· المجموعات ” المسلحة ” تدربت في ليبيا ولبنان ومع فصائل فلسطينية

كشف الزعيم القومي اليساري عمر الماجري ،القيادي السابق مع الزعيم العروبي اليساري أحمد نجيب الشابي في حزبي “التجمع الاشتراكي التقدمي”و” الديمقراطي التقدمي”، في حديث مع عربي 21 أن التنظيمات العروبية واليسارية كانت في تونس قبل 2011 نوعان: الأول ضم مجموعات “سياسية سرية” حاول أغلبها أن يوفق بين المواقف القومية والاشتراكية أو الماركسية .

اما الطرف الثاني فيشمل مجموعات تبنت في نفس الوقت “الكفاح المسلح والثوري” والتنسيق مع اطراف ثورية فلسطينية وأحزاب وحكومات عروبية بعثية وناصرية ثورية ..”

كما أكد المنصف الشابي القيادي في حركات ماركسية وبعثية وقومية تونسية وعربية منذ ستينات القرن الماضي ، في حديث مع ” عربي 21 ” ما سبق أن نشره مؤخرا في كتاب أصدره بالفرنسية عن سيرته الذاتية ، عن تطور علاقته وقيادات بارزة من القوميين والبعثيين العرب التونسيين منذ عقود مع ” الثوريين الفلسطينيين والعرب، مثل” أبو نضال “، صبري البنا، زعيم “حركة فتح المجلس الثوري” ، و جورج حبش ورفاقه الذين أسسوا سرا “حركة القوميين العرب “عام 1956 في الأردن ثم ” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ” التي تفرعت عنها بعد هزيمة يونيو 1967..

فما هي ابرز الحركات والتنظيمات السرية القومية ” الثورية ” والمسلحة في تونس ؟

أورد الزعيم الحقوقي والقومي العروبي سالم حداد مؤلف كتاب ” الهضبة المنسية ” في تصريح لعربي 21 أنه يعتقد أن قيادات ومناضلي التيار القومي يمثلون “الطرف الأهم ” الذي برز مبكرا وعارض الاحتلال المباشر ثم سلطات الاستبداد المتعاقبة بعد اعلان “الاستقلال الذاتي “عن فرنسا في 1955 وتنظيم حركة مقاومة مسلحة دامت سنوات كانت مساندة للزعيم الوطني صالح بن يوسف والقيادات القومية المساندة له في منطقة المغرب العربي وفي بلدان المشرق العربي ، بينهم الزعيم القومي العربي الجزائري أحمد بن بلا والزعيم المصري عبد الناصر ..

وقد كلفت تلك المقاومة عددا ” هائلا من المناضلين القوميين والوطنيين الصادقين تضحيات جسام من بينها الاغتيالات والاعدام والسجن في ظروف قاسية جدا”..

كما اعتبر سالم حداد ، عضو القيادة الموسعة في حزب حركة الشعب حاليا ، أن مناضلين عروبيين قوميين شاركوا في المحاولة الانقلابية على حكم الرئيس بورقيبة في 1962 ، والذين وقع اعدام كثير منهم فيما سجن آخرون لفترات طويلة ..

بين السرية و” الخط الثوري” والعمل المسلح

وتكشف دراسة جامعية صدرت في كتاب ضخم من جزئين اعده 7 مؤرخين تونسيين ، بينهم عميرة علية الصغير ومحمد ضيف الله وحفيظ طبابي ، تحت عنوان ” المحاكمات السياسية في تونس 1956-2011″ ،أن عددا كبيرا من التنظيمات “السرية” و”الثورية والمسلحة” في تونس كانت عروبية أو يسارية قومية قريبة من الأحزاب البعثية والناصرية والعصمتية ثم من نظام الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي..

ونشر الكتاب وثائق وشهادات مهمة عن محاكمة قيادات تلك التنظيمات ” السرية ” والمجموعات “المسلحة الثورية القومية ” التي اتهمت بمحاولة الانقلاب على النظام ، بدءا من ” جماعة الأزهر الشرايطي ” مدير الحرس الرئاسي لقصر قرطاج ” الذي قاد مع مجموعة من الضباط ” الحركة الانقلابية الفاشلة ” التي كانت مبرمجة ليوم 20 ديسمبر1962/ كانون الأول ” .

وقد كشف وزير الدفاع آنذاك الباهي الادغم تفاصيل عنها في مقال نشرته صحيفة “العمل” الناطقة باسم الحزب الدستوري الحاكم يوم 29 ديسمبر أورد فيه أن ” المجموعة المورطة في المؤامرة الانقلابية ” كانت تضم 20 شخصيا بينهم سبعة ضباط من الجيش وشخصين كانا “من بين اليوسفيين”( أي انصار الأمين العام للحزب الذي قاد التمرد على بورقيبة في 1955 ) وشملهما عطف الحكومة لكنهما خانا العهد..”

ووصف الأدغم عناصر هذه الحركة ب” المتآمرين الذين لهم اتصالات بالخارج وبالداخل وينتمون الى الرجعية واليوسفية والانتهازيين وأصحاب المطامع “..

من” الجبهة القومية لتحرير تونس “إلى كومندوس قفصة

بعد فشل تلك الحركة ” التصحيحية ” واعدام عدد من عناصرها وقمع بقية أنصارها بشراسة في السجون هاجر عدد من المعارضين القوميين الى المشرق العربي وأوربا أو إلى الجزائر حيث تواجد المعارض الكبير إبراهيم طوبال الذي بقي وفيا لرفيقه صالح بن يوسف واستضافته الجزائر حتى وفاته في 1990 .

في المقابل انسحب آخرون من المشهد ومن بينهم بعض العسكريين والموظفين والاداريين “الناجين” مثل الحبيب عمار وعلي المعاوي وعبد الحكيم ….الخنيسي .

لكن عددا من المعارضين القوميين اقتربوا بسرعة مع حكم معمر القذافي ومع تنظيمات قومية وفلسطينية مسلحة في لبنان واسسوا مجموعات قومية ناصرية بينها الجبهة القومية لتحرير تونس في 1972 ، وكان من بين رموزها نبيل حمدي وعمارة بن ضو بن نايل .. وقد احتج بورقيبة على تشكيل تلك “الجبهة المسلحة المعارضة” وتدريب عناصرها في ” معسكرات في ليبيا ولبنان ..”

وانتهى الامر بأن أرسل القذافي كل عناصر المجموعة الى تونس على متن طائرة خاصة وسلمهم الى السلطات الأمنية فتعرضوا للتعذيب وحوكم بعضهم بالسجن لمدة تراوحت بين 5 و10 أعوام .

وبينهم من عاد الى ليبيا ولبنان بعد الافراج عنه، وشارك في “الكومندوس” الذي هاجم مؤسسات عسكرية وأمنية في مدينة قفصة الحدودية الجزائرية يوم 27 يناير 1980 بزعامة عز الدين الشريف وأحمد المرغني ، بعد ادخال أسلحة وعناصر من المجموعة المسلحة ” الثورية” من الجزائر الى المدينة قبل العملية بمدة ..

وقد اعلن بعد تلك العملية الفاشلة عن ” تأسيس إذاعة قفصة صوت الثورة التونسية ” في طرابلس الليبية . وكشفت المحاكمة أن النية كانت تتجه إلى ” اعلان تمرد ومنطقة محررة في محافظة قفصة الجنوبية تمهيدا لاسقاط النظام …”(؟) لكن الجيش التونسي اجهض العملية مدعوما بدعم لوجستي وسياسي واعلامي غربي ومغربي ..وكشفت السلطات ان بعض المسلحين تدربوا مع التنظيم الفلسطيني ” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة “برئاسة أحمد جبريل ..الذي كانت لديه علاقات كذلك مع تنظيمات ” ثورية ماركسية تونسية صغيرة ” أرسلت بدورها شخصيات للتدرب على السلاح في لبنان ..

“حركة التحرير الشعبية “

في الأثناء برزت شخصيات وتنظيمات سرية بعثية وقومية أخرى حوكم ظل اغلبها مستقلا ، فيما انخرط آخرون في النقابات والحراك الجامعي أو ” اندمجوا مع المنظومة ” بعد انفتاح وسائل الاعلام على المعارضين أواخر عهد بورقيبة ومطلع عهد بن علي .

لكن التنظيم “السري المسلح ” الأهم الذي أوقف 12 من قيادته ونشطائه في 1982 وحوكموا في 1983 بالسجن لمدة بلغت 7 أعوام بالنسبة للبعض ، كان خلية ” حركة التحرير الشعبية ” التي كان يتزعمها الفلسطيني المعارض ناجي علوش منذ أواخر السبعينات في الجامعات اللبنانية ، والتي كانت تصنف على أنها ” على يسار حركة فتح “.

وقد اتهم هذا التنظيم وقتها من قبل السلطات التونسية واوساط في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتونس بالتخطيط لتفجير المركز الثقافي الأمريكي والسعودي ومحطة الارتال الكبرى في العاصمة ، ردا على الحرب الإسرائيلية على لبنان في صائفة 1982 وخاصة على ” مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا “.

لكن الصحفي عمر الماجري الذي حوكم في هذه القضية ب7 أعوام سجنا، قضى خمسة منها في الحبس ، ينفي تلك الاتهامات رغم تأكيده تواصل مجموعته مع رفاقهم اليساريين والقوميين سياسيا في لبنان . ويتهم الماجري المخابرات الإسرائيلية وشخصيات فلسطينية وتونسية بينها مدير عام الامن وقتها أحمد بنور ب” افتعال اتهامات ” بهدف ارباك السلطات التونسية التي استقبلت قبل ذلك باسابيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ..

العلاقة مع القذافي

ثم نظمت مجموعة تونسية مسلحة ” قومية موالية لنظام القذافي ” في 1986 محاولة فاشلة لاغتيال رئيس الحكومة وقتها الهادي نويرة ..

كما اتهمت السلطات التونسية اتهمت النظام الليبي مرارا بعد فشل ” كومندوس ثورة قفصة ” بتدريب معارضين آخرين .

وتؤكد مصادر رسمية عديدة أن ” ثمن” موافقة النظام التونسي على التصالح مرارا مع حكومات معمر القذافي كان تسليم المعارضين التونسين أو الضغط عليهم ليغادروا ليبيا ..

في نفس الوقت غضت السلطات الطرف عن تأسيس المحامي البشير الصيد ومقربون منه حزبا قوميا مناصرا للقذافي في 1981 سمي” حزب التجمع القومي العربي ” وقع تغيير اسمه في 1988 الى ” حزب الاتحاد الوحدوي الديمقراطي ” .

لكن بورقيبة رفض الاعتراف بهذا الحزب ، فيما أسند بن علي تأشيرة حزب بنفس التسمية لشخصيات ناصرية وبعثية تزعمها رجل الأعمال والقيادي السابق في الحزب الحاكم عبد الرحمان التليلي .ورغم مصالحة القذافي مع النظام التونسي منذ وصول الرئيس ” العروبي زين العابدين بن علي ” الى السلطة ، فقد سجن البشير الصيد في 1989 بتهمة تنظيم ” عصابة سرية ” روجت مناشير تشتم الرئيس بن علي .

وبقي أغلب القوميين الناصريين والبعثيين الموالين لبغداد الذين رفضوا الانخراط في حزب التليلي” في السرية “. كما استقال أغلب القوميين البارزين بعد ذلك من هذا الحزب وبقوا مستقلين .

بينما انضم بعضهم بتشجيع من السلطات الى حزب “الوحدة الشعبية” بزعامة محمد بالحاج عمر ومحمد بوشيحة. وقد سمحت السلطات في عهد بن علي لقيادة حزبي” الوحدة الشعبية ” و” الاتحاد الوحدوي الديمقراطي ” ، في عهد عبد الرحمان التليلي ( 1988-2003) ثم أحمد الاينوبلي (2003-2010) ولقيادات نقابية داخل اتحاد الشغل ومنظمات المحامين والمجتمع المدني بزيارة العراق وسوريا وليبيا والقاهرة واليمن وغيرها علنا وتبني شعارات قومية شرط اعلان ولائها لتونس وسلطاتها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *