أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on احتمال تأجيل الانتخابات التونسية وارد جداً .. بقلم كمال بن يونس

احتمال تأجيل الانتخابات التونسية وارد جداً .. بقلم كمال بن يونس

> يلاحظ مراقبون في تونس راهناً أن صناع القرار داخل مؤسسات الحكم والمعارضة والنقابات والمجتمع المدني ترصد وتتابع باهتمام المواقف المتناقضة الصادرة عن واشنطن وبروكسل وباريس وبرلين ولندن وروما والجزائر من مشروع «الجمهورية الجديدة» الذي يعمل عليه الرئيس قيس سعيد، وأيضاً من الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تنظم في آخر عام 2022 الجاري بعد تعديل القانون الانتخابي القديم.
وبالفعل، فتحت مختلف وسائل الإعلام التونسية حوارات حول سيناريوهات تنظيم هذه الانتخابات أو تأجيلها، شملت رسميين ومستقلين ومعارضين وشخصيات عربية ودولية. ولقد أوحت هذه الحوارات بأن «تأجيل» الانتخابات البرلمانية احتمال «وارد جداً. أما السبب وراء ذلك فهو أن تنظيم الاقتراع العام في ظل المشهد السياسي الحالي سيفرز برلماناً جديداً «متشرذماً سياسياً» وتتحكم فيه أساساً ثلاثة أطراف كبرى، هي: أنصار الرئيس قيس سعيد، ومنظومة ما قبل 2011 بزعامة حزب عبير موسي (زعيمة الحزب الدستوري الحر)، ومنظومة العشرية الماضية بقيادة أحزاب «النهضة» و«النداء» و«تحيا تونس» و«قلب تونس».
من ناحية أخرى، قد تكرس الانتخابات هذه – وفق المراقبين – تأثيراً متزايداً لقيادات النقابات العمالية اليسارية والقومية العروبية و«الاتحاد العام التونسي للشغل» في المشهدين البرلماني والسياسي المقبلين. ويجمع المراقبون على أن «رموز الدولة»، بما في ذلك «قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية التي ساندت بقوة قرارات 25 يوليو 2012 الاستثنائية»، وأيضا الإطاحة بالبرلمان وحكومة هشام المشيشي، و«تهميش دور النقابات والأحزاب وحركة النهضة»، لا يريدون إعادة إنتاج «نفس المشهد السياسي والبرلماني».
في هذا السياق بالضبط، فهم المراقبون الرسائل الواضحة التي صدرت أخيراً عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وعدد من أعضاء الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي، والتي أكدت على «حياد المؤسسة العسكرية في تونس خلال المرحلة القادمة» وعلى «مدنية الدولة». وتزامن ذلك مع إعلان هذه المرجعيات نفسها وبوضوح عن معارضتها ما اعتبرته «تغول النقابات»، وعن إعلان مساندتها لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك الأوروبية بما فيها اعتماد «إصلاحات اقتصادية اجتماعية» تهدف إلى إيقاف «نزيف أموال الدولة» بسبب عشرات آلاف الإضرابات التي شهدتها تونس منذ «يناير 2011»، وكلفتها أعباء مالية، وتسببت في تراكم عجز موازنة الدولة، وارتفاع نسب المديونية والتضخم والبطالة والفقر.
في ضوء هذا كله من بين الأسئلة التي تفرض نفسها على الجميع اليوم هو… هل ستقبل الأطراف التي نجح الرئيس سعيد في إضعافها، وبينها النقابات والأحزاب وجماعات «الإسلام السياسي»، بموازين القوى الجديدة… أم ستعمل على استغلال الأزمات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية المعقدة والمتراكمة، فتفجر اضطرابات جديدة بعد موسم الإجازات الصيفية وإعادة فتح الجامعات والمدارس في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل؟
ثم إنه في حال «تمردت» قيادات النقابات والأحزاب وقيادات «الإسلام السياسي»… هل سترد السلطة بصورة مباشرة، فتمضي في «المواجهة الشاملة»، أم تقرر من جديد أن تغير أولوياتها وسياساتها بالتفاعل مع «توصيات» الاتحاد الأوروبي وكبار شركائها في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية؟
في كل الحالات يبدو أن «سيناريو» تفعيل دور المؤسستين العسكرية والأمنية قد يفرض نفسه… وإن كان الشعار لا يزال «حياد الجيش» و«ضمان مدنية الدولة».

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ماذا بعد تصريحات وزير الخارجية الامريكي والسفير الجديد واحتجاج السلطات التونسية ؟ بقلم كمال بن يونس

ماذا بعد تصريحات وزير الخارجية الامريكي والسفير الجديد واحتجاج السلطات التونسية ؟ بقلم كمال بن يونس

دخلت ورقتا المؤسسة العسكرية والعلاقات الخارجية على الخط، بعد تصعيد الانتقادات الداخلية والدولية للظروف التي جرى فيها “الاستفتاء المثير للجدل حول مشروع دستور قيس سعيد”. وفي سابقة سياسية دعت الخارجية التونسية رئيسة البعثة الأمريكية بتونس للاحتجاج على تصريحات وزير الخارجية بلينكن والسفير الأمريكي المعين جودي هود، والتي انتقدت نتائج الاستفتاء والمسار السياسي في تونس منذ عام، وتحدثت علنا عن “مخطط أمريكي” يشمل تحييد الجيش التونسي سياسيا واحترام مدنية الدولة ودفع البلاد نحو التطبيع الاقتصادي والسياسي مع تل أبيب ونحو انتخابات برلمانية “ديمقراطية حقيقية”.

فهل يتسبب الاستفتاء في مزيد من تعقيد علاقات تونس الخارجية بواشنطن وبقية كبار شركائها الاقتصاديين في أوروبا ومجموعة السبعة الكبار؟

اعتبر الخبير الدستوري ورئيس معهد تونس للسياسات أحمد ادريس في تصريح لـ “عربي21″، أن “مشروع الدستور الجديد قفزة نحو المجهول” وأنه محاولة للانتقال بالبلاد إلى “جمهورية ثالثة” تقطع مع “النظام البرلماني المعدل” وتنتقل إلى “نظام رئاسي مركزي” تكون فيه أغلب السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والدينية بين أيدي رئيس الدولة على غرار ما كان عليه الأمر في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة (1957- 1987) وزين العابدين بن علي (1987- 2011)” .

حياد الجيش

بعد أشهر من دعوات صدرت في واشنطن وأوروبا لتحييد الجيش و”فتح تحقيق حول دوره في قرارات 25 يوليو 2021″ التي أدت إلى حل البرلمان وإسقاط الحكومة، نشرت واشنطن تصريحات للسفير الأمريكي الجديد بتونس جودي هود وأعضاء في الكونغرس والاتحاد الأوروبي تناولت علنا ملف “حياد الجيش التونسي سياسيا”، ومستقبل تونس في ظل احتداد الخلافات بين روسيا والصين والجزائر من جهة ودول الحلف الأطلسي وحلفائها العرب من جهة أخرى حول مستقبل ليبيا وتونس والمنطقة.

وقد احتج الرئيس قيس سعيد ووزير خارجيته عثمان الجارندي وسياسيون ونقابيون تونسيون بقوة على هذه التصريحات واعتبروا أنها تتناقض مع احترام “السيادة الوطنية” للبلاد.

في الأثناء أكدت مصادر عديدة أن الخلافات داخل الطبقة السياسية بعد الاستفتاء ستعمق أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وستتسبب في مضاعفة الضغوطات الخارجية على الحكومة للتأثير في سياساتها الداخلية والخارجية ودفعها نحو “التطبيع الاقتصادي والسياسي الشامل” مع إسرائيل والغرب والابتعاد عن روسيا والصين وإيران وحلفائها المتهمين بـ”الإرهاب”؟

تصعيد

لكن رغم مواقف الرئيس التونسي القوية ضد “التدخل الأمريكي والخارجي” في شؤون تونس على هامش الاستفتاء، فقد أعلنت قيادات الأحزاب التونسية وجبهات المعارضة الثلاث أنها تعتزم تصعيد تحركاتها واحتجاجاتها ضد “معركة العبور” التي أعلن سعيد وأنصاره أنهم يخوضونها بهدف الانتقال بالبلاد من ما تصفه “النظام السياسي التعددي” “الذي اعتمدته منذ الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي في 2011 ثم في دستور يناير 2014 إلى “حكم فردي ونظام رئاسوي مركزي وشعبوي”.

في المقابل كشف الاستفتاء، الذي شارك فيه حسب التقديرات الرسمية حوالي 30 بالمائة من الناخبين، أن الرئيس التونسي نجح بعد عام من الإطاحة بالبرلمان والحكومة، في أن يشكل “حزاما سياسيا” وأن يستقطب عدة شخصيات وأحزاب ونقابيين شييوعيين وبعثيين وناصريين، رغم معارضة كبرى الأحزاب البرلمانية لهم ببنها النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة من جهة والحزب الدستور والحر بزعامة عبير موسي من جهة ثانية.

ورغم إعلان أمين عام اتحاد نقابات العمال نور الدين الطبوبي وأغلب المقربين منه معارضتهم “لدستور قيس سعيد”، فإن عددا من كوادر اتحاد الشغل ونقابات رجال الأعمال والفلاحين انحازوا إلى قيس سعيد ومشروعه السياسي وخاصة إلى مواقفه المعارضة لكل أشكال التدخل الأمريكي والأوروبي ودول الحلف الأطلسي في تونس “وفي سياستها الداخلية والخارجية”.

ومن المتوقع أن ينجح أنصار قيس سعيد عبر تحالفهم مع الأحزاب “القومية العربية واليسارية المساندة لدمشق وروسيا وإيران” في دعم “الحزام السياسي للرئيس” وتعزيز تأثير القيادات النقابية والسياسية العروبية والماركسية في مؤسسات صنع القرار وعلى رأس عدد من مؤسسات الدولة.

وقد تتصدر هذه “الجبهة الجديدة” المعارك السياسية القادمة مع قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وحزبي النهضة والدستوري الحر من جهة والأحزاب اليسارية بزعامة حمة الهمامي وخليل زاوية وغازي الشاوشي وعصام الشابي ورياض بن فضل من جهة ثانية..

وفي كل الحالات فقد تسبب “الاستفتاء” في خلط الأوراق وانقسام المعارضين السابقين لقيس سعيد بحسب ولاءاتهم الداخلية والخارجية، والمواجهات المتوقعة بين السلطة ومنظمات المجتمع المدني من جهة وبين الحكومة والنقابات من جهه ثانية بعد موسم الإجازات الصيفية.

ضغوطات

وفي الوقت الذي تنوعت فيه ضغوطات العواصم الأوروبية والأمريكية على الحكومة التونسية بعد “الاستفتاء” فقد طالب وزير الخارجية التونسي عثمان الجارندي، العواصم الدولية مجددا بـ “الدعم الدولي للمسار السياسي الديمقراطي التعددي التونسي ولحركة الإصلاح التي يتزعهما الرئيس قيس سعيد منذ الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها في 25 يوليو 2012”.

لكن السؤال الكبير داخل صناع القرار في تونس أصبح: كيف ستتفاعل واشنطن وقيادات الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع مع انتقادات سعيد ووزارة خارجيته لتصريحات وزراء خارجيتها وأعضاء برلماناتها ردا على “الاستفتاء” وعلى “الإجراءات الاستثنائية” التي بدأت قبل عام؟

وهل ستقبل “دعوة رئيسة البعثة الأمريكية” إلى وزارة الخارجية للاحتجاج رسميا على موقف حكومتها؟ وهل ستوافق على تعيين السفير جودي هود في تونس أم ستعترض عليه من منطلق “احترام السيادة الوطنية”؟

في كل الحالات يتأكد أن “الاستفتاء” تسبب في ترفيع نسق “الضغوطات الخارجية” على قصر قرطاج بينها “تعليق المساعدات المالية والقروض الدولية”، بحجة دفعه نحو “احترام مكاسب الديمقراطية والتعددية التي تحققت في تونس بعد ثورة الشباب في 2011 والدستور التقدمي الذي أنجز في يناير 2014 من قبل مجلس وطني تأسيسي بعد انتخابات شارك فيها أكثر من 4 ملايين مواطن تونسي “.

وتضاعفت مؤشرات التداخل بين الأزمة التونسية الداخلية والضغوطات الخارجية التي تمارس على السلطات من قبل عدد من أبرز شركائها الإقليميين والدوليين الذين لديهم مصالح متناقضة في ليبيا وكامل شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء، بينها واشنطن والجزائر والقاهرة وباريس وبرلين وبروكسل ولندن وروما وموسكو وأنقرة والرباط..

لكن قيس سعيد أعلن مجددا أنه ماض في معارضة “التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد”. كما أنه رفض الاتهامات الموجهة له ولحكومته بدفع البلاد نحو “جمهورية جديدة دكتاتورية”، أو “جمهورية ثالثة استبدادية”.

وأكد سعيد أنه لا يفكر في حل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، واعتبر نفسه صاحب “مشروع سياسي ثوري عالمي للتغيير” يسعى لتدارك النقائص في مختلف الدساتير وأنظمة الحكم شرقا وغربا “بعد أن فشلت النظم السياسية التقليدية في أغلب دول العالم وأصبحت تمر بأزمات” بما فيها الأنظمة البرلمانية وشبه البرلمانية في أوروبا.

دعم أمريكي أوروبي للمعارضة

لكن ردود الفعل الفرنسية والأوروبية والأمريكية على “دستور سعيد” وعلى الظروف التي نظم فيها الاستفتاء ونسب المشاركة فيه كشفت تمادي واشنطن والعواصم الغربية في دعمها للمعارضة التونسية بكل مكوناتها .

كما كشفت تلك الردود دعم العواصم الغربية مجددا للأحزاب والمعارضة والمنظمات الحقوقية التونسية في ما تصفه بـ ” المعركة من أجل احترام حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية والفصل بين السلطات”.

في نفس الوقت أكد أحمد نجيب الشابي زعيم “جبهة الخلاص الوطني” التي تضم 10 أحزاب ومنظمات سياسية بينها أحزاب النهضة وقلب تونس وأمل وعمل في تصريح لـ “عربي21” أن أغلب رؤساء البعثات الدبلوماسية الأوروبية والأمريكية بتونس يتابعون زيارة مقرات الجبهة وأكدوا لقيادتها مرارا أن بلدانهم تضغط “من أجل عودة تونس إلى نظام سياسي ديمقراطي يحترم الحريات العامة والفردية واستقلالية السلطتين التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية تكريسا لقاعدة الفصل بين السلطات “..

ونفى الشابي ما روجه زعيم حزب الشعب القومي العروبي زهير المغزاوي ضد معارضي قيس سعيد وقادة جبهة الخلاص الوطني المعارضة عن “تحالفها مع اللوبي الصهيوني في أمريكا والعواصم الأطلسية ضد تونس”..

وطالب الشابي العواصم العالمية بأن تقدم لتونس “في أقرب وقت” الدعم المالي الذي تحتاجه الدولة حتى تنجح في معالجة أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية”، والتي توقع أن تستفحل بعد استفتاء 25 يوليو” حول الدستور الجديد المثير للجدل “الذي قال عنه أنه “زاد المشهد السياسي تعقيدا وعمق الخلافات داخل الطبقة السياسية بسبب عدم فتح حوار وطني شامل دعت إليه قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل والمعارضة مرارا بعد انتخابات 2019.

لكن سعيد وقادة الأحزاب القومية واليسارية الموالية له ولسياسته الداخلية والخارجية مثل زهير المغزاوي وزهير حمدي وعبيد البريكي يطالبون الرئيس برفض الحوار مع من يصفونهم بـ “الإخوان “وحلفائهم” رموز الفساد في العشرية الماضية” في إشارة إلى حكومات النداء وحلفائه أي حكومات الحبيب الصيد ويوسف الشاهد و هشام المشيشي .

في المقابل اتهم زعماء يساريون من “الجبهة الديمقراطية الاجتماعية ” في مؤتمر صحفي بعد الاستفتاء الأحزاب الموالية لقصر قرطاج اليوم بكونها “كانت دوما غير ديمقراطية ولديها سوابق في دعم الاستبداد ومنظومة الفساد في عهد بن علي” على غرار ما ورد على لسان حمة الهمامي زعيم حزب العمال الشيوعي وخليل الزاوية زعيم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات .

الورقة الدولية وحياد الجيش

وغير بعيد عن مقولات قيس سعيد عن “معركة العبور” و”اللاءات الثلاثة” و”التطبيع مع إسرائيل خيانة” و “العداء مع إسرائيل عمره أكثر من قرن” يبدو أن الهدف من الضغوطات الخارجية الحالية على السلطات التونسية ليس فقط” تشجيعها على العودة إلى المسارين الديمقراطي والبرلماني”، بل هي امتداد لتلك التي بدأت منذ انتخابات 2019 بعد وصول “قومي عربي متأثر بالمفكر العروبي المصري عصمت سيف الدولة والزعيم جمال عبد الناصر” إلى قصر قرطاج، حسب تدوينة نشرها وقتها المحامي والوزير السابق محمود المهيري، الذي كان زميلا لسعيد عندما كان طالبا في الجامعة .

وتدعمت هذه الصورة عن سعيد بعد تحالفه مع الشخصيات والأحزاب القومية واليسارية القريبة من التيار القومي العربي ومن سوريا وإيران ولبنان مثل قيادات حزبي الشعب والتيار الشعبي بزعامة زهير المغزاوي وزهير الحمدي .

وكشفت تصريحات أغلب المسؤولين الغربيين بعد “الإستفتاء الأخير” وكبار موفدي الرئيس الأمريكي والاتحاد الأوروبي والعواصم الأوروبية إلى قيس سعيد وحكومته طوال العام الماضي تخوفات من تغير السياسة الخارجية التونسية في “الجمهورية الجديدة” أو “الجمهورية الثالثة”، تحت تأثير الجزائر القريبة من موسكو والصين وإيران ودول أخرى ..

وقد برزت بعض هذه التصريحات بعد عدة خطوات تقارب قام بها سعيد في اتجاه الجزائر، التي أعلن مسؤولوها مرارا أن بلادهم تعارض “تضخم الدور المصري والإماراتي والأمريكي والإسرائيلي “على حدود بلادهم” في ليبيا أو في بلدان منطقة شمال افريقيا والساحل والصحراء التي تشهد حروبا وصراعات نفوذ اقتصادي وعسكري بين محاور دولية واقليمية بعضها يستهدف الجزائر ومصالحه وأمنه .

وقد رد مسؤولون غربيون وعرب على تصريحات الجزائر وحذرها بعضهم بالوقوف الى جانب “محور الشر بزعامة روسيا والصين وإيران “.

وتأتي هذه المتغيرات في مرحلة تقوم فيها الجزائروتونس وبعض العواصم العربية بجهود لضمان عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في القمة العربية المقرر تنظيمها موفى العام الماضي في العاصمة الجزائرية .

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on رسالة مفتوحة من رئاسة البرلمان إلى الخارجية الأمريكية

رسالة مفتوحة من رئاسة البرلمان إلى الخارجية الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم
#تونس في 11 ماي 2022.
#رسالة مفتوحة لسعادة السيدة يائيل لمبرت/المحترمة.
#مساعد وزير الخارجية الأمريكية بالإنابة المكلفة بشؤون الشرق الأدنى.
#مرحبا بك سعادة الدبلوماسية العريقة و مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، في بلادنا تونس، بلد الفل
و الياسمين، الجمهورية التونسية،بلد التحرير و التنوير،
و النموذج الملهم للربيع العربي و ثورتها السلمية المدنية
و القاعدةالصلبة و القوية للشراكة العريقة و المثمرة
بين الشعبين و البلدين الصديقين التونسي و الأمريكي التي تتجاوز قرنين من الزمن ،عبر خلالها شعبينا عن مواقف و مظاهر و مؤثرة و مثمرة من التعاون و التضامن
و الشراكة المعتددة الأبعاد، و عن وفاء للقيم المشتركة
في الحريات و الديمقراطية و تعزيز الأمن و السلم
بين ضفاف المتوسط و شواطيء الأطلسي و العالم.
نحن اذ نجدد باسم رئاسة و اعضاء مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية للشعب الأمريكي و حكومتكم الصديقة و بخاصة لوزارة الخارجية و سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بتونس أسمى عبارات الشكر والتقدير لوقفتكم الشامخة في أزمة الكوفيد العنيفة و دعمكم لمجهودنا الوطني لمقاومة هذه الجائحة ب 3 مليون
من التلاقيح الضرورية و المساعدات الطبية الحيوية،
# و إذ نستحضر باجلال الجهود المشتركة لتعزيز الأسس العريقة و العميقة لشراكتنا الاستراتيجية على جميع الاصعدة و التحديات الأمنية و خاصة الاقتصادية والاجتماعية،،،
#فإننا اليوم و اكثر من اي وقت مضى نتطلع حقيقة ، لوقفة صادقة ووفية في ذلك الانحياز الصريح و الواضح
و الفعلي لقيمنا المشتركة في دعم الحريات الأساسية
و المحافظة على الديمقراطية التمثيلية في هذه الأوقات العصيبة و التحديات المعقدة التي يعيشها العالم الحر
في الشرق و الغرب، و خاصة عند هذا المنعطف التاريخي لأمتنا التونسية التي تتعرض لتهديد حقيقي وواقعي لأسس دولتها الحديثة و قيم العصرنة لجمهوريتها العريقة
و ديمقراطيتها الناشئة منذ الانقلاب على الدستور
الذي أقدم عليه السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية في 25 جويلية 2021.
#سعادة الدبلوماسية العريقة، مساعدة كاتب الدولة للخارجية الأمريكية.
#منذ الأيام الاولى للانقلاب على الدستور الذي قاده السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية،
#تشرفت بلادنا باستقبال ثلة متميزة من السادة المشرعين و كبار المسؤولين في الكونغرس و الادراة الأمريكية،،،
كما ان سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بتونس اصدرت عدة بيانات بصفة فردية او جماعية صحبة سفارات دول صديقة لبلادنا،،،عبرت فيها عن انحيازها لتطلعات الشعب التونسي في العودة للمسار الدستوري و المؤسسات المنتخبة و حقه الشرعي في حكومة منتخبة من أجل قيادة حوار وطني تونسي تونسي عريض و شامل لجميع المكونات السياسية و الاجتماعية و المدنية يفضي
الى عودة المؤسسات الشرعية و خارطة طريق جماعية تونسية مدعومة بجهد دولي لإنقاذتونس من شبح الافلاس
و دعم جهود التعافي الاقتصادي…
# و هذه جهود صديقة مشكورة و محمودة.
#الا ان عملية الهدم الشامل التي يقودها السيد قيس سعيد لكافة المؤسسات الدستورية و الديمقراطية من مجلس نواب الشعب و الحكومة المنتخبة ،ثم هيئة مراقبة دستورية القوانين ثم هيئة مكافحة الفساد ثم المجلس الأعلى للقضاء و اخيرا و ليس اخرا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وصولا للتفكير و التحضيرالجدي لضرب الأحزاب السياسية و كافة مظاهر المجتمع المدني الحر
و المستقل.
#مع غياب اي جهد حقيقي او ارادة واعية بحجم المشكلات المالية و الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة المحدقة ببلادنا و الضرورة القصوى لتوافق مجتمعي عريض و قوي لإنقاذ البلاد و البدء في الإصلاحات الضرورية و الحيوية لاعادة الاقتصاد التونسي إلى النمو
و التعافي التدريجي.
#يتطلب من جميع التونسيين عزيمة صادقة و ارادة قوية تنبع منا جميعا لتجاوز إحدى اخطر أزمات تاريخنا المعاصر ، و تتطلب من أصدقاء تونس، مضاعفة الجهود لتلافي مخاطر التقسيم والتحديات الحقيقية لانهيار المؤسسات و ضرب السلم و الاستقرار المجتمعي.
تناسقا مع مهمتك في تونس اليوم،،،
و جهود الادراة الأمريكية الصديقة لدعم تطلعات الشعب التونسي في استعادة الديمقراطية و مساهمة اصدقاءنا في انقاذ تونس من المخاطر الحقيقية للازمة المركبة الدستورية و الاقتصادية والاجتماعية،
# فإننا نتطلع إلى :
1- أهمية ادراك السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية للمخاطر المالية و الاقتصادية والاجتماعية لحالة الاستثناء، وضرورة انهاءها في اقرب وقت ممكن من خلال قيامه بواحبه الدستوري و التوقيع على القانون عدد 01 لسنة 2022.
و العدول تماما على استكمال اجندته الشخصية التي تبين بالكاشف فشلها الذريع من خلال المشاركة الضيئلة جدا
في استشارته الإلكترونية و ضمور التأييد الشعبي الذي اتضح بصفة جلية يوم 08 ماي 2022.
2- اهمية ادراك السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية، للمخاطر الحقيقية التي مست سمعة وصورة تونس كأول دولة عربية حرة وديقراطية عربيا و في شمال افريقيا، و الأهمية القصوى للقيام بمراجعة حقيقية لنهجه التسلطي و العدول تماما عن مشروعه الهلامي القاعدي المستمد من التراث السيء للعقيد القذافي،،،
و الضرورة القصوى لوقف المحاكمات العسكرية و تقديم 121 نائبا تونسيا للمحاكمة بتهم تصل عقوبتها للإعدام ووقف كافة الإجراءات الاستثنائية ضد أعضاء مجلس نواب الشعب و الناشطين و السياسيين ،حفاظا على سمعته كرجل قانون،،،
# و الأهم المحافظة على قيم الجمهورية التونسية
و مباديء الثورة التونسية السلمية التي يكاد نورها ينطفيء بفعل خطاباته العنيفة واجراءاته المهددة للحرية
و المشرعة للاستبداد و المنافية للحكم الرشيد.
3- دور أصدقاء تونس الأوفياء، في دعم كل الجهود الوطنية و المساعدات الإنسانية، لجلوس كافة مكونات المجتمع التونسي الدستورية و السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و المدنية، بدون اي استثناء في حوار وطني تونسي تونسي عريض و شامل و بمتابعة دقيقة من الشعب التونسي عبر الإعلام الوطني المناضل و مكونات مجتمعه المدني الناشط من أجل خارطة طريق دستورية و تشريعية و سياسية و اجراءات انقاذ عاجلة ثم اصلاحات مالية
و اقتصادية واجتماعية متفق عليها باجماع واسع.
يلعب مجلس نواب الشعب دوره كاملا كجسر دستوري ضروري للمصادقة على هذه الإصلاحات و انتخاب حكومة جديدة ثم الذهاب لانتخابات رئاسية و تشريعية سابقة لاوانها تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المعترف بها دوليا.
4- التزام الولايات المتحدة الأمريكية وبدعم من كافة أصدقاء تونس عبرالارادة الحرة للحكومة التونسية المنتخبة الجديدة بدعوة الأمم المتحدة و المجتمع
و المؤسسات الدولية من أجل مؤتمر دولي استثماري يساعدها على تجاوز الأخطار المالية و الاقتصادية والاجتماعية المحدقة بها حاليا و يبني قاعدة حقيقية للاستثمار المثمر و التنمية المستدامة و العدالة الاجتماعية
بعث رسالة امل للشباب و العالم لاشراقة جديدة للربيع بالمنطقة العربية او الانحدار إلى هوة سحيقة وخطيرة جدا على الاستقرار و مهددة للأمن الإقليمي و الدولي لا قدر الله.
ماهر المذيوب مساعد رئيس مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية.
أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on تونس: حوار «اللاءات الثلاث» وقطيعة بين السلطة ومعارضيها .. بقلم كمال بن يونس

تونس: حوار «اللاءات الثلاث» وقطيعة بين السلطة ومعارضيها .. بقلم كمال بن يونس

عشية الاستفتاء على «دستور جديد»

كشف الرئيس التونسي قيس سعيد في كلمة توجه بها للشعب بمناسبة عيد الفطر، ثم بعد مقابلات مع عميدين متقاعدين لكلية الحقوق، عن «خطة العمل» التي يعتزم المضي فيها لتنفيذ «خارطة الطريق السياسية» التي أعلن عنها العام الماضي، بما في ذلك تنظيم استفتاء شعبي على مشروع دستور جديد وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة. وأعلن سعيد عن استكمال مشروع الدستور الجديد «في ظرف أيام» وعن تنظيم حوار حوله وحول الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد مع الأطراف التي ساندت «الإجراءات الاستثنائية» التي اتخذها منذ 25 يوليو (تموز) الماضي، وبينها حل البرلمان والحكومة والمجلس الأعلى للقضاء و«هيئة الانتخابات». لكن سعيد استبعد أي حوار مع معارضيه، ووضع شروطاً جديدة للمشاركة في المسار السياسي المقبل بينها الموافقة على أن تكون «الاستشارة الإلكترونية» منطلقا للحوار رغم تشكيك قيادة اتحاد الشغل وغالبية الأحزاب فيها وفي نتائجها.

تباينت ردود الفعل في تونس وخارجها على مبادرة قيس سعيد الأخيرة، ولا سيما استخدامه في خطابه مجددا صيغة «اللاءات الثلاث»، أي لا صلح لا تفاوض ولا حوار، مع قيادات حزب «حركة النهضة» وكل الأحزاب والمنظمات التي اتهمته بـ«الانقلاب على الدستور»، والتي عاد إلى اتهامها بـ«الخيانة الوطنية والتآمر مع الخارج وبشن أكثر من 120 ألف هجوم إلكتروني على منصة الاستشارة الإلكترونية».

الرئيس التونسي أعلن، من جهة ثانية، عن مشاركة النقابات في الحوار المقبل. لكنه ذكر أنه سيكون مغايرا لسيناريو «الحوار الوطني» الذي نظم في 2013 برعاية نقابات رجال الأعمال والعمال ونقابة المحامين. والمعروف أنه أسفر عن استقالة حكومة «الترويكا» بزعامة حركة النهضة، وتشكيل «حكومة تكنوقراط» وتنظيم انتخابات جديدة بالتوافق مع زعيم المعارضة – في حينه – الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي. غير أن سعيد اعتبر أن ذلك المسار السياسي «لم يكن حواراً ولم يكن وطنياً»، رغم الانتقادات التي وجهها إليه أمين عام نقابات العمال الحالي نور الدين الطبوبي وسلفه حسين العباسي.

– دستور وقانون انتخابي جديدان؟

في هذه الأثناء رحبت «التنسيقيات» المساندة بقوة للرئيس سعيد والمحسوبة على «حراك 25 يوليو (تموز) بما وصفته بـ«خطة العمل» التي أعلن عنها الرئيس وبدأت حملة تجنيد مئات من أعضائها في كل المحافظات بهدف تأسيس مكاتب جهوية لها، وكذلك تنظيم «مظاهرات ضخمة» دعما للرئيس وقراراته، مطالبة إياه بمحاكمة أعضاء في البرلمان والحكومات السابقة و«حل الأحزاب» و«المنظمات» التي حكمت البلاد خلال «العشرية السوداء»، أي فترة ما بعد الإطاحة بحكم الرئيس بن علي في يناير (كانون الثاني) 2011.

كذلك رحب بالقرارات الرئاسية قادة بعض الأطراف السياسية المساندة لسعيد ولمسار «حركة التصحيح»، يتزعمهم الزعيمان اليساريان زهير حمدي من حزب «التيار الشعبي» وعبيد البريكي القيادي النقابي السابق ورئيس «حركة تونس إلى الأمام». واعتبر حمدي والبريكي أن مبادرة الرئيس سعيد الجديدة سوف تمهد لاستفتاء 25 يوليو وانتخاب برلمان جديد قبل نهاية السنة.

– نظام سياسي جديد

أيضاً، تصدر مساندي القرارات الرئاسية في وسائل الإعلام التونسية بعض رموز «الحملة الانتخابية» لسعيد في العام 2019 بينهم أحمد شفتر ورضا شهاب المكي – الملقب بـ«رضا لينين» – ورفاقهما من أنصار «ديمقراطية البناء القاعدي» حسب نظام سياسي شبيه بـ«النظام الجماهيري» الذي اعتمد في ليبيا في عهد رئيسها الراحل معمر القذافي.

ويدعو هؤلاء خلال «الحملات التفسيرية» للمشروع السياسي والقانوني للرئيس سعيد إلى الاستعاضة عن «الاقتراع على القوائم» بـ«الاقتراع على الأفراد»، محليا وجهوياً، ومنع الأحزاب من الترشح. وكذلك، يدعون إلى تعويض «البرلمان» بـ«مجلس نيابي» (أو «مجلس شعب») يجري «تصعيد أعضائه محلياً وجهوياً في المحافظات. ثم تسند لهذا المجلس صلاحيات الإشراف على الدولة وانتخاب الرئيس، مع إمكانية «سحب الثقة» في أي وقت من الوزراء والمسؤولين والنواب، وهو ما يذكر بمنظومة «اللجان الشعبية» و«المؤتمرات الشعبية» و«مؤتمر الشعب العام» و«اللجنة الشعبية العامة» التي حكمت ليبيا حلال العقود التي سبقت إسقاط نظام القذافي في 2011.

– تحفظات… ومعارضة

بيد أن هذه «المقترحات» قوبلت بمعارضة معظم قيادات النقابات والأحزاب، بما في ذلك الأطراف التي رحبت بقرارات 25 يوليو، لكنها قاطعت «الاستشارة الإلكترونية» التي نظمتها رئاسة الجمهورية والحكومة وشارك فيها 6 في المائة فقط من المواطنين. هذا، وكانت تلك «الاستشارة الشعبية الإلكترونية» قد أسفرت – حسب السلطة – عن دعوة إلى تغيير «النظام البرلماني المعدل» الحالي واعتماد النظام الرئاسي بدلاً منه. وأوصت كذلك بإعداد دستور وقانون انتخابي جديدين وفق المشروع الذي سبق أن دعا إليه الرئيس سعيد قبل انتخابات 2019 وبعدها… وتعارضه غالبية الأوساط السياسية والجامعية والحقوقية.

من جهة ثانية، توسعت دائرة المعارضين لمشاريع الرئيس سعيد القانونية والسياسية، وشملت قيادات الأحزاب التي ساندت قراراته في 25 يوليو الماضي، بينها زهير المغزاوي البرلماني والأمين العام لحزب الشعب القومي العربي وسالم الأبيض الوزير السابق للتربية والقيادي في الحزب نفسه، وزعيما حزب التيار الديمقراطي اليساري الوزيران السابقان محمد عبو وغازي الشواشي.

أيضاً قوبلت المبادرة الرئاسية بانتقادات جزئية من قبل قياديين في اتحاد الشغل سبق لهم أن دعوا إلى مقاطعة «الاستشارة الإلكترونية»، ووصفوها بـ«المهزلة»، رغم إصدارهم مواقف رحبت بقرارات 25 يوليو، وأخرى انتقدت بقوة «المنظومة السياسية الحاكمة السابقة» وخاصةً قيادات حركة النهضة والأحزاب التي حكمت البلاد في العشرية الماضية. وفي الوقت نفسه الوقت قوبلت المبادرة الرئاسية بانتقادات شديدة من قبل الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية اليسارية المعارضة، ومن قبل الوزير السابق نجيب الشابي، القيادي في حزب أمل الليبيرالي، بصفته زعيم «جبهة الخلاص الوطني»، التي تضم 10 أطراف سياسية وحزبية، بينها الائتلاف الحاكم السابق وحزب «حراك تونس الإرادة» الذي يتزعمه الرئيس الأسبق الدكتور محمد المنصف المرزوقي.

– تهديدات ومحاكمات

تتزامن كل هذه التطورات مع إعلان الرئيس قيس سعيد إصراره على تنفيذ برنامجه و«خارطة الطريق» التي أعلن عنها بدءا من تنظيم «استفتاء عام» يوم 25 يوليو وانتخابات نيابية يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين. ولقد عقد سعيد لهذا الغرض سلسلة من الاجتماعات المصغرة مع عميدين متقاعدين لكلية الحقوق والعلوم السياسية من بين أساتذته القدامى هما الصادق بلعيد ومحمد الصالح بن عيسى. ولكن عدداً من أبرز أساتذة القانون الدستوري والعلوم السياسية، بينهم شاكر الحوكي وكمال بن مسعود وعبد الرزاق بالمختار وسناء بن عاشور ومنى كريم، شككوا في قابلية هذه الخارطة للتطبيق واعتبروا أنها «غير دستورية وغير قانونية وغير قابلة للتطبيق لوجيستياً بحكم قرب موعد الاستفتاء المقرر لشهر يوليو المقبل»…

وحقاً طعن هؤلاء الأكاديميون خلال تصريحات في وسائل الإعلام وفي مناسبات منها مؤتمرات علمية وسياسية، في «حياد» اللجنة التي تقرر أن يشكلها قصر قرطاج (الرئاسي) لصياغة مشروعي الدستور والقانون الانتخابي والإصلاحات السياسية لأن الصادق بلعيد متقاعد عمره 83 سنة والعميد محمد الصالح بن عيسى متقاعد عمره 74 سنة ويتولى حالياً منصب مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية رئيسا لمكتب تونس بتكليف من الرئيس سعيد نفسه. ومن ثم، اتهم هؤلاء بلعيد وبن عيسي بالانحياز ضد المعارضة ومنظمات المجتمع المدني المستقلة وضد كل الأطراف السياسية والأحزاب والمنظمات التي تحفظت عن «القرارات الاستثنائية» وتطالب بالعودة إلى المسارين الديمقراطي والبرلماني وبتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة تشرف عليها «هيئة عليا مستقلة لا تكون تابعة للسلطة التنفيذية».

ويظهر أن ضغوط هؤلاء الأكاديميين وأنصارهم تسببت في تغيير عدد من المساندين السابقين لقرارات 25 يوليو مواقفهم، بينهم أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي، الذي أصبح «الأكثر حدة» في انتقاد سياسات قصر قرطاج ومبادراته السياسية. وصار يطعن في قانونيتها ودستوريتها في وسائل الإعلام وخلال المؤتمرات العلمية والندوات السياسية داخل الجامعة وخارجها.

– منظمات حقوقية

بالتوازي، دعت قيادات عدة منظمات حقوقية ليبيرالية ويسارية، بينها منظمة «أنا يقظ»، إلى مقاطعة الاستفتاء والانتخابات و«المشروع السياسي» للرئيس سعيد وأصدرت بلاغات تطالبه بالتراجع أولا عن خطوات حل «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» و«المجلس الأعلى للقضاء» وعن مرسوم استبدالهما بهيئات تختارها السلطة التنفيذية وتحديدا رئاسة الجمهورية…

لكن الرئيس التونسي رد على هؤلاء وعلى كل معارضيه بموقف حازم قائلاً ومشدداً «لا تراجع… ولا عودة إلى الوراء». وعاد في خطابه الجديد الموجه إلى الشعب إلى استخدام صيغة «اللاءات الثلاث: لا صلح لا تفاوض ولا اعتراف». وأعلن أن «الحوار السياسي والاقتصادي سيكون مفتوحا لكنه غير تقليدي ولن يشمل من لم يدعموا حراك 25 يوليو ومن لم يشاركوا في الاستشارة الإلكترونية».

– «الورقة الدولية»

في هذه الأثناء، دخلت العواصم الأوروبية والغربية على خط الأزمة التونسية. وتعاقبت تصريحات رئاسة الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وممثلو البيت الأبيض والكونغرس الأميركي وسفراء مجموعة «الدول السبع الكبار» في تونس، مطالبةً قصر قرطاج بتنظيم «حوار وطني سياسي لا يقصي أحدا ويؤدي إلى عودة البلاد في أقرب وقت إلى المسارين الديمقراطي والبرلماني».

هذا، وأعلن وزير الخارجية الأميركي بلينكن والناطق باسم رئاسة الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي أن واشنطن وبروكسل والعواصم الأوروبية تعتبر أن توفير ما تحتاجه تونس من قروض ودعم مالي فوري لمعالجة أزمتها الاقتصادية الاجتماعية الخانقة «مشروط بالعودة إلى المسارين الديمقراطي والبرلماني وتنظيم حوار تشاركي». لكن الرئيس سعيد رد بحدة على هذه المواقف وعلى سلسلة البلاغات الأميركية والأوروبية التي انتقدته طوال الأشهر الماضية، مجدداً القول والتساؤل أن «تونس دولة مستقلة ذات سيادة»… لما يعبرون عن «القلق» من أوضاعنا وسياساتنا؟ هل عبرنا عن «القلق» بسبب أوضاعهم وصعوباتهم ومشاكلهم الداخلية؟

الغموض يبقى سيد الموقف إزاء فرص تونس في الخروج من هذا المأزق السياسي والدبلوماسي الذي تسبب إلى حد الآن في «تعليق» غالبية برامج الشراكة المالية والعسكرية بين تونس وشركائها الغربيين، وفي حرمانها من تغطية «عجز» موازنة عامي 2021 و2022 الذي يقدر بحوالي 25 مليار دينار تونسي أي أكثر من 8 مليارات دولار أميركي.

ووسط المواجهة بين الديمقراطية و«القوة الصلبة» توسعت الهوة الفاصلة بين الأفرقاء وصناع القرار الاقتصادي والسياسي الوطني. بل وزاد الأوضاع تعقيدا بروز انشقاقات داخل كبرى الأحزاب والنقابات والأطراف السياسية المحسوبة على الرئيس سعيد. وكانت الأوضاع قد استفحلت منذ استقالة نادية عكاشة، «المرأة القوية» في قصر قرطاج خلال العامين الماضيين وكبيرة مستشاري سعيد منذ 2009، ثم «فرارها» إلى فرنسا مع أسرتها وإطلاقها حملة دعائية عنيفة معارضة لوزير الداخلية رضا شرف الدين، المقرب من الرئيس. ومن ثم، تطورت الحملة بسرعة إلى حملات إعلامية متبادلة بين أنصارها وخصومها داخل «تنسيقيات قيس سعيد» ثم إلى «تسريبات خطيرة» روجت إشاعات واتهامات خطيرة ضد الرئيس والمقربين منه، ما تسبب في فتح تحقيق قضائي ضدها غيابياً.

ولقد ردت شخصيات سياسية وإعلامية كثيرة على هذه الأزمة المستفحلة بالدعوة في وسائل الإعلام إلى «تدخل القوى الصلبة»، أي قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية. في المقابل، يدعو كثير من السياسيين المنخرطين في «المبادرة الديمقراطية» و«جبهة الخلاص الوطني» إلى معالجة الأزمة عبر «العودة إلى المسارين الديمقراطي والبرلماني» وتنظيم انتخابات مبكرة برلمانية ثم رئاسية… ويعتبرون أن «المؤسسات الديمقراطية وحدها بمقدورها حماية الدولة».

أحمد نجيب الشابي  –  سمير ديلو  –  سميرة الشواشي  –  أسامة الخريجي

من هم زعماء «جبهة الخلاص الوطني» التي تتزعم المعارضة؟

> تشكلت في تونس أخيرا جبهة «الخلاص الوطني» برئاسة المحامي والقيادي اليساري السابق أحمد نجيب الشابي للضغط من أجل «إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخانقة» وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة. أما أبرز قادة هذه الجبهة فهم:

– أحمد نجيب الشابي، رئيس المكتب السياسي لحزب أمل، وهو حزب ليبيرالي أسسه مع عدة شخصيات وطنية قبل انتخابات 2019 بينها السيدة سلمى اللومي سيدة الأعمال والوزير السابقة للسياحة ثم مديرة مكتب الرئيس الباجي قائد السبسي. وكان الشابي قد لمع في عهدي الرئيسين بورقيبة وبن علي بتزعمه للمعارضة القومية العروبية واليسارية الاشتراكية المعتدلة. وتولى الشابي منصباً وزارياً لمدة قصيرة في أول حكومة بعد سقوط بن علي، ثم استقال وعاد للمعارضة بعدما فاز بعضوية البرلمان الانتقالي في أكتوبر 2011.

– جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري. وهو زعيم يساري طلابي سابق، كان وزيرا مستشاراً في حكومة إلياس الفخفاخ عام 2020. وأسس مع عشرات اليساريين والإسلاميين والمستقلين بعد 25 يوليو مبادرة «مواطنون ضد الانقلاب» التي نظمت عدة مظاهرات وتحركات في تونس بمشاركة آلاف المواطنين والنشطاء السياسيين أغلبهم من الإسلاميين وحركة النهضة.

– أسامة الخريجي، نقيب المهندسين التونسيين السابق. تولى حقيبة وزارة الفلاحة عام 2020 بصفة «مستقل» ضمن القائمة التي دعمتها حركة النهضة وحزب «قلب تونس» وحزب «ائتلاف الكرامة».

– إسلام حمزة، محامية يسارية برزت بتحركاتها المعارضة لمسار 25 يوليو وبدورها في المحاكمات السياسية.

– سمير ديلو، محام ووزير سابق في حكومة 2012 – 2013 برئاسة حمادي الجبالي وعلي العريض. استقال من حركة النهضة مع مئات من رفاقه الذين أسسوا مبادرة «تونسيون من أجل الديمقراطية» ويتأهبون لتأسيس حزب جديد منافس للنهضة.

– الحيبب بوعجيلة، نقابي وسياسي يساري معتدل. أستاذ جامعي وحقوقي مستقل وقيادي سابق في الحزب الديمقراطي التقدمي الذي تزعمه أحمد نجيب الشابي قبل 2011.

– سميرة الشواشي، نائبة رئيس البرلمان المحلول، ونائبة رئيس حزب «قلب تونس» الذي يتزعمه رجل الأعمال والإعلام والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية نبيل القروي.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on الصراع الروسي – الأطلسي في أوكرانيا : الانعكاسات الأمنية والسياسية والاقتصادية قد تكون كارثية في المنطقة .. بقلم كمال بن يونس

الصراع الروسي – الأطلسي في أوكرانيا : الانعكاسات الأمنية والسياسية والاقتصادية قد تكون كارثية في المنطقة .. بقلم كمال بن يونس

تطور الصراع في أوكرانيا وأروبا بين روسيا وحلفائها من جهة وعدد من دول الحلف الأطلسي من جهة ثانية بنسق سريع ، ووقع تدويله بما تسبب في متغيرات إقليمية عالمية وتعقيدات ذات صبغة استراتيجية تنذر بتعفن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدول النامية غير النفطية بينها تونس.

وأصبحت كل السيناريوهات واردة إقليميا ودوليا وسط تحذيرات من ” حرب عالمية ثالثة ” .

كما زادت التخوفات من المضاعفات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية الخطيرة ومن المتغيرات الجيو استراتيجية المعقدة ، بسبب هذه الحرب التي دخلت فيها موسكو وواشنطن وحلفاؤهما في مواجهة شاملة مباشرة هي الأخطر منذ انهيار جدار برلين ثم الاتحاد السوفياتي قبل أكثر من 30 عاما.

فما هي الأبعاد الاستراتيجية والتاريخية الثقافية السياسية العميقة للأزمة الدولية التي تسبب فيها تفجير حرب أوكرانيا ؟

وماهي سيناريوهات ما بعد الحرب بالنسبة لبلدان مثل تونس والدول العربية والإسلامية والافريقية ؟

وكيف يمكن احتواء المضاعفات السلبية الحرب والأزمات التي تتسبب فيها ؟

I. أبعاد تاريخية واستراتيجية للصراع بين الدول العظمى في أوكرانيا وشرق أوربا :

يحق للباحثين في متغيرات السياسة الدولية وفي الدراسات الاستراتيجية أن يتساءلوا اليوم مع صناع القرار السياسي الوطني والدولي إن كانت مراكز الدراسات الاستراتيجية المحلية والإقليمية والعالمية توقعت السيناريو الحالي المعقد للحرب في أوكرانيا والتطورات التي سجلت بعده وبينها التعبئة العسكرية الدولية غير المسبوقة شرقي أوربا في ظرف أعلنت فيه واشنطن وعشرات الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي والإتحاد الأوربي حربا اقتصادية مالية شاملة على روسيا وحلفائها .

وإذا كان الأكاديميون والخبراء في المتغيرات الاقليمية والجيو الاستراتيجية نشروا دراسات لم تستبعد سيناريو الأزمة الحالية فهل أخذ صناع القرار بعين الاعتبار ما ورد في تلك الدراسات ؟

أم اتخذوا قرارات التصعيد العسكري والسياسي والحظر الاقتصادي بناء على أجندات خاصة ببعض الدول واللوبيات دون مراعاة تحذيرات الخبراء ؟

في كل الحالات لابد من التوقف عند رمزية الصراع الحالي بين روسيا والحلف الأطلسي في أوكرانيا ومحيطهما الإقليمي :

1. أبعاد تاريخية رمزية للصراع :

الصراع الحالي يعيد بالنسبة لروسيا و أوربا والولايات المتحدة والدول العظمى الأسباب المباشرة لتفجير الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وبينها الصراع للسيطرة على بلدان شرق أوربا ضمن محورين تزعمت إحداهما ألمانيا والثاني بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة .

ويعيد الصراع الحالي لذاكرة الشعوب والسلطات في أوربا مرحلة تحالف ألمانيا النازية واليابان مع الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين واحتلالهما لبولونيا ودول مجاورة لها .

وقد احتلت قوات ستالين شرق بولونيا ومناطق أخرى اعتمادا على قوات أوكرانيا وبلاروسيا وروسيا .

ثم تصدع التحالف بين ستالين وهتلر وتدخلت قوات الولايات المتحدة لتحسم الحرب لصالح فرنسا وبريطانيا وحلفائهما .

2. “الثأر” من نتائج الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي :

في نفس الوقت كشفت الحرب الحالية في أوكرانيا وجود إرادة لدى موسكو وحلفائها لإعادة تغيير خارطة المنطقة ” للثأر” من نتائج الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي و” تغول ” الحلف الأطلسي مقابل انهيار ” حلف وارسو “.

اعتبرت القيادة الروسية أن الوقت حان لتوقف ” زحف قوات الحلف الأطلسي شرقا ” بعد أن أصبحت بولونيا ودول كانت في ” المعسكر الشرقي” مقرا لمؤسسات وقواعد عسكرية أمريكية تضم تمركزت بها أسلحة أمريكية متطورة جدا بينها صواريخ بعيدة المدى وأسلحة غير تقليدية بينها رؤوس نووية ومضادات للأسلحة ” غير التقليدية “.

2. حرب تفجر خلافات ثقافية حضارية وسياسية قديمة جديدة :

ولهذه الحرب بين للرأي العام وصناع القرار في أوربا وروسيا والعالم أبعاد ثقافية حضارية وسياسية عميقة من بينها بالخصوص : الصراع بين ثقافات الغرب الليبيرالي والثقافات الشرقية الآسيوية الروسية والصينية ، وهو محور من محاور الصراع الذي يتوقف عنده ” المحافظون الجدد” و” أقصى اليمين” في أوربا وأمريكا منذ صمويل هنتغتون ورفاقه منذ كتاباتهم عن صراع الحضارات والخطر الصيني القادم وضرورة ” تحييد ” روسيا ودول أخرى لكسب المعركة مع العملاق الصيني – الآسيوي الصاعد ..

واستحضرت في هذا السياق أبعاد للصراعات الثقافية والدينية والأيديولوجية السابقة بين روسيا وشرق اوربا من جهة وغربها من جهة ثانية ، من بينها الحروب الدينية والصراعات بين الاورتودوكس والكاثوليك والبروتستان من جهة وبين الشيوعيين والرأسماليين من جهة ثانية ..

كما يعيد هذا الصراع الى الواجهة صراعات ثقافية سياسية دينية عرقية فجرت في عقد التسعينات في يوغسلافيا السابقة و كوسوفو و أرمينيا و اذريبجان وداخل الاتحاد الروسي..الخ

3. تضخم ملفات الهجرة مجددا :

في نفس الوقت تسبب هذا الصراع في أوكرانيا تسبب في تعميق أزمات أوربا بسبب أخطر ملف أمني سياسي استراتيجي في أوربا : الهجرات الجماعية وتغيير التوازنات الديمغرافية والعرقية والثقافية والدينية .

ولا يخفي قادة أوربا والحلف الأطلسي أن ” أكبر خطر” يهدد بلدانهم بعد تفجير حرب أوكرانيا “تسلل” ملايين المهاجرين إلى بلدان الاتحاد الأوربي ، فضلا عن ملايين الفارين من بؤر التوتر في روسيا و بلدان شرق أوريا ممن وقع قبولهم ” مؤقتا ” بقرار أوربي رسمي .

II. الانعكاسات المرتقبة للحرب في أوكرانيا :

تؤكد أكثر المؤشرات أن الصراع بين موسكو والحلف الأطلسي ، منذ غزو قوات روسيا لأوكرانيا في فيفري الماضي ، سوف يؤثر في العالم أجمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا كما سيعجل مسار إعادة رسم الخارطة الدولية والنظام الدولي .

وقد تتعقد الأوضاع وتخرج جزئيا عن السيطرة في صورة تصعيد النزاع في بعديه العسكري والاقتصادي و تمديد مرحلة الحرب .

وفي كل الحالات سوف تتسب الحرب الحالية في المتغيرات الجيو استراتيجية الدولية من بينها :

1. إعادة تشكيل النظام الدولي ، وتغيير معطيات ميدانية وسياسية أفرزتها حروب ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، بينها حروب أفغانستان و الخليج (1980-1988 و1991 و 2003) وحروب ما بعد “ثورات الربيع العربي” 2011 خاصة في ليبيا وسوريا واليمن ..

ويرجح أن تتسبب هذه الحرب في تفعيل الدور السياسي والعسكري والاقتصادي الدولي لبلدان مثل الصين وألمانيا واليابان والبلدان الصاعدة مثل دول الهند والبرازيل” وتركيا وايران وإسرائيل وبلدان شرق اسيا..

كما ستتسبب الحرب الحالية في مزيد تهميش منطقة البحر الأبيض المتوسط وقضايا ” الشرق الأوسط “، وعلى رأسها قضية فلسطين ، مقابل تزايد اهتمام واشنطن وحلفائها بالعملاق الصيني وبالقوى الصاعدة في شرق ووسط آسيا وبينها مجموعة ” شنغهاي” التي تتزعمها بيكين وموسكو وانضمت إليها طهران رسميا في سبتمبر 2021.

2. تشكل أنظمة إقليمية جديدة وإعادة النظر في موازين القوى والادوار في بعض الأقاليم بما في ذلك داخل الإتحاد الأوربي المهدد بمزيد التصدع وتصاعد التيارات الوطنية واليمينية المتطرفة .

وفي الدول النامية عموما والعالم الإسلامي والبلدان الافريقية الفقيرة خاصة ستتسبب الازمات الاقتصادية والسياسية والأمنية في انهيار أنظمة و منظومات جهوية ووطنية بروز اضطرابات وصراعات جديدة قد تؤدي الى سقوط حكومات وانهيار كثير من التحالفات وبروز محاور و تحالفات جديدة ..

3. الانتخابات الأمريكية ومستقبل موسكو:

ومهما كانت سيناريوهات ما بعد الحرب الحالية في أوكرانيا ، سوف تؤثر نتائجها على مستقبل مؤسسات الحكم في عدد من دول العالم وخاصة في واشنطن وموسكو .

وإذا كانت بعض الدراسات والتقارير أوردت أن الأجندا الانتخابية للرئيس الأمريكي بايدن وحزبه في انتخابات نوفمبر القادم كانت من بين أسباب فرضها حظرا اقتصاديا الواسع وتصعيد سياسيا ضد روسيا ، فإن نتائج الانتخابات سوف تتأثر في كل الحالات بحرب أوكرانيا ومدتها وكلفتها وحصيلتها .

في نفس الوقت فإن المستقبل السياسي للقيادة الروسية وحلفائها الدوليين والاقليميين ، بما في ذلك في بلدان مثل ايران وسوريا والجزائر، سوف يكون رهين نتائج هذه الحرب في أوكرانيا ومحيطها الإقليمي .

III. كيف يمكن لتونس والبلدان العربية والنامية احتواء مضاعفات حرب أوكرانيا ؟

رغم التعقيدات والمضاعفات السلبية الكثيرة للحرب الحالية في أوكرانيا على المدة القصير وعلى المدى المتوسط والبعيد ، يمكن للدول النامية غير النفطية ، بينها تونس وعدد من الدول العربية ، احتواء الازمة وإيقاف النزيف وتجنب سيناريوهات الانهيار والفوضى ومزيد تفكك مؤسسات الدولة والمجتمع .

في هذا السياق يمكن التوقف خاصة عند الأولويات التالية :

1. القطع مع سياسات الارتجال واعتماد استراتيجيات واضحة وسياسات قابلة للتنفيذ يشرف عليها سياسيون لديهم رؤيا ومشروع تنمية شاملة يحترمون شروط الحوكمة الرشيدة .

2. استبدال الديبلوماسية التقليدية بديبلوماسية براغماتية جديدة تحسن التفاوض مع كبار الممولين والشركاء الدوليين ماليا ، بما في ذلك عبر توظيف ” تقاطع المصالح ” الأمنية والعسكرية بين تونس ودول الجنوب مع دول الحلف الأطلسي للحصول على دعم مالي كبير مقابل ” الخدمات” و” التسهيلات ” التي تقوم بها القوات المسلحة التونسية لتأمين البحر الأبيض المتوسط ودول شمال افريقيا والساحل والصحراء ومراقبة الهجرة غير القانونية وشبكات التهريب والإرهاب ..الخ

3. تنويع الشركاء لتحسين شروط التفاوض وفرص تمويل ميزانية الدولة وترفيع قيمة الاستثمارات الدولية والمبادلات التجارية الخارجية .

4. اصلاح الوضع الداخلي وتحصين الجبهة الوطنية أولا ، لأن شراكة دول العالم ومؤسساته الاقتصادية والمالية مع أي دولة تأخذ بعين الاعتبار مناخ الاستثمار ومؤشرات الاستقرار والسلم المدني وطنيا .

5. توظيف موقع تونس الإقليمي وثراء تجاربها السياسية والثقافية وانخراطها في نادي الدول التي تبنت القيم الديمقراطية الكونية للحصول على ما تحتاجه من دعم لاقتصادها واستقرارها وتنمية مواردها البشرية والمالية .

الخاتمة :

رغم تشعب أبعاد الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا وشرق أوربا ، يمكن للبلدان النامية وغير النفطية مثل تونس أن توظف هذه الحرب للخروج من أزماتها الهيكلية والظرفية المتراكمة .

ويحكم الصبغة غير التقليدية للأزمة الحالية لابد من اعتماد سياسات وحلول غير تقليدية ، لاسيما عبر تشريك المؤسسات العسكرية والأمنية والقطاع الخاص والنخب الثقافية في التحركات الديبلوماسية الرسمية وشبه الرسمية و” الديبلوماسية الموازية “.

كمال بن يونس

مستشار دولي . باحث في السياسة الدولية

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on تونس بعد غلق البرلمان : “معركة شرعيات” واتهام سياسيين ب”التامر على امن الدولة”.. بقلم كمال بن يونس

تونس بعد غلق البرلمان : “معركة شرعيات” واتهام سياسيين ب”التامر على امن الدولة”.. بقلم كمال بن يونس

تباينت ردود الفعل على قرار الرئيس قيس سعيد ” حل البرلمان ” ، الذي سبق أن أمر ب”تجميده” وغلق مقراته منذ أكثر من 8 أشهر.

فقد رحب بالقرار عدد من السياسيين، بينهم رئيسة الحزب الدستوري البرلمانية عبير موسي ، وعارضه زعماء كبرى الأحزاب والكتل المعارضة ومقربون سابقون من الرئيس سعيد بينهم زعماء” الكتلة الديمقراطية ” مثل الوزير السابق غازي الشواشي والقيادي في حزب الشعب القومي العربي الوزير السابق سالم الأبيض والحقوقي والوزير السابق المحسوب على “اليسار الراديكالي” محمد عبو وزوجته البرلمانية والمحامية سامية عبو حمودة .

لكن من بين المفاجآت أن كان من بين المرحبين بقرار حل البرلمان سياسيون وبرلمانيون يعارضون بقوة قرارات الرئيس قيس سعيد، لكنهم كشفوا أن هدفهم كان “دفعه” نحو اصدار قرار حل البرلمان قصد إنهاء ” الإجراءات الاستثنائية ” المعتمدة منذ 25 يوليو الماضي، بحجة أن الدستور ينص على ذلك وعلى تنظيم انتخابات مبكرة في اجل أقصاه 3 أشهر.

وتعاقبت ردود الفعل على خطوة حل البرلمان وعلى قرار غالبية النواب ، في جلسة عامة افتراضية ، الغاء كل القرارات الرئاسية ” الاستثنائية ” التي صدرت خلال الأشهر الثمانية الماضية ،بدعوة مخالفتها للقانون والدستور.

وقد رد قصر قرطاج والسلطات الأمنية والقضائية على ذلك بفتح تحقيق رسمي ضد عشرات من النواب والسياسيين بعد توجيه اتهامات خطيرة ضدهم بينها ” التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي “و”التواطؤ مع الخارج” و” التورط في أكثر من مائة ألف من الهجمات الإلكترونية على مواقع رسمية للدولة”.

فإلى أين تسير البلاد ؟

وكيف سيتطور المشهد السياسي بعد تعمق معركة “الشرعيات” والصراعات على السلطة وعلى مواقع صنع القرار ، التي استفحلت منذ اسقاط حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير 2011 ؟

استبشار بعض المعارضين

ورغم بعض بيانات المعارضين التي انتقدت قرار حل البرلمان ، ” لأسباب دستورية وقانونية ، كشف عدد كبير من قادرة المعارضة عن تفاؤلهم بتغيير المشهد السياسي قريبا ، وبقرب انتقال البلاد من مرحلة ” النزاع حول شرعية قرارات 25 يوليو إلى طور تشكيل ” جبهات سياسية ” و” مشهد حزبي وطني جديد ” للمشاركة في الانتخابات المبكرة التي من المقرر تنظيمها دستوريا في ظرف 3 أشهر.

وكان من بين مفاجآت ما بعد قرار حل البرلمان أن صدرت تصريحات عن نائب رئيس البرلمان طارق الفتيتي ، وهو من بين خصوم حزب النهضة ورئيسها راشد الغنوشي ، أورد فيها أن ” الهدف من الجلسة العامة الافتراضية التي نظمت الأربعاء 30 مارس ، والتي تولى رئاستها، كان ” حلحلة الوضع ” و” تغيير المشهد السياسي ” و” استفزاز رئيس الدولة حتى يصدر قرار حل مجلس النواب ثم الدعوة الى انتخابات مبكرة فتنتهي مرحلة ” الاستثناء”.

انتخابات بعد 3 أشهر

 

لكن الرئيس قيس سعيد استبعد سيناريو تنظيم الانتخابات في ظرف 3 أشهر، مثلما ينص على ذلك الفصل 89 من الدستور، الذي سبق له أن أصدر قرارا في سبتمبر الماضي أعلن فيه تجميده ما عدا الفصلين الأول والثاني حول الصبغة الجمهورية للدولة والهوية الوطنية العربية الإسلامية والحريات.

 

كما تهجم سعيد على بعض المعارضين الذين روجوا لفصول القانون والدستور التي تنص على تنظيم انتخابات مبكرة في اجل يتراوح بين 45 يوما و3 أشهر ، وقال عنهم :” انهم واهمون “.

 

وتمسك الرئيس التونسي بخارطة الطريق التي سبق أن أعلن عنها موفى العام الماضي والتي تنص على تنظيم استفتاء شعبي على تعديل دستور 2014 يوم 25 يوليو ثم انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر / كانون الأول القادمين .

 

وقد رحبت أطراف سياسية ونقابية بتلك المبادرة بينما عارضتها قيادات النقابات وعدة أحزاب ، وطالبت باستبدالها ب” خارطة طريق توافقية ” يقع التوصل إليها بعد ” حوار وطني ” و” مسار تشاركي”.

 

ويتزعم معارضي مبادرة سعيد أمين عام نقابات العمال نور الدين الطبوبي و رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي وزعماء المعارضة “الديمقراطية الاجتماعية ” أحمد نجيب الشابي و خليل الزاوية وغازي الشواشي وعصام الشابي ،إلى جانب قيادات “الائتلاف البرلماني الحاكم” قبل 25 يوليو وخاصة أحزاب قلب تونس والنهضة وائتلاف الكرامة وتحيا تونس ..

 

ويؤكد هذا التباين في المواقف تعمق ” صراع الشرعيات ” بين رئيس جمهورية انتخبه مليونان و700 الف ناخب واطراف سياسية برلمانية شارك في انتخابها في 2019 اكثر من 3 ملايين ناخب ..

 

تحسين شروط التفاوض

 

ولعل أبرز سؤال يفرض نفسه بعد اصدار البرلمان “المجمد” قرارا بإلغاء كل الأوامر الرئاسية منذ 25 يوليو ثم اصدار الرئيس “قرارات طوارئ ” بحل البرلمان واتهام بعض النواب على القضاء ب”التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي “: ماذا بعد هذا التصعيد غير المسبوق في تاريخ البلاد ؟

 

هل يتعلق الأمر بمجرد ” تصعيد ظرفي بهدف رفع سقف المطالب ” أم تتجه الأوضاع نحو القطيعة والصدام بين السياسيين في مرحلة تمر فيها البلاد بأكبر أزمة مالية واقتصادية في تاريخها ؟

 

قيادات اتحاد نقابات العمال ورجال الأعمال والفلاحين وعدد من قادة الأحزاب السياسية طالبوا مجددا ب” حوار وطني ” يسفر عن توافق حول الملفات الاقتصادية والاجتماعية الملحة وحول تنظيم انتخابات مبكرة وتشكيل” حكومة تصريف أعمال قوية” أو ” حكومة انقاذ” تشرف على تنظيم الانتخابات مع ” الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ” .

 

تحفظات

 

لكن الرئيس التونسي كشف مرارا أن لديه تحفظات على هذه الهيئة العليا للانتخابات .

 

وتهكم عليها قائلا :” ما يسمى بالهيئة العليا ” و” ما يسمى بالمستقلة “.

 

وقد صدرت تصريحات مماثلة عن قيس سعيد شكك فيها في استقلالية المجلس الأعلى للقضاء المنتخب قبل حله مطلع العام الجاري .

 

وفي الوقت الذي انحازت فيه قيادات المؤسستين العسكرية والأمنية إلى الرئيس في صراعاته مع معارضيه ، كشفت أوساط عديدة أن ” بعض الأوساط الرسمية ” تسعى لإعادة تكليف وزارة الداخلية بالإشراف على الانتخابات ، على غرار ما كان معمولا به قبل 2011

قرار حاسم

لكن أغلب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقيادات المنظمات الحقوقية والسياسية اعترضت على ذلك واستدلت بتصريحات الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حول ” تزييف وزارة الداخلية لكل الانتخابات في عهدي الرئيسين الاسبقين زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة “، أي لكل الانتخابات التي نظمت ما بين 1959 و2010.

كما نصح مناصرون لفريق قيس سعيد، مثل المستشار السابق في رئاسة الجمهورية طارق الكحلاوي ، الرئاسة التونسي بعدم حل هيئة الانتخابات المستقلة ” بعد الانتقادات الاوربية والأمريكية والدولية الكبيرة التي وجهت لتونس بعد حل المجلس الأعلى للقضاء وتجميد الدستور والبرلمان وهيئة مكافحة الفساد والهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين..”.

واستدل الكحلاوي بالزيارة الرسمية التي أدتها مؤخرا إلى تونس مساعدة وزير الخارجية الأمريكي المكلفة بشؤون الأمن المدني والديمقراطية أوزرا زيا ، والتي صرحت بعد مقابلات مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزير الخارجية عثمان الجارندي و رئاسة هيئة الانتخابات أن حكومتها مستعدة لدعم تونس اقتصاديا شرط العودة الى المسار الديمقراطي البرلماني .

وأوردت عضو الحكومة الأمريكية أن واشنطن تدعم هذه الهيئة ماديا ومعنويا منذ 2011 ، وهي تدعو إلى أن تشرف على الانتخابات القادمة ، مثلما أشرفت على انتخابات 2011 و 2014 و 2019 البرلمانية والرئاسية وعلى الانتخابات البلدية في 2018 ، بما في ذلك تلك التي فاز فيها قيس سعيد .

لكن مواقع إعلامية رسمية وافتراضية محسوبة على ” التنسيقيات المساندة لقيس سعيد ” انتقدت تصريح المسؤولة الامريكية وطالبت بإعادة تكليف وزارة الداخلية بالإشراف على العملية الانتخابية .

كما رد سعيد على السياسيين التونسيين الذين وصفهم ب” الخيانة الوطنية ” بسبب تعاملهم مع عواصم أجنبية . ورد على مساعدة وزير الخارجية الامريكية وعلى أعضاء الكنغرس الأمريكي والبرلمانات والحكومات الاوربية الذين عارضوا سياساته قائلا :” تونس دولة مستقلة وقرارها الوطني مستقل ” .

عريضة أساتذة القانون

 

كما شهدت الساعات التي عقبت الإعلان عن حل البرلمان تحركات بالجملة توشك أن تؤثر في المشهد السياسي ، من بينها تحرك قام به نحو 40 من كبار الحقوقيين وأساتذة القانون وعمداء كليات الحقوق و المسؤولين في قطاع القضاء .

وأعلنت ” عريضة ال40 ” معارضة أغلب القرارات التي صدرت منذ 25 يوليو ومن بينها “إلغاء للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين” و”تجميد هيئة مكافحة الفساد وحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب ( …) وصولا إلى حل مجلس نواب الشعب وتكليف وزيرة العدل بإسداء تعليماتها للنيابة العمومية “لتتبع النواب المشاركين في الجلسة العامة بتهمة تكوين وفاق للتآمر على أمن الدولة “.

واعتبر هؤلاء الجامعيون والحقوقيون “هذا ونذكر بأن الدستور هو عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكومين لا يمكن أن يكتسب صفته الديمقراطية إلا إذا تمّ وضعه من قبل ممثلين منتخبين عن الشعب، وبأن دستور الجمهورية التونسية لعام 2014 لم يصدر بشكل اعتباطي، بل حظي بإجماع نواب المجلس الوطني التأسيسي، وبرعاية الأمم المتحدة. كما أشادت به لجنة البندقية، ولقي من العالم كل ترحيب”.

ودعا هؤلاء الجامعيون “كل القوى الحزبية والاجتماعية والمدنية إلى توحيد الصف من أجل إنقاذ البلاد مما تردت اليه…”

في نفس السياق تحركت مجموعات ” المبادرة الديمقراطية ” و ” مواطنون ضد الانقلاب ” و ” محامون من اجل الديمقراطية ” وعدة منظمات حقوقية ونسائية وشبابية للدعوة إلى توحيد كل المؤمنين ب” شرعية صناديق الاقتراع ” و ” المسار الديمقراطي ” إلى التوحد والانطلاق في التحضير للانتخابات والضغط من أجل أن تعقد في ظرف 3 أشهر..

لكن سياسيين وخبراء قانون يساندون قرارات الرئيس قيس سعيد ، بينهم وزير العدل والتعليم العالي سابقا الصادق شعبان ، قاموا بتحركات في اتجاه معاكس ” دعما لشرعية رئيس الدولة ” ولخارطة الطريق التي سبق أن أعلن عنها ، أي تنظيم الانتخابات موفى العام الجاري والتمهيد لذلك بتعديل قانون الانتخابات والدستور .

منعرج أمني ؟

في الاثناء جددت القيادة المركزية لكبرى النقابات التونسية والعربية ، الاتحاد العام التونسي للشغل ، الدعوة إلى “حوار وطني يشمل كل الأطراف الاجتماعية والسياسية ” استعدادا للانتخابات المبكرة .

لكن قيس سعيد أدلى بتصريح جديد أورد فيه أن ” الحوار لن يكون مع المتهمين بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي ” وبينهم أغلبية أعضاء البرلمان الذين اتهمهم ب” محاولة الإنقلاب على الدولة ” بسبب مشاركتهم في اجتماع الجلسة العامة الافتراضية للبرلمان يوم الأربعاء 30 مارس.

كما عقد الرئيس التونسي اجتماعا مع وزراء الداخلية والعدل والدفاع تحدث فيه عن تتبع البرلمانيين والسياسين الذين اتهمهم ب”التآمر والخيانة “.

وأكد عشرات النواب وبلاغات من عدة أحزاب أن بعض البرلمانيين والسياسيين تلقوا دعوات رسمية للمثول أمام مصالح الأمن للتحقيق معهم بعد رفع الحصانة عنهم .

وأجرى قيس سعيد محاثتين هاتفيتين مع نظيريه الجزائري عبد المجيد تبون والمصري عبد الفتاح السيسي ، لاطلاعهما على ” المستجدات” و” تهنئتهما بحلول شهر رمضان المعظم”.

في نفس اليوم ارسل سعيد وزير خارجيته عثمان الجارندي الى الجزائر، حيث عقد جلسة خاصة مع الرئيس الجزائري أبلغه فيها ” رسالة سياسة” من نظيره التونسي.

وفي الوقت الذي حذر فيه عدد من كبار السياسيين والنقابيين من ” المنعرج الأمني” و”إعادة البلاد إلى مربع المواجهات الأمنية والسياسية ” التي عرفتها في عهدي بورقيبة وبن علي ، يبدو الشارع التونسي منشغلا أكثر بالأزمة الاقتصادية الاجتماعية المستفحلة وبعجز الدولة لأول مرة عن توفير حاجياتها المالية الدنيا بسبب خلافات بين السلطات التونسية والنقابات والمعارضة من جهة ومع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والاتحاد الأوربي من جهة ثانية ، بما في ذلك في الموقف من تجميد الأجور و التوظيف في القطاع العام لمدة 5 أعوام ورفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية وإصلاح القطاع العام والتفويت في الشركات العمومية المفلسة ..

فهل تفتح الانتخابات بصيص أمل وتساهم في طي صفحة الخلافات والأزمات المتراكمة وسط تلويح المركزية النقابية بتنظيم اضراب عام وطني واضرابات عامة قطاعية وجهوية ؟

أم تزداد الأزمات حدة مع بروز مشهد سياسي تتعمق فيه الهوة بين أنصار الرئيس وخصومه بما يوشك أن يتسبب في عدم تنظيم الانتخابات بعد 3 أشهر أو موفى العام ؟

في كل الحالات تبدو البلاد رهينة عوامل داخلية وخارجية كثيرة بينها المضاعفات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كورونا و حرب أوكرانيا ..

المحاكمات العسكرية ومحكمة أمن الدولة في تونس

أعاد اتهام سياسيين وبرلمانيين بالخيانة الوطنية والتآمر على امن الدولة الداخلي والخارجي إلى الأذهان ملفات “المحاكمات في قضايا ذات صبغة سياسية ” التي نظمت في تونس منذ استقلالها عن فرنسا في 1956 ، من قبل محاكم عسكرية ومحكمة امن الدولة ومحاكم استثنائية ومحاكم حق عام عادية .

ومن أبرز تلك القضايا :

+ قضايا رفعت بعد استقلال تونس مباشرة ضد المعارضين للرئيس الحبيب بورقيبة والمقربين منه ضد خصمه امين عام الحزب الدستوري صالح بن يوسف والاف من أنصاره ، بسبب اختلافاتهم السياسية وصراعهم على المواقع.

+ قضايا رفعتها ” المحاكم الشعبية ” ضد محسوبين على النظام الملكي والعائلات مع الشخصيات المتهمة بالتعامل مع سلطات الاحتلال الفرنسي .

وقد صدر في 23 نوفمير 1957 قانون ” تحصين الاستقلال والعزل السياسي” لتبرير تلك المحاكمات فوقع توظيفه في المحاكمات التي شملت الوزير السابق والزعيم الوطني الطاهر بن عمار الذي وقع باسم الحركة الوطنية في 1955 و1956 وثيقتي الاستقلال الداخلي والاستقلال التام..

+ محاكم استثنائية أخرى ، أهما محكمة أمن الدولة ، التي مثل أمامها بين 1968 و 1975 مئات من الشباب المحسوب على الحركة الوطنية والنقابات واليسار الشيوعي والبعثي والناصري الذي اتهم وادين بالخيانة الوطنية والتعامل مع نظام معمر القذافي في ليبيا وأنظمة البعث في المشرف العربي و النظامين الروسي والصيني ..الخ

+ محكمة أمن الدولة حكمت مرارا في الستينات والسبعينات على متهمين بالإرهاب بزعامة مدير أمن الرئاسة والقائد العسكري الازهر الشرايطي . وقد اتهموا بمحاولة الانقلاب على حكم الحبيب بورقيبة في 1962 .

كما حوكم متهمون آخرون في فضايا مماثلة في السبعينات / من بينهم ” كوندوس ” اتهم بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة الهادي نويرة ووزراء اخرين بدعم من النظام الليبي في عهد معمر القذافي . وكانت اكبر محاكمة تلك التي نظمت في 1980 ضد ” كومندوس” مسلح تدرب في ليبيا وسلحته سلطات ليبيا والجزائر وقتها وهاجم مدنية قفصة في الجنوب الغربي للبلاد، قادما من الجزائر، وسيطر عليه لمدة ساعات . لكن تدخل قوات فرنسية ومغربية اجهض العملية . وقد حكوم اغلب أعضاء هذا الكومندوس بالإعدام و اعدموا .

+ محكمة أمن الدولة حاكمت في 1978 قيادة اتحاد نقابات العمال وزعيمها الحبيب عاشور بالسجن لمدة 10 أعوام بعد اتهامها بالعنف ومحاولة تغيير نظام البلاد بالقوة بسبب إضراب عام نظمته في يناير 1978.

++ محكمة أمن الدولة حاكمت عشرات من قيادات حزب ” حركة الاتجاه الإسلامي ” بينهم راشد الغنوشي وعلي العريض وحمادي الجبالي في 1987 بتهمة التآمر على أمن الدولة . وتراوحت الأحكام بين الإعدام والسجن المؤبد و عدم سماع الدعوى .

++ محكمة عسكرية حاكمت مطلع التسعينات مئات من قيادات حركة النهضة بتهم “التآمر على أمن الدولة “.

وتراوحت الأحكام بين الإعدام والمؤبد والسجن لمدة أشهر .

++ كما حوكم مئات المعارضين السياسيين والطلبة والنقابيين طوال عهدي الرئيسين الاسبقين بورقيبة وبن علي في ” قضايا ذات صبغة سياسية ” أمام محاكم عسكرية ومدنية عادية ..

فهل يؤدي التصعيد السياسي الجديد بين السلطة وبعض معارضيها الى إعادة فتج باب المحاكمات ذات الصبغة السياسية ؟

وجهات نظر 0 comments on الحروب القادمة للشرق الأوسط بعد أوكرانيا.. بقلم فراس أبو هلال

الحروب القادمة للشرق الأوسط بعد أوكرانيا.. بقلم فراس أبو هلال

لا يختلف اثنان من المحللين والخبراء في أن العالم بعد حرب أوكرانيا هو غير العالم قبلها، وإن كان هناك اختلاف كبير في تقدير طبيعة هذا العالم بعد الحرب. ثمة احتمالات بتوسع الحرب لتجر حروبا أخرى قد تتطور لحرب عالمية، فيما يرى البعض أن أهم تغيير قادم هو ولادة عالم متعدد الأقطاب بعد عقود ثلاثة من سيطرة القطب الأمريكي/ الغربي على العالم في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي.

لكن، هل ستطالنا الحروب المتوقعة، نحن في الوطن العربي؟

ليس من المحتمل -حتى الآن على الأقل- انتقال الحروب العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط، إلا في حال حدوث انزلاق يتجاوز ما تخططه الدول الفاعلة كما يحدث أحيانا في الحروب، ولكن حروبا أخرى باردة ستشهدها المنطقة بدون شك، كنتيجة لتفاعلات الحرب القائمة اليوم في أوكرانيا. وهذه أهم ملامحها:

أولا: سيكتسب نفط الشرق الأوسط أهمية مضاعفة عن وضعه الحالي؛ لأن الغرب اكتشف أن أمن الطاقة لديه ساقط استراتيجيا باعتماده الاستيراد من روسيا. سيسعى الغرب لأن ينهي ما أسماه رئيس الوزراء البريطاني بإدمان النفط والغاز الروسي، أولا لخنق روسيا اقتصاديا، وثانيا لوقف اعتماد الغرب عليها في هذه السلعة الاستراتيجية. هذه السياسة ستزيد من أهمية النفط العربي والإيراني، ما يعني أن الغرب سيحتاج لمعادلات جديدة للتعامل في المنطقة. إحدى هذه المعادلات هي أن الاتفاق مع إيران لم يعد مجرد خيار بالنسبة للغرب، بل هو حاجة ماسة وهو ما سيدفع العلاقات الخليجية-الأمريكية لنوع من التأزيم، وسيؤجج الصراعات الخليجية مع إيران ووكلائها، ما يهدد بمزيد من عدم الاستقرار.

الغرب سيحتاج لمعادلات جديدة للتعامل في المنطقة. إحدى هذه المعادلات هي أن الاتفاق مع إيران لم تعد مجرد خيار بالنسبة للغرب، بل هي حاجة ماسة وهو ما سيدفع العلاقات الخليجية- الأمريكية لنوع من التأزيم، وسيؤجج الصراعات الخليجية مع إيران ووكلائها، ما يهدد بمزيد من عدم الاستقرار

تحتاج إيران ودول الخليج أن تصل إلى تفاهمات إقليمية، لمواجهة التلاعب الأمريكي بالطرفين الذي بدأ منذ اكتشاف النفط وتأسيس دولة ما بعد الاستعمار.

ثانيا: في إطار ارتفاع أهمية النفط العربي ستنهي الولايات المتحدة السياسة التي بدأها أوباما واستمرت مع ترامب -ولو بتعبيرات مختلفة- وهي سياسة تقليل الانغماس المباشر في الشرق الأوسط. لن تكتفي الولايات المتحدة بإدارة الصراعات في المنطقة عن بعد عبر وكلائها أو حتى خصومها كما كان يحصل منذ عام 2010، بل ستعود للتدخل المباشر. عودة أمريكا المكثفة للمنطقة ستؤدي إلى صراعات باردة -قد تتطور لحروب- في ظل دخول روسيا للمنطقة عبر البوابة السورية والإيرانية والليبية. إذا لم تتغير السياسة الخارجية والداخلية في الدول العربية الرئيسية فإن هذا سيؤدي لمشكلات كبيرة، لأن هذه الدول ستكون مضطرة لشراء المزيد من السلاح بدلا من التنمية البشرية، وربما ستغريها أسعار البترول المرتفعة بالامتناع عن تنويع أكبر للدخل القومي، وقد تصبح بعض الدول العربية وقودا للصراعات الأمريكية أثناء سعيها لاستعادة سيطرتها الشاملة على المنطقة.

الموقف العربي الأكثر نجاعة هو عدم الانحياز لأي طرف في هذا الصراع المحتمل.

ثالثا: ستسعى الولايات المتحدة للعودة لطبيعة العلاقات السابقة مع الدول الخليجية من حيث التبعية الكاملة وليس التحالف. لن تقبل واشنطن بدول مستقلة نسبيا بقراراتها، بينما تمتلك ثلاث منها (السعودية والإمارات والكويت) أكثر من 30 في المئة من المخزون العالمي من النفط. يمثل الموقف السعودي والإماراتي الرافض لزيادة إمدادات النفط خلال الحرب لوقف ارتفاع الأسعار جرس إنذار لواشنطن، وهذا سيدفعها لإعادة صياغة العلاقات بينها وبين دول الخليج؛ إما عبر الضغط أو الإغراءات. التوجس الأمريكي من السلوك الخليجي خلال الحرب سيؤدي إلى صراعات باردة مستقبلا ومحاولات أمريكية لتوريط دول الخليج في حروب لا علاقة لها بها، وستحتاج هذه الدول لتغيير جذري في سياساتها الداخلية والخارجية لمواجهة الضغط الأمريكي القادم لا محالة.

تحتاج تركيا لسلة من العلاقات لمواجهة الضغط/ الإغراءات الأمريكية، وهذا يلتقي مع حاجة الدول الخليجية ومصر أيضا لمثل هذه العلاقات. ربما يكون التصعيد في الشرق الأوسط بعد حرب أوكرانيا فرصة لصفحة جديدة حقيقية بين تركيا ودول المنطقة العربية

رابعا: لم تبد الولايات المتحدة رفضا معلنا للمواقف التركية تجاه الحرب، والأمر ذاته ينطبق على روسيا. أدت السياسات الأمريكية خلال العقد الماضي لدفع تركيا نحو روسيا، وهو ما أدى إلى تشكل علاقات -خاصة- بين الطرفين لا يمكن لتركيا التخلي عنها. بني الموقف التركي خلال الحرب على فهم هذه العلاقة الخاصة مع روسيا من جهة، وفهم تردد أوروبا والناتو في التعامل مع أنقرة كحليف حقيقي من جهة أخرى. رغم اتخاذ تركيا بعض الإجراءات لصالح أوكرانيا (بيع طائرات بيرقدار، وتفعيل اتفاقية مونترو) إلا أن هذه الخطوات لن تكون كافية لواشنطن، خصوصا بعد أن تهدأ الحرب. ستسعى الولايات المتحدة للضغط أكثر على تركيا لإبعادها عن روسيا، وربما تقدم لها تنازلات في ملفي الاتحاد الأوروبي وطائرات إف 35، ولكن تركيا قد تكون مترددة في التخلي عن حليف فعلي (روسيا) مقابل حليف حقيقي محتمل (الناتو وأوروبا).

تحتاج تركيا لسلة من العلاقات لمواجهة الضغط/ الإغراءات الأمريكية، وهذا يلتقي مع حاجة الدول الخليجية ومصر أيضا لمثل هذه العلاقات. ربما يكون التصعيد في الشرق الأوسط بعد حرب أوكرانيا فرصة لصفحة جديدة حقيقية بين تركيا ودول المنطقة العربية.

 

 

المصدر: عربي 21

وجهات نظر 0 comments on “فورين أفيرز”: هل يستطيع الغرب إنقاذ كييف دون مواجهة مع موسكو؟

“فورين أفيرز”: هل يستطيع الغرب إنقاذ كييف دون مواجهة مع موسكو؟

نشرت مجلة “فورين أفيرز” تقريرا للكاتبة جانيس غروس شتاين، أشارت فيه إلى الاستراتيجية الغربية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا، مضيفة أن الغرب لم يحرز أي تقدم يذكر في السيطرة على التصعيد.

وقالت في التقرير ، إنه عندما حذرت وكالات الاستخبارات الأمريكية من أن بوتين كان يخطط لشن هجوم، اتبعت الولايات المتحدة وحلفاؤها استراتيجيتين على التوالي. أولا، حاولوا السيطرة على التصعيد حيث تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن مبكرا بعدم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا لتقليل فرصة اندلاع حرب شاملة مع روسيا. ثم تحول بعد ذلك إلى استراتيجية الدبلوماسية القسرية، التي جمعت بين التهديدات والإغراءات.

فشلت هذه الاستراتيجية في اللحظة التي توغلت فيها الدبابات الروسية عبر الحدود الأوكرانية. الآن، مع اقتراب القوات الروسية من كييف، أصبح لدى صانعي السياسة الغربيين هدفان متنافسان. فمن ناحية، يريدون أن يفعلوا كل شيء عدا استخدام القوة العسكرية لمساعدة أوكرانيا على النجاة من هجوم روسيا الوحشي. ومن ناحية أخرى، يريدون منع حرب واسعة النطاق بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. ما يجعل التحدي صعبا هو أنه كلما فعلوا أكثر لتحقيق هدف واحد، قل احتمال تحقيقهم للآخر.

وقالت الكاتبة: “لنتأمل مسألة منطقة حظر الطيران، التي طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل عاجل من الناتو فرضها فوق بلاده. حيث من شأنها أن تساعد بشكل كبير القوات الأوكرانية المحاصرة، لكنها ستزيد أيضا من احتمالات قيام القوات الروسية بمهاجمة طائرات الناتو عن غير قصد أو عن عمد، وهذا هو السبب في أن أعضاء الحلف استبعدوا ذلك”.

بعبارة أخرى، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها معضلة صعبة: “كيف يمكنهم حماية أوكرانيا ومواجهة العدوان الروسي، وفي نفس الوقت يتجنبون الحرب مع روسيا، الدولة التي تمتلك أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم؟”.

ومع استمرار الهجمات على أوكرانيا، من السهل جدا تخيل سيناريوهات يجد فيها حلف الناتو وروسيا نفسيهما في صراع مباشر لا يريده أي من الطرفين. تتمثل إحدى طرق التصعيد في وصول القوافل القادمة من بولندا ورومانيا لإعادة إمداد القوات الأوكرانية بأسلحة مضادة للدبابات والطائرات. يمكن لروسيا مهاجمة هذه القوافل من أجل خنق تدفق الإمدادات العسكرية التي تحدث فرقا كبيرا في ساحة المعركة.

على الرغم من أن الناتو ليس هو من ينظم هذه الشحنات، بل الأعضاء الأفراد، فإن الناتو هو منظمة أمنية جماعية. والهجوم على أي عضو في الناتو هو هجوم على الجميع. ولو قصفت طائرة روسية معدات عسكرية فرنسية أثناء تفريغها في قاعدة برومانيا، “هل مثل هذا الهجوم يبرر الاحتجاج بالمادة 5، الالتزام بالدفاع الجماعي في ميثاق الناتو؟”.. لم يتم اختبار هذا الاقتراح، ولكن إذا خلص قادة الناتو إلى أن مثل هذا الهجوم يبرر الدفاع الجماعي، فإن الناتو وروسيا سيجدان نفسيهما في حالة حرب.

والأكثر إثارة للقلق هو السيناريوهات التي قد تؤدي فيها الأزمة الحالية إلى استخدام الأسلحة النووية. في الأيام التي سبقت الهجوم مباشرة وعدة مرات منذ ذلك الحين، تحدث القادة الروس عن الأسلحة النووية. ورفع بوتين حالة تأهب القوات النووية الاستراتيجية الروسية مرتين، وحذر وزير خارجيته سيرغي لافروف في الثاني من مارس من أن أي حرب مع الناتو ستكون نووية.

حتى الآن، لم تزد القوات الروسية من استعدادها تجاوبا مع هذه التحذيرات، ويجادل البعض بأن التهديدات النووية الروسية ليست أكثر من قعقعة سيوف مصممة لردع الناتو عن تقديم الدعم العسكري الحاسم في الجو وعلى الأرض الذي تحتاجه أوكرانيا. لكن لا يوجد عضو في الناتو، وخاصة في أوروبا، على استعداد لرفض التهديدات النووية الروسية باعتبارها خدعة وفتح الباب أمام تصعيد مميت.

حتى الآن، لم يحرز الغرب تقدما يُذكر في السيطرة على التصعيد. تسير المفاوضات بين المسؤولين الأوكرانيين والروس بوتيرة متقطعة. لقد اتفقا فقط على إنشاء ممرات إنسانية للاجئين ومناطق آمنة حول المحطات النووية، وانتهكت القوات الروسية كليهما فور إعلان الاتفاقات. كما أنشأ البنتاغون ووزارة الدفاع الروسية خطا ساخنا جديدا لتفادي الصراع بين القوات الأمريكية والروسية. لكن كل هذه الإجراءات ما هي إلا مكابح ضعيفة للتصعيد.

يبدو أن الردع بمستوى العقوبة الحالي لا يجدي نفعا. تستغرق العقوبات وقتا حتى تأتي بنتيجة، فهي لا توقف الدبابات. لم يعط قادة روسيا أي مؤشر حتى الآن على أنهم مهتمون بصدق بوقف إطلاق النار أو المفاوضات. على العكس من ذلك، فإنهم يضاعفون هجماتهم.

بعد محادثته مع بوتين في 3 مارس، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه خلص إلى أن الرئيس الروسي كان عازما على الاستيلاء على أوكرانيا بأكملها. قد تدفع ضغوط ساحة المعركة بوتين إلى تقديم عرض، لكنه أوضح نواياه طويلة المدى.

مع تنامي الغضب العام من الغزو وتزايد الخسائر في صفوف المدنيين، سيتعين على دول الناتو السير على خط رفيع بين ردع روسيا وتصعيد الصراع. هناك طريقتان للتفكير في هذه المشكلة.

الأولى: يعتمد بشدة على نظريات راسخة عن العقلانية والردع. وتذهب هذه الحجج إلى أن الطريقة الوحيدة لإيقاف زعيم عدواني هي رفع تكاليف العمل العسكري وإظهار العزم الراسخ، سواء أقوالا أو أفعالا. هكذا رأى الخبير الاقتصادي توماس شيلينغ أزمة الصواريخ الكوبية.

جادل شيلينغ بأن المواجهة مع الاتحاد السوفيتي كانت لعبة الدجاج، حيث يتجه سائقان مباشرة وبسرعة نحو بعضهما البعض على طريق ضيق [والسائق الذي يبتعد كي يتجنب الاصطدام يدعى دجاجة]. جادل شيلينغ بأنه عندما تلعب لعبة الدجاج، فإن أفضل استراتيجية هي التخلص من عجلة القيادة، حتى يرى السائق الآخر أنه لم يعد بإمكانك الانحراف عن المسار. هذا السائق الآن ليس لديه خيار سوى الانحراف لتجنب الاصطدام.

وتقول الكاتبة إن قادة الناتو ومنذ بدء الحرب، عززوا قوة الردع. لقد حذروا مرارا من أن أي هجوم على عضو في التحالف سيعتبر هجوما على الجميع. لقد نشروا قوات إضافية إلى أعضاء الناتو المتاخمين لروسيا – إستونيا ولاتفيا وليتوانيا – وإلى أكبر أعضاء الناتو في بولندا ورومانيا. وقاموا بتنشيط قوة الرد السريع التابعة للتحالف، وهي وحدة متعددة الجنسيات قوامها 40 ألف جندي مصممة للنشر بسرعة إذا بدا الهجوم على أحد أعضاء الناتو وشيكا. في غضون ذلك، تواصل الدول الغربية تعميق العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا والتي تلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد الروسي.

النهج الثاني غير مألوف لمحللي السياسة الخارجية ولكنه مدعوم جيدا بأدلة من العلوم المعرفية. أظهر الاقتصادي دانييل كانيمان الحائز على جائزة نوبل وعالم النفس عاموس تفرسكي مرارا في التجارب أنه عندما يجد الناس أنفسهم يتوقعون أو يتعرضون لخسارة فادحة، فإنهم يميلون أكثر إلى المبالغة في احتمالية الخسارة التي يواجهونها واتخاذ قرارات أكثر خطورة.

من المؤكد أن بوتين يناسب هذه الفئة. لقد وصف انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه “أعظم كارثة جيوسياسية في القرن” ويعتبر أوكرانيا جزءا من الأراضي التاريخية لروسيا. واشتكى مرارا من خيانة الغرب لروسيا وما يعتبره وعودها الكاذبة. والآن، وبعد العدوان الوحشي غير المبرر الذي بدأه على أوكرانيا، انتقد بوتين الخنق الذي أصاب الاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما توضح خطابات بوتين خلال الأزمة، فإن هذا رجل تعمق إحساسه بالخسارة.

في ظل هذه الظروف بالتحديد يتوقع علماء النفس أن يتخذ الناس قرارات محفوفة بالمخاطر. إذا كانوا على حق، فمن المرجح أن يختار بوتين المسار المحفوف بالمخاطر لمزيد من التصعيد بدلا من التراجع في خضم حملة أثبتت أنها أصعب بكثير مما توقع. يحاول أعضاء الناتو جاهدين تجنب التصعيد، لكن استراتيجيتهم المتمثلة في مضاعفة الردع قد تزيد من احتمالية تصعيد بوتين، القائد الغاضب الذي يشعر بأنه محاصر. ومن المفارقات، أن الاستراتيجية المصممة للحث على ضبط النفس يمكن أن تثير التصعيد.

تقترح خارطتا الطريق المتنافستان استراتيجيات مختلفة تماما. فكيف يمكن للقادة الغربيين إدارة هذا التناقض؟.. تشير مقارنة الحالات التاريخية إلى أن تسلسل الاستراتيجيات يمكن أن يحدث فرقا. يجب إظهار الصرامة والعزم أولا، وبعد أن يثبت الناتو التزامه، يجب التركيز على تقديم الإغراءات لبوتين لخلق حوافز له لوقف التصعيد والتفاوض.

هناك منطق مقنع لهذا النوع من الاستراتيجية، لكنه ينطوي على مقامرة كبيرة على التوقيت. إذا انتظر الناتو طويلا لتقديم الإغراءات، فإن بوتين سيصعد. ولا أحد، باستثناء بوتين نفسه، يعرف كم من الوقت هو طويل للغاية.

هناك طريقة أخرى لإدارة هذه التناقضات وهي استخدام القنوات الخلفية لبوتين لاستكشاف فرص خفض التصعيد. يشمل المرشحون المنطقيون لمحاورين موثوقين إما دولا أخرى، مثل الصين أو إسرائيل أو تركيا، أو فردا خاصة شخص لديه علاقة شخصية طويلة الأمد مع بوتين.. وبقدر ما يبدو التفكير في هذا الأمر مؤلما، فإن هذه العروض يجب أن تشير إلى استعداد لرفع بعض العقوبات ردا على وقف التصعيد. تماما كما يجب أن ترتبط التهديدات بالسلوك الذي يحاول القادة منعه، كذلك يجب معايرة الإغراءات مع السلوك الذي يحاولون الترويج له.

هناك مخاطر، بالطبع، للإشارة إلى الانفتاح على التفاوض. من الممكن دائما أن يفسر بوتين ذلك على أنه علامة ضعف ويقوم بالتصعيد. هذا هو بالضبط ما قد يجادل به دعاة الردع. لكن إدارة بايدن قد تكون مستعدة لتحمل هذه المخاطرة.

أشار البيت الأبيض إلى أنه قلق بشأن التصعيد غير المنضبط – على سبيل المثال، الإلغاء المتعمد لتجربة نووية كان من المقرر إجراؤها في الأسبوع الأول من شهر مارس لتجنب أي سوء تفسير من قبل روسيا. سيكون من المدهش، إذن، إذا لم تكن إدارة بايدن بالفعل تشجع ضمنيا النهج من خلال القنوات الخلفية.

وتختم الكاتبة بالقول إنه في الأيام والأسابيع المقبلة، سيتعين على القادة الموازنة بين مخاطر مضاعفة الردع ومخاطر التصعيد المميت. لا ينبغي لأحد أن يكون واثقا من أنه يعرف ما سيفعله بوتين. تملي الحصافة أن تحاول الولايات المتحدة وزملاؤها الأعضاء في الناتو قبل كل شيء تجنب تصعيد الحرب التي يمكن أن تقتل أعدادا لا حصر لها من المدنيين خارج حدود أوكرانيا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المدنيين الأوكرانيين، أقر الناتو بالفعل بوجود سقف للدعم الذي يمكن أن يقدمه لأوكرانيا، بالنظر إلى أن تجنب التصعيد مهم للغاية.

وجهات نظر 0 comments on الحرب الروسية الأوكرانية: حياد تونس مجرّد شعار .. بقلم د.سالم الأبيض

الحرب الروسية الأوكرانية: حياد تونس مجرّد شعار .. بقلم د.سالم الأبيض

لا يبدو أنّ الموقف الذي اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيّد، بوصفه من يتولّى تمثيل الدولة ويضبط سياساتها واختياراتها الأساسية وفق المرسوم عدد 117 المعوّض للدستور، وعبّر عنه مندوب تونس في الأمم المتحدة، بالاصطفاف إلى جانب المعسكر الأطلسي الغربي، والتصويت لمصلحة القرار الأممي الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يبدو أنّه قد نال رضى الطيف الواسع من الرأي العام التونسي ومزاجه الشعبي الذي كان ينتظر انحياز سعيّد وحكومته إلى جانب الروس مقدّمة لتبديل موقع تونس في خريطة المعسكرات الدولية والتوازنات الجيو- بوليتيكية.

بدا الاضطراب واضحاً في الموقف التونسي، وكان التبدّل الراديكالي جلياً، فبعد دعوة وزارة الخارجية، في بيان منشور “جميع الأطراف المعنية إلى العمل على تسوية أي نزاع بالطرق السلمية، وذلك من منطلق مواقفها الثابتة بضرورة تغليب منطق الحوار”، في محاولة منها للجلوس على كرسي الحياد، الأمر الذي دفع سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، ماركوس كونارو، إلى التغريد بأنّ “المحافظة على الحياد بين المعتدي والضحية موقف في حدّ ذاته”، تبنّت تونس ما جاء في القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة الأربعاء 2 مارس/ آذار الجاري الذي “يأسف بأشدّ العبارات لعدوان الاتحاد الروسي على أوكرانيا” و”يطالب موسكو بالسحب الفوري وغير المشروط لجميع القوات العسكرية”.

وبناءً على ما ورد في هذا القرار الذي عارضته خمس دول (روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسورية)، وامتنعت عن التصويت لفائدته 35 دولة، منها الصين والهند والجزائر والعراق، وأيدته أغلبية من 141 دولة، منها تونس والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بات الموقف الرسمي التونسي يقرّ بأنّ ما حصل في أوكرانيا عدوان وغزو عسكري روسي، بقطع النظر عن التهديدات التي تشكلها أوكرانيا على الأمن القومي الروسي، لارتباطاتها الأوروبية واستعداداتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأنّ المطالبة بسحب القوات العسكرية الروسية من أوكرانيا هو انضمام إلى المعسكر المؤيد لتلك الدولة، والداعم لها عسكرياً واقتصادياً ولوجستياً وسياسياً بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. فقد غلبت البراغماتية السياسية لرئيس الجمهورية التونسية الحسّ الشعبي التونسي، أو ما يعرف في قاموس الرئيس بـ “الشعب يريد”، الذي يستبطن عداءً لا محدوداً للولايات المتحدة والمملكة المتحدة والحلف الأطلسي والكيان الصهيوني، معتبراً أنّ المسؤولية المباشرة، في ما عاشه ويعيشه العرب والمسلمون والأفارقة وكلّ العالم الثالث من حروب وهزائم ومآسٍ وجينوسيد جماعي وتهجير للشعوب وتدمير للدول في العراق وليبيا واليمن وسورية، ومن احتلال لفلسطين والعمل على تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني وتحويله إلى شتات، ومحاولة القضاء على ما بقي منه وقتله جماعياً وارتكاب الجرائم اليومية في حقّه على الهوية، ترجع إلى المعسكر الغربي دون سواه.

أما روسيا، فقد احتلّت مكاناً أكثر سموّاً في المخيال الشعبي التونسي الذي يعتبر أنّ ما تقوم به في أوكرانيا وما قامت به سابقاً في جورجيا، وربما في سورية وتحالفها مع إيران والصين، ومحاولة استعادتها إرثها السوفييتي القديم، وعملها على عودة القطبية كما كانت قبل الانهيار الحاصل سنة 1991، سيؤدّي إلى كسر شوكة الغرب بإرثه الاستعماري القديم والجديد، وظهور توازنات اقتصادية وعسكرية جديدة، على تونس بقيادة الرئيس قيس سعيّد أن تكون جزءاً منها، بعد فكّ الارتباط التاريخي مع الحلف الغربي القديم الذي انخرطت فيه تونس منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956.

ستبقى خيارات قيس سعيّد الخارجية مجرّد حلقة متممة في تاريخ الدولة التونسية، كما رسم ارتباطاتها الخارجية ولعبة مصالحها بورقيبة

ولكن الرأي العام التونسي، بشرائحه الواسعة وأجياله الجديدة، لا يعلم أن روسيا تخوض الحرب الأوكرانية من منطلق مصالحها القومية الصرفة، وأن من مقتضيات تلك المصالح مساعدتها على هجرة مليون وثمانمائة ألف من اليهود الروس إلى دولة الكيان الصهيوني، وهي أول من اعترف به سنة 1948 قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولها حجم معاملات مع هذا الكيان يتجاوز ستة مليارات دولار، وترتبط معه بمعاهدات استراتيجية في المجالات العلمية والتكنولوجية والعسكرية، قد تكون أكثر أهمية من وجود “صهيوني” على رأس دولة أوكرانيا، وأنها مستعدّة لتوقيع اتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة وحلفائها تنهي تدخلها في أوكرانيا، إذا عُرض عليها ما يرضيها ويؤمّن مصالحها دون سواها من مؤيديها.

ويغيب عن الرأي العام التونسي أيضاً أن تونس لا تستطيع تبديل موقعها في العلاقات الدولية، وما تفرزه من ارتباطات وأحلاف، وليس بإمكانها تغيير مواقفها، حتى إذا أراد رئيسها قيس سعيّد ذلك، فهي أسيرة ترسانة من الاتفاقيات والمعاهدات والسياسات الخارجية وإرث ثقيل من الارتهانات الاقتصادية والمالية والعسكرية، وربما الثقافية، ما يجعل الحياد الذي تبنّته وزارة الخارجية التونسية في البداية في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية مجرّد شعار.

قد يستبطن الرئيس قيس سعيّد طموحات وأحلام ومخططات في أن يكون على رأس دولة ذات كاريزما وزعامة شبيهة بمصر بقيادة جمال عبد الناصر أو الجزائر بزعامة بومدين وسلفه بن بيلا أو عراق صدّام حسين أو ليبيا في زمن حكم معمر القذافي أو كوبا بزعامة كاسترو أو بوليفيا هوغو تشافيز أو إيران ما بعد الشاه، لما في تلك التجارب من تمرّد على النظام الدولي وتموقع خارج الأحلاف الاستعمارية القديمة والجديدة، ومحاولة التماهي والاحتماء بالدبّ الروسي أو بالتنين الصيني، لكنّ الواقع ودكتاتورية التاريخ أيقظا سعيّد من تلك الأحلام.

وبعد قرابة ثلاث سنوات على انتخابه رئيساً ومحتكراً وحيداً للسياسة الخارجية التونسية، يبقى الرئيس سعيّد وفياً لسياسة بورقيبة الخارجية التي ظهرت ملامحها الجنينية في رسالةٍ بعث بها إلى الحكومة الفرنسية سنة 1930، ذكرها رئيس الحكومة التونسية الأسبق، الباهي الأدغم، في مجلة “دراسات دولية” عدد 31، يقول فيها إنّ “استقلال تونس مستقبلاً لا يعني القطع مع فرنسا، بل نحن في حاجةٍ إلى حدّ أدنى من الوجود العسكري الفرنسي لحماية تونس عسكرياً”.

ويقول بورقيبة لمجلة “ذا تايمز” البريطانية، يوم 22 مارس/ آذار 1956 (بعد يومين من توقيع بروتوكول استقلال تونس): “إذا كان على تونس أن تختار بين الحلف الأطلسي والجامعة العربية، وكان ذلك مرتبطاً بي شخصياً، فسأتجه نحو الحلف الأطلسي”، ثمّ دعّم هذا التوجه في خطابه في أريحا سنة 1965 بدعوته العرب والفلسطينيين إلى الاعتراف بـ “إسرائيل” والقبول بقرار التقسيم، وتصويت تونس ومعها كوستاريكا دون سواهما في الأمم المتحدة في سبعينيات القرن الماضي للولايات المتحدة في قضية فيتنام، حسب رواية وزير الخارجية آنذاك محمد المصمودي.

الرأي العام التونسي، بشرائحه الواسعة وأجياله الجديدة، لا يعلم أنّ روسيا تخوض الحرب الأوكرانية من منطلق مصالحها القومية الصرفة

ومن استتباعات التزام تونس المقاربة البورقيبية في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، توقيع الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي سنة 1995، وهي اتفاقية اقتصادية ذات أبعاد استراتيجية، لا تزال تحكم بنية الاقتصاد التونسي وتحدّد مصيره، وفتح مكتب رعاية مصالح الجمهورية التونسية في تل أبيب سنة 1996، في مسار تطبيعي مع الكيان الصهيوني، يراوح بين السرّية والعلنية. وأُردف هذا التوجه بتوقيع اتفاقٍ يجعل من تونس شريكاً مميزاً للاتحاد الأوروبي، ومباركة تدخل حلف الناتو في ليبيا، وتنظيم مؤتمر أصدقاء سورية، في زمن حكومة الترويكا الأولى بقيادة حمادي الجبالي (2011 – 2013)، ثمّ كان توقيع الرئيس السابق، الباجي السبسي، مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة سنة 2015 جعلت من تونس حليفاً لأميركا من خارج حلف الناتو. وقد جاء تصويت تونس إلى جانب دول حلف الناتو ضدّ التدخل الروسي في أوكرانيا ليؤكد أن السياسة الخارجية التونسية لا تزال محكومة بالخلفية البورقيبية نفسها، القائمة على مبدأ النأي بالنفس، في ظلّ حماية متعدّدة الأبعاد أورو – أميركية.

وسيكون بمقدور الرئيس قيس سعيّد اتخاذ قراراته باستقلالية تامة عن هيمنة الأحلاف التقليدية، ولا سيما المعسكر الغربي منها، وجعل المحرّك الأساسي لسياسته الخارجية المصلحة الوطنية دون سواها، إن هو وضع في أولوياته مراجعة المعاهدات الاستراتيجية الموقعة مع الدول السبع الضامنة في تونس، وإن هو استطاع تسديد ديون تونس لدى المؤسّسات المالية الدولية، وخصوصاً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونظيريه الأفريقي والأوروبي المموّلة لتونس واقتصادها وماليتها العمومية، التي تجاوزت مائة بالمائة من الناتج الوطني الخام، ووصلت إلى مرحلة العجز عن التسديد، وإن هو وضع حداً لدبلوماسية التسوّل التي تعتمدها الخارجية التونسية، نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية المزمنة والهيكلية التي تعيشها تونس. ويستدعي هذا الأمر بناء دولةٍ تمتلك أسباب القوة الصلبة والناعمة.

أما دون تحقيق ذلك، فلن تستطيع السياسة الخارجية التونسية نزع جبتها البورقيبية، وستبقى خيارات قيس سعيّد الخارجية مجرّد حلقة متممة في تاريخ الدولة التونسية، كما رسم ارتباطاتها الخارجية ولعبة مصالحها الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال، على الرغم من الصوت المرتفع المزمجر لسعيّد في خطبه المتكررة عن السيادة الوطنية والتحرّر الوطني، وتسويق نفسه صاحب فكر جديد وقائد مرحلة جديدة.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022: دعه يُفلس دعه يقترض .. بقلم محمد العياري

ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022: دعه يُفلس دعه يقترض .. بقلم محمد العياري

سنة مالية أخرى تتأبط أزمات اقتصادية خانقة، يبدو أنها لن تكون أفضل من سابقاتها، وربما ستكون حاسمة فيما يتعلق بملفات النفقات العمومية والتصرف ومسائل الدين العمومي الخارجي والداخلي. سنة تفتح على المجهول باستشاراتها الالكترونية واستفتاءها وانتخاباتها التشريعية المبكرة، وكذلك بحجم الديون والضرائب التي سوف تُحوّل “وعى التسول الرسمي للدولة” الى برنامج عمل اقتصادي.
في سياق استعراض الأرقام، أعلنت رئيسة الحكومة المُكلفة في ندوة صحفية صباح 28 ديسمبر 2021 عن تفاصيل ميزانية الدولة لسنة 2022، حيث أٌقفل الرقم على 38 مليار دينار، تتأتى 92% منها من المداخيل الجبائية التي تُريد الدولة تحصيلها. أما عن نفقات الدولة، فقد وقع ضبطها في حدود 47 مليار دينار تونسي مما يعني تسجيل عجز في حدود 8 مليار دينار ونصف.
يُفصّل الفصل السابع من قانون الميزانية كيفية تغطية تكاليف الخزينة، بعبارة أوضح، الموارد التي سوف يقع توظيفها للإنفاق، حيث تبلغ موارد الاقتراض الخارجي 12 652 000 000 بالدينار التونسي. في حين تُناهز موارد الاقتراض الداخلي ما قيمته 7 331 000 000 بالدينار التونسي. أما عن مبلغ تسديد الدين الخارجي، فقد لامس زهاء 5،5 مليار دينار، هذا زيادة على 4،5 مليار دينار لتسديد الدين الخارجي.
بعجز يستنزف ثلث الميزانية، تدخل تونس مجددا في دوامة الاقتراض “الاستثنائي” لتمويل عجز ميزانية “الاستثناء”، اذ لا حلول جذرية ولا رؤية تساهم ولو بالحد الأدنى في إيقاف نزيف جُرح يبدو بأنه لم يعد من أمل في التئامه. وحدها الأرقام صادقة في زمن “الاستثناء” السياسي. فهذه المعطيات التي أوردناها باقتضاب شديد، تُبرز بصورة واضحة أن العقل السياسي في تونس لازال بعيدا على فهم معادلات الربح والخسارة، والتنمية والاقتراض، وأن ما يُحصّله السياسي ينسفه الاقتصادي بإضافة أو حذف صفر على اليمين. بهكذا ميزانية، يزداد اليقين بأننا أمام صورة سريالية يغلب على تفاصيلها اللون الأحمر القاني الذي يُؤشر بوضوح على انهيار شبه تام للآلة الاقتصادية للدولة في مستوى خلق الثروة وتحقيق العائدات المالية الضرورية لتمويل قاطرات الانفاق والاستثمار. من الطبيعي أن يُناهز عجز الميزانية بمواردها الحالية مبلغ الثمانية مليار دينار أمام تعطل محركات النمو (الاستثمار، التجارة الخارجية، الاستهلاك) حيث لا يمكن الاطمئنان ولو نسبيا للوعود التي يُقدمها رئيس الدولة ورئيسة الحكومة في علاقة بمسألة سد العجز وإمكانية تدارك ما فُقد من موارد.
أما عن باقي الإجراءات الواردة في ميزانية 2022 والتي صُنّفت كأبواب –ربما تخلعها رياح الاهتزازات الاجتماعية القادمة- فلم تتعدى ما هو متعارف عليه ومألوف منذ عشرية الانتقال الديمقراطي. حيث تُكثّف كل الإجراءات في باب واحد عنوانه: زيادة الضريبة المباشرة وغير المباشرة وتدويرها على كل القطاعات الإنتاجية والاستهلاك الفردي والاقتطاعات الاستثنائية وغيرها، دون إشارة ولو مقتضبة لوضعية الشركات الغير مقيمة والمصدرة كليا التي بلغ عددها قرابة 14 ألف شركة والتي تتمتع بامتيازات ضريبية فوق خيالية، أو وضعية الاقتصاد الموازي الذي يتجاوز رقم عائداته السنوية ما يفوق نصف ميزانية الدولة. أما عن وضعية المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي يعاني رقم عائداتها من ضيق في الدخل منذ سنة ونصف بسبب وباء الكوفيد، فإنها تحصلت على جُرعة من الإجراءات من المؤكد بأنها لن تقيها من عدوى وباء الإفلاس.
بهذا الشكل، يُعيد راسمي السياسة الاقتصادية تدوير الفشل وزيادة الإهمال والهروب من تحمل المسؤولية التي تفرض القيام بإصلاحات ضرورية وهيكلية لمناشط الاقتصاد التونسي. اقتصاد يُعاني من فائض سلبي في استهلاك الوقت والفرص، وفائض قيمة في اهدار ممكنات الإصلاح الجذري والاستفادة من ثروات يمكن بل يجب توظيفها في عملية الإنتاج وزيادة الرأسمال الوطني لتحصيل ربح قد يسد جزء من العجز.
لم تكفي تحذيرات وكالات التصنيفات الدولية (وكالة موديز) التي صنفت الاقتصاد التونسي في أكتوبر الجاري في خانة CAA1 مع آفاق سلبية ولم تتفطن أدمغة الاقتصاد التونسي إلى نسبة الانكماش الاقتصادي التي بلغت حدود 8.8 % مع نمو سلبي ناهز 2 % في الثلاثي الأول من سنة 2021، مع ارتفاع غير مسبوق لنسبة الدين الخارجي إلى حدود 110 % من الناتج الداخلي الإجمالي، وملامسة نسبة البطالة حدود 17.8 % في الثلاثي الثاني من 2021.
مع هذا الحاصل المُخجل قياسا بما كان يمكن تحصيله من ممكنات الإنعاش الاقتصادي، تدور عجلة الاقتصاد عكس محورها لتُلامس جدار العجز وربما شبح الإفلاس مع انسداد آفاق الحل السياسي. نفتتح 2022 سنة “النمر المائي” بالتقويم الصيني للأبراج دون مخالب تسمح لنا باصطياد نصف فرصة لإنعاش المالية العمومية، ولا نعلم كيف ستواجه الحكومة الحالية ملف الاتفاقيات المُوقعة مع الشريك الاجتماعي أو القطاعات المهنية التي لازالت تُطالب بالمزيد من المكاسب ذات الصبغة المالية والإدارية.
في اليوم الذي تعقد فيه رئيسة الحكومة ندوة صحفية لعرض تفاصيل الميزانية، يُصرح الناطق الرسمي للحكومة بأن المفاوضات مع الاتحاد العام التونسي للشغل سوف تُيسّر مثيلها مع صندوق النقد الدولي والجهات المانحة، هذا في الوقت الذي أنهى فيه رئيس الدولة كل أمل في التفاوض السياسي مع شركاء الداخل بعد إجراءات 13 ديسمبر 2021.
تُعرض أبواب ميزانية الدولة للعموم، في نفس اليوم الذي تتحدث فيه نتائج لسبر أراء عن تصدُّر رئيس الدولة لنوايا التصويت، ومن ثمة يُصدر مرسوما من 74 فصلا؛ 73 منه تُسمّى: قانون المالية لسنة 2022 ليأمر في الفصل 74 بنشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. بقراءة هذه الفصول، لن يكون لمُخرجاتها من معنى سوى: دعة يُفلس دعه يقترض.

محمد العربي العياري
وحدة البحث والدراسات والنشر/ مركز الدراسات المتوسطية والدولية