منية العيادي

 

 

بعد ثمانية أعوام من ثورة 17 فبراير الليبية و التي أطاحت بنطام معمر القدافي، يبدو المشهد الليبي حاليا أكثر غموضا في ظل غياب الدولة و مع تعقد الأوضاع في الجنوب الليبي إضافة إلى التدخلات الخارجية و النتيجة لا توجد رؤية واضحة لإمكانية ترسيخ حل في ليبيا، داخليا بعدم وجود رغبة بين الأطراف السياسية الليبية في التفاهم حول حل جذري يرضي الجميع ، و خارجيا بعدم وجود دعم دولي للبعثة الأممية وسط تنازع الدول الفاعلة في الملف الليبي فيما بينها مما يبين بوضوح أن الكثير من الأطراف و أصحاب القرار في ليبيا مرتهنة للقرار الخارجي أو أنها تريد تغليب مصلحتها الشخصية على حساب مصلحة الوطن .

و للأسف ما زاد الطين بلة أن النية اليوم مفقودة في الذهاب إلى اتفاق بين الأطراف السياسية التي تدير العملية السياسية في ليبيا خاصة بين مجلس النواب و مجلس الدولة و هو تشابك خطير لا يوحي بوجود حل أو نهاية لهذا النفق المظلم الذي ينتظر الليبيون الخروج منه، إلا بالذهاب ربما إلى الانتخابات التي يرى مراقبون صعوبة في الوصول إليها إن لم نقل إستحالتها لنفس السبب و هو عدم اتفاق الأطراف السياسية و صعوبة انعقاد المؤتمر الجامع حول ليبيا إضافة إلى أن عملية الانتخابات معرقلة اليوم من المجتمع الدولي نوعا ما نتيجة للتجاذبات السياسية في المنطقة و الصراع حول ليبيا بشكل واضح .

ورغم مرور ثماني سنوات، لا تزال البلاد تغرق في أزمة أمنية و سياسية متداخلة الأطراف، وسط محاولات خاصة من دول الجوار لحلحلتها، و رأب الصدع بين الفرقاء.

صراعات وضعت البلاد في مواجهة مصيرية أمام أزمات لا تزال تراوح مكانها حتى اليوم دون وجود مؤشرات على انفراج قريب، فكيف يمكن أن تخرج ليبيا من هذا النفق المظلم وسط التحديات المتراكمة ؟ و ما هي الأطراف الأكثر فاعلية الآن في المشهد الليبي ؟.

 

ثماني سنوات بعد ثورة فبراير … مالذي تغير ؟ 

يقدر العارفون بالوضع الليبي بأن إرساء الإستقرار السياسي و الإقتصادي و السلم الأهلية مرهون بتوافقات داخلية ممكنة في وقت وجيز و توافقات خارجية صعبة التحقيق نظرا لتشعب مصالح الدول المتدخلة في تصادم مصالحها أحيانا.

الكاتب و الباحث السياسي الليبي عز الدين عقيل، الذي يرى أن ما جرى في ليبيا لم يكن ثورة، بل انتفاضة للمهمشين الذين انعكست عليهم أثار الفساد الخطير، بمعدلات بطالة عالية، قبل أن تتدخل الجماعات الإسلامية المتطرفة و الانتهازيين من رجال الأعمال، اعتبر أن الوضع اليوم في ليبيا خطير و ليس انتقاليا فالدولة غير مستقرة على الإطلاق مع وجود حالة النزاع المسلح و الحرب الأهلية، مناشداً الجميع بـ” التفكير في كيفية تجاوز هذه الحالة لتصحيح مسار البلاد .

Résultat de recherche d'images pour "‫عز الدين عقيل‬‎"

و شدد عقيل على أن الحل الجوهري في ليبيا يتمثل في نزع السلاح على الرغم من أنه  ليس خيار المجتمع الدولي خاصة بإرسالهم بعثة سياسية و ليس أمنية تختزل الحل ما بين القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر و رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ” الذي هو غير حقيقي على الإطلاق و بعيد كلياً عن الحل الحقيقي” بحسب قوله.

و أضاف ” أما الآن و بعد العمليات العسكرية في الجنوب أصبحت على يقين أن الحل سيكون عسكرياً و لا بد أن يكون بنزع السلاح و لكن هل سيكون عبر السياسة أو عبر جمع امراء الحرب حول مائدة التفاوض للوصول إلى  اتفاق سياسي يحددون من خلاله عملية نزع السلاح و اعطائهم قدرا من العفوات المختلفة مقابل سماحهم بعودة الجيش و الشرطة بشكل سلمي و يبدو ان أمراء الحرب اختاروا نزع السلاح بالقوة، و أعتقد أن الجيش سيتقدم و طرابلس ستكون أكثر سهولة في تطهيرها من المليشيات و بعد ذلك سنعود للصورة التي يجب أن نمضي لها من البداية”.

و تابع:  ” إن ليبيا ستشهد ما وصفه بـ”استنساخ لما وقع في مصر بعد تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي الذي تولى قيادة المجلس العسكري آنذاك، مضيفًا أن العاصمة طرابلس ستشهد ما قال إنها انتفاضة عند توجه قوات الكرامة إلى العاصمة بعد انتهاء حملتها العسكرية في الجنوب الليبي. و وصف المشهد الليبي بالمتغير حيث أدبر الليبيون الانتخابات وراء ظهورهم و ينتظرون نتائج العملية العسكرية التي يقودها خليفة حفتر في الجنوب، وفق قوله.

و قال عقيل، إن المجتمع الدولي تعامل مع أزمة ليبيا بشكل خاطئ و إن الجيش كان الطرف الأكثر فاعلية معتبرا أن ليبيا “صنعت” فيها الحرب تصنيعا من جانب تحالف الناتو و مجلس الأمن و لن تنتهي هذه الحرب إلا بانتهاء الصراعات كليا و قسم هذه الصراعات إلى ثنائيات متعددة حول ليبيا منها الصراع المصري-الجزائري و الصراع القطري-الإماراتي و الصراع الإيطالي- الفرنسي و الصراع السوداني-التشادي مضيفا أنه ليست هنالك دولة تحولت إلى حلقة من حلقات دول النزاع المسلحة التي تنتمي إلى الجيل الرابع من الحروب داخل الدولة القومية الواحدة لم تكن فيها الحرب في الأساس حربا بالوكالة تمولها أطراف خارجية سواء كانت دولية أو محلية أو إقليمية.

و تعليقا على عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا و دورها في المشهد السياسي و الأزمة في ليبيا و خارطة الطريق التي تبناها المبعوث الأممي غسان سلامة التي تهدف إلى إجراء انتخابات في البلاد، قال عقيل إن الشعب الليبي ليس بحاجة لهذه البعثة المستغلة للانقسامات، و غياب التوافقات، حسب وصفه، و دعا المبعوث الأممي إلى حزم أمتعته بانتظار دور قريب لقوات الكرامة و حفتر في المشهد السياسي الجديد في ليبيا، حسب قوله.

 

التدخلات الخارجية و تعقيد الأزمة الليبية 

لا يخفى على أحد أن ليبيا أصبحت مساحة للتدخلات الخارجية، بل ساحة حرب بالنيابة في بعض الأحيان، و زادت هذه التدخلات من تأجيج الصراع في ليبيا بدعم بعض الدول الإقليمية و الدولية لطرف على آخر في هذا البلد.

و بدت ليبيا التي كان التنافس عليها بين القوى الإقليمية و الدولية حاضرا منذ بدء الاحتجاجات التي أطاحت بحكم القذافي الذي امتد أكثر من أربعة قرون، مسرحا للصراع بين فرنسا و إيطاليا اللتين اتسم سلوكهما فيها طوال هذه السنوات بالتغير و الدينامية بحسب ما يستجيب لمصالحهما و يحقق أهدافهما في هذا البلد الغني بالذهب الأسود.

و بات الصراع الخفي مكشوفا للعلن ليصل إلى حرب كلامية بين مسؤولي البلدين كشفت مدى تناقض المصالح بينهما في الساحة الليبية وهو ما دفع المفوضية الأوروبية إلى دعوة كل من فرنسا وإيطاليا إلى تجنب التصعيد الكلامي بينهما وتوخي الحوار والتعاون بدل التعليقات و تبادل التهم.

و يرى البعض أن هذه التدخلات أرهقت ليبيا، و هي المسبب الوحيد للصراع الدائر فيها، بينما يلوم أخرون من استغلوا وأفسحوا المجال لتلك الدول، التى تتهم بالتدخل في شؤون ليبيا الداخلية و تضع خططا مستقبلية لدعم طرف بعينه.

Résultat de recherche d'images pour "‫حفتر و السراج و عقيلة صالح‬‎"

و بالرجوع إلى التدخلات الخارجية في ليبيا فقد مثل التدخل العسكري لقوات حلف شمال الأطلسي الناتو أول التدخلات التي و إن أسهمت بشكل كبير بالإطاحة بحكم القذافي فإنها لم تنته بانتهائه، بل استمرت خصوصا مع تعثر العملية السياسية  نتيجة الحرب الداخلية وهو ما شكل فرصة لتدخل قوى خارجية بعضها قدم الدعم المالي و السياسي لأطراف داخلية وبعضها الآخر قدم الدعم العسكري واللوجستي وكلاهما بما يخدم مصالحهم و يقوي نفوذهم في البلاد.

Résultat de recherche d'images pour "‫التدخل العسكري لقوات حلف شمال الأطلسي الناتو في ليبيا‬‎"

و باتت حدود ليبيا سواء الجنوبية أو الغربية تمثل تهديدا لأمن دول الاتحاد الأوروبي التي لطالما ربطت أمنها القومي بالجغرافيا الليبية وسعت لدعم خفر السواحل الليبي من أجل إيقاف تدفق قوارب المهاجرين إليها.

و فضلا عن العمليات العسكرية والاستخباراتية التي تقوم بها روما وباريس انطلاقا من الأراضي الليبية. حاولت فرنسا طوال السنوات الماضية زيادة نفوذها بدءا مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي مرورا بفرانسوا هولاند وصولا إلى إيمانويل ماكرون الذي عبر صراحة في أحد حواراته مع صحيفة لوموند الفرنسية عن أن ليبيا من أولوياته .

و تجسدت أولويات ماكرون واقعيا من خلال سعيه للدفع بالعملية السياسية في البلاد وجمع الفرقاء الليبيين على طاولة واحدة.. تحركات باريس هذه أثارت حفيظة روما التي انتقدت غيابها عن المشهد ووصفت تحركات غريمتها فرنسا بأنها محاولة للسيطرة على ملف ليبيا.

و مع سعي ماكرون لدفع الأطراف الليبية إلى اجتماع باريس الذي حضرته الأطراف الأربعة الفاعلة وهم فائز السراج وخالد المشري والمشر خليفة حفتر إلى جانب عقيلة صالح، إضافة إلى دول الجوار وأخرى مؤثرة في المشهد الليبي الداخلي. وصفت روما على لسان مصدر في خارجيتها هذه المساعي بالاستعراضية التي لن تحرز أي تقدم ملموس في العملية السياسية. وإن مخرجات مؤتمر باريس ليست سوى محاولة فرنسية للالتفاف على دور إيطاليا في ليبيا.

و جاء مؤتمر باليرمو عقب مؤتمر باريس الذي رأى محللون أنه ليس سوى صورة لحرب النفوذ بين البلدين الأوروبيين فهو لم يركز على تحسين العلاقات بين الأطراف الليبية المتصارعة بل سعى إلى الرد على المبادرة الفرنسية. من خلال حشد القوى الإقليمية والدولية لحضور المؤتمر والبحث عن دعم الاتحاد الأوروبي لإيطاليا في تحركاتها تجاه ليبيا، جاء الدعم من الممثلة العليا للسياسة الأوروبية الخارجية فيديركا موغريني التي حضرت باسم الاتحاد في  مؤتمر باليرمو، بالإضافة إلى إعلان المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل دعمها المبادرات الإيطالية أكثر من الفرنسية  بشأن ليبيا.

و مهما يكن من أمر فإن التدخلات الخارجية في الشأن الليبي بدءا من الصخيرات وباريس وباليرمو لم تؤت أكلها حتى الآن ولم تستطع إيقاف الأزمة الليبية المستمرة لسنوات. فما الذي يخرج البلاد من عنق الزجاجة بعد فشل الخيارات الأممية حتى الآن بفرض تسوية على المشهد الضبابي.. يتساءل ليبيون ؟

خطّة المبعوث الأممي غسان سلامة .. إلى أين ؟

لم تنجح مفاتيح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة في فك العقدة الليبية،  رغم المحاولات و المبادرات الدولية لحلّ الأزمة و رأب الصدع بين الفرقاء، ما جعل بعض المراقبين يسارعون إلى التكهن بـ“احتراق“ خطّة سلامة في ليبيا في ظلّ تصاعد “صراع المصالح و النفوذ” بهذا البلد.

Image associée

و مع دعوة الاتحاد الأفريقي إلى تنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا مطلع جويلية القادم بهدف إيجاد حل للنزاع الداخلي ، يعود إلى الواجهة الحديث عن استعصاء الحل الليبي، في ظل غياب رؤية واضحة لخارطة الانتخابات في بلد يغرق في الانقسامات السياسية وهشاشة السلطة المركزية.

من جانبه أقرَّ  سلامة ، الجمعة، بفشل البعثة الأممية في إيجاد حلول جذرية لحلّ الأزمة الليبية، مشيرًا إلى أن ”المجتمع الدولي ربما ليس جاهزًا لتحضير وصفة للوضع الليبي“.

و أضاف أن المجتمع الدولي لم يفرض أي تسوية على الليبيين، و إنما يساعدهم في إيجاد توافقات فيما بينهم، وفق تعبيره مؤكدا وجود اهتمام دولي متزايد بالأزمة الليبية ، خاصة من قِبل أمريكا، و روسيا، مشيرًا إلى أنّه لاحظ خلال حضوره أعمال الدورة الـ 55 لمؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية، والذي انطلق يوم الجمعة الماضي، وجود تقدم في مدى اهتمام الدول الكبرى بخطة عمل البعثة الأممية في ليبيا.

و يرى عديد المختصين في الشأن الليبي أنه بالرغم من طرح مواعيد مختلفة للانتخابات و التي حددت بدءًا من الصخيرات، و من جانب مبعوث الأمم المتحدة الذي حدد أكثر من تاريخ لها، إلا أن هناك عجزًا عن الاتفاق حول إجراء هذه الانتخابات من عدمها، و هذا الفشل يطال الانتخابات التشريعية، و عملية الاستفتاء على الدستور لاختيار النظام الذي ستكون عليه الدولة الليبية المقبلة.

و يُرجع مراقبون هذا التأجيل المتكرر، إلى الطبقة السياسية المهيمنة على الحكم في ليبيا، حيث تتقاطع مصالح أطرافها مع مطالب الشعب الليبي، فضلا عن تدخل القوى الدولية و التي تسعى إلى ضمان أجنداتها و مصالحها و ديمومة نفوذها قبل إجراء هذه الانتخابات ، مستبعدين إجراء انتخابات فعلية في ليبيا في هذا التوقيت، نظرًا لتعدد القوى السياسية في المشهد الليبي من مجموعات مسلحة و أطراف سياسية متناحرة من مجلس رئاسي، وتشريعي والجيش، و جميعهم يبحثون عن ضمان بعدم سحب البساط من تحت أقدامهم في حال إجراء هذه الانتخابات.

و على إيقاع هذه التكهّنات تتحدّث مصادر عن تأجيل محتمل لمؤتمر الإعداد لانتخابات ليبيا هذا العام لحين الحصول على مزيد من الدعم من الأطراف المتناحرة.

القبائل في ليبيا : مراكز القوى الحقيقية ؟ …

 

تمكن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي إلى حدٍ كبير، من اللعب على مسألة التوازن القبلي في ليبيا، لكن القبائل الليبية التي لا تجتمع على فكرة واحدة أو توجه سياسي واحد، ظهرت خلافاتها بعد الثورة الليبية التي أسقطت القذافي في عام 2011.

فمع تعدد الخصوم السياسيين على الساحة الليبية، و مع التغيرات الميدانية المتسارعة على الأرض، كانت ولاءات القبائل و الكتائب تتغير؛ تتحد مع هذا و تعارض هذا، في محاولة للتمدد و فرض واقع جديد على المناطق الواقعة، ما يجعل اعتماد خارطة ثابتة لنفوذ هذه القبائل على الأرض الليبية، أمرًا صعبًا.

أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الليبية محمد جبريل بن طاهر قال إنّ القبيلة في ليبيا و الزعامات الليبية سواء الحضرية أو القبلية ظلت ركيزة مهمة جدا اجتماعيا و سياسيا في ليبيا معتبرا أن من أهم أسباب بروز الدور القبلي، إلغاء العامل الحزبي في ليبيا في مطلع تكوين الدولة الليبية في أول انتخابات في شهر فبراير في 1952 و إقصاء الزعماء في طرابلس الغرب من مهامهم و من عملهم الحزبي فظهرت نتيجة لذلك القبائل المتصدرة للمشهد السياسي في ليبيا و تم التعامل معها من قبل المملكة الليبية في ذلك الوقت و نحن نعلم أن محمد إدريس السنوسي ملك الدولة الليبية في ذلك الوقت كان مخرج قبلي و كان ممثل قبائل برقة في ذلك الوقت و كانت لديه سلطة اجتماعية و دينية و قد استعان القذافي بهذه القبائل و الزعامات بعد أن جرم الأحزاب و أظهر مقولة من تحزب خان .

و أضاف محمد جبريل أنه و بعد ثورة 2011 ظلت هذه القبائل موجودة و توسع نفوذها نتيجة الفوضى و غياب الاستقرار فلعبت دور الدولة و المؤسسات التي كانت غائبة في حماية الأهالي و المناطق و المدن و القرى و ملأت الفراغ الذي كان قائما.

و تابع : “ما أضعف ليبيا بعد ثورة 2011 هو عدم وجود مؤسسات قوية تقوم عليها الدولة بل كانت مؤسسات مرتهلة و مبنية على أشخاص و لو كانت هنالك مؤسسات لما كان الوضع على ماهو عليه حاليا”.

و يقول الباحث في الشؤون الأفريقية عباس محمد صالح عباس،إن القبيلة ظلت على الدوام عاملا مهما في الحياة الاجتماعية و السياسية في الوطن العربي عمومًا، خاصة في ليبيا التي تعد مجتمعًا قبليًا، مشددا على أن القبيلة باتت لقدرتها على الحشد و التعبئة و إحاطتها بتضاريس المناطق مهمة للقوى ذات المشاريع العسكرية في المشهد الليبي، كما أنها مصدر للشرعية السياسية و النفوذ بالنسبة للحكومات و الأنظمة. و أن ما يجعل من قوة أي قبيلة في ليبيا اليوم بالنسبة للمشاريع و الرهانات السياسية و العسكرية في البلاد هو وضعها العسكري ومدى سيطرتها الميدانية و هو ما يجعل دور ووزن القبائل متغيرًا رغم كونها حقيقة اجتماعية و سياسية ثابتة ».

و شكّل أبناء القبائل في شرق ليبيا، خزانًا بشريًا لمعارك اللواء خليفة حفتر منذ إطلاقه عملية الكرامة منتصف عام 2014، و كذلك في حروبه المتتالية في بنغازي و أجدابيا و الهلال النفطي و درنة.

و كانت واحدة من أبرز هذه القبائل هي «البراعصة» أكبر قبائل الشرق الليبي، التي احتفلت في عام 2014 بتسليم حفتر قاعدة الأبرق الجوية، لكن لا يمكن القول أن جميع البراعصة أيدوا حفتر منذ البداية، و توج هذا الانقسام بعد إعلان ابن القبيلة العقيد فرج البرعصي مطلع عام 2016، انشقاقه عن حفتر و تأييد حكومة الوفاق الوطني.

الحال نفسه كان مع قبيلة «المغاربة» التي أيدت باعتبارها قبيلة واقعة في الشرق الليبي حفتر، ثم انقلب الأمر حين قاد ابن القبيلة إبراهيم الجضران معركة ضد حفتر مع عناصر من «حرس المنشآت النفطية – فرع الوسطى» في يوليو (تموز) 2013، فاستولى على أهم المنشآت النفطية في المنطقة ومنع التصدير منها لأكثر من عامين.

أما قبيلة العواقير التي شكّلت النواة الأولى لقوات حفتر إبان إطلاقها عام 2014، فقد دفع تخوف حفتر من نفوذ وسيطرة القبيلة على مواقع حساسة في بنغازي إلى الحد من نفوذها، وعزل أبنائها من مناصب بارزة في قواته، مما صعد الخلاف بينه وبين العواقير، لينتهي بانشقاق أبرز قادة القبيلة، وأهمهم فرج قعيم، قائد قوات العمليات الخاصة، الذي تولّى منصب وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، فقد اعتقل حفتر قعيم لمدة تسعة أشهر بعد محاولاته تنفيذ انقلاب عسكري في بنغازي، فيما لم تقبل قبيلة العواقير انشقاق ابن القبيلة المهدي البرغثي عن حفتر، فأعلنت تبرئها منه، و توجه هو إلى طرابلس للانضمام إلى حكومة الوفاق وتولى منصب وزير للدفاع.

أما «العبيدات» أكبر قبائل شرق ليبيا، عددًا وعدة، فهي مثل غالبية قبائل الشرق الليبي بعضها مؤيد لحفتر، وبعضها معارض بشكل غير مباشر، غير أنّ بروز الخلافات بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وحفتر، صعّد من الأصوات الرافضة داخل القبيلة لمساعي حفتر، لا سيما في عمليته الأخيرة التي سيطر فيها على مدينة درنة، فيما تؤكد قبيلة «الزوية» التي تسيطر على النصيب الأكبر من حقول ومنابع النفط؛ موالتها حفتر بشكل مطلق، وهدّدت مرارًا بغلق منابع النفط في وسيلة للضغط على حكومة «الوفاق الوطني»، لمصلحة قرارات مؤيدة لحفتر.

و تنتشر في الجنوب الليبي عدة قبائل لها نفوذها السياسي على الساحة الليبية، فإذا ما بدأنا بالحديث عن قبائل «التبو» التي تسيطر بشكل فاعل على جزء كبير من مناطق الجنوب الليبي الحدودية بالإضافة إلى مناطق في شمال تشاد والنيجر، فهذه القبائل البدوية ذات الهوية المختلطة، تتألف من قبيلتين أساسيتين هما «التدَّا» و «الدازا».

لكت تحالف حفتر مع التبو انفرط عقده في ماي 2018، حين طمع حفتر في التحالف أيضًا مع قبيلة أولاد سليمان المعادية تاريخيًا للتبو و المتخاصمة معها، ورغم توقف الاقتتال بين التبو وأولاد سليمان إثر توقيع اتفاق سلام بينهما بالعاصمة الإيطالية روما، مارس 2017، وتكفلت إيطاليا بدفع قيمة التعويضات، وعلاج الحالات المستعصية في مستشفياتها، إلا أن الاقتتال المسلح عاد من جديد في سبها منذ 25 فبراير 2018، ويعتبر مراقبوناشتباكات سبها جزءًا من الصراع على السلطة في البلد الغني بالنفط، حيث يتوزع انتماء القبيلتين بين حكومتي الغرب والشرق.

و عادت قبائل التبو للمعترك السياسي الليبي خلال الأيام القليلة الماضية، حين أطلق حفتر في جانفي 2019 عملية عسكرية بدعوى تطهير الجنوب الليبية من الإرهاب و الجماعات التشادية و السودانية المسلحة، إذ يؤكد التبو أن حفتر يعمل على إبادتهم بدعوى أن بينهم أجانب من تشاد والنيجر، و ترفض قبائل التبو أي وجود لقوات حفتر في مناطقها المتاخمة لمدينة سبها وصولًا إلى أقصى الجنوب الغرب بليبيا، وخصوصًا بعد تحالفه مع قبائل لها خصومات تاريخية مع التبو، و هو ما اعتبر من قبل التبو إفساح المجال لقبائل عربية منافسة للتوغل في مناطقها.

و ارتفعت أصوات تتهم  قوات حفتر بأن هدف عملياتها هو التطهير العرقي و إبادة إحدى أكبر القبائل بالجنوب الليبي.

و ناشدت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا تحمّل مسؤولياتها تجاه أبنائها في الجنوب، لكن الحكومة لم تدل بعد بأي تصريح بشأن هذه المطالب أو العمليات العسكرية لقوات حفتر، خاصة أن سبها وبلدات الجنوب الغربي تتبع إداريا لسلطتها.

و تسيطر على الغرب الليبي خمس قبائل كبيرة، لها تأثير على صناعة القرار السياسي و الأمني في المنطقة غرب ليبيا، وشاركت غالبية هذه القبائل في الثورة الليبية، و بعضها دعم القذافي خلال الثورة وهي تدعم الآن حفتر، مثل قبائل: «ورشفانة» و «ترهونة» و «الزنْتان» و «ورافلة».
و أهم هذه القبائل «مصراته» التي تمتلك قوة عسكرية تتمثل في كتائب مدينة مصراته المسيطرة على سرت ومصراته والخمس وزليتن شرق طرابلس، و مدن الزاوية وصرمان وصبراته والزوارة غرب طرابلس، كما تخضع لها «القوة الثالثة»، التابعة لكتائب مصراته، وتضم أيضًا وحدات من سرايا الدفاع الذاتي عن بنغازي.

و تعتبر مصراتة و الزنتان من أبرز المدن في غرب ليبيا التي شاركت في الثورة الليبية عام 2011، وأعطتها زخمًا منذ اندلاعها، لكن رغم ولاء هذه القبائل ومدنها إلى الثورة الليبية إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع صراع عسكري بين قيادات مصراتة والزنتان في صيف 2014 داخل العاصمة طرابلس، لينتهي هذا الصراع بعد عدة شهور بإخراج الكتائب العسكرية التابعة للزنتان من طرابلس، والتي كانت متحالفة مع خليفة حفتر.

وسيطرت علي طرابلس كتائب أغلبها من مصراتة مع مجموعات من مدن أخرى، تحت مظلة ما أطلق عليها بعملية «فجر ليبيا» المضادة لحفتر، وانكفأت فصائل الزنتان بعد طردها إلى مدينتها الواقعة جنوب غرب طرابلس، حيث تسيطر على حقول النفط في غرب ليبيا، وبعد 2014 أصبحت مصراتة القوة المهيمنة في طرابلس والمصدر الرئيسي للمعارضة العسكرية لحفتر، لكنها ما تزال تتخوف من أن يتقدم حفتر غربًا، ويهدد مناطق نفوذها.

أما قبيلة «الورفلة» التي تعد أكبر القبائل الليبية فعدد أبنائها يصل إلى 1.5 مليون شخص من بين 6 مليون ليبي في المجمل، فمعقلها الرئيسي هو بلدة بني وليد (جنوب غرب)، وهي تتمركز في منطقة فزن في جنوب وجنوب شرق العاصمة طرابلس؛ وتشكل هذه القبيلة إحدى أبرز دعائم مواجهة الإسلاميين في ليبيا.

 

استمرار الأزمة الليبية  يزيد مخاوف دول الجوار 

 

مع تأزم الوضع الليبي، تتزايد مخاوف مختلفة لدى دول جوار ليبيا التي ما انفكت تعمل على بحث مستجدات الوضع الأمني و التحديات التي تواجه إنهاء الأزمة، و تأكيد دعمها للحل السياسي في ليبيا.

و تسعى الجزائر و تونس و مصر ، إلى مواصلة التنسيق الأمني فيما بينها لتقييم التهديدات التي تمثلها التنظيمات الإرهابية على أمن و استقرار ليبيا و بقية دول الجوار، و تعزيز تبادل المعلومات و رصد أي انتقال لعناصر إرهابية إلى المنطقة من بؤر الصراعات الإقليمية والدولية.

Résultat de recherche d'images pour "‫بين التعقيدات الداخلية و التدخلات الخارجية ... المشهد الليبي إلى أين ؟؟‬‎"

و وفقا للمحلل السياسي الليبي، حسن الأشلم، فإن من العوامل التي جعلت هذه الدول تحاول البحث عن حل للأزمة الليبية، تهديد الوضع المتوتر في ليبيا، لاستقرار هذه البلدان، المتخوفة من قضية “تهريب الأسلحة”، التي باتت تجارة مربحة في حدود ليبيا مع الجزائر وتونس، وبدأت تشكل خطورة كبيرة على المغرب الكبير و لم تتوقف تجارة الأسلحة، حسب حسن الأشلم، فقط في حدود ليبيا، بل انتقلت إلى منطقة الساحل والصحراء، وبدأت تستفيد منها حركات متشددة، بما فيها تنظيم داعش، و تنظيم القاعدة الذي يسيطر على مناطق صحراوية بين مالي و النيجر و موريتانيا والجزائر.

و أضاف أن الوضع المتأزم في ليبيا و توفر السلاح شكل بيئة خصبة لتنامي التنظيمات المتشددة، كما أن فرار عدد كبير من السلفيين من سجون ليبيا، ساهم في تقوية تنظيم القاعدة و تنظيم داعش و تنظيمات أخرى متشددة.

و قال الأشلم، “لا تخفي الجزائر قلقها حيال ما يحدث في ليبيا، فالبلدان يتقاسمان ألف كيلومتر من الحدود، ويهددها التسلل المحتمل لتنظيمي داعش و القاعدة و هي متخوفة أيضا من تقسيم ليبيا، الذي “سيساهم في تقوية الحركة الأمازيغية الليبية، وانتقال حراكها الشعبي إلى الجزائر”، إلى جانب تخوفها من تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر، و انتقال حركات تهريب البشر لتنشط في مدن بالجزائر.

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *