نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالا تحليليا للكاتب سايمون كونستابل، يقول فيه إن الاقتصاد السعودي سيدفع في الغالب ثمنا باهظا بسبب مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي.

ويقول كونستابل في مقاله إن هذا “فعل خسيس، أشعل غضبا عالميا، وهو ما قد يؤدي إلى فعل ما من أمريكا والحكومات الأخرى”.

ويستدرك الكاتب بأنه يتوقع على المدى الطويل أن يتجنب المستثمرون السعودية؛ لأن جريمة القتل تعكس اضطرابا سياسيا في المملكة، وهذا النوع من الاضطراب يخيف المستثمرين ويبعدهم.

وينقل الموقع عن أستاذ العلوم الدفاعية في جامعة كنغز كوليج في لندن ديفيد روبرتس، قوله: “القتل يقلق كل من له مصلحة في السعودية”.

ويشير كونستابل إلى أن الأخبار حول مقتل خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول، يوم 2  أكتوبر، لم تنتشر إلا بعد تسريبات من الحكومة التركية، وبدأت تتكشف التفاصيل ببطء، صاحب ذلك تحول تدريجي للإنكار السعودي إلى الاعتراف بشيء من المسؤولية.

ويفيد الكاتب بأن تردد السعودية في الكشف عن تفاصيل، مضافا إلى إصرار تركيا أن يتم كشف التفاصيل للعلن، ضمن تصدر القضية الأخبار العالمية اليومية طيلة هذه الفترة، مشيرا إلى أن تغطية الأخبار تزيد من مشكلات العلاقات العامة السعودية، التي هي متعثرة أصلا.

ويلفت كونستابل إلى أن جريمة القتل هذه جاءت بعد سجن عشرات الأمراء والمسؤولين في فندق ريتز كارلتون في الرياض العام الماضي، مشيرا إلى أنه تم في وقت سابق من هذا العام إطلاق سراح الوليد بن طلال، أشهر المستثمرين، من ريتز كارلتون، بعد أن وافق على التنازل عن بعض ثروته، بحسب التقارير.

ويجد الكاتب أن “هذه العملية، التي كان الهدف المعلن منها مكافحة الفساد، لم تكن سوى عملية غامضة، والافتقار إلى الشفافية في العادة يخيف الممولين، خاصة المستثمرين الأجانب”.

ويورد الموقع نقلا عن روبرتس، قوله: “الاعتقالات في الريتز أدت بالكثير من المستثمرين الأجانب للتشكك في متانة النظام القضائي السعودي، بالإضافة إلى حكمة الاستثمار في ذلك البلد.. وقد رأينا نتائج ذلك على شكل أرقام”.

وينوه كونستابل إلى أن المستثمرين الأجانب يعدون أساسيين لـ(السعودية رؤية 2030)، وهي خطة الحكومة لتحويل الاقتصاد السعودي بعيدا عن الاعتماد التام على النفط، لافتا إلى أن الذي دفع بهذه الأجندة بشكل ملحوظ هو الحاكم الفعلي ولي العهد محمد بن سلمان “أم بي أس”.

ويستدرك الكاتب بأن منتقدي الرياض يتهمون “أم بي أس” بأنه متورط في مقتل خاشقجي، فيما هناك شائعات تدور حول جهود لإزاحته، أو على الأقل الحد من سلطاته، مشيرا إلى أن تقريرا لشركة “كابيتال إكونوميكس” الاستشارية في لندن قال إن “هناك مخاطرة رئيسية بأن يتم تهميش (أم بي أس)، ما يعني إيقاف رؤية 2030 مرة واحدة”، أي أنه إذا تم التخلص من ابن سلمان فيجب نسيان نقل الاقتصاد السعودي بعيدا عن الطاقة إلى اقتصاد متنوع.

وينقل الموقع عن تقرير “كابيتال إكونوميكس”، قوله: “من المرجح أن يكون الضرر الأكبر هو مستقبل المملكة على المدى الطويل.. فقد ركز (أم بي أس) على جذب الاستثمار الأجنبي في جهد لتعزيز زيادة الإنتاجية، لكن إلى الآن على الأقل لا يبدو أنه كانت للإصلاحات الآثار المرجوة”.

ويذكر كونستابل أن تقرير الشركة يشير إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر(FDI) تراجع إلى حوالي 0.2% من اجمالي الناتج المحلي العام الماضي، من 9% عام 2009، لافتا إلى أن (FDI) يستخدم لقياس الاسثمارات في الشركات وبناء المصانع، وليس شراء الأسهم والسندات.

ويبين الكاتب أن أداء اقتصاد السعودية، وبالرغم من ارتفاع أسعار النفط على مدى العامين الماضيين، كان ضعيفا، فخلال عام 2017، تراجع اقتصاد البلد في كل ربع، ثم بقي إجمالي الناتج العام في الربع الأول والثاني من هذا العام أقل من 2%، بحسب الإحصائيات التي جمعها موقع (TradingEconomics.com).

ويشير كونستابل إلى أن هذا النمو الضعيف يأتي بعد أن تضاعفت أسعار النفط، الذي تعتمد عليه المملكة بشكل رئيسي، ثلاث مرات، وكان سعر النفط تراجع في جانفي2016 إلى أقل من 30 دولارا للبرميل، قبل أن يعود إلى 76 دولارا للبرميل مؤخرا، بحسب إحصائيات “بلومبيرغ”.

ويفيد الكاتب بأن النفط والطاقة يشكلان حوالي تسعة أعشار الصادرات السعودية كلها، و46% من إجمالي الناتج المحلي للبلد، بحسب موقع Trading Economics.

ويقول كونستابل: “إن كان ليس بإمكان السعودية الحصول على الاستثمار الأجنبي فلن تستطيع إصلاح الاقتصاد، والاستثمار الأجنبي يوفر رأس المال، كما يوفر التكنولوجيا اللازمة لتحسين الأنتاجية، وتحتاج السعودية لكليهما لمستقبل اقتصادها على المدى الطويل، والمشكلة أن الخلافات المرتبطة بالمملكة تخيف المستثمرين”.

ويورد الموقع نقلا عن تقرير لشركة “تي أس لومبارد” المالية في لندن، قولها إن الاستنتاج الرئيسي يتعلق بالمخاوف المتعلقة بالخطر السياسي، مثل الشكوك المتعلقة بمدى استقرار البلد، وهذا بدوره يؤثر على نظرتنا لمسألة الاستثمار في السعودية، الذي لا يمكن استيعابه إلا على المدى الطويل”، وأشار التقرير إلى أن “عدم استقرار الحكومة المزمن سيؤثر سلبا” على عائدات المستثمرين، وأن “هذا ليس سوقا يمكنه ألا يعبأ باضطرابات الحكومة”.

ويعلق الكاتب قائلا إن أفكارا كهذه ستدور في رأس المستثمرين المحتملين في شركة “أرامكو” للنفط التي تملكها الحكومة، مشيرا إلى أن السعودية قد أعلنت في 2016 عن أنها ستعوم الشركة المقيمة بمقدار تريليوني دولار، “لكن حتى ذلك السعر يبدو عاليا، وما من شك أن الاضطرابات الأخيرة ستؤثر سلبا على تقييم الشركة”.

وينقل الموقع عن أستاذ الاقتصاد العالمي في جامعة أوغاستانا النرويجية في ساوث ديكوتا في أمريكا روبرت رايت، قوله: “يحتاج المستثمرون في السعودية لأن يحسبوا حسابهم أن تكون هناك نسبة من المخاطرة السياسية، التي يصعب تقديرها، لكنها بالتأكيد ستزيد مع كل حادث مثل قضية خاشقجي”.

ويعلق كونستابل بالقول: “ببساطة، فعندما يقرر المستثمر أن يستثمر في السعودية بشكل عام، أو في (أرامكو) بالذات، فسيكون هناك حساب للمخاطرة، بما في ذلك إن كانت الحكومة ستستولي على الأصول، أو أن الحكومة ذاتها قد يطاح بها، وكلما زادت المخاطر تدنى التقييم”.

ويختم الكاتب مقاله بالقول: ” هذا أمر مؤسف للغاية بالنسبة لمبيعات السعودية المرغوبة من (أرامكو)، التي سوقت بشكل واسع على أنها لب الإصلاحات الاقتصادية في السعودية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *