في مقابلة نشرتها صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية الأربعاء؛ رأى جيل كيبيل، الكاتب والباحث السياسي الفرنسي المختص في شؤون العالم العربي، أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تسويات للصراعات المتعددة الدائرة فيها، مشيراً إلى أن هناك تراجعاً للتوتر بسبب ضعف إمكانات المتنازعين وغياب الدعم لأطراف المواجهات.

“الخروج من الفوضى”

هذه المقابلة، أتت في سياق الكتاب الذي أصدره كيبيل حديثا بعنوان: “الخروج من الفوضى” والذي رجع فيه أربعة عقود إلى الوراء، ليرصد الأزمة التي يعيشها العالم العربي منذ صراع النفط عام 1973؛ ويضع ظهور الحركات الإسلامية المسلحة في سياقه قبل وبعد الثورات العربية، وتأثير تلك الثورات على الهجرة التي تحرك الأوروبيين اليوم. وتحدث فيه عن منطقة أنهكتها الصراعات الدامية وبدأت الظروف الملائمة للخروج من هذه الصراعات تظهر فيها سواء في سوريا أو اليمن.

وقد شبه الكاتب المرحلة التي يمر بها الشرق الأوسط حاليا بتلك التي مرت بها أوروبا عام 1918، عقب الحرب الطاحنة حيث تحول النزاع المسلح إلى تنافس سلمي؛ مشيراً إلى أن هناك تنازلات وتغيرات في مواقف بعض الأطراف لصالح قيام وضع جديد ينهي الصراع في سوريا واليمن وليبيا، بعد أن تم استنزاف قدرات جميع الأطراف بما في ذلك تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) الذي فرض نفسه كمحرك للنزاعات أيام ظهوره.

“الشرق الأوسط مقبل على تسوية صراعاته بعد استنزاف جميع الأطراف لقدراتها”

وأضاف ان هذا التنظيم الإرهابي كان يخدم حسب مصلحة نظام بشار الأسد كي لا يظهر وكأنه سيء و يخدم مصلحة إيران، لنفس السبب ومصلحة دول الخليج لردع إيران ومصلحة الأتراك الذين يستفيدون من تهريب شحنات النفط.

ويلاحظ جبيل كبيبيل تراجع قدرات السعودية وإيران على التأثير في المنطقة وعدم رغبة الأمريكيين والروس، في تأجيج الصراع أو التحرك قبل العودة لهما. لكن بعد فترة من النفوذ والسيطرة بدأ تنظيم “الدولة” يتراجع ويفقد قوته بشكل ملحوظ خاصة أنه لم يعد يسيطر على أي منطقة.

وربط الكاتب مدى اختفاء العنف في منطقة الشرق الأوسط، بطبيعة التسويات المنتظرة للصراعات داخلها؛ معتبرا أن في سوريا على سبيل المثال، إذا كانت التسوية تعتمد على بقاء روسيا وإيران، فإن ذلك قد يؤدي إلى امتعاض الطائفة السنية في هذا البلد. ولا يتوقع أن تتخلى روسيا عن نفوذها في سوريا بعد كل الجهود التي قامت بها للمحافظة على نظام الأسد. غير أن خروج هذا الأخير من الحكم يبقى أمراً وارداً بالنسبة للروس.

و فيما يتعلق باليمن، فيبدو أن جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي دفعت نحو الإسراع للخروج من الأزمة وبدأت واشنطن تمارس ضغوطا على حلفائها السعوديين، لوقف الحرب والبحث عن حل سلمي. وسيضطر الرئيس ترامب للتخلي عن ولي العهد محمد بن سلمان تحت ضغط أعضاء في الكونغرس.

كما أن ظروف الحرب تقرض على أطراف النزاع اليمني، التوصل إلى حل غير عسكري بسبب طبيعة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وصعوبة استعادتها عسكرياً. وكذلك بدأ الحوثيون يفقدون القوة في ظل عدم تلقيهم لدعم إيراني كبير كذلك الذي يحظى به حزب الله اللبناني مثلاً.

و خلص كيبيل إلى أنه على الرغم من ضعف اهتمام المجتمع الدولي بالاقتتال العربي، إلا أننا نقترب من الوصول إلى المرحلة التي لا يمكن فيها ترك النزاعات المسلحة تستمر، وبالتالي فنحن في مرحلة اتخاذ المواقف لما بعد الحرب.

 “القدس العربي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *