منية العيادي
تتسابق أطراف إقليمية، و أخرى دولية للتوصل إلى تسوية بين الفرقاء الليبيين، و احتواء أزمة النفط الناجمة عن قرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر، نقل تبعية حقول و موانئ النفط، إلى المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة طبرق، الخاضعة لسيطرته في شرق البلاد حيث أصبحت ليبيا  مسرحا لتدخل العديد من الأطراف العربية و الدولية، هذا التدخل الذي شكل أكبر عوامل لتغذية الصراع بين الأطراف الليبية، و عدم الاستقرار في البلاد .

و في حين تسعى تلك الأطراف إلى السيطرة على الأوضاع في ليبيا من أجل الوصول إلى موانئ النفط و ثرواتها البترولية، تسعى تونس و الجزائر و المغرب إلى دعم استقرار ليبيا و وحدة أراضيها نظرا لأن الأزمة الليبية لها تأثير كبير على دول الجوار، و أي خلل في ليبيا سيؤثر في الجميع، كما أن موقعها يفرض عليها تعاملًا مكثفًا مع دول الجوار .

كما تسعى دول الجوار إلى حلحلة الأزمة السياسية في ليبيا، من خلال التواصل السياسي مع كل أطراف الصراع الليبي، و استضافة مؤتمرات الحوار و الاجتماعات السياسية المهمة، و ذلك لارتباط استقرار ليبيا و وحدتها المباشر بالأمن القومي لهذه الدول الجارة و الشريكة في الاتحاد المغاربي..

و استعادت تونس في الآونة الأخيرة دورها في ملف الأزمة الليبية من حيث تكثيف جهودها للتوصل إلى اتفاق واضح بين الأطراف الليبية المتنازعة و محاولة إيجاد مخرج للأزمة الليبية التي طال أمدها.

 

 

** مساع ديبلوماسية حثيثة لاحتواء الأزمة الليبية و استعادة العلاقات الثنائية في كافة المجالات

 

 

و كان رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، استقبل أمس الأحد 22 جويلية 2018 بقصر قرطاج، جون ايف لودريان Jean Yves Le Drian ، وزير أوروبا و الشؤون الخارجية الفرنسي، الذي يؤدي زيارة عمل إلى تونس.

و من بين أهم محاور اللقاء تم التطرق إلى آخر التطورات الميدانية و السياسية في ليبيا و الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي شامل و دائم يضمن تحقيق الاستقرار وفقا للمبادرة الرئاسية للتسوية السياسية للأزمة الليبية و مخرجات الندوة الدولية حول ليبيا التي احتضنتها باريس شهر ماي الفارط و التي جددت المساندة لخطة المبعوث الأممي إلى ليبيا للتقدم بالعملية السياسية و إجراء الانتخابات في كنف السلم و الأمن و تركيز مؤسسات الدولة الليبية.

 

و أجرى  وزير الخارجية خميس الجهيناوي في ال16 من جويلية الجاري، محادثة مع وزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة في طرابلس، خصصت لمتابعة توصيات اللجنة التحضيرية المشتركة التونسية الليبية للجنة العليا بين البلدين المنعقدة بتونس يوم 5 جويلية الجاري على مستوى وزيري خارجية البلدين، و منها بالخصوص إرسال وفد رفيع المستوى إلى طرابلس خلال النصف الثاني من شهر جويلية لبحث سبل تنشيط التبادل التجاري واستئناف العمل بالاتفاقات المبرمة بين البلدين قبل سنة 2011 والنظر في سبل تجاوز الاشكاليات التي تطرأ على مستوى المعابر الحدودية بين البلدين. كما تطرق اللقاء إلى آخر مستجدّات المسار السياسي في ليبيا.

كما زار  الجهيناوي أواحر الشهر الماضي مدينة طبرق الليبية، حيث التقى رئيس البرلمان عقيلة صالح، و هي الخطوة التي اعتبرها مراقبون تمهيدا للتقارب بين تونس و سلطات شرق ليبيا .

و تأتي زيارة الجهيناوي بعد نحو أسبوعين من زيارة كان قام بها إلى طرابلس حيث التقى رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد مشري و نظيره محمد الطاهر سيالة بهدف تنشيط للعلاقات الاقتصادية و منح دفعة للمبادلات التجارية و معالجة أزمة المعابر الحدودية المتكررة بين البلدين. 

و بحث الجهيناوي مع نظيره الليبي محمد الطاهر سيالة “توصيات اللجنة التحضيرية المشتركة بين البلدين و بينها إرسال وفد رفيع المستوى إلى طرابلس خلال النصف الثاني من تموز لبحث سبل تنشيط التبادل التجاري و استئناف العمل بالاتفاقات المبرمة بين البلدين قبل سنة 2011”.

كما أجرى وزير الخارجية خميس الجهيناوي مباحثات في مدينة بنغازي الليبية مع المشير خليفة حفتر، القائد العام للقوات المسلحة الليبية.

و قال الجهيناوي خلال لقائه المشير خليفة حفتر إن “تونس تتطلع إلى عودة الاستقرار و الأمن إلى ليبيا في أقرب الأوقات بجانب استعدادها لوضع كل خبراتها على ذمة الليبيين لتسريع نسق الإعداد للانتخابات المقبلة، و المقررة نهاية العام الجاري”.

و أضاف البيان أن الزيارة تأتي في إطار “التشاور مع كافة المسؤولين الليبيين حول سبل الحل السياسي (للأزمة الليبية) و دفع التقارب بين مختلف هذه الأطراف”.

كما أكد الجهيناوي،  بعد لقائه المشير خليفة حفتر، أن الاتفاق السياسي الليبي، المبرم في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية عام 2015 “يظل الإطار الأنسب من أجل استكمال المرحلة الانتقالية في ليبيا، عبر تنظيم الانتخابات التشريعية و الرئاسية في ديسمبر  المقبل”.

و شدد على أنّ إن تنظيم الانتخابات الليبية “من شأنه أن يفسح المجال أمام إرساء دولة القانون و المؤسسات الجمهورية، و تركيز الجهود على إعادة الإعمار السريع للبلاد، بما يتماشى و التوصيات الصادرة عن الندوة الدولية حول ليبيا، المنعقدة في شهر ماي  الماضي بباريس تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة”.

و حث الجهيناوي في ثالث زيارة يقوم بها إلى بنغازي كل الأطراف الليبية على الانخراط في جهود إعادة الإعمار، و حماية الوحدة والسيادة الوطنيين على كامل تراب البلاد، مشيرا إلى “ضرورة التوصل إلى حل ليبي داخلي و توافقي تحت مظلة الأمم المتحدة”، و شدد على  على أن أي تسوية سياسية للأزمة الليبية “يجب أن تنبع من الليبيين و ذلك تحت إشراف المنظمة الأممية”.

كما أكد دعم تونس لمساعي رئيس بعثة الأمم المتحدة غسان سلامة من أجل تنفيذ خريطة الطريق، التي أقرها مجلس الأمن الدولي في سبتمبر الماضي.

 

كما تم الاتّفاق بين الطرفين التونسي و الليبي على  تحويل البلدين إلى قطب تجاري و اقتصادي كبير في شمال أفريقيا، و على ضرورة التنسيق لإقامة مشاريع استراتيجية بالمنطقة الحدودية بين البلدين ،استئناف الرحلات الجوية بين تونس و ليبيا نهاية الشهر الجاري و ذلك خلال لقاء وزير الصناعة و المؤسسات الصغرى و المتوسطة سليم الفرياني مرفوقا بوفد من رجال الأعمال الأحد 1 جويلية 2018 بنائب رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق الوطني أحمد معيتيق بمناسبة انطلاق فعاليات المنتدى الاقتصادي الليبي التونسي المنعقد في طرابلس.

 

 

**   البنك الدولي: 800 مليون دولار خسائر تونس في ليبيا

 

 

قال ممثل البنك الدولي في تونس عبدالله ساي إن تونس تخسر ما يقدر 800 مليون دولار سنويا نتيجة الأزمة الليبية و ضعف الاستثمار بين البلدين.

و بيّن ساي في دراسة أعدها البنك حول تونس و ليبيا أن تهريب البنزين من ليبيا نحو تونس أدى إلى خسارة 500 مليون لتر سنويا ما يعادل 17% على مستوى الميزانية في ليبيا و على مستوى المداخيل الجبائية في تونس.

و شدد ممثل البنك الدولي في تونس على ضرورة أن تعمل تونس و ليبيا معا بانسجام، و السعي لتوافق سياسات البلدين للتحكم في المخاطر الناتجة عن الاضطرابات في كلا البلدين.

و كانت وزارة التجارة رصدت تراجع المبادلات التجارية الثنائية بين تونس و ليبيا إلى أكثر من 75% نتيجة التوقف الكامل لأنشطة أكثر من 100 مؤسسة تونسية كانت تعمل بصفة كلية مع السوق الليبية، و إعادة أكثر من ألف شركة برامجها التصديرية و الإنتاجية، التي كانت موجهة في العادة نحو طرابلس بسبب الأوضاع الأمنية.

 

 

 

 و يذهب مراقبون إلى أنّ الحل في ليبيا لن يكون سهلًا،  طالما لم تتم حلحلة الأسباب و العوائق التي تؤدي إلى استمرار الأزمة”و أنه ” إن لم تتنازل النخبة في ليبيا عن مصالحها الذاتية، فستستمر الصراعات و الأزمة التي غلبت على المشهد الليبي طيلة السنوات السبعة الماضية، لفترة أطول” . 

و يبدو أنّ جهود تونس هذه المرة ستؤتي أكلها خاصة بعد تواصل انتشار الفوضى الأمنية الكبيرة التي تسببت في تردي الأوضاع المعيشية في ليبيا و أصرت على دول الجوار بصفة كبيرة بالاضافة الى إنتشار السلاح و ظهور التنظيمات الإرهابية التى جعلت من ليبيا مصدر خوف اقليميا و دوليا .

و تعمل تونس أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد إخفاق الأطراف الدولية في احتواء الأزمة الليبية، على تفعيل المبادرة التي كان أطلقها الياجي قائد السبسي سنة 2016 بهدف إيجاد حل سياسي شامل يمك،ن من تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا دون إقصاء أي طرف، و التي إنضمت إليها كل من الجزائر و مصر لينبثق عنها ” إعلان تونس ” الذي يتضمن المبادئ الأساسية الواجب إتباعها للوصول إلى الإستقرار السياسي في ليبيا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *