كيف ظهر التنظيم في ليبيا أو بالأحرى من وضع بصماته تحديدا ؟   و لماذا تم تفعيل داعش مجددا حيث تعددت عملياته بل وأصدر تسجيلا بصريا بالتوازي مع عملية موازية للتنظيم في تونس؟، كيف تطور تنظيم أو فرع داعش ليبيا بين 2015 و 2018، وما هو مستقبله في ظل تطورات ملف الأزمة خاصة في ظل تسريبات لقاء روما السداسي والحديث عن مساع جديدة لحل سياسي مع ارجاء موعد الانتخابات الى شهر جوان 2019 ؟

1- الظهور الأول  لتنظيم داعش في ليبيا و ارتباطاته الأولية

  • شكل الظهور العلني لداعش عبر فيديو مرعب يومها أظهر يومها عملية إعدام وذبح 21 قبطيا مصريا في مدينة سرت بطريقة أقل ما يقال عنها أنها هتشكوكية، وهو ما عُدّ يومها إعلانا رسميا لظهوره، وتبين للجميع أن الهدف هو تغيير خارطة الصراع بين القوى المتفرقة في ليبيا، بل كان الهدف واضحا وجليا، وهو التمهيد لإسقاط حكومة الإنقاذ في طرابلس أو دفع المجتمع الدولي للتدخل المباشر، ولكن كيف تطور وجود التنظيم الإرهابي في ليبيا مرحليا:
  • يمكن الجزم بأن أول ارتباط بين بعض الجهاديين الليبيين وبين تنظيم الدولة من خلال استحضار معلومات سابقة تقول إن الكثير منهم توجّهوا إلى العراق في سنة 2003 للجهاد ضد غزو التحالف الدولي للعراق، فقد انضم العديد منهم إلى مجموعات قتالية مختلفة، على غرار مجموعة الزرقاوي التي كانت نواة أولى لداعش..
  • يعود الارتباط الثاني إلى التاريخ الذي انتشرت فيه داعش في سوريا، فقد توجه العديد من الليبيين إلى سوريا للقتال ضد نظام الأسد تحت ألوية كتائب وتنظيمات مختلفة أبرزها “تنظيم الدولة الإسلامية” و”لواء الأمة” و”جبهة النصرة” و”كتيبة عمر المختار”، وقد برز بعضهم في المعارك القتالية، إضافة إلى التنسيق وجمع التبرعات بغضّ النظر عن هوية الجهة المحركة والمتحكمة في التسفير والأجندات والتوجيه…
  • تباينت مواقف التنظيمات الجهادية من إعلان تنظيم داعش رجوع دولة الخلافة ومبايعة البغدادي، وهو أمر مرتقب، إلا أن الأمر لم يعد كذلك بعد رفض تنظيم القاعدة الإعلان، ولم تكن ليبيا خارج السياق؛ إذ تباينت المواقف، وأعلن البعض انضمامه وإن كانت نسبتهم قليلة جدا نتاج صدور ورقات تنظيمية وفقهية في الاتجاهين لعدد من المجموعات والتنظيمات…
  • كان واضحا أن موضة داعش قد دخلت ليبيا منذ بداية إعلان الخلافة، فقد أعلن الكثير من الشباب تأييدهم للبغدادي يومها، لكن لم يكن هناك موقف رسمي إلا حينما أعلنت مجموعة من الشباب الجهادي تنظيم حدث كبير في درنة ليعلنوا فيه مبايعتهم لتنظيم الدولة، بل نظم البعض عرضا عسكريا يومذاك رغم رفض تنظيمات جهادية واعتراضها، ووصل التباين لاحقا إلى المعارك المسلحة بين الطرفينبل أن بقية الجهاديين الليبيين في درنة قد أطردوا تنظيم داعش والذي سهلت في ما بعد طريقة وصوله الى سرت…
  • الأكيد أن تنظيم أنصار الشريعة في مدينة بنغازي (والذي أعلن حل نفسه منتصف سنة 2017)، لم يبايع البغدادي خليفة، أي أنه لم يصبح تابعا لتنظيم الدولة رسميا، لكن من المؤكد أيضا أن هناك الكثير منهم يؤيدون داعش ويؤمنون بها وإن كان تأثيرهم ضعيفا، وعددهم قليلا جدا قد التحقوا بداعسش ليبيا في مدينة بنغازي نتاج توجيهات من داخل أطر اختراق التنظيمات الجهادية التابعة للقاعدة …
  • يعرف كل المتابعين أن أغلب الجهاديين موجودون في شرق ليبيا لا في غربها، إلا أن إعلان مجموعة تحت مسمى أنصار الشريعة في مدينة سرت الليبية سنة 2012، طرح سؤالا مهما يومها وهو إن لم يكن تنظيم داعش مُركبا أو مُخترقا كيف له أن يقوم بعمليات نهب وسرقة لبعض المصارف داخل سرت، وزاد الأمر ريبة تصريحات أحمد قذاف الدم التي أطلقهافي تلك الفترة حيث شكر فيها شباب تنظيم داعش، كما انتشر خلال الأسابيع السابقة لعمليات الإعدام حديث في ليبيا مفاده أن أنصار المنظومة القديمة يُريدون كسر شوكة مدينة مصراتة أي روح الجهة الغربية المدافعة عن ثورة فبراير ومكتسباتها حسب رأيهم، وهو ما بينته يومها صفحات محسوبة على أنصار النظام السابق في مصر وتونس ومالطا…

 2- مواقف أطراف الصراع سنة 2015 من ظهور داعش

أ- بالنسبة لعملية الكرامة، فإن وجود الإرهاب في ليبيا أمر محسوم منذ أول يوم، بل إن حفتر ادعى أن عمليته تقوم من أجل محاربة الإرهاب، وجمع كل خصومه تحت هذه الصفة، والتقى مع حلفائه في الخارج وتلقى دعمهم بناء على ذلك، حتى أنه لا يجد غضاضة في الربط بين خصومه وداعش، وهو الأساس الذي تلقى لأجله الدعم من مصر منذ أول يوم؛ فقد صرح اللواء صقر الجروشي (رئيس أركان القوات الجوية) في مقطع فيديو بُث يوم 17 فبراير 2015 بأن مصر مدت قوات الكرامة بـ 400 حاوية من الذخيرة، كما أن التنسيق الذي حدث بين قوات الكرامة والجيش المصري في الضربات الجوية التي قيل إنها وجهت إلى معاقل داعش في درنة في اليوم اللاحق لإعلان داعش إعدامها للأقباط المصريين، وهو ما طرح أسئلة عدة، خاصة وسط التشكيك في طريقة الإعدام ومكانها وتوقيتها وأهدافها…

ب-  رغم الأدلة الواضحة، يمكن القول أن “فجر ليبيا” (حسب قياداتها هي حركة تصحيحية وليست تنظيما كما ادعت بعض وسائل الاعلام العربية)  تراخت في البداية لأسباب عدة، بل أن عقلها السياسي لم يستوعب طبيعة التطورات التي حدثت للتيار الجهادي في المنطقة ووقوعها تحديدا ـ أي التيارات الجهادية الليبية ـ تحت منطق التوظيف ضد الثورات، وتحولها إلى أداة في يد قوى إقليمية ودولية لحرق ثورات الربيع العربي عموما، وقد رفضت حكومة الحاسي في البداية التصريح الصريح بوجود الإرهاب في ليبيا بشكل عام، وبوجود داعش بشكل خاص، ورغم ما سمي بعملية فندق كورنتيا التي أعلنت داعش مسؤوليتها عنها، وكذلك عملية حقل المبروك النفطي التي اتهمت فيها فجر ليبيا بالتقرير الرسمي الذي أعده مدير الحقل بشأنها، لكن بعد فيديو 21 قبطيا مصريا سارعت حكومة طرابلس إلى التنديد والتصريح بوجود الإرهاب في سرت، بل سارعت عدد من الكتائب الموالية لفجر ليبيا في مدينة مصراتة إلى سرت لإعادة السيطرة عليها وفكها من عملية احتلال داعش للمصالح الرسمية التي بها…. .

وهو ما حدث فعليا، فوجدت حكومة الغويل (الذي عوض عمر حاسي) نفسها أمام مطبات جديدة؛ فقد انتقل التنظيم الدموي إلى القيام بعمليات قريبة من مصراتة، وتوضحت أهدافه المعلنة، وهي الـتأثير على جلسات الحوار الصعبة في مدينة الصخيرات المغربية يومها، ومن أجل تمكين أنصار الثورة المضادة الليبية وحلفائهم من دخول طرابلس وشق وحدة القرار في مدينة مصراتة نتاج طبيعة الخسائر المتكبدة على الأرض والاستهداف المستمر لأبنائها تحديدا في الجبهات ….

3- 2015: داعش ليبيا يلعب دور “تنظيم للايجار”

تطور الجدل السياسي أثناء المفاوضات في المغرب حيث سقطت خيار التحيل الإقليمي على أنصار ثورة فبراير بل أن قدرة المفاوضين خيبت امال قوى إقليمية  نتاج قدرة المفاوضين مجاراة نسق تطورات الأحداث وتعقيدات الحوار تحت مسؤولية البعثة الأممية ورغم الانحياز الكامل من طرف ليون لطرف على حساب آخر محليا وإقليميا (وهو ما بينته دلائل مادية لاحقا) ورغم التباين الداخلي في الجهة الغربية تجاه المسودة الرابعة، وتوازى ذلك مع معارك خاضتها داعش في درنة ضد ثورا درنة، والمشكل أنه في اللحظة التي حُوصر فيها داعش هناك وطورد خارج أسوار درنة تم قصف خصومه ومحاربيه من طرف قوات “الكرامة”، وهو ما آثار عددا من التساؤلات  ونقاط الاستفهام عند المتابعين في الداخل والخارج الليبي …

وبالتوازي مع ذلك في بنغازي بعد أن عجزت قوات الكرامة عن الدخول إلى بنغازي والحسم الميداني الواضح؛ نتاج صمود قوات “وسام بن حميد” وثوار بنغازي القريبين من فجر ليبيا، ظهرت أجندات قتالية، وبرز انتشار قوي لداعش في سرت وسيطرته على المطار وأماكن استراتيجية في المدينة وسط حضور لوجستي لهم في أطرافها، بل إن الأغرب أنه كُلما تطورت المفاوضات نحو أمل التوصل إلى اتفاق نهائي في تشكيل حكومة التوافق الوطني، زادت داعش في سرت في حضورها الميداني، وتعمدت ارتكاب جرائم فظيعة على الأرض، وإن فعلها مرتبط برفض مطالب داخل الحوار أو إنقاذ طرف منهزم ميدانيا في الشرق، وهو ما اضطر أحد نواب الحكومة في طبرق للدفاع عن أجنداتها في وقت سابق بشكل صريح   …

ورغم ذلك فإن جميع الأطراف مسؤولة عمليا عما جد في سرت؛ إذ لم تستوعب تلك الأطراف هول ما صمتت عنه وتجاهلته وسط رغبة في توظيف ما يقع في سرت لمصلحتها، ولكن المتابعين انتبهوا، وكأن الهدف الواقعي هو جر مدينة مصراتة وكتائب حكومة طرابلس إلى معارك ميدانية أو توريطها هناك وتخفيف العبء عن خصومهم وساهم تنظيم داعش وطرفي الصراع في تحويل بنغازي إلى مدينة منكوبة تسود فيها روائح الجثث والمواد الغذائية المعفنة في حاويات الموانئ ولا تجد أثرا للحياة فيها، وسط هجرة مستمرة للعائلات والأفراد…

و بدا لكل المتابعين يومها أن الهدف مما يقع في سرت هو رغبة البعض في إعادة الأمور إلى مربعات سابقة وسط الحديث عن رغبة أطراف قريبة من أنصار المنظومة القديمة ووقع يومها الترويج لأول مرة لمطلب تولي سيف القذافي شؤون البلاد وتبين أن البعض يردد مقولات طرف إقليمي من أجل فرض أجنداته في الحكومة المنتظرة وتولية قريبين منهم في الحكومة الجديدة…

و بقي السؤال يومها من دعم من؟ ولمصلحة من ؟ وضد من تحديدا ؟ فإذا كان الهدف هو محاربة داعش في سرت يومها فهل ستنتهي المهمة هناك، أم لها ما بعدها ؟

الحلقة الثانية: تطورات التنظيم سنة 2016 بين التنامي والتصفية العسكرية

 4- عوامل التنامي التنظيمي سنة 2016

      بعد إمضاء اتفاق الصخيرات بين طرفي الصراع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، لاح للمتابعين أن تنظيم داعش في ليبيا قد تطور كثيرا ليلعب لاحقا دور المُربك ضد الوفاق بين الليبيين وأساسا ضد حكومة السراج والتي تطلب وجودها وبداياتها الفعلية أسابيع عديدة وهي مدة كان التنظيم فيها قد أرسى دعائم وجوده في مدينة سرت وتبين لاحقا أن التنظيم الفرع لم يعُد  مجرد مُقاتلين يُسيطرون على وسط سرت وبعض أحياء في مُدن الغرب الليبي خاصة أنهم مرفوضون سياسيا واجتماعيا في شرق البلاد كما في غربها وجنوبها أي أن عقل التنظيم وعقل مسيريه قد وظَف وبشكل دقيق الوضع الليبي المعقد لوجستيا و سياسيا وأمنيا، وتبين من خلال فعله الاجرامي ومواقفه أنه تنظيم يتشابك فيه الفكري بالسياسي وبالدعم الخفي لعدد من الدول عبر مسارات صيغت منذ منتصف 2014 أي منذ بداية الصراع الدامي بين “الكرامة” و”فجر ليبيا”، وتبين أن بعض دُول تُسيطر على مفاصل الفرع الداعشي العُليا عبر دعم مادي ولوجستي مُعقد وتتشابك فيه قوى اقليمية وتنظيمات وقوى قبائلية، والسؤال الذي طرح يومها بإلحاح، هو كيف استطاع الفرع توفير الموارد وكيف تطورت قُدراته في أسابيع على كل المستويات؟، بل وكيف تمت عمليات تفعيل نشاطاته الإرهابية والميدانية فضلا عن الحديث المتواتر عن امدادات عسكرية ومالية، حتى أنه تم نقل روايات  وأحاديث على طائرات تسقط دعما وعتادا من الجو في أكثر من مرة في سرت وعلاقات مريبة للإرهابي “الدباشي” واتباعه في صبراطة الليبية…..

لابد من التذكير أن التنظيم قد أعلن منذ 2015 تحويل سرت إلى إمارة داعشية والتي أصبحت في مدة قصيرة قُبلة لمجاميع من المتطرفين المناوئين للحكومة المترتبة على اتفاق الصخيرات اضافة الى ذلك بدأت مع بداية 2016 جماعات أخرى في الغرب الليبي، مدعومة إقليميا ودوليا، ترى في «داعش» شوكة يمكن من خلالها إرباك أي استقرار ممكن في ليبيا وأخذت قوة التنظيم تكبر يوما بعد يوم، والمساعدات التي تصل إلى الدواعش في سرت وبنغازي تتزايد مما حتم قرار ضرورة تصفية وجوده لان تواصله سيهدد كيان ليبيا كدولة وفي تأزيم الوضع السياسي والاجتماعي المتأزم بطبيعته في منتصف سنة 2016 وهنا كما لابد من التأكيد أيضا أن مناطق انتشاره ونشاطاته في ليبيا سنتي 2015 و2016 تشير الى ان حركته ونشاطه ليس عبثيا، فــ”سرت” و”صبراطة” و”درنة” هي مناطق ذات خصوصية وفاعلية كبيرة….

وعمليا يظهر أن أنشطة التنظيم في ليبيا ودعمه الخفي من طرف قوى محلية ليبية ومن طرف الأذرع الإقليمية الخادمة لسياسات دولية معلومة، قد انبنت على مؤثرات عدة من بينها:

  • أولى عوامل الدعم الغامض للتنظيم هي ارباك حكومة الوفاق والحد من استقلال القرار الوطني فقد بقي التنظيم سيفا مسلطا عليها وهو ما حدا لاحقا بالسراج بالافتخار عبر الإعلان عن تصفية وجود التنظيم بسرت أواخر 2016 بعد بطولات قوات “البنيان المرصوص” والتي رفضت التقيد بالزمن وبترتيبات مقترحة فوقيا لتصفية عناصر داعش ليبيا في سرت….
  • من خلال دراسة هوية القياديين على غرار المفتي “السينغالي” أو جنسيات أمراء داعش في ليبيا يتبين أن نسبة الليبيين ضعيفة جدا وهو ما أكده خبراء ومختصين أجانب في أكثر من مناسبة حتى أن التنظيم لم يرأسه منذ تواجده الفعلي ومنذ سنوات أي إرهابي ليبي حيث ترأسه سعودي فبحريني فتونسيين على فترتين مختلفتين فسعودي، وهو أمر يؤكد الطبيعة القيصرية والخلفيات الإقليمية والدولية من وراء الدعم الخفي للتنظيم في ليبيا وفي افريقيا مستقبلا من حيث التخطيط الاستراتيجي للداعمين والمسيرين الفعليين….
  • تواجد التنظيم ودعمه القوي وقدرته على التواجد بسهولة ويسر في سرت وصبراطة وقيامه بعمليات في مصراطة وطرابلس سنتي 2015 و2016 تؤكد أنه مرتبط بسيرورة تفكير المنظومة القديمة وأساطين وبارونات الدولة العميقة في دول الربيع العربي فهو يتحرك كلما تم الاقتراب من الحل السياسي وأنه يستهدف في العمق قوى الثورة والتحرر والتغيير والقوى الوطنية التي لا ترتبط بوظائف الوكالة لقوى إقليمية ودولية …

5-تصفية الوجود التنظيمي للفرع الليبي لداعش وترتباته       

أكد أحد الدبلوماسيين الأجانب في ليبيا لسلطات بلاده منذ بداية 2012 أن “المجتمع الليبي عصي على الاختراق”، وبالتالي ما حدث أنه تم بناء فكرة ان الليبيين لا يتماهون من حيث تكوينهم الفكري والثقافي والسياسي مع الإرهاب والدليل كما أشرنا أعلاه هي نسبة المنتمين الليبيين للتنظيمات الإرهابية وخاصة لداعش، ضعيفة بشهادة الخبراء والمختصين الغربيين إضافة الى تعدد العوامل الثقافية التي تؤكد التسامح والاعتدال كما أن طبيعة المجتمع تغلب عليها مؤثرات “القبلية” و”الغلبة” و”الغنيمة وبالتالي ركزت قيادات التنظيمات الإرهابية ومن ورائها مُسيَريها الفعليين على العامل الجغرافي وعوامل غياب دولة مركزية قوية بعد 2013 نتاج التجاذب السياسي والبرلماني والفكري وطبيعة الحدود غير المؤمنة جنوب البلاد مما أوجد سهولة الدعم الخفي للإرهابيين لوجستيا وماديا واجتماعيا حتى أن التقديرات الغربية أشارت سنة 2016  إلى أن عدد عناصر «داعش» في سرت تراوح بين 4 آلاف و6 آلاف وتبين من خلال التحقيقات أن نسبة عالية منهم أوتي بهم من جنوب الصحراء….

وبدأت اعداد أعضاء التنظيم في التناقص منذ بداية جوان/يونيو 2016 في التضاءل، حيث أن قرار الحرب المعلن في وسائل الاعلام من طرف حكومة الوفاق أدى إلى هروب عدد كبير من المدينة سالمين، وانتقالهم إلى مواقع أخرى يبدو أنه جرى تهيئتها لاستمرار التنظيم في إثارة الفوضى في البلد وفي كل المنطقة المغاربية…

ورغم المحاذير الغربية وتردد قوات الكرامة في تصفية داعش ليبيا في مدينة سرت فان قوات “البنيان المرصوص” قد قامت بمهمة وطنية وتاريخية لصالح المجتمع الليبي وفي صالح كل المنطقة وتمت العملية بمنهجية سريعة خالفت كل التوقعات وتم حصار داعش في المدينة في رمضان 2016 وتم تعقب كل خلاياها مما حدا بالتنظيم الى الانقسام الى ثلاث كتل:

  • قاتل عناصر الكتلة الأولى حتى النهاية وقد قدروا بثلث الأعضاء…
  • فر عناصر الكتلة الثانية في مسارين، الأول بحري والثاني في اتجاه الصحراء وفق مسارين الأول التحصن بالصحراء لإعادة احياء التنظيم لاحقا ولو عبر أسلوب الذئاب المنفردة والثانية خيروا النجاة والترتيب لتموقعات بعضها موجه في بعض بلدان الساحل والصحراء…
  • عناصر الكتلة الثالثة خيروا التسلل واختراق المجتمع في المدن القريبة وعلى الاغلب تم الاتجاه نحو المدن الغربية الأقرب وعناصرها هم بالأساس التونسيين والليبيين….

ومما يمكن التأكيد عليه بعد تصفية داعش في سرت وبغض النظر عن الاختلاف في تقدير من يقف إقليميا وراء صناعة فرعها في ليبيا ومن يُسيَره، قد أثبتت تعدد العوامل في تنامي الوجود التنظيمي له من خلال الوثائق المتداول وطبيعة العلاقات الإدارية والتنظيمية بين عناصره، كما أثبتت أيضا تعدد الأطراف المُسيَرة لعدد من القيادات الرئيسية وخاصة تلك التي تتحكَم في مفاصل التنظيم الرئيسية وشبكاته داخل وخارج مدينة سرت، كما تبين للجميع أن الشبكات السرية لأي تنظيم إرهابي لا يُمكن التحكم فيها لاحقا كما لا يُمكن توقع مكامن أهدافها أو مراميها وخاصة في مراحل الهوس (تبين ذلك أثناء مرحلة الاحياء الشاطئية في سرت)، وثبت للمراقبين الغربيين بعد ذلك أنه لا يُمكن حتى لبعض أجهزة عالمية أن تجعل فروع كُلَ التنظيمات الإرهابية وعناصرها قيد منطق التحريك المُتحكم فيه حيث أثبتت طبيعة معارك البنيان المرصوص مع الداعشيين أن التطورات التي عرفها فرع التنظيم الداعشي كتنظيم إرهابي يجعل التوقع أمرا نسبيا اضافة الى تضارب المصالح بين عدد من أجهزة الاستخبارات العالمية أو حتى فروع الأجهزة داخل أي بلد، بل ويجعل العمليات الدموية لما يعرف بالذئاب المنفردة أو بعض اذرعها من الممكن ان يضرب في أي مكان وبطرق لا يمكن تصورها ولا يمكن احتوائها بالشكل الذي قد يربك تحقيق أهداف مرسومة من المُشغلين أو بعض عُقول تلك التنظيمات وبحثا عن البطولات والمخارج في إطار الهوس والبحث عن بدائل موضوعية…

وميدانيا وأثناء معركة تصفية وجود داعش في سرت تم تداول وجهات نظر مختلفة بين قيادات قوات البنيان المرصوص (التابعة للمجلس الرئاسي)، ووقع طرح سؤال: هل نُواصل حصار من تبقى من داعش في سرت، أم تفتح لها الطريق للخروج من المدينة، ثم اصطياد هذه العناصر بعد ذلك في الصحراء؟ وخشيت بعض القيادات المهاجمة للدواعش من ظهور مراكز للدواعش في مدن أخرى مما يعني استمرار الفوضى في ليبيا…

واقترح البعض يومها أن يتم ترك ممرات للخروج وبعد ذلك، يتم تتبعهم بالطيران ثم تتم محاصرتهم في مكان بعيد، وكان سبب ذلك المقترح أن ذلك أفضل من أن يكون القتال في وسط سرت، لكن ذلك الخيار وقع تجنبه خشية من انتقال الدواعش إلى أماكن أخرى داخل ليبيا…

وبالفعل ضعف التنظيم وتضاءل وجوده خلال الربع الأخير من سنة 2016 ولكن طبيعته الأمنية والاستخباراتية وتداخله مع أجندات إقليمية ودولية ستجعله يعود بصور أخرى ولكنها أقل خطرا مما أجبر أجهزة عالمية على تغيير استراتيجيتها في توظيف التنظيمات الإرهابية لا في يلبيا فقط بل في كل المنطقة بل ان تصفية داعش ليبيا سبب فعليا في ارباك ترتيبات إقليمية وخاصة شرق أوسطية ….

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *