداخلة حفتر وحاربوا معه وكونوا كتائب خاصة بهم بينما اكتسب مداخلة الغرب الليبي خصوصيات المنطقة والاصطفاف السياسي ضد قوات حفتر خلال المواجهات الأخيرة.

3- التيار المدخلي في تونس والمغرب وموريتنانيا

في هذه البلدان لم تسلط الأضواء على التيار المدخلي نتاج التركيز الإعلامي على أنشطة “الجهاديين” الذين قاموا بعميلات إرهابية على غرار أحداث ماي 2003 في المغرب وأحداث سليمان 2007 في تونس إضافة لتعدد العمليات الإرهابية بين سنتي 2013و2016، أما في موريتانيا فالأمر مختلف حيث مازال التيار المدخلي يعتمد التخفي والمواربة بدل الظهور للعلن إلا في بعض مناسبات قليلة ونادرة.

توارى التيار المدخلي في تونس عبر أنشطة مدعمة من طرف نظام المخلوع منذ نهاية تسعينات القرن الماضي بداية من بداية الألفية، واختفوا وراء جمعيات وسيطروا قبل وبعد الثورة على مساجد في صفاقس وسيدي بوزيد والقصرين وبعض أحياء العاصمة (المروج – رادس – حي التضامن…)، وبدؤوا منذ 2015 في أنشطة يغلُب عليها الحذر والتأني وساهم بعضهم في الاعتداء على بعض الزوايا …

حول مستقبل التيار المدخلي في المنطقة المغاربية

رغم الاختلاف المنهجي بين ولاءات المداخلة من بلد مغاربي لآخر من حيث التواجد ومن حيث الارتباطات وتنزيل مواقف ومقولات وأدبيات “المدخلي”، فان مواقفهم تطورت فعليا وفقا للمواقف السعودية من الصراعات الإقليمية، وخلال السنوات الماضية بقي بعض المُتابعين والمحللين في التسلل في أكثر من مناسبة لفهم تطور الصراعات في ليبيا مثلا أو حتى في متابعة ما يجري في بعض مدن الغرب والشرق الليبيين، حيث تتغير الولاءات والتحالفات ونتائج المعارك والتي عادت ما تكون مآلاتها بناء على التدخل المستمر لدول الخليج العربي في الشؤون الأمنية في ليبيا أو في سياسات البلدان المغاربية.

حضور التيار المدخلي ضعيف كميا وسياسيا في الجنوب الليبي وفي الجزائر وموريتانيا، لأن المُدن والقُرى في هذه الربوع تغلب عليها عوامل “القبيلة” و”الغلبة” و”الغنيمة”، كما أن مستقبل التيار الإسلامي الوسطي فيها سيكُون قويا وفاعلا لأسباب سوسيولوجية وإقليمية، كما أن أهالي الجنوب الليبي مثلا هم أقرب للاعتدال وأقرب لخصوصية وطنية تتناقض مع ماهية المنتسبين للتيار المدخلي.

لن يتوقف خطر البعض من المنتسبين للتيار “المدخلي” المشحونين بالمقولات التكفيرية للمدخلي، عند بعض جرائمهم السابقة في ليبيا أو في كافة الأقطار المغاربية على غرار جريمة اغتيال الشيخ نادر العمراني في ليبيا سنة 2015، ولن تتوقف تلك الجرائم في كل الإقليم، إلا إذا تداعى علماء الأمة وقادتها ومُفكروها للتحذير منهم ومن ضلالاتهم وانحرافاتهم دون مُواربة، بل لابد من انجاز تحقيقات أمنية واستقصائية لجرائم الاغتيالات التي حدثت في مدينة بنغازي الليبية سنوات 2012 و2013 و2014.

إن بعض القوى الإقليمية والدولية من الممكن أن تُوظف مستقبلا أتباع التيار المدخلي بناء على توظيف شيوخهم الإقليميين على غرار “الرسلاني” أو”البرهومي” أو مُنظري التيار (المدخلي والجامي) كمقدمات موضوعية لضرب استقرار الجزائر ولو على مدى بعيد كما يمكن توظيفهم في إعاقة ناعمة لتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس وتعطيل تجديد الفكر الديني وتطوير الشأن الديني عبر الدفع للخيار المصري عبر استنساخ تجربة حزب النور من خلال الدعم اللوجستي والمالي وعبر أدبيات فكرية وسياسية وإعلامية وتوجيه مدقق استخباراتيا عبر لافتات إعلامية واقتصادية وعبر مجالات الفنون والفلاحة والسياحة والعلاقات الخارجية وعبر استراتيجيات الانقلاب الناعم على مسار الثورتين الجزائرية والتونسية.

وجهات نظر 0 comments on ماذا فـعـلـنا بالديمقراطية؟ … بقلم عامر بوعزّة

ماذا فـعـلـنا بالديمقراطية؟ … بقلم عامر بوعزّة

لخّص رئيس الحكومة وهو يجيب المحتجّين على الترفيع في أسعار المحروقات الأزمة التي تتخبّط فيها البلاد، فقد أكّد أوّلا أنّ حكومته اتخذت القرار تحت وطأة الضرورة القاهرة والإكراه الحتمي، وأشار ثانيا إلى تراجع القدرات الإنتاجية في مجال الطاقة على خلفية الفصل 13 من الدستور، ما يعني أنّ كلفة الديمقراطية والشفافية أصبحت باهظة جدا ناهيك عن كونها تُدفع دائما من جيوب الفقراء. أضف إلى ذلك أن الهوّة بين الخطاب السياسي والواقع تزداد عمقا واتّساعا من يوم إلى آخر، ففي الوقت الذي يلجأ فيه المحتجّون إلى غلق الطرقات وتعطيل المصالح العاجلة مطالبين الحكومة بالتراجع عن قراراتها المجحفة يتحدّث يوسف الشاهد عن ضرورة التفكير الآن في الطاقات البديلة!

يمثّل الاحتقان الاجتماعي وجها من وجوه الإخفاق السياسي، فالغليان الذي تشهده عدّة قطاعات حيوية يعتبر نتيجة حتمية لفشل الحكومات المتعاقبة منذ الثورة في إحداث تغيير إيجابي ملموس في حياة المواطن اليومية. وهكذا أصبح الحراك الشعبي وقودا للحملات الانتخابية التي بدأت قبل الأوان أو لعلها لم تتوقّف يوما، لا سيما أنّ الوعود التي أطلقتها كل الأحزاب في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة ظلّت محض شعارات وتطلّعات، فالسياسيون الفائزون في الانتخابات يلجؤون عادة لدى مباشرتهم العهدة إلى التصريح بأنّ حجم المسؤولية لم يكن مطابقا لتوقّعاتهم، وأنّ إكراهات عديدة تحول دون تطبيق ما وعدوا به بالسرعة التي يتوقّعها المواطن، وهكذا تنطلي الحيلة، وتظلّ تلك الوعود ذاتها صالحة لانتخابات أخرى ودفع آخرين إلى سدّة الحكم.

في ظلّ هذه الأوضاع تتهيّأ تونس إلى خوض انتخابات برلمانية ورئاسية خريف العام 2019 هي الرابعة منذ سقوط النظام السابق، ويفترض أن يذهب الناخبون هذه المرّة إلى صناديق الاقتراع وفي رصيدهم تجربة أولى مع الحكم الديمقراطي مكتملة الملامح يمكنهم في ضوئها اتخاذ اختيارات تمثّل حقيقة موقفهم بعيدا عن أيّ مؤثّرات ظرفية وعاطفية كما حدث في انتخابات المجلس التأسيسي أكتوبر 2011 التي شارك فيها الناس بكثافة مدفوعين بوهج الثورة مأخوذين ببريق شعاراتها. لكن في حين كان الناخبون يتوقّعون أن تنتهي مصاعب المرحلة المؤقIتة التي عرفتها البلاد مع الترويكا حال إنجاز انتخابات 2014 عاينوا لاحقا أنّ الأمر مختلف في الواقع. وشهدت الانتخابات البلدية تراجعا وفتورا لافتين تحت وطأة سؤال حارق يردّده الجميع بأشكال مختلفة: ماذا فعلنا بالديمقراطية؟ إذ بدأت تسود قناعة لدى الكثير من المتابعين بأنّ الانتخابات لا تعني بالضرورة الخروج من الأزمات بل قد تعني في الحالة التونسية خصوصا البقاء فيها لفترات أخرى.

كلّ المقدّمات الانتخابية تؤكّد أنّ الموعد المقبل لن يختلف جوهريا عن سابقه، وهذا أحد وجوه أزمة الحكم العميقة، ليس مهمّا هنا وصف الأجواء التي تسبق الانتخابات وإبداء الامتعاض من إيقاظ النّعرات الإيديولوجية والنّزعات الاستئصالية وتصاعد الخطابات المتطرّفة في شتّى الاتجاهات، بل من المهمّ الإشارة إلى ما لم يتحقّق على صعيد الممارسة الدّيمقراطية ذاتها، فالمشهد الحزبي حافظ منذ خمس سنوات على تشرذمه ولم يُفض الإفراطُ في التّعددية إلى خلق قوى كبرى متعادلة، ولا توجد مؤشّرات جدّية على إمكانية حدوث ذلك في الأمد المنظور، كما أنّ الفاعلين السياسيين الذين يتأهّبون لخوض الانتخابات المقبلة هم أنفسهم الذين ظلّوا يهيمنون على المشهد السياسي والإعلامي طيلة الفترة السابقة بما يدلّ على أنّ الأحزاب أخفقت في التجدّد وتكريس الديمقراطية داخلها، بل إنّ كثيرا من رموز المعارضة زمن بن علي أخفقت حتّى في الانسحاب المشرّف من المشهد والركون إلى النقد الذاتي.

شهورا قليلة قبل الموعد الانتخابي ما يزال الوقت مناسبا لإحداث تغييرات تكتيكية مناسبة لإنقاذ العملية الديمقراطية من هذه النمطية التي تردّت فيها، شرط أن تتوفّر إرادة فعل ذلك. يدخل ضمن هذا الباب تغيير الاستراتيجية الخطابية القائمة على الإقصاء وتقديم برامج سياسية قابلة للتحقّق في المدى القريب والعمل على مقاومة نزعة الزعامة في الأحزاب بتجميعها في عائلات تقوم على التقارب في الأفكار والاتجاهات. تبدو هذه الاستحقاقات أكثر من ضرورية في مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي خشية تنظيم انتخابات بلا ناخبين.

وجهات نظر 0 comments on القاهرة و إمكانية عقد قمة أميركية إفريقية خاصة بليبيا .. بقلم علي اللافي

القاهرة و إمكانية عقد قمة أميركية إفريقية خاصة بليبيا .. بقلم علي اللافي

قد تُعقد في سبتمبر القادم
القاهرة و إمكانية عقد قمة أميركية إفريقية خاصة بليبيا

 

الذين يُتابعون الشأن المصري بشكل دقيق يعرفون أن “عبد الفتاح السيسي” يحاول استغلال العام الحالي الذي تترأس فيه مصر الاتحاد الأفريقي، لتحقيق مكاسب سياسية لنظامه على مستوى العلاقات الدولية، مع الدول والغربية (أي مع دول الاتحاد الأوروبي أو مع الولايات المتحدة)، فضلاً عن إيجاد مساحة لشراكات طويلة مع بعض الحكومات الأفريقية، ولكن ما هي عمليا حقيقة اشتغال القاهرة على عقد قمة أمريكية /افريقية خاصة بالملف الليبي في سبتمبر القادم؟، وما هي دلائل ذلك؟ وإلى أي مدى سينجح النظام المصري في عقد تلك القمة وحصد نتائج ايجابية من ورائها، وما هي العوامل الداعمة والمعرقلة لكل ذلك؟

• مؤشر القمتين المُصغرتين في القاهرة

بدا التوجه المصري الذي ذكرناه سابقا واضحا وجليا من خلال استضافة القاهرة منذ أسبوعين تقريبا لقمتين مصغرتين بشأن السودان وليبيا:

أ‌- القمة الأولى: كانت قمة ناجحة، وكان الهدف الأبرز منها هي دعم المجلس العسكري الانتقالي وتخفيف ضغوط الاتحاد الأفريقي عليه لتسليم السلطة لحكومة مدنية خلال مهلة قصيرة ( وتم الاتفاق أن تكون مدة التسليم في أفق زمني بين 15 يوما وثلاث أشهر)…

ب‌- القمة الثانية: وهي قمة اعتبرت سياسيا غير ناجحة، وكانت الأولوية الأهم فيها، تقديم السيسي نفسه كلاعب محوري في الملف الليبي، والظهور بصورة محايدة تجاه الأحداث الميدانية المشتعلة حول العاصمة طرابلس بعد الحرب التي أشعلتها قوات خليفة حفتر مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي…

ومعلوم إعلاميا أن مصادر متعددة ومتطابقة قد نقلت وأكدت أن هناك فكرة برزت عمليا من ثنايا تلك المحاولات (أي عقد القمتين منذ أسبوعين)، وهي فكرة استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقمة في القاهرة ستركّز في الأساس على الشأن الليبي، ويلتقي خلالها بالزعماء الأفارقة…..

• فكرة القمة ورهانات نظام السيسي

عمليا نقلت صحف عربية عن مصادر دبلوماسية مصرية، وأخرى أوروبية خارج مصر، أنّ السيسي في زيارته الأخيرة لواشنطن طرح الأمر بشكل مبدئي على ترامب، الذي لم يُبد قبولاً أو رفضاً للعرض، ووعد بالتفكير فيه على ضوء التزاماته المختلفة خلال الأسابيع والأشهر القادمة (والحقيقة أن أجهزة الدولة العميقة الأمريكية ومؤسسات الأمن القومي هي من ستحدد قبول الأمريكيين بالفكرة)، وقد أكدت ذلك بعض مواقع مختصة أنّ “السيسي والخارجية المصرية يهدفان لتحويل القمة، في حال عقدت فعليا إلى مساحة لبناء شراكات فردية بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة، بحيث يصطحب ترامب معه عدداً من ممثلي دوائر المال والأعمال المؤثرة”…
ولذلك بدأت الدبلوماسية المصرية في ترويج إيجابيات هذه القمة بين هذه الدوائر، حيث لاقى المقترح ترحيباً واسعاً، خصوصاً بين الجمهوريين، وبحسب المصادر فإنّ تلك الدوائر تعتبر أنّ زيارة ترامب لأفريقيا سيكون لها مردود إيجابي على حظوظه في الانتخابات المقبلة، أياً كان المنافس، على الرغم من عدم إيمان ترامب شخصياً بأهمية هذه الزيارة وفقا لتدوينات بعض الخبراء العرب المقيمين في أمريكا رغم اختلاف توجهاتهم…
وعمليا وبسبب أن المقترح/الفكرة مازال في طور التفاوض المبدئي، فإنّ هناك خلافاً بين الدوائر المصرية التي تُروج له، تحديداً حول شكله والملفات التي سيتناولها، فبينما قالت بعض المصادر إنّ مصر ترغب في أن تكون الزيارة مفتوحة للقاء ذي أجندات مختلفة، اقتصادية وسياسية حرة أي غير مرتبطة بملفات سياسية بعينها، بينما ذكرت مصادر أخرى أنّ عبدالفتاح السيسي يُريد التركيز على البعد الليبي تحديداً، سواء في القمة الرئيسية -في حالة عقدها- أو في أحد الاجتماعات المنبثقة منها، لكن ليس مطروحاً حتى الآن أن توجّه الدعوة لحكومات غير أفريقية للحضور….
ويبدو اهتمام مصر بالملف الليبي طبيعياً، نظراً للأهمية القصوى التي يوليها السيسي له، ليس فقط لانعكاساته الإستراتيجية على الأمن القومي المصري، بل أيضاً للدعم الذي يقدمه الرئيس المصري وحلفاؤه الإقليميون لمليشيات شرق ليبيا بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وهي ذات المليشيات التي يُسميها هذا الأخير بــ”الجيش الوطني الليبي”، وجدير بالذكر أن هناك تباينات بين المصريين وحفتر في التفاصيل بل أن المصريين بدؤوا عمليا في البحث عن سيناريوهات مستقبلية أن لم نقل بديلة عن الرهان على حفتر، وسيكون ذلك وفقا للتطورات المستقبلية وخاصة الميدانية في ظل عدم قدرة قوات حفتر على انجاز مهمة اجتياح العاصمة والسيطرة عليها والتي كانت أولى سيناريوهاتها دخول طرابلس في ظرف 72 ساعة أي السيطرة عليها بحلول مساء 06 أفريل/نيسان، ولكن ذلك لم يحدث وهو ما وضع المصريين في حرج وخاصة أثناء أشغال لقاء روما يوم 25-04-2019…
ومعلوم أن الرئيس المصري قد لعب دور الوسيط بين ترامب وحفتر للتقريب بين الرجلين، ومد جسر حوار تمخّض عنه اتصال هاتفي بينهما في شهر إبريل الماضي في أعقاب بداية حملة حفتر المتعثرة حتى الآن على العاصمة الليبية طرابلس، ومعلوم أن المكالمة كانت في الأصل لقاء تم برمجته ولكنه لم يقع رغم سعي ورغبة المحور الإماراتي/السعودي/المصري، ولكنه عُوض في الأخير يوم 15-04-2019 بالمكالمة بإصرار من أطراف قريبة من وليي العهد السعودي والإماراتي القريبين من كوشنير ، مع التذكير أن المصريين ابدوا في أكثر من مناسبة وبشكل غير مباشر انزعاجهم الخافت من أن حفتر يُسارع للتقرب من السعوديين والإماراتيين على حسابهم، بل أن بعض المتابعين أكدوا يومها أن السيسي أنَب حفتر على عدد من النقاط بل وأظهرت صور ملتقطة لحفتر عند خروجه من لقاء السيسي وهو في حالة تحسر وغضب باديين من قسمات وجهه…
ويبدو أن المصريين بصدد الترتيب منذ أيام لقمة افريقية أمريكية أشبه من حيث الشكل وصيغ البرمجة بقمة الرياض 2017، عندما التقى ترامب بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ثمّ التقى بملوك وأمراء الدول الخليجية، ليعود ويجتمع بزعماء الدول العربية والإسلامية، في ثلاثة اجتماعات متوالية على مدار ثلاثة أيام، وما قد يؤكد ذلك بشكل ثابت هو إشارة بعض المصادر الإعلامية العربية منذ أيام أن حضور رؤساء مصر ورواندا وجنوب أفريقيا كدول “ترويكا” الاتحاد الأفريقي في قمة “السبعة الكبار” المقررة في فرنسا في أوت/أغسطس/آب المقبل، سيكون فرصة لبلورة الأفكار الخاصة بالاجتماعات مع الرئيس الأميركي، إذا لم يتم الانتهاء من التخطيط للزيارة، في حال موافقة ترامب عليها بشكل نهائي، قبل ذلك….
• معُوقات وتحديات مُوضوعية تُواجه القمة المُفترضة
لا شك أن الفكرة موجودة والعمل عليها جار، وهي فكرة كما اشرنا أعلاه مُستنسخة من لقاء ترامب بالزعماء العرب، وما سيتم عمليا هو إستبدال الزعماء العرب بالزعماء الأفارقة أو بعضهم على الأقل، ولكن من المُهم الإشارة إلى الملاحظات التالية:
أ‌- لابد من عدم تغييب أن رئيس الاتحاد الإفريقي قد أشار في كلمة له في اجتماع الرباعية عشية القمة العربية في آواخر شهر مارس/آذار الماضي إلى أن الليبيين قد يتصالحون في لقاء في أديس ابابا في شهر يوليو/جويلية القادم، وهو ما بدا يومها غريبا في ظل برمجة الملتقى الليبي الجامعي في مدينة غدامس يومي 14و15 افريل/نيسان الماضي، والذي تم إلغائه سبب هجوم حفتر بداية نفس الشهر…
ب‌- المحور السعودي/الإماراتي/المصري/حفتر ليس موحدا إلا ظاهريا وإعلاميا بشأن الملف الليبي، ورغم التنسيق الظاهر بين دوله من جهة وبين كل منها مع حفتر، فإن هناك تباين كبير وعميق وخاصة بين الإماراتيين والمصريين ويكفي هنا التذكير بحكاية الضابط المصري “العشماوي” (المحتجز لدى قوات حفتر منذ اشهر نتاج تورطه في عمليات إرهابية منذ 2013، ومعلوم أن حفتر قد رفض علنا تسليمه للمصريين)، إضافة إلى حكاية قصة ترحيل الجاسوس الإماراتي (تجسس على عمل مؤسسات سيادية مصرية حسب الاتهامات المصرية، ثم رحل لاحقا في طائرة خاصة… )، آواخر مارس/آذار الماضي….

ت‌- بناء على النقطة السابقة من حيث تواصل التباينات يمكن القول أن التباينات بين المصريين والإماراتيين خاصة قد تُربك الموضوع أي القمة المفترضة وكل الأجندة المصرية الخاصة بها في علاقة بالملف الليبي في نقطتين مهمتين:
** النقطة الأولى، وهي كيفية حضور إماراتي/سعودي بشكل من الأشكال باعتبار أن حضورهما مشكلة وغيابهما مشكلة أكبر…
** النقطة الثانية: وهي قد تنبني على الأولى أيضا فهي إمكانيات ترتيب لحضور حفتر لتلك القمة أو تكرار محاولة جمعه مع ترامب سواء بشكل علني أو بشكل خفي وسري، إضافة إلى الاضطرار إلى دعوة السراج باعتباره المعترف به دوليا وأيضا باعتباره المنتصر ميدانيا خاصة إذا بقيت الأوضاع الميدانية على حالها رغم التحركات الدولية التي تدفع إلى وقف إطلاق النار والمرور لحل سياسي خلال الأيام والأسابيع القادمة ….
ث‌- تحركات السيسي في اتجاه الأوروبيين وتجاه الأمريكيين الهدف منها في أحد الأبعاد هو التغطية على فضيحة التمديد والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في الداخل المصري (انهيار قطاعات اقتصادية مصرية بشكل غير مسبوق، عدم رضا جزء كبير من النخبة المصرية السياسية والاجتماعية ولو بشكل صامت من التمديد)، كما أن نظام السيسي سيُحاول الاستفادة من طرح خيار تصنيف الإخوان المسلمين من طرف إدارة ترامب، وطرح النظام المصري قانون مُشابه مصريا ومن ثم المرور لاحقا لتنفيذ مزيد من الإعدامات وخاصة بحق عددا من قياديي الإخوان وتمرير أحكام خاصة بالرئيس المحتجز محمد مرسي في عدد من القضايا….
ج‌- يسارع السيسي لغلق الملف الليبي بصيغة من الصيغ قبل حل الجزائريين لملفاتهم الداخلية لأنه يعرف تمسكهم بدور أكبر لدبلوماسيتهم في الملفات المغاربية ذلك أنهم يبنون استراتيجيهم الخارجية على عدم السماح لأي من دول المشرق أو أي من القوى الدولية بالتدخل في شؤون الدول المغاربية…

وجهات نظر 0 comments on الجزائر على أعتاب حلحلة الانسداد السياسي

الجزائر على أعتاب حلحلة الانسداد السياسي

دفعت التطورات الأخيرة في الجزائر باتجاه حلحلة الانسداد السياسي القائم منذ أكثر من شهرين، بعد التوقيفات التي طالت أقوى رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وبعد خطاب الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح تكون قد اكتملت معالم خارطة طريق سياسية جديدة في البلاد.

وحقق الحراك الشعبي في الجزائر مكاسب جديدة بعد التطورات المتسارعة خلال الساعات الماضية، حيث شكل الخروج الثاني للرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، أمام الرأي العام، في أعقاب التوقيفات التي طالت أكبر رموز نظام بوتفليقة، تفاعلا إيجابيا لافتا مع المطالب السياسية المرفوعة منذ الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضي من طرف الشارع الجزائري.

وغاب الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح، نهار أمس، عن الواجهة الإعلامية والسياسية، عكس الأسابيع الماضية، التي كان يضطلع فيها بتقديم رسائله السياسية للرأي العام، ويجيب عن ضغوط الحراك الشعبي التي تتكثف في المسيرات المليونية التي تنتظم كل يوم جمعة منذ أحد عشر أسبوعا.

ويوحي صمت رجل المرحلة القوي قايد صالح، المتواجد منذ أمس الأول في مقر الناحية العسكرية الثانية بوهران في غرب البلاد، بأن معالم الخارطة السياسية قد حددت بإحكام بتحييد أكبر رجالات نظام الرئيس السابق، وهم سعيد بوتفليقة، والجنرالان محمد مدين (توفيق) وعثمان طرطاق (بشير)، فضلا عن تنازلات جديدة تقدمها الرئاسة الانتقالية بقيادة عبدالقادر بن صالح.

وتسربت أفكار الرئيس المؤقت، منذ ليل الاثنين إلى الثلاثاء، حيث تحدثت عدة مصادر عن توجه عبدالقادر بن صالح، إلى التنحي عن الرئاسة، بعد إجراء سلسلة مشاورات سياسية جديدة، تستلم مخرجاتها سلطة المرحلة الانتقالية وإرجاء الانتخابات الرئاسية إلى موعد لاحق، ما يضمن للبلاد البقاء في مقتضيات بنود الدستور الحالي.

Thumbnail

واحتفظت الرئاسة المؤقتة بتفاصيل الخطاب السياسي الثاني لبن صالح، إلى غاية توقيت متأخر من مساء الأحد، تجاوز موعد الدفع بصفحات “العرب” إلى المطبعة في لندن وعواصم عربية.

وظل عبدالقادر بن صالح إلى جانب رئيس الوزراء نورالدين بدوي، على رأس اللائحة المطالبة بالرحيل عن السلطة من طرف قوى الحراك الشعبي، لإسهامهما في المؤسسات الرسمية خلال العقدين الأخيرين، حيث يشغل الأول منصبا تشريعيا منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، ويترأس الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الأمة) منذ العام 2002.

وتبوأ الثاني، عدة مناصب وزارية إلى أن رقي إلى رئيس للوزراء في الحكومة الحالية، وهو متهم بتزوير نتائج الاستحقاقات الانتخابية الماضية وقمع المظاهرات والاحتجاجات خلال السنوات الأخيرة، لما كان على رأس وزارة الداخلية.

ومع السقوط المتتالي لرجالات نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، تكون السلطة الفعلية قد سايرت توجهات الحراك الشعبي، وأنهت مرحلة في النظام السياسي الجزائري، الموروث من سلطة الاستقلال الانقلابية 1962 إلى غاية شهر فبراير الماضي، ويكون الشارع الجزائري قد فرض أجندته بواسطة حراك شعبي فريد من نوعه في المنطقة العربية، حيث لم تسفك فيه قطرة دم ولم تطلق خلاله رصاصة واحدة.

ويبقى موقف الحراك الجزائري من التطورات الأخيرة هو الحاسم في المفاوضات غير المباشرة والمفتوحة بينه وبين السلطة منذ الثاني والعشرين من فبراير الماضي، في ظل حالة الحذر التي تشوب الشارع الجزائري، بسبب الشكوك القائمة في نوايا النظام السياسي، ومخلفات حالة التلاعب المعنوي والنفسي، التي مارستها قيادة أركان الجيش خاصة خلال الأسبوع الأخير، لما تجاهل قايد صالح المطالب المرفوعة، وانحاز بشكل واضح للمؤسسات الانتقالية المرفوضة شعبيا.

ويرى مراقبون للشأن السياسي الجزائري أن تصعيد المسيرات الشعبية خلال الجمعة الحادية عشرة، وتغير لهجة المتظاهرين تجاه قيادة الجيش وعلى رأسها الجنرال قايد صالح، يكونان قد دفعا في اتجاه إعادة ترتيب المواقف، واتخاذ إجراءات عملية في سبيل الخروج من المأزق الذي تتخبط فيه البلاد.

Thumbnail

وأفاد بيان للمحكمة العسكرية بالبليدة بأنه تقرر إيداع كل من سعيد بوتفليقة والجنرالين عثمان طرطاق ومحمد مدين الحبس الاحتياطي بغية استكمال التحقيق في تهمة الخيانة العظمى التي يواجهونها.

وتداولت مصادر مطلعة، تهمة “الفساد” الموجهة أيضا للشقيق الأصغر للرئيس السابق ومستشاره الشخصي سعيد بوتفليقة، الذي كان يعرف بـ”الحاكم الفعلي للبلاد خلال السنوات الأخيرة”، خاصة منذ إصابة رئيس البلاد بجلطة دماغية في أبريل 2013، سببت له عجزا وظيفيا يحول دون أداء مهامه الدستورية، لكن محيطه كان يدفع به للبقاء في قصر المرادية وحتى ترشيحه لولاية رئاسية خامسة.

وكانت صحيفة المجاهد الحكومية الناطقة بالفرنسية، قد وصفت توقيف رجالات نظام بوتفليقة، بـ”الخطوة المهمة والسريعة في طريق حل الأزمة السياسية”، وكتبت في افتتاحيتها في عدد الأحد، “يبدو أن الأمور تتسارع مع إلقاء القبض أمس على ثلاث شخصيات مهمة في النظام القديم، وهم سعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وأيضا الجنرالان عثمان طرطاق (بشير) ومحمد مدين (توفيق).. الرجال الثلاثة الذين وصفهم المتظاهرون بـ (رؤساء العصابة)، سيمثلون أمام المحكمة العسكرية بالبليدة (الناحية العسكرية الأولى) بعد فترة قصيرة”.

وأضافت “هذه الاعتقالات هي رد من قايد صالح على الطلب الملح من قبل المتظاهرين بتوقيفهم، وأنها تعبر عن التزام المؤسسة العسكرية تجاه الشعب، ولإعطاء دفعة ونقطة دعم قوية لعملية (الأيدي النظيفة) بقيادة العدالة ضد تبديد الأموال العمومية من قبل مجموعة من رجال أعمال وشخصيات على صلة وثيقة بالنظام السابق”.