البارزة, حوارات, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on نور الدين البحيري في حديث شامل : الدستور يحسم الخلافات بين قرطاج والبرلمان حول ليبيا والنظام السياسي

نور الدين البحيري في حديث شامل : الدستور يحسم الخلافات بين قرطاج والبرلمان حول ليبيا والنظام السياسي

يعتبر وزير العدل التونسي السابق ونائب رئيس حركة “النهضة” ورئيس كتلتها البرلمانية نور الدين البحيري واحدا من أكثر الشخصيات السياسية المثيرة للجدل في تونس وداخل حزبه.

برز أواسط الثمانينات من القرن الماضي مشرفا على “الاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية” وكاتبا في صحيفة الرأي الليبيرالية، ثم محاميا تزعم مع زوجته المحامية والحقوقية سعيدة العكرمي ورفاقهما طوال مرحلة حكم بن علي جانبا من التحركات الحقوقية المناصرة للمساجين السياسيين وعائلاتهم. ترأس بعد الثورة المكتب السياسية لحزبه ثم عين وزيرا للعدل في حكومة حمادي الجبالي (2012 ـ مطلع 2013) فوزيرا مستشارا سياسيا لدى رئيس الحكومة علي العريض حتى موفى 2014. عين في الدورة البرلمانية السابقة والحالية رئيسا لكتلة نواب حركة “النهضة” برتبة نائب رئيس حركة.

يعتبره بعض أنصاره وخصومه العلمانيين والإسلاميين الأقدر على فهم تعقيدات المجتمع المدني التونسي والأكثر انفتاحا على النخب، فيما يتهمه آخرون بـ “التعصب المبالغ فيه لحركته” وبعض مواقفها “الاستفزازية”.

الإعلامي كمال بن يونس التقى نور الدين البحيري وأجرى معه حوارا شاملا خاصا بـ “عربي21″، استشرف فيه مستقبل حركة “النهضة” وتونس بعد وباء كورونا و”شبهات تضارب المصالح والفساد” الموجهة إلى رئيس الحكومة وعن مواقفه من المتغيرات الإقليمية في ليبيا والجزائر وفرنسا..

 

س ـ كيف تستشرف مستقبل تونس بعد حوالي 10 أشهر عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. في وقت يعتبر فيه كثير من المراقبين أن “الاستثناء الديمقراطي التونسي” في خطر بسبب تعقد التحديات الإقليمية وتراكم الصعوبات الاقتصادية والسياسية وبصفة أخص بعد الخسائر التي لحقت بالبلاد بسبب كورونا والأزمة السياسية والخلافات العلنية بين رئاسة الجمهورية والبرلمان؟

ـ أنجزت الثورة التونسية مهمات سياسية واجتماعية تاريخية بينها بناء مؤسسات ديمقراطية والتوافق على دستور وتكريس التعددية السياسية والإعلامية، لكنها تواجه تحديات بالجملة لأسباب داخلية وخارجية، من بينها مضاعفات وباء كورونا وطنيا وعالميا والمتغيرات الإقليمية..

تمر البلاد فعلا بصعوبات كثيرة وبتجاذبات بين إرادتين: الأولى تسعى إلى دعم المسار الديمقراطي وأهداف الثورة والثانية تسعى إلى العودة بالبلاد إلى نظام فردي سلطوي تنفرد فيه أقلية بالثروة والسلطة.

بعد 9 سنوات عن الثورة من الطبيعي أن يتطلع الشعب بإلحاح إلى تحقيق مطالبه الاجتماعية والاقتصادية وإلى حياة كريمة.. بلادنا تزخر بالثروات البشرية والطبيعية وقطاع فلاحي وحده يمكن أن يحدث نهضة نوعية إذا توفرت الإرادة السياسية وقمنا بخطوة مهمة لوضع حد لهيمنة الفاسدين على مؤسسات الدولة والاقتصاد والإعلام..

لوبيات العودة إلى الوراء؟

س ـ هل يمكن أن تقع انتكاسة؟ هل تخشون من انتصار “معسكر العودة إلى الوراء”؟

ـ البعض يسعى إلى العودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد والفساد، مثل النائبة عبير موسى القيادية في الحزب الدستوري التي تعاقبت غلطاتها السياسية والقانونية من بينها إنكار الدستور التونسي علنا..

وعبير ليست وحدها في تحدي الدستور والقانون وتضحيات الشعب وثورته.. آخرون لهم نفس الموقف سرا.. وآخرون يريدون تغيير النظام السياسي في اتجاه إعادة اعتماد الحكم الفردي وإلغاء مكاسب المسار التعددي الديمقراطي..

هذه المحاولات سوف تفشل في نظرنا لأن تعديل الدستور يتطلب إجراءات معقدة جدا وأغلبية كبيرة في البرلمان.. ولأن الدستور محصن من التلاعب.. والتغير الارتجالي للنظام السياسي غير ممكن.. لأنه محصن كذلك بإرادة شعبية شبابية رغم حالة القلق التي يعبر عنها الشباب والعاطلون عن العمل بسبب تعثر مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية..

في النظام السياسي والانتخابي التونسي عدة مكاسب من بينها انتخاب مباشر للبرلمان ولرئيس الدولة وللمجالس البلدية.. التي تمثل محطة مهمة في تكريس الحكم المحلي..

وأعتقد أن البلد الذي بنى مؤسسات الحكم المحلي ودفع نحو اقتسام السلطات بين المحليات والجهات وبين المركز في العاصمة لا يمكن أن تسير إلى الخلف.

كما لا يمكن أن يقبل العودة إلى الوراء الشعب الذي قسم السلطات مركزيا بين 3 أقطاب لكل منها صلاحيات واضحة: رئاسة الدولة في قرطاج ورئاسة الحكومة في القصبة والبرلمان في باردو..

لرئيس الدولة صلاحيات دستورية واضحة.. والدستور أسند إلى البرلمان صلاحيات كبيرة لأنه منتخب مباشرة من الشعب، من بينها المصادقة على الحكومة أو سحب الثقة منها ومراقبة السلطة التنفيذية ورسم سياسات الدولة..

الرجوع إلى الوراء نحو “النظام الرئاسي الاستبدادي” يعني قلب كل المعطيات وإحداث انقلاب على كل المنظومة السياسية الدستورية.. وهو مستحيل على المدى القريب والمتوسط..

الخلافات بين رئيسي الدولة والبرلمان ؟

س ـ هناك تصريحات علنية من قبل رئيس الدولة والناطقين باسمه عن وجود رئيس واحد في البلاد.. بما اعتبر تحذيرا لرئيسي البرلمان راشد الغنوشي والحكومة إلياس الفخفاخ؟

ـ فعلا لدينا رئيس جمهورية واحد انتخبناه مباشرة.. ولدينا رئيس حكومة واحد زكاه البرلمان بعد مفاوضات مع الكتل البرلمانية والأحزاب الفائزة.. ولدينا رئيس برلمان واحد انتخبه البرلمان الذي زكاه الشعب في انتخابات تعددية مباشرة..

الخلاف ليس حول وجود رئيس واحد للدولة أو للحكومة أو للبرلمان، ولكن قد يبرز خلاف بسبب بعض الذين يحاولون عبثا انتهاك الدستور الذي قسم السلطات بوضوح بين البرلمان والسلطة التنفيذية المركزية والحكم المحلي بما يحمي البلاد من كل أشكال الاستبداد..

من الطبيعي في بلد عانى من الاستبداد والحكم الفردي أكثر من 60 عاما، بل قرونا، أن يبرز شبه إجماع عند صياغة الدستور على تقاسم السلطات واعتماد نظام ديمقراطي يقطع مع سيناريوهات العودة إلى كل أشكال التسلط والنظام الفردي ومساوئه أو “النظام الرئاسوي”….

ولا أفهم كيف يدعو البعض إلى العودة إلى الحكم الفردي في وقت تستعد فيه البلاد لدعم الحكم المحلي في مستوى المجالس البلدية بحكم محلي جهوي في مستوى بمجالس جهوية ثم مجلس وطني مركزي للحكم المحلي.

وكل هذا لا يقلل من صلاحيات رؤساء الدولة والحكومة والبرلمان..

الخلافات بين البرلمان والحكومة

س ـ لكن أطرافا عديدة تؤكد أن المؤسسات السياسية في أزمة بسبب التضارب بين “الأغلبية البرلمانية” و”الأغلبية الحكومية”، وتتهم حركة “النهضة” بالازدواجية وتعمد إلى إضعاف الحكومة التي تشارك فيها عبر البرلمان..

ـ هناك تنوع وتعدد، ويمكن أن توجد أزمة ثقة عابرة لأن التجربة الديمقراطية والتعددية جديدة في البلاد ولأن المدة التي تفصلنا عن الانتخابات قصيرة.. ولا تزال بعض الأطراف متأثرة بالمشاحنات والتجاذبات التي برزت خلال الحملات الانتخابية..

تحرير الإعلام

س ـ قيادات نقابية وحقوقية اتهمت حركة “النهضة” بالازدواجية.. وتقول إن وزراءها صادقوا على مشروع القانون المنظم للإعلام السمعي البصري بينما صوت نوابها على مشروع مناقض في لجنة الحقوق والحريات في البرلمان قدمته كتلة ائتلاف الكرامة..

ـ ليس هناك تناقضات ولا ازدواجية.. وزراؤنا لم يصوتوا لصالح المشروع الحكومي عند عرضه في مجلس الوزراء بل دعوا إلى تأجيل البت فيه.. وبالنسبة للمشروع المعروض على البرلمان صادقت عليه الغالبية الساحقة من أعضاء اللجنة، لأنه دعا إلى إلغاء “الترخيص” واستبداله بـ “إعلام” عند تأسيس مؤسسة إعلامية.. مثلما هو معمول به بالنسبة لتأسيس الأحزاب والجمعيات في القانون المعتمد بعد الثورة..

وأقول للمعترضين على المشروع الجديد: أيهما أخطر تأسيس حزب سياسي وجمعية كبيرة بدون رخصة أم مؤسسة إعلامية؟

المشكل مفتعل إذن.. والكلمة الأخيرة سوف تكون للجلسة العامة في البرلمان..

الجدل حول المرسوم 116 المنظم للهيئة العليا المشرفة على قطاع الإعلام (الهايكا) طال أكثر من اللازم، لأنه بدأ منذ عهد حكومة حمادي الجبالي في 2012..

نحن مع حرية الإعلام وحماية التنوع وأخلاقيات المهنة الصحفية دون أي تحفظ.. مع دعم الدور التعديلي لـ “الهايكا” دون أن نتورط في إحداث مؤسسة يتجاوز دورها دور وزارات الإعلام قبل الثورة وفي الديكتاتوريات..

المشروع الذي صادقت عليه اللجنة البرلمانية يدعم تحرير الإعلام.. لأن دور الهيئات التعديلية ليس إسناد التراخيص بل ضمان احترام أخلاقيات المهنة والتوازن في المضامين المقدمة..

أزمة ثقة

س ـ وكيف ترون الخروج من أزمة الثقة التي توشك أن تعصف بالبرلمان والحكومة واستقرار البلاد؟  

ـ المطلوب جملة من القناعات والإجراءات بدءا من الاعتراف الجماعي بأن البلاد للجميع وأن الإقصاء مرفوض وأنه لا يمكن بناء بلد ديمقراطي ومتقدم عبر إنكار حق الطرف الآخر في الوجود..

نحتاج إلى تعزيز الثقة بين مكونات الحكومة والبرلمان والحياة السياسية والاعتراف بنتائج الانتخابات.. ثم التفرغ للبناء في انتظار الانتخابات القادمة..

ومطلوب من رئيسي الجمهورية والحكومة ومن البرلمان وكل القيادات السياسية تقديم رسائل طمأنة للمجتمع.. لتشريكها في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والكف عن كل الدعوات للتقسيم والتجزئة والإقصاء..

تضارب المصالح

س ـ وكيف سيقع الخروج من الأزمة السياسية العامة التي استفحلت بإثارة ملف “شبهة تضارب المصالح والفساد” الموجهة إلى رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد 4 أشهر فقط من تزكيته؟

ـ هذه الحكومة شاركنا فيها ودعمناها رغم حرماننا من حقنا في تشكيلها ورئاستها طبق أحكام الدستور باعتبارنا الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية ..قبلنا المشاركة فيها رغم تحفظاتنا على تركيبتها وعلى إقصاء بعض الأطراف السياسية والحزبية التي انتخبها الشعب..

قبلنا لكننا بقينا نطالب بجملة من الإصلاحات والإجراءات العاجلة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وطالبنا بصياغة استراتيجية اقتصادية واضحة.. لذلك طالبنا بتوسيع الحزام السياسي حتى نضمن أغلبية الثلثين حول الحكومة وننجح في بناء المؤسسات الدستورية مثل المحكمة الدستورية ونواجه التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية..

وزاد الأمر تعقيدا بعد ما أثير من شبهات تضارب مصالح حول السيد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، وتعقد الوضع أكثر عند حديث البعض عن شبهات فساد تستهدفه..

أصبح وضع الحكومة ورئيسها صعبا جدا خاصة أن وثيقة التعاقد الحكومية نصت بوضوح على جملة من المهام والأولويات من بينها محاربة الفساد (البند الثاني)..

س ـ كيف ستتصرف كتلة حركة “النهضة” البرلمانية وحلفاؤها مع هذه الأزمة؟

ـ مجلس شورى حركة “النهضة” قرر في اجتماعه الماضي أن ندعم حكومة الفخفاخ وأن ننتظر نتيجة التحقيق.. لكن الملفات تتعاقب وتزداد خطورة، بما يوحي بأن هذه الحكومة قد تكون جزءا من الماضي..
نخشى أن تصبح عاجزة عن القيام بمهامها بدءا من كسب ثقة الشعب والمستثمرين في الداخل والخارج ولا في التفاوض باسم الدولة مع شركائها الإقليميين والدوليين.. لذلك فإننا ندعو الشركاء السياسيين والاجتماعيين إلى حوار عميق ودقيق حول هذا الموضوع..

مستقبل “النهضة”

س ـ وكيف تستشرفون مستقبل حركة “النهضة” في ظل هذه الأزمة السياسية العامة في البلاد وفي المنطقة؟ متى سوف يعقد المؤتمر الوطني 11؟

ـ مؤتمر الحركة الـ 11 سوف يعقد حسب قرار مجلس الشورى قبل موفى العام الجاري.. نتطلع إلى أن يعقد المؤتمر إذن عام 2020.. وأن يكون مؤتمرا مضمونيا ينقل الحركة من أولويات حركة معارضة وحركة استملت الحكم في ظروف معينة في موفى 2011 إلى حزب وطني يلعب دوار في بناء الدولة والمجتمع..

سنعمل على أن يكون مؤتمر إحداث نقلة نوعية تصبح بعدها الحركة قولا وفعلا حزبا وطنيا جامعا، يكون في مستوى أمانة الحكم والمشاركة في تسيير البلاد وتقديم الحلول الاقتصادية والاجتماعية..

الوضع الإقليمي

س ـ وهل لستم متخوفين من التطورات الإقليمية في ليبيا ومن تعمق الخلاف بين موقفكم منها وبعض تصريحات رئيس الدولة قيس سعيد والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيرهما الفرنسي ماكرون؟

ـ الموقف الرسمي التونسي ثابت من الحرب والأزمة في ليبيا منذ عهد الرئيس الباجي قائد السبسي رحمه الله: احترام الشرعية الدولية وحق الجوار ورفض التدخل في ليبيا.. نحن كحزب ملتزمون بموقف الدولة التونسية من الملف الليبي.. وقد دعونا دوما في حركة “النهضة” إلى حقن الدماء والتسوية السياسية..

أعتقد أنه لا خلاف جوهري بين مواقف رئيسي الدولة والبرلمان من الملف الليبي بصرف النظر عن بعض التفاصيل وزلات لسان والتصريحات التي يمكن مراجعتها وتعديلها..

 

تونس ـ عربي21 ـ من كمال بن يونسالسبت، 11 يوليو 2020 01:54 م بتوقيت غرينتش

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on رسالة مفتوحة الي الرؤساء الثلاثة وقادة النقابات :انقذوا البلاد اولا .. بقلم كمال بن يونس

رسالة مفتوحة الي الرؤساء الثلاثة وقادة النقابات :انقذوا البلاد اولا .. بقلم كمال بن يونس

 السادة رئيس الدولة ورئيسا الحكومة والبرلمان

السادة رؤساء نقابات العمال ورجال الأعمال والفلاحين

في الوقت الذي يحق فيه لتونس- مجتمعا ودولة – أن تفتخر  بنجاحها في الحد من الآثار الخطيرة لوباء كورونا صحيا و اقتصاديا واجتماعيا تبدو البلاد حسب مؤشرات عديدة مهددة بمخاطر على كل المستويات ..داخليا وخارجيا ..من بينها تضخم عدد العاطلين عن العمل والفقراء والمهمشين والمؤسسات المفلسة بشكل غير مسبوق ..

وبالرغم من كل التقديرات المتشائمة بمستقبل البلاد فإن مؤشرات بالجملة ترجح إمكانية إنقاذ الأوضاع إذا تضافرت جهودكم وأحسنتم توظيف الظروف الاستثنائية الحالية وطنيا وإقليميا ودوليا ..

–       صحيح أن نسبة التداين الخارجي العمومي والخاص تقدر لأول مرة بحوالي 120 بالمائة من الناتج ، ” بينما يفترض أن لا تتجاوز ال40 بالمائة ” حسبما ورد مؤخرا على لسان رئيس الحكومة وعدد من المسؤولين في الدولة ونقابات العمال ورجال الأعمال ..

–       وصحيح أن ازمات قطاعات السياحة والصناعات التقليدية والنقل والخدمات قد تسببت في استفحال معضلات البطالة  و التهميش والعجز المالي في القطاعين العام والخاص..وفي ارتفاع عدد العاطلين من 650 الفا ، “قبل كورونا ” ،  إلى أكثر من مليون آخر الصائفة .. يضاف إليهم ” جيش البطالة المقنعة ” والعاملين في ” الوظائف الوهمية ” مثل شركات البيئة والبستنة والحضائر والمؤسسات العمومية المفلسة كشركات الفوسفاط و النفط والغازوالنقل..

–       وصحيح أن “ودائع” ملايين العمال والموظفين في الصناديق الاجتماعية ” تبخرت ” بسبب ” سوء التصرف ” فيها ، فأصبحت “جرايات “أكثر من مليون متقاعد مهددة بمزيد الاقتطاع المباشر بعد أن تسبب ارتفاع الاسعار والتضخم المالي في البلاد في تخفيض كبير لقيمتها الحقيقية ..بالرغم من كون الأمر يتعلق بحق استرجاع أموال اقتطعت من الراتب طوال عشرات السنين وليس ب” صدقة ” و” جراية شيخوخة اجتماعية “..

–       وصحيح أن تونس ورثت أزمات هيكلية ومشاكل معقدة جدا عن مرحلة ما قبل 14 جانفي 2011 ، وأخرى عن حكومات ما قبل انتخابات 2019..من بينها أزمة الثقة بين دافعي الضرائب والسلطات بسبب التهريب والتهرب الجبائي..

–       وصحيح أن وباء كورونا تسبب في تعميق الازمات المالية والاجتماعية والسياسية في الدول الغنية بما في ذلك الدول النفطية الشقيقة وشركاء تونس التقليديين في أوربا وأمريكا ..

لكن كل هذه المعطيات لا تقلل من فرص تدارك الوضع وانقاذ البلاد عبر خطوات ومبادرات يمكن أن تقوموا بها في أقرب وقت من بينها :

·     سياسيا : عبر عقد اجتماعات تشاور صريحة ومغلقة في مستوى الخبراء وكبار المستشارين تشرف عليها رئاسة الجمهورية وتشارك فيها وفود تمثل رئاسة الحكومة والبرلمان ونقابات العمال ورجال الأعمال والفلاحين لبلورة خطة انقاذ سياسي شاملة تتماشى ومقتضيات الدستور والقانون وتضع حدا للدعوات ” الانقلابية ” بأنواعها..

وتتوج هذه المشاورات بجلسة  بين رئيس الدولة ورؤساء الحكومة والبرلمان و اتحاد الشغل والصناعة والتجارة والفلاحة والصيد البحري للتوقيع على وثيقة سياسية مشتركة وملزمة للإنقاذ تتضمن مثلا تعديل القانون الانتخابي و إحداث مؤسسة تكرس” المصالحة  الوطنية الشاملة وانصاف ضحايا الفساد والاستبداد” وتنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها عام 2021 …الخ

·     اجتماعيا :  عبر تحيين ” العقد الاجتماعي ” الذي أبرم في 2013 والزام كل الأطراف بإحترامه ومعاقبة الطرف الذي يخل به ، لأن مكافحة الفقر والبطالة تبدأ بتحسين مناخ الاستثمار وتحقيق الأمن الاجتماعي وتقاسم التضحيات بين رجال الأعمال والعمال .

·     ديبلوماسيا : عبر تدارك الثغرات في عمل المؤسسات الديبلوماسية الحكومية و تفعيل ” ديبلوماسية الحياد الايجابي ” و” الديبلوماسية الاقتصادية ” و”الديبلوماسية الشعبية ” بالتنسيق بين وزارة الخارجية وكل الأطراف التي تلعب في تونس وفي أغلب دول العالم منذ عقود دورا في جذب الاستثمارات الخارجية وفرص التمويل للدولة مثل منظمات رجال الأعمال والنقابات والبرلمان والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الإعتبارية ..

·      إعلاميا واتصاليا : تدارك النقائص المفزعة التي يشهدها قطاع الاعلام والاتصال منذ 10 أعوام بسبب غلطات كبيرة ارتكبت منذ سقوط حكم بن علي لأسباب عديدة من بينها تهميش الخبراء النزهاء والمهنيين المحترفين والوطنيين وتعاقب القرارات المرتجلة من قبل بعض صناع القرار والقائمين على القطاع في عهد الحكومات المتعاقبة..

وإذ يطلب منكم دعم هامش الحريات الصحفية فلا بد من خطة عمل واضحة لتطوير أداء وسائل الإعلام والاتصال الوطنية لتساهم قولا وفعلا في خدمة مصالح الشعب والبلاد ، في عصر أصبحت فيه وسائل الاتصال  تعتبر” السلطة الأولى” في كثير من دول العالم المتقدم و” سلاحا ذا حدين” يمكن أن يوظف في البناء أو في الهدم…

السادة الرؤساء والزعماء النقابيون

 عسى أن تنجحوا في توسيع منسوب الثقة المتبادلة بين كل الوطنيين وفي أن توظفوا المشاكل الظرفية والأزمة السياسية لإنقاذ البلاد ومسار الانتقال الديمقراطي تكريسا لوعودكم الانتخابية .

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, وجهات نظر 0 comments on الأزمات تستفحل .. وسلاح الحروب القادمة إعلام وتكنولوجيا اتصالات .. بقلم كمال بن يونس

الأزمات تستفحل .. وسلاح الحروب القادمة إعلام وتكنولوجيا اتصالات .. بقلم كمال بن يونس

يتابع عدد من صناع القرار الاقتصادي والسياسي وطنيا ودوليا استفحال الأزمات وتعقدها في كل القطاعات، في وقت تزايد فيه الخلط بين ” مظاهر الأزمة ” و أسبابها و انعكاساتها..بين خيار الانخراط في الثورات الإعلامية والمعلوماتية والتكنولوجية العالمية و”سياسة النعامة” ..التي تعودت على أن تغمس رأسها في التراب ..

ورغم تعاقب المحطات الانتخابية تجهض بعض ” المافيات ” مشاريع الإصلاح  وأحلام غالبية ساحقة من أبناء الطبقات الشعبية والوسطى ونخبة من رجال الأعمال الوطنيين في انجاز التغيير المنشود ..

وإذا كان الجميع ينسب إلى نفسه النجاح فالكل يتبرأ من الإخفاق وفشل السياسات ويتهم الأطراف المقابلة بالتسبب فيها: النقابات وبعض الأحزاب ” الثورية ” تتهم رأس المال الفاسد ومافيات التهريب والتهرب من الضرائب ورجال الأعمال ، في المقابل فإن بعض السياسيين والمستثمرين يفسرون الازمات والفشل ب” غياب مناخ ملائم للاستثمار ” وب” تضخم عدد الاضرابات والاعتصامات القانونية والفوضوية “..(؟؟)

فهل من مخرج من ” الحلقة المفرغة “..خاصة أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مرشحة لأن تستفحل وطنيا وعالميا بعد ” وباء كورونا” الذي صعد حربا عالمية مفتوحة بين القوتين الأولى والثانية في العالم أي الولايات المتحدة الأمريكية والصين .

وكانت هذه الحرب الاقتصادية انفجرت بسبب المعركة حول الهيمنة على التقنية الثورية الجديدة لسوق اتصالات  “الجيل الخامس G5” ؟

وقد برز نوع من الاجماع بين الخبراء العالميين حول علاقة “التوتر الجديد ” بين واشنطن وبيكين بارتفاع حدة الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بسبب صراع قادة أكبر اقتصادين في العالم للسيطرة على سوق اتصالات «الجيل الخامس» 5G.

ووصفت هذه التقنية الجديدة ب” الثورة الجديدة” ، واعتبرت بيكين أنها ستشكل ” العمود الفقري لاستراتيجية «صنع في الصين 2025»، التي ستجعل من الصين «قوة تقنية عظمى»، فيما تعتبر الادارة الامريكية وبعض مؤسسات الاعلام والاتصال  وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الالكترونية أن  ” الإستراتيجية التجارية الاتصالية الصينية ” أصبحت تشكل “تهديداً مباشراً لأمنها القومي ” وتوشك أن تضع حدا لهيمنة مؤسسات التكنولوجيا الامريكية العملاقة على أسواق الاتصالات الامريكية والاوربية والعالمية .

ولا تبدو الولايات المتحدة مستعدة لتقديم تضحيات إلى مؤسسات تكنولوجيا الاعلام والاتصال والاتصالات الصينية ، لأن ذلك سوف يعني بكل بساطة وضع لاحتكار المؤسسات الامريكية والدولية التابعة لها لهيمنتها و لاحتكاراتها التجارية والمعلوماتية والامنية ..

وقد سبق لليابان وألمانيا وخصوم سابقون للولايات المتحدة أن نجحوا في تحقيق قفزات نوعية في عالم تكنولوجيا الاعلام والاتصال والاتصالات صناعة وتسويقا ، لكن واشنطن ردت عليهم عبر توسيع شراكاتها مع مؤسسات منافسة أوربية وآسيوية كما أحدتث فروعا متطورة جدا لها في اسرائيل .

وتحرص الادارة الامريكية اليوم على أن تكرس تفوقها وهيمنتها عبر ” سياسات حمائية ” دعما لصناعاتها في قطاعات الاتصالات واللوجيستيك والانترنيت …الخ

كما تحاول أن تحاصر تقدم البحث العلمي والتكنولوجي في قطاعات الاعلام والاتصالات في الصين والهند وأوربا عبر التلويح بفرض عقوبات مع الدول والمؤسسات التي تتعامل مع شركة ” هواوي الصينية ” ومع ” الجيل الخامس الصيني G5“..

وتعتبر الولايات المتحدة أن أوراقا كثيرة تمكنها من المحافظة على هيمنتها على هذه السوق العالمية ..وتسعى إدارة دونالد ترامب وحلفائها إلى توظيف ” وباء كورونا ”  لشن حرب جديدة ضد بيكين وتحميلها مسؤولية ” ترويج الفيروس الصيني كوفيد 19″..

أين تونس والدول العربية والاسلامية والافريقية من هذا الصراع ؟

وهل سمع ساستها بعمق المتغييرات الجيو استراتيجية والدولية في عالم تكنولوجيا الاعلام والمعلومات والاتصالات وبالحرب التي انطلقت بسببها بين الولايات المتحدة والصين وشركائهما ؟

هل أدرك هؤلاء الساسة بمختلف مواقعهم أن ” العولمة ” لم تعد مجرد مواكبة لاتفاقية منظمة التجارة العالمية  OMCالتي تأسست في مراكش المغربية في جانفي 1995 التي فتحت عهد ما بعد الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة ” قات ” GAT  والاتفاقيات المماثلة التي كرست تحرير المبادلات التجارية الدولية وحاربت ” السياسات الحمائية” ..؟

في كل الحالات على صناع القرار الاقتصادي والسياسي في بلداننا وفي العالم أجمع أن يعدلوا ساعاتهم وأن يستعدوا للمرحلة الجديدة من تاريخ البشرية التي ستكون فيها الحروب أساسا اعلامية اتصالية وتكنولوجية ..بما في ذلك في قطاعات التجارة والخدمات والأمن والدفاع ..

لقد فضحت الازمة الاقتصادية لعامي 2008و 2009 ثغرات في المنظومة الاقتصادية الأمريكية والعالمية التي ضخمت دور ” قطاع الخدمات ” و” التجارة الالكترونية الافتراضية ” ، لكن الحرب القادمة سيكسبه من ينتصر في معركة التحكم في البحث العلمي وتطوير التجارة في سوق تكنولوجيا الاعلام والاتصالات ..

ومن مصلحة الدول العظمى ، بما فيها الولايات المتحدة ومجموعة ال20 دولة الأغنى في العالم ، أن تستبق الحرب القادمة باعتماد سياسات ” متعددة الاطراف ” في التحكم في سباق تكنولوجيا الاتصال والاتصالات ..

وعسى أن ينفتح ساسة البلاد على الخبراء المؤهلين لدعم  الجهود الوطنية والإقليمية والدولية ردم الهوّة بين الدول المتقدمة و” النامية ” في هذا المجال ..

البلاد  والمنطقة يزخران بالمهندسين وخبراء الدراسات الاستراتيجية و المتغيرات الجيو استراتيجية  فانفتحوا عليهم ..

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, وجهات نظر 0 comments on بولتون في الغرفة ذاتها .. بقلم عبد الحسين شعبان

بولتون في الغرفة ذاتها .. بقلم عبد الحسين شعبان

 

عبد الحسين شعبان

باحث ومفكر عربي

أعادتني الضجة التي أثارها الإعلان عن موعد صدور كتاب “الغرفة التي شهدت الأحداث The room where it happened ” لجون بولتون المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي إلى الفيلم الملحمي الفرنسي – الجزائري ” Z” الذي تصدّر شاشات السينما في العام 1969 والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم لمؤلفها فاسيليس فاسيليكوس ، والذي يتحدث فيها شهود رئيسيون عن أوضاع حكومية وظروف غامضة ومريبة، مثلما أعربت بعض الأوساط الأمريكية والدولية عن استغرابها ودهشتها إزاء تسريب أسرار ومعلومات وخفايا تتعلق بإدارة الرئيس دونالد ترامب .

جدير بالذكر، أن جون بولتون هو أحد طباخي ” السياسة الأمريكية” ، ومقرب من الرئيس ترامب، ولذلك فإن نشر الأسرار والمعلومات على الملأ أزعجته وأثارت غضبه فأطلق طائفة من الاتهامات والعبارات النابية بحقه، بل إنه طلب منع نشره بزعم مساسه بالأمن القومي وإفشاء الأسرار، لكن القضاء الأمريكي رفض هذا الطلب .

لعلّها ليست المرّة الأولى أن يعمد أحد كبار الموظفين السابقين في البيت الأبيض على نشر مذكراته عن الفترة التي قضاها بالقرب من الرئيس ومن صناعة القرار، ولكن ذلك عادة ما يحدث بعد انقضاء ولاية الرئيس وبدء رئاسة جديدة، غير أن ما حدث هو أن بولتون حاول نشر “الغسيل الوسخ” كما يقال والرئيس ترامب ذاته ما يزال متربعاً على دست الحكم في البيت الأبيض، وتلك سابقة خطيرة، لاسيّما بنشر أسرار ما تزال طي الكتمان أو تسريب معلومات يفترض أن تبقى في الأدراج أو فضح قضايا لم يتم حسم الموقف بشأنها ، والأمر لا يتعلق ببعض الأمور الشخصية، بل إنها تصب في صميم مهمات الرئيس ومسؤولياته وخططه وبرامجه وعلاقاته وصفقاته واتفاقاته، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب وخطورته.

وبولتون مثل غيره من مستشاري الأمن القومي جاء من “مجمّع العقول” أو “تروست” الأدمغة مثل كيسنجر وبريجنسكي وأولبرايت وستيفن هادلي وكونداليزا رايس، وهؤلاء عادة من المتفوقين الذين تأخذهم الإدارة الأمريكية للاستفادة من إمكاناتهم ، وقد عيّن سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة في العام 2005 بعد أن برز كأحد صقور الحزب الجمهوري ومن المحافظين الجدد New Conservative ، وترأس في الفترة من 2013 – 2018 معهد جيستون وهو معهد معادي للإسلام، وقد التحق بإدارة الرئيس ترامب كمستشار للأمن القومي خلفاً لـ هربرت ماكماستر وكان إعلان ترشيحه لهذا المنصب يعني أن إدارة ترامب تتجه إلى التشدد في سياستها الخارجية لما هو معروف من التوجهات المتصلبة لبولتون وقناعته باللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية كحل لفرض هيمنة واشنطن.

لقد وقف بولتون إلى جانب ترامب حين شنّ الديمقراطيون ضدّه حملة شعواء لعزله، ولكن الأخير كافأه بالعزل بعد ذلك، كجزء من مزاجه المتقلب، وقد يكون الإسراع في إصدار مذكراته رغبة في قطع الطريق على الرئيس ترامب من الحصول على ولاية ثانية ، لاسيّما بنشر ما لديه من معلومات وأسرار لا تصب في صالحه، بل تنتقص من إدارته غير المنظمة والتي يتحكم فيها صهره كوشنير وابنته إيفانكا.

وأبرز بولتون الجانب العصابي في شخصية ترامب ونرجسيته وانتهاكاته لمعيار الوطنية الأمريكية، ليس فيما يتعلق بالعلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما أشيع عن دعمه في الانتخابات، بل تدخله لدى الصين لفتح تحقيق مع ابن جون بايدن منافسه الديمقراطي في الانتخابات القادمة، إضافة إلى تخبطاته على المستوى الدولي، فهو غير معني بالقيم الديمقراطية الليبرالية أو الجوانب الإنسانية والحقوقية والقانونية الدولية، وإلّا كيف تنسحب واشنطن من اتفاقية المناخ ومن منظمة الصحة العالمية ، ويصرّ ترامب على رفع ميزانية حلف الناتو إلى 2%، إضافة إلى وقف مساعداته لوكالة غوث اللاجئين وإعلانه عن الرغبة في التخلي عن عضوية لجنة حقوق الإنسان الدولية ، ويتعامل مع العالم العربي والقضية الفلسطينية من موقع تجاري، بل ويخضع كل شيء للتجارة والقوة الاقتصادية.

وبالعكس من ذلك ، يرى بولتون أن القوة العسكرية هي الأساس الذي ينبغي التعامل به مع عدد من القضايا والملفات مثل الملف النووي الإيراني والملف النووي الكوري الشمالي، مثلما كان مع تدمير المفاعل النووي السوري الذي قصفته إسرائيل العام 2007 ويتهم كوريا ببيع أسلحة نووية لسوريا وبتمويل من إيران. وقد وقف ضد مجموعة خان الباكستانية التي تعاونت مع إيران وكوريا الشمالية في مجال الأسلحة النووية، وخصوصاً تخصيب اليورانيوم التي سرقها خان من أوروبا ، حسب ادعاء بولتون.

عرف جون بولتون كل ما كان يجري في غرفة الرئيس، لذلك أراد أن يفتح أبوابها ونوافذها ويظهر خباياها وخفاياها للجميع بحيث يبان الرئيس عارياً ومجرداً من كل ما يستره،لذلك سارع لقطع الطريق على ولايته الثانية بالتوقيع على عقد نشر كتاب الغرفة التي شهدت الأحداث مقابل مبلغ مليوني دولار، ولعلّ ذلك جزء من القوة الناعمة التي استخدمها بولتون بوجه ترامب الذي يقود حروباً ناعمة ضد العديد من الدول والشعوب.

نشرت في صحيفة الخليج الإماراتية ، الاربعاء ، 1/7/2020

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, وجهات نظر 0 comments on بعد تبشير رئيس الحكومة بعدم الاقتراض من الخارج زلزال ناعم ينتظر الدينار .. بقلم جنات بن عبد الله

بعد تبشير رئيس الحكومة بعدم الاقتراض من الخارج زلزال ناعم ينتظر الدينار .. بقلم جنات بن عبد الله

أثار تعاطي حكومة الائتلاف مع عجز ميزانية الدولة والمسار الذي انخرطت فيه لمواجهته عبر مزيد الضغط على كتلة الأجور والمرشح أن يصل الى حد التخفيض في الأجور وجرايات التقاعد، والذي كشف عنه رئيس الحكومة في الحوار التلفزي بتاريخ 14 جوان 2020 ، اثار استنكار المواطن ورفض المنظمة الشغيلة .

هذا الرفض عبر عنه الاتحاد العام التونسي للشغل في بيانه الأخير الصادر عن مكتبه التنفيذي بتاريخ 17 جوان 2020 وحذر فيه الحكومة من مخاطر المساس بأجور العمال والموظفين ومن انتهاك حقوقهم المكتسبة.
في المقابل بقي ملف التوازنات المالية الخارجية المتعلقة بعجز الميزان التجاري وعجز ميزان الدفوعات من المواضيع التي يخيم عليها التكتم والتعتيم الإعلامي، وباستثناء بيانات مجلس إدارة البنك المركزي التي تتعرض له من زاوية عجز ميزان الدفوعات الذي يبقى من مشمولاته، فان الحكومة تصر على تجاهل التوازنات المالية الخارجية التي تبقى من مشمولاتها أيضا من زاوية سياسة التجارة الخارجية التابعة لوزارة التجارة.
اختلال التوازنات المالية الخارجية لا تقل خطورة عن اختلال التوازنات المالية الداخلية المتعلقة بعجز ميزانية الدولة. ولئن انخرطت حكومة الفخفاخ للضغط على عجز ميزانية الدولة في نفس الخيارات التي اتبعتها الحكومات السابقة وهي خيارات تستند الى وصفة صندوق النقد الدولي والتي تمر عبر الضغط على النفقات عوض العمل على تحفيز الاقتصاد لتطوير الموارد الجبائية للميزانية، فقد اتبع البنك المركزي في تحليله لعجز ميزان الدفوعات والحلول المقترحة للخروج من أزمة تعبئة الاحتياطي من العملة الصعبة نفس المنهج الذي يقوم على وصفة صندوق النقد الدولي والمتمثل في التحرك على مستوى دفع الصادرات عوض التحرك في مستوى الواردات في اتجاه ترشيدها وتقليصها بما يسمح بحماية نسيجنا الاقتصادي وحماية مواطن الشغل وضمان موارد جبائية للدولة.
ورغم أنه لم يبق لنا ما نصدر في ظل سياسة مالية عمومية وسياسة نقدية مدمرة وغير محفزة للاستثمار، تصر الحكومة والبنك المركزي على الانضباط لما يروج له صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في البلدان التي أحكما سيطرتهما عليها، من أنه طالما وأننا نصدر لا بد اذن من أن نورد…نورد مواد أساسية من حبوب وزيوت نباتية وحليب… تدعمها ميزانية الدولة …ونورد السيارات التي يدعمها القطاع البنكي من خلال سياسة الاقراض عوض توجيهها نحو الاستثمار وبعث مشاريع لخلق مواطن شغل وتعزيز الموارد الجبائية للميزانية…
ما يعمق خطورة ملف عجز الميزان التجاري وعجز ميزان الدفوعات ما جاء في البيان الأخير للبنك المركزي الصادر بتاريخ 27 ماي 2020 والذي توقع فيه تراجعا هاما للعائدات السياحية ومداخيل الشغل والتي تشكل من أهم المصادر الذاتية للموجودات من العملة الصعبة. هذا التراجع سيشمل أيضا الصادرات التونسية ونقصد بها صادرات الشركات المقيمة باعتبار توقف الإنتاج وصعوبة العودة للنشاط الاقتصادي. ولئن يروج اليوم لعجز تجاري في تقلص بسبب تراجع التوريد، للتخفيف من خطورة اختلال التوازنات المالية الخارجية، فان الأرقام الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء تفند ذلك.
فنسبة تغطية الواردات بالصادرات في مستوى النظام العام للتصدير، بعيدا عن احساب المبادلات التجارية التي تتم في إطار نظام التصدير الكلي والتي تقوم على المغالطة وتضخيم صادرات لا نجد لمداخيلها أثرا في الاحتياطي من العملة الصعبة، تعكس وتترجم حقيقة ميزان الدفوعات وحقيقة العجز الجاري. فهذه النسبة حافظت تقريبا على مستوياتها مقارنة بنفس الفترة من سنتي 2019 و2018 لتبلغ خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية 34 بالمائة مقابل 27 بالمائة في سنة 2019 و30.8 بالمائة في سنة 2018 .
وأمام تصريح رئيس الحكومة الذي بشرنا بعدم اللجوء الى الاقتراض الخارجي مستقبلا، وفي ظل ما جاء في بيان البنك المركزي بخصوص التراجع الهام المنتظر للعائدات السياحية ومداخيل الشغل، وفي ظل توقف التصدير، باستثناء الفسفاط ومشتقاته والطاقة في صيغتها الخام، فان الاحتياطي من العملة الصعبة الذي يعتمد اليوم أكثر على القروض الخارجية مهدد بالانهيار لينهار على إثره الدينار التونسي.
ولئن لا يمكن المقارنة مع ما يحدث اليوم لليرة اللبنانية باعتبار أن هذه الأخيرة محررة بما ساعد على تهريب العملة بصفة مباشرة، فان عمليات التهريب اليوم التي تسجلها بلادنا عبر الفوترة المضخمة ومسالك المبادلات التجارية في إطار نظام التصدير الكلي يمثل تهديدا حقيقيا للدينار الذي ينتظره زلزال ناعم في الأشهر القليلة القادمة.

أخبار, البارزة, حوارات, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on مصطفى بن جعفر : مطلوب تنقية المناخ السياسي ومصالحة “غير مغشوشة”

مصطفى بن جعفر : مطلوب تنقية المناخ السياسي ومصالحة “غير مغشوشة”

رئيس الدولة مؤهل لقيادة الحوار.. ومطلوب دعم حكومة الفخفاخ
حاوره كمال بن يونس

دعا مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي والرئيس المؤسس لحزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات في تصريح للصباح نيوز السياسيين إلى ” تنقية المناخ السياسي في البلاد عبر مصالحة سياسية شاملة وغير مغشوشة” ينخرط فيها كبار السياسيين وممثلو مختلف التيارات الفكرية والسياسية والحزبية في البلاد ، بما في ذلك قيادات العائلات الدستورية والإسلامية واليسارية والحقوقية الليبرالية “.

وأعتبر بن جعفر أن ” الغالبية متفقة اليوم في تشخيصها للوضع ” وتعتبر أن ” الصراعات والمعارك الكلامية والمزايدات السياسية في البرلمان وفي وسائل الإعلام لا تساعد رئيس الدولة والحكومة والسلطة التشريعية على المضي في انجاز ما تعهدت به من إصلاحات ومعالجة لملفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت أكثر إلحاحا بعد وباء كورونا الذي أربك اقتصاديات أغنى دول العالم..”
لكن بن جعفر أكد على كون ” الخروج من هذا المأزق لن يتحقق دون تحقيق مصالحة فكرية سياسية تؤدي إلى ” توافق سياسي جدي بين الفاعلين السياسيين وخاصة بين العائلات السياسية التي تؤثر في المشهد منذ عشرات السنين أي العائلات التي تنتسب الى الحزب الدستوري بمختلف تفريعاته والعائلات ذات الميولات الديمقراطية الاجتماعية والعائلات السياسية الوطنية العروبية والاسلامية ..”.
هل المقصود العودة إلى “التوافق السياسي السابق بين قيادات نداء تونس والنهضة في مرحلة ما بعد انتخابات 2014 “؟
بن جعفر نفى في تصريحاته للصباح نيوز أن يكون من دعاة ” التوافق المغشوش ” واعتبر أن تونس شهدت خلال الاعوام الماضية ” توافقا تكتيكيا أملته نتائج انتخابات2014 وعمليات حسابية كشفت عجز اي كتلة برلمانية عن الفوز بالاغلبية وتشكيل الحكومة دون التحالف مؤقتا مع الطرف المقابل “..
وقد تحقق “التوافق السياسي مؤقتا ” وأدى دورا ايجابيا مرحليا ، لكنه سرعان ما تصدع لان كثيرا ممن انخرطوا فيه لم يقوموا بمراجعات فكرية وثقافية تؤدي الى ” طي صفحة الماضي” وتكرس الاقتناع باحترام الاخر والعمل المشترك بصفة دائمة بين المنتمين إلى مدارس فكرية وسياسية وطنية مختلفة أي الى العائلات الدستورية والديمقراطية والعروبية الإسلامية ” التي لعبت دورا في مرحلة الكفاح الوطني ضد الاحتلال الأجنبي ثم في مرحلة بناء الدولة الحديثة .
وكيف يمكن إخراج البلاد اليوم من مأزق الصراعات السياسية الهامشية ودفعها نحو خيار المصالحة الوطنية ” غير المغشوشة “؟
بن جعفر أورد أن ” رئيس الجمهورية قيس سعيد المنتخب من قبل غالبية الشعب قبل أشهر مؤهل أكثر من غيره لتجميع القيادات السياسية الوطنية وتنظيم حوار بينها حول الأولويات السياسية الوطنية بما يساهم في انقاذ البلاد من المخاطر الكثيرة التي تهددها وعلى رأسها الصراعات الهامشية والحرب الاهلية الباردة “.
ووصف بن جعفر الوضع السياسي العام في البلاد ب” المشحون ” وطالب رئيس الجمهورية وقيادات الأطراف السياسية الكبرى المؤثرة في البرلمان والحكومة بتدارك الأمر قبل فوات الأوان واعتبر أن ” غالبية السياسيين في البلاد تدرك أن أولوية الشعب اليوم تنموية وخلق الثروة وتوفير الشغل لمئات الالاف من العاطلين وتحسين أوضاع الأجراء والمتقاعدين وليس جر البلاد إلى مزيد من الصراعات المعارك السياسية الهامشية والتي توشك أن تتسبب في ” حرب أهلية باردة وفي تصعيد العنف والفوضى ..”
واعتبر بن جعفر أن الحوار يمكن أن يشمل كل القضايا الخلافية بما في ذلك بعض فصول القانون الانتخابي والدستور والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة ، لكن ينبغي أن يجري في سياق الالتزام بأخلاقيات الحوار والاحترام المتبادل والاحتكام الى الدستور والقانون بعيدا عن ” منطق الاقصاء والاقصاء المضاد والعنف اللفظي الذي استفحل في بعض جلسات البرلمان ووسائل الاعلام والفضاءات العامة “.
من جهة أخرى دعا بن جعفر الفرقاء السياسيين إلى عدم توريط البلاد في أزمة سياسية جديدة عبر الدعوات الى اسقاط حكومة عمرها 100 يوما خاضت الى حد الان بنجاح المعركة مع وباء كورونا وضمنت سلامة الغالبية الساحقة من المواطنين صحيا ووفرت للفئات الشعبية حدا أدنى من حاجياتهم .
واعتبر بن جعفر أن ” حكومة الياس الفخفاخ تنتمي إلى التيار الاجتماعي الديمقراطي وتتميز بانفتاحها على كل التيارات والعائلات الفكرية والسياسية الوطنية ومن مصلحة البلاد أن يدعمها الجميع تكريسا للاستقرار السياسي والحكومي في مرحلة اقتصادية اجتماعية حرجة وطنيا ودوليا .

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on حوار الفخفاخ …اصرار على اتباع مسار الفشل .. بقلم جنات بن عبد الله

حوار الفخفاخ …اصرار على اتباع مسار الفشل .. بقلم جنات بن عبد الله

لعل ما بقي راسخا لدى المواطن التونسي من حوار رئيس الحكومة الذي أدلى به مساء الاحد 14 جوان 2020 بإحدى القنوات التلفزية الخاصة، هذا الحزم والإصرار على إيقاف نزيف التداين الخارجي ومطالبة المؤسسات العمومية بالحوكمة والتوجه نحو خيار الاعتماد على الموارد الذاتية.
وربما نجح رئيس الحكومة في التلاعب بنفسية المواطن بإقناعه بأنه مصدر كل الانزلاقات التي تعاني منها المالية العمومية وحان الوقت اليوم ليقدم مزيدا من التضحيات من خلال التخفيض في الأجور وجرايات التقاعد كآلية من اليات الاعتماد على الموارد الذاتية في إجابة صريحة منه لكل من يدعو الى فتح تحقيق في المديونية الخارجية بإعلانه بأنها فاقت المعايير المسموح بها، الا أن اللهجة الاستفزازية التي اعتمدها في مخاطبة الاتحاد العام التونسي للشغل وشركائه في الحكم من الأحزاب قد رفعت الستار عن مصداقية هذا الطرح التقليدي الذي يقوم على الإقرار بالصعوبات في اطار ما يسمى باستراتيجية الصدمة.
لقد جاءت مقاربة الفخفاخ في هذا الباب مطابقة لوصفة صندوق النقد الدولي الداعية الى مزيد الضغط على كتلة الأجور في سياق يذكرنا بالسيناريو اليوناني والضغوط التي مارسها صندوق النقد الدولي لتسريح قروض مقابل التخفيض في أجور الموظفين وجرايات التقاعد وتجميد الترقيات والمنح.
الفخفاخ تبنى هذا الطرح في اطارمسرحي نجح في إخراجه حيث اعتمد المؤثرات الصوتية والحركية واللغوية لإيهام المتلقي بأنه لا مخرج من الأزمة الا هذا المسلك الوحيد والموجع، على وزن الإصلاحات الموجعة لصندوق النقد الدولي.
في هذا الحوار لم ينجح الفخفاخ في إخفاء غياب الرؤية الاستراتيجية لحكومته ليكشف مرة أخرى أن بوصلته هي رسائل النوايا التي تعهدت بها بلادنا تجاه صندوق النقد الدولي والتي أمضى احداها في سنة 2013 مع محافظ البنك المركزي السابق.
من هذا المنطلق لا نستغرب غياب الخلفية الاقتصادية والمرجعية العلمية لبرنامج الحكومة الذي من المفروض أن يضبط شروط تحفيز محركات النمو الثلاثة ممثلة في الاستهلاك والاستثمار والتصدير والتي بدونها لا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي ولا عن تنفيذ خطة اقتصادية تقوم على سياسات قطاعية تحدد مسؤولية القطاعات الثلاثة الفلاحة والصناعة والخدمات في المرحلة القادمة، تمكن من إيقاف نزيف الاقتراض والتعويل على الموارد الذاتية.
ان الحديث عن موارد ذاتية يفترض الحديث عن السياسات المحفزة لمصادر النمو لتستقيم مقاربة الحكومة التي تعمل، كما أشار الى ذلك الفخفاخ، على بناء أو التأسيس لجسور الثقة بينها وبين الأطراف الاجتماعية والشعب التونسي الذي استفزه في هذا الحوار دون تقديم أجوبة حقيقية لمشاغله وأولوياته المتمثلة في تحسين مقدرته الشرائية وخلق مواطن الشغل والضغط على التضخم وارتفاع الأسعار وتحسين الخدمات العمومية وحماية القطاعات الاقتصادية من التوريد ومن تدهور قدرتها التنافسية ومن الإفلاس.
لقد ضرب الفخفاخ في حواره كل هذه الأولويات بضربه لمحركات النمو الثلاثة. فالمقدرة الشرائية مرشحة لمزيد التدهور في ظل سياسة التقشف. كما أنه لا يمكن اليوم الحديث عن دور الاستثمار في ظل سياسة نقدية متشددة ودينار ضعيف وسوق مفتوحة على مصراعيها لمنتوجات وخدمات أجنبية ذات قدرة تنافسية عالية.
أما التصدير فقد اتضح أن هذه الحكومة مصرة على اعادة الروح لنظام المناولة في المجال الصناعي وتهميش القطاع الفلاحي وتجاهل القدرات الحقيقية لقطاع الخدمات الذي اختزلته في السياحة.
ان الحركات الاحتجاجية التي تشهدها عديد الجهات اليوم، والتي تطالب بالتشغيل والتنمية، هي تعبير صارخ لفشل المسار الذي انخرطت فيه الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وأيضا حكومة الفخفاخ، لنعبر عن تخوفنا من اتساع الهوة بين الشعب وحكام تونس الجدد المصرين على اتباع مسار الفشل والهروب نحو المجهول.

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on سفير أمريكا في ليبيا في حوار صحفي: هكذا نرى دور تركيا وروسيا و مصر وأفريكوم مستقبلا

سفير أمريكا في ليبيا في حوار صحفي: هكذا نرى دور تركيا وروسيا و مصر وأفريكوم مستقبلا

نظم السفير الامريكي في ليبيا ريتشارد نورمبارغ حوارا صحفيا عبر الهاتف مع نخبة من الصحفيين العرب والأجانب حول المستجدات العسكرية والسياسية في ليبيا شاركت فيه “الصباح نيوز” كشف فيه موقف واشنطن من الدور التركي والروسي والمصري والفرنسي و تدخل أفريكوم والحلف الاطلسي ومستقبل التسوية السياسية بعد سيطرة حكومة الوفاق على العاصمة طرابلس وكامل المنطقة الغربية ..
ورحب السفير بالتطور الميداني واعتبر أنه سوف “يوقف التأثير المزعزع للاستقرار للتدخل الأجنبي ” كما “سيقلل من معاناة المجتمع الليبي الذي عانى كثيرا من ارتفاع في الخسائر في صفوف المدنيين والنازحين.”
انفراج .. واستبشار شعبي
ونوه السير نورلاند بتطور “الوضع في الأسابيع الأخيرة. بعد أن سيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني بدعم من تركيا( العضو في الحلف الاطلسي ) على عدة مناطق في غرب ليبيا” وبعد انسحاب “مرتزقة مجموعة فاغنر( الروسية ) بعيدًا عن الخطوط الأمامية لجنوب طرابلس.”وهو ما رحب الليبيون الذين نظموا احتفالات في الشوارع بوقف القصف والمعارك .
لكنه أعرب أن القيادة الامريكية لا تزال قلقة “بشأن إمكانية عودة التصعيد بعد أن سلمت روسيا معدات جوية رئيسية إلى قوات حفتر ، أبرزتها القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) في بيانها العام الأسبوع الماضي (..) .”
محادثات 5+5
وأورد السفير الأمريكي أن واشنطن تدعو اليوم حكومة الوفاق الوطني والجيش الليبي ( بزعامة السراج ) وقيادة الجيش الوطني الليبي ( بزعامة حفتر ) إلى الاستفادة من النافذة التي تفتح الآن للعودة إلى المحادثات التي سوف تنظمها الأمم المتحدة مجددا بين وفدين من كبار القيادات العسكرية ضمن ما عرف بمجموعة 5 + 5 تمهيدا ” لإقرار وقف دائم لإطلاق النار”.
وأوضح السفير نورلاند أنه المطلوب هذه المرة أن تشارك كل الاطراف في المفاوضات بحسن نية، وأن تحصل على تفويض كامل من قيادتها قبل الاجتماعات .
على الصعيد الاقتصادي، أورد المسؤول الأمريكي أن سلطات بلاده تعمل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتشجيع على” إصلاحات اقتصادية حقيقية لمعالجة الفساد وزيادة الشفافية والمساءلة وتعزيز المؤسسات الموحدة التي تعمل لصالح الليبيين جميعا”.
وأعلن أن حكومته منزعجة بشأن الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الحيوية للدولة، و”بينها المؤسسة الوطنية للنفط القلق بشأن إغلاق قطاع النفط والغاز الذي حرم الاقتصاد الليبي من أكثر من 5 مليارات دولار من الإيرادات.”
كما حث حكومة الوفاق الوطني على “مضاعفة الجهود على مستوى الدولة لتنفيذ استجابة كوفيد-19 الممولة بشكل كاف والتي تضمن للأشخاص الأكثر ضعفًا والمتضررين أن يتلقوا المساعدة والإمدادات التي يحتاجون إليها، مع ضمان استمرار المهام الحكومية الأساسية مثل دفع الرواتب في الوقت.”
بين القاهرة وموسكو وانقرة
وتعقيبا على سؤال حول زيارة حفتر إلى القاهرة وفايز السراج الى تركيا و نائبه احمد معيتيق إلى روسيا قال السفير الامريكي :”نعتقد أن هذا يعكس فرصة حقيقية للمجتمع الدولي لإحراز تقدم نحو التسوية في ليبيا ” بدعم من روسيا وتركيا ومصر .
في نفس السياق نوه بالمبادرة السياسية التي قدمها رئيس برلمان طبرق عقلية صالح ” في أعقاب الصورة العسكرية المتغيرة ميدانيا “.
واعتبر نورلاند أن “هذا النشاط الدبلوماسي يدعم التحركات التي تقوم بها واشنطن وباريس بعد المكالمات الهاتفية بين الوزير بومبيو ورئيس الوزراء سراج، وبين ماكرون وحفتر، والجهود الدبلوماسية الدولية المتزايدة لاغتنام هذه الفرصة للوصول إلى هذا تسوية سياسية .” وتجنب سيناريو تطور الوضع نحو حرب إقليمية واسعة ..
ليبيا ليست سوريا
ورفض نورلاند تشبيه ليبيا بسوريا واستبعد تطور الاوضاع فيها إلى حرب اقليمية دولية على غرار حرب سوريا .
وتعقييا على سؤال حول موقف الولايات المتحدة من دور تركيا وروسيا في ليبيا أورد السفير نورلاند:”موقفنا الأساسي هو أن الوقت قد حان لجميع المرتزقة وجميع القوات الأجنبية لبدء تخفيف التصعيد ومغادرة ليبيا. إذا كان هناك شعار واحد نطبقه خلال الوضع الآن، فهو “ليبيا لليبيين”. الآن، عندما تتحدث عن تركيا، علينا أن نتذكر أن التصعيد الحقيقي في هذا الصراع بدأ بتدخل قوات فاغنر الروسية منذ أكتوبر الماضي ،وجاء كان التدخل التركي رداً على ذلك”. واستطرد قائلا :” الآن بعد أن تمت تسوية للأوضاع على الأرض تقريبًا، مرة أخرى، رسالتنا هي أن التدخل الأجنبي يجب أن يتوقف، ويجب تخفيف التصعيد، وأن يُسمح للأطراف الليبية بالحضور إلى طاولة المفاوضات. ولا نعتقد أن ليبيا تريد أن تكون محتلة من قبل أي عنصر أجنبي، سواء كان روسيا أو تركيا أو حتى من اي حركة أيديولوجية”..
تصدير الاسلحة ؟
وماذا لو استأنفت بعض الدول العربية والاجنبية تصدير الاسلحة إلى طرفي النزاع في ليبيا مثلما حصل بعد مؤتمر برلين المنعقد في فيفري الماضي رغم تعهدات مختتلف الاطراف؟
السفير الامركي عقب على هذا السؤال قائلا : “عدد من المشاركين في مؤتمربرلين انتهكوا تعهداتهم. ولكن المؤتمر أسّس بنية لتسوية سياسية، وما زلنا نعتقد أنها “الخطة الوحيدة الممكنة وهي قابلة للتطبيق ” إذا سيطر الحكماء وانصار وقف الصراع المسلح على الوضع .
في هذا السياق نوه رئيس البعثة الأمريكية في ليييا بالبيان الصحفي الخاص بالقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الذي تحدث عن إدخال طائرة مقاتلة روسية متطورة إلى ليبيا مؤخرا . واضاف قائلا :” لسنا متأكدين من الغرض من إرسالها كإشارة. فهذه الطائرات، على حد علمنا، لم تستخدم بعد. ولكن من المهم حقًا أن تتحرك الأشياء في الاتجاه الآخر لتخفيف التصعيد. يمكن أن يؤدي إدخال هذه الطائرات بسهولة إلى جلب الأتراك لطائرات F-16، وهذا آخر مع نحتاجه الآن.”
سيف الاسلام القذافي
وما هو موقف الولايات المتحدة من دعم بعض العواصم ، بينها القاهرة وموسكو ، لتشريك سيف الاسلام القذافي وشخصيات من رموز نظام معمر القذافي في التسوية ؟
قال السفير نور لاند ” لا أدري إن كان أحد يعرف أين يوجد سيف الإسلام القذافي … نحن ندرك بالتأكيد أنه موضوع تحقيق محتمل من قبل المحكمة الجنائية الدولية…ثم أكد أن عدة دول بينها الولايات المتحدة ” تتحاور مع مجموعة من الشخصيات التي تظهر في المشهد وتتابع المستجدات ..”.
واعتبر المسؤول الامريكي أن” مصر تحتل موقعًا مهمًا بشكل خاص في المشهد الليبي وهي لاعب رئيسي. وقادتها يشعرون أن مصالحهم الأمنية مع حدودهم الطويلة مع ليبيا على المحك.
وفسر دعم القاهرة سابقا للجنرال خليفة حفتر بما أسموه ” الرهان على رجل قوي “لتأمين مصالح مصر..ثم استطرد قائلا :”أعتقد أنهم يدركون اليوم أن هذا النهج لم ينجح ، وبالتالي نرى مصر مستعدة بشكل متزايد للعب دور بناء في التسوية السياسية. ووصف مصر ب”الشريك المشارك مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجموعة العمل الاقتصادي في إطار عملية برلين،(..) وهي شريكً بناءً”.

قاعدة عسكرية روسية في سرت ؟

وما هو موقف الولايات المتحدة مما تردد عن مشروع سيطرة روسيا على منطقة “القرضابية” جنوب مدينة سرت ( 500 كلم شرق العاصمة طرابلس ) كقاعدة دائمة محتملة لعملياتها القادمة في البحر الأبيض المتوسط.؟
السفير نورلاند:أورد قائلا :” روسيا، مثل الدول الأخرى، لها “مصالح مشروعة في ليبيا وفي المنطقة”. نودّ فقط أن نراهم يحقٌقون هذه المصالح من خلال الوسائل العادية وليس من خلال كيانات مثل مرتزقة فاغنر. نحن لا نرى دورًا للحل العسكري لما يحدث في ليبيا، وبالطبع نحن – أي دول الحلف الاطلسي لدينا مصالح فيما يتعلق باستقرار البحر المتوسط، ونعتقد أن روسيا تريد بنفس القدر رؤية الاستقرار في البحر المتوسط ​​حيث يتم احترام رغبات المواطنين ومجتمعات المنطقة . ومرة أخرى، أود فقط أن أؤكد أنه خلال فترة وجودي في ليبيا وعبر تعاملي مع الليبيين، فهمت أن لا أحد منهم يريد أن يكون بيدقًا في لعبة جيوسياسية. ولا أحد منهم يريد أن يسيطر عليه أي كيان خارجي، ولا أعتقد أن أي نوع من القواعد العسكرية من هذا النوع هو أمر يريده الليبيون الآن.”
وأعلن السفير نورلاند أن على رأس أولويات الولايات المتحدة والحلف الاطلسي مستقبلا ” محاولة تهدئة التصعيد وإزالة جميع العناصر الأجنبية في نهاية المطاف، سواء أكانوا مرتزقة روس أو مرتزقة سوريين أو مرتزقة تشاديين أو مرتزقة سودانيين أو غير ذاك ..وأفضل طريقة للقيام بذلك هي وضع حدّ للصراع. ”
واستطرد قائلا :” لقد تحدثت مع بعض الزملاء في طرابلس اليوم، ليبيين يتحدثون عن تحرير ليبيا، والفرح الذي يشعرون به بعد أن انتهى القصف.
وسيكون جريمة مطلقة إذا تم استئناف ذلك. ولا يوجد سبب لذلك. يمكن أن يبدأ الأمر بتخفيف التصعيد للوجود الأجنبي، مثل فاغنر والسوريين، من كلا الجانبين، وهناك عمليات قائمة لتحقيق ذلك، من خلال آلية وقف إطلاق النار 5 + 5 هذه وأجزاء أخرى من عملية برلين بقيادة الأمم المتحدة، التي يمكنها أن تنجز هذه المهمة..
وسيكون دوربعض الجهات الخارجية مثل الأتراك والروس مهمًا جدًا. لكن إذا شعر الجيش الوطني الليبي بأنه يحصل على دعم خارجي للنشاط العسكري المستمر، فربما لن يفعلوا ذلك – لن يأخذوا 5 + 5 على محمل الجدّ، وسيخوضون الاقتراحات فقط.
وبالمثل، إذا شعر ممثلو حكومة الوفاق الوطني بأن الأتراك مستعدون لمساعدتهم على كسر الحواجز ومواصلة الهجوم والتحرك شرقاً، الأمر الذي سيكون خطيراً للغاية في رأينا، فسيكون من الصعب منع حدوث ذلك.
كمال بن يونس

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, وجهات نظر 0 comments on لهذه الأسباب وحتّى لا تُسْتَدْرَج لِمُسْتَنْقَعِ الحرب الليبيّة، على الدولة التونسيّة إعلان حِيَادِهَا الرّسمي ! ..بقلم أمير لواء (متقاعد) محمد المؤدب

لهذه الأسباب وحتّى لا تُسْتَدْرَج لِمُسْتَنْقَعِ الحرب الليبيّة، على الدولة التونسيّة إعلان حِيَادِهَا الرّسمي ! ..بقلم أمير لواء (متقاعد) محمد المؤدب

لقد تطوّر النزاع في ليبيا، خاصّة خلال السَّنَة الأخيرة، من نزاع سياسي ليبي ليبي إلى حرب دوليّة متعدّدة الأطراف تشارك فيها بصفة مباشرة عدّة قوى دوليّة ومحاور، من دول المنطقة المتوسّطيّة ومن خارجها، للبعض مصالح تقليديّة في البلد المعني، أخرى تسعي لمدّ نفوذها في المنطقة وتلك تسعى للتصدّي للأولى حفاظا على مناطق نفوذها التقليديّة ومصالحها في المتوسّط، كلّ ذلك ضمن تحالفات متغيّرة، خارج تلك المعهودة. في اعتقادي، وكما حصل سابقا ولازال في العديد من المناطق، خاصّة العربيّة منها، كلّ تلك الصراعات الدوليّة الدائرة رحاها بليبيا الشقيقة، لا تخدم مصالح الشعب الليبي ولا حتّى تأخذها بعين الاعتبار، فليبيا في هاته الحرب، أصبحت حَلَبَة لتصفية الحسابات بين القوى الدوليّة وعلى رأسها، الولايات المتّحدة الأمريكيّة، روسيا، تركيا، فرنسا، إيطاليا، مصر، الإمارات العربيّة المتّحدة، قطر، السعوديّة وغيرها كثير.
وبِحُكْم الجغرافيا، تجد تونس نفسها مَعْنِيّة بدرجة أولى بهذا النّزاع المسلّح. وأمام موقف رسمي تونسي متذبذب وغامض، لم تتوانى بعض الجهات التونسيّة، منذ سنوات، أخذ مواقف مساندة لإحدى الجهات اللّيبيّة المتنازعة وبالضرورة ضدّ الشقّ اللّيبي الثّاني، وهو بطبيعة الحال ما يزيد في غموض موقف السّياسة الخارجيّة الرسميّة والحدّ من قدرتها على لَعِبِ دور وسيط سياسي ذا مصداقيّة، فعّال يحفظ مصالح البلاد والمنطقة.
الآن وقد احتدّ النّزاع وتأكّد تدخّل القوى العظمى بصفة مباشرة فيه، أصبح ولا بدّ لتونس من اتّخاذ موقف واضح يضمن أمنها ومصالحها. في اعتقادي، أصبح من الضروري في هاته المرحلة، إعلان تونس حيادها الرسمي تجاه النّزاع المسلّح الليبي الليبي، ذلك مع التأكيد على وقوفها، تونس، مع القرارات الأمميّة أي ضدّ كلّ أشكال التدخّل العسكري الأجنبي في ليبيا ومع إلزام الجميع بإيقاف تزويد مختلف الأطراف الليبيّة بالأسلحة، عملا بقرار حظر تصدير الأسلحة لليبيا السَّارِيَ المفعول. هذا الإجراء، الحياد تجاه النّزاع المسلّح اللّيبي، يبقى في رأيي، أفضل الخيارات لضمان أمن تونس ومصالحها وخاصّة تجنّب استدراجها لمستنقع صراعات محاور دوليّة، في الأصل، لا ناقة لتونس فيها ولا جَمَل.
ويرتكز هذا المقترح على الاعتبارات والأُسُسِ التاليّة:
1. أَصْلُ النّزاع في الجارة ليبيا هو خلاف سياسي ليبي ليبي وبتغْذِيَة من قوى دوليّة وإقليميّة، تطوّر إلى نزاع مسلّح دُوَلِي. ومبدئيّا، ليس هناك أيّ داعٍ أو مبرّر للاصطفاف إلى جانب طرف ليبي دون آخر، إذ طبقا لسياسة تونس الخارجيّة الرّسمية، الليبيّون أدرى بشؤونهم ولا يسَعُ تونس إلاّ مساندة الشعب الليبي الشقيق فيما يراه ويرضى به لنفسه من خيارات. وما الاصطفاف لجانب أحد الأطراف الليبيّة المتنازعة إلاّ تدخّلٌ في الشؤون الداخليّة الليبيّة وهو ما يتنافى ومبادئ السياسة الخارجيّة التونسيّة التقليديّة والتي لازالت معتمدة وتحظى بدعم أغلبيّة واسعة بين التونسيّين، سياسيّين ومواطنين وعلى كلّ، لم يصدر عن الدّولة التونسيّة ما يُفِيد التخلّي عن تلك السياسة واعتماد أخرى.
طبعا الحياد تجاه النّزاع المسلّح في ليبيا لا يُفقِد تونس شيئا من دورها في المجال السياسي كوسيط نشط لتقريب وجهات نظر الفرقاء الليبيّين بل بالعكس، الحياد يؤهّلها أكثر للعب ذلك الدّور ولدفع الفرقاء الليبيّين نحو حلّ سِلْمِي. فالحياد المقصود لا يعني السّلبيّة، بل بالعكس، المراد من ذلك هو عدم الاصطفاف لجانب أيّ شقّ من المتنازعين الليبيّين وبالتالي استعداء كلّ التحالف المقابل. ذلك، طبعا مع التمسّك بمبدإ إيقاف كلّ التدخّلات العسكريّة الأجنبيّة في ليبيا وسحب القوّات الأجنبيّة المقاتلة، نظاميّة أو مرتزقة أو غيرها، والحرص على تفعيل القرار الأممي لحظر توريد الأسلحة لليبيا الصادر منذ 2011.
2. يشارك في الحرب الدائرة رحاها بليبيا، العديد من الدّول، بعضها للدفاع عن مصالحها في ليبيا وفي المنطقة عامّة والبعض الآخر لمنع الأولى من السيطرة على المنطقة والتصدّي لمخطّطاتها في إطار الصّراعات القائمة بين مختلف المحاور الدّوليّة والقوى العظمى في حوض المتوسّط. ومن البديهي، ليس هناك أيّ داع ولا هو بإمكان تونس ولا هو في صالحها الدّخول في تلك الصراعات وفي “لعبة” المحاور. وهذا التمشّي ” الابتعاد عن سياسات المحاور” هو أيضا من ثوابت السياسة الخارجيّة التونسيّة، فهل نريد حقّا التراجع عنها؟ هكذا بدون أيّ مبرّرات واضحة تخدم مصلحة تونس؟
3. ستنجرّ عن الإصطفاف إلى جانب طرف ليبي دون آخر (هو أيضا ليبي)، مخلّفات وتداعيّات أمنيّة ذات بال، منها خاصّة “خَلْقُ” أعْدَاءَ جُدُدٍ لتونس، من بين لا الليبيّين فحسب بل وكذلك من بين القوى المتدخّلة في النزاع الليبي، رغم أنّه ليس لنا معهم في واقع الأمر ما يبرّر عداوتهم تلك، سوى اصطفافنا لجانب مَنْ يُعَاديهم من شِقَّي النّزاع، في حين أنّنا، ولمصلحة البلاد، في حاجة للتعامل والتعاون مع، باستثناء الكيان الصهيوني، كلّ دول العالم. وهذه أيضا إحدى ركائز السياسة الخارجيّة التونسيّة، فهل حان الوقت للتخلّي عنها في هذا الوقت بالذات لصالح سياسة جديدة؟ سياسة المحاور؟
4. اعتماد الحياد يقطع الطريق أمام طلبات دول، قد تجد تونس نفسها لجانبها بحكم مساندة نفس الطرف الليبي، أو قُوًى تدّعي لتونس “الصداقة” وتطلب “التعاون العسكري” معها في الحرب الليبيّة، بما يحمله ذلك “التّحالف” عمليّا من تداعيّات خطيرة على أمن تونس، أقلّها طلب تمكينها من تسهيلات، منحها قواعد عسكريّة، جوّية أو بحريّة، تسهيلات لوجستيكيّة لنشر قوّاتها على التراب الوطني وتمرير أسلحة عبره وغيرها من التسهيلات لمحاربة أحد الأطراف الليبيّة وبذلك إقحام تونس لا محال في حرب لم تقرّرها ولم تسْعَ إليها ولا هي تخدم مصالحها. في المقابل، يمكّن الحياد المعلن، تونس، من تفادي مثل تلك الطلبات وكلّ ما يمسّ من سلامة وأمن ترابها بل يساعد على المحافظة على استقلال القرار الوطني وعلى علاقاتنا الايجابيّة مع جلّ الدّول ودون استعداء أيّ منها بدون أيّ مبرّر.
5. في الداخل التونسي، ليس هناك إجماع وطني حول الجانب الليبي الذي من مصلحة تونس الإصطفاف لجانبه، بل بالعكس أصبحت المواقف التونسيّة المتناقضة حول النزاع الليبي أحد عوامل تفرقة وانقسام بين الأطراف والفاعلين السياسيّين. واصطفاف الدّولة لجانب أحد طرفي النّزاع الليبيّين، لن يزيد الأوساط التونسيّة السياسيّة والشعبيّة إلاّ انقسامات وتفرقة وقد يعصف بما تبقّي من وحدة وطنيّة، فهل من الحكمة والمصلحة المغامرة بذلك في حين يمثّل الحياد موقفا وسَطًا لكلّ الأطراف السياسيّة التونسيّة كفيلٌ بأن يَقِينَا شرَّ مزيد الانقسام؟ لتقدير انعكاس اصطفاف تونس الرسمي لجانب أحد طَرَفَيْ النّزاع الليبِيَّيْن، يكفي النّظر لما أثاره التصريح الأخير لمسؤول من القيادة الأمريكيّة الإفريقيّة (AFRICOM) حول التعاون العسكري مع تونس من لغط وتخوّفات وتأويلات في الأوساط التونسيّة.
6. يؤدّي الاصطفاف إلى جانب أحد الأطراف الليبيّة حَتْمًا، للتّحالف مع عدد من القوى الدّوليّة التي تُسْنِد بدورها نفس الطّرف اللّيبي ويُقْحِمُ، ذلك الاصطفاف، بلادنا إكراها ولا اختيارا في لُعْبَة التحالفات والمحاور التي، علاوة على كُلْفتها العاليّة، تؤدّي بالضرورة لفقدان القرار السيادي الوطني. التحالف بين قوّة عظمى ودولة ذات حجم وإمكانيّات وطموحات متواضعة، تفضي بالضّرورة لإملاء الحليف القوّي إرادته الكاملة على حليفه الضعيف والأمثلة في هذا المضمار، سواء من التاريخ القديم أو الحديث أو كذلك من الحاضر، لا تحصى. واللّبيبُ، مَنْ اعْتَبَر من غيره. بدون الدّخول في التفاصيل، لأسباب بديهيّة، في تقديري، تونس، حتّى وإِنْ رَغِبت في ذلك، موضوعيّا غير قادرة للدّخول في تحالفات مع الدّول العظمى ولا حتّى مع قوى إقليميّة. بكلّ بساطة، طموحاتنا، قدراتنا وأوضاعنا، في علاقة بالتحوّل الديمقراطي والحالة الاقتصاديّة الاجتماعيّة، زيادة عن تداعيّات وباء الكورونا، لا تسمح بذلك. والواقعيّة والحكمة تفرضان اعتماد سياسة تتماشى والإمكانيّات وعدم حَشْرِ النّفس في مشاريع ومحاور تفوق بكثير القدرات الذاتيّة، “أكبر من حجمه”.
7. بحكم الجغرافيا، يبقى جوار تونس لليبيا بمكوّناتها السياسيّة المختلفة، مُعْطًى ثابتًا ودائمًا، قدَرُنَا التعايش السِّلْمي مع الشّعب الليبي الشقيق حتّى لو اختلفَتْ خياراتُ كلٍّ منّا، وعداء بعضِهِ لاختلافنا معه اليوم، لا يخدم لا أمن ولا مصالح البلاد، لا حاضرا ولا مستقبلا. علاقات تونس مع الشعب الليبي تبقى، لأمن تونس ومصالحها الاقتصاديّة الاجتماعيّة، من ركائز سياستها الخارجيّة وتنسجم تماما مع سعيها لإرساء أفضل العلاقات مع سائر دول العالم.
8. اعتمدت السّياسة الخارجيّة التونسيّة منذ الاستقلال، على ثلاث مبادئ أساسيّة كلّها تتناقض مع الرأي الدّافع لاصطفاف تونس لجانب أحد طرفَيْ النّزاع الدّاخلي اللّيبي، وهي للتذكير:
– عدم التدخّل في الشؤون الدّاخليّة للدّول الأخرى،
– نبذ العنف والاحتكام للتّفاوض وللحلول السلميّة لحلّ النّزاعات،
– التمسّك بالشّرعيّة الدّوليّة.
صحيح وأنّ البعض في قضيّة الحال، يبرّر الموقف الدّافع للاصطفاف لجانب حكومة طرابلس، بالعمل بمبدإ “التمسّك بالشرعيّة الدّوليّة”. لا يسمح هذا المجال بالدّخول في جدال قد يطول للردّ على هذه النقطة، وهي فعلا قابلة للنقاش والتوضيح، لكن حتّى وإن استقامت تبريراتهم لتلك، في رأيي، موقفهم لا يصمد أمام بقيّة المؤاخذات السّابق ذكرها.
في الأخير، لا بدّ من التأكيد على عدم سلبيّة الحياد المنشود كما يزعم البعض، فهو حياد رسمي، ثابت، مُعْلَنٌ، يتمّ إبلاغه للعالم، إن اقتضى الأمر عبر منظمة الأمم المتّحدة، حتّى تُعامَلَ تونس في المحافل الدّوليّة وخاصّة من الدّول أطراف النّزاع، على ذلك الأساس، حِيَادٌ تُجاه الحرب. أمّا في الجانب السياسي، فعلى تونس لعب دورها الإيجابي كاملا، فمع التنديد بكلّ التّدخّلات العسكريّة الأجنبيّة في النّزاع الليبي، عليها المبادرة بالتنسيق مع الجارة الجزائر، ومساندة كلّ المساعي الرّامية لوقف الاقتتال وتقريب وجهات نظر الفرقاء الأشقّاء الليبيّين ومواقفهم، دفعهم للجلوس على طاولة المفاوضات للبحث عن حلّ سياسي سلمي ليبي ليبي.
ويبقى من المُؤَمَّل أن تشكّل مناقشة السياسة الخارجيّة التونسيّة تجاه الحرب الليبيّة اللّيبيّة، في مجلس نوّاب الشعب، فرصة لتقريب المفاهيم والرؤى ولبلورة رأيٍ عامٍ تونسي وموقف رسمي واضح يلتزم به الجميع وهو ما يعزّز الوحدة الوطنيّة ومؤسّسات الدّولة ويضمن في نفس الوقت أمن تونس واستقلالها.
طبعا، ذلك لن يحصل إلاّ إذا تمكّنت كلّ الأطراف السياسيّة، من تغليب مصلحة تونس على انتماءاتها الإيديولوجيّة وولاءاتها الخارجيّة.

– حفظ الله تونس –
أمير لواء (متقاعد) محمد المؤدب
– الجيش الوطني –

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on غلطات ترامب تضعف أمريكا داخليا وخارجيا ..بقلم كمال بن يونس

غلطات ترامب تضعف أمريكا داخليا وخارجيا ..بقلم كمال بن يونس

· خلافات مع اليونسكو والرياضيين وهيئات البيئة وأوربا والصين

تزايد تأثير السياسيين “الشعبويين” الذين تتحرك بمنطق ” نحن” و”هم “..أو ” أنا ” و” أنتم”..بما في ذلك في الولايات المتحدة منذ 4 أعوام..

Image preview

وجاءت اضطرابات أمريكا و أخفاقات الساسة الشعبويين في مكافحة وباء كورنا لتفضح غلطاتهم القاتلة..

++ لم يتوقع أحد في العالم أجمع عند نجاح دونالد ترامب قبل 4 أعوام أن تعرض القنوات الأمريكية الدولية ، مثل سي ان ان CNN يوما ، خارطة “حمراء” للولايات المتحدة ومشاهد فيديو عن انتفاضة عنيفة غير مسبوقة شارك فيها الشباب والفقراء وأبناء الأقليات في كل الولايات الأمريكية، إلى درجة فرض حضر الجولان فيها والعطاء أوامر للقوات العسكرية التابعة ل” للحرس الوطني” بالتدخل واطلاق النار بسبب عجز قوات الأمن التقليدية عن السيطرة على الوضع ..

Image preview

ولم يتوقع أحد يوما أن يتوجه رئيس الدولة الأعظم عسكريا واقتصاديا بكلمة إلى شعبه وإلى العالم والمظاهرات المعارضة له والمطالبة بالتغيير والإصلاح تنقل على الهواء من أمام البيت الابيض وفي كامل الولايات المتحدة ..

زلزال سياسي

كما لم يتوقع أحد أن يشاهد العالم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ورئيسة البرلمان الأمريكي باتريسيا بيلومسي وأنصارهما يتوجهون إلى ساكن البيت الابيض الحالي وفريقه بانتقادات لاذعة بسبب سياساته “الشعبوية ” وغلطاته داخليا وخارجيا ..

 

انه فعلا “زلزال” يؤكد تزايد معارضة السياسات ” الشعبوية ” التي اعتمدها ترامب وانصاره منذ وصولهم الى الحكم بعد انتخابات موفى 2016 ، بعد حملة انتخابية مثيرة للجدل تهجموا فيها على النساء والأقليات العرقية والأجانب والعرب وفلسطين والمسلمين وعلى الصين والاتحاد الاوربي و.. مقابل التلويح ب” شطب ” دولة فلسطين ومدينة القدس والجولان السوري من الخارطة ..

وقد كان على ٍ رأس معارضي ترامب وقتها المثقفون والحقوقيون و الساسة اليهود الليبيراليون في نيويورك وكاليفورنيا وعدد من كبار قادة المؤسستين العسكرية والدبلوماسية في واشنطن..

البيئة والثقافة والرياضة

وبصرف النظر عن انعكاسات الاضطرابات السياسية والامنية الحالية في الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية النصفية القادمة ، فلا بد من الاعتراف بأن ” الرمال السخنة ” تحركت هذه المرة داخل الولايات المتحدة ” لأسباب داخلية “مثلما ورد على لسنان ترامب نفسه ..

والسؤال الكبير أمريكيا وعالميا اليوم هو : هل تؤدي هذه الأحداث إلى تقييم السياسات ” الشعبوية ” الداخلية والخارجية التي ترمز إليها ادارة ترامب في أمريكا وبوريس جونسون في بريطانيا و نانتياهو في اسرائيل وزعماء اقصى اليمين الاوربي..

سياسة المكيالين

لقد ارتكبت الادارة الامريكية في عهد ترامب غلطات لم تتورط فيها كل الادارات السابقة بسبب ” سياسة المكيالين ” فساهمت في تعميق الهوة بينها وبين قطاع كبير من الرأي العام العالمي بما في ذلك كبار المثقفين والاعلاميين والرياضيين وانصار البيئة ..فضلا عن دعاة الانفتاح والديمقراطية والاصلاح السياسي وبناء عالم متعدد الاقطاب وتكريس خيار” التعدد” في السياسة الخارجية الدولية وداخل الصناديق والمؤسسات العالمية مثل اليونسكو والمنظمة العالمية للصحة والاتحاد الدولي لمكافحة المنشطات في قطاع الرياضة و الاتفاقيات الدولية لمكافحة تغيرالمناخ و الامم المتحدة ..

عالم متعدد الاقطاب

لقد رد ” الشعبيون ” على فشل سياسات الوقاية والعلاج من وباء كورونا بالانسحاب من المنظمة العالمية للصحة ..وانسحبوا العام الماضي من اليونسكو ومن اتفاقية باريس الدولية لمكافحة التغير المناخي ..وكرسوا ” سياسة المكيالين ” في مؤسسات دولية وأممية أخرى من الامم المتحدة إلى منظمات مكافحة تعاطي المنشطات بالنسبة للرياضييين وهيئات الدفاع عن حقوق الانسان الدولية ..

قد تؤدي جائحة كورونا والاضطرابات الحالية في امريكا الى اصلاحات داخلية والى تغيير ميزان القوى السياسي بمناسبة الانتخابات القادمة ..وقد يحصل العكس فتنتعش التيارات العنصرية واليمينية و” الشعبوية ” أمريكيا ودوليا بحجة ” الرد على الخطر الصيني “..

لكن الازمة الصحية العالمية والاجتجاجات الشبابية الامريكية الواسعة كشفتا أن لابديل عن عالم متعدد الاقطاب وعن خيار الانفتاح والحوار وتجنب ” استعراضات الشعبويين ” وخطبهم ” النارية “..