تستضيف فرنسا القمة الخامسة والأربعين لمجموعة الدول السبع الصناعية “جي 7” خلال الفترة من 22 إلى 25 أغسطس الحالي، واستضاف قصر الإليزية في باريس يوم أمس رئيس الوزراء البريطاني الجديد “بوريس جونسون” لأول مرة في حدث سياسي وإعلامي مهم وذلك لأن هذه الزيارة سوف تركّز على مناقشة العديد من الملفات الساخنة ولا سيما موضوع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمحاولات التي تبذلها لندن وبروكسل للوصول إلى تفاهم وفهم مشتركين للمضي قُدماً في هذه العملية وإنجازها بشكل مناسب.

يذكر أن “جونسون” سافر أيضاً إلى ألمانيا قبل وصوله إلى باريس للتفاوض مع الدول الأعضاء القوية الأخرى في الاتحاد الأوروبي. كما أنه أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس “ماكرون” في بداية شهر أغسطس، قائلاً: “سواء توصلنا إلى اتفاق أم لم نتوصل، ينبغي علينا مغادرة الاتحاد الأوروبي”.

محاولات “جونسون” الجديدة

أكد رئيس الوزراء البريطاني الجديد “جونسون” منذ توليه منصبه قبل نحو شهر استعداده لتنفيذ عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية، بأن “جونسون” توجّه قبل عدة أيام إلى برلين، ومنها إلى باريس، في محاولة لإقناع المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” والرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بالتفاوض على اتفاق جديد يجنّب بلاده خروجاً غير مأمون العواقب من الفضاء الأوروبي.

وفي برلين، قال رئيس الوزراء البريطاني للمستشارة الألمانية إنه لا يقبل الاتفاق الحالي مع الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن هذا الاتفاق الذي أبرمته رئيسة الوزراء السابقة “تيريزا ماي”، إما يقسّم بريطانيا أو يلزمها بالترتيبات الجارية الأوروبية دون أن يكون لبلاده ما تقوله بهذا الشأن.

وخلال ذلك اللقاء، أعربت “ميركل” عن أملها في التوصل خلال ثلاثين يوماً إلى اتفاق مع بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي مع تجنّب خطة “شبكة الأمان” للحدود الأيرلندية التي ترفضها لندن.

وقبيل وصول “جونسون” إلى برلين، نبهت المستشارة الألمانية إلى تداعيات اقتصادية سلبية قد تنجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، في ظل التوتر التجاري الدولي الحالي، وكان تقرير حذّر قبل أيام من أن بريطانيا قد تتعرّض في هذه الحالة لاضطرابات تشمل إمدادات الغذاء والدواء.

وكان “جونسون” أرسل يوم الاثنين الماضي رسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي “دونالد توسك” طالب فيها بإلغاء البند الخاص بشبكة الأمان المتعلقة بوضع الحدود بين جمهورية إيرلندا العضوة في الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية الخاضعة لبريطانيا، وردت المفوضية الأوروبية بالرفض.

وبند شبكة الأمان هو إجراء مؤقّت يبقي بريطانيا ضمن الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي إلى حين التوصل لحل نهائي لأزمة الحدود الإيرلندية.

الخروج من الاتحاد الأوروبي وجونسون

يعتبر “جونسون” هو رئيس الوزراء الثاني بعد رئيسة الوزراء السابقة “تيريزا ماي” الذي أكد مراراً وتكراراً على ضرورة خروج وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبي وتعدّ هذه القضية من أهم القضايا التي تؤرق دول الاتحاد، بالرغم من موافقته على جميع شروط لندن، وبحسب الاتفاق الذي توصل له الطرفان، فإنه يتاح لبريطانيا الاحتفاظ بآليات الدفاع عن أمنها القومي، ولن تصبح يوماً ما جزءاً من الجيش الأوروبي المشترك.

ويضمن الاتفاق أيضاً ألّا تدفع بريطانيا أي نفقات رعاية اجتماعية للمهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي مدة قد تصل إلى 7 سنوات، فضلاً عن وضع قيود على المعونات التي تمنحها لندن لأبناء المهاجرين الحاليين، وذلك ابتداء من 2020، كما أنه يحق للحكومة البريطانية سنّ إجراءات طوارئ لحماية العاصمة لندن.

كما أن الاتفاق لا يفرض الاستغناء عن العملة المحلية، مع التمتع بمزايا دول اليورو.

وفي سياق متصل، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأنه من المتوقع أن يكون لهذا الخروج أثر سلبي على النمو في بريطانيا على المدى القصير على الأقل، وقد يدفع البلاد نحو الركود، كما أنه قد يدفع بنك إنجلترا المركزي إلى خفض أسعار الفائدة إلى الصفر، واختبار مدى استعداد الدائنين للاستمرار في تمويل عجز الموازنة البريطانية.

ويرى خبراء اقتصاديون أن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يعتبر قفزة في المجهول، لأن هذا البلد لم ينفصل يوماً عن المنظومة وتوقّعت إحدى وكالات التصنيف الائتماني العالمية أن خروج بريطانيا من أوروبا من دون التوصل إلى اتفاق سيسبب لها ركوداً اقتصادياً.

وحول هذا السياق، ذكرت مؤسسة “مودي” أيضاً في تقريرها، إن الجنيه الإسترليني الذي يعاني من ضعف منذ التصويت على بريكست سيواجه ضغوطاً جديدة، ما سيضعف القيمة الحقيقية لرواتب الموظفين خلال السنتين أو الثلاث سنوات التي ستلي الخروج من أوروبا وهذا بدورة سيؤثر سلباً على مستوى إنفاق المستهلكين والنمو الاقتصادي.

وفي السياق ذاته، يقول الخبير الاقتصادي لدى مؤسسة “جيفريز المالية، “دايفيد أوين”: “إن هذا أمر لا مفرّ منه، نعم سينخفض الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا على الأقل بشكل مؤقت عقب الخروج من دون اتفاق ما سيؤدي إلى تعاظم خطر الركود الاقتصادي بنسبة أكبر مما كان عليه الوضع في شهر مارس” وجاء في تقرير مؤسسة “مودي” أيضاً أن خروج بريطانيا من دون صفقة مع أوروبا سيحتّم عليها الاقتراض، فالنمو المتدني سيؤدي إلى تراجع العائدات الضريبية ما سيحتم على الحكومة زيادة الإنفاق العام للتخفيف من وطأة الضربة الاقتصادية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير قرع أجراس الخطر في الوقت الذي حذّر فيه وزير المالية البريطاني “فيليب هاموند” من أن الخروج دون اتفاق سيكون مكلفاً للغاية.

وكان “هاموند” قد قدّر الثلاثاء الماضي أن تكلفة الخروج من دون اتفاق، ستكون 90 مليار جنيه إسترليني وهو ما سيلتهم كل الاحتياطي المالي الحكومي المخصص للبريكست والبالغة قيمته 27 مليار جنيه إسترليني وستضطر الحكومة إلى البحث عن أموال لمواجهة أي طوارئ قد تحدث عقب الخروج من دون اتفاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *