تعديل حكومي واسع عشية الانتخابات الرئاسية ..لماذا ؟
+ اكبر تغيير للوزراء في عهد سعيد ..أبعاده أمنية وخارجية
تونس .كمال بن يونس
تتواصل ” المفاجآت السياسية “في تونس قبل ستة أسابيع فقط عن موعد الانتخابات الرئاسية المقررة للسادس من أكتوبر القادم ..
فقد أدخل الرئيس قيس سعيد ” اكبر تعديل حكومي سياسي أمني ” منذ استلامه مقاليد الأمور قبل أعوام ، شمل أكثر من عشرين حقيبة بينها الدفاع والخارجية ومكتب رئاسة الجمهورية وأغلب الحقائب ذات الصبغة الأمنية والسياسية والاقتصادية.
فما هي الرسائل السياسية وراء هذه الخطوة التي تزامنت مع ” تعمق الخلافات والمواقف ” بين المعارضة والسلطات من المسارين السياسي والانتخابي ومن الايقافات والمحاكمات التي شملت عشرات السياسيين ورجال الأعمال و النشطاء و الاعلاميين؟
هل اراد قصر قرطاج بهذا التعديل الحكومي السياسي الامني الواسع التمهيد لقطيعة مع ” فريق الأعوام الخمسة الماضية ” تمهيدا لمرحلة جديدة قد تبدأ بتنظيم حوارات اجتماعية وسياسية يقودها رئيس حكومة ووزراء ليس معنيين مباشرة ب” غلطات ” الماضي القريب ؟
في كل الحالات يسجل ان هذا التعديل “الواسع وغير المسبوق” جاء بعد أسابيع قليلة عن تعيين الخبير القانوني والاحتماعي والمفاوض الدولي والأستاذ الجامعي كمال المدوري رئيسا للحكومة الجديدة والقاضيين خالد النوري وسفيان بالصادق على رأس حقيبة الداخلية والأمن الوطني.
هؤلاء المسؤولون الكبار الثلاثة يلتقون مع الوزير الجديد للدفاع خالد السهيلي ونخبة من زملائه في كونهم جميعا من بين الطلبة السابقين في كليات الحقوق والعلوم السياسية ، وبعضهم من بين طلبة الاكاديمي قيس سعيد أو زملائه السابقين في الجامعة أو في المعاهد العليا للقضاء والإدارة أو في مؤسسات تدريب الديبلوماسيين والكوادر الأمنية والعسكرية .
جنرالات
ولئن أسفر هذا التعديل عن ابعاد عسكريين بارزين من الفريق الحكومي، هما عبد المنعم بالعاتي وزير الفلاحة وعلي المرابط وزير الصحة ، فقد أسفر عن تعيين ” الفريق الأول” الطبيب العسكري مصطفى الفرجاني وزيرا جديدا للصحة ،في خطوة تباينت التقييمات لدلالاتها السياسية.
وكان الطبيب الجنرال مصطفى الفرجاني منذ سنوات مسؤولا مركزيا في قصر الرئاسة بقرطاج ، ولعب عمليا دور” كبير المستشارين ” و” مدير مكتب الرئيس ” و” المسؤول الأول ” عن عدة ملفات وطنية ودولية بينها ” الصفقات الكبرى” .
كما كان مع وزيري الدفاع والخارجية اللذين وقعت اقالتهما خلال هذا التعديل ، عماد مميش ونبيل عمار، من بين أبرز مرافقي الرئيس داخل البلاد وخلال تنقلاته الخارجية ومشاركاته في القمم العالمية من بيكين الى واشنطن او في العواصم العربية والاوربية .
لاول مرة
وقد فوجئ المراقبون أن الرئيس سعيد ألقى لأول مرة منذ انتخابات 2019 ” خطابا تفسيريا” لقراره ادخال التعديل الحكومي .
وكانت المفاجأة أكبر لان هذا الخطاب ، الذي القاه أمام الحكومة الجديدة ، وجه اتهامات خطيرة إلى عدد من المسؤولين الذي ابعدهم مركزيا وجهويا.واتهم بعضهم بوضوح بالولاء لعدد من ” اللوبيات” أو” المتآمرين على أمن الدولة الداخلي والخارجي” والمتهمين بعرقلة السير العادي لمؤسسات الدولة ولبرامج تحسين أوضاع الشعب ، بما في ذلك من خلال ” اختراق “مؤسسات الحكم والإدارة مركزيا وجهويا أو توظيف بعضها خدمة ” لمصالح خاصة “..
وبرر سعيد تشكيل الحكومة الجديدة بما وصفه ببروز “صراع مفتوح بين الشعب التونسي المصر على التحرر وعلى تحقيق العدالة والحرية وعلى مقاومة الفساد وجهات مرتمية في احضان دوائر خارجية تمني نفسها بالعودة الى الوراء”.
ورد سعيد على المعارضين الذين ينتقدون ادخال تعديل على الحكومة قبل اسابيع من الانتخابات الرئاسية ، واتهمهم بكونهم “لا يفرّقون بين الانتخابات والسّير العادي لدواليب الدّولة وأمنها القومي”.
واعتبر ان “دواليب الدّولة تتعطّل كل يوم” ، بسبب غلطات مسؤولين حكوميين واداريين ، و نوه بكون “الأمن القومي قبل أيّ اعتبار”.
كما اتهم سعيد بعض المسؤولين في الدولة ، وقال ان “عددا غير قليل منهم وقع احتواؤهم من قبل ” المنظومات القديمة (…) والالتفاف عليهم” مما حول الوضع منذ مدة إلى صراع بين نظام دستوري جديد ومنظومة فاسدة مازال الفاعلون فيها يمنون أنفسهم بالعودة الى الوراء.”
علما أن قصر قرطاج يوجه تهمة ” محاولة العودة بالبلاد الى الوراء” منذ 25 يوليو 2021 الى بعض “الأطراف المعارضة” التي اتهمت منذ اكثر من عام ونصف ب” التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي” ومعارضة ” القرارات الاستثنائية ” التي اتخذها وبينها حل البرلمان والحكومة والمجلس الأعلى للقضاء واحالة عشرات من السياسيين السابقين ورجال الاعمال والموظفين على المحاكم وعلى هيئات “مكافحة الإرهاب والفساد والتهريب والمخدرات” .
في المقابل قيادات برلمانية وسياسية و زعامات في ” جبهة الخلاص الوطني ” المعارضة اعتبرت تلك القرارات الاستثنائية ” ابتعادا عن دستور 2014 وعلى نتائج انتخابات 2019..
الورقة الخارجية
في سياق متصل كشفت “ومضات” بثتها الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية ” ان الكلمات المتفرقة ، التي ألقاها الرئيس سعيد عند مصافحته للوزراء الجدد بعد أداء اليمين الدستورية ، ركزت على الملفات الخارجية وعلى الامن الاقتصادي الاجتماعي وعلى ” أولوية إعادة الاعتبار للقطاع العام ” في مجالات الصحة والنقل والتعليم ومعالجة معضلات الفقر والتهميش ..
وفي هذا السياق رحبت اغلب وسائل الاعلام ومصادر مستقلة بكون غالبية الوزراء والمسؤولين السامين الجدد ، وبينهم رئيس الحكومة كمال المدوري من بين ” التكنوقراط المسيسين ” ممن تميزوا ب”استقلاليتهم عن كل الأحزاب والمجموعات الأيديولوجية واللوبيات “. ووقع التنويه خاصة بمؤهلات بعضهم مثل وزير الخارجية الديبلوماسي المستقل منذ تسعينات القرن الماضي محمد علي النفطي ونائبه محمد بن عياد، سفير في الرباط سابقا والمدير العام لمعهد الدراسات الديبلوماسية منذ اشهر ووزيري الدفاع خالد السفير خالد السهيلي والداخلية خالد النوري .
لكن صعوبات كبيرة قد تعترض حكومة هؤلاء ” التكنوقراط المسيسين المستقلين “بقيادة كمال المدوري ، بينها تراكم التحديات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والأمنية داخليا وخارجيا عشية الانتخابات ” المثيرة للجدل” المقررة للسادس من أكتوبر القادم.
الحوار الوطني
في هذا المناخ العام هل يمكن الرهان على العودة لمطالبات شخصيات سياسية ونقابيّة بتنظيم ” حوار وطني شامل ” بين السلطات ومعارضيها ؟
وهل يمكن ان توكل هذه المهمة لرئيس الحكومة الجديد وفريقه ممن لم يعرف عنهم أبدا مواقف “متطرفة “و” استئصالية ” خلافا لعدد من الوزراء والمستشارين الذين ابعدوا خلال الأشهر والأعوام الماضية؟
كل الفرضيات واردة إذا توفرت شروط عديدة من بينها ” تنقية المناخ السياسي والحقوقي في البلاد ” واحترام استقلالية القضاة وتوسيع هامش الحريات الإعلامية و احداث آليات جديدة للتفاوض و الحوار لا تقصي احدا ..
وقد يكون مفيدا البدء بالإفراج عن غالبية الموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية ونقابيّة وإعلامية ومالية، مع امكانية احالة ” المشتبه فيهم ” في حالة سراح …خاصة بالنسبة للمرضى وكبار السن والنساء و زعماء الأطراف السياسية والاجتماعية الذين يمكن ان يشاركوا في مسار جديد لإعادة البناء الوطني…و ” الإنصاف والمصالحة ” … بعيدا عن كل سيناريوهات العنف والعنف المضاد …
k