أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on عصام الشابي : البرلمان التونسي منتخب ولا يمكن حله

عصام الشابي : البرلمان التونسي منتخب ولا يمكن حله

كمال بن يونس

الزعيم التونسي المعارض عصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، شخصية سياسية حقوقية يسارية تتصدر المشهد السياسي والحقوقي والإعلامي التونسي منذ حوالي 35 عاما مع نخبة من قيادات “الحزب الديمقراطي التقدمي” التي تزعمت حركة المعارضة والتحركات الحقوقية في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

عارض عصام الشابي ورفاقه حكومتي حركة “النهضة” وحلفائها عامي 2012 و2013 والعديد من مواقفها خلال الأعوام الماضية لكنهم عارضوا كذلك بقوة المنعرج الأمني العسكري في مصر منذ 2013 ويعارضون حاليا ما يعتبرونه “تحركا من قوى الثورة المضادة في تونس ولييبا وكامل المنطقة لإجهاض الإصلاح السياسي والتجارب الديمقراطية”..

الإعلامي كمال بن يونس التقى عصام الشابي وأجرى معه حوارا حصريا لـ “عربي21” استشرف فيه مستقبل دول المنطقة بعد جائحة كورونا والمتغيرات العسكرية والسياسية في ليبيا والدول المغاربية..

 

س ـ أستاذ عصام الشابي، كيف تستشرف مستقبل تونس والعالم بعد جائحة كورونا في وقت يتحدث فيه كثيرون عن تبلور ملامح نظام إقليمي ونظام دولي جديدين؟ 

ـ حسب تقديرات كثيرة سوف تستمر الجائحة دوليا قرابة عام كامل بما سيؤدي إلى مزيد خلط الأوراق عالميا وإقليميا في علاقة بالمضاعفات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الصحية… والعالم مقبل على تشكل نظام دولي جديد تتغير فيه التوازنات والتحالفات ..

في تونس نجحنا في الحد من الآثار السلبية للجائحة وهو ما يحسب للحكومة ووزارة الصحة والمجتمع رغم ضعف الإمكانيات في قطاع الصحة العمومية ..لكن بلادنا وأغلب الدول العربية والإسلامية سوف تشهد متغيرات بعد كورونا بسبب انكماش الاقتصاد العالمي المرتقب، وانعكاساته على البطالة ونسب الفقر والتضخم ..

وأعتقد أن من أكبر التحديات المطروحة على مؤسسات الدولة في تونس: كيف تنقذ عشرات الآلاف من مواطن الشغل بعد حديث رئيس الحكومة عن احتمال فقدان حوالي 7 نقاط من نسب النمو..أي أننا سوف ننزل من نقطتين إيجابي إلى 4 أو 5 سلبي.. يضاف إلى ذلك ارتفاع الوافدين الجدد على سوق الشغل ..

التحدي الكبير كذلك يهم إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تمر بأزمة هيكلية منذ مدة والتحكم في أزمة المديونية بعد أن تجاوزت خدمات الدين لأول مرة أصل الدين وما تحتاجه الدولة من قروض جديدة .

خطة إنقاذ؟

س ـ في هذا السياق كشفت الحكومة الجديدة أنها ورثت عن الحكومة السابقة “ثغرة مالية كبيرة جدا” تتجاوز الـ 20 مليار دينار تونسي، أي حوالي 8 مليارات دولار أمريكي.. ما هو الحل في مرحلة كشفت فيها كورونا انشغال الدول الغنية بأوضاعها الداخلية؟

ـ على الحكومة مصارحة الشعب والبرلمان بالوضعية المالية الحقيقية للدولة .. قادة الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني ينبغي أن يشاركوا في وضع خطة إنقاذ وخارطة طريق مهما كانت المؤشرات الحالية سلبية بما يوحي بكوننا مضطرين للبقاء تحت مظلة صندوق النقد لمدة 5 أعوام إضافية.

الفساد.. الفساد

س ـ لكن التحدي العاجل بالنسبة للدولة اليوم توفير ما تحتاجه من تمويل لضمان الرواتب والتأمينات الاجتماعية والنفقات العادية وتحسين مناخ الاستثمار؟

ـ الحلول موجودة من بينها أن تتداين الدولة لدى البنوك المحلية بنسب فائدة ضعيفة عوض التداين من السوق العالمية ..كما يجب إيجاد حلول سريعة للقطاعات التي كانت تمول الدولة مثل الفوسفاط.. لأنه إذا تحرك قطار الفوسفاط فسوف يتحرك قطار التنمية..

في نفس الوقت لا بد من تخصيص نسبة من العائدات لتنمية الجهات المحرومة والمهمشة بدءا من منطقة الحوض المنجمي ..وعلى الحكومة تنفيذ تعهداتها بالتحكم في النفقات العامة للدولة ومكافحة الفساد الذي يكلف الدولة خسارة نسبة نمو سنوية بنقطتين وحوالي 30 ألف موطن شغل جديد..

وأعتقد أن المضي في الإصلاحات السياسية والاقتصادية ممكن في صورة تحسين مناخ الأعمال وضمان السلم الاجتماعي واستقلالية القضاء ..

الأولوية ينبغي أن لا تعطى لفرض مزيد من الضرائب أو الاقتطاع من رواتب الموظفين والعمال بل إلى إصلاح المنشات العمومية المفلسة للإصلاح والتفويت في بعضها إن لزم الأمر ..

لوبيات وراء الاضطرابات الاجتماعية

س ـ منذ عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي تكشف الأرقام أن كثيرا من المؤسسات العمومية وعلى رأسها شركات النقل مفلسة.. لكن بعض اللوبيات والنقابيين يعترضون على محاولات الإصلاح، ما رأيك؟

ـ كل إرادة للإصلاح سوف تصطدم بلوبيات تضم بعض النواب والسياسيين ..أمين عام اتحاد نقابات العمال نور الدين الطبوبي تحدث مؤخرا عن هذه المؤسسات المفلسة بسبب سوء التصرف فيها وبينها مثلا مؤسسة التبغ والوقيد العمومية التي لا يمكن أن تكون خاسرة لأنها تكاد تحتكر الإنتاج الوطني للسجاير ولتوزيع الواردات.. الأمر يتعلق إذن بملف فساد مالي وقد أحيل الملف على النيابة العمومية ..

نفس الشيء يصح بالنسبة للميناء الكبير للبلاد في ضاحية رادس، وهو رئة الاقتصاد الوطني الكبرى لكن ارتفاع الفساد المالي فيه منذ حرم الدولة من مداخيل كبيرة ويعطل عجلة الاقتصاد.. لذلك لا بد للحكومة أن تمضي في الإصلاح وهو ما يتطلب إرادة سياسية قوية ..

خلافات الرؤساء الثلاثة

س ـ هل تعتبر أن حكومة إلياس الفخفاخ التي تعتمد على 5 أحزاب تشقها خلافات وبرلمان فسيفسائي قادرة على المضي في الإصلاح؟

ـ الحكومة الحالية تعتمد على 5 أحزاب تشقها تناقضات داخلية ومتعددة الرؤوس، بما في ذلك أحزاب الائتلاف الكبرى، أي النهضة بزعامة رئيس البرلمان راشد الغنوشي والتيار بزعامة الوزراء محمد عبو وغازي الشواشي ومحمد الحامدي والشعب بزعامة النائب زهير المغزاوي ..

 

 

الثورة المضادة العربية تريد محاصرة ليبيا عبر تونس ويجب تحييد المؤسسة العسكرية عن خلافات السياسيين

 

في نفس الوقت فإن الحرب بين بعض مكونات الائتلاف الحكومي مزعجة جدا: نواب من حزب الشعب القومي العروبي يتهمون زعيم النهضة ورئيس البرلمان بالإرهاب وبـ “الإخوانية”. وقياديون من النهضة يصفون شركاءهم في الحكم في حزب الشعب بالتعاون مع “رئيس نظام البراميل المتفجرة” أي بشار الأسد.. هذا “القصف العشوائي” يجب أن يتوقف فورا حتى تمضي الحكومة في برنامج الإصلاحات ..

في نفس الوقت لا بد من التوصل إلى توافق بين الرؤساء الثلاثة وإلى آلية لحسم الخلافات بينهم في الكواليس وعدم تصديرها إلى مؤسسات الدولة والرأي العام الشعبي أو إلى الثكنات العسكرية والأمنية..

الرئيس ضد “النظام السياسي”!

س ـ هناك من يعتبر أن من حق رئيس الدولة قيس سعيد أن يعبر عن وجهة نظره من النظام السياسي الحالي، خاصة أنه سبق له أن انتقده خلال حملته الانتخابية، ما رأيك؟

ـ لاحظنا خلال بعض خطوات الرئيس قيس سعيد وتدخلاته أنه لم يكتف بتقديم وجهة نظر يمكن أن تناقش بل حاول أن يكرس أفكارا مناقضة للدستور ..

من حقه أن يعبر عن رأيه لكنه مطالب باحترام الدستور الذي ترشح للانتخابات وباشر مهامه وأدى القسم أمام البرلمان اعتمادا عليه ..

لكن بعض خطب الرئيس قيس سعيد تبدو غربية جدا ومناقضة للدستور، من ذلك عندما أعلن في خطب في ثكنات عسكرية وأمنية أو في مناسبات وطنية ودينية أنه يعارض المنظومة السياسية كاملة بما في ذلك منظومة الأحزاب التي قال عنها حرفيا بالعربية والفرنسية أنها “منتهية الصلاحية Périmés”.

وفي سابقة خطيرة لاحظنا يوم تقبل التهاني بعيد الفطر المبارك أن رئاسة الجمهورية لم تدع أي رئيس للأحزاب السياسية لحضور الموكب.. بما في ذلك الأحزاب البرلمانية.. هذا السلوك السياسي يتنافى مع الدستور الذي يعتبر الأحزاب مكونا رئيسيا للتعددية والديمقراطية ويجعل مؤسسات الدولة مطالبة بأن تتعامل معها ..

في نفس الوقت لم نكن نتمنى أن نرى رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب بأغلبية مريحة في انتخابات سياسية مدنية يتحدث في خطبه أمام العسكريين والأمنيين في ثكناتهم عن خلافات السياسيين والأحزاب والبرلمان مع توجيه اتهامات إليهم ..

مثل هذه الغلطات شجعت بعض اللوبيات على الدعوة إلى الفوضى والعنف والاعتصامات وإلى رفع سقف المطالب الاجتماعية والاقتصادية في مرحلة حساسة..

بل إن بعضهم يدعو منذ مدة إلى تنظيم تحركات واعتصامات لإلغاء نتائج الانتخابات ويتحدثون عن اعتصام الرحيل 2 لمحاولة إعادة سيناريو 2013 عوض شحذ الهمم للمضي في إنجاز الإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب بعد انتخاباته الديمقراطية الجديدة ..

حياد المؤسسة العسكرية

س ـ لكن رئيس الدولة هو المشرف الأول دستوريا على المؤسستين العسكرية والأمنية ومن حقه أن يخاطبها، أليس كذلك؟

ـ السيد رئيس الجمهورية هو القائد العام للقوات المسلحة لكن من الخطأ التوجه إلى الشعب وإلى العالم بخطاب سياسي وخلافي من ثكنة عسكرية أو أمنية.. الرئيس خبير في الدراسات الدستورية والقانونية ويعلم أن من بين المكاسب السياسية في تونس منذ 65 عاما أن المؤسسة العسكرية محايدة ولا تتدخل في الخلافات السياسية وهو مسؤول عن ضمان هذا الحياد..

من جهة أخرى يحق للسيد الرئيس أن يعرض على الشعب بعض أفكاره وملاحظاته بعيدا عن ثكنات الجيش والأمن وعن خطاب تهنئة الشعب بالعيد الذي كان مفترضا أن يكون جامعا وموحدا للشعب وليس العكس ..

إسقاط البرلمان والحكومة

س ـ لكن المسار السياسي يبدو في مأزق وسط دعوات منتسبين إلى تيار الرئيس قيس سيعد أو إلى أحزاب من “المعارضة” مثل الحزب الدستوري الحر بزعامة عبير موسي، إلى الإطاحة بالمنظومة السياسية ورئيس البرلمان؟

ـ منذ الدقائق الأولى في الجلسة الأولى للبرلمان المنتخب رفضت عبير موسي ورفاقها من الحزب الدستوري الحر أداء اليمين الدستورية وكشفت أن في جعبتها مطلبا واحدا هو تعطيل عمل البرلمان وسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي قبل انتخابه..

وقد نجحت جزئيا في تعطيل عمل البرلمان.. وأصبحت أهم نقطة قارة في عمل المجلس عقد اجتماعات مكتبه لاحتواء الأزمات التي تفجرها عبير موسي ..

بالنسبة لأنصار السيد قيس سعيد أو المنتسبين إليه من بين معارضي المنظومة السياسية والحزبية الحالية من حقهم التظاهر والتعبير عن رأيهم في الشارع ووسائل الإعلام في سياق احترام القانون مع احترام ثوابت الدستور والنظام الجمهوري..

الخروج من الأزمة

س ـ ما هو الحل للخروج من النفق الحالي؟ هل يكون عبر الدعوة إلى الاستفتاء مثلا على غرار الدعوة التي صدرت عن أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي أو عبر حل البرلمان مثلما جاء سابقا على لسان قيس سعيد وأنصاره قبل الانتخابات؟

ـ الخروج من الأزمة ممكن وفتح الحوار حول تطوير النظام السياسي وارد ..لكن الشرط أن يكون الإصلاح في سياق احترام الدستور.. النظام البرلماني نظام ديمقراطي وكذلك النظام الرئاسي والنظام البرلماني المعدل.. يمكن الدعوة إلى إصلاحات وإلى تعديل النظام السياسي في سياق احترام الدستور وعلويته ..

منذ 6 أشهر فقط نظمت في البلاد انتخابات عامة تعددية وديمقراطية برلمانية ورئاسية ولا مبرر للدعوات إلى استفتاء التونسيين من جديد وإلى إلغاء نتائج الانتخابات .

مشاركة في ” الانقلاب السابق ”

س ـ لكن حزبكم، الحزب الجمهوري، وحلفاءه السياسيين في 2013، شاركوا في اعتصام الرحيل الذي نظم في 2013 أي في “الانقلاب السابق”..

ـ كان الوضع مغايرا تماما.. لأنه كانت تحكمنا وثيقة سياسية وقعتها كل الأطراف بما فيها حركة النهضة قبل انتخابات 2011 أقرت بكون مدة المجلس الوطني التأسيسي عاما واحدا.. في نفس الوقت كان المناخ السياسي الاجتماعي في البلاد مشحونا باضطرابات سياسية واغتيالات وعمليات إرهابية.. وقد عجزت حكومتا الترويكا عن التحكم في الوضع والتمهيد للانتخابات الجديدة المتفق عليها..

وقد رفضنا وقتها تعطيل أعمال المجلس الوطني التأسيسي والتفاعل مع دعوات إلى الاعتصام في مقرات الحكومة والولايات صدرت عن أطراف سياسية كانت “سكرانة”.. ومساندة للمنعرج العسكري الأمني الذي وقع في مصر في تموز (يوليو) 2013 ….

نحن كنا ننتقد حكومتي الترويكا لكننا عارضنا علنا وبالإجماع تقريبا المسار الانقلابي المصري ومطالب الثورة المضادة في تونس وفي المنطقة .. والتاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة ..

اليوم أغلب الأطراف التي كانت تدعو إلى حل البرلمان وإسقاط الحكومة تراجعت .. وكان إقحام بعضهم اسم الرئيس قيس سعيد في الدعوات إلى استفتاء خارج أحكام الدستور خطأ.. وهو عمل مرفوض وفوضوي ..

الاستفتاء ..لم لا ؟

س ـ لماذا لا يقع اللجوء إلى تنظيم استفتاء شعبي لتعديل النظام السياسي الحالي من نظام برلماني معدل إلى نظام رئاسي؟

ـ الاستفتاء يمكن أن ينظم في سياق احترام الدستور في 4 حالات واضحة: القوانين التي تتعلق بالحقوق والحريات والأحوال الشخصية والاتفاقيات الدولية.

كما يمكن أن ينظم استفتاء حول تعديل الدستور بعد مصادقة 145 نائب على المشروع ..

أما عن الدعوات إلى الانتقال الى الجمهورية الثالثة والرابعة فتكشف أزمة ثقافية يمر بها بعض المثقفين والسياسيين الذين يريدون تقليد النموذج الفرنسي دون مراعاة خصوصياته ودون فهمه..

حل البرلمان غير ممكن

س ـ لكن قيس سعيد تحدث عن فرضية حل البرلمان قبل الانتخابات.. كما لم يقترع ولم يترشح في حياته مرة واحدة قبل 2019 لأنه كان ضد النظام السياسي الحالي.. إذن هو متناسق مع مواقفه السابقة.. أليس كذلك؟

ـ أولا السيد قيس سعيد ترشح في 2019 وفق القانون والدستور.. وهو يعلم أن الدعوة إلى حال البرلمان مشروطة في الدستور بفشل تكوين حكومة للمرة الثانية بعد 4 أشهر من الانتخابات .. والبرلمان منتخب مباشرة من الشعب وهو مؤسسة سيادية لا يمكن لأحد أن يحله خارج ما يسمح به الدستور..

قيس سعيد انتخب ليمارس دور رئيس الجمهورية وفق دستور الجمهورية الثانية وليس ليحل البرلمان ويعطل الدستوروالقوانين ..

لذللك فإن الدعوة إلى حل البرلمان ليس لها أي مشروعية ولا أي مصداقية.. وهي محاولة للهروب إلى الأمام عوض التفرغ لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للبلاد..

المتغيرات في ليبيا

س ـ كيف تربطون بين “الحراك السياسي” الحالي في تونس والمتغيرات الإقليمية خاصة في ليبيا والجزائر؟

ـ لكل بلد خصوصياته ..لكن يمكن التفاعل بين الشعوب والسياسيين في دول شمال افريقيا ..يمكن تشجيع الأشقاء في ليبيا مثلا على الاستفادة من التجربة التعددية التونسية والانتخابات الديمقراطية وتجارب التوافق السياسي بين الأحزاب وقوى المجتمع المدني التونسية، دون التدخل في شؤونهم الداخلية …

لكن البعض في تونس وفي المنطقة يسعى إلى أن يحصل العكس..ويحاول إطفاء الحرائق في معسكر “الثورة المضادة” في ليبيا عبر إضرام حرائق في تونس وإجهاض الانتقال الديمقراطي وإبطال نتائج الانتخابات فيها ..

 

 

الجزائر والمغرب عمق تونس الاستراتيجي والتحديات الدولية ستتعقد بعد كورونا

يريدون إغراق الساحة التونسية بمعارك لا أساس لها في تونس دعما لمعسكر “الثورة المضادة” في كامل المنطقة عبر افتعال أزمة في البرلمان التونسي والنظام السياسي التونسي، مع توظيف شخصيات من بنيها السيدة عبير موسي وصديقنا محسن مرزوق ..

لكن السياق الإقليمي يتطور نحو الديمقراطية والتعددية والاستقرار السياسي في الشقيقتين الجزائر وليبيا وكذلك في الشقيقة المغرب ..

الجزائر عمقنا الاستراتيجي غربا وهي تتطور نحو الاستقرار منذ الانتخابات الرئاسية وتعهد الرئيس الجديد عبد المجيد تبون بالتجاوب مع مطالب المتظاهرين ودعواتهم إلى الإصلاح والشفافية ومحاربة الفساد ..

وفي الشقيقة ليبيا تحسنت الأوضاع بعد حرب دولية وإقليمية بالوكالة مكلفة.. ويمكن لتونس والجزائر والمغرب الأقصى دعم مسار إيقاف الاقتتال وجمع الأسلحة ودعم خيار التعايش والديمقراطية في ليبيا لتصبح كامل المنطقة المغاربية واحة سلام وانتقال سلمي.. ترفض الحروب والتدخلات الأجنبية بأنواعها ..

موقف تونس كان دوما الحياد الإيجابي لصالح الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والتي يمثلها حاليا فايز السراج ..

صراع أمريكي روسي

س ـ لكن المواقف التي صدرت مؤخرا عن عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين وبينهم مسؤولون في وزارة الدفاع وفي قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” توحي بتطور خطير في ليبيا ومؤشرات تصعيد صراع أمريكي ـ روسي فيها وفي مناطق أخرى في إفريقيا؟

 

ـ تراجع التاثير الأمريكي في ليبيا وفي إفريقيا بسبب خلافات داخل دول الحلف الأطلسي وخاصة بين فرنسا واليونان من جهة وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا من جهة ثانية ..هذا التراجع الأمريكي سمح لقوات إقليمية ودولية لتلعب دورا أكبر من بينها روسيا والإمارات وتركيا ومصر وفرنسا ..

تركيا قلبت الموازين عسكريا وسياسيا بسرعة في ليبيا ضد قوات خليفة حفتر وأنصاره المتحالفة مع دول عربية تابعة للمعسكر الغربي لكنها كانت توفر الأسلحة الروسية لمعارضي الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة بزعامة فايز السراج ..

أمريكا لا توافق على أن تلعب روسيا دورا كبيرا في ليبيا وإفريقيا بعد تزايد دورها في سوريا لذلك تدخلت مؤخرا بقوة ..

خليفة حفتر كان مدعوما أمريكيا ثم أصبح حليفا لروسيا، والمفارقة أن روسيا دخلت في سوريا إلى جانب السلطات الشرعية بينما في ليبيا تدخلت ضد الدولة الشرعية بينما تركيا تدخلت في ليبيا اعتمادا على اتفاق رسمي مع السلطات الشرعية المعترف بها دوليا ..

وبالنسبة للمعركة الدولية حول إفريقيا نقول: حتى متى التنافس على إفريقيا عبر ضخ الأموال والمشاريع الاقتصادية في إفريقيا السمراء غير العربية والتنافس في دولنا العربية عبر ضخ السلاح.. لذلك من واجب تونس التنسيق مع الجزائر والمغرب لدعم خيار التسوية السياسية في ليبيا ..

 

 

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on نبيل شعث كبير مستشاري عرفات ومحمود عباس : أوضاع فلسطين والدول العربية مهددة أكثر بعد كورونا

نبيل شعث كبير مستشاري عرفات ومحمود عباس : أوضاع فلسطين والدول العربية مهددة أكثر بعد كورونا

* ندعو إلى قمة عربية ردا على مشروع ضم الضفة وغورالاردن

*أبو مازن أعلم السيسي باعتقال ابني رامي في سجن مصري

حاوره – كمال بن يونس

يعتبر نبيل شعث الممثل الشخصي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كبير المستشارين السياسيين والاقتصاديين للزعيم الفلسطيني الراحل منذ انتقاله الى تونس ما بين 1982 و1994، ثم بعد عودته الى غزة ورام الله . وكان المرافق الشخصي للزعيم عرفات في رحلته الأخيرة بين فلسطين والأردن وباريس ثم عاد مع جثمانه الى فلسطين في نوفمبر2004.

 

وقد عينه عباس بدوره في مسؤوليات كثيرة من بينها نائب رئيس وزارء ووزيرا للإعلام والخارجية والتخطيط والاقتصاد وموفدا خاصا إلى عدد من قادة العالم..وحافظ شعث علي عضوية اللجنة المركزية لحركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح ..

الإعلامي التونسي كمال بن يونس التقى نبيل شعث وأجرى معه حديثا خاصا ب” عربي 21″ حول مستجدات فلسطين والمنطقة بعد كورنا و” صفقة القرن ” وتلويح حكومة الاحتلال الإسرائيلي بضم الضفة الغربية ومنطقة المستوطنات اليهودية بعد أن حصلت على دعم من إدارة ترامب لضم مدينة القدس المحتلة والجولان السوري..

· أستاذ نبيل شعث ، بعد عشرات السنين من نضالات العشب الفلسطيني من أجل الاستقلال والتحرر الوطني وافق الكنيست الاسرائيلي على حكومة ائتلافية يمينية متطرفة جديدة بزعامة ناتنياهو تهدد بضم الضفة الغربية ومنطقة ” الغور” وتعتبرها جميعا ” أراض اسرائيلية “..

هل انتهز أعداء السلام فرصة انشغال العالم والعواصم العربية والاسلامية بوباء كورونا للتلويح بمثل هذه الخطوات ؟

++ بعد الزلزال الذي أحدثه باء كورونا عالميا ، تبدو فلسطين العزيزة وكامل المنطقة العربية الإسلامية مهددة بمزيد من الخطوات الاستعمارية وممارسات رموز ” البلطجة ” بزعامة بنيامين ناتنياهو وبدعم من لوبيات ” متطرفة ” في الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة دونالد ترامب وحلفائه.

غالبية زعماء العالم وشعوبه، بما في ذلك في الولايات المتحدة وأوربا وبقية الدول العظمى ساندت قضية فسلطين منذ عقود وتعهدت للسلطة الفلسطينية بأن تكون راعية لجهود السلام ..

وما كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلية لتجرؤ على إعلان جديد لانتهاك القانون الدولي بمثل هذا الوضوح والتشدق ب” ضم المستوطنات ” ، لولا دعم إدارة دونالد ترامب عبر مبادراته الفاشلة وبينها ” صفعة القرن ” ، ثم قراراته الاستفزازية المتعاقبة رغم إدراكها للصبغة الرمزية لقضية تحرر فلسطين وإنهاء احتلال القدس والجولان السوري عالميا وبالنسبة لنصف مليون عربي وأكثر من مليار ونصف المليار مسلم ومليارات من مواطني دول العالم المناصرة للسلام والمعارضة للاحتلال.

فلسطين هي البلد الوحيد في العالم الذي لا يزال يخضع للاحتلال المباشر ولسياسات حكم عنصري أسوأ من نظام جنوب افريقيا العنصري الذي انهار قبل 30 عاما ..

سلطات الاحتلال أصبحت لا تخجل عن رفض حل الدولتين في فلسطين وتتحدث عن ” دولة يهودية واحدة على كامل فلسطين ” وتصف ملايين المواطنين الفلسطينيين ب” الأقلية ” وتسعى لطردهم وترحيلهم..

لكن فلسطين ستبقى الرقم الصعب مثلما كان يقول الزعيم الكبير ياسر عرفات ..و”يا جبل ما يهزك ريح “..

موقف فرنسي أوربي ايجابي

· عمليا تبدو حركة النقل الجوي مشلولة عالميا بسبب وباء كورونا ..ما هي خطتكم ردا على مشروع سلطات الاحتلال الاسرائليلية الجديد؟

وكيف تستشرفون مرحلة مابعد كورونا اقليميا ودولية في علاقة بملف فلسطين ؟ هل تطالبون بعقد قمة عربية وأخرى إسلامية مثلا ؟

++ بدأنا تحركاتنا واتصالاتنا بمختلف العواصم العالمية وبقيادات الدول العربية والإسلامية الشقيقة ..

وننتظر منها ومن جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي الدعوة إلى اجتماع قمة خاصة بهذا الملف ..تمهد لها في أقرب وقت اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب ، ومتابعة قراراته التي أصدرها قبل أشهر في الشقيقة مصر بحضور الرئيس محمود عباس ومن بينها الاعتراض على مشروع ترامب عن ” صفعة القرن “..

في نفس الوقت أحيي مواقف فرنسا وبعض الدول الأوربية والدول المناصرة للسلام في العالم التي أعنت معارضتها لضم الضفة الغربية والقدس والجولان ولمشاريع ترامب ” اللامسؤولة “..

بل إن بعض الدول الأوربية وبينها فرنسا حذرت اسرائيل وهددتها ب” رد صارم” إذا مضت في اجراءات الضم وتجاهلت حدود ما قبل حرب يونيو- حزيران 1967..

وسنتوجه إلى أشقائنا في الدول العربية والإسلامية ولأصدقائنا في العالم أجمع لنطلب دعمهم مجددا لقضية شعبنا العادلة ونبطل مشاريع ترامب وناتيناهو حلفائهما عن القدس العربية المحتلة والمستوطنات و خرق حدود 1967..

تراجع أنصار السلام واليسار

· أين أنصار السلام واليسار داخل المجتمع الاسرائيلي ؟

وهل تتوقعون أن يعدل حزب أبيض أزرق بزعامة ” بيني غانتس” مواقف الحكومة الاسرائيلية التي تحالف فيها مع فريق ناتنياهو ؟

+ للأسف فإن الخلافات ثانوية جدا بين حزبي ناتنياهو وحلفائه في الحكومة الحالية ..

لقد تراجع تأثير أنصار السلام واليسار السابق ..بل إن ما تبقى من ” حزب العمل ” الإسرائيلي يدعم الحكومة الحالية ..وسياساتها بما في ذلك ما يتعلق بمشاريع إلغاء حدود 1967 وضم المستوطنات والقدس العربية ..

و نحن نخشى أن يؤدي انشغال غالبية دول العالم بوباء كورونا ومضاعفاته إلى تراجع الاهتمام بالقضايا العادلة وبالقرارات الأممية والدولية الخاصة بحق شعبنا الفلسطيني في التحرر والاستقلال ودولة كاملة السيادة عاصمتها القدس الشرقية ..

ناتيناهو وترامب وأنصارهما يريدون ابتلاع مزيد من أراضي فلسطين وخاصة الضفة الغربية في تحد صارخ لكل القرارات الدولية والأممية ، بهدف تبديد حلم بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ..

نحن نواجه أسوأ استعمار عنصري في التاريخ ..لأن النظام العنصري في جنوب افريقيا كان يهدف إلى استغلال الأغلبية المواطنين السود أما الأقلية الاستعمارية الإسرائيلية فتريد طرد بقية شعبنا من أرضها بعد ترحيل ملايين المواطنين وتشريديهم بعد حروب 1948 و1967 و1982..الخ

الانتخابات و الوحدة الفلسطينية

· عمليا .. هل يمكن أن يكون الرد على مشروع ضم المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية بدعم من سفير واشنطن فريدمان وادارة ترامب تكريس الوحدة الفلسطينية الفلسطينية وتنظيم الانتخابات المؤجلة منذ حوالي10 أعوام ؟

++ مبادرة دونالد ترامب تحت تسمية ” صفقة القرن ” وصفها شعبنا ب” صفعة القرن ” ..ولعب دورا في توحيد الفصائل الوطنية الفلسطينية و أصبحت قيادات حركات فتح وحماس والجبهة الشعبية معا وتدعم المواقف التي عبر عنها الرئيس محمود عباس وبينها وقف كل أشكال التنسيق الأمني والسياسي مع حكومتي تل أبيت وواشنطن ..

ونحن نعلم أن ضغوطات تمارس على عدة دول عربية واسلامية وافريقية شقيقة لدعم مبادرات ترامب وناتنياهو ، وتطبيع علاقاتها عبر ارسال طائرات ووفود الى مطار بن غوريون تحت يافطات ” انسانية “..

كما نعلم أن الدول الشقيقة التي حضرت موكب توقيع ترامب وناتنياهو عن ” صفقة القرن ” ليست موافقة عليها ، ولكنها اضطرت إلى إرسال وفود عنها ..

وإذ نتوجه لقادة كل دول العالم دعم قضية شعبنا العادلة مجددا فإننا نراهن أكثر على دعم الدول العربية والإسلامية والإفريقية والاتحاد الأوربي..

وفي الداخل الفلسطيني فإن الوقت مناسب للمضي في تنظيم الانتخابات في كامل الضفة الغربية وقطاع غزة وفي القدس العربية المحتلة ..دعما للوحدة الوطنية الفلسطينية وللتوافق الذي تأكد مؤخرا ..

اعتقال ..واتهام ب” الإرهاب “

· وما جديد قضية اعتقال نجلكم الدكتور رامي شعث في سجن طرة المصري منذ حوالي عام ؟

هل لم تسفر الوساطات الفلسطينية والدولية عن الافراج عنه خاصة أن تهمته الأصلية كانت التحريض على مقاطعة المنتوجات الاسرائيلية واضيفت اليه تهمة جديدة وهي ” الارهاب”؟

++ ( تنهد وعلق بحسرة ومرارة وألم مضاعف ..لأنه ابنه الأكبر علي توفي بسكتة قلبية في مصر في 2013..ثم علق على سؤالي قائلا 🙂

ابننا رامي مواطن فلسطيني يحمل مثلي الجنسية المصرية إلى جانب الجنسية الفلسطينية ..وقد أسندت إلى تلك الجنسية مثل كثير من الفلسطينيين في عهد الزعيم جمال عبد الناصر قبل أكثر من 55 عاما .

وقد تدخل الرئيس محمود عباس لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي ومستشاريه أكثر من مرة وطلب الافراج عن ابني رامي الذي قيل لنا أنه متهم بالمشاركة في تحرك حرض على مقاطعة البضائع الاسرائيلية..ثم ادرج اسمه في قائمة المتهمين ب”الارهاب” بما يعني حرمانه من جواز سفره ومن السفر واحتمال مصادرة املاكه ..

وقد اتصلت بعدد الاصدقاء في مصر الذين يعرفونني جيديا منذ عشرات السنيين ونشرت رسالة مفتوحة باسم العائلة فسرنا فيها ملف ابننا رامي المسالم ومواقفه المعتدلة ، لأن التحركات التي تدعو إلى مقاطعة بضائع اسرائيل تنظم في عدة دول في العالم أجمع ويشارك فيها يهود واسرائيليون وأوربيون وأمريكان ..

نأمل الافراج عن ابننا الدكتور رامي في أقرب وقت ليتمكن من العودة إلى فلسطين ويلتحق بأسرته ..التي نكبت قبل 7 أعوام بسبب وفاة شقيقه علي في القاهرة وهو في ال45 من عمره بسبب نوبة قلبية ..

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on بكين – تل أبيب – واشنطن … ما الجديد؟ بقلم عبد الحسين شعبان

بكين – تل أبيب – واشنطن … ما الجديد؟ بقلم عبد الحسين شعبان

باحث ومفكر عربي

في ظرف ملتبس وملبّد بالغيوم بين بكين وواشنطن، عُثر على السفير الصيني في تل أبيب دو وي ميتاً في منزله بمدينة هيرتسليا الساحلية (شمالي تل أبيب)، وعلى الرغم من إعلان السلطات “الإسرائيلية” أن سبب وفاة السفير الصيني (58) عاماً ناجم عن سكتة قلبية تعرّض لها وهو في سريره، إذ لا توجد أي علامات عنف على جثته، إلّا أن الغموض والشك ظلاّ يلفّان القضية، خصوصاً ما ارتبط بها من ذيول وتداعيات سبقت الوفاة بنحو يومين، فقد كان دو وي قد نشر مقالة في صحيفة جيروزاليم بوست ردّ فيها على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي وصف الاستثمار الصيني في ” إسرائيل” بأنه خطر وأن بكين تحاول شراء ” إسرائيل”، وجدّد اتهامه لبكين بشأن إخفاء معلومات عن انتشار فايروس كورونا، وذلك خلال زيارته الأخيرة إلى ” إسرائيل” مايو / أيار/2020. وجاء في مقالة دو وي : إن الاتهامات الأمريكية لبكين بالتستر على المعلومات عن فايروس كورونا المستجد باطلة بالمطلق، ثم كيف يمكن القول أن الصين تريد شراء ” إسرائيل”؟
وكان دو وي الحاصل على درجة الماجستير في القانون قد التحق بالدبلوماسية الصينية في وزارة الخارجية منذ العام 1989 وتسلّم أقساماً عديدة لعلاقات بلاده مع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية السابقة ، وقد شغل منصب سفير الصين في أوكرانيا منذ العام 2016 حتى تعيينه سفيراً لبلاده في ” إسرائيل” وذلك في أوج اجتياح جائحة كورونا (يناير/كانون الثاني /2020).
وجاء هذا الأخذ والرد بين بومبيو ودو وي في ظل علاقات متردّية بين بكين وواشنطن التي شهدت خلال العامين الماضيين منافسة محمومة وصفها البعض بأنها حرب محتمة للسيطرة على المستقبل في جميع الصعد الاقتصادية والتجارية والصناعية والتكنولوجية، ناهيك عن ضرائب فرضتها واشنطن على البضائع الصينية، ردّت عليها بكين بالمثل، وما زاد الطين بلّة، كما يُقال، الاتهامات المتبادلة بشأن جائحة كورونا رافقها أقوال متناقضة لمنظمة الصحة العالمية، WHO وليس ذلك بعيداً عن نظريات المؤامرة الرائجة عن حروب بيولوجية جرثومية وتسرّبات مقصودة أو غير مقصودة، فضلاً عن مطالبة واشنطن بكين دفع تعويضات وهكذا.
وخارج دائرة الصراع الخفي والمعلن واستخدام أنواع القوة الناعمة والحرب النفسية وأشكال الدعاية السوداء، فإن مردودها لم يقتصر على البلدين، بل امتدّ إلى جميع البلدان في العالم شأنها شأن أية قضية اليوم في ظل العولمة والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي.
*****
وفي هذا الخضم فثمة ما يلفت النظر لما يجري بهدوء بين بكين وتل أبيب سواء من فوق الطاولة أو من تحتها ، خصوصاً في ظلّ أجواء الريبة والحذر المخيّمة على علاقات بكين – واشنطن، حيث تعززت حظوظ بكين في تل أبيب، وهو ما أثار قلق واشنطن، بل وغضبها، وهي الحليف الاستراتيجي لـ “إسرائيل”، ولهذا السبب جاء تصريح بومبيو من تل أبيب والرد الصيني منها أيضا.
فما هو موقفنا كعرب وكدعاة تحرر وتقدم من الحميمية الصينية – الإسرائيلية المتصاعدة ؟ وكيف ينبغي أن تكون مقاربتنا وتعاطينا مع هذا الموضوع؟ وما هي انعكاساته السلبية المباشرة وغير المباشرة على النضال الفلسطيني والعربي والصراع الدائر في المنطقة بين الصهيونية والمشروع الاستعماري الاستيطاني الإجلائي العنصري من جهة وبين جبهة القوى التحررية والتقدمية من جهة أخرى ؟ جدير بالذكر أن “إسرائيل” تمادت في نهجها الاستيطاني التوسعي مستفيدة من توسع علاقاتها الدولية على حساب حقوق ومطالب الشعب العربي الفلسطيني العادلة والمشروعة وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة وعاصمتها ” القدس الشريف”.
ومع صعود ” التنين الأصفر” توسمنا كعرب خيراً به ، خصوصاً بعد اختلال موازين القوى الدولية على أمل انحيازه لقضايانا بعد أن سادت أجواء القنوط والتشاؤم، عقب غياب الاتحاد السوفييتي وانحلال الكتلة الاشتراكية والنكوص الرسمي العربي، لتشكل معادلاً قوياً أمام دعم واشنطن لـ”إسرائيل”، وربما كان البعض يعوّل على بكين أن تلعب دوراً قريباً من دور الاتحاد السوفيتي السابق إن لم يكن أفضل منه، وذلك لكسر شوكة الولايات المتحدة من جهة، ومن جهة ثانية أنها دولة غير مستعمِرَة ، فما بالك لو حظيت بالفوز في خطة التنمية المستدامة 2030 وأصبحت الدولة الأولى في العالم ، خصوصاً وكانت قد أعلنت بثقة عن مشروع بناء طريق الحرير الجديد ” طريق الحرير والحزام” الذي سيغيّر وجه العالم. وكان العديد منا يحلم أن يسمح له العمر بأن يستقل القطار المتوجه من بكين إلى لندن وبالعكس في رحلة تاريخية عظيمة.
وقد لمست مثل هذه الأطروحات خلال زيارتنا في إطار مؤتمر للحوار العربي – الصيني إلتأم في العام 2010 ساهمت فيه نخبة من المفكرين والمثقفين والمسؤولين السياسيين السابقين العرب والصينيين في بكين بدعوة من المعهد الصيني للدراسات الدولية ، الذي يسهم في رسم السياسات الخارجية للصين وله خبرة واطلاع كبير على أوضاع المنطقة وظروف الصراع في الشرق الأوسط . وكان جواب المستشرقين والخبراء الصينيين رداً على مناشداتنا واستفساراتنا يكاد يكون موحدا إن لم يكن واحداً: الصين ليست ” دولة عظمى”، بل هي “دولة نامية”، وما يزال لدينا أكثر من 150 مليون إنسان دون خط الفقر.
وانعكست خشية واشنطن وقلقها من تطور العلاقات “الإسرائيلية” – الصينية على الداخل “الإسرائيلي”، حيث عبّر عدد من الخبراء “الإسرائيليين ” عن مخاوفه ومحاذيره هو الآخر، على الرغم من المكاسب التي يمكن أن تجنيها تل أبيب من العلاقة مع بكين ، إذْ ينبغي الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن وعدم خسارتها بأي شكل من الأشكال ، ولذلك ينبغي إطلاعها على تفاصيل الصفقات والتنسيق بين تل أبيب وبكين، علماً بأن الإدارة الأمريكية عبّرت عن غضبها الشديد من تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاون الأمني والعسكري بين الصين و”إسرائيل”، مثلما أعربت عن انزعاجها من ارتفاع عدد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، خصوصاً وقد تم مؤخراً شحن كمامات ومعدّات طبية خاصة بفايروس كورونا من جانب الصين إلى الكيان الصهيوني.
*****
جدير بالذكر أن الاستثمارات الصينية في ” إسرائيل” تعود إلى العام 2015، علماً بأنه في العام 2000 قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة لـ “إسرائيل” ثم قام إيهود أولمرت رئيس وزراء “إسرائيل” الأسبق بزيارة إلى بكين في العام 2007، وأبرمت العديد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، وكان ذلك بعد أن رفع العرب الحرج عن مثل هذه العلاقات مع تل أبيب وبدأ الأمر تدريجياً منذ اتفاقيات كامب ديفيد 1978-1979 واتفاق أوسلو العام 1993، علماً بأن “إسرائيل” اعترفت بالصين في العام 1950، لكن الصين ظلّت تنظر إليها كدولة حليفة للإمبريالية، وعلى العكس من ذلك ساندت مصر ضد العدوان الثلاثي الأنكلو فرنسي “الإسرائيلي”، واتخذت مواقف مؤيدة للحقوق العربية في مؤتمر باندونغ لعدم الانحياز العام 1955 واعترفت في العام 1965 بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب العربي الفلسطيني وافتتحت مكتباً لها، ووقفت إلى جانب العرب ضد العدوان الإسرائيلي العام 1967.
لكن التقارب “الإسرائيلي” – الصيني العملي بدأ في العام 1971 حين صوتت “إسرائيل” لصالح قبول الصين في الأمم المتحدة، وفي عقد الثمانينات شهدت العلاقات خطوات تمهيدية لإقامة التمثيل الدبلوماسي، لاسيّما بعد لقاء شمعون بيريز مع نظيره الصيني تشيان تشي تشن (أيلول/سبتمبر/ 1988) في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت التسعينات مرحلة للتطبيع الكامل فأقيمت العلاقات الدبلوماسية في شهر كانون الثاني (يناير) 1992 وبذلك حصلت “إسرائيل” على اعتراف أكبر دولة في العالم من حيث عدد النفوس بعد أن بدأت علاقاتها تعود بالتدرّج مع الدول الاشتراكية السابقة (منذ منتصف الثمانينات) واستعادت ” إسرائيل” علاقاتها مع عدد كبير من الدول الأفريقية التي تم قطعها إثر عدوان العام 1967 وحرب العام 1973، وحصل ذلك في ظل التراجع العربي ومن ثم تمزّق الحدّ الأدنى من التضامن العربي، خصوصاً بعد غزو القوات العراقية للكويت (2 أغسطس/أب/1990).
وهكذا بدأت تتعمّق العلاقات الصينية – “الإسرائيلية” في مجالات علمية وتكنولوجية واقتصادية وعسكرية وأمنية وتجارية، حيث تبرعت الصين ببرنامجيات حديثة وتقنيات الكومبيوتر إلى ” إسرائيل” وتطمح إلى الاستفادة من تطوير وتجهيز الطائرات المسيّرة التي تستخدم في الرصد والمتابعة والمراقبة والتصوير. ولا يعني هذا أن الصين تهمل العلاقة مع العرب، حيث كانت زيارة الملك عبدالله في أيلول(سبتمبر) العام 2013 فتحاً كبيراً في هذه العلاقات، وبدأت زيارات عربية عديدة مصرية وعراقية ، لكنها لم تستكمل أو لم تكن بمستوى العلاقات مع تل أبيب، ولقيت معارضة أمريكية، وهو ما بحاجة إلى منظور استراتيجي متوازن للعلاقات العربية مع الدول الكبرى.
جدير بالذكر أن العلاقات العربية – الصينية بدأت أولى خطواتها الفعلية بعد نجاح الثورة الصينية في العام 1949، لاسيّما بلقاء الرئيس المصري جمال عبد الناصر مع الرئيس الصيني شوان لاي في مؤتمر باندونغ، وقد أقيمت العلاقات الدبلوماسية الرسمية في 30 مايو (أيار) 1956، أما العلاقات الدبلوماسية السورية – الصينية فقد بدأت في 1 أغسطس (آب) 1956 وتطورت بوتيرة عالية . وكانت العلاقات العراقية – الصينية قد بدأت باعتراف الصين يوم 16/7/1958 بالنظام الجمهوري في العراق وبعدها بيوم واحد اعترف العراق بجمهورية الصين الشعبية ، وكانت الصين من بين الدول الأولى التي دعمت الثورة الجزائرية واعترفت بالحكومة المؤقتة بعد إعلانها في سبتمبر 1958 حيث أقيمت لاحقاً العلاقات الدبلوماسية الجزائرية – الصينية، كما وقفت الصين إلى جانب الثورة في الجنوب اليمني، علماً بأن العلاقات الدبلوماسية اليمنية – الصينية أقيمت في 24 سبتمبر (أيلول) 1956 مع الشطر الشمالي (جمهورية اليمن العربية) وبعد تحرر الجنوب تأسست العلاقات بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجمهورية الصين الشعبية في يوم 1 يناير(كانون الثاني) 1968 .
وحسبما يبدو إن الصين تريد عن طريق علاقتها مع ” إسرائيل” اختراق منطقة النفوذ الأمريكي من خلال أسواق تعويضية ، خصوصاً حين استخدمت واشنطن العقوبات ضدها بفرض رسوم جمركية ثقيلة على البضائع والمنتجات الصينية للحيلولة دون انتشارها في السوق الأمريكية . وعن طريقها تريد بيع الروبوت ” الإنسان الآلي”، إضافة إلى بعض تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية وتوظيفها في قضايا التجسس.
*****
علينا أن ندرك أن مرحلة الآيديولوجيا في الصين قد انتهت ، على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني ما يزال حاكماً ومهيمناً، بل مستأثراً بحق العمل السياسي والنقابي والمهني ، وقد عقد مؤتمره الأخير في آب /أغسطس 2019، إلا أن العقل الصيني التجاري بالتلاقح مع التراث الفلسفي والثقافي غلب على الفكر الشيوعي، خصوصاً بإحياء تراث لاوتسه وكونفوشيوس وغيرهما، لاسيّما العودة الحميمة إلى الثقافة والتاريخ الصيني القديم، باعتباره ذخيرة فكرية وإنسانية محفّزة لأوضاع الحاضر، بعد أن شهدت الصين قطيعة أبستمولوجية (معرفية) معه خلال الثورة الثقافية، وعاد الاعتزاز بالتراث والتاريخ الصيني كونه إثراءً للحاضر واستشرافاً للمستقبل، بعد أن تم تطليق مرحلة التزمت الآيديولوجي وأمراض اليسارية الطفولية، واستبدالها بمرحلة الانفتاح الاقتصادي والانتشار التجاري، والحديث بلغة المصالح وليس بلغة العقائد.
وإذا كان جيلنا برومانسيته العالية ما زال يتذكّر الشعارات الصينية “الثورية” التي كانت تطلقها بكين مثل ” كل شيء ينبت من فوهة البندقية” و” الامبرالية نمر من ورق” والتي تأثر فيها العديد من تجارب الكفاح المسلح والحركات التحررية العربية والعالمثالثية، إلّا أن علينا الإقرار بأن تلك المرحلة قد طويت تماماً لم وتبقَ إلّا في كتب التاريخ وذاكرتنا المتعبة ، فلم تعد القيادات الصينية ترتدي طواقم الملابس الخشنة والموحّدة والصالحة لكل المناسبات باعتبارها دليل “ثورية” مفرطة وطفولية يسارية ومساواة شكلية ، فإنها اليوم في ظلّ ثقافة السوق والعرض والطلب والمنافسة الاقتصادية والتمدد التجاري ومنطق المصالح الذي يتقدم على كل شيء، أخذت تضاهي الغرب وأنظمته الرأسمالية بآخر صيحات الموضة العالمية وبحبوحة العيش والبذخ المفرط .
وإذا كان الماضي قد أصبح خلفنا بما فيه من مراهقة سياسية، فعلينا أن ندرك اليوم أن العالم لا يُدار بالعقائد والعواطف والتمنيّات، بل وفقاً للمصالح والمنافع والمنافسة ، وهو ما ينبغي أن يكون ماثلاً أمامنا، فالسياسة كانت وما تزال وستبقى ” صراع واتفاق مصالح” في أبسط تعريفاتها، أي علينا الاستفادة من دروس الماضي، فلم يعد ثمة مكان لذلك ، حيث تغيّر العالم كثيراً وتشابكت علاقاته وتداخلت مصالحه وانشطرت محاوره وتشكّلت كتل جديدة، فالماضي مضى ولا يمكن استعادته.
وعلينا كعرب أن نعي ذلك ونتفهم الواقع ومستجداته وتبعاته، فلم تعد الصين تعتبر “إسرائيل” ” قوة احتلال” و”سلطة اغتصاب” وقاعدة متقدمةً للامبريالية كما كانت تصفها، وإن كانت ما تزال تعتبرها تحتل أراضي عربية ، إلّا أنها سعت لبناء استراتيجيات معها مستفيدة من ضعف حالنا وتشتت مواقفنا وغياب الحد الأدنى من التضامن بيننا، ومثل ذلك لم يكن ليحصل لو كنّا موحدّي الكلمة والموقف والآداء، توافقاً وتعاوناً وتنسيقاً، فقد كان استخدام سلاح النفط بُعيد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 فعّالاً ومؤثراً، وما تزال أصداؤه حتى الآن، حيث أعلن الحظر النفطي لدفع الدول الغربية على إجبار “إسرائيل” على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها العام 1967، وقد أحدثت تلك الصدمة، إضافة إلى انهيار سوق الأوراق المالية 1973-1974 أزمة كبيرة على المستوى الكوني، لاسيّما حالة الكساد والانكماش الاقتصادي التي أصابت العالم.
لقد كان استخدام سلاح النفط حينها أقرب إلى تطبيق الولايات المتحدة لـ مبدأ مونرو Monroe Doctrine الذي اتبعته واشنطن منذ العام 1823 ضد التدخل الأوروبي في نصف الكرة الغربي باعتباره استعماراً أوروبياً في الأمريكيتين وعملاً عدائياً يتطلّب رداً أمريكياً، فما أحوج العرب لـ مونرو عربي وإن كان بالحد الأدنى ضمن توازن القوى في العلاقات الدولية الراهنة وفي إطار دبلوماسية حيوية تتمتع بقدر من الصلابة المبدأية، مثلما تمتاز بمرونة عملانية، لاسيّما باحترام المصالح ووضعها في منظومة الاستراتيجيات العامة لكل دولة وعلى المستوى العربي، مثلما يمكن توسيعه بالتعاون مع الدول الإسلامية. فمتى يتحقق ذلك؟ وماذا علينا أن نفعل لتحقيقه؟ وتلك أسئلة للحاضر والمستقبل، ينبغي أن تبقى نصب العين دائماً.

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on بكين – تل أبيب – واشنطن … ما الجديد؟ بقلم عبد الحسين شعبان

بكين – تل أبيب – واشنطن … ما الجديد؟ بقلم عبد الحسين شعبان

عبد الحسين شعبان
باحث ومفكر عربي

في ظرف ملتبس وملبّد بالغيوم بين بكين وواشنطن، عُثر على السفير الصيني في تل أبيب دو وي ميتاً في منزله بمدينة هيرتسليا الساحلية (شمالي تل أبيب)، وعلى الرغم من إعلان السلطات “الإسرائيلية” أن سبب وفاة السفير الصيني (58) عاماً ناجم عن سكتة قلبية تعرّض لها وهو في سريره، إذ لا توجد أي علامات عنف على جثته، إلّا أن الغموض والشك ظلاّ يلفّان القضية، خصوصاً ما ارتبط بها من ذيول وتداعيات سبقت الوفاة بنحو يومين، فقد كان دو وي قد نشر مقالة في صحيفة جيروزاليم بوست ردّ فيها على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي وصف الاستثمار الصيني في ” إسرائيل” بأنه خطر وأن بكين تحاول شراء ” إسرائيل”، وجدّد اتهامه لبكين بشأن إخفاء معلومات عن انتشار فايروس كورونا، وذلك خلال زيارته الأخيرة إلى ” إسرائيل” مايو / أيار/2020. وجاء في مقالة دو وي : إن الاتهامات الأمريكية لبكين بالتستر على المعلومات عن فايروس كورونا المستجد باطلة بالمطلق، ثم كيف يمكن القول أن الصين تريد شراء ” إسرائيل”؟
وكان دو وي الحاصل على درجة الماجستير في القانون قد التحق بالدبلوماسية الصينية في وزارة الخارجية منذ العام 1989 وتسلّم أقساماً عديدة لعلاقات بلاده مع الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية السابقة ، وقد شغل منصب سفير الصين في أوكرانيا منذ العام 2016 حتى تعيينه سفيراً لبلاده في ” إسرائيل” وذلك في أوج اجتياح جائحة كورونا (يناير/كانون الثاني /2020).
وجاء هذا الأخذ والرد بين بومبيو ودو وي في ظل علاقات متردّية بين بكين وواشنطن التي شهدت خلال العامين الماضيين منافسة محمومة وصفها البعض بأنها حرب محتمة للسيطرة على المستقبل في جميع الصعد الاقتصادية والتجارية والصناعية والتكنولوجية، ناهيك عن ضرائب فرضتها واشنطن على البضائع الصينية، ردّت عليها بكين بالمثل، وما زاد الطين بلّة، كما يُقال، الاتهامات المتبادلة بشأن جائحة كورونا رافقها أقوال متناقضة لمنظمة الصحة العالمية، WHO وليس ذلك بعيداً عن نظريات المؤامرة الرائجة عن حروب بيولوجية جرثومية وتسرّبات مقصودة أو غير مقصودة، فضلاً عن مطالبة واشنطن بكين دفع تعويضات وهكذا.
وخارج دائرة الصراع الخفي والمعلن واستخدام أنواع القوة الناعمة والحرب النفسية وأشكال الدعاية السوداء، فإن مردودها لم يقتصر على البلدين، بل امتدّ إلى جميع البلدان في العالم شأنها شأن أية قضية اليوم في ظل العولمة والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي.
*****
وفي هذا الخضم فثمة ما يلفت النظر لما يجري بهدوء بين بكين وتل أبيب سواء من فوق الطاولة أو من تحتها ، خصوصاً في ظلّ أجواء الريبة والحذر المخيّمة على علاقات بكين – واشنطن، حيث تعززت حظوظ بكين في تل أبيب، وهو ما أثار قلق واشنطن، بل وغضبها، وهي الحليف الاستراتيجي لـ “إسرائيل”، ولهذا السبب جاء تصريح بومبيو من تل أبيب والرد الصيني منها أيضا.
فما هو موقفنا كعرب وكدعاة تحرر وتقدم من الحميمية الصينية – الإسرائيلية المتصاعدة ؟ وكيف ينبغي أن تكون مقاربتنا وتعاطينا مع هذا الموضوع؟ وما هي انعكاساته السلبية المباشرة وغير المباشرة على النضال الفلسطيني والعربي والصراع الدائر في المنطقة بين الصهيونية والمشروع الاستعماري الاستيطاني الإجلائي العنصري من جهة وبين جبهة القوى التحررية والتقدمية من جهة أخرى ؟ جدير بالذكر أن “إسرائيل” تمادت في نهجها الاستيطاني التوسعي مستفيدة من توسع علاقاتها الدولية على حساب حقوق ومطالب الشعب العربي الفلسطيني العادلة والمشروعة وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة وعاصمتها ” القدس الشريف”.
ومع صعود ” التنين الأصفر” توسمنا كعرب خيراً به ، خصوصاً بعد اختلال موازين القوى الدولية على أمل انحيازه لقضايانا بعد أن سادت أجواء القنوط والتشاؤم، عقب غياب الاتحاد السوفييتي وانحلال الكتلة الاشتراكية والنكوص الرسمي العربي، لتشكل معادلاً قوياً أمام دعم واشنطن لـ”إسرائيل”، وربما كان البعض يعوّل على بكين أن تلعب دوراً قريباً من دور الاتحاد السوفيتي السابق إن لم يكن أفضل منه، وذلك لكسر شوكة الولايات المتحدة من جهة، ومن جهة ثانية أنها دولة غير مستعمِرَة ، فما بالك لو حظيت بالفوز في خطة التنمية المستدامة 2030 وأصبحت الدولة الأولى في العالم ، خصوصاً وكانت قد أعلنت بثقة عن مشروع بناء طريق الحرير الجديد ” طريق الحرير والحزام” الذي سيغيّر وجه العالم. وكان العديد منا يحلم أن يسمح له العمر بأن يستقل القطار المتوجه من بكين إلى لندن وبالعكس في رحلة تاريخية عظيمة.
وقد لمست مثل هذه الأطروحات خلال زيارتنا في إطار مؤتمر للحوار العربي – الصيني إلتأم في العام 2010 ساهمت فيه نخبة من المفكرين والمثقفين والمسؤولين السياسيين السابقين العرب والصينيين في بكين بدعوة من المعهد الصيني للدراسات الدولية ، الذي يسهم في رسم السياسات الخارجية للصين وله خبرة واطلاع كبير على أوضاع المنطقة وظروف الصراع في الشرق الأوسط . وكان جواب المستشرقين والخبراء الصينيين رداً على مناشداتنا واستفساراتنا يكاد يكون موحدا إن لم يكن واحداً: الصين ليست ” دولة عظمى”، بل هي “دولة نامية”، وما يزال لدينا أكثر من 150 مليون إنسان دون خط الفقر.
وانعكست خشية واشنطن وقلقها من تطور العلاقات “الإسرائيلية” – الصينية على الداخل “الإسرائيلي”، حيث عبّر عدد من الخبراء “الإسرائيليين ” عن مخاوفه ومحاذيره هو الآخر، على الرغم من المكاسب التي يمكن أن تجنيها تل أبيب من العلاقة مع بكين ، إذْ ينبغي الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن وعدم خسارتها بأي شكل من الأشكال ، ولذلك ينبغي إطلاعها على تفاصيل الصفقات والتنسيق بين تل أبيب وبكين، علماً بأن الإدارة الأمريكية عبّرت عن غضبها الشديد من تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاون الأمني والعسكري بين الصين و”إسرائيل”، مثلما أعربت عن انزعاجها من ارتفاع عدد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، خصوصاً وقد تم مؤخراً شحن كمامات ومعدّات طبية خاصة بفايروس كورونا من جانب الصين إلى الكيان الصهيوني.
*****
جدير بالذكر أن الاستثمارات الصينية في ” إسرائيل” تعود إلى العام 2015، علماً بأنه في العام 2000 قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة لـ “إسرائيل” ثم قام إيهود أولمرت رئيس وزراء “إسرائيل” الأسبق بزيارة إلى بكين في العام 2007، وأبرمت العديد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، وكان ذلك بعد أن رفع العرب الحرج عن مثل هذه العلاقات مع تل أبيب وبدأ الأمر تدريجياً منذ اتفاقيات كامب ديفيد 1978-1979 واتفاق أوسلو العام 1993، علماً بأن “إسرائيل” اعترفت بالصين في العام 1950، لكن الصين ظلّت تنظر إليها كدولة حليفة للإمبريالية، وعلى العكس من ذلك ساندت مصر ضد العدوان الثلاثي الأنكلو فرنسي “الإسرائيلي”، واتخذت مواقف مؤيدة للحقوق العربية في مؤتمر باندونغ لعدم الانحياز العام 1955 واعترفت في العام 1965 بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب العربي الفلسطيني وافتتحت مكتباً لها، ووقفت إلى جانب العرب ضد العدوان الإسرائيلي العام 1967.
لكن التقارب “الإسرائيلي” – الصيني العملي بدأ في العام 1971 حين صوتت “إسرائيل” لصالح قبول الصين في الأمم المتحدة، وفي عقد الثمانينات شهدت العلاقات خطوات تمهيدية لإقامة التمثيل الدبلوماسي، لاسيّما بعد لقاء شمعون بيريز مع نظيره الصيني تشيان تشي تشن (أيلول/سبتمبر/ 1988) في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت التسعينات مرحلة للتطبيع الكامل فأقيمت العلاقات الدبلوماسية في شهر كانون الثاني (يناير) 1992 وبذلك حصلت “إسرائيل” على اعتراف أكبر دولة في العالم من حيث عدد النفوس بعد أن بدأت علاقاتها تعود بالتدرّج مع الدول الاشتراكية السابقة (منذ منتصف الثمانينات) واستعادت ” إسرائيل” علاقاتها مع عدد كبير من الدول الأفريقية التي تم قطعها إثر عدوان العام 1967 وحرب العام 1973، وحصل ذلك في ظل التراجع العربي ومن ثم تمزّق الحدّ الأدنى من التضامن العربي، خصوصاً بعد غزو القوات العراقية للكويت (2 أغسطس/أب/1990).
وهكذا بدأت تتعمّق العلاقات الصينية – “الإسرائيلية” في مجالات علمية وتكنولوجية واقتصادية وعسكرية وأمنية وتجارية، حيث تبرعت الصين ببرنامجيات حديثة وتقنيات الكومبيوتر إلى ” إسرائيل” وتطمح إلى الاستفادة من تطوير وتجهيز الطائرات المسيّرة التي تستخدم في الرصد والمتابعة والمراقبة والتصوير. ولا يعني هذا أن الصين تهمل العلاقة مع العرب، حيث كانت زيارة الملك عبدالله في أيلول(سبتمبر) العام 2013 فتحاً كبيراً في هذه العلاقات، وبدأت زيارات عربية عديدة مصرية وعراقية ، لكنها لم تستكمل أو لم تكن بمستوى العلاقات مع تل أبيب، ولقيت معارضة أمريكية، وهو ما بحاجة إلى منظور استراتيجي متوازن للعلاقات العربية مع الدول الكبرى.
جدير بالذكر أن العلاقات العربية – الصينية بدأت أولى خطواتها الفعلية بعد نجاح الثورة الصينية في العام 1949، لاسيّما بلقاء الرئيس المصري جمال عبد الناصر مع الرئيس الصيني شوان لاي في مؤتمر باندونغ، وقد أقيمت العلاقات الدبلوماسية الرسمية في 30 مايو (أيار) 1956، أما العلاقات الدبلوماسية السورية – الصينية فقد بدأت في 1 أغسطس (آب) 1956 وتطورت بوتيرة عالية . وكانت العلاقات العراقية – الصينية قد بدأت باعتراف الصين يوم 16/7/1958 بالنظام الجمهوري في العراق وبعدها بيوم واحد اعترف العراق بجمهورية الصين الشعبية ، وكانت الصين من بين الدول الأولى التي دعمت الثورة الجزائرية واعترفت بالحكومة المؤقتة بعد إعلانها في سبتمبر 1958 حيث أقيمت لاحقاً العلاقات الدبلوماسية الجزائرية – الصينية، كما وقفت الصين إلى جانب الثورة في الجنوب اليمني، علماً بأن العلاقات الدبلوماسية اليمنية – الصينية أقيمت في 24 سبتمبر (أيلول) 1956 مع الشطر الشمالي (جمهورية اليمن العربية) وبعد تحرر الجنوب تأسست العلاقات بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجمهورية الصين الشعبية في يوم 1 يناير(كانون الثاني) 1968 .
وحسبما يبدو إن الصين تريد عن طريق علاقتها مع ” إسرائيل” اختراق منطقة النفوذ الأمريكي من خلال أسواق تعويضية ، خصوصاً حين استخدمت واشنطن العقوبات ضدها بفرض رسوم جمركية ثقيلة على البضائع والمنتجات الصينية للحيلولة دون انتشارها في السوق الأمريكية . وعن طريقها تريد بيع الروبوت ” الإنسان الآلي”، إضافة إلى بعض تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية وتوظيفها في قضايا التجسس.
*****
علينا أن ندرك أن مرحلة الآيديولوجيا في الصين قد انتهت ، على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني ما يزال حاكماً ومهيمناً، بل مستأثراً بحق العمل السياسي والنقابي والمهني ، وقد عقد مؤتمره الأخير في آب /أغسطس 2019، إلا أن العقل الصيني التجاري بالتلاقح مع التراث الفلسفي والثقافي غلب على الفكر الشيوعي، خصوصاً بإحياء تراث لاوتسه وكونفوشيوس وغيرهما، لاسيّما العودة الحميمة إلى الثقافة والتاريخ الصيني القديم، باعتباره ذخيرة فكرية وإنسانية محفّزة لأوضاع الحاضر، بعد أن شهدت الصين قطيعة أبستمولوجية (معرفية) معه خلال الثورة الثقافية، وعاد الاعتزاز بالتراث والتاريخ الصيني كونه إثراءً للحاضر واستشرافاً للمستقبل، بعد أن تم تطليق مرحلة التزمت الآيديولوجي وأمراض اليسارية الطفولية، واستبدالها بمرحلة الانفتاح الاقتصادي والانتشار التجاري، والحديث بلغة المصالح وليس بلغة العقائد.
وإذا كان جيلنا برومانسيته العالية ما زال يتذكّر الشعارات الصينية “الثورية” التي كانت تطلقها بكين مثل ” كل شيء ينبت من فوهة البندقية” و” الامبرالية نمر من ورق” والتي تأثر فيها العديد من تجارب الكفاح المسلح والحركات التحررية العربية والعالمثالثية، إلّا أن علينا الإقرار بأن تلك المرحلة قد طويت تماماً لم وتبقَ إلّا في كتب التاريخ وذاكرتنا المتعبة ، فلم تعد القيادات الصينية ترتدي طواقم الملابس الخشنة والموحّدة والصالحة لكل المناسبات باعتبارها دليل “ثورية” مفرطة وطفولية يسارية ومساواة شكلية ، فإنها اليوم في ظلّ ثقافة السوق والعرض والطلب والمنافسة الاقتصادية والتمدد التجاري ومنطق المصالح الذي يتقدم على كل شيء، أخذت تضاهي الغرب وأنظمته الرأسمالية بآخر صيحات الموضة العالمية وبحبوحة العيش والبذخ المفرط .
وإذا كان الماضي قد أصبح خلفنا بما فيه من مراهقة سياسية، فعلينا أن ندرك اليوم أن العالم لا يُدار بالعقائد والعواطف والتمنيّات، بل وفقاً للمصالح والمنافع والمنافسة ، وهو ما ينبغي أن يكون ماثلاً أمامنا، فالسياسة كانت وما تزال وستبقى ” صراع واتفاق مصالح” في أبسط تعريفاتها، أي علينا الاستفادة من دروس الماضي، فلم يعد ثمة مكان لذلك ، حيث تغيّر العالم كثيراً وتشابكت علاقاته وتداخلت مصالحه وانشطرت محاوره وتشكّلت كتل جديدة، فالماضي مضى ولا يمكن استعادته.
وعلينا كعرب أن نعي ذلك ونتفهم الواقع ومستجداته وتبعاته، فلم تعد الصين تعتبر “إسرائيل” ” قوة احتلال” و”سلطة اغتصاب” وقاعدة متقدمةً للامبريالية كما كانت تصفها، وإن كانت ما تزال تعتبرها تحتل أراضي عربية ، إلّا أنها سعت لبناء استراتيجيات معها مستفيدة من ضعف حالنا وتشتت مواقفنا وغياب الحد الأدنى من التضامن بيننا، ومثل ذلك لم يكن ليحصل لو كنّا موحدّي الكلمة والموقف والآداء، توافقاً وتعاوناً وتنسيقاً، فقد كان استخدام سلاح النفط بُعيد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 فعّالاً ومؤثراً، وما تزال أصداؤه حتى الآن، حيث أعلن الحظر النفطي لدفع الدول الغربية على إجبار “إسرائيل” على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها العام 1967، وقد أحدثت تلك الصدمة، إضافة إلى انهيار سوق الأوراق المالية 1973-1974 أزمة كبيرة على المستوى الكوني، لاسيّما حالة الكساد والانكماش الاقتصادي التي أصابت العالم.
لقد كان استخدام سلاح النفط حينها أقرب إلى تطبيق الولايات المتحدة لـ مبدأ مونرو Monroe Doctrine الذي اتبعته واشنطن منذ العام 1823 ضد التدخل الأوروبي في نصف الكرة الغربي باعتباره استعماراً أوروبياً في الأمريكيتين وعملاً عدائياً يتطلّب رداً أمريكياً، فما أحوج العرب لـ مونرو عربي وإن كان بالحد الأدنى ضمن توازن القوى في العلاقات الدولية الراهنة وفي إطار دبلوماسية حيوية تتمتع بقدر من الصلابة المبدأية، مثلما تمتاز بمرونة عملانية، لاسيّما باحترام المصالح ووضعها في منظومة الاستراتيجيات العامة لكل دولة وعلى المستوى العربي، مثلما يمكن توسيعه بالتعاون مع الدول الإسلامية. فمتى يتحقق ذلك؟ وماذا علينا أن نفعل لتحقيقه؟ وتلك أسئلة للحاضر والمستقبل، ينبغي أن تبقى نصب العين دائماً.

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, وجهات نظر 0 comments on غلطات “الحلف الأطلسي” تخلط الأوراق في ليبيا وسوريا… بقلم كمال بن يونس

غلطات “الحلف الأطلسي” تخلط الأوراق في ليبيا وسوريا… بقلم كمال بن يونس

” الناتو ميت سريريا ” حسب ماكرون

احتد الخلاف بين الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي (” الناتو”) من جهة وبينها وبين روسيا من جهة ثانية بعد التصعيد العسكري والسياسي في ليبيا وسوريا، إلى درجة تبادل الاتهامات علنا ودخول الرؤساء الأمريكي ترامب والفرنسي ماكرون والتركي رجب الطيب أوردغان ورئيس حكومة بريطانيا جونسون وأمين عام الحلف الأطلسي ستولتنبرج على الخط ..

وقد أسفر هذا التصعيد عن سيطرة “الجيش الليبي” الموالي لحكومة فايز السراج على 7 مدن غربي ليبيا ومواقع عسكرية استراتيجيه أبرزها قاعدة “الوطية” الجوية ، “قاعدة عقبة بن نافع” سابقا ، التي تعتبرها بعض المصادر “أكبر وأهم قاعدة عسكرية جوية في ليبيا وشمال افريقيا” منذ 1942 ، تاريخ فرض وصاية أمريكية بريطانية فرنسية عليها بعد هزيمة ايطاليا التي تحتلها في الحرب العالمية الثانية .

افريكوم يعود بقوة ؟

وفي الوقت الذي تتحدث فيه بعض المصادر عن احتمال شن ” الجيش الوطني الليبي ” الموالي للجنرال خليفة حفتر هجوما مضادا على طرابلس وعلى ” الوطية ” أو إعلان ” انفصال ” دولة شرق البلاد بدعم من بعض الدول العربية ، تعاقبت تصريحات مسؤولين أمريكيين من واشنطن ومن القيادة العسكرية الافريقية ” أفريكوم ” التي تتهم حفتر بالإنحياز لموسكو والاعتماد على طائراتها المقاتلة منذ سيطرة قواته على قاعدة “الوطية” في 2014 ثم بعد الهجوم الذي شنته على العاصمة طرابلس ومدن الغرب في أفريل 2019 بحجة ” محاربة الارهاب والميليشيات الموالية لتركيا وقطر”.

كما تعاقبت تصريحات مسؤولين من الحلف الأطلسي التي تنتقد التقارب الروسي التركي الإيراني حول الملف السوري وتتهم موسكو بالوقوف وراء “مرتزقة فاغنر” الروس الذين أوردت أنهم من بين ” مقاتلي النخبة المحترفين التابعين لشركة خاصة” الذين يلعبون دورا في ليبيا وسوريا وعدة دول افريقية ..

اتهامات متبادلة

وتشير الكثير من التقارير العسكرية والإستراتيجية الأطلسية – أن هؤلاء المقاتلين المحترفين ليسوا تابعين ” للدولة الروسية ” ولكنهم يعملون لصالح “شركات خاصة” على غرار “المرتزقة الأمريكان الخواص”الذين وضفتهم القوات الأمريكية والأطلسية في العراق بعد احتلاله في أفريل 2003 ثم في سوريا منذ 2012.

في المقابل أعلنت قيادة “أفريكوم” في بيان من مقرها المركزي في ألمانيا أن “موسكو نشرت مؤخرا طائرات مقاتلة في ليبيا من أجل دعم المقاتلين العسكريين الروس الذين يعملون على الأرض هناك مع حلفائهم الليبيين والعرب “.

كما جاء في البيان أن “طائرة روسية مقاتلة وصلت إلى ليبيا من قاعدة جوية في روسيا بعد توقفها في سوريا، حيث يعتقد أنه أعيد طلاؤها لتمويه هويتها “.

وقد سبق لمصادر أمريكية أن نشرت تقارير اتهمت دولا عربية وفرنسا بإرسال طائرات مقاتلة إلى شرق ليبيا بعد طلائها .

تنسيق تركي جزائري أمريكي

تزامنت هذه التطورات العسكرية السريعة مع الإعلان عن سلسلة من التصريحات التي تدعو إلى ” التسوية السياسية للأزمة الليبية ” و” للحرب السورية ” .

كما تزامنت مع الإعلان عن محادثات هاتفية بين الرؤساء وكبار المسؤولين في واشنطن وأنقرة ولندن وروما من جهة وباريس وموسكو والقاهرة ودول خليجية من جهة ثانية ..بما أوحى بوجود تنسيق بين تركيا وكل من أمريكا وبريطانيا وايطاليا قبل تدخلها في ليبيا بينما تنسق فرنسا العضو في الحلف الأطلسي مع دول أخرى ..

في نفس الوقت أعلنت الجزائر عن مشاورات واتصالات مكثفة أجرتها القيادة الجزائرية مع ايطاليا و الولايات المتحدة وتركيا ومع حكومة فايز السراج ورئيس البرلمان عقيلة صالح ، بعد أسابيع قليلة عن مؤتمر صحفي عقده الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أعلن فيه عن توافق حكومته مع ايطاليا وعدة دول حول خطة عملية للتسوية السياسية في ليبيا ، ثم اتهم فيه ” أطرافا ” لم يسمها بتعطيل هذه الخطة وبإجهاض مشروع تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق رمضان العمامرة رئيسا للبعثة الأممية المكلفة بملف ليبيا .

“موت سريري “للحلف الاطلسي ؟

وقد كشفت هذه التصريحات والتحركات تعمق الخلافات بين دول الحلف الأطلسي التي قادت في 2011 حربا جوية دامت 8 أشهر ضد نظام معمر القذافي ، بمبادرة من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والرئيس الامريكي السابق باراك أوباما وبعض حلفائهما.

لكن مصالح الدول الأطلسية في ليبيا وفي إفريقيا والمشرق العربي أصبحت متناقضة .

بل لقد أصبحت أصوات من داخل أوربا وأمريكا تشكك في نجاعة تحركات الحلف الأطلسي جنوب البحر المتوسط وفي افريقيا ، وتتهمها ب” الازدواجية ” و” غموض والأولويات” و” تضارب الاستراتيجيات “.

ويستدل البعض بكون ” الحلف الاطلسي ” تدخل في ليبيا ” للدفاع عن الحظر الجوي” ثم شن حربا شاملة احدثت ” فراغا سياسيا ” على رأس الدولة ومؤسساتها ، وشجع حرب عصابات لمحاربة القوات الموالية للقذافي ، دون أن يجمع ملايين قطع السلاح أو يركز ” سلطة بديلة “. فكانت الحصيلة ” حربا أهلية دموية ” شبيهة بتلك التي تشهدها افغانستان وسوريا وعدة دول افريقية منذ مدة طويلة .

وقد تضاربت مصالح فرنسا وحلفاؤها في افريقيا مع مصالح بعض شركائها في الحلف الأطلسي مثل ايطاليا والمانيا وبريطانيا ..بينما رسمت تركيا العضو المؤسس للحلف الأطلسي استراتيجيه عسكرية اقتصادية خاصة بها واستفادت من صراعات منافسيها الاطلسيين . وتراجع ايمان بعضهم بالحلف . بل ان الرئيس الفرنسي ماكرون قال عنه العام الماضي بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيسه انه ” ميت سريريا”..

التسوية سياسية

فهل تؤدي المستجدات في ليبيا وسوريا إلى ” انتصار سيناريو التسوية السياسية ” أم تزيد من تعقيد الوضع عسكريا فيشهد البلدان وبعض دول افريقيا والمشرق العربي الإسلامي مزيدا من الحروب بالوكالة ؟

قد تشجع الازمة الاقتصادية والمالية التي احدثتها كورونا على تهدئة الأوضاع ..لكنها قد تبرر افتعال بعض القوى نزاعات مسلحة جديدة في افريقيا والعالم العربي الاسلامي لتبرير صفقات جديدة لبيع أسلحتها وإعادة رسم خارطة المنطقة ..

تتداخل الأوراق.. لكن أوضاع أغلب العواصم الأطلسية تبدو “هشة ” ومرشحة لمزيد من الهشاشة ، خاصة في افريقيا وسوريا وليبيا بسبب تضاربت مصالح الدول ال30 الأعضاء في “الناتو” وتعمق التناقضات بينها ..

أخبار, البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on وزير التجارة محمد المسيليني : المظاهرات والبرلمان لن يسقطا الحكومة ..

وزير التجارة محمد المسيليني : المظاهرات والبرلمان لن يسقطا الحكومة ..

·     مشاريع اقتصادية مع الجزائر والمغرب وليبيا وأوربا

·     حكومة الفخفاخ هي “حكومة افرصة الأخيرة”

·     دخول المعارضة إلى الحكومة غير وارد رغم موقف النهضة

كمال بن يونس

قال محمد المسيليني، وزير التجارة التونسي وقيادي حزب «الشعب القومي العربي»، إن المظاهرات والحرائق وبعض أعمال العنف، التي سجلت في عدة مدن تونسية مؤخرا «لا يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة الائتلافية الحالية، التي يرأسها إلياس الفخفاخ»، واعتبرها «حكومة الفرصة الأخيرة لتحسين مناخ الاستثمار والشراكة مع أوروبا والدول العربية والمغاربية، وإنقاذ البلاد من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة منذ أكثر من 10 أعوام».
وقلل المسيليني في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من تأثير الحملات الواسعة، التي تشنها بعض الأطراف المعارضة ومواقع تحمل اسم «شباب الثورة»، بعد أن دعت إلى تنظيم «اعتصام الرحيل 2» قرب مقر البرلمان والحكومة، على غرار ما حصل في 2013، احتجاجا على تضخم نسب البطالة والفقر، وتراكم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل انتشار وباء «كورونا»، وانشغال النخبة السياسية في صراعات هامشية على امتداد تسع سنوات. مستبعدا أن تنجح الأطراف السياسية التي تحرك «جيش الفيسبوك»، وتشن حملات إعلامية على الحكومة والبرلمان، في إسقاطهما عبر المظاهرات والاعتصامات.
وبخصوص تزامن التحركات الاحتجاجية مع دعوة بعض أحزاب المعارضة إلى تغيير تشكيلة الحكومة وتوسيع حزامها الحزبي والسياسي، والتلويح بإسقاطها، اعترف المسيليني، عضو «الكتلة الديمقراطية» في البرلمان التي تحتل المرتبة الثانية بعد حركة النهضة الإسلامية، بوجود تنافس غير طبيعي حاليا بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية: فالأولى تعتمد على النهضة، و«الكتلة الديمقراطية» والمستقلين، فيما تعتمد الثانية على حزبي النهضة وقلب تونس، بزعامة نبيل القروي، و«ائتلاف الكرامة»، الذي يضم شخصيات، يتهمها خصومها بالتشدد والسلفية.
كما أقر المسيليني بـ«نقص الانسجام بين أعضاء الحكومة حول بعض القضايا الداخلية والخارجية، وبينها ملف ليبيا». مؤكدا أن الخلاف تفاقم أكثر بعد دعوة حركة النهضة مجددا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تنفتح على المعارضة، وخاصة على حزب قلب تونس، الذي يتزعمه رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي، فيما تعترض الأغلبية الحكومية و«الكتلة الديمقراطية على ذلك».
في المقابل، لم يستبعد الوزير المسيليني انفتاح حكومة الفخفاخ على شخصيات سياسية وبرلمانية قريبة من الكتلة المنشقة عن حزب «قلب تونس»، والتي تضم عددا من رجال الأعمال والنواب. متوقعا أن تزداد المعارضة البرلمانية للحكومة ضعفا بعد حدوث عدة انشقاقات داخلها، وهو ما يعني أن الأغلبية البرلمانية الحالية «لن تكون قادرة على إسقاط الحكومة، ولن تحصل على دعم 109 نواب على الأقل، لأن حلفاءهما حزبي النهضة وقلب تونس يتحكمان في حوالي مائة مقعد فقط».
وللخروج من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها تونس، دعا المسيليني كل الأطراف إلى التفرغ للعمل والبناء، وترجمة مخططات الإصلاح الاقتصادي التي تشكلت الحكومة بموجبها، وقال إن حكومة الفخفاخ «حققت نجاحا قياسيا في معركتها ضد وباء (كورونا)، وذلك بشهادة الجميع وطنيا ودوليا… وهي قادرة على إنجاز مشاريع طموحة، وإصلاحات لفائدة البلاد والشباب، ولحوالي 800 ألف عاطل، وأكثر من مليون مواطن يشكو الفقر».
ومع ذلك، توقع وزير التجارة التونسي أن تتفاقم الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ظل استمرار التجاذبات السياسية، التي قال إنها «قد تعطل عمل الحكومة، لكنها لن تؤدي إلى إسقاطها».
وردا على سؤال حول الجهود التي تقوم بها الحكومة إقليميا ودوليا لامتصاص هذه الصعوبات، أوضح المسيليني أنه أجرى مؤخرا مشاورات مع نظرائه وزراء الشؤون الاقتصادية والتجارية في الجزائر والمغرب وليبيا، ومع سفراء بعض الدول الأوروبية في تونس لبحث تطوير الشراكة البينية بين دول شمال أفريقيا، وبين المنطقة المغاربية ودول أوروبا الجنوبية، وذلك لمواكبة التحديات الجديدة التي فرضها وباء «كورونا» عالميا، ومن بينها هشاشة الرهان على الاستثمار والمبادلات التجارية مع البلدان البعيدة، مثل البلدان الآسيوية والصين، بما يؤكد الحاجة إلى الرهان أكثر على بلدان القرب الجغرافي.
وفي هذا السياق أشار المسيليني إلى أن الحكومة التونسية مقبلة على «إصلاحات جريئة اقتصاديا وقانونيا» بهدف تحسين مناخ الأعمال ومحاربة البيروقراطية والفساد، والاحتكار والبطالة والفقر.
كما تقرر تفعيل قرار حكومي قديم بفتح 3 مناطق تجارية حرة قريبا على حدود تونس والجزائر، ورابعة على الحدود التونسية – الليبية.

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on حرب باردة بين أمريكا والصين بعد كورونا … بقلم كمال بن يونس

حرب باردة بين أمريكا والصين بعد كورونا … بقلم كمال بن يونس

انطلاق ” الحرب الباردة ” بين الصين وأمريكا وأوربا:
ما الذي سيتغير في علاقات تونس الخارجية ؟ ..
• الصين وروسيا وتركيا والخليج على الخط ..
• ” الكتل الجهوية ” تعوض مسار برشلونة؟

بقلم كمال بن يونس
ما الذي سيتغير في علاقات تونس الخارجية بعد أزمة كورونا التي توشك ان تربك اقتصاديات الشركاء التقليديين للبلاد مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكيا وألمانيا وأمريكا؟
وهل يمكن أن توظف “الأزمة العالمية” التي تسببت فيها كورونا في كل القطاعات لتنويع شراكات تونس الاقتصادية والسياسية تواكب انطلاق “الحرب الباردة الجديدة” بين الصين والولايات المتحدة أم يحصل العكس ؟
وهل بدأ صناع القرار في تونس الاستعداد لمرحلة ” الحرب العالمية الباردة الجديدة ” خاصة بعد نجاح الشوط الاول في الوقاية والحرب على كورونا ؟

خلال الأسابيع الماضية تعاقبت رحلات الطائرات القادمة من الصين وتركيا وبعض الدول الخليجية نحو تونس والبلدان المغاربية وجنوب اوربا محملة بكميات هائلة من المساعدات الطبية والمشتريات لمكافحة وباء كورونا و توفير المواد الخام لمصانع تونسية .
في نفس الوقت كشفت دراسات المعهد الوطني للإحصاء تراجع حصة الشركاء التقليديين وعلى رأسهم فرنسا والاتحاد الأوربي في برامج المبادلات الاقتصادية الخارجية للبلاد تجارة واستثمارا وسياحة منذ أعوام، مقابل تضخم حصة “البلدان الصاعدة ” دوليا مثل الصين وتركيا والهند وروسيا وشرق آسيا ..

مجموعة ” بريكسيت ”

سجل هذا التطور في مرحلة تعاقبت فيها دعوات سياسيين وخبراء في تونس والدول المغاربية والعربية إلى تنويع علاقات بلدانهم الخارجية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ، ومواكبة انفتاح أغلب الدول العربية والإسلامية على مجموعة “بريكسيت” وعلى الأسواق الافريقية وخاصة مجموعة ” كوميسا” لبلدان شرق وجنوب القارة السمراء..
وتوحي أغلب المؤشرات أن من بين نتائج انتشار وباء ” كورونا ” عالميا تعمق الهوة بين تونس والعواصم المغاربية من جهة وشركائها التقليديين في أوربا وأمريكا من جهة ثانية ، مقابل تزايد فرص الشراكة الاقتصادية مع الدول التي قدمت دعما طبيا ولوجيستيا وماديا ، بينما أغلقت أغلب الدول الاوربية الباب وانشغلت بأوضاعها الكارثية الداخلية..
وكان 70وزيرا سابقا للاقتصاد والمالية أو خبيرا دوليا مستقلا ، يتزعمهم وزير الاقتصاد والمالية السابق حكيم بن حمودة ، أطلقوا مبادرة “اقتصاديون من أجل تونس ” قدموا فيها قراءة لمضاعفات المتغيرات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية الجديدة على تونس وأكدوا على حاجة تونس وجيرانها المغاربيين لسياسات جديدة في كل المجالات ، بما في ذلك من حيث إلى تنويع الشركاء الدوليين .

 

بعد ” كورونا ”

وصدرت عن عدد من صناع القرار الاقتصادي والسياسي الوطني والدولي تصريحات جديدة تجمع على كون “مرحلة ما بعد كورونا سوف تختلف عن المرحلة السابقة والحالية في العلاقات الدولية “، بعد 65 عاما من تبني “سياسة خارجية تقليدية ” ، على حد تعبير وزير الخارجية السابق أحمد ونيس .
محسن حسن وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي الدولي اعتبر في تصريح للصباح أن مرحلة اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا والدول الأوربية بنسبة تحوم حول 75 بالمائة من علاقاتها الخارجية توريدا وتصديرا وسياحة واستثمارا ولت بدون رجعة .
وسيفرض وباء كورونا ، مسار الانفتاح أكثر على الأسواق ” البديلة ” بما فيها الصين والهند وروسيا وتركيا و الدول العربية والآسيوية و كذلك الأسواق الإفريقية ” التي تحقق نسب نمو تفوق ال10 بالمائة بينما أصبحت نسب النمو في أوربا ضعيفة جدا أو سلبية “.. حسب دراسة أعدها رضا الشكندالي المدير العام لمركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية – سيريس ـ سابقا .
وسجل أحمد كرم رئيس المنظمة التونسية للبنوك والمؤسسات المالية سابقا أن هذه التطورات لم تأت من فراغ لكنها تدعم مسارا بدأ منذ 1983 بين الصين وتونس ودول شمال افريقيا وتطور في التسعينات من القرن الماضي.
وكانت حصيلة هذا المسار أن تطورت منذ أكثر من 15 عاما المبادلات السياحية والتجارية بنسق سريع جدا على حساب العلاقات التاريخية المغاربية مع دول الاتحاد الأوربي ، وأصبحت ثلاثة أرباع الواردات من الصين وتركيا وبقية ” الدول الصاعدة ” في قطاعات عديدة من بينها المواد الاولوية والملابس والجلود الأحذية ومكونات الصناعات التصديرية والصناعات الميكانيكية والأدوية والتجهيزات الطبية …

نعم ..ولكن

وتوقع الخبير الاقتصادي والناطق الصادق جبنون أن يتأكد هذا المسار بعد ” كورونا” إذا أقدمت الصين وتركيا و”الدول الصاعدة” على ترفيع قيمة استثماراها في تونس والبلدان المغاربية والافريقية ، ولم تكتف بتصدير بضائعها بأسعار منخفضة على غرار ما فعلت مع أغلب دول افريقيا.
لكن عياض اللومي رئيس اللجنة المالية في البرلمان سجل أن فرنسا والدول الأوربية تتميز عن الصين وتركيا و” الشركاء الجدد” بالمزايا الجبائية والقمرقية التي توفرها اتفاقيات الشراكة والمنطقة الحرة الاوربية المتوسطية وبينها معاهدة برشلونة 1995 .
ويستفيد الحضور الأوربي في تونس وبقية دول جنوب المتوسط من القرب الجغرافي واللغوي والثقافي والسياسي بين ضفتي البحر المتوسط ومن اعفاءات تسند الى المؤسسات الوطنية التصديرية.
كما تستفيد مؤسسات آسيوية ودولية من حرص المستثمرين الأوربيين على ” إعادة الانتشار” Délocalisation الذي يؤدي إلى توظيف المزايا الجبائية في المنطقة الحرة الاورو متوسطية والفارق في تكاليف الإنتاج مقابل تصدير كل المنتوج إلى أوربا والأسواق العالمية مع إعفاء شبه كامل من الضرائب .
وإذا كان الميزان التجاري الخارجي يشكو عجزا لفائدة الصين وتركيا بنسبة تتراوح بين 70 و85 بالمائة فإن صادرات بلدان مثل تونس والبلدان المغاربية إلى أوربا تفوق بكثير وارداتها ” حسب الخبير ورجل الأعمال جمال الدين عويديدي ..
وهذا المعطى قد يعطل مؤقتا ” الزحف الصيني التركي الآسيوي” على تونس وبلدان شمال افريقيا حسب عدد من الخبراء.

اعتراضات ..

لكن بعض السياسيين والخبراء الاقتصاديين الذين يرجحون الانفتاح أكثر على الصين و”الدول الصاعدة ” وخاصة تركيا وروسيا والهند ، مثل الجامعية جنات بن عبد الله ، يشككون في مصداقية الإحصائيات الحالية عن حجم الصادرات التونسية والمغاربية نحو أوربا ، ويصفونها ب”المغلوطة والمزيفة” .
ويعتبر هؤلاء أن الأمر يتعلق بشركات مشتركة أوربية – تونسية أو تونسية -عربية ، أغلب رأسمالها أوربي ، تستفيد من الإعفاءات الجبائية والقمرقية التي تمنح للشركات المحلية ، وتصدر بضاعتها ثم تحتفظ بمرابيحها في البنوك الاوربية ، لأن القوانين لا تجبرها على إرجاع تلك المرابيح ، شأنها شأن كثير من ” مداخيل شركات تصدير الخدمات والمؤسسات السياحية “.
ويذهب سفير تونس السابق في أندونيسيا محمود بالسرور إلى حد اتهام ” الشركات التصديرية التونسية الاوربية ” بتبييض أموالها في شمال افريقيا ثم تهريب مرابيحها بطرق ” قانونية ” وبتزييف الاحصائيات الرسمية عبر الخلط بين صادرات المؤسسات الوطنية التي تعيد مرابيحها الى البلاد والعمليات التجارية للمؤسسات الاجنبية التي يكون لديها شركاء محليون .

تخوفات..سياحة

في هذا المناخ العام تزداد التخوفات من المضاعفات
السلبية لأزمة كورونا على قطاع السياحة في تونس ودول شمال
افريقيا.
وترجح أغلب المؤشرات انهيار عدد السياح الأوروبيين في
الموسمين الحالي والقادم بسبب كورونا وانتشار مزيد من البطالة
والفقر في الدول الأوربية والمغاربية .
وكان وزير السياحة السابق روني الطرابلسي أورد في مؤتمر
صحفي العام الماضي أن حوالي ربع العشرة ملايين سائح
السياح الذين زاروا البلاد عام 2019 كانوا من بين الأوربيين
بينما كان أكثر من نصفهم ، أي حوالي 5 ملايين سائح كانوا
مغاربيين ومن بين المهاجرين التونسيين .

الارادة السياسية

وتوقع بعض الخبراء أن تتلقى تونس ودول جنوب المتوسط
، بعد أزمة كورونا ، عروضا جديدة في اتجاه تنويع شركائها
الدوليين ردا على تراجع دور الاتحاد الاوربي التقليدي واتضاح
نقائص مساري برشلونة الاورومتوسطي واتفاقية المنظمة
العالمية للتجارة في 1995.
لذلك يدعو أغلب الخبراء إلى التعجيل بفهم تداعيات المتغيرات
الجيو الإستراتيجية للازمة الحالية واستشراف سياسات بديلة
و البحث عن شركاء جدد.
لكن بعض رجال الأعمال والدبلوماسيين و الوزراء يشككون ،
من خلال خبرتهم في المفاوضات الدولية السابقة ، في وجود ”
الجرأة والإرادة السياسية العليا ” لدى صناع القرار في الدول
المغاربية والعربية والافريقية والإسلامية عندما يتعلق الأمر
بالانفتاح على فرص الاستثمار والتجارة الدولية مع الدول
المنافسة للولايات المتحدة التي تؤكد أغلب مؤشرات عديدة أنها
دخلت مرحلة ” حرب عالمية باردة ” جديدة بدأتها إدارة ترامب
وقد يتحمس لها كثيرون في أمريكا وأوربا وخارجها بعد كورونا..
معركة البحث عن البدائل انطلقت عالميا فهل يوجد بين صانعي
القرار السياسي في تونس من يواكب المتغيرات الاستراتيجية
الدولية بما في ذلك مسار ” تزايد دور التكتلات الجهوية ” على حساب الفضاء الأورو متوسطي الكبير؟

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on من هم أنصار الزعيم بورقيبة بعد رحيل قائد السبسي ؟

من هم أنصار الزعيم بورقيبة بعد رحيل قائد السبسي ؟

يتنافس كثير من السياسيين على تزعم كوادر الحزب الحاكم في تونس في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ما بين 1956 ومطلع 2011 والأوفياء للتيار ” الدستوري” الذي تزعم الحركة الوطنية منذ 1920 ثم مرحلة بناء الدولة الحديثة.
وإذا كان بورقيبة تعرض خلال ال32 عاما قضاها في الحكم وبعد الإطاحة به أواخر 1987 إلى انتقادات بالجملة من قبل معارضيه ورفاقه القدامي في الحركة الوطنية وفي الحكم فإن أغلب السياسيين يعترفون له اليوم بمزايا كثيرة ويحاولون البروز في مظهر ” الوفاء للتيار التحديثي ” الذي تزعمه ولعدد من مواقفه المثيرة للجدل ، خاصة انفتاحه المبكر على الغرب ومعارضته سياسات الأنظمة القومية الناصرية والبعثية والاشتراكية ومواقفه من تعميم التعليم للجنسين وضمان المساواة بينهما والسماح بالإجهاض ومنع تعدد الزوجات ..
ولئن نجح الباجي قائد السبسي وحزبه نداء تونس في تجميع عدد كبير من انصار حزب بورقيبة وبن علي ” الدستوريين ” فان هؤلاء اصبحوا مقسمين بين عدد من الأحزاب والجمعيات السياسية من بينها :
• الحزب الدستوري الحر الذي تأسس في 23 سبتمبر 2013 من قبل رئيس الوزراء ما بين 1989 و1999ونائب الرئيس بن علي في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي حتى يناير 2011 حامد قروي تحت اسم حزب “الحركة الدستورية”.
و في 16 أغسطس 2016 انتظم مؤتمر توحيدي لكل الأحزاب التي خرجت من حزب بن علي واسندت رئاسته الى عبير موسي ووقع تغيير اسمه الى ” الحزب الدستوري الحر”.
• حزب المبادرة الدستورية وقد تأسس في 2011 من قبل وزراء وشخصيات سياسية سابقة بزعامة وزير الدفاع والخارجية سابقا كمال مرجان ووزير الداخلية والسياحة سابقا محمد جغام ومجموعة من الديبلوماسيين والمموظفين . ثم التحق به سياسيون بارزون من بينهم السفير والمستشار السياسي والاعلامي لبن علي وآخر أمين عام للحزب الحاكم في مارس 2011 محمد الغرياني .
• حزب نداء تونس الذي أسسه الباجي قائد السبسي في 2012 لكن شعبيته تراجعت بعد سنوات من الحكم مابين 2014 و2019 ، ثم بعد انشقاق اغلب كوادره عنه .
يتزعمه وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي
و رجل الأعمال علي الحفصي صديق حافظ قائد السبسي نجل الرئيس السابق الذي فر الى فرنسا بعد وفاة والده خوفا من التتبعات العدلية .وقد عين الحفصي وزيرا في حكومة الياس الفخفاخ وزيرا مكلفا بالعلاقة بالبرلمان .
• حزب مشروع تونس الذي يتزعمه الوزير السابق محسن مرزوق وقد استقطب عددا من كبار المسؤولين السابقين في الدولة وفي حزب بورقيبة وبن علي بينهم وزير العدل والتعليم العالي السابق الصادق شعبان ووزير السياحة السابق صلاح الدين معاوي و المحامية الوزيرة السابقة وطفة بالعيد ..
• ودادية قدماء قدماء البرلمانيين التونسيين برئاسة المحامي والبرلماني السابق عادل كعنيش وتضم عشرات من الوزارء والبرلمانيين وكوادر الدولة والحزب الحاكم السابقين .
وتلعب هذه الجمعية دورا كبيرا في تنظيم مؤتمرات و ورشات فكرية سياسية انفتحت على انصار بورقيبة وبن علي ومعارضيهم السابقين واعدت كتابا كبيرا ضمنته نقدا ذاتيا لأداء الحزب الحاكم السابق ومؤسسات الدولة ما بين 1956 ومطلع 2011.
لكن غالبية الشخصيات السياسية التي كانت مؤثرة في عهد بورقيبة وبن علي تفرغت لعالم المال والأعمال أو لحياتها الخاصة ولا تشارك في تحركات الأحزاب السياسية ، لأنها لا تزال عرضة للتتبعات من قبل المحاكم بتهم عديدة من بينها تعذيب المعارضين وشبهات فساد مالي وادراي .

 

تونس . كمال بن يونس

البارزة, مقالات و دراسات ابن رشد, وجهات نظر 0 comments on عبير موسي تتزعّم المعارضة التونسية .. انفردت بالدفاع عن بن علي بعد شهرين من إسقاطه

عبير موسي تتزعّم المعارضة التونسية .. انفردت بالدفاع عن بن علي بعد شهرين من إسقاطه

• تنتسب الى بوقيبة وتعارض بحدة ” الإسلام السياسي”

تونس . كمال بن يونس
عندما وقفت المحامية الشابة عبير موسي مطلع شهر مارس 2011 أمام محكمة نظرت في قضية حل حزب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، التجمع الدستوري الديمقراطي ، لم يتوقع أحد أن تزداد شعبيتها مع الأعوام باعتبارها ” تقديرا لوفائها لحزبها ولرئيس النظام المنهار” في وقت تبرأ فيه أغلب كبار المسؤولين السابقين منهما .
تعرضت موسي إلى حملة إعلامية غير مسبوقة وتوقع أغلب المراقبين ” موتها سياسيا ” . واتهمها بعض زملائها المحامين اليساريين والإسلاميين أمام المحاكم بالاعتداء عليهم بالعنف المادي عبر ” الغاز المخدر” ، وبالدفاع على ” منظومة الفساد والاستبداد التي ثار ضدها الشعب ” أواخر 2010 ومطلع 2011.
ولم يتوقع أحد وقتها أن تصبح محامية وسياسية من الصف الثاني ” زعيمة بارزة للمعارضة ” عام 2020 ، رغم فوزها ب4 بالمائة و135 ألف صوتا فقط من أصوات الناخبين في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التي نظمت يوم 15 سبتمبر 2019 .
فما الذي تغير حتى تخترق هذه السياسية المخضرمة المشهد السياسي والبرلماني وتصبح ” العدو الأول” لرفاقها القدامى ثم لحزب النهضة و” تيار الإسلام السياسي وحلفائه اليساريين والليبيراليين ” وللرئيسين قيس سعيد والياس الفخفاخ اللذين رفضت مرارا دعوات وجهاها لها للحوار معها في قصري الرئاسة ؟

آخر أمين عام للحزب الحاكم في عهد بن علي الوزير محمد الغرياني قلل في تصريح للشرق الأوسط من ” زعامة ” عبير موسي ومن رصيدها السياسي، وأورد أنها ” لم تكن أبدا عضوا في القيادة المركزية للحزب الحاكم ” ، بل عينت في يناير 2009 موظفة برتبة “أمينة قارة ” ، أي مساعدة للأمين العام مكلفة بشؤون المرأة، بعد تجربة سياسية وحزبية قصيرة “في الصف الثاني لخلية المحامين ” المنتمين للحزب ، وتجربة إدارية ” متواضعة ” في إحدى بلديات أحياء العاصمة تونس وفي جمعية نسائية كانت تدعم بقوة ليلى الطرابلسي حرم الرئيس الراحل بن علي.
انتقادات ..وكاريزماتية
كما صدرت تصريحات عنيفة ضد عبير موسي عن قياديين سابقين في الدولة والحزب الحاكم، بينهم وزير الخارجية والدفاع الأسبق وزعيم حزب المبادرة الدستورية كمال مرجان والرئيس السابق الباجي قائد السبسي و المقربين منه في حزب ” نداء تونس ” .
لكن موسي تحدت على كل “القيادات التاريخية لحزب بورقيبة وين علي” وكل رؤسائها السابقين ” واتهمتهم ب” التخاذل ” وب ” التواطؤ مع ” الإخوان ” و”الانقلابيين” في يناير2011 بدعم من دول غربية وعربية ” .
كما رفضت دعوات وجهها لها الباجي قائد السبسي كي تلتحق مع أنصارها بحزبه قائلة :” لن أترك بيتي وأذهب إلى بيت الجيران “.
تصريحات عبير موسي التي وصفها أغلب السياسيين والإعلاميين طوال أعوام بال ” استفزازية ” ، تراكمت ثم روجت في المواقع الاجتماعية وساهمت في ” التسويق لشخصية كاريزماتية قيادية جديدة” ولسياسية فتحت معارك مع ” الكبار” فنجحت في مشاكسة كل خصومها ومعارضيها داخل الحزب الحاكم قبل 2011 ومعارضيه السابقين وخاصة قيادات حزب النهضة و”الإخوان ” و” المتخاذلين ” الليبيراليين واليساريين المتحالفين معهم..
البديل ” الوحيد” ؟
وبعد أن كشفت انتخابات أكتوبر الماضي اختلال التوازن داخل المشهد السياسي والحزبي في تونس لصالح التيارات الليبيرالية والاسلامية المحافظة وهزيمة مرشحي ” العلمانيين ” و” الحداثيين ” ، بدأت أطراف سياسية وإعلامية وجمعيات نسائية كثيرة تقترب من عبير موسي وتعتبرها “زعيمة صاعدة ” و” البديل الوحيد عن ” الاخوان ” وأحزاب الإسلام السياسي وحلفائهم “، حسب تقدير الباحث في علماء الاجتماع والإعلامي المنذر بالضيافي في تصريح للشرق الأوسط .
ورجح الباحثان في علم الاجتماع السياسي نور الدين العلوي والحبيب بوعجيلة في تصريحين للشرق الأوسط
” دعم لوبيات محلية ودولية لعبير موسي لأنها معادية للثورات العربية ولمسار الانتقالي الديمقراطي في تونس . لذلك تقرر تضخيم دورها ودفعها إلى الواجهة كي تتزعم المعارضة .”
في المقابل التحق بمساندي موسي في معاركها في البرلمان مع قيادات حزب النهضة والكتل البرلمانية المتحالفة معها بعض مشاهير الجامعيين والإعلاميين اليساريين و الليبيراليين مثل سلوى الشرفي مديرة معهد الصحافة والإعلام السابقة والشاعرة الليبيرالية آمال مختار و الكاتب والمدير العام للإذاعة والتلفزة الوطنية سابقا عبد العزيز قاسم واستاذ الفلسفة والكاتب حمادي بن جاء بالله.
وفي نفس السياق اعتبر القيادي السابق في نقابات الصناعيين والتجار والسياسي المخضرم المنصف البركوس في تصريح للشرق الأوسط أن ” عبير موسي نجحت في أن تصبح زعيمة سياسية وطنية بعد وفاة الباجي قائد السبسي وانهيار حزبه وفشل تلامذته في خلافته ، بمن فيهم رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي والوزير السابق محسن مرزوق والوزير المستشار السابق ناجي جلول..”.
واعتبر المنصف بركوس أن “أنصار عبير موسي اليوم تزايدوا وأن عددهم أصبح أكبر بكثير من ” أقلية تعلن وفاءها لسياسات الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي ما بين 1956 و2010 “.
” ظاهرة صوتية”
في المقابل تبدو المحامية والسياسية المخضرمة بالنسبة لكثير من الإعلاميين والسياسيين التونسيين ” ظاهرة صوتية ” و” سياسية مشبوهة” تؤدي دورا وظيفيا لصالح دول معادية للانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي والاقتصادي في تونس ، على حد تعبير عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض والناشط الحقوقي البارز قبل 2011.
الشابي وجه في بيان رسمي باسم حزبه مؤخرا انتقادات حادة لعبير موسي وشكك في وطنيتها وقلل من جدية الحديث عن دور سياسي وطني يمكن أن تلعبه على رأس المعارضة واستدل بكون غالبية القياديين في حزبها ” شخصيات نكرة ” ما عدا عضو البرلمان سابقا ثامر سعد.
وأورد الشابي في تصريح للشرق الأوسط أن ” أطرافا تخوض حربا دولية بالوكالة في ليبيا ، بهدف اغتصاب ثرواتها ، نفخت في صورة عبير موسي ودعمت تصريحاتها الاستفزازية للتشويش على الضربات التي مني بها الانقلابيون والمرتزقة وأعداء الانتقال الديمقراطي والتسوية السياسية للأزمة الليبية “.
في نفس السياق قلل المثقف اليساري والمستشار السابق في الرئاسة التونسية ناجي جلول في تصريح للشرق الاوسط من فرص نجاح تزعم عبير موسي للمعارضة التونسية ، واعتبر أن ” نتائجها في الانتخابات البلدية والرئاسية والبرلمانية الماضية تؤكد أن حجمها سيتراوح في أي انتخابات جديدة بين 4 و10 بالمائة ، لأن الشباب والجيل الجديد من الجنسين لا يبالون كثيرا بالمعارك السياسية الإيديولوجية الموروثة بين بورقيبة وبن علي وقيادات الإخوان المسلمين واليسار الماركسي..
ألغاز..وتساؤلات
وفي الوقت الذي يثير فيه كثير من المراقبين السياسيين والإعلاميين في وسائل الإعلام نقاط استفهام حول ” الجهات التي تقف وراء عبير موسي ” محليا واقليميا ودوليا ، يلاحظ أنها بدأت تكسب فعلا مساندة مالية وإعلامية وسياسية من بعض رجال الأعمال وعدة أوساط مؤثرة في صنع القرار الوطني ، بدءا من سفراء الدول الغربية والعربية الذين تعاقبوا على زيارة مكتبها والحوار معها.
كما استفادت عبير موسي من انتمائها إلى الساحل التونسي موطن الرئيسين السابقين بورقيبة وبن علي وإلى عائلة ضباط في الأمن ، فوالدها أمني سابق وزوجها عقيد في وزارة الداخلية حاليا .
وساهم إعلان وزارة الداخلية مؤخرا عن إدراج ” تنظيمات إرهابية” اسم عبير موسي ضمن قائمة السياسيين المرشحين للاغتيال في زيادة شعبيتها .
وقد تعاقبت بالمناسبة بيانات التضامن مع عبير موسي مع التحذير من سيناريو دفع البلاد نحو مسلسل من الاغتيالات السياسية على غرار ما حصل في 2013.
وانخرط في اصدار مثل هذه البيانات رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورؤساء الأحزاب المشاركة في الحكم ومسؤولون كبار في الدولة وفي الحزب الحاكم قبل يناير 2011 مثل الوزراء البشير التكاري وأحمدعياض الودرني و الصادق شعبان .
إذن فقد تغير المناخ السياسي لصالح عبير موسى تدريجيا داخل الطبقة السياسية الحاكمة السابقة . ولم تعد ” معزولة” مثلما كان عليه وضعها مطلع 2011 عندما انسحب أغلب رموز الدولة والحزب الحاكم السابق من المشهد السياسي ، واتهموها ب” المراهقة السياسية ” عندما قررت أن تقف “ضد التيار”وأن تخوض صراعا مع ” الثوريين ” وترافع وهي محامية في ال35 من عمرها أمام المحاكم ضد “الحكام الجدد الذين انقلبوا على حكم بن علي ” وضد من تحالف معهم من رموز النظام السابق بزعامة الرئيسين الباجي قائد السبسي وفؤاد المبزع ورئيس الحكومة الانتقالية الاولى محمد الغنوشي.
عاد تيار من “الطبقة السياسية الحاكمة السابقة ” لدعم عبير موسي بعد سنوات من تجاهلها واحتقارها والتشكيك في نجاعة تحركاتها ضد من وصفتهم ب” الانقلابيين ” وشككت في ” ثوريتهم ” ووطنيتهم ، بما في ذلك القيادات السابقة للمعارضة التي فازت أحزابها في انتخابات أكتوبر2011 بزعامة المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر وراشد الغنوشي وأحمد نجيب الشابي وغيره من قيادات اليسار الماركسي والقومي .
الإنصاف والمصالحة الوطنية
لكن المسار السياسي لعبير موسي ماضيا وحاضرا ومستقبلا يبدو رهين أوراق عديدة تتجاوز معاركها مع ” الانقلابيين ” و “الإخوان ” و” الثورجيين ” ، من بينها سيناريوهات تطور مسار العدالة الانتقالية والإنصاف والمصالحة الوطنية .
فقد أصبحت عبير موسي منذ أعوام تتصدر قائمة الشخصيات الذين انتقدت بحدّه الزعيمة الحقوقية اليسارية سهام بن سدرين رئيسة” هيئة الحقيقة والكرامة ” التي كلفت بالتحقيق في ملفات العدالة الانتقالية والإنصاف والمصالحة مابين 2014 و2019.
كما ينتقد مسؤولون سابقون في حزب قائد السبسي ، مثل رجل الأعمال عبد الرؤوف الخماسي والوزير الاسبق عبد العزيز العاشوري السياسية عبير موسي ، ويتهمونها بتعطيل مسار المصالحة بين رموز الدولة ورجال الأعمال قبل ثورة 2011 وبعدها ، وهو ما أدى في نظرهم إلى تمديد مسلسل المحاكمات بينهم.
وقد تسبب مسار المصالحة ، الذي تبناه البرلمان السابق وزعيما الحزبين الكبيرين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، في إعادة إحالة مئات من الوزراء وكبار الموظفين في الدولة على المحاكم التي كلفتها هيئة ” الإنصاف والمصالحة ” بزعامة سهام بن سدرين بإعادة محاكمة ” كل رموز النظام السابق” بتهم التعذيب والفساد المالي والسياسي .
لكن موسي تتمادى في معارضتها لكل أشكال المصالحة مع
من تصفهم ب” الإخوان والسياسيين المتخاذلين المتحالفين معهم”. وتستدل على ما تعتبره نجاحا في سياستها أن القضاء ألغى قبل عام ونصف حكما بسجنها لمدة 6 أشهر بعد شكوى ضدها وجهها إليها المحامي نبيل بدشيش ، اتهمها فيها بالاعتداء عليه ب”غاز يشل الحركة”، خلال جلسة في المحكمة أسفرت عن حل حزب زين العابدين بن علي في مارس 2011.
وخاضت موسي معركة مع نقابة المحامين والمنظمات الحقوقية واتهمتها بتلفيق التهم إليها ، مشيرة الى أن الهدف من وراء محاكمتها محاولة إرباكها سياسيا.
لكن هل تكفي المعارك السياسية “ضد الآخر” وحدها لتصنع من عبير موسي زعيمة فعلية لكل معارضي حكومة الياس الفخفاخ والرئيس قيس سعيد وقيادات النهضة أم يصبح مفعول تلك المعارك عكسيا في مرحلة تستفحل فيها معاناة الشباب من البطالة والتهميش التي قد تزداد تعقيها بسبب معضلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية بعد أزمة كورونا؟
الرد قد يأتي قريبا من الشارع ضد أغلب السياسيين في الحكم وفي المعارضة بمن فيهم عبير موسي ورفاقها ..

مقالات و دراسات ابن رشد 0 comments on تخوفات من استفحال البطالة والفقر .. بقلم كمال بن يونس

تخوفات من استفحال البطالة والفقر .. بقلم كمال بن يونس

هل تحتمل البلاد أزمة جديدة بين النقابات والحكومة؟

· عدد العاطلين سيتضاعف إذا طالت الأزمة في أوربا

بقلم كمال بن يونس

تعاقبت تصريحات ” التصعيد “الصادرة عن مسؤولين كبار في الدولة وفي الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمات رجال الأعمال والمجتمع المدني والبرلمان، بما أوحى باحتمال التأثير سلبا في المناخ الاجتماعي بعد المعركة مع كورونا .

فهل يتعلق الأمر بمجرد ” تكتيك ” يمارسه كل طرف حتى يحسن شروط التفاوض مع الأطراف الأخرى ؟

أم تكون تصريحات ” التصعيد ” مقدمة لأزمة قد تفجرها “الإجراءات اللاشعبية” و” القرارات المؤلمة ” التي قد تتخذها الحكومة بسبب الصعوبات الاقتصادية التي قد تستفحل خلال الأسابيع والأشهر القادمة وتتسبب في تضخم نسب الفقر والبطالة وغلاء الأسعار ؟

وهل ستتحكم القيادات النقابية والعمالية والأوساط الحكومية في ” التجاذبات الاجتماعية ” أم يحصل العكس بسبب تضرر مئات آلاف “المهمشين” من الحجر الصحي وحضر الجولان ؟

بعد التفاؤل الذي ساد بعد توقيع اتفاق 14 أفريل بين المركزية النقابية العمالية واتحاد الصناعة والتجارة بإشراف وزير الشؤون الاجتماعية صدرت ” تحذيرات ” عن ممثلي اتحاد الشغل ومنظمات رجال الأعمال لا توحي بأن ” السلم الاجتماعية ” سوف تطول .

أجور مارس وأفريل ..وبعد ؟

استبق رئيس اتحاد الصناعة والتجارة سمير ماجول ورئيس كونفيديرالية المؤسسات المواطنة التونسية ( كونيكت ) طارق الشريف الجميع وشككا في قدرة رجال الأعمال على تسديد راتبي شهري مارس وأفريل ( وربما شهر ماي ) في صورة عدم استئناف المؤسسات للعمل وتوفر شروط اخرى من بينها استئناف قطاعات التصدير والخدمات والسياحة والنقل الجوي والبحري لأنشطتها ..

وقد رد نقابيون بقوة عليهما بينهم نور الدين الطبوبي امين عام اتحاد الشغل وسامي الطاهري الناطق الرسمي باسم الاتحاد ..

ثم تدخل رئيس الحكومة الياس الفخفاخ ووزير الشؤون الاجتماعية الحبيب الكشو وعقدا اجتماعات مع الطرفين ، وشارك رئيسا الدولة قيس سعيد والبرلمان راشد الغننوشي في المساعي وعقدا جلسات عديدة مع محافظ البنك المركزي والوزراء وممثلي الاطراف الاجتماعية..

لكن الخلاف تصاعد ..

وتبين أن المنحة الرمزية التي أسندتها أو وعدت بها الدولة العاطلين مؤقتا – اي 200 دينارا- لم ترض رجال الأعمال الذين وقعت مطالبتهم بتسديد بقية الراتب ، الذي يتجاوز بالنسبة للمهندسين وعددا من الموظفين الالفي دينارحسب تصريحات السيد طارق الشريف..

والتحدي الأكبر بالنسبة للسيد سمير ماجول هو أن ” ديون الشركات الخاصة وصعوباتها تتراكم منذ 10 أعوام وكثير منها مهدد بالافلاس والغلق ” ، أي احالة مزيد من العمال على البطالة ..

مواكبة غضب العمال

وجاء الرد “قويا ” من بيان المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقد عشية الاحتفال بعيد العمال وتضمن عديد ” الاشارات الحمراء” .

فقد استعمل البيان عبارات تصعيد من نوع ” يسجّل بغضب تدهور الأوضاع الاجتماعية لكلّ العاملين بالقطاع الخاص والمهن الحرّة والحرفيين والفاقدين لأيّ سند”..وتحدث عن ” ارتفاع غير مسبوق للأسعار”. وشكك في توفر” الإرادة السياسية للتصدّي للمحتكرين” وندد ب ” نقص الإمكانيات لمراقبة مسالك الإنتاج والخزن والتوزيع وبسبب العجز تجاه لوبيات تجّار الحروب والأزمات.”(؟؟)

وفي هذا السياق تفهم زيارات رئيس الحكومة الياس الفخفاخ ووزير التجارة محمد المسيليني إلى سوق الجملة في بير القصعة وغيرها من الاسواق وتصريحاتهم التي حاولت تطمين المستهلك وأعلنت عن “حجز أكثر من مليون طن من المواد المحتكرة ..”

لكن الشارع التونسي ظل يتساءل : أين السميد والفارينة والزيت المدعوم اذن ..؟

وهل نجحت الحكومة فعلا في مكافح شبكات التهريب والاحتكار و” الوسطاء ” و” السماسرة ” أم أن الاسعار والأرقام التي تعرض أمام كاميرا التلفزية والمسؤولين غير مطابقة للواقع؟

نصف أجر..ومؤسسات مغلقة ؟

في الأثناء اكتفت كثير من المؤسسات باسناد ” نصف راتب ” إلى عمالها المحالين على “البطالة الفنية” واقتطعت من اجازاتهم السنوية ..ثم برزت ” اشارات حمراء ” جديدة من بينها :

· أولا :تمديد مرحلة غلق الحدود برا وجوا وبحرا وغلق المؤسسات السياحية والشركات المرتبطة بها مباشرة غير مباشرة ..وهو معطى قد يتسبب في احالة مالا يقل عن نصف مليون تونسي وتونسية مباشرة وغير مباشرة على البطالة “الفنية ” والفقر..

· ثانيا :عودة الاف العمال المهاجرين بعد ان فقدوا مواطن رزقهم في ليبيا والخليج وافريقيا وتركيا ..الخ

· ثالثا : توقف ” تجارة الشنطة ” و” السياحة التجارية ” التي كانت تشغل أكثر من مائة الف تونسي وتونسية يتعاملون سنويا مع تركيا والصين والجزائر وليبيا والمغرب واروبا ..ويتعاملون بدورهم مع عشرات الاف الوسطاء والعمال في ” الأسواق الموازية ” المنتشرة في كل المدن منذ 30 عاما.

· احالة ملايين العمال في فرنسا وبقية البلدان الاوربية على البطالة ..وهو تطور قد يتسبب في عودة ما لايقل عن مائة الف مهاجر إلى تونس بعد ان فقد مورد رزقه ..

الورقة السياسية

واذ انفرجت الامور جزئيا بالنسبة لعدة قطاعات انتاج وتصدير سمح لها باستئناف العمل ، من بينها البناء والاسكان وتجارة الاستهلاك ، فإن القائمة التي أعلنت عنها الوزيرة لبنى الجريبي باسم الحكومة لم تشمل الاف المهنيين ولم تقدم اجابات لمصير عشرات الالاف من العاملين في محلات الحلاقة والمقاهي والملاهي وبعض المهن الحرة ..

كما كشف بلاغا النقابة العامة للاعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل والنقابة الوطنية للصحفيين انشغالا باستفحال مشاكل قطاع الإعلام عموما والمؤسسات المصادرة والصحافة المكتوبة ..ولوحت النقابتان بالتصعيد وبالاعتصام في ساحة القصبة والاضراب العام..(؟)

وفي قطاعات المناجم والنقل تطورت تحركات لفتح ملفات شبهات فساد مالي كلفت الدولة خسائر بالمليارات خلال الأعوام الماضية إلى بوادر “أزمة سياسية إعلامية ” بين بعض الاطراف السياسية والنقابية تهمش الحوار حول الملفات الاجتماعية الاقتصادية وتنحرف بها نحو معارك ” ايديولوجية ” هامشية ..

وفي كل الحالات ، ليس من مصلحة أحد دفع البلاد نحو أزمة جديدة بين النقابات العمالية والحكومة وبقية الاطراف الاجتماعية ..