يحتفل الشعب الجزائري الشقيق بالذكرى الرابعة و الستّين لانطلاق ثورة التّحرير الجزائريّة التي اندلعت في الفاتح من نوفمبر 1954 و دامت 7سنوات و نصفا من الكفاح المسلّح. و هي من أعظم الثورات في التاريخ قام بها الشّعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائري. وقد حققت هذه الثورة العظيمة أهم أهدافها بحصول الجزائر على استقلالها في 5جويلية 1962.وبهذه المناسبة يبدو لي أنه لابد من التذّكير بالتقارب التاريخي والثقافي بين الشعبين التونسي والجزائري، بدءا من الاشعاع الثقافي للزيتونة مرورا بالكفاح المشترك ضد الاستعمار الفرنسي وصولا الى التحديات المشتركة والرغبة في مواصلة هذا التاريخ المشترك نحو مستقبل أفضل للبلدين. فلقد كان لتونس الشرف أنها احتضنت العديد من المثقفين الجزائريين والبعض من رموز الثورة الجزائريّة الذين قصدوا تونس للتعلّم وللتشبّع بروح الثّقافة العربيّة الإسلاميّة في رحاب جامع الزّيتونة المعمور في حركة مقاومة ثقافية فعليّة، وكرد فعل عنيف منهم على سياسة التغريب والفرنسة التي انتهجتها فرنسا في الجزائر ضمن مشروعها الاستعماري الاستيطاني الذي كان يستهدف الحاق البلاد والعباد بالتراب الفرنسي وما يتطلبه ذلك من تغيير جذري للثقافة الجزائرية وترسيخ اللّغة والثقافة الفرنسيّة حتى في البوادي والأرياف. ورغم أهمية المقاومة العسكرية التي ذهب ضحيتها حوالي مليون ونصف المليون شهيد وأكثر من 600ألف سجين في السّجون والمعتقلات لم تقتصر مقاومة الجزائريّين للاستعمار الفرنسي في الجزائر على البعد العسكري بل كان البعد الثقافي الحضاري من أهم ّمجالات المعركة ضدّ الاستعمار الذي عمل على محو اللّغة العربيّة وتشويه ومسخ الهويّة الجزائرية. و من هؤلاء المثقّفين نجد الشيخ بن باديس ومفدي زكرياء ومحمد سعيد الزاهري ومحمد عابد الجلالي والطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة وعبد المجيد الشافعي وغيرهم كثير. وقد كان لهم دور هام في ترسيخ الثقافة العربية الإسلامية في ذاكرة الجزائريين وعقولهم وإعادة تأصيل الهوية الجزائرية وتوطينها في كل المجالات رغم كل الجهود التي بذلتها فرنسا نحو قرابة قرن ونيف لطمس الثقافة العربية الإسلامية في هذه الربوع.
كما كانت تونس مركز عمل وتنظيم وتدريب وتخطيط للثوار الجزائريين أثناء ثورة التحرير الوطني. فلقد كان السّلاح يدخل منها وعبرها الى الجبهات في جبال الجزائر .
هذه الجذور التاريخية العميقة وهذا الماضي المشترك جعل كلّا من البلدين يولي اهتماما خاصا بعلاقاته الاستثنائية والمتميّزة بالبلد الاخر , لذلك أظهرت الجزائر بعد سقوط نظام بن علي في 11جانفي 2011 حرصا كبيرا على حماية نفسها من هذا الطوفان الذي سمي بـ»ثورات الربيع العربي» والذي أطاح بعروش بعض الأنظمة العربية وكانت الجزائرمتخوّفة من» تصدير الثورة « العارمة خاصة على اثر احتجاجات جانفي 2011التي وقعت في الجزائر كرد فعل على أسعار النفط وغلاء المعيشة. لكن الجزائر التي خبرت الإرهاب والجماعات الإسلامية في التسعينيات جعلت الأمن في أولوياتها خاصة بسبب الأسلحة التي تتدفق من ليبيا ومشكلة الساحل والمجموعات الإرهابية فشدّدت على أهمية هذا الجانب في علاقتها بتونس تحسّبا لكل الأخطار مما جعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يعيّن في جانفي2012 أكبر سفير جزائري في تونس وهو السيد عبد القادر حجّار، مجاهد من الرّعيل الأول عرف غياهب السجون والمعتقلات وقاد معركة التعريب بعد الاستقلال فضلا عن مساهمته في بناء الدولة الجزائرية وحنكته في إدارة الأزمات الديبلوماسية.
هذا التعيين بما يحمله من إرادة سياسية أثمر علاقات تونسية جزائرية رفيعة المستوى على كل الأصعدة الى درجة أن كل حكومة كانت تتشكل بعد الثورة يختار رئيسها بعد تنصيبه التوجه الى الجزائر كأول وجهة خارجية له مما جعل الجزائر تمنح تونس هبة بقيمة 10ملايين دولار وقرضا بقيمة 40مليون دولار.
تهانينا الى أخواتنا واخواننا في الجزائر بمناسبة ذكرى وعيد ثورة المليون شهيد. تحية الى كل من يساهم في توطيد العلاقات بين البلدين من أجل غد أفضل لشعبين شقيقين .
تحيّة للجزائر وأهل الجزائر وهنيئا لكم عيد الثورة، مليون شهيد وهبوا حياتهم للجزائر، فتحيّة لأرواحهم الزّكية وليبقى ذكرهم على مرّ التاريخ، التّهاني وأعذبها بعيد الثورة الجزائرية و تحيا تونس و تحيا الجزائر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *