في البداية أود أن اترحم على أرواح شهدائنا الأبرار بسبب الاعتداء الغاشم على طرابلس وضواحيها، وندعوالله بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين ، وأن يوفقنا على تأمين عودة النازحين لديارهم في أقرب وقت.
السيدات والسادة…
منذ بداية عملنا ورغم كل التحديات والظروفٍ الصعبة ، كانت حكومة الوفاق دائماً مؤمنة بأن الحل في ليبيا لن يأتي الا من خلال الحوار بين أبناء الوطن ، فهو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة ، لذا عملنا بشكل مستمر في هذا الاتجاه ، والتقينا بمعظم فئات وشرائح المجتمع وشجعنا على اللقاءات بين الليبيين.
نحن دعاة سلام وتوافق …. وعندما حدث العدوان لم نتردد  في مواجهته بالقوة ، دفاعا عن أهلنا وعاصمتنا ، و دفاعا عن الدولة المدنية التي ينشدها جميع الليبيين ، والتي أرست مبادئها ثورة السابع عشر من فبراير ، وكلنا ثقة في قدرة قواتنا على دحر العدوان وارجاعه من حيث آتى ….. هذا العدوان الذي يستهدف تقويض المسار الديمقراطي والانقلاب عليه ، ويهدف الى التسلط وفرض الحكم الشمولي ، حكم الفرد والعائلة.  ولذلك اتخذنا كافة التدابير لتعبئة جيشنا الوطني و ثوارنا البواسل ، و كان النصر حليفنا بفضل الله ، و أثبتنا للعالم  بأن عملية ”بركان الغضب“ قادرة على تبديد اوهام المعتدي…. ولقد أكدنا مراراً بأنه لا حل عسكري للصراع في ليبيا ، ورغم وضوح ذلك للجميع ، إلا ان المعتدي يصر على استمرار الحرب… بعد أن أوهم من معه بأنه الجهاد العظيم… والفتح المبين.
الكل يشهد على أننا وصلنا الى نتائج ايجابية ، سواء علي المستوي المحلي أو الدولي في عدة مجالات ، فالترتيبات الأمنية التي قمنا بها في العاصمة طرابلس ومدن أخرى ساهمت بشكل ملحوظ في بسط الأمن ، واستيعاب التشكيلات المسلحة في مؤسسات الدولة الشرطية والعسكرية والمدنية ، وقمنا بهزيمة تنظيم الدولة في سرت ومناطق أخرى ، بفضل تضحيات أبطالنا ….وبالتعاون الاستراتيجي مع الدول الصديقة ومع التحالف الدولي لمكافحة الارهاب ، هذا التعاون لازال مستمراً الى يومنا هذا ،    ولم.. ولن  ندخر جهداً للقضاء على هذه الآفة رغم كل التحديات ،  أما في المجال الاقتصادي فقد بدأت مسيرة التعافي من خلال برنامج الإصلاح الذي يعتمد على تكامل وتناغم السياسات النقدية والمالية والتجارية ، وترشيد الانفاق ، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط ، ورفع مستويات الانتاج الى أفضل المعدلات.
السيدات والسادة…
نعلم جميعا  أننا كنا على مقربة من عقد الملتقى الوطني الجامع ، ولكن قام المعتدي …وفي تحدٍ صارخ للجميع ، بمحاولة فاشلة لفرض أمر واقع جديد ، ونسف ارادة الليبيين ، وبفضل قواتنا الباسلة من الجيش والقوة المساندة له ، تم تلقينه وميليشياته دروساً في البطولة والقتال ، وكُسِرت أكذوبة ما كان يدعيه بأنه جيش محترف ، وما كان يسوقه بأن دخوله لطرابلس نزهة ستنتهي خلال يومين ، وها هو اليوم ينكسر ويجر أذيال الهزيمة.
وفي هذا الاطار أقول لأهلنا في الشرق الحبيب ،  إن تاريخكم عودنا على رفضكم للظلم والطغيان ، ولن تكونوا أبداً وقوداً للفتنة بين الليبيين ، فهذا ما يسعى اليه هذا المغامر ، وأنتم منهُ براء …. إن دعاة الفتنة يحاولون تسويق ما يقع اليوم على أنه صراع بين الشرق والغرب ، أو حرب على الإرهاب والتطرف ، وهذا محض افتراء ، لذا حان الوقت لأن تقول الأغلبية الصامتة كلمتها : كفى تقتيلا لشبابنا … وكفانا مآتم للعزاء…. ان الحرب ستنتهي لا محالة بإذن الله ، ولن يحصد من أشعلها سوى الندم … وبهذه المناسبة أقدم تحية اعتزاز وإكبار لمن خرج وتحدى ، وأعلى صوت الحق ضد هذا الغزو الغاشم ، رغم كل التهديد  والوعيد.
ومن واقع مسؤوليتي الوطنية ، ورغم العدوان الغاشم علينا ، والذي سنستمر في دحره وتسخير كل الامكانيات لإنهائه وهزيمته ، فإنني أقدم اليوم مبادرتنا السياسية للخروج من الأزمة الراهنة ، وأدعو الشعب الليبي للالتفاف حولها لاستكمال مسيرة النضال الوطني ، ومشروع بناء الدولة الديمقراطية.
وتتلخص مبادرتنا في النقاط التالية :
أولاً : أن يتم عقد ملتقى ليبي … بالتنسيق مع البعثة الأممية ، يمثل جميع القوى الوطنية ومكونات الشعب الليبي من جميع المناطق ، ممن لهم التأثير السياسي والاجتماعي ، الذين يدعون الى حل سلمي وديمقراطي ، المنادون بحق المواطنة وبناء دولة مدنية ، دولة القانون والمؤسسات.
ثانياً : يتم الاتفاق خلال الملتقى على خارطة طريق للمرحلة القادمة ،  واقرار القاعدة الدستورية المناسبة ، لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019 ، ويتم تسمية لجنة قانونية مختصة من قبل الملتقى ، وذلك لصياغة القوانين الخاصة بالاستحقاقات التي يتم الاتفاق عليها .
ثالثاً : يقوم الملتقى باعتماد القوانين الخاصة بالعملية الدستورية والانتخابية المقدمة من اللجنة القانونية ، مع تحديد مواعيد الاستحقاقات ، ثم احالتها الى المفوضية العليا للانتخابات .
رابعاً: يدعو الملتقى مجلس الأمن والمجتمع الدولي لدعم هذا الاتفاق ، وتكون مخرجاته ملزمة للجميع، وتقوم الأمم المتحدة بالإعداد والتنظيم لهذه الاستحقاقات ، وأن يدعو الملتقى الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ، لتقديم الدعم اللازم لإنجاحها .
خامساً: يتم تشكيل لجان بإشراف الأمم المتحدة ، من المؤسسات التنفيذية والأمنية الحالية في كافة المناطق ، لضمان توفير الامكانيات والموارد اللازمة للاستحقاقات الانتخابية ، بما في ذلك الترتيبات الأمنية الضرورية لإنجاحها .
سادساً: يتم الاتفاق من خلال الملتقى على آليات تفعيل الادارة اللامركزية ،  والاستخدام الأمثل للموارد المالية ، والعدالة التنموية الشاملة لكل مناطق ليبيا ، مع ضمان معايير الشفافية والحوكمة الرشيدة .
سابعاً: ينبثق عن الملتقى هيئة عليا للمصالحة الوطنية ، تقوم بالإشراف والمتابعة لملف المصالحة الوطنية ، وتفعيل قانون العدالة الانتقالية… وقانون العفو العام وجبر الضرر ، باستثناء من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية.
السيدات والسادة :
نحن بدورنا سنعمل في هذه المرحلة المتبقية على رفع كفاءة الحكومة ، لتواكب طبيعة الاستحقاقات الوطنية القادمة ، وبالأخص في المجال الخدمي والاقتصادي والأمني ، و استكمال مراجعة ايرادات ومصروفات المصرف المركزي في طرابلس والبيضاء ، والمتفق عليها مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ، وسنواصل الترتيبات الأمنية ومشروعنا لبناء مؤسسة عسكرية وأمنية على أسس ومعايير مهنية ، مهمتها حماية الوطن والمحافظة على سيادة الدولة ، يندمج فيها جنودنا الأشاوس وثوارنا البواسل من كل أنحاء ليبيا .
ومن هنا ندعو المجتمع الدولي الى دعم هذه المبادرة ، وأن يكون أكثر حسماً وحزماً مع المعتدي ، وفتح تحقيق دولي في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت خلال الاعتداء على العاصمة وغيرها من مدن ليبيا.
وفي الختام  ،
أقدم تحية اجلال واكبار لقواتنا المسلحة … من الجيش والقوات المساندة وثوارنا البواسل في كافة المحاور  ، و الذين يسطرون أعظم الملاحم البطولية ، وأقول لهم بأن دماء شهدائنا لن تذهب سُداً … ومعركتنا العادلة مستمرة ، وانني رجل سلام و وفاق ، و في الوقت نفسه لن أسمح بسرقة طموحات و آمال الليبيين … وسأستمر في قيادة هذه المعركة لمقاومة الأستبداد ، ولن يستطيع أحد أن يثنينا عن مواصلة نضالنا وكفاحنا … لهزيمة المعتدي ودحره وانهاء مشروعه الدكتاتوري.    
وعلى الباغي تدور الدوائر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *