أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ليبيا.. ضربات الطيران المسير وردود الفعل المتضاربة

ليبيا.. ضربات الطيران المسير وردود الفعل المتضاربة

أطلقت حكومة الوحدة الوطنية عملية عسكرية استهدفت بحسب تصريحات رئيسها والقادة العسكريين، أوكار الفساد مع التركيز على عمليات تهريب الوقود في مناطق عدة غرب البلاد، أهمها مدينة الزاوية – 45 كم غربي العاصمة، ومدينة زاورة – نحو 200 كم في نفس الاتجاه.

انقسم الرأي العام حول ضربات الطيران المسير بين مؤيد ورافض، والملاحظ أن الانقسام يعكس الاستقطاب الحاصل منذ سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية وتوتر العلاقة بينها وبين مجلس النواب وأنصاره في الغرب والشرق.

 

أكثر المواقف حدة تجاه العمليات العسكرية كان لرئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، الذي سارع إلى اتهام رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد ادبيبة، بتوظيف أزمة الزاوية والتطورات التي وقعت خلال الأسابيع الماضية كردة فعل على ارتفاع معدل الجريمة في المدينة وتغول المجموعات الخارجة عن القانون. لم يكتف المشري بإدانة العمليات بل طالب المجلس الرئاسي بسحب قيادة الطيران المسير من الحكومة ووضعه تحت إشراف الرئاسي كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة.

الموقف الحاد للمشري من سياسة ادبيبة لا يرتبط بقرار استهداف مواقع يعتقد أنها لتهريب الوقود وغيرها من الأعمال الخارجة عن القانون، إذ لم يخف المشري خلافه مع ادبيبة وتكرار اتهامه بالفساد وباللعب على متناقضات الوضع الليبي لتحقيق مكاسب سياسية.

الجبهة الشرقية رفضت ضربات الطيران المسير وركزت على الأضرار وقللت من جدواها واتجه بعض منابرها إلى موافقة المشري دعواه استغلال حكومة الوحدة الوطنية لهذا الملف سياسيا.

 

من يقفون في مواجهة جبهة الشرق والغرب من المؤيدين لحكومة الوحدة الوطنية رأوا أن العمليات تشكل تطورا مهما في أداء الحكومة، ذلك أنها أول حكومة تتخذ إجراءات حازمة ضد الانفلات الأمني المتعلق بجرائم تهريب الوقود والاتجار بالبشر.

ويشيد أنصار ادبيبة بالطابع العملي والتنفيذي لسياساته وقراراته، وعدم تردده في اتخاذ ما يلزم حيال ما يقع بين يديه من قضايا وملفات تحتاج إلى إجراء تنفيذي، وهو توصيف قريب من الصواب، إلا إن أنصاره لا يخوضون في محركات سياسته ودوافع قراراته ويكتفون بالفعل والنتيجة.
وبرغم استمرار خصومه في السخرية من تصريحاته وبعض سلوكياته التي يظهر في بعضها ركاكة في التعبير أو التصرف، إلا إن النظر في توجهات ادبيبة وخياراته يظهر أنه يدير الملفات والقضايا الشائكة بشكل يتجاوز ردود الفعل الساخطة من المنتظم المصادم له ليحقق بها رصيدا إضافيا لدى الرأي العام، ويعزز من موقعه في المشهد السياسي والأمني في البلاد.

صمدت الحكومة أمام ردود الفعل الأولية الغاضبة ضمن بعض مكونات مدينة الزاوية، إلا أن الأيام اللاحقة غيرت من اتجاه الموقف في المدينة لصالحها، وبالقطع سيقلل الاتجاه إلى استهداف مواقع في مدن أخرى، كما حدث في زوارة، من ثقل الكتلة المعارضة للعمليات العسكرية، وإذا انتقلت الضربات إلى مواقع في مدن أخرى بالساحل الغربي أو قريب منه كما هو معلن، فإن المعارضة ستتضاءل وسيكون النجاح حليف الحكومة في هذا الملف، على أن تتخذ إجراءات مصاحبة للعمليات العسكرية تسهم في مجابهة الفساد والإجرام.

غير أن لهذه العمليات بعدا أوسع وأثرا أكبر بلا شك، ذلك أنها ترسل رسائل للجميع في الغرب والشرق بأن يد الحكومة طويلة طول المسافات التي يقطعها الطيران المسير والتي تصل بحسب مصادر مطلعة إلى 800 كم، وموجعة بقدر الأثر الذي يحدثه دوي الضربات ودقتها في إصابة أهدافها، ونجاح العمليات قد يزيد من شهية الحكومة في استخدام الطيران المسير في دوائر أوسع ولمواجهة ملفات لا ترتبط فقط بتهريب الوقود وتجارة البشر.

أعتقد أن أغلب ردود الأفعال الرافضة للعمليات العسكرية وضربات المسير تتخوف من دخول هذا السلاح على خط الصراع، وهذا في حال وقوعه قد يكون له أثر سلبي في مرحلة يراد أن يكون الهدوء هو سيد الموقف فيها لتحقيق التوافق والذهاب إلى الانتخابات في أقرب الآجال.

المفيد والأهم هو أن هذا الحراك يؤكد الفرضية التي توافق عليها جل المراقبين من أن شبح الحرب الواسعة كما وقع في نيسان/ أبريل 2019م لن يتكرر في ظل وجود الطيران المسير واستمرار الحلف مع تركيا بقيادة أردوغان.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on خبير يكشف فحوى خطة «الإنقاذ الاقتصادي» التي عرضت على الرئيس التونسي

خبير يكشف فحوى خطة «الإنقاذ الاقتصادي» التي عرضت على الرئيس التونسي

الشكندالي قال لـ«الشرق الأوسط» إنها شملت قضايا هيكلية يجب معالجتها على المديين المتوسط والبعيد

كشف رضا الشكندالي، الخبير الاقتصادي الدولي والمدير العام السابق لمؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية (سيريس)، في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن فحوى خطة الإنقاذ الاقتصادي التي اقترحها مع ثلة من أساتذة الاقتصاد في الجامعة التونسية على الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال اجتماع تشاوري عقده معهم مساء أمس في قصر الرئاسة في قرطاج. مؤكدا أن اللقاء كان «إيجابيا جدا وتشاوريا وتفاعليا».

الرئيس سعيد خلال لقائه الشكندالي وعدداً من أساتذة الاقتصاد في قصر قرطاج (الشرق الأوسط)

وبخصوص فحوى هذا اللقاء، الذي هو الأول من نوعه على هذا المستوى في قصر قرطاج منذ انتخاب سعيد رئيسا للبلاد، أوضح الشكندالي أن المحاور التي نوقشت ضمن خطة «إنقاذ مالي» مستعجلة، شملت قطاعات الفوسفات وتحويلات التونسيين بالخارج، والمؤسسات المصادرة كليا، والأموال المتداولة بالعملة الصعبة في السوق السوداء. علاوة على قضايا اقتصادية هيكلية يجب معالجتها على المديين المتوسط والبعيد.

الأسعار… وأموال المهاجرين

حول تفاصيل «خطة الإنقاذ الاقتصادي والمالي» التي قدمت للرئيس خلال هذا اللقاء التشاوري، قال الشكندالي إنه قدم عرضا دعا فيه إلى «تغيير الخطاب الاقتصادي الرسمي من خطاب التوازنات المالية»، وهو خطاب موجه للخارج لإرضاء المؤسسات المالية المانحة، إلى خطاب يتعلق بالمشكلات الحقيقية للتونسيين، مثل ارتفاع نسب البطالة والتضخم والأسعار، وتدهور القدرة الشرائية. مبرزا أن «الإشكال الأهم الذي يؤرق الشعب هو الارتفاع الجنوني للأسعار، وصعوبة التزود بالمواد الأساسية وتراجع قيمة الدينار، ولذلك فإن أي خطة للإنقاذ يجب أن تعالج معضلتي التضخم المالي، وانهيار قيمة العملة، عبر قرارات عملية تشمل الانفتاح على الادخار والمستثمرين الشباب والمهاجرين. ويبدأ الإنقاذ حسب اعتقادنا بتسهيل تحويل أكثر من مليون مهاجر تونسي لأموالهم بالعملات الأجنبية للبنوك التونسية، ووضع حد للتعقيدات الإدارية والبيروقراطية».

الإصلاحات الكبرى

بخصوص الإصلاحات الكبرى التي يطالب بها غالبية شركاء تونس العرب والأجانب، مثل إلغاء الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية، وتسوية وضعية المؤسسات العمومية المفلسة، وبينها شركات النقل والخدمات العمومية التي تعارض النقابات إصلاح أوضاعها المالية والإدارية، خوفا من الاضطرابات، وسيناريو تسريح مئات آلاف العمال، قال الشكندالي: «أعتقد أن اتحادات نقابات العمال ورجال الأعمال والمسؤولين عن الدولة لا يختلفون حول ضرورة إصلاح القطاع العام، والمؤسسات العمومية الخاسرة، أو المفلسة، والمطلوب هو مناقشة هذه الملفات حالة بحالة، دون التورط في قرارات تكون كلفتها باهظة».

أما بخصوص البرنامج الاقتصادي الذي يشمل الإصلاحات الكبرى، فإنه «يتطلب بعض الوقت، ولا بد أن يشمل الإصلاحات المطروحة على طاولة صندوق النقد الدولي، لكن بمضمون مختلف، ومقاربة مغايرة تجعل الهدف تحسين ظروف عيش المواطنين وتقاسم التضحيات. صحيح أن التوازنات المالية مهمة جدا، لكنها لا تتعارض مع هذا الهدف النبيل. ولا يمكن فرض قرارات مسقطة تؤدي إلى إلغاء شامل للدعم، وتتسبب في مزيد من معاناة غالبية المستهلكين والطبقات الشعبية».

الشباب بين البيروقراطية والضرائب

من جهة أخرى، أوضح الشكندالي أن خطة الإنقاذ الاقتصادي والمالي المقترحة تناولت كذلك «تغيير المنوال السائد من منوال إقصائي، قائم على إقصاء الشباب والمرأة، إلى منوال يدمج كل هذه الطاقات في عملية التنمية بكل مراحلها وفي كل القطاعات». وقال إنه لا يمكن إنجاز خطة للإصلاح الاقتصادي والمالي دون التحرر من «البيروقراطية الإدارية والكم الهائل من الإجراءات، التي تسببت في تصنيف سيئ لتونس في التصنيف العالمي لدوينغ بزنس، ونفرت المستثمرين من الاستثمار في تونس. وفي الوقت نفسه لا بد من تغيير سياسة الضرائب والجباية، لأن ارتفاع نسب الضرائب والأداءات تسبب في هجرة الشباب، وصغار رجال الأعمال إلى الاقتصاد الموازي».

ورأى الشكندالي أن الأهم بالنسبة لخطة الإنقاذ المقترحة هو «تحسين مناخ الأعمال، وتغيير بعض السياسات الاقتصادية التي خنقت الاستثمار الخاص، ومنها السياسة النقدية الحذرة للحكومة في مجال مكافحة التضخم، الذي أرهق عموم المستهلكين، وأثر سلبا على القدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية. كما تسببت هذه السياسة النقدية، حسبه، في إرهاق المالية العمومية، ولم تستفد منها إلا البنوك التونسية التي تحقق سنويا أرباحا خيالية فيما تتراكم مؤشرات العجز المالي، والإفلاس في قطاعات عديدة».

إملاءات صندوق النقد الدولي

أكد الشكندالي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس سعيد قدم خلال هذا اللقاء كلمة، أعلن فيها عن مجموعة من الثوابت بالنسبة إليه، من بينها تحفظه على التعامل المشروط مع صندوق النقد الدولي وشركائه، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى فرض إملاءات تهدد السلم الاجتماعي والأمن الوطني.

كما اقترح الرئيس في هذا اللقاء بعض الحلول، ومنها تسهيل إحداث «مؤسسات أهلية»، وهي شركات صغرى لتشغيل العاطلين عن العمل، وإبرام صلح مع أصحاب رؤوس الأموال المتهمين بالمخالفات المالية، وتسوية وضعيتهم القانونية والإدارية مقابل تسديد مبالغ مالية تستثمر في برامج تمويل التنمية في الجهات الفقيرة والمهمشة.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ماهي ردود الفعل الدولية على انتخابات تركيا؟ .. بقلم توفيق المديني

ماهي ردود الفعل الدولية على انتخابات تركيا؟ .. بقلم توفيق المديني

توفيق المديني ( كاتب تونسي في سوريا)

 

أُعِيدَ انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسًا لتركيا لمدة خمس سنوات قادمة ، وتحدث الرئيس التركي أردوغان يوم الثلاثاء الماضي ، عن طموحاته في ولايته الجديدة،إذ قال
أن “هدفنا إنشاء حزام من الأمن والسلام في محيطنا بدءا من أوروبا إلى البحر الأسود، ومن القوقاز إلى الشرق الأوسط وحتى شمال إفريقيا”.

وأضاف: “لدينا مسؤوليات كبيرة وعلينا تقييم السنوات الخمس القادمة بتحقيق مزيد من الإنجازات والاستثمارات “.وتابع: “سننفذ جميع الاتفاقيات التي تصب في صالح تركيا، وسنركز على إمكانياتنا ونجلب الاستثمارات ونضاعف الإنتاج والتصدير وسننجح في ذلك”.

أردوغان والنزعة”العثمانية الجديدة”

لقد أثارت إعادة انتخاب أردوغان ردود أفعال كثيرة في الغرب كما في الشرق،و في العالم العربي من جراء قيادته لتيار ” العثمانية الجديدة” في نظر العرب ،وإن كان رئيس الوزراء التركي الراحل تورغوت أوزال، هو أول من أدرج المفهوم هذا في التداول  في أوائل تسعينيات القرن الماضي.

ويُعَدُّ أردوغان الرجل القوي في تركيا الذي يقود الخط المعروف باسم ” العثمانية الجديدة” المؤيد  لعودة تركيا إلى مرحلة السلطنة العثمانية، فهو ينتهج سياسة توازن  بين رغبة تركيا في الانضمام إلى الغرب و بين عودتها إلى فضائها الإسلامي الشرقي .وعليه يرى أنَّ من الضروري إخراج تركيا من تعقيدات أزمة الهوية الناشئة عن التعارض المستمر بين الميل نحو الغرب كما حدَّدَهُ المؤسس كمال أتاتورك… وبين تراثها العثماني الشرقي، والثابت أنَّ تركيا – أردوغان تبدو في هذه المرحلة كمن يبحث عن مهمة إقليمية جديدة تحُلُّ محَلَّ المبادئ الثقافية لثورة أتاتورك. أي الثورة التي قامت من أجل تغيير المجتمع من الداخل وفصله عن العالم العربي والإسلامي. لذلك يظهر التحدي أمام أردوغان و”حزب العدالة والتنمية” الفائز في الانتخابات البرلمانية  في القدرة على ضمان دورٍ جديدٍ في المنطقة من دون خيانة التراث الذي خلفته ثورة أتاتورك. ويرى المراقبون أنه في حال أثبتت تركيا بأنَّ الإسلام والديموقراطية يمكنهما التعايش تحت سقفٍ واحدٍ، فإنَّ ذلك يشكل نموذجاً لدول الشرق الأوسط .

فالهوية التركية التي صاغها أتاتورك تُصادم التاريخ والدين، وتقطع مع الإرث العثماني والفضاء الحضاري العربي والإسلامي. وحارب المساجد وتوقف بناؤها وحوّلت مساجد إلى ثكنات عسكرية، وحارب الحجاب ومظاهر التدين واللغة العربية. استبدل في القانون ستة آلاف كلمة عربية بمثلها فرنسية، وألغى الأذان بالعربية. ولا يزال الأتراك يذكرون عدنان مندريس (رئيس الوزراء 1950 – 1960) بإعادة الأذان بالعربية ويرون في ذلك سبب إعدامه.

وحين وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002 بوصفه حزبًا يحمل مشروعًا مثقلًا بالنزعة الإسلامية المذهبية الإخوانية والنزعة العثمانية،وانفجار ما يسمى “انتفاضات الربيع العربي “في عام 2011،أصبح أردوغان يتبنى  النموذج الإسلامي السني (الإخواني)العثماني التركي.

وفي سنوات “ثوران انتفاضات الربيع العربي” عمل أردوغان على نشر الأيديولوجيا”العثمانية الجديدة” التي يحملها عبر التركيز على كسر الهوية العلمانية – العسكرية في الداخل التركي  لصالح هوية أقل علمانية وأكثر إسلامية، وفي الخارج رفع شعارًا ضمنيًا هو “العثمانية الجديدة “أي عودة نشر النفوذ التركي في المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية، معظم الدول الجارة في العالم العربي ، الأمر الذي جعل مشروع الرئيس التركي يصطدم  مع المشاريع التي تقف على طرفي نقيض منه مثل: الإسلام الوهابي في السعودية، والإسلام الأزهري في مصر كما الأنظمة القومية مثل سوريا.

الموقف الأمريكي من إعادة  انتخاب أردوغان

لم تكن ترغب الإدارة الأمريكية الحالية في فوز أردوغان، نظرًا لتوتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة حول عدد من القضايا الإقليمية و الدولية ، لا سيما في موضوع أكراد سوريا الذين يحظون بدعم قوي من الولايات المتحدة،في حين تصنف تركيا المنظمات الكرية “قسد” منظمات إرهابية، وتعتبرها  تهديدًا للأمن القومي التركي.ومن أبرز الملفات التي وترَّتْ العلاقات بين تركيا وأمريكا، موضوع  التقارب التركي مع (روسيا، وإيران) ،وتجاوز تركيا للعقوبات الغربية على إيران -ولا سيما في الملف النووي وتقديم المساعدة لإيران، وكذلك كانت المسألة الكردية عاملًا مشتركًا للتقارب بين (إيران، وتركيا) اللتين تعارضان النزعة الانفصالية الكردية سواء في إيران أو تركيا.

فقد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا، أشارت فيه إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي أعيد انتخابه رئيسا للبلاد لمدة خمس سنوات، هو “حليف تتمنى واشنطن وحلفاؤها الغربيون أن تعمل بدونه، ولم يعد هذا يارًا”.

وذكرت أن أردوغان، شخصية قوية، واصطف مع موسكو لدعم الاقتصاد التركي المتداعي و”سيظل أردوغان مشكلة بالنسبة للغرب يجب التعامل معها” وإدارتها.وأشارت إلى أن أردوغان يواصل الوقوف أمام انضمام السويد إلى الناتو، لرفضها اتخاذ خطوات قاسية، بما فيها ترحيل أكراد يعتبرهم أردوغان إرهابيين.وحسب الصحيفة فقد عارض أردوغان العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا وفتح ممرا استطاعت من خلاله موسكو استيراد بعض السلع التي منعت الولايات المتحدة وأوروبا تصديرها إلى هناك.

وتابعت بأن أردوغان يسعى منذ أكثر من عام لشراء مقاتلات “أف16” إلى جانب أجهزة لتحديث مقاتلاته القديمة. ويدعم بايدن صفقة المبيعات، لكن قادة الكونغرس الغاضبين من عرقلته انضمام السويد إلى الناتو علقوا الصفقة. وفي هذه المواجهة لدى الولايات المتحدة ورقة نفوذ على تركيا من خلال صفقة “أف- 16″، وطلبت الصحيفة من قادة الكونغرس ما وصفته بـ”التصرف بحكمة” قبل أن يفتحوا الطريق أمام الصفقة، مشيرة إلى أنه على إدارة بايدن الحصول على مزيد من التنازلات من تركيا والتي تمنع الأوليغارش الروس من استخدم تركيا كقاعدة لعملياتهم ومكان للسياحة.

كما نشرت صحيفة”وول ستريت جورنال”  تقريرا لمراسليها في تركياجارد ماسلين وإيلفان كيفليتشم، قالا فيه إن فوزأردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يجعله من أكبر الناجين في التاريخ السياسي القريب، كما أكدا أن الزعيم التركي أمن دوره الأكبر في الشؤون العالمية خلال السنوات المقبلة.

وأشار التقرير إلى أن فوز أردوغان يفتح مرحلة جديدة في حكمه، لافتا إلى أن الرئيس التركي عاند الأضداد في وقت زادت فيه الأزمة قبل الانتخابات بأشهر، فقد ارتفعت معدلات التضخم إلى جانب كارثة الزلزال في شباط/فبراير، كما أنه كان يواجه أكبر تحالف بتاريخ المعارضة التركية.

وأوضحت الصحيفة أن أردوغان أثبت في الانتخابات الأخيرة أنه ما يزال نفس الشخص التكتيكي الذي قاد البلاد من 20 عاما نجا خلالها من محاولة انقلابية فاشلة وحول نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي بدلا من البرلماني وأصبح وسيطا في الحرب الروسية بأوكرانيا ولعب ورقة نفوذه في الغرب وأبعد.

وقال جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في أنقرة عن أردوغان: “يتسم بالهدوء تحت الضغط ويعرف ما يقوم به ويظهر صورة أنه يتحكم بالوضع، وهذا جاذب لمعظم الناخبين، وبخاصة المقترعين الأتراك”.وأكد التقرير أن أردوغان دخل الانتخابات متميزا في المجال الجيوسياسي وبخاصة المواجهة بين روسيا والغرب، حيث قام خلال العام الماضي بتقوية صورته في تركيا وأنه شخصية عالمية مهمة، فمن جهة دعم أوكرانيا بالسلاح وسهل المحادثات بين روسيا وأوكرانيا. ومن جانب آخر عمق العلاقات الاقتصادية مع موسكو. واستخدم الفيتو ضد انضمام السويد للناتو، وهو موقف لقي دعما في تركيا ومنحه ورقة نفوذ على الناتو والغرب.
وقال أستاذ الإستراتيجية في كلية البحرية العسكرية الأمريكية براق قادرشان، إن أردوغان ترك المعارضة تأكل نفسها و”قدم صورة عن قائد ثابت، فلربما لم تحب الزعيم لكنك تعرفه”.

وأضاف: “استخدم أردوغان مصادر الدول لكي يقتلع النصر من أنياب الوحش، حيث بدأ عملية إعادة إعمار في لمح البرق للمناطق المنكوبة من الزلزال وزاد الحد الأدنى للأجور والحد الأدنى لرواتب الموظفين المدنيين. وقبل الانتخابات قدم للبيوت الغاز مجانا لمدة شهر، ومع أن النفقات أدت لتراجع في خزانة الدولة إلا أنها خففت من صدمة المصاعب المالية”.

دعوة إسرائيلية لترميم العلاقات “الهشة” مع تركيا عقب فوز أردوغان

أكد الباحث الإسرائيلي في “معهد السياسة والاستراتيجية”، شاي هارتسفي، ضرورة عمل حكومة الكيان الصهيوني على تعميق العلاقات “الهشة” مع تركيا عقب فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة، ما يدل على أن الشعب التركي اختار من هو معروف على تغيير الاتجاه.

وأضاف في مقال نشرته صحيفة “معاريف“:الإسرائيلية  “في المستقبل القريب على الأقل، من غير المتوقع حدوث تغييرات بعيدة الأثر في سلوك الرئيس أردوغان في الساحة الداخلية وفي السياسة الخارجية التركية”.

وأشار إلى أن علاقات تركيا مع “إسرائيل” ازدهرت في السنة الأخيرة، كنتيجة للتغييرات في السياسة الخارجية التركية، ووجد هذا الازدهار تعبيره ضمن أمور أخرى، في رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، وزيادة حجم التجارة المتبادلة، وفي التعاون بين أجهزة الأمن.
ومع ذلك، فإن القضية الفلسطينية، وبخاصة في كل ما يتعلق بالسلوك تجاه حركة “حماس” والأماكن المقدسة في القدس، ستبقى تشكل بؤرة توتر وخلافات بين أنقرة والاحتلال، وفي ضوء ذلك يتعين على حكومة إسرائيل أن تستغل اللحظة المناسبة وتواصل العمل بالتدريج لتعميق جملة العلاقات مع تركيا.

ونبه هارتسفي، إلى أن “تعميق العلاقات مع تركيا بالتدرج، لا بد أن يتم في ظل إبداء الحذر من تعميق التعاون في مجالات أمنية حساسة، بسبب هشاشة العلاقات، مثلما ثبت في العقد الأخير بعد أحداث سفينة “مرمرة”.

روسيا ترحب بفوز أردوغان

لروسيا مصلحة في فوز أردوغان بولاية جديدة ،ورغم أن حكومته أثبتت أنها منافس شرس لموسكو في ليبيا وسوريا، والقوقاز، فإنَّها في الوقت ذاته شريك ومفاوض موثوق في الحرب والاقتصاد.

وازدادت أهمية تركيا بالنسبة لروسيا  في  ظل أنها تكاد تمثل قناة الوساطة الوحيدة بينها وبين أوكرانيا، وحتى الغرب، وسيطرتها على مداخل البحر الأسود، إضافة لموقفها المتوازن الذي لم ينضم للعقوبات الغربية على موسكو، رغم إدانتها الصارمة للغزو الروسي وتقديمها بعض الدعم العسكري لكييف.

كما أن تركيا، إضافة لكونها شريك اقتصادي ثمين لروسيا في وقت فقدت فيه عملاءها النفط والغاز في الغرب، فهي شريك في برنامج الطاقة النووية التركي، والذي سيكون الأول في العالم بنظام البناء والتشغيل، أي سيبتنى باستثمارات روسية بدأ تحويلها مليارات منها بالفعل.

لقد تساءلت صحيفة “بوليتكو” الروسية في تقرير أعدته إليشين بورازلر، عن الخطوات القادمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وطد من هيمنته على السياسة التركية بعد عقدين من الحكم بفوزه في الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية ، واصفة إياه بـ”الرجل القوي”.

ورأى التقرير أن أردوغان يواجه مهمة صعبة في الداخل التركي لأن اقتصاد البلاد يعاني من مشاكل وتضخم عال وصل العام الماضي إلى أكثر من 80 بالمئة، بينما يواجه المصرف المركزي التركي نقصا في الاحتياطي، وفق الصحيفة.ورجح اقتصاديون أن يحاول أردوغان الجمع بين سياسة النفقات العامة ومقاومة رفع الفائدة، لكن ذلك قد يقود إلى أزمة في مرحلة ما بعد الانتخابات حيث ستتعرض الليرة لمزيد من فقدان القيمة، مشيرة إلى أن أردوغان لم يظهر أي إشارة لتغيير موقفه في “خطاب النصر” بعد الانتخابات.

ورأت الصحيفة أن أهم تحد لأردوغان هو الحفاظ على موقع تركيا في العالم، ففي ظل حكمه لعبت تركيا دورا مهما ومتحديا في القضايا الحيوية، وليس أقل من الحرب الروسية ضد أوكرانيا. ورفضت تركيا فرض عقوبات على روسيا في أعقاب الغزو، ولكنها لعبت دورا مهما في التفاوض على مرور شحنات الحبوب عبر البحر الأسود. وكعضو في الناتو وافقت على عضوية فنلندا في التحالف، ولكنها لا تزال ترفض المصادقة على عضوية السويد.

وتوقعت الصحيفة استمرار العلاقات التركية- الروسية على مستواها القوي فيما ستظل أنقرة حليفا حيويا وإن كان صعبا للناتو، مرجحة أن يوافق أردوغان على عضوية السويد حالة حصل على موافقة أمريكية لبيع مقاتلات اف-16 لتركيا. وبحسب الصحيفة فإن علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي ستظل صعبة، ليس لأن الكتلة الأوروبية تتهم أردوغان بتقويض حكم القانون في بلده، بل ولتهديده بإرسال ملايين اللاجئين إلى القارة.

ماذا يعني فوز أردوغان لبلدان الشرق الأوسط؟

تلقى الرئيس التركي أردوغان رسائل تهنئة من جميع أنحاء الشرق الأوسط بمناسبة إعادة انتخابه لولاية رئاسيةجديدة  ، بعد أن بات أردوغان بات رمزا للثبات في نظام إقليمي يخضع لإعادة تشكيل كاملة.إن الرئيس التركي رجب طيب يمثل “الأب الروحي” السابق للحركات الإسلامية في العالم العربي، إِذْ أصبح شريكا رئيسيا في تعزيز أي توازن جديد في المنطقة.

العلاقات مع دول الخليج

وقالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أن السعودية والإمارات كانتا من أوائل الدول المهنئة بفوز أردوغان بالرئاسة، ما يشير إلى انتهاء المواجهة العنيفة بين محور أنقرة- الدوحة الذي أيد الثورات العربية، مع محور الرياض- أبوظبي الذي يعارض أي تشكك حول نمط الحكم الاستبدادي.

ورأت الصحيفة أن فشل الثورات العربية وضعف الإخوان المسلمين في المنطقة، ثم تراجع الاقتصاد التركي دفع الرئيس أردوغان إلى شن “حملة سحرية” تجاه خصومه اعتبارا من سنة 2020. وأدى هذا التحول إلى استعادة العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ثم أنقرة والرياض في حزيران/يونيو 2022، مقابل إنقاذ خزائن البنك المركزي التركي ووعود باستثمارات بمليارات اليوروهات في تركيا.

وقبل أيام قليلة من الجولة الثانية، في 25 أيار/مايو؛ رحب أردوغان أيضا بدعم دول الخليج، ووعد بتعزيز هذه العلاقات المربحة بمجرد إعادة انتخابه. وتُعد تركيا، باعتبارها سوقًا ناشئة ذات إمكانات نمو قوية، وجهة استثمارية جذابة للأنظمة الملكية البترولية المنخرطة في عملية التنويع الاقتصادي بعد النفط.

العلاقات المصرية

وذكرت الصحيفة أن أردوغان تلقى تهنئة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في رسالة محايدة، في إشارة إلى تحسن العلاقة بين الرجلين بعد عقد من الخلاف. ففي صيف 2013، وجد جزء كبير من جماعة الإخوان المسلمين، الناجين من انقلاب السيسي ومطاردة الإسلاميين التي انطلقت في هذه العملية، ملاذًا في تركيا. ومنذ إعادة إطلاق العلاقات بين البلدين، التي تم إضفاء الطابع الرسمي عليها في آذار/مارس 2023، شهد هؤلاء المصريون المنفيون ضغوطًا متزايدة.

إيران وضمان الاستقرار

ولفتت “لوموند” إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي كان من بين أوائل القادة الذين هنأوا أردوغان. وتمثل إعادة انتخابه، في نظر الجمهورية الإسلامية، ضمانة للاستقرار والاستمرارية في علاقاتها مع جارتها التركية. كما أن الهيئات القريبة من السلطة لم تخف تفضيلها لإعادة انتخاب أردوغان.

صمت دمشق

لم يهنأ الرئيس السوري بشار الأسد أردوغان، الذي وصفه في يوم من الأيام بأنه “قاتل متعطش للدماء”. وكان خصمه، كمال كيلتشدار أوغلو، يحظى بتقدير أكبر من دمشق: فقد ألمح إلى إمكانية تطبيع غير مشروط للعلاقات بين سوريا وتركيا.

ولفتت الصحيفة لوموند إلى أنه تحت ضغط موسكو، بدأ ت سوريا ، في شتاء 2022، المفاوضات مع تركيا، بغية المصالحة. وكان أردوغان حريصًا على إعطاء الانطباع بأنه يعمل على عودة اللاجئين السوريين، وهو مطلب ملح بشكل متزايد من الشعب التركي، وقد اقترح فكرة اللقاء قبل الانتخابات الرئاسية، لكن الأسد، الذي لم يكن لديه أي سبب لتقديم هذه الهدية لجاره، رفض طلبه.فقد وضع  الرئيس الأسد شرطًا مسبقًا لأي لقاء مع أردوغان ألاوهو سحب القوات التركية، التي تحتل جزءًا من شمال سوريا، وإنهاء دعم أنقرة للحركات الإرهابية،وبالتالي تجد دمشق نفسها الآن أمام رجب طيب أردوغان أكثر نشاطًا بفضل إعادة انتخابه، مما يترك توقعات بمفاوضات أكثر شدة. وكانت أنقرة صريحةً في أن انسحابها من سوريا مرهون بتحقيق تسوية نهاية للصراع السوري على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015.

والمعروف أن هذا القرار وضع خارطة طريق لاتفاق أطراف النزاع السوري الداخلي على إقامة حكم ذي مصداقية، غير طائفي أو فئوي، وعلى دستور سوري جديد. ولكن، وبعد مضي 7 سنوات على صدور القرار الأممي، وإشراف الأمم المتحدة على سلسلة لقاءات بين الأطراف السورية، ليس ثمة تقدم يُذكر، سواء فيما يتعلق بإعادة بناء الدولة السورية، أو وضع دستور سوري جديد محلَّ توافق بين النظام والمعارضة.

ويمثل إعادة انتخاب الرئيس التركي أيضا سببًا للقلق الشديد لدى الأكراد، الذين يخشون أن ينفذ تهديداته بالهجوم البري على مواقعهم في شمال سوريا. أما بالنسبة للمعارضين السوريين، من ناحية أخرى، تثير إعادة انتخاب السيد أردوغان – بشكل نسبي – الارتياح. بينما تدهورت وضعية اللاجئين السوريين في تركيا منذ أن استعادت أنقرة الاتصال مع دمشق، كان السيد كيليتشدار أوغلو يعد، إذا تم انتخابه، بإعادتهم بالقوة وبشكل جماعي إلى سوريا.

 

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on تونس – الاتحاد المغاربي : عشرات المثقفين المغاربيين يحيون الذكرى 65 لمؤتمر طنجة

تونس – الاتحاد المغاربي : عشرات المثقفين المغاربيين يحيون الذكرى 65 لمؤتمر طنجة

· الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية لتعطيل قرارات الاتحاد المغاربي باهضه جدا

65 عاما كاملة مرت على اجتماع ثلة من كبار زعماء الحركة الوطنية التونسية والجزائرية والمغربية في مدينة طنجة المغربية ما بين 27 و 30 أفريل 1958 وإعلانهم الشهير بإطلاق مشروع الوحدة المغاربية والتنسيق بين قيادات المنطقة وشعوبها .

بهذه المناسبة انتظم ملتقى حواري علمي ثقافي سياسي افتراضي شارك فيه عشرات المثقفين والخبراء والجامعيين والسياسيين المستقلين من الجزائر وليبيا وموريتانيا وتونس والمغرب .كما حضر جلسته الافتتاحية الأمين العام للاتحاد المغاربي وزير خارجية تونس سابقا الطيب البكوش وشخصيات علمية اعتبارية من كل دول المنطقة ومن بين ممثلي الجالية المغاربية في المهجر.

وقد نوهت كل الكلمات بالجهود المتعاقبة منذ عشرات السنين لدعم ” العمل المشترك ” ، بعد أن أكدت كل الدراسات والتقارير العلمية أن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأمنية والسياسية لعدم انجاز قرارات التكامل المغاربي باهضة جدا ، بينها حرمان كل دولة من الدول الخمسة فرصة تحسين نسبة نموها السنوية بما لايقل عن نقطتين .

كان الملتقى تحت شعار:” 65 عاما عن مؤتمر طنجة : أي مستقبل للحلم المغاربي ؟”، وقد دعت له وساهمت في تأثيثه 4 منظمات مغاربية غير حكومية هي مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية في الرباط ،الذي يرأسه الأكاديمي ووزير التعليم العالي السابق في المغرب عبد الله ساعف ، ومؤسسة ابن رشد للدراسات الاستراتيجية العربية والإفريقية بتونس التي يرأسها الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس ، والتكتل الجمعوي بطنجة الكبرى الذي يرأسه الكاتب والإعلامي المغربي أحمد الطلحي، والمؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام التي يرأسها الإعلامي والجامعي المغاربي – الألماني منصف السليمي.

خبراء من الدول الخمسة

ومن أبرز الذين شاركوا في الملتقى شخصيات اعتبارية جزائرية على غرار الإعلامي الجزائري عثمان اللحياني والمفكر والأستاذ في جامعة الجزائر المركزية أمين الزاوي مركز الدراسات حول الشرق الأوسط والأدنى في جامعة فليبس في ماربورغ/ألمانيا والأستاذ رشيد اوعيسى ونخبة من الأكاديميين الجزاتئريين بينهم الاساتذة فوزي بن الدريدي ومصطفى الراجعي ومحمد هناد .

ومن موريتانيا شارك بالخصوص رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية في نواكشوط الأستاذ ديدي ولد السالك ورئيسة المبادرة الموريتانية الوطنية للفاعلين الشباب والنساء في صنع القرار والتنمية الأستاذة أمينتو بلال .

ومن تونس كان بين المشاركين بالخصوص الديبلوماسي السابق والباحث الشاب البشير الجويني والخبير الاقتصادي الدولي رضا الشكندالي و ممثل منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الجليل البدوي و الأكاديمي والإعلامي كمال بن يونس والخبير في علوم تكنولنوجيا الاتصال علي غريب.

ومن المغرب شاركت نخبة من المثقفات والمثقفين بينهم رئيسة المنتدى الديمقراطي المغربي السيدة كريمة غراض والأساتذة محمد حركات ومحمد حيتوم وادريس بن سعيد وعلال القندوسي واحمد الطلحي وبعد الله ساعف .

ومن ليبيا ساهم في تأثيث الحدث الأساتذة سلمى المنفي وآمال العبيدي ومصطفى الساقزلي ..

توصيات إلى صناع القرار

هذا الملتقى الحواري الافتراضي الذي أداره عن بعد الإعلامي التونسي الألماني منصف السليمي ، نوه باللقاء التاريخي الذي جمع قبل 65 عاما في طنجة قيادات الحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية وحزب الاستقلال المغربي وممثلي المجتمع المدني المغاربي الذين أمنوا مبكرا بوحدة مصير شعوب المنطقة ودولها .
وأوصى المشاركون صناع القرار الرسمي والشعبي والمؤسسات العلمية والثقافية والإعلامية في المنطقة المغاربية بالمضي في خطوات عملية ل” تفعيل المشروع المغاربي خدمة لمصالح المواطنين ورجال الأعمال ودول المنطقة، والاستفادة من فرص ترفيع نسب النمو في البلدان الخمسة وتكريس شعارات تحرير تنقل المسافرين ورؤوس الأموال والسلع وبناء اقتصاديات ومؤسسات مندمجة”.
وأوصى المشاركون الإعلاميين والمثقفين والسياسيين بالخصوص ب ” تجاوز الخلافات القديمة والجديدة ” و” معالجة قضايا الخلاف سياسيا ” والتركيز على “قضايا الأجيال القادمة ” و”استشراف المستقبل والانطلاق من رمزية ذكرى مؤتمر الهيئات الشعبية والأحزاب الوطنية المنعقد في 1958 بطنجة للبناء والتحرر من مخلفات نزاعات الماضي .

رؤية استراتيجية

وتوجهت المداخلات العلمية والورقات وحصص النقاش العام بنداء إلى صناع القرار في المنطقة من أجل إطلاق حوار معمق بين كل الجهات الفاعلة على الصعيدين الرسمية والشعبي من أجل بلورة “رؤية استراتيجية جديدة” تساهم في تحقيق أحلام الزعماء الوطنيين ورواد الدولة الحديثة في إنجاز “المغرب الكبير” الذين وحدت بينهم منذ مرحلة الكفاح ضد الاستعمار مكاتب المغرب العربي في القاهرة ودمشق وبرلين وغيرها ، بهدف التنسيق بين حركات التحرر الوطني والأحزاب المؤمنة بالاستقلال والمصير المشترك في كامل شمال افريقيا.

وأوصى المشاركون بأن تأخذ “الرؤية الجديدة” بعين الاعتبار الدراسات الاسترايتجية العميقة التي سلطت الأضواء على التحديات المتزايدة على المستويين الإقليمي والدولي، أساسا في مجالات التنمية الشاملة وتغيرات المناخ وتطور عالم المعرفة والتقنيات و الرقمنة .
ودعوا الى إعادة الاعتبار للفكرالاستراتيجي عند تفعيل جهود البناء المغاربي المشترك ، والتحرر من الاعتبارات الظرفية وردود الفعل العابرة .

دور المجتمع المدني ومجتمع المعرفة

وأكد المشاركون في الندوة على ضرورة تفعيل دور المجتمع المدني والمعرفي في إعادة الحياة إلى حلم الأجيال في انجاز “الفكرة المغاربية”، والتي اعتبروا أنها أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى بسبب المتغيرات الإقليمية والدولية والمستجدات الجيو استراتيجية والسياسية الظرفية .

اشراك النخب

ودعت الندوة إلى إطلاق مسارات للتفكير المشترك عبر إشراك النخب والهيئات نشيطة في حقول المعرفة والثقافة والمجتمع المدني ومجتمع المعرفة ، في دعم مسارات التعاون والاندماج المغاربي، بهدف ترسيخ التراكم و الاستفادة من كل التجارب البناء ة المغاربية السابقة وتطويرها، في مختلف القطاعات، مع الاستفادة من مئات القرارات والمعاهدات المشتركة التي سبق أن توصل إليها المسؤولون المغاربيون منذ لقاء القمة التشاوري في زيرالدة بالجزائر في 1988 وقمة مراكش التأسيسية للاتحاد في فيفري 1989 ثم القمم المغاربية والمؤتمرات الوزارية والفنية المغاربية المتعاقبة بتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب .

آلية متابعة دائمة

كما أوصت هذه الندوة الافتراضية بإطلاق مشاورات على نطاق هيئات ونخب من المجتمع المدني ومجتمع المعرفة من البلدان المغاربية الخمسة وفي أوساط الجاليات المغاربية المهاجرة، لتشكيل آلية متابعة دائمة للتواصل والتنسيق والتحرك المشترك من أجل تحقيق أهداف هذه المبادرة النابعة من القيم التي جمعت الزعماء الوطنيين في مؤتمر المغرب العربي الكبير بطنجة قبل 65 عاما ثم في كل مؤسسات العمل المغاربي المشترك في كل القطاعات على الصعيدين الرسمي والشعبي .

أمل هل يتحقق ؟

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on “بروفة انتخابية”.. ما تأثير مهرجانات أردوغان والمعارضة على النتائج؟

“بروفة انتخابية”.. ما تأثير مهرجانات أردوغان والمعارضة على النتائج؟

عقد التحالفان الرئيسيان في تركيا، تجمعهما الكبيران في ولاية إسطنبول، وسط تباين في أعداد المشاركين فيهما، ما يثير التساؤلات حول أهميتهما في الولاية التي تعد الأكبر تعدادا للسكان.

والسبت، نظم “تحالف الأمة” تجمعه الكبير في ساحة مالتيبه في إسطنبول، لكن الصور ومقاطع الفيديو كشفت مشاركة ضعيفة، مقارنة بالمهرجان الانتخابي الذي نظمه “تحالف الجمهور” في مطار أتاتورك الأحد.

ولم يكشف المنظمون في “تحالف الأمة” عدد المشاركين في المهرجان الانتخابي، إلا أن تقديرات تشير إلى أن تقديرات صحفية تتحدث عن ما بين 450 ألفا و650 ألف مواطن شاركوا في تجمع المعارضة.

فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن عدد المشاركين في التجمع الانتخابي الذي عقده في مطار أتاتورك هو نحو 1 مليون و700 ألف، وهو الرقم الأكبر في تاريخ التجمعات في تركيا.

وتبرز أهمية إسطنبول في التجمعات الانتخابية كونها، الولاية الأكبر التي فيها أكبر عدد من الناخبين في تركيا، حيث يشارك 11 مليونا و350 ألفا و971 ناخبا في الانتخابات الحاسمة التي تجرى الأحد المقبل في تركيا. ولهذا السبب فإن الفعاليات الانتخابية في الولاية وعدد الأشخاص المشاركين فيها، تعد من أكثر الموضوعات نقاشا بالبلاد.

وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، مقارنة بين تجمعي المعارضة في 2018 و2023، مشيرين إلى أن “تحالف الأمة” سجل فشلا في حشد المواطنين في الولاية الأكثر أهمية بالانتخابات التركية.

ولم يسجل “تحالف الجمهور” حضورا فقط في إسطنبول، فقد شهدت ولايتا أنقرة وإزمير تجمعا كبيرا، فيما رأى مراقبون أن التجمع الذي عقده حزب العدالة والتنمية في إزمير التي تعد معقل حزب الشعب الجمهوري، هو الأكبر في تاريخ الفعاليات الانتخابية للحزب الحاكم.

اقرأ أيضا: 1.7 مليون شخص يشاركون في أكبر مهرجان انتخابي لأردوغان (شاهد)

وتعمدت صحيفة “صباح” التركية، عقد لقاءات قصيرة مع مشاركين من “جيل Z”، ومواطنين غير محسوبين على الطبقة المحافظة في ولاية إسطنبول، لتظهر التنوع الذي أبرزه “تحالف الجمهور” في تجمعه الانتخابي.

 

وأعرب المواطنون عن استيائهم من حزب الشعب الجمهوري الذي “لم يعد يمثل حزب أتاتورك، وأصبح أداة لمنظمة العمال الكردستاني”.

تجمعات محرم إنجه عام 2018 أكبر من تجمعات المعارضة في 2023

الكاتب التركي عبد القادر سيلفي، في مقال على صحيفة “حرييت“، ذكر أن التجمعات الانتخابية للمرشح الرئاسي محرم إنجه التي عقدها حزب الشعب الجمهوري عام 2018، في إزمير وإسطنبول، كانت أكبر من تجمع “تحالف الأمة” المعارض في الولايتين نفسهما في انتخابات 2023، والتي لم تلق بأجواء المعارضة القائمة على “نحن قادمون”.

وفي ملاحظته بشأن تجمع المعارضة في إزمير وإسطنبول، لفت الكاتب إلى أن كليتشدار أوغلو الذي كان من المفترض أن تنظيم التجمع الانتخابي من أجله، كان الأقل تحدثا على المنصة مقارنة مع الآخرين، ففي تجمع إزمير تحدث زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو نحو 27 دقيقة، أما المرشح الرئاسي كليتشدار أوغلو فتحدث 18 دقيقة فقط. والأمر ذاته في تجمع مالتيبه بإسطنبول حيث تحدث 13 دقيقة فقط، مقارنة برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي تحدث 28 دقيقة.

ولفت إلى أن الترحيب بزعماء الأحزاب المحافظة داود أوغلو وتمل كارامولا أوغلو وعلي باباجان، الذين صعدوا إلى المنصة مع زوجاتهم المحجبات، كان على مضض في إزمير وإسطنبول.

اقرأ أيضا: حشد للمعارضة التركية في إسطنبول.. وآخر لأردوغان في قيصري (شاهد)

تجمع العدالة والتنمية بمطار أتاتورك.. رسائل ودلالات

أما تجمع أردوغان في إسطنبول فقد كان في المكان المناسب، في مطار أتاتورك الذي هبط فيه الرئيس التركي بالطائرة خلال محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016 في تحد للقائمين على الانقلاب، كما يذكر الكاتب سيلفي، الذي أشار إلى أن مكان عقد التجمع رسالة بحد ذاتها من أردوغان أنه “في الوقت الذي أراد فيه الانقلابيون القضاء علي وعائلتي في تلك الليلة، كان كليتشدار أوغلو يفر هاربا بين الدبابات.. لكن شعبنا كان معنا”.

وأوضح الكاتب أن اختيار حزب العدالة والتنمية مطار أتاتورك لتجمعه متوافق تماما مع روح هذه الانتخابات،

كان اختيار مطار أتاتورك لحشد حزب العدالة والتنمية متوافقا تماما مع روح هذه الانتخابات، أعطى خلاله أردوغان رسائل أيضا لم تقتصر على “15 تموز/ يوليو” بل أيضا على مكانة المكان، في الوقت الذي توعد فيه كليتشدار أوغلو بمنحه لشركة أمريكية، في الوقت الذي عقد فيه مهرجان تكنوفيست للطيران والتكنولوجيا بمشاركة ملايين الشبان.

أكبر تجمع على الإطلاق
الكاتب سيلفي، أشار إلى أن تجمع مطار أتاتورك، هو الأكبر على الإطلاق، فقد حطم خلاله أردوغان رقما قياسيا، وكان اختيار مطار أتاتورك الأكبر مساحة من مناطق التجمعات في “يني كبي”، و”مالتيبه”، بمثابة تحد كبير.

وأشار إلى أن تجمع مطار أتاتورك، كان أكبر بأضعاف من تجمع الطاولة السداسية، وارتفعت خلاله معنويات أردوغان بشكل كبير عندما رأى حجم المشاركة في التجمع.

وتساءل الكاتب: “هل تنعكس حشود حزب الشعب الجمهوري في مالتيبه، والعدالة والتنمية في مطار أتاتورك، على نتائج انتخابات 14 أيار/ مايو؟”، مشيرا إلى أن إسطنبول سجلت رقما قياسيا، لكن تجمعات حزب العدالة والتنمية في المقاطعات الأخرى كانت أيضا حيوية للغاية.

ورأى سيلفي، أن التجمعات لا تحدد النتيجة، لكنها تعطي انطباعا عن ما سيخرج من صندوق الاقتراع في 14 أيار/ مايو.

اقرأ أيضا: عبور المئوية.. إليك كل ما تريد معرفته عن الانتخابات التركية 2023

“بروفة ليوم الانتخابات”.. ما تأثير التجمعات على صناديق الاقتراع؟

الكاتب التركي تونجا بينغين، في مقال على صحيفة “ملييت“، ذكر أن هناك جدلا بين الأحزاب حول الصور التي تنعكس على الشاشات من خلال البث المباشر، ومقارنات بشأن أي الحشود التي ملأت الساحات، ويجري الحديث عن “لغة التجمعات” من حيث العدد والإثارة والحماسة. كما أنه تم التنبؤ بنتائج صناديق الاقتراع بمقارنات بأثر رجعي.

وأشار الكاتب إلى أن بعض باحثي شركات الاستطلاع يرون أن التجمات لها تأثير ضئيل على صناديق الاقتراع، ذلك أن معظم الناخبين اتخذوا قرارهم بالفعل، وعلى عكس ذلك فإن هناك من يرى أن “الرسائل والصور التي يتم تقديمها في إسطنبول لها تأثير كبير على الناخب لا سيما في هذه الانتخابات”.

وأوضح أن أنصار الأحزاب والمرشحين يتجمعون في مناطق التجمعات، ولكن وفقا لمتخصصي السياسة، فإن أداء القائد خلال هذه التجمعات له تأثير كبير على “الناخب المتردد”.

ورغم أن غالبية المشاركين يذهبون إلى التجمعات بقرار مسبق بشأن المرشح والحزب الذي سيصوتون له، إلا أن الأجواء فيها تسهم أيضا في اكتساب الناخبين المترددين وأولئك الذين ابتعدوا عن أحزاب أخرى.

وتابع الكاتب بأن عناصر مثل عدد المشاركين وكمية الإثارة والحماسة لدى الحشود في منطقة التجمع تحمل أيضا رسالة من وجهة نظر سياسية، وهناك أغلبية صامتة لا تأتي إلى التجمعات، ولا يمكنها الحضور، وهي أيضا تتأثر بها.

وأكد أن تأثير الحشد المتحمس والمكثف في الساحات، له تأثير كبير على صناديق الاقتراع، لذلك فإن التجمعات يمكن أن نصفها بأنها “حرب تصور”.

وأوضح أنه بتصاعد التصور أن أحد الأطراف سيفوز أو سيخسر من خلال التجمعات، فقد تتغير تفضيلات التصويت لدى الكثير من الناس، وفي هذه الانتخابات تحديدا فإن تأثيرها سيكون كبيرا حتى آخر لحظة في صناديق الاقتراع.

ونوه إلى أن التجمعات أيضا تحتوي على رسائل موجهة من الأحزاب ضد بعضها البعض، تحمل التحفيز لدى الناخب، وأولئك الذين يقولون إنهم يستطيعون اصطحاب ناخبيهم إلى الساحات، يمكنهم أيضا اصطحابهم إلى صناديق الاقتراع، فالتجمعات تعد أيضا “بروفة ليوم الانتخابات”، كما أن هناك عددا من الناخبين قد تسهم هذه التجمعات في تغيير رأيهم.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on اجتماع موسكو والتطبيع الصعب بين دمشق و أنقرة .. بقلم توفيق المديني

اجتماع موسكو والتطبيع الصعب بين دمشق و أنقرة .. بقلم توفيق المديني

 

عُقِدَ الاجتماع الرباعي يوم الثلاثاء 25نيسان/أبريل 2023، في موسكو بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران وسوريا، وناقش الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا ،وعودة العلاقات بين البلدين، إِذْ إِنَّ هذا المسار التفاوضي بدأ منذ أواخر العام 2022، لكنَّهُ لم يحرزْ تقدمًا ملموسًا بسبب المواقف المتباينة من  العديد من الملفات العسكرية والأمنية الشائكة. ويبدو الرئيس بوتين سعيدًا للغاية بالاجتماع الرباعي في موسكو ، بجمع الجانب التركي والجانب السوري على طاولة واحدة، لأنَّ هذا يعزِّزُ من الحضور القوي للدبلوماسية الروسية في منطقة الشرق الأوسط.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إنَّ الوزير الروسي سيرغي شويغو بحث مع نظرائه الإيراني والتركي والسوري في موسكو قضايا تعزيز الأمن في سوريا.وأضافت الوزارة أن وزراء دفاع وقادة الأجهزة الأمنية لسوريا وروسيا وتركيا وإيران ركزوا في مباحثاتهم على محاربة كل المجموعات المتطرفة في سوريا وأكدوا حرصهم على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كما تطرقت المحادثات لضمان الأمن الإقليمي.

وأوضح بيان لوزارة الدفاع التركية تعليقًا على أن الاجتماع تناول أيضا سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم وسبل مكافحة كافة التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة على الأراضي السورية.

ووفق البيان، فقد جرى الاجتماع “في أجواء إيجابية”، وشدد على احترام وحدة الأراضي السورية، كما شدد المجتمعون على أهمية استمرار الاجتماعات الرباعية من أجل توفير الاستقرار في سوريا والمنطقة واستمراره.

الموقف التركي من المباحثات

في تعليقه على الاجتماع الرباعي لوزراء دفاع ورؤساء استخبارات كل من تركيا وروسيا وإيران وسوريا، الذي استضافته موسكو يوم الثلاثاء الماضي  ، قال وزير الدفاع التركي  خلوصي أكار :”إنَّ بلاده تبذل الجهود للتخلص من “ابتلاء الإرهاب”، وتوفير أمن الشعب التركي وحدوده، وبالتالي تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بأقرب وقت ممكن.

وأوضح أنَّ تركيا جدَّدَتْ خلال اللقاء الرباعي احترامها لوحدة وسيادة الأراضي السورية، وأكَّدَتْ أنَّ الغاية الوحيدة لتواجد قواتها هناك هي مكافحة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “واي بي جي/ واي بي دي/ بي كي كي” و”داعش”.

وشدَّد الوزير التركي على أنَّ بلاده “ستواصل دون انقطاع مساعيها لتحييد الإرهاب”، معتبرًا أنَّ هذا الأمرَ ليس لمصلحة أنقرة فقط، “بل خطوة هامة لوحدة الأراضي السورية أيضا”، حسب “الأناضول”.

وقال أكار إنَّ أنقرة تهدف أيضًا لوقف موجة اللجوء من سوريا إلى تركيا، وذلك عبر تهيئة الظروف المناسبة في الأراضي السورية، ومن ثم تأمين العودة الطوعية للاجئين السوريين في تركيا، إلى بلدهم.

قبل اندلاع أحداث ما يسمى “الربيع العربي”عام 2011، كانت تركيا حليفًا اقتصاديًا وسياسيًا أساسيًا لسوريا،إِذْ جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة صداقة بالرئيس السوري بشار الأسد، إلا أنّ علاقتهما انقلبتْ رأسًاعلى عقبٍ مع بدء الاحتجاجات في سوريا،ودعم تركيا للتنظيمات الجهادية والإرهابية بهف إسقاط الدولة السورية وتقسيمها على أساس طائفي ومذهبي وعرقي،وفق المخطط الأمريكي-الصهيوني -التركي آنذاك.

موضوع اللاجئين السوريين كدافع للتطبيع التركي مع سوريا

بالنسبة لتركيا، هناك دوافع حقيقية تدفع الرئيس أردوغان إلى البحث عن سبل التطبيع مع سوريا،و فما يَهُمُّ أنقرة في الوقت الحاضرموضوع اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية، ويقدر عددهم بنحو 3.6مليون سوري،وموضوع حزب العمال الكردستاني بوصفه منظمة إرهابية  ويهدد الأمن القومي التركي حسب وجهة النظر التركية ، إضافة إلى اقتراب موعد الانتخابات التركية التي يمثل فيها اللاجئون السوريون ورقة تتلاعب بها المعارضة التركية.

يؤكد الخبراء والمحللون الأتراك أنَّ قضية اللاجئين السوريين تفرض نفسها بقوةٍ على الشعب والاقتصاد التركيين، وتأتي على رأس القضايا المؤثرة على نتيجة الانتخابات التركية.وفي هذا السياق،ماانفكت المعارضة التركية تستغل قضية اللاجئين السوريين لتحريض الشعب التركي ضد السوريين بطريقةٍ فَجَّةٍ، وعنصريةٍ أحيانًا،وتقدم نفسها على أنَّها تمتلك خريطة طريق لحلِّها  عبر علاقتها مع الرئيس بشار الأسد ،وإعادة اللاجئين إلى بلادهم، حسب زعمها.

وتتعاظم المخاوف بين أوساط اللاجئين السوريين مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، المقررة في 14 أيار/ مايو المقبل جراء زيادة الخطاب “التحريضي” ضدهم من قبل أحزاب المعارضة التركية،إِذْ تعمد بعض شخصيات المعارضة تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمات المعيشية التي يعاني منها الأتراك، مثل التضخم وارتفاع إيجارات المنازل، وتتوعد بترحيلهم.

وتحرص بعض أحزاب المعارضة على استخدام ملف اللاجئين في الحسابات الانتخابية لكسب وِدِّ الناخب التركي، وهو عادة ما يكون مصحوباً بالكثير من خطاب الكراهية و العنصرية على منصات التواصل الاجتماعي،وآخرهم مرشح المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو، الذي هدَّد بإرسال اللاجئين إلى بلادهم في غضون سنتين، في حال فاز بالانتخابات، وتساءل: “ماذا يفعل 3 ملايين سوري في بلادنا، وأبناؤنا لا يجدون وظائف”؟.

وقبل كليتشدار أوغلو، توعدت زعيمة حزب “الجيد” المعارض ميرال أكشنار بترحيل اللاجئين السوريين حال وصولهم للسلطة، مؤكدة أن “السوريين سيتم ترحيلهم لا محالة”.

وتحتدم المنافسة في الانتخابات الرئاسية التركية التي سَتُجْرَى يوم 14آيار/مايو المقبل ، بين الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة في تركيا جرَّاء التضخّم (60 بالمئة) وتراجع قيمة الليرة التركية  أمام الدولار،و ارتفاع عجز الموازنة العام للبلاد إلى مستويات 170.56 مليار ليرة تركية خلال شهر فبراير الماضي 2023، وتداعيات كارثة الزلزال (انتقادات طالته بالتقصير)،وبين نظيره زعيم أكبر أحزاب المُعارضة (الشعب الجمهوري) ومُرشّح طاولة التحالف السداسي، كمال كليتشدار أوغلو المُنافس الأقوى الذي يطمح بالإطاحة بأردوغان ، والذي يعوِّلُ على دعم الإدارة الأمريكية له.

ماهو موقف الإدارة الأمريكية من التطبيع بين تركيا و سوريا؟

من الواضح أنَ الإدارة الأمريكية الحالية ضاقت ضِرْعًا بالرئيس أردوغان،بسبب توتر العلاقات التركية-الأمريكية في عهده،ويتوقّف الخبراء في الشؤون التركية عند مدى جديّة إدارة الرئيس الأمريكي جوبايدن في التدخّل في الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة القادمة، حيث للأخير مُقابلة أجراها مع صحيفة “نيويورك تايمز” حين كان مُرشّحًا ديمقراطيًّا للرئاسة، إِذْ وصف حينها أردوغان بالمُستبد، مُؤكّدًا أنَّ على واشنطن أن تُحمّس قادة المُعارضة التركيّة حتى يستطيعوا مُواجهة أردوغان وهزيمته، ليس عبر انقلاب، بل عبر العمليّة الانتخابيّة.

رغم أنَّ الرئيس التركي يُعَدُّ من الحُلفاء التقليديين للأمريكيين، فإنَه سجل عدة تباينات في مواقفه من السياسة الأمريكية في السنوات الأخيرة،فأردوغان أصبحت تربطه  علاقات استراتيجية مع الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين ،الذي بات يفضل فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما سجّل أردوغان موقفاً لافتاً من الدعم الأمريكي المُفترض لزعيم المُعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية القادمة .

وانتقد أردوغان ا السفير الأمريكي لدى أنقرة جيف فليك، حيث قام السفير بزيارة لزعيم المُعارضة التركيّة كمال كليتشدار أوغلو المُنافس الأقوى الذي يطمح بالإطاحة بأردوغان، ما أوحى بأن ثمّة إرادة أمريكيّة، غربيّة تنوي مُساعدة المُعارضة التركيّة، والتخلّص من أردوغان، والظهور بمظهر المُتآمر عليه (أردوغان) يخدم أدبيّات الحزب الحاكم(العدالة و التنمية)، الذي يُظهر نفسه في مظهر الراغب باستقلال القرار السيادي التركي عن الأمريكيين، ويرى أنصار أردوغان أنه بالفعل كذلك، وتبنّى سياسات مُناوشة للأمريكيين بعض الأحيان.

لاتريد إالإدارة الأمريكية الحالية تحقيق أي تقدم في عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، لأنَّ هذا يتعارض مع الخطط المستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بشمال شرق سوريا، حيث أنه، وعلى الرغم من رد الفعل الحاد من تركيا حليفة (الناتو) من تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تعاونها مع حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا على الأرض،ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية”قسد” في شمال شرق سوريا، فإنَّ واشنطن تنظر إلى تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا على أنَّه العامل الأقوى الذي سيعطل الخطط الأمريكية.

رؤية سوريا لعودة العلاقات مع تركيا

تعتبر سوريا أنَّ التواجد العسكري التركي في الشمال السوري، الذي يمتد من غرب نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي، إلى منطقة جرابلس على ضفاف الفرات الغربية، وشرقي البلاد، وشرق نهر الفرات( تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي)،حيث أقامت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية العديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، لعل أبرزها قاعدة “الشيخ عقيل” في ريف الباب شمال حلب، وقاعدة “مطار تفتناز” و”المسطومة” في ريف إدلب،تعتبر سوريا هذا التواجد العسكري احتلالاً لأراضيها، بينما تؤكد أنقرة أنه لدرء المخاوف على الأمن القومي .

وفيما  تُصِّرُ دمشق على أن تطبيع العلاقات مع أنقرة شرطه هو الانسحاب التركي الكامل من الشمال السوري، والقضاء على التنظيمات الإرهابية في إدلب، في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر مع فصائل معارضة أخرى على نحو نصف مساحة محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها، تريد تركيا تفاهمًا أمنيًا وعسكريًا وآلية مشتركة مع الدولة السورية ، لا سيما أنَّ مصالحهما تتلاقى على القوى المدعومة من قبل واشنطن، وهي “قوات سورية الديمقراطية”، و”وحدات الحماية الكردية””،المرتبطين عضويًا و إيديولوجيًا وعسكريًا بحزب العمال الكردستاني(PKK) المصنف من قبل تركيا منظمة إرهابية، ويسعى إلى إنشاء دولة كردية ذات طابع قومي في كل جنوب تركيا، وتشمل أيضًا شمال سورية و العراق و إيران.

فالأتراك يرون أن عودة قوات الحكومة السورية إلى شمال شرقي سورية تحول دون قيام كيان كردي انفصالي  على حدودهم الجنوبية، يعتبرونه مساً مباشراً لأمنهم القومي. ويبدو أنَّ تركيا غير متمسكة في البقاء طويلاً في الشمال السوري، ولكنَّها  تشكِّكُ في قدرة الجيش السوري من حماية الحدود السورية التركية الممتدة على طول نحو 1000 كيلومتر.

وتهدف تركيا من خلال التطبيع مع سوريا توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والذين تحولوا إلى ورقة سياسية ضاغطة بيد المعارضة التركية على حكومة حزب العدالة والتنمية الساعي إلى الاستمرار في السلطة عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر المقبل.

خاتمة:

تمارس روسيا ضغوطات على سوريا من أجل تحقيق التطبيع مع تركيا، لما فيه من مصلحة لأردوغان، الذي رغم أنَّ حكومته أثبتت أنَّها منافس شرس لموسكو في ليبيا وسوريا، والقوقاز، فإنَّها في الوقت عينه شريك ومفاوض موثوق في الحرب والاقتصاد.وازدادت أهمية تركيا بالنسبة لموسكو في  ظل الحرب  الروسية -الأوكرانية ، بوصفها قناة الوساطة الوحيدة بينها وبين أوكرانيا، وحتى الغرب، وسيطرتها على مداخل البحر الأسود، إضافة لموقفها المتوازن الذي لم ينضم للعقوبات الغربية على موسكو، رغم إدانتها الصارمة للغزو الروسي وتقديمها بعض الدعم العسكري لكييف.

في ضوء توجه الرئيس التركي أردوغان للمصالحات الإقليمية وتصفير المشاكل مع دول الجوار منذ صيف 2020، حيث نجح بصورة كلية أو جزئية في استعادة العلاقات الطبيعية مع كل من الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، وأرمينيا، ومصر، لا يستبعد المراقبون من عقد لقاء قمة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان و السوري بشار الأسد،للإتفاق حول تسوية تاريخية تتعلق بالانسحاب التركي من شمال سورية وتسليم المنطقة تدريجياً للحكومة السورية وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم،وتحديث اتفاق أضنة المبرم بين البلدين في عام 1998.

ولكنَّ التطبيع بين تركيا وسوريا ،هو بالتأكيد متغيرٌ أكبر وأكثر تعقيداً بكثير من أي من المصالحات الأخرى الآنفة الذكر ، بسبب تعدد الأطراف الإقليمية و الدولية المنخرطة في الأزمة السورية والدور الذي لعبته تركيا في هذه الأزمة، طوال العقد الماضي. لذلك فإذا أحرز مسار التطبيع التركي-السوري تقدماً فعليّاً خلال الشهور القليلة المقبلة، فستكون هذه خطوة البداية نحو انفراج الأزمة السورية ونهاية النزاع الأهلي، والعداء الأيدولوجي بين الرئيس الأسد والرئيس أردوغان.

 

البارزة, وجهات نظر 0 comments on يسألون‭ ‬عن‭ ‬البديل: البديل …هو التحرّر من الهيمنة الخارجية ومن وكلائها في الداخل وتكريس حق الشعب في تقرير مصيره‭ ‬ / بقلم جمال الدين العويديدي – جنات بن عبد الله – احمد بن مصطفى

يسألون‭ ‬عن‭ ‬البديل: البديل …هو التحرّر من الهيمنة الخارجية ومن وكلائها في الداخل وتكريس حق الشعب في تقرير مصيره‭ ‬ / بقلم جمال الدين العويديدي – جنات بن عبد الله – احمد بن مصطفى

رغم‭ ‬تسارع‭ ‬المُتغيّرات‭ ‬الجيوستراتيجية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬تحولات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بحكم‭ ‬تراجع‭ ‬هيمنة‭ ‬القطب‭ ‬الأحادي‭ ‬الأمريكي‭-‬الأوروبي‭ ‬بصورة‭ ‬فعلية،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬يصرّ‭ ‬بمساندة‭ ‬وكلائه‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬على‭ ‬اختزال‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬حول‭ ‬موافقة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬لصرف‭ ‬مبلغ‭ ‬زهيد‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬ولا‭ ‬وزن‭ ‬له‭ ‬مقابل‭ ‬تنازلات‭ ‬تستهدف‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬وثرواتنا‭ ‬العمومية‭ ‬وبدعوى‭ ‬جوفاء‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬موافقة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬سوف‭ ‬تفتح‭ ‬المجال‭ ‬لتدفق‭ ‬أموال‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬مُتعددة‭ ‬لم‭ ‬يتبين‭ ‬مصدرها‭ ‬بطريقة‭ ‬رسمية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التراجع‭ ‬الواضح‭ ‬لدور‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭. ‬

هذا‭ ‬التصرف‭ ‬الابتزازي‭ ‬إن‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬فهو‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬هروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬القطب‭ ‬الأمريكي‭-‬الأوروبي‭ ‬لإحكام‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬تونس‭ ‬بصفتها‭ ‬منطقة‭ ‬استراتيجية‭ ‬مُطلّة‭ ‬على‭ ‬الحوضين‭ ‬الغربي‭ ‬والشرقي‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬ومجاورة‭ ‬غربيا‭ ‬للشقيقة‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬انحيازها‭ ‬لبلدان‭ ‬مجموعة‭ ‬‮”‬البريكس‮”‬‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يشتد‭ ‬فيه‭ ‬الصراع‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬القوى‭ ‬الصاعدة‭ ‬لتكريس‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭. ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬يبدو‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬السعودي‭-‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬توقيعه‭ ‬في‭ ‬بكين‭ ‬برعاية‭ ‬الصين‭ ‬بصفتها‭ ‬رمز‭ ‬القوى‭ ‬الصاعدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يعتبر‭ ‬تحد‭ ‬واضح‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الامريكية‭ ‬يتأكد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القرار‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬بتخفيض‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬أوبك‭+ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بتوافق‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭. ‬هذه‭ ‬الانتكاسة‭ ‬الجديدة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬جعلت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تكلف‭ ‬‮«‬وليام‭ ‬برنس‮»‬‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬جهاز‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭ ‬للقيام‭ ‬بزيارة‭ ‬خاصة‭ ‬للمملكة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬لومها‭ ‬لحليفها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السابق‭ ‬غير‭ ‬انها‭ ‬تبدو‭ ‬خطوة‭ ‬لحفظ‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭.‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬اضفنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬للنفوذ‭ ‬الفرنسي‭-‬الأوروبي‭ ‬تجلى‭ ‬عبر‭ ‬فرض‭ ‬خروج‭ ‬القوات‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬مالي‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬ملزمة‭ ‬حددتها‭ ‬السلطات‭ ‬المالية‭ ‬بشهر‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إلغاء‭ ‬الاتفاق‭ ‬الدفاعي‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬‮«‬وبوركينا‭-‬فاسو‮»‬‭ ‬ليُفضي‭ ‬إلى‭ ‬انسحاب‭ ‬القوى‭ ‬الفرنسية‭ ‬كذلك‭. ‬وقد‭ ‬تزامنت‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬مع‭ ‬قرار‭ ‬التشاد‭ ‬الأخير‭ ‬بطرد‭ ‬السفير‭ ‬الألماني‭ ‬وتنامي‭ ‬الحركات‭ ‬الشبابية‭ ‬المنددة‭ ‬باستعمار‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬للبلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬الحديثة‭ ‬العهد‭ ‬بالاستقلال‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬نهب‭ ‬ثرواتها‭ ‬المعدنية‭ ‬والزراعية‭ ‬ودفعت‭ ‬بشعوبها‭ ‬إلى‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬السرية‭. ‬كما‭ ‬سيطرت‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬كل‭ ‬القطاعات‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الافريقية‭ ‬طالت‭ ‬المواني‭ ‬والتجارة‭ ‬بالخصوص‭. ‬وقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬بولوري”‮  ” ‬Bolloré‭ ‬‮”‬‭ ‬الفرنسية‭ ‬بسيطرتها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬العولمة‭ ‬وبرامج‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الكبرى‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬22‭ ‬لزمة‭ ‬تصرف‭ ‬في‭ ‬مواني‭ ‬ومحطات‭ ‬نقل‭ ‬لسكك‭ ‬حديدية‭ ‬إفريقية‭ ‬كبرى‭ ‬طالت‭ ‬ميناء‭ ‬‮”‬دوالا‮”‬‭ ‬في‭ ‬الكاميرون‭ ‬و66‭ ‬ ميناء‭ ‬جاف‭ ‬ومحطتين‭ ‬نهريتين‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬250‭ ‬وكالة‭ ‬نقل‭. ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬مؤخرا‭ ‬مع‭ ‬مطلع‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬قراره‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬سيطر‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬ويتعرض‭ ‬حاليا‭ ‬إلى‭ ‬إحالة‭ ‬مجموعته‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بتصرفه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللزمات‭. ‬

وهي‭ ‬بالمناسبة‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬على‭ ‬لزمة‭ ‬للتصرف‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬رادس‭ ‬بتونس‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬التهجم‭ ‬على‭ ‬خدماته‭ ‬منذ‭ ‬انطلاق‭ ‬الثورة‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬مُمنهجة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬سير‭ ‬عمله‭ ‬ثم‭ ‬اتهام‭ ‬الشركة‭ ‬العمومية‭ ‬التي‭ ‬تسهر‭ ‬على‭ ‬تسييره‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬بعدم‭ ‬الكفاءة‭ ‬سعيا‭ ‬لعرضه‭ ‬لصفقة‭ ‬لزمات‭. ‬وهي‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تمريرها‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يتوكل‭ ‬بفرضها‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭.   ‬‭   ‬

هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تفشي‭ ‬الفساد‭ ‬والتهريب‭ ‬بإسناد‭ ‬سياسي‭ ‬عسكري‭ ‬فرنسي‭ ‬وأوروبي‭ ‬يعتمد‭ ‬تنصيب‭ ‬مسؤولين‭ ‬محليين‭ ‬طيعين‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحهم‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الإطاحة‭ ‬واغتيال‭ ‬كل‭ ‬وطني‭ ‬يعارض‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬‮«‬توماس‭ ‬سانكرا‮»‬‭ ‬وغيره‭ ‬بالعشرات‭. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬عملية‭ ‬انقلاب‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بين‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬وسنة‭ ‬2000‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬متورطة‭ ‬فيها‭ ‬بلدان‭ ‬أوروبية‭ ‬وفي‭ ‬طليعتهم‭ ‬فرنسا‭. ‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬دمر‭ ‬اقتصاد‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬حركات‭ ‬شبابية‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالاستقلال‭ ‬الحقيقي‭ ‬للبلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬وبالقطع‭ ‬مع‭ ‬الغطرسة‭ ‬الفرنسية‭-‬الأوروبية‭ ‬دفعت‭ ‬بالرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬للاعتراف‭ ‬بهذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬وبفشل‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بهذه‭ ‬المغانم‭ ‬نتيجة‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬لعبت‭ ‬فيها‭ ‬القوى‭ ‬الصاعدة‭ ‬دورا‭ ‬هاما‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭.   ‬

مؤشرات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬صادمة‭ ‬تُبيّن‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬استدراج‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المفلس

حول‭ ‬موضوع‭ ‬الاستدراج‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬التذكير‭ ‬بالكتاب‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ستوكهولم‭ ‬بالسويد‭ ‬بتأليف‭ ‬المؤرخين‭ ‬السويديين‭ ‬‮”‬بايو‭ ‬هانسان‮ ‬‭ ‬‮”‬Peo Hansen‮””‬‭ ‬و‮”‬ستيفان‭ ‬جونسن‮ ‬‭ “‬Stefan Jonsson‮””‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮”‬أوروبا‭-‬إفريقيا‭: ‬الأصول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‮”‬‭ ‬‮”‬Eurafrique‭: ‬Aux origine coloniales de l’Union européenne‭ ‬‮”‬‭ ‬والذي‭ ‬تمت‭ ‬ترجمته‭ ‬ونشره‭ ‬بدار‭ ‬‮”‬La découverte”‬‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2022 ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬القيم‭ ‬‮”‬‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسية‭ ‬للتكامل‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستعمرات‭ ‬أوروبا‭ ‬وخاصة‭ ‬منها‭ ‬الأفريقية‮”‬‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬وزنا‭ ‬بين‭ ‬العملاقين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والسوفييتي‭ ‬الذين‭ ‬خرجا‭ ‬منتصرين‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬أشعلتها‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الاستعمارية‭ )‬فرنسا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وألمانيا ). ‬

لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬تم‭ ‬التنصيص‭ ‬في‭ ‬‮”‬معاهدة‭ ‬روما‮” ‬‭ ‬للستة‭ ‬بلدان‭ ‬المؤسسة‭ ‬للمجموعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬المُوّقع‭ ‬عليها‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬‮«‬أنه‭ ‬يحق‭ ‬لبلدان‭ ‬المجموعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬شراكة‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬التابعة‭ ‬لمنطقة‭ ‬الفرنك‭ ‬بالنسبة‭ ‬لفرنسا‭ ‬ومع‭ ‬المملكة‭ ‬الليبية‭ ‬والصومال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإيطاليا‭ ‬‮”والكنغو‮”‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبلجيكا”‬وسورينام‮”‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهولندا‭ ‬‮ ‬‭. ‬وهنا‭ ‬تكتمل‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬أكدها‭ ‬الكتاب‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الوثائق‭ ‬والمداولات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اعتمادها‭.  ‬

تباعا‭ ‬لهذا‭ ‬المخطط‭ ‬تم‭ ‬توقيع‭ ‬أول‭ ‬اتفاق‭ ‬شراكة‭ ‬مع‭ ‬تونس‭ ‬سنة‭ ‬1969‭ ‬والثاني‭ ‬سنة‭ ‬1976‭ ‬والثالث‭ ‬سنة‭ ‬1995‭ ‬وهو‭ ‬اتفاق‭ ‬غير‭ ‬متكافئ‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬النسيج‭ ‬الصناعي‭ ‬التونسي‭ ‬الذي‭ ‬اسسته‭ ‬حكومات‭ ‬الاستقلال‭ ‬بين‭ ‬سنة‭ ‬1960‭ ‬وسنة‭ ‬1990‭ ‬عبر‭ ‬قرار‭ ‬رفع‭ ‬المعاليم‭ ‬الديوانية‭ ‬على‭ ‬المنتوجات‭ ‬الموردة‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.  ‬

تداعيات‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬تداولت‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬وبعدها‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم‭ ‬تقييمها‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬وبكل‭ ‬موضوعية‭ ‬لكشف‭ ‬الحقائق،‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬المؤشرات‭ ‬التالية‭:‬

إفلاس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬مؤسسة‭ ‬صناعية‭ ‬تونسية‭ ‬بطاقة‭ ‬تشغيل‭ ‬40‭ ‬مواطن‭ ‬للواحدة‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬بين‭ ‬سنة‭ ‬1996‭ ‬(بداية‭ ‬تفكيك‭ ‬المعاليم‭ ‬الديوانية) ‬وسنة‭ ‬2010‭ ‬ سنتين‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬التفكيك‭ ‬سنة‭ ‬2008،‭ ‬بشهادة‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للإحصاء‭ ‬سنة‭ ‬2013 ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬الممارسات‭ ‬المخلة‭ ‬بقواعد‭ ‬المنافسة‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬الشركات‭ ‬الأوروبية‭ ‬بتغطية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬بلدان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬التي‭ ‬ضغطت‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬التونسية‭ ‬لكيلا‭ ‬تطبق‭ ‬قوانين‭ ‬الحماية‭ ‬المصادق‭ ‬عليها‭ ‬دوليا‭. ‬

‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستمر‭ ‬وهيكلي‭ ‬لنسبة‭ ‬البطالة‭ ‬نتيجة‭ ‬التصحر‭ ‬الصناعي‭. ‬عدد‭ ‬المعطلين‭ ‬عن‭ ‬الشغل‭ ‬يراوح‭ ‬المليون‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الشهادات‭ ‬الجامعية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬انتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬الهجرة‭ ‬السرية‭ ‬وهجرة‭ ‬الأدمغة‭.‬

ارتفاع‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الموازي‭ ‬الذي‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ %‬25‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬و‭%‬50‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬اختلال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المنظم‭ ‬وانتشار‭ ‬التهرب‭ ‬الجبائي‭ ‬بصفة‭ ‬خطيرة‭.  ‬

اختلال‭ ‬هيكلي‭ ‬للموازنات‭ ‬المالية‭ ‬الخارجية‭ ‬للبلاد‭ ‬نتيجة‭ ‬التوريد‭ ‬المفرط‭ ‬والعشوائي‭: ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ارتفاع‭ ‬إجمالي‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬المعتمد‭ ‬عالميا‭ ‬منذ‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬مبلغ‭ ‬رهيب‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬286‭,‬5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬بين‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬وسنة‭ ‬2022‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬مدة‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مقابل‭ ‬91‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬السابقة‭ ‬بين‭ ‬سنة‭ ‬1999‭ ‬وسنة‭ ‬2010‭ ‬أي‭ ‬بضعف‭ ‬3‭,‬15‭ ‬مرة‭ ‬يتم‭ ‬تغطيتها‭ ‬بالعملة‭ ‬الأجنبية؟

مما‭ ‬نتج‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تنامي‭ ‬المديونية‭ ‬العمومية‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬114‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬يمثل‭ ‬الدين‭ ‬الخارجي‭ ‬منها‭ ‬بين‭ %‬60‭ ‬و‭%‬70‭ ‬منها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المديونية‭ ‬تعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬%100‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬الذي‭ ‬يشكو‭ ‬ركودا‭ ‬كبيرا‭ ‬ومستمر‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬حيث‭ ‬معدل‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬السنوي‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ %‬1‭ ‬فقط‭. ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬خلق‭ ‬للثروة‭ ‬وللقيمة‭ ‬المضافة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬طويل‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬خطير‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬البلاد‭.   ‬

كما‭ ‬تشهد‭ ‬البلاد‭ ‬عملية‭ ‬تستر‭ ‬على‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للبلاد‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالعجز‭ ‬التجاري‭ ‬بتواطئ‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الأوروبي‭ ‬وخاصة‭ ‬منه‭ ‬الطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬سفيره‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬خاصة،‭ ‬حيث‭ ‬يمعن‭ ‬في‭ ‬ادعاء‭ ‬وجود‭ ‬فائض‭ ‬تجاري‭ ‬لصالح‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬مبادلاتها‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬عار‭ ‬عن‭ ‬الصحة‭. ‬وقد‭ ‬قدمنا‭ ‬ردا‭ ‬معززا‭ ‬بحجج‭ ‬دامغة‭ ‬نُشر‭ ‬بأـسبوعية‭ ‬الشارع‭ ‬المغاربي‭ ‬عدد‭ ‬330‭ ‬بتاريخ‭ ‬الثلاثاء‭ ‬11‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022،‭ ‬لنفي‭ ‬هذا‭ ‬الادعاء‭ ‬الباطل‭ ‬الذي‭ ‬يستخف‭ ‬بذكاء‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬الإذاعة‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تبنت‭ ‬ادعائه‭ ‬بطريقة‭ ‬مضرة‭ ‬للأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الوطني‭ ‬وترتقي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بمواطن‭ ‬تونسي‭ ‬ويتطلب‭ ‬فتح‭ ‬تحقيق‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬بالنظر‭ ‬لخطورة‭ ‬ما‭ ‬أقدم‭ ‬عليه‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬بلد‭ ‬أجنبي‭ ‬استعمر‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬طويل‭ ‬ونكل‭ ‬بالشعب‭ ‬التونسي‭.  ‬

لكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬تقديمه‭ ‬البديل‭ ‬المطروح‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬مُوحّد‭ ‬للتحرّر‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الخارجية‭ ‬ومن‭ ‬وكلائها‭ ‬في‭ ‬الداخل

هذا‭ ‬البديل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬وواضحة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬الأغلبية‭ ‬العظمى‭ ‬للشعب‭ ‬التونسي‭ ‬ويلتزم‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬على‭ ‬تكريسها‭ ‬بكل‭ ‬أمانة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬وكل‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬سياسية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬منظمات‭ ‬وطنية‭ ‬أو‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭. ‬هذا‭ ‬البديل‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬سيادية‭ ‬تعتمد‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬جريئة‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭ ‬وتقييم‭ ‬اتفاقات‭ ‬الشراكة‭ ‬وحق‭ ‬تفعيل‭ ‬قوانين‭ ‬حماية‭ ‬المنتوج‭ ‬الوطني‭ ‬وحق‭ ‬ترشيد‭ ‬التوريد‭ ‬وبعث‭ ‬مشاريع‭ ‬كبرى‭ ‬لمقاومة‭ ‬التصحر‭ ‬الصناعي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وتشجيع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭. ‬اين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬والبلاد‭ ‬تبدو‭ ‬معطلة‭ ‬تماما‭.  ‬

‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬وفي‭ ‬علاقة‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬الهجمة‭ ‬الابتزازية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الأمريكي‭-‬الأوروبي‭ ‬لدفع‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬تنازلات‭ ‬مهينة‭ ‬وتفاعلا‭ ‬مع‭ ‬موقف‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬رفضه‭ ‬تقديم‭ ‬التنازلات‭ ‬المطلوبة‭ ‬داعيا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬كبديل‭ ‬على‭ ‬الابتزاز‭ ‬الأمريكي‭-‬الأوروبي‭ ‬غير‭ ‬انه‭ ‬أولا‭ ‬لم‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬عينها‭ ‬والتي‭ ‬تشتغل‭ ‬تحت‭ ‬مسؤوليته‭ ‬مباشرة‭ ‬لتفصح‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭:‬

‭- ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬التنازلات‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬وبجميع‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬فيها‭. ‬

‭- ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬فتح‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬المعنية‭ ‬للنقاش‭ ‬والتقييم‭ ‬الموضوعي‭ ‬والجدي‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الدعم‭ ‬لبيان‭ ‬وجوده‭ ‬من‭ ‬عدمه‭. ‬نذكر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬مسألة‭ ‬دعم‭ ‬المحروقات‭ ‬حيث‭ ‬تتحصل‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬وأداء‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬مرتفعا‭ ‬جدا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نسبة‭ %‬52‭ ‬من‭ ‬سعر‭ ‬اللتر‭ ‬الواحد؟

من‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬فاتورة‭ ‬الكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬فواتير‭ ‬منها‭ ‬أداء‭ ‬لصالح‭ ‬الطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬وأداء‭ ‬لصالح‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬وأتاوى‭ ‬لصالح‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزة‭ ‬الوطنية‭ ‬بخلاف‭ ‬التسعيرة‭ ‬التصاعدية‭ ‬لاستهلاك‭ ‬الكهرباء‭ ‬والغاز‭ ‬وجميعها‭ ‬يخضع‭ ‬للأداء‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة؟‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬دعم؟‭ ‬

كذلك‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬توضيح‭ ‬موقفه‭ ‬أمام‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬تمسك‭ ‬برفضه‭ ‬القبول‭ ‬والتوقيع‭ ‬على‭ ‬تنازلات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تُنهك‭ ‬وتُفقّر‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬وهو‭ ‬مُحق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ولكنه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬عيّن‭ ‬حكومة‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬مسؤوليته‭ ‬المطلقة‭ ‬صادقت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التنازلات‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬وزاري‭ ‬بعد‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬وأعلمته‭ ‬بالمصادقة‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وهو‭ ‬موقف‭ ‬متعارض‭ ‬مع‭ ‬موقف‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬صرحت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬وزير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتخطيط‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬بديل‭ ‬عن‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ان‭ ‬يُطالب‭ ‬الحكومة‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬بديل‭ ‬وطني‭ ‬يُمكّنه‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراره‭ ‬في‭ ‬الرفض‭ ‬على‭ ‬بينة‭ ‬وعلى‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬تُطمئن‭ ‬الشعب‭ ‬وكل‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬معها‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬وترفع‭ ‬كل‭ ‬لبس‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬التونسي.

‭  ‬*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 افريل 2023

الشارع المغاربي/ جمال الدين العويديدي – جنات بن عبد الله-احمد بن مصطفى : 

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on في تكريم مؤسسة التميمي للمؤرخ الأستاذ الحبيب الجنحاني:المثقف الحر الذي يصعب تصنيفه أم الزيتوني الذي عشق الاشتراكية واحترم اليسار التونسي ؟

في تكريم مؤسسة التميمي للمؤرخ الأستاذ الحبيب الجنحاني:المثقف الحر الذي يصعب تصنيفه أم الزيتوني الذي عشق الاشتراكية واحترم اليسار التونسي ؟

تحرير نوفل سلامة

مواصلة في التقليد المحمود الذي دأبت عليه مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في تكريم المثقفين والمفكرين التونسيين في قائم حياتهم ، وعلى خلاف الاحتفائيات الرسمية التي عودتنا بها الجهات الرسمية في تذكّر المفكرين التونسيين بعد رحيلهم إلى الرفيق الأعلى و تكريم الأموات من مبدعينا ، نظمت المؤسسة لقاء فكريا تشكر عليه صبيحة يوم السبت 8 أفريل الجاري لـتكريم علم من أعلام الثقافة والفكر في تونس وللاحتفاء بقامة علمية أثرت لفترة في جيل من المثقفين في مرحلة مهمة من تاريخ تونس المعاصر قبل أن يحفه النسيان وتتجاهله الدوائر الرسمية وهي لفتة تحسب لمؤسسة الدكتور عبد الجليل التميمي أن فكرت في تسليط الضوء من جديد على الدكتور المؤرخ ” الأستاذ الحبيب الجنحاني ” الذي تعذر عليه الحضور بعد أن كان قد أبدى موافقته لمواكبة هذا اللقاء التكريمي لصعوبات صحية حالت دون الالتقاء به والاستماع إلى شهادته حول مسيرته العلمية والثقافية وتجربته الفكرية التي قادته إلى الكثير من البلدان ليتعرف على ثقافات مختلفة كانت حاسمة في تكوين فكره وثقافته وتحديد خياراته حتى استقر به المقام قبل مرضه وانقطاعه النسبي عن الكتابة بدولة الكويت اين كرمته سنة 2017 مؤسسة سعاد الصباح بمؤلف تكريمي أثثه ثلة من المفكرين والأدباء من تونس وخارجها كان من بينهم الأستاذ الدكتور لطفي عيسى والأستاذ عيسى البكوش. وهذا الاحتفاء هو الثاني بعد احتفاء الكويت أرادته المؤسسة تكريما من بني وطنه واعترافا له بالجهد الفكري الذي بذله الأستاذ الحبيب الجنحاني وتعريفا بهذه الشخصية الفكرية التي لا يعرفها الكثير من جيل اليوم.

في هذا اللقاء الذي تولى إدارته الإعلامي كمال بن يونس وأثثه بكلمات احتفائية مستوحاة من حديث الذكريات وما بقى في الذاكرة من اللقاءات الأولى والوشائج الحميمية عدد من المفكرين والسياسيين من اللذين جمعتهم بالمحتفى به صداقة قديمة و محطات مختلفة كان من بينهم الأساتذة عيسى البكوش و لطفي عيسى و عبد اللطيف عبيد و الصحراوي قمعون و الحبيب الكزدغلي ورشيد خشانة .

عاد كل من أخذ الكلمة إلى البدايات الأولى التي جمعته بالمحتفى به والعلائق التي جمعته بالدكتور الحبيب الجنحاني فتم التركيز بإطناب كبير على القيمة العلمية والمعرفية للدكتور الجنحاني

ومروره بالجامعة الذي لم يدم طويلا وتوقف الجميع عند خاصية وميزة تميز بها وهو كونه شخصية غير نمطية ومثقف يصعب تصنيفه فكريا ومن غير الممكن موقعته ضمن تيار فكري أو ايديولوجي محدد فهو مثقف مخضرم نهل من منابع الثقافة العربية الإسلامية التقليدية لما درس في بداياته الأولى بجامع الزيتونة أين اطلع على أبرز أثارها وتعرف على أعلامها وقد حالفه الحظ بأن تعرف على العلوم الحديثة الغربية بتنوعاتها المعروفة ومنها الفكر الإنساني لما قادته الأقدار في هجرته الأولى الى عاصمة الأنوار باريس وهناك حصلت له الصدمة المعرفية الأولى ثم إلى دول أوربا الشرقية في هجرته الثالثة بعد هجرته الثانية إلى المشرق وتحديدا إلى القاهرة ثم إلى ألمانيا في هجرته الرابعة وهناك حصلت له صدمة معرفية كبرى جعلته ينبهر بالتجربة الإشتراكية التي ظل وفيا لها رغم مآخذه الكبيرة فيما وصلت إليه الأوضاع مع حكم الأنظمة الشيوعية التي يصفها بالتسلطية حيث تعاطف مع حركة المثقفين الروس والألمان المنتقدين للسياسة الشيوعية المطبقة خاصة في علاقتها بقمع حرية الفكر والتعبير و منع الحق في الاختلاف وفي هذا المستوى اتفق الجميع على أن الحبيب الجنحاني هو مثقف حر ومثقف عضوي منفتح على كل التيارات والثقافات فهو تقليدي إسلامي من جهة انتمائه للزيتونة وهو يساري اجتماعي نتيجة انبهاره بالفكر الاشتراكي وقربه من الفكر اليساري الاجتماعي وهو ليبرالي يناضل في كتاباته من أجل الحقوق والحريات التي تعرف عليها في الحراك الكبير الذي عاشته فرنسا خلال فترة الستينات من القرن الماضي وعلى هذا فإن الحبيب الجنحاني هو كل هذا ، هو مزيج من الثقافات والمعارف إلى درجة أن يصعب تصنيفه وقد زادت هذه الحيرة في موقعته معرفيا وفكريا إعلانه دون تردد بأنه دستوري بورقيبي مؤمن بالرؤية والخيارات التي جاء بها الرئيس الحبيب بورقيبة لتحديث البلاد وتحقيق تقدمها لذلك كان من النخبة الجامعية التي اقتربت من الحكم من دون أن تنتمي إلى الحزب الحاكم ومن الجماعة المثقفة التي لم تتقلد أي منصب حزبي أو سياسي ومع ذلك عملت ضمن منظومة الحكم ولو من زاوية المعرفة ونافذة الفكر وبهذا يفسر إشرافه على الملحق الأدبي الثقافي لجريدة العمل لسام الحزب الاشتراكي الدستوري خلال سنتى 1965 و 1966 وهي محطة ثرية في مسيرة هذه الأكاديمي الذي آمن بالمشروع البورقيبي من دون أن ينتمي إلى الحزب الحاكم أو يساهم في الحكم .

كان مهووسا بالتجربة الاشتراكية التي تأثر بها لما زار دول أوروبا الشرقية و أقرها الحزب الدستوري خيارا اقتصاديا للدولة في مؤتمر بنزرت في سنة 1966 وتسلم تنفيذها والسهر عليها المناضل أحمد بن صالح فكان من ضمن النخبة الفكرية التي ساندت التجربة وناضلت بالكلمة من أجل انجاحها حيث شعر بن صالح أن هذه التجربة الاشتراكية تعترضها مشكلات معقدة في عالم الفعل اليومي وينقصها البعد التنظيري والمحمل الفكري النظري لذلك حرص على تأسيس ” لجنة الدراسات الاشتراكية ” لتكون النواة الفكرية لهذا العمل الضروري من أجل بناء إطار نظري يساعد على نجاح التجربة و أختاره أحمد بن صالح مع ثلة من الجامعين لهذه المهمة. يقول الجنحاني : لقد تحمست صحبة

عدد من الجامعيين لهذا العمل المعرفي الذي تفطن إلى أهميته أحمد بن صالح قبل أن يعهد إليّ مهمة إعداد العدد التجريبي من مجلة تحمل عنوان ” المجتمع الجديد ” غير أنها لم تر النور وتوقفت وكان أحد مقالاتها مقال بعنوان ” الملكية وظيفة اجتماعية ” وهو عنوان يعبر عن رؤية المتحمسين للتجربة ” ويضيف القول : ” ومن بين محاولات التنظير للتجربة الاشتراكية تعليق يومي كنت أكتبه بجريدة العمل بعنوان ” تأملات اشتراكية ” وقد استمر لأكثر من سنتين وتوقف عندما سقطت التجربة في سنة 1969.”

قيمة هذه الشهادة التي ذكرها الحبيب الجنحاني عن التجربة الاشتراكية في كونها قد فتحت نافذة جديدة للتعرف عن أسباب فشل هذا التوجه الاقتصادي الجديد الذي اختارته البلاد وزاوية نظر أخرى لدراسة تجريه التعاضد التي يصر على تسميتها بالاشتراكية في حين أنها تعرف في الكثير من الأدبيات التي أرخت لتلك المرحلة أو تناولت بالتقييم هذه التجربة ” بالتعاضد ” وهو تمييز مهم يعبر عن مدى الإيمان العميق للرجل بالفكرة الاشتراكية. والقيمة الأخرى لهذه الشهادة في ما اعتبرته أن من بين الأسباب الرئيسية التي غالبا لا يتحدث عنها وكانت سببا في توقف تجربة التعاضد هو فقدانها للمحمل النظري والإطار الفكري الذي يساعد على الفهم والإقناع ويساهم في تشجيع الناس على الانخراط في تجربة اقتصادية جديدة وهذا يعني أنه حسب الجنحاني لا يمكن لأي فكرة جديدة أن تنجح ويتقبلها المجتمع ما لم يسبقها أو يرافقها محمل نظري وإطار معرفي.

ركز بعض من أثث هذا اللقاء التكريمي في كلماتهم الاحتفائية على قيمة الرجل المعرفية وإسهاماته العديدة في مجال الفكر وخاصة اضافاته الواضحة عند مروره بجريدة العمل وإشرافه على ملحقها الأدبي والثقافي الذي كان محط اهتمام الكثير من المثقفين من كل العائلات الفكرية وأحدث وقتها حراكا فكريا هاما بنوعية القضايا التي طرحها والتي كانت في تعارض تام مع الخط التحريري و ما كان يكتب في الجريدة الأم التي كانت تدافع عن خاطب السلطة حينها وتدافع عن خيارات الرئيس الحبيب بورقيبة.

تناولت بعض المداخلات علاقته بالفعل السياسي اليومي وتم التذكير بأنه من الأكادميين القلائل الذين تسلموا مقاليد تسيير مجالس بلدية حيث تقلد الحبيب الجنحاني مهمة رئاسة بلدية قليبية خلال الفترة الممتدة من 1966 إلى سنة 1972 وهي تجربة قل وأن وجدناها عند المثقفين الذين عادة ما يترفعون عن الانخراط في العمل السياسي اليومي ويخيرون البقاء في ابراجهم العاجية.

من القضايا التي أثيرت في هذا اللقاء التكريمي وبقيت دون إجابة علاقة الحبيب الجنحاني بالحزب الشيوعي الروسي وهو الزيتوني الذي نهل من معارف جامع الزيتونة والتراث الإسلامي في علاقة بتكفل الحزب الشيوعي الروسي بمعاليم الدراسة .. وسبب إهتمامه في كتاباته الأولى بشخصية خالد محمد خالد وكتاباته عن الاسلام .. وعدم تسلمه لأي منصب حزبي داخل الحزب الاشتراكي

الدستوري ولا عهدت إليه مهمة سياسية وهو البورقيبي المدافع عن خيارات الرئيس بورقيبة والمساند لنهجه في تحديث البلاد .. وتأسيسه لنقابة التعليم العالي و علاقتها باليسار التونسي وهي محطة يطرح فيها سؤال علاقة الحبيب الجنحاني باليسار التونسي وقربه بعد الثورة من حزب التجديد قبل أن يتحول إلى حزب المسار .. من الأسئلة الحائرة الأخرى التي تحتاج توضيحا موقف الحبيب الجنحاني من الثورة التونسية وما عرف عنه من حيرة كان يبديها في طرحه المستمر لسؤال ماذا نفعل ؟ وهو سؤال يحيل إلى المسار الذي اتخذه الانتقال الديمقراطي بعد سقوط نظام بن علي والمنعرجات التي عرفتها الثورة في علاقة بتصدر التيار الإسلامي المشهد السياسي وقيادة البلاد وهنا من الضروري العودة إلى كتابه دفاعا عن الحرية الصادر سنة 2012.

من الأسئلة الحائرة الأخرى في مسيرة الرجل وبقيت دون إجابة ما كتبه الحبيب الجنحاني في مقدمة كتاب ” طائر الحرية ” وهو كتاب تكريمي لشخصه أشرفت عليه مؤسسة سعاد محمد الصباح وصدر سنة 2017 وهو تأليف جماعي للاحتفاء به ساهم فيه عدد من الكتاب العرب والتونسيين كان من بينهم الأستاذ عيسى البكوش والأستاذ لطفي عيسى والأستاذ صلاح الدين الجورشي والأستاذ محمد عيسى المؤدب والأستاذ أحمد الحمروني والأستاذ عبد الجليل التميمي والأستاذ حمادي صمود والأستاذ عبد الواحد براهم والأستاذ المنصف قوجة وغيرهم… في مقدمة هذا الكتاب قال الجنحاني : إن التكفير عن الذنوب لا يحتمل التأخير إن التكفير عن ذنب تأييد نظم سلطوية معادية للحريات العامة هو اسهام متواضع في إماطة اللثام عن الوجه الخفي لجلاوزة القرن العشرين ” فهل يعلن الجنحاني عن توبة وتكفير عن ذنب لمساندته وتأييده لنظام ديكتاتوري آمن لفترة بخياراته قبل أن يتراجع عنها ؟ و هل قام بمراجعات لموقفه من الحكم البورقيبي الذي أيده وانخرط فيه معرفيا واليوم يعلن توبته منه ؟

من القضايا الأخرى التي مثلت مفاجأة في مسيرة الحبيب الجنحاني ما اعتبر تغييرا في موقفه من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والمراجعة الجريئة التي قام بها بعد الثورة و التي قل أن وجدناها عند بورقيبي آمن بخيارات باني تونس الحديثة حيث ورد على لسانه وبأسلوب مباشر وصريح في مقدمة كتاب طائر الحرية ” إن للزعيم الحبيب بورقيبة مثالب كثيرة بدأت تكشف عنها بعض الدراسات الموضوعية التي نشرت بعد رحيله وفاجأت أبناء الجيل الذي سانده وتحمس لإصلاحاته لكن المفاجأة لم تجعل الشجرة تحجب الغابة فلكل الزعماء الكبار أخطاء تبلغ حد المساوي في حالات معينة فهم بشر يصيبون ويخطئون ولكن الذي يحز في نفوس من هتفوا باسمه طويلا عندما يقرؤون اليوم نصوصا وشهادات صادرة عن حوارييه وقد كتبوا شهادات يصعب علينا أبناء ذلك الجيل الذي تحمس للمجاهد الأكبر تصديقها فقد استغربنا ونحن نقرأ الدراسات الجديدة كيف شرّع ذلك الزعيم الكبير الذي درس الحقوق فوق مقاعد جامعة السربون لأساليب التعذيب في تاريخ الدولة الوطنية الحديثة وأسس المحاكم

الاستثنائية لمحاكمة المختلفين معه في الرأي وكيف غذى عاشق أوغست كونت وروسو وفولتير النعرة الجهوية في صفوف الشعب الذي حلم طويلا أن تغرس الدولة الوطنية الحديثة قيم المواطنة ”

هذه شهادة صادمة من مثقف بورقيبي آمن بفكر الرئيس الحبيب بورقيبة ودافع عن خياراته السياسية والإصلاحية واليوم نجده يراجع موقفه منه رغم اعترافه بقيمته ويعبر عن شعور حيرة وقلق جيل هو واحد منه هتف طويلا بروح المجاهد الأكبر واليوم تحصل له صدمة أمام ما كشفته الكتابات الجديدة عن ممارساته في مجال حقوق الانسان وفي علاقته بمعارضيه والمخالفين له في الرأي وما حصل من استبداد وتسلط في الحكم وقمع للحريات والانفراد بالسلطة والسؤال الذي يفرض نفسه هل انتظر الحبيب الجنحاني وفاة الرئيس بورقيبة حتى يكتشف الجانب السلطوي في باني تونس الحديثة ؟ وهل تطلب الأمر ظهور دراسات حديثة يصفها بالموضوعية حتى يتعرف الجنحاني عن الوجه الآخر للرئيس بورقيبة وهو وجه قاتم وسيء وحتى يكتشف أن من هتف باسمه هو من شرع التعذيب وانشأ محاكم آمن الدولة وقسم الشعب وذكى النعرات ؟

*****

نثبت هنا الرسالة التي حررها د. عبد الجليل التميمي والتي وجهها إلى رئيس الجمهورية ووزير التعليم العالي ووزيرة الثقافة وطالبهم بمنح جائزة الدولية التقديرية للمحتفى به، فيكفي من الإهمال الغير مبرر بعدم منح هذه الشخصية ما يستحقه من عناية واهتمام وتشجيع.

***

مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات

رسالة رقم : 19

تونس في : 10 أفريل 2023

إلى سامي رجال الدولة

رسالة مفتوحة حول الحلقة الدراسية

التي خصصناها لتكريم أستاذ الأجيال الحبيب الجنحاني

أقمنا بتاريخ 08 أفريل الجاري تنظيم حلقة دراسية حول المسيرة العلمية والثقافية للأستاذ الجنحاني وقد ساهم في هذه الحلقة الدراسية عدد كبير من المؤرخين والباحثين ومن رجال الصحافة وتوقفوا حول دور

الحبيب الجنحاني من مختلف مواقفه النضالية المشرفة ودوره الطلائعي تونسيا ومغاربيا ومشرقيا، إن هذا الزخم من المعلومات المتنوعة التي تم معالجتها في مختلف المواقع العربية والاسلامية ونوهوا بالدور الفاعل في تعميق الفهم ومساهمته المعرفية عبر مئات البحوث التاريخية. وابرزوا تواصله الفاعل وإيمانه المطلق بالمسار اليساري، هو الأمر الذي دفعه أن يستوعب آليات الانبهار عبر زيارته لأهم المراكز والقوى بباريس وموسكو والقاهرة، واستوعب بذكاء المتغيرات الجيومعرفية وأهله أن يكون فاعلا في عديد المنظمات والجمعيات التونسية والعربية وأصبح عضوا في أنشطتها الفكرية المختلفة.

إن الزخم من المعلومات التي سجلت كانت محل فخر واعتزاز لهذه الشخصية الجامعية ذات العطاء، وأن هذا الحفل التكريمي الذي سعينا إلى عقده وشارك فيه أصدقاء الحبيب الجنحاني وكان وراء تدخلها اليوم لدى رجال الدولة، مقترحين عليهم التفضل باستقبال الاستاذ الجنحاني ومنحه جائزة الدولة التقديرية لهذه السنة، خاصة وأنه لم يحظ بأي تكريم لائق للخدمات الجليلة التي أداها، دون انقطاع من انتمائه إلى قسم التاريخ بالجامعة التونسية الأم، وناضل ضد عديد الزملاء الفرنكوفونيين وخاصة لكل ما يتعلق بتعريب المسألة العربية الإسلامية مع الاحتفاظ باستعمال اللغة الفرنسية لكل المسائل الأخرى.

مؤملين تحقيق هذا التكريم قريبا، احتراما ووفاء عن عاصمة الأغالبة والتي هي مفخرة بلادنا على مدى العصور.

مع الشكر والتقدير.

د. عبد الجليل التميمي

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on تونس بين أزماتها الداخلية والخارجية : من يتزعم ” التيار الثالث” ؟ .. بقلم كمال بن يونس

تونس بين أزماتها الداخلية والخارجية : من يتزعم ” التيار الثالث” ؟ .. بقلم كمال بن يونس

· مشهد سياسي فسيفسائي وخلط لكل الأوراق

تونس .كمال بن يونس

رغم مرور أكثر من شهر ين عن انتخاب ” البرلمان التونسي الجديد “، تعاقبت تصريحات كبار مسؤولي الحكومات والبرلمانات في أوربا وأمريكا والأمم المتحدة والصناديق المالية العالمية حول ” الازمة التونسية ” بأبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الإقليمية والمحلية ..

وكشفت هذه التصريحات تعمق الهوة دوليا بين أنصار تطوير الشراكة مع السلطات التونسية ومعارضيها ..

ورغم تعاقب انتقادات الرئيس التونسي قيس سعيد ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون ل” التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لتونس” ، تجددت الانتقادات الغربية على أعلى مستوى لبعض سياسات السلطات التونسية الاقتصادية والأمنية والقضائية والإعلامية والحقوقية ..

في الأثناء تطور المشهد السياسي الفسيفسائي التونسي الداخلي نحو مزيد من التشرذم بين أنصار الرئيس سعيد ومعارضيه والأطراف التي تتنافس على تزعم “التيار الثالث” ، أي ” المسار الذي يضم الشخصيات والقوى التي ترشح نفسها لتكون ” البديل” عن كل المنظومات السياسية الحاكمة والمعارضة التي تتصدر المشهد الوطني منذ 12 عاما..

فإلى أين تسير تونس في ظل هذه التحديات الداخلية والخارجية المعقدة ؟

المواقف والتقديرات متباينة جدا ..

لئن كانت ” الورقة الدولية ” مهمة جدا وتؤثر في مجريات الأحداث في كل دول العالم ، فإن وزنها يزيد وقت الأزمات خاصة بالنسبة لبلد له موقع جغراسياسي متميز مثل تونس بسبب قربه من أوربا الجنوبية ، ولأن الأوضاع غير المستقرة في ليبيا وعدد من الدول العربية والافريقية تزيد من فرص استخدام عشرات آلاف المهاجرين غير القانونيين السواحل التونسية للتسلل نحو أوربا عبر إيطاليا .

لذلك تضاربت أجندات السياسيين التونسيين في علاقة باستفحال التناقضات بين مواقف الحكومة اليمينية في روما بزعامة جورجا ميلوني والقرارات الصادرة عن البرلمان الأوربي ومجلس حقوق الانسان الأممي في جنيف أوعن عشرات البرلمانيين الأمريكيين : تيار يدعو إلى تقديم دعم مالي فوري إلى تونس حتى لا تنهار والثاني يضغط عليها حتى ” تفرج فورا دون قيد ولا شرط عن كل المعتقلين السياسيين وتستأنف المسار الديمقراطي التعددي “..

“التآمر على أمن الدولة” ..ودعوات لحل الأحزاب

رغم كل تقارير البنك العالمي و”وكالات التصنيف” الاقتصادي العالمية ، مثل وكالة ” موديز ” ، التي تحذر من سيناريوهات افلاس الدولة التونسية ، يشن أعضاء في البرلمان الجديد من بين المحسوبين على ” المشروع السياسي الاجتماعي ” للرئيس قيس سعيد ، حملات إعلامية على المعارضين المتهمين الموقوفين” للاشتباه في تورطهم في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي “..

كما صعدت المحامية المقربة من السلطة وفاء الشاذلي انتقاداتها اللاذعة ضد قيادات النقابات و السياسيين المعتقلين منذ أسابيع وبينهم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والخبير الاقتصادي المستقل خيام التركي وقياديين في “جبهة الخلاص الوطني” بزعامة الأكاديمي والحقوقي اليساري جوهر بن مبارك والوزير السابق رضا بالحاج والناشطة الحقوقية شيماء عيسى ..

في هذا السياق دعا عبد الرزاق الخلولي المحامي رئيس المكتب السياسي لحراك 25 يوليو في تصريحات لعدد من وسائل الإعلام التونسية إلى ” حل الجمعيات والأحزاب بأمر رئاسي يصدره قيس سعيد قريبا يتضمن كذلك منعا لتوظيف الدين في العمل السياسي “..

كما طالب الخلولي بحل حزب حركة الشعب القومية الناصرية التي يتزعمها البرلماني السابق زهير المغزاوي وهو من أبرز مساندي قيس سعيد منذ 2019 ، وتصدر داعمي قرارات 25 يوليو 2021 وبينها حل البرلمان والحكومة .

ويتهم محسوبون على ” تنسيقيات الرئيس ” و” حراك 25 جويلية ” و” مبادرة لينتصر الشعب “، مثل الأكاديمي صلاح الدين الداودي والناطق السابق باسم الحملة الانتخابية الرئاسية قيس القروي ، المعارضين للسلطات بالخيانة الوطنية والتبعية للخارج والتآمر مع جهات غربية ” ضد الرئيس ومشروعه الإصلاحي” .

كما يتهمونهم وعشرات من أعضاء البرلمان الجديد بتلقي تمويلات مشبوهة من رجال أعمال فاسدين و” لوبيات ” في الداخل والخارج، بينها ” مجموعات ضغط في أوربا وأمريكا” ..

وذهب قيس القروي إلى حد اعتبار مجموعات من أعضاء مجلس النواب الجديد ” امتدادا للبرلمان القديم وللمشهد السياسي الفاسد السابق الذي تحكمت فيه لوبيات مالية قريبة من حزب النهضة الإسلامي ومن أحزاب نداء تونس وتحيا تونس ومشروع تونس التي خرجت من رحم الحزب الحاكم قبل ثورة 2011..”

وجدد قياديون من مبادرة ” لينتصر الشعب ” المحسوبة على رئيس الجمهورية انتقاداتهم لرئيس البرلمان الجديد القومي الوحدوي ابراهيم بودربالة وتهجمهم على عشرات المقربين منه من بين النواب الذين ينحدرون من ” المنظومة السياسية القديمة ” والأحزاب الحاكمة والمعارضة خلال العشرين عاما الماضية، خلافا لنائبي الرئيس سوسن المبروك وأنور المرزوقي ..

دعاة القطيعة مع السلطة ..

في المقابل يقف مزيد من قادة الأطراف السياسية المستقلة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني في الصف المقابل ..

وتسببت الاعتقالات والمضايقات التي شملت عشرات القضاة وشخصيات مستقلة و سياسيين من الحجم الكبير وقيادات حزبية متعددة الأولوان ، في “تجميد التناقضات القديمة بين الإخوة الأعداء” .

وأصبحت تنظم تظاهرات سياسية ثقافية مشتركة أمام السجون ووزارة العدل و في الساحات العامة لرفع 4 مطالب مشتركة أبرزها اطلاق سراح المعتقلين و احترام استقلالية القضاء والاعلام وتشكيل ” حكومة انقاذ وطني جديدة ” وإلغاء كل القرارات والمراسيم الرئاسية التي صدرت منذ منعرج 25 يوليو 2021 الذي تعتبره هذه الأطراف ” انقلابا على الدستور الشرعي الصادر في 2014″ ويعتبره خصومهم ” حركة تصحيح لمسار ثورة 2011″ .

في الأثناء تغيرت أولويات كثير من الشخصيات السياسية والنقابية المستقلة والحزبية وتزايدت الدعوات إلى تشكيل ” قوة ثالثة ” تتزعم ” مسارا ثالثا” يسعى من ينخرطون فيه إلى إصلاح أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعيدا عن مربع المعارك الأيديولوجية والسياسية والفئوية التي سادت منذ مطلع 2011 وتواصلت بعد يوليو 2021..

اتحاد الشغل ..و”المسار الثالث”

لكن السؤال الكبير الذي يفرض نفسه هنا على الجميع

مجددا هو : ما هي حظوظ انصار” المسار الثالث” في فرض أجندتهم التي تكون مستقلة في نفس الوقت عن ” خارطة طريق السلطة ” وعن خطة تحرك المعارضات التقليدية التي رفضت بدورها القيام بنقد ذاتي علني عن غلطاتها خلال العشرية الماضية رغم تسبب تلك الغلطات في انشقاقات داخلها أضعفتها ؟

ثم من سينخرط في هذا المسار الثالث الذي قد يكون نواة ” للبديل ” عن النخب الحاكمة والمعارضة الحالية والسابقة :هل هم النشطاء المستقلون و مناضلو الصف الثاني في الأحزاب والنقابات و منظمات المجتمع المدني أم بعض ” الزعماء الفاشلين” الذين تصدعت أحزابهم أوخسروا مواقعهم في مؤسسات الحكم والمعارضة ؟

يلاحظ أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي والقياديين المعتدلين في النقابات ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان جددوا مؤخرا الإعلان عن مبادرة ” حوار وطني سياسي اجتماعي اقتصادي شامل ” .

واعتبرحاتم المزيو نقيب المحامين أن القيادات الحقوقية والنقابية قادرة على تنظيم حوار وطني ” يخرج البلاد من أزماتها السياسية ” مثلما نجحت في 2013 في تنظيم حوار انقذ تونس من سناريو” منعرج عسكري أمني شبيه بما حصل في دول عربية أخرى بينها مصر وليبيا واليمن وسوريا . لذلك أسندت الى النقابات والمنظمات الحقوقية في 2014 جائزة نوبل للسلام .

لكن الرئيس قيس سعيد والمقربين منه يعترضون على أي” تضخيم جديد لدور النقابات السياسي ” . ويعتبرون أن ما حصل في 2013 “لم يكن حوارا ولا وطنيا ” ..

وعاد سعيد وأنصاره إلى اتهام قيادات نقابية بالضلوع بدورها “في الفساد المالي والإداري” وتعطيل مصالح البلاد عبر آلاف الإضرابات و الاعتصامات العشوائية ..

جبهة الخلاص ..

من جهة أخرى ترشح قيادات جبهة الخلاص الوطني برئاسة أحمد نجيب الشابي وقيادات من المعارضة الليبيرالية واليسارية نفسها لتزعم ” التيار الثالث” الذي يمكن أن يغير المشهد السياسي وطنيا . تزعم هذه القيادات أنها قادرة على أن توظف شبكة علاقاتها العربية والدولية لتوفير ما تحتاجه تونس من تمويلات واستثمارات لإصلاح أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والخروج من أزماتها الخانقة .

وتعتبر قيادات هذه الجبهة أنها برهنت خلال ال18 شهرا الماضية أنها ” الأكثر قدرة على تحريك الشارع في العاصمة والجهات ” عبر أكثر من 25 مسيرة ومظاهرة ووقفة احتجاجية نظمتها في عدة مدة من شمال البلاد إلى جنوبها مع نشطاء ” حراك مواطنون ضد الإنقلاب”.

وترشح الجبهة القيادات السياسية الوطنية المعتدلة بزعامة جوهر بن مبارك وشيماء عيسى ورضا بالحاج و عصام الشابي وعلي العريض وغازي الشواشي للعب دور سياسي وطني ودولي أكبر فور الافراج عنهم ..

لكن خصوم الجبهة يشكون في قدرتها على ” تجميع غالبية النخب والشعب حولها ” لأسباب عديدة من بينها اعتمادها أساسا على نشطاء حركة النهضة وحلفائها السابقين في البرلمان وفي الحكومات السابقة مثل أحزاب النداء وقلب تونس والتحالف من أجل تونس وائتلاف الكرامة ..

..الجبهة الديمقراطية التقدمية

بعض النخب السياسية والإعلامية ترشح ” الجبهة الديمقراطية التقدمية ” التي تضم 4 أحزابا يسارية معتدلة بزعامة خليل الزاوية زعيم حزب التكتل الديمقراطي وحمة الهمامي زعيم حزب العمال لتصدر المشهد السياسي القادم واستقطاب الأطراف السياسية والنقابية المؤمنة برسالة ” التيار الثالث”..

لكن التحركات التي قامت بها الأحزاب المنتمية إلى هذه الجبهة خلال الأشهر الماضية كشفت عجزها عن أن تنظم مسيرات ضخمة مماثلة لتلك التي نظمتها جبهة الخلاص الوطني والتيارات الإسلامية وخاصة حزبا النهضة بزعامة راشد الغنوشي وعلي العريض وائتلاف الكرامة بزعامة سيف الدين مخلوف .

تصدع داخل البرلمان وانصار الرئيس

في نفس الوقت تبدو المعارضة شديدة في قصر الرئاسة في قرطاج و داخل الأطراف السياسية المحسوبة على ” مشرع قيس سعيد” لكل سيناريوهات الحوار السياسي مع النقابات والأحزاب المتهمة ب”التعامل مع السفارات والعواصم الأجنبية “..

وسبق لسعيد أن تهكم في خطاب علني على ” أصحاب المشروع الثالث والرابع والخامس …”

وخلافا لتصريحات أعضاء حكومة نجلاء بودن حول قرب التوصل بين صندوق النقد الدولي والبنك العالمي مع السلطات التونسية ، عاد ” المقربون للرئيس ” إلى استبعاد هذا السيناريو ومطالبة الحكومة بالتوجه نحو الصين وروسيا والبلدان الصاعدة مثل مجموعة ” بريكسيت” .

وأورد قيس القروي قبل أيام لوسائل الإعلام أن قيس سعيد لن يوقع على اتفاق مع صندوق النقد الدولي وأنه ّ ضد الخونة والعملاء المحسوبين على المعارضة ” .

والأخطر من هذا هو ” التصدع ” داخل البرلمان الجديد وبروز تناقضات بين النواب الذين انحازوا لرئيسه إبراهيم بودربالة وخصومهم الموالين ” لحراك 25 جويلية”.

أغلبية من حزب بن علي

وخلافا لكل التقديرات والتصريحات التي سبق أن صدرت عن عبد الرزاق الخلولي باسم ” حراك 25 يوليو” وعن قيادات حزب الشعب الناصري، اتضح أن الكتلة الأكبر من النواب الجدد مقربون الى الأحزاب الدستورية التي حكمت البلاد قبل 2011 ولعبت دورا في الصفوف الأولى في عهدي الرئيس الراحلين زين العابدين بن علي (1987-2011) و الباجي قائد السبسي ( 2014 – 2019 ).

تغيير الحكومة ؟

في هذه الظرفية المعقدة يبقى التحدي الأكبر بالنسبة لمتصدري المشهد السياسي تجنب سيناريوهات الإفلاس و”الانهيار الشامل” التي حذر منها مؤخرا كثير من الخبراء التونسيين والمسؤولين الغربيين ، بينهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون و مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوربي جوزيف بوريل ووزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن ..

من بين المفارقات أن المجموعات السياسية والبرلمانية الأكثر ولاء للرئيس قيس سعيد تلتقي مع قيادات المعارضة وخاصة مع جبهة الخلاص الوطني والجبهة الديمقراطية التقدمية في المطالبة بتغيير الحكومة الحالية ..

لكن منطلقات الطرفين متناقضة : أنصار الرئيس يريدون حكومة جديدة ” أكثر اخلاصا للرئيس وأنصاره ومشروعهم السياسي ” بيتما تطالب المعارضة بتشكيل ” حكومة انقاذ وطني” توفق بين واجب تسيير الشؤون اليومية للدولة والاعداد لانتخابات جديدة ” شفافة ونزيهة ” ..خاصة أن الانتخابات الرئاسية القادمة يفترض أن تنظم العام القادم ..

وتزايدت الضغوطات من أجل التعديل الحكومي ، بعد أن تسببت الخلافات داخل الفريق الحاكم في تغييرات مفاجئة على فريق حكومة نجلاء بودن أدت إلى مغادرة إثنين من أبرز المقربين من الرئيس سعيد ، بينهم وزير الداخلية القوي وصديقه القديم توفيق شرف الدين ووزير التشغيل القاضي نصر الدين النصيبي ..وكانت “صراعات الأجنحة” تسببت سابقا في قرارات إقالة عدد من أبرز الوزراء والمستشارين في قصر قرطاج بينهم مديري مكتب الرئيس السابقين طارق بالطيب ونادية عكاشة والوزير المستشار السياسي عبد الرؤوف بالطبيب والمستشار الأمني والعسكري رئيس الأركان السابق الجنرال محمد الصالح الحامدي..

ويعتقد كثير من المراقبين ، بينهم الكاتب والمفكر الصافي سعيد ، أن تلك الإقبالات أحدثت ” فراغا سياسيا في حزام قصر الرئاسة بقرطاج “..

(برويز/ Encadré

من هم كبار رجالات الرئيس سعيد ؟

يعتمد الرئيس قيس سعيد ، الذي مازال يرفض تأسيس حزب خاص به يدعمه ، على عدد من كوادر الدولة بينهم رئيسة الحكومة نجلاء بودن وفريقها الوزاري وعلى نخبة من المستشارين الأمنيين والعسكريين والديبلوماسيين والإداريين بينهم بالخصوص :

· أمير اللواء الحبيب الضيف مدير عام وكالة الاستخبارات للأمن والدفاع الوطني ، وهو أعلى رتبة عسكرية في البلاد حاليا . وكان الضيف دخل قصر قرطاج في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي عام 2015 بصفة ملحق برئاسة الجمهورية عندما كان الأميرال كمال العكروت المشرف الأول على قطاع الأمن العسكري في القصر.

· أمير اللواء الجنرال محمد الغول رئيس أركان القوات البرية التونسية منذ 2018. تولى الجنرال الغول مسؤوليات عسكرية وديبلوماسية عديدة في مسيرته الطويلة التي بدأها وهو في العشرين من عمره ، من بينها ملحق عسكري في سفارة تونس في واشنطن ما بين 2016 و 2018 .

· الفريق محمد الحجام رئيس أركان جيش الطيران وهو خبير عسكري وفي الدراسات الاستراتيجية والجيو استراتيجية . له خبرة طويلة في معاهد التدريب والدراسات التونسية والعالمية . وشغل خطة ملحق عسكري في سفارة تونس في واشنطن ما بني 2014 و 2016 .

· وزير الداخلية الجديد كمال الفقي ،وقد عين في منصبه يوم 17 مارس بعد إعلان الوزير توفيق شرف الدين استقالته ثم إعلان رئاسة الجمهورية عن إقالته .

وهو من خريجي كلية الحقوق في تونس مختص في القانون الخاص . تولى مسؤوليات نقابية في اتحاد الشغل ما بين 2011 و 2017 وكان من بين النشطاء اليساريين المحسوبين على ” التيار الوطني الديمقراطي “. كانت له مثل زوجته الحقوقية سنية الشريطي علاقة قريبة جدا بالرئيس قيس سعيد قبل انتخابات 2019 وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية . عين قبل عامين واليا لمحافظة تونس العاصمة .

· المستشار وليد الحجام وهو ديبلوماسي سابق عمل في الامارات .

عين وليد الحجام أول الأمر ملحقا بقصر الرئاسة . وكلفه قيس سعيد بتمثيل الرئاسة مرارا في التدخلات التلفزية ثم وقعت ترقيته بعد منعرج يوليو 2021 إلى مستشار يشرف في نفس الوقت على عدة ملفات سياسية وإعلامية ودبلوماسية .

· وزير الفلاحة أمير اللواء عبد المنعم بالعاتي . وهو جنرال سابق في سلاح الطيران مختص في الطائرات النفاتة .

تدرب في تونس وفي عدة دول غربية بينها إيطاليا وتولى مسؤوليات عسكرية وإدارية مختلفة من بينها متفقد عام للقوات المسلحة في وزارة الدفاع .

· الوزير المستشار الجنرال مصطفى الفرجاني وهو مدير عام سابق للصحة العسكرية وطبيب رئيس قسم في المستشفى[K1] العسكري بتونس، له خبة طويلة في العمل الإداري والطبي والسياسي . وقد رشح في موفى 2019 ليكون وزيرا للصحة في حكومة الحبيب الجملي التي شكلتها حركة النهضة وأحزاب قلب تونس وتحيا تونس وائتلاف الكرامة . لكن تلك الحكومة فشلت في الفوز على ثقة البرلمان . وتعتقد بعض المصادر أن الجنرال الفرجاني يلعب كذلك دور الطبيب الخاص لرئيس الجمهورية إلى جانب مشاركته العديد من جلسات العمل وتنقلاته في القمم الدولية .

· وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي وهو نجل الزعيم النقابي الراحل المنصف الزاهي . تحصل على ماجستير في الاقتصاد وإدارة المخاطر في 2008 وعلي ديبلوم تقنيات الاتصال والتواصل في 2011 . كان رئيسا للحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد في محافظة منوبة غربي العاصمة تونس .

ويلعب الزاهي منذ انتخابات 2019 دورا سياسيا وطنيا يتجاوز دور وزارته ويعتبر من بين أكثر السياسيين المقربين من قصر قرطاج حاليا .

· وزير الصحة علي المرابط وزير الصحة وهو أستاذ في الطب المدني ومسؤول سابق في مؤسسات الصحة العسكرية .

· وزير الدفاع الوطني عماد مميش وهو أستاذ تعليم عالي سابق في كلية الحقوق القانونية والسياسية والاجتماعية التي كان يدرس فيها الرئيس قيس سعيد طوال عقدين من الزمن. تولى حقيبة الدفاع مباشرة بعد قرارات 25 يوليو 2021 .

· وزيرة العدل القاضية ليلى جفال . وهي خبيرة في القانون تولت مسؤوليات عديدة في المحاكم . عينت لمدة قصيرة وزيرة لأملاك الدولة في عهد حكومة هشام المشيشي قبل منعرج يوليو 2021 .

· وزير الخارجية نبيل عمار . عين في منصبه في فبراير الماضي خلفا للوزير عثمان الجارندي . وهو نجل الديبلوماسي القديم والسفير التونسي السابق في ألمانيا عبد الحميد عمار.

ويعتبر نبيل عمار من أبرز السفراء في الخارجية التونسية أشرف لمدة طويلة على سفارتي تونس في لندن ثم بروكسيل . واشرف قبل ذلك على الإدارة العامة للشؤون الاوربية والشؤون الافريقية في الخارجية التونسية .

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on مغالطات في احتساب الميزان التجاري في تونس .. كيف يتم الاستدراج إلى وضع الاستعمار ؟ بقلم نوفل سلامة

مغالطات في احتساب الميزان التجاري في تونس .. كيف يتم الاستدراج إلى وضع الاستعمار ؟ بقلم نوفل سلامة

3 جوان 1955 الباي محمد الأمين يوقع على جملة من الاتفاقيات المصيرية مع الجانب الفرنسي سنة قبل اعلان استقلال تونس وإنهاء الاستعمار الفرنسي للبلاد وهي اتفاقيات اتضح فيما بعد أنها مكبلة لنا وأنها تديم الاستعمار وتجعله متواصلا ولو بطرق مختلفة حتى وإن رفع العلم التونسي وخرجت الجيوش الفرنسية من أراضينا .. نذكر بهذا التاريخ المفصلي في تاريخ تونس الحديث لسبب بسيط وهو أنه تاريخ جعل كل من واكب ندوة مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ليوم السبت 21 جانفي الجاري يشعر بأننا لا نزال نراوح مكاننا و لا زلنا لم نتجاوز حقبة الاستعمار ومازلنا في تلك الأجواء التي سبقت الإمضاء على اتفاقيات إدامة الاحتلال الفرنسي لتونس.

نستحضر تاريخ 3 جوان 1955 ونتذكر المفاوضات التي أجراها عن الجانب التونسي الطاهر بن عمار والمنجي سليم وعن الجانب الفرنسي إدغار فور و بيار جولي والتي مهدت لإمضاء محمد الأمين باي لست اتفاقيات بأن جليا اليوم أنها خطيرة وأنها قد قوضت وثيقة الاستقلال وجعلت البلاد التونسية رغم إعلان استقلالها تابعة على الدوام لمستعمرها القديم ومرتهنة له على الدوام .. نستحضر هذه الاتفاقيات ونحن نستمع إلى الثالوث الميز السيدة جنات بن عبد والأستاذ جمال الدين العويديدي والأستاذ أحمد بن مصطفى الذين أثثوا ندوة هذا الأسبوع في مؤسسة التميمي وهم يتحدثون عما يحدث اليوم في بلادنا من تزوير للأرقام وإخفاء لحقيقة المعطيات المتعلقة بالمبادلات التجارية وما تقوم به الحكومة من مغالطة الشعب في حديثها عن حقيقة عجز الميزان التجاري وإخفائها لحقيقة هذا العجز وعن مغالطة أخرى تتبعها الحكومة في طريقة احتساب العجز التجاري حتى لا يظهر حجمه الحقيقي وحتى لا تكتشف الجهة التي تساهم بقسط كبير فيه.

منطلق الحديث عن هذا الموضوع وبداية تحليل حقيقة العجز في الميزان التجاري كان الكشف عما يحصل اليوم داخل الحكومة من مغالطة في احتساب نسبة التوريد مقارنة بنسبة التصدير وتعمد إظهار أن الفارق بينهما مقبول وفضح خطورة مثل هذا التصرف على المالية العمومية والتغطية عن العجز الكبير الحاصل والأخطر من ذلك التستر عن الجهة المتسببة فيه و إظهار أن الفارق السلبي ليس بالكبير .. كان المدخل الذي اختاره المحاضرون في هذه الندوة الفكرية هو ما امضت عليه بلادنا من اتفاقيات شراكة اقتصادية وتجارية مع الجانب الأوروبي والتي بدأت سنوات قليلة بعد الاستقلال و لقيت حينها معارضة من القوى الوطنية التي اعتبرت أن تحويل تونس إلى قطاع مناولة لفرنسا فيه إهانة للسيادة الوطنية وهذا ما يجعلها خادمة لها و هو طريق لاستعادة الاستعمار من جديد من بوابة الشراكة الاقتصادية والتجارية غير المتكافئة ولا الندية وقد كان اتفاق الشراكة هذا وقتها سببا في ابعاد الزعيم أحمد بن صالح عن الحكم وغضب بورقيبة عليه وبداية الخصومة بين الرجلين وقد صرح أحمد بن صالح في تعليقه على هذا الابعاد بأن الذي أخرجه من السلطة هي فرنسا.

ويتواصل هذا التصور للتعاون الثنائي وهذه الشراكة مع الضفة الغربية وتحديدا فرنسا وبلدان الإتحاد الأوروبي مع اتفاقية التبادل التجاري الحر الشامل والمعمق التي امضتها تونس مع الجانب الأوربي في سنة 1995 ودخلت حيز التنفيذ في سنة 1996 وهي اتفاقية وإن كانت توحي في الظاهر بتمكين تونس من امتيازات تجارية وتمكنها من تحرير تجارتها وكسب عائدات من وراء ما تصدره، إلا أن الأيام قد كشفت أنها اتفاقية مضرة بالاقتصاد بل أضرت بما نملك من صناعة وجعلت المنافسة التجارية غير متكافئة وتسببت في غلق المئات من المؤسسات والمصانع وأنتجت بطالة كبيرة في صفوف الشباب وكانت السبب فيما بات يعرف اليوم بالهجرة غير الشرعية للشباب العاطل عن العمل إلى أوروبا بحثا عن وضع إجتماعي أفضل ..

نذكر بهذه الاتفاقيات في حديثنا عن غياب المصداقية فيما تعلن عنه الدولة التونسية من مؤشرات اقتصادية غير صحيحة لنوضح ونكشف أن ما يصدر من مغالطة في احتساب عجز الميزان التجاري هو متأت من منوال التنمية المتبع القائم على تطبيق التزامات و اتفاقيات الشراكة الأوروبية والتي حولت البلاد إلى قطاع مناولة لصالح الشركات الأجنبية غير المقيمة والمصدرة كليا ” Régime offshore ” وهي شركات لا تخضع إلى قانون الصرف للبنك المركزي التونسي في عملية التصدير والتوريد لذلك فهي غير مُلزمة بدفع قيمة المواد الموردة و هي لا تسترجع ما تربحه من أموال من وراء تصدير منتجاتها إلى الخارج وحسب هذا النظام التجاري فإن هذه الشركات معفية من المعاليم الديوانية و هي مُطالبة فقط بالقيام بمجرد تصريح تلقائي و غير مراقب من طرف الديوانية التونسية، تكشف فيه قيمة المواد الأولية عند دخولها و قيمة المواد التي تمت مناولتها في تونس عند خروجها بعد أن يتم تحويلها إلى بضاعة ومنتجات لذلك فإن ما هو محمول على هذه المؤسسات وما هي مطالبة به يقتصر فقط على تسديد أجور العمال وفواتير نفقات كل مكونات كلفة الإنتاج داخل البلاد التونسية وما تحصلت عليه من خدمات.

والمغالطة التي ترتكبها الحكومة وهي تقدم مؤشر العجز التجاري الذي عادة ما يكون غير متوازن بين ما نورد وما نصدر وهو غالبا ما يكون مختلا نتيجة تراجع نسبة التصدير في مقابل ارتفاق نسبة التوريد الذي يتصف بالفوضوي والعشوائي وهي حالة يعدها المختصون في الاقتصاد بأنها حالة مرضية بما أنها تستنزف رصيد البلاد من العملة العصبة لتفاقم المواد الموردة وخاصة تلك التي يمكن الاستغناء عنها أو التقليل منها أو التوقف الوقتي عن جلبها كما الحال في توريد المكثف للسيارات.. وتظهر المغالطة في محاولة الترويج إلى أن عجز الميزان التجاري ليس بالكبير وبأن الاقتصاد في طريقه الى التعافي والايهام بتحسن عمليات التصدير وذلك من خلال اقحام أرقام معاملات البضائع التي تصنع وفق نظام الشراكات غير المقيمة والمصدرة كليا ضمن مؤشر الميزان التجاري بما يجعل نسبة التصدير ترتفع في مقابل ما نورده من سلع وبهذه الطريقة يظهر وكأن الخلل في الميزان التجاري ضعيف أو قليل والحال أن ما تنتجه شركات المناولة هذه لا يعد تصديرا تونسيا حتى يحتسب ضمن مؤشرات الميزان التجاري، ناهيك أن العبرة في اعتبار البضاعة ضمن الصادرات المحلية وتابعة للاقتصاد التونسي أن تكون المواد الأولية تونسية وغير تابعة للبلد المصدر للبضاعة بما يعني أن المؤسسة أو الشركة التي تنشط وفق نظام المؤسسات غير المقيمة والمصدرة كليا والتى لا تخضع إلى رقابة الديوانية ولا البنك المركزي، لا يعد ما تنتجه وتقوم بإخراجه من منتجات خارج حدود الوطن وإعادته إلى بلده الأصلي تصديرا .

وهذا يعني أن اعتبار المنتجات التي تعود إلى بلدانها الأصلية بناء على اتفاقيات الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوروبي الذي فرض نظام التبادل التجاري الحر وفق صيغة المناولة من قبيل البضاعة المصدرة واحتسابها ضمن مؤشرات الميزان التجاري للتقليل من عجزه وإظهار بأن الوضع الاقتصادي في طريقه إلى التحسن هو مغالطة كبرى ترتكبها الحكومة التونسية وتزييف للأرقام وهو الأمر الذي يعلمه كل من المعهد الوطني للإحصاء والبنك المركزي ولكن لا أحد يتحرك لإيقاف هذه المغالطة ولا أحد يجرؤ على كشف هذه الحقيقة ومصارحة الرأي العام بها.

المغالطة الثانية في الحديث عن حقيقة عجز الميزان التجاري و ما يروج إعلاميا من أن الفارق الكبير بين الواردات والصادرات والذي يكبد الدولة هدر كمية كبيرة من العملة الصعبة وراءه التوريد الكبير من الصين وتركيا في مقابل تصدير قليل إلى هاذين البلدين وبالتالي فإن العجز كله متأت من التوريد المكثف مع هاذين البلدين وأن الميزان التجاري مع الاتحاد الأوروبي وتحديدا فرنسا يشهد فائضا بما يعني أن علاقتنا التجارية مع فرنسا لا تعرف عجزا بين ما نورد منها وما نصدر لها وهي مغالطة إلى جانب كونها لا تستقيم واقعا وإلا كانت فرنسا وفق هذا المعطى تعرف عجزا تجاريا مع تونس ويجعل اقتصادها مرتهنا للاقتصاد التونسي ، فإن حقيقة العلاقة التجارية مع دول الاتحاد الاوروبي تشهد عدم توازن و عجزا واضحا مع كل من ألمانيا وايطاليا وفرنسا وأن حقيقة الميزان التجاري مع بلد العم سام ليس كما يقول الخطاب الرسمي ويردده جانب من الإعلام المتواطئ مع التوجهات الفرنكفونية في تونس حيث كشف تقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاء أن مبادلاتنا مع الطرف الأوروبي غير متوازنة وتقوم على خلل كبير بين المبادلات والصادرات وأن تونس تعرف عجزا في المبادلات التجارية مع فرنسا .

ما نخرج به من هذه الندوة المهمة هو جملة من الحقائق منها أن تونس بناء على اتفاقيات الشراكة وفق الصيغة الحالية قد تحولت إلى بلد مناولة للأوروبيين وهي مرتهنة للشركات الفرنسية والمصالح الفرنسية وأن تونس غير مسموح لها أن تتحول إلى بلد مصنع ويقيم علاقات متكافئة مع غيره من الدول وخاصة دول الضفة الغربية وأن تونس هي بلد اقتصادها يقوم على تقديم الخدمات لا غير .

الحقيقة الأخرى أن ما يحصل مع الشركات غير المقيمة والمصدرة كليا والتي تنشط في بلادنا فضلا عن تمتعها بالكثير من الامتيازات الديوانية فإن نشاطها التجاري لا يمكن اعتباره مبادلات ولا تصدير وإنما هونت قبيل المناولة لا غير لا يمكن اعتبارها ضمن مؤشرات احتساب الميزان التجاري وهذا يعني أن تغطية العجز التجاري الذي دمر البلاد وأن التوريد الفوضوي الذي استنزف العملة الصعبة من خلال اعتبار نشاط هذه الشركات تصديرا وإقحامه ضمن مؤشرات الميزان التجاري هو مغالطة كبرى وتزيف للأرقام وتلاعب بها.

من الحقائق الأخرى التي وردت في هذه الندوة أنه ليس من السهل على المستعمر القديم أن يفرط في مستعمراته القديمة حتى وإن اعترف باستقلالها وأن ما أمضت عليه تونس من اتفاقيات مع فرنسا قد جعلنا إلى اليوم مرتهنين وتابعين لها في كل المجالات والميادين فما تم الوقوف عليه هو أنه ليس من السهل ان تفرط فرنسا فيما تعتبره مصدر ثروة لها وهذا يحتاج إلى استراتيجية حتى تبقى المستعمرات القديمة في تبعية دائمة لفرنسا .

ما نعيشه اليوم مع كل ما يحصل من مغالطات في احتساب العجز في الميزان التجاري والتغطية على حقيقة العجز التجاري مع فرنسا هو استراتيجية جديدة تقوم على استدراج تونس إلى وضع الاستعمار الجديد من خلال برنامج الشراكة الاقتصادية والتجارية الذي يقوم على فكرة تحويل تونس الى بلد للمناولة وإحلال الشركات غير المقيمة والمصدرة كليا محل المؤسسات التونسية وتمتيعها بامتيازات قمرقية لا تتمتع بها المؤسسة التونسية وفكرة تشجيع الاستثمار الاجنبي المباشر بدعوى خلق مواطن شغل .

أما الحقيقة الأخرى فهي تكثيف الحديث عن ترشيد التوريد مع تركيا والصين وتجاهل مراجعة ما نورده من دول الاتحاد الاوروبي وخاصة من فرنسا، بل لا نكاد نتحدث عما يحصل لنا من خلل تجاري كبير معها وهذا ما يفسر كيف أن توريد السيارات الاوروبية وخاصة الماركات الفرنسية متواصل رغم العجز الحاصل في موارد الدولة والعجز الآخر في الميزان التجاري في الوقت الذي يشهد فيه سوق السيارات طفرة كبيرة غير مدروسة .

وقد حاولت المحاضرون قوله هو أنه منذ اتفاقيات 3 جوان 1955 وتونس إلى اليوم تبحث عن تحررها الحقيقي واستقلالها الذي يمنحها السيادة الكاملة وتعمل على فك الارتباط مع مستعمرها القديم الذي اتضح اليوم أنه هو العائق نحو تقدم البلاد .. وقد حاولت هذه الندوة ابرازه هو أن الشعب التونسي منذ الاستقلال وهو تحت حكم المركزية الأوروبية الذي أعادت تشكيلنا ثقافيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا وجعلتنا في تبعية شاملة الامر الذي انتج وعيا بأن تونس لا تزال الى اليوم في مرحلة تحرر وطني متواصل.

ما حاولت هذه الندوة ابرازه أن استراتيجية الاستدراج الى وضع الاستعمار الجديد وإن كان يحتاج إلى اطار نظري والى قوانين واتفاقيات شراكة مكبلة ومعطلة فإنها تحتاج إلى اذرع تعينها وتكون في خدمة مشروعها ومن هذه الاذرع الجهاز الاعلامي والآلة الاعلامية، فاليوم مع كل أسف لدينا جزء من الاعلام متواطئ مع الفرنكفونية ويدافع عن الخيارات الفرنسية ويروج لثقافته ويعمل على تشكيل وعي جماهيري متصالح مع الهيمنة الغربية .

تحرير نوفل سلامة

الصريح اون لاين تونس في 23/01/2023