احتدام الاستقطاب الإقليمي و الدولي في المنطقة المغاربية وجنوب الصحراء
مجلة البلاد اللبنانية:تصدر أسبوعيًا عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان، العدد رقم 398، تاريخ الجمعة 28/7/2023.
توفيق المديني
في ضوء توالي الاعترافات الدولية ، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ودعم مقترح الحكم الذاتي، الذي يعرضه الملك المغربي محمد السادس كـ”حلّ وحيد” للملف المتنازع عليه بين المغرب من جهة، وجبهة البوليساريو ومن ورائها الجزائر من جهة أخرى ، منذ اندلاع النزاع المسلح في عام 1976 ،جاء اعتراف الكيان الصهيوني ب”سيادة المغرب ” على الصحراء الغربية، ليشكل تحولاً نوعيًا في الصراع و الاستقطاب الإقليمي في منطقة المغرب العربي.
وعل النقيض من التحالف الاستراتيجي بين المغرب و الكيان الصهيوني ، الذي أصبح حقيقة واقعية في منطقة المغرب العربي، يخوض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون معركة على الصعيد الدولي في آخر زيارتين له لكل من روسيا و الصين،من أجل إعادة تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وإنهاء الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة، والمطالبة بمقعدين دائمين لإفريقيا في مجلس الأمن الدولي، تأمل أن تشغل أحدهما الجزائر،لا سيما أنَّ الصين أعلنت دعمها “لمطالب الدول الإفريقية العادلة برفع الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة السمراء بحرمانها من التمثيل الدائم داخل مجلس الأمن”.
أما في دول الساحل وجنوب الصحراء، تشهد القوة الاستعمارية الفرنسية تراجعًا ملحوظًا، لا سيما في مالي مع حصول الانقلاب العسكري في 18 أغسطس/ آب 2020، حين اعتقل الجيش رئيس الدولة إبراهيم أبو بكر كيتا ورئيس وزرائها، إثر اضطرابات شعبية عمّت البلاد نتيجة استمرار تدهور الحالة الاقتصادية والأمنية.
ومنذ تولي الحكومة العسكرية الحكم في مالي، طالبت بمراجعة الاتفاقية الدفاعية التي كانت تربط البلاد بفرنسا واعتبرتها مدخلا إلى انتهاك السيادة الوطنية، وبدأت بعدها سلسلة إجراءات لفك الارتباط مع فرنسا، وتقليص نفوذها العسكري بوجه خاص ،لمصلحة تنامي نفوذ روسيا ، من خلال استجلاب قوات “فاغنر” لمحاربة المجموعات الإرهابية الناشطة في مناطق مختلفة من البلاد.
وكان المجلس العسكري في بوركينا فاسو طالب في شهر يناير2023، الجنود الفرنسيين بالرحيل، وذلك بعد بضعة أشهر من مغادرة مماثلة للقوة الفرنسية من مالي التي وجهت بوصلتها نحو روسيا.
وفي ضوء تنامي الشعور المناهض للوجود العسكري الفرنسي في باماكو،عاصمة مالي، كما في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو،قابله في نيسان/إبريل 2022، إقرار برلمان النيجر نصًا يُجِيزُ انتشار قوات أجنبية على التراب الوطني بهدف التصدي للجماعات المتطرفة التي تنشط خصوصاً في غرب البلاد، قرب الحدود مع مالي وبوركينا. وشكلت العاصمة النيجرية نيامي أحد الخيارات المتقدمة لاستقبال القوات الفرنسية التي غادرت بوركينا، إذ لا تزال فرنسا تنشر قوات عسكرية في ساحل العاج (900 عنصر) والنيجر (2000) والسنغال (500).
وفي حزيران/يونيو الفائت، قال رئيس النيجر محمد بازوم: “لست خادماً لفرنسا”، في محاولة لاستمالة الرأي العام والمنظمات النافذة في المجتمع المدني، التي دعت مراراً إلى التظاهر ضد فرنسا في 2021 و2022.
واعتبر أمادو بونتي ديالو، الأستاذ في جامعة نيامي، أنَّ التفات رئيس النيجر إلى القوى الغربية، وبينها فرنسا، ينطوي “على مجازفة سياسية” بالنسبة إليه، مضيفاً: “ينبغي التحلي بيقظة شديدة، فالناس لن يقبلوا بأي شيء حين يظهرون تمسكاً شديداً بسيادتهم”. وبات الشعور المناهض لفرنسا موضوعاً طاغياً، وخصوصا في السياسة الداخلية لدولة النيجر، التي حصل فيها الانقلاب العسكري يوم الإربعاء الماضي، بوصفه انقلابًا مناهضًا للوجود العسكري الفرنسي.
مبررات اعتراف الكيان الصهيوني بمغربية الصحراء
قبل الاعتراف الإسرائيلي، أعلنت دول عديدة اعترافها هي الأخرى بما يعرف في المملكة بـ”مغربية الصحراء”. وفي مقدمة تلك الدول ، الولايات المتحدة في شهر ديسمبر 2020، حين أعلن رئيسها السابق، دونالد ترامب، بأنه يدعم سيادة المغرب على الصحراء، بينما أكد في تغريدة على حسابه على تويتر أنَّ قراره يتناسب مع موقف المغرب التاريخي من استقلال الولايات المتحدة 1776، باعتباره أول دولة تعترف بالولايات المتحدة كدولة مستقلة.
وتعزّز الموقف المغربي مؤخرا بإعلان إسبانيا هي الأخرى، تأييد مقترح الحكم الذاتي، وهي الخطوة التي فتحت الباب أمام تطبيع علاقات البلدين، بعد أزمة دبلوماسية حادة دامت نحو عام.
وبعد أن التزمت الحياد لعقود، باتت مدريد، تعتبر أن خطة الحكم الذاتي هي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” في الصحراء الغربية.
من دون شك ندَّدَتْ جبهة البوليساريو باعتراف”إسرائيل” بمغربية الصحراء، وقالت في بيان لها إنَّ الاعتراف “لا قيمة قانونية ولا سياسية له، مضيفة أنَّه لن يزيد الشعب الصحراوي إلا إصرارًا على مواصلة كفاحه التحرري في مختلف الجبهات”.
وجاء موقف “بوليساريو” موافقًا للموقف الجزائري، حيث حمّل بيان وزارة الإعلام في “الجمهورية الصحراوية” ذات الاعتراف المحدود، المجتمع الدولي مسؤولية التداعيات الخطيرة المترتبة عما وصفه بـ”التحالف الإسرائيلي – المغربي” وما رأى فيه سعيًا “لاستغلال الحرب في الصحراء الغربية لتطبيق أجندات تخريبية مشتركة، أمنية وعسكرية، تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار منطقة شمال افريقيا والساحل عموما”.
وقال بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، الخميس الماضي ، إنَّ قرار “إسرائيل” الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، يشكل “انتهاكًا جديدًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي”.
إذا تركنا ردود الفعل من جانب جبهة بوليساريو و الدولة الجزائرية جانبًا، فإنَّ ما يلفت الانتباه في هذا الموضوع، المبررات التي تسوقها “إسرائيل” في اعترافها بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية ،وفي هذا السياق يؤكِّدُ الكاتب الإسرائيلي يوسي متسري مراسل الشؤون الخارجية في القناة الإسرائيلية 13 ، في مقال ترجمته صحيفة عربي 21، ونشرته بتاريخ 21يوليو/تموز 2023،أنَّ “الخطوة الإسرائيلية باتجاه الصحراء الغربية مرتبطة بما حصل في عام 2020، حين تم التوقيع على اتفاقات التطبيع مع أربع دول: الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ففيما منعت الإمارات الضم الإسرائيلي للضفة الغربية، وخرج السودانيون من القائمة السوداء الأمريكية، واعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، لكنَّ توقيت الاعتراف الإسرائيلي بهذه السيادة المغربية على هذه المنطقة، وفي هذا الوقت بالذات، يطرح كثيرا من الأسئلة اللافتة”.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي أنَّ “السبب الأول يكمن في رغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن يحدّ من آثار العزلة السياسية التي تعيشها حكومته الحالية، والثاني أنَّ الاعتراف يأتي بمنزلة فرصة لتشجيع العلاقات الخارجية لإسرائيل، والثالثة تذكر أن العلاقات مع المغرب لها رمزية كبيرة في الجمهور الإسرائيلي؛ لأنه البلد الأصلي لواحدة من أكبر الجاليات اليهودية، وأكثرها نفوذا، ومُنع الإسرائيليون من زيارتها حتى وقت قريب”.
يربط الكيان الصهيوني بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، بالبعد الإقليمي للصراع المحتدم بينه وبين إيران،الذي يمتدُ من المشرق العربي إلى المنطقة المغاربية، إذ تتحدث العديد من التقاريرالإسرائيلية ، أنَّ إيران تسلح الجزائر من خلال “جبهة البوليساريو” في سعيها من أجل الاستقلال، كما تم الإبلاغ عن نشاط لطائرات إيرانية بدون طيار في المنطقة.
من وجهة نظر إسرائيلية، جبهة الصراع في المنطقة العربية ليست هادئة، ولعلها شبيهة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث تحلق طائرات إيرانية بدون طيار فوق أوكرانيا، مما يجعل من الصحراء ساحة جديدة للصراع بين “إسرائيل” وإيران، استكمالا لاستمرار هذا الصراع في جميع أنحاء العالم، سواء كان في الصحراء أو الشرق الأوسط أو أوروبا أو أي مكان آخر، وفي هذه الحالة ليس لدى “إسرائيل” المزيد من الترف للجلوس مكتوفة الأيدي أمام مثل هذا التهديد.
يُعَدُّ المغرب زبونًا مهمًا للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهو يحتاج الكثير من المعدات والتكنولوجيا العسكرية التي تبيعها “إسرائيل” بهدف مساعدة الجيش المغربي في الصحراء، مما يعني انحيازًا إسرائيلياً بجانبه في هذا الصراع، وإن لم تعلن ذلك، حتى قبل أن تعرب عن دعمها لكون الصحراء جزءًا من الأرض المغربية، حيث ساعدت المغاربة بالوسائل العسكرية على تقوية قبضتهم عليها، والآن أكملت الخطوة الأمنية العسكرية بأخرى دبلوماسية أيضا.
الرهان الجزائري للإنضمام إلى منظمة البريكس
وهكذا دخلت منطقة المغرب العربي في نطاق احتدام الصراع الإقليمي بين المغرب وحلفائه الكيان الصهيوني و أمريكا وفرنسا وإسبانيا ، وبين الدولة الوطنية الجزائرية، التي زار رئيسها عبد المجيد تبون كل من روسيا (حزيران/يونيو الماضي)والصين(17تموز/يوليو الجاري) في نطاق تعزيزالشراكات الاقتصادية و التجارية والتسليحية ،والمراهنة،على الصين وروسيا للانضمام إلى منظمة بريكس، التي تضم إلى جانب روسيا والصين وجنوب إفريقيا كلا من البرازيل والهند.
ويراهن الرئيس تبون، على الثقل الذي تمثله الصين داخل بريكس، في إقناع بقية الدول الأعضاء بالموافقة على انضمام الجزائر للمنظمة، كعضو ملاحظ أولا، ثم عضو كامل الصلاحيات.وسبق أن أعلنت الصين دعمها “الكامل وترحيبها الكبير بانضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس”، خلال لقاء السفير الصيني بالجزائر لي جيان، بالأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني، في مارس/آذار2023.
وبذلك تكون الجزائر ضمنت دعم أهم بلدين في مجموعة بريكس، وهما الصين وروسيا، الأخيرة أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، أنَّ “الجزائر بمؤهلاتها هي المنافس الرئيسي” للانضمام إلى بريكس.
ومن المقرر أن تعقد قمة بريكس في جنوب إفريقيا، ما بين 22 و24 أغسطس/آب المقبل، وقدمت نحو 20 دولة طلب انضمامها إلى بريكس بينها السعودية ومصر والإمارات ونيجيريا وإثيوبيا والسنغال.
بينما أعلنت الجزائر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تقديمها طلبًا رسميًا للانضمام إلى منظمة بريكس، بعدما تمت دعوة الرئيس تبون، في يونيو 2022، للتحدث خلال قمة بريكس التي عقدت بالصين.
لكن الانضمام إلى بريكس يحتاج توفر جملة من الشروط، لم يتم الاتفاق بشأنها أو الإعلان عنها، وهو ما أشار له الرئيس الجزائري أكثر من مرة تصريحا أو تلميحا، حيث قال في أحد تصريحاته الصحفية “عضوية بريكس تعتمد على الظروف الاقتصادية التي تعتمدها الجزائر إلى حد كبير”.
أسباب الإطاحة بنظام الرئيس النيجري محمد بازوم
أعلن عسكريّون، مساء يوم الأربعاء 26تموز/يوليو 2023، أنّهم أطاحوا بنظام الرئيس النيجري محمد بازوم ،في بيان تلاه أحدهم عبر التلفزيون الوطني في نيامي، باسم “المجلس الوطني لحماية الوطن”.
وقال الكولونيل ميجور أمادو عبد الرحمن، الذي كان محاطاً بتسعة جنود آخرين يرتدون الزيّ الرسمي: “نحن، قوّات الدفاع والأمن، المجتمعين في المجلس الوطني لحماية الوطن، قرّرنا وضع حدّ للنظام الذي تعرفونه”.وأضاف: “يأتي ذلك على أثر استمرار تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصاديّة والاجتماعيّة”.
وأكّد “تمسّك” المجلس بـ”احترام كلّ الالتزامات التي تعهّدتها النيجر”، مطمئناً أيضاً “المجتمع الوطني والدولي في ما يتعلّق باحترام السلامة الجسديّة والمعنويّة للسلطات المخلوعة، وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان”. وأعلن إغلاق الحدود وفرض حظر تجوال في أنحاء البلاد مع تعليق عمل كافة مؤسسات الجمهورية.وأضاف البيان أن “الأمناء العامين للوزارات سيكونون مسؤولين عن تصريف الأعمال، وأن قوات الدفاع والأمن تدير الوضع”، مطالبا “الشركاء الخارجيين بعدم التدخل”.
وقال رئيس النيجر محمد بازوم في أول تصريح له، بعد الانقلاب عليه، إنَّ المكاسب التي حققت سيحميها المواطنون المؤمنون بالديمقراطية، وذلك بعد ساعات من إعلان مجموعة من العسكريين عزله من السلطة، عقب احتجازه في القصر الرئاسي.
وطالبت الولايات المتحدة الأربعاء بإطلاق سراح رئيس النيجر. وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان في بيان: “ندين بشدة أي محاولة لاعتقال أو إعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في النيجر والتي يديرها الرئيس بازوم”.
ودعا وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى “الإفراج الفوري” عن رئيس النيجر.وأعلن بلينكن أنّ استمرار المساعدات التي تُقدّمها بلاده للنيجر مرهون بـ”الحفاظ على الديمقراطيّة” في الدولة الأفريقيّة.وأدانت فرنسا “أيّ محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوّة” في النيجر، بحسب ما قالت وزيرة الخارجيّة الفرنسيّة كاترين كولونا.
النيجر من أفقر دول العالم، رغم غناها باليورانيوم والغاز، وهذا يفسر إلى حد كبير الاهتمام الواسع من قبل أمريكا وفرنسا بالانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم ، من قبل العسكريين المناهضين للتواجد العسكري الفرنسي و الأمريكي في النيجر.
وكانت النيجر التي تتقاسم الحدود مع مالي بنحو 800 كيلومتر، من بين البلدان الإفريقية الأوائل التي اشتركت مع القوة الإفريقية بنحو 680 جنديا، باعتبارالأزمة المالية تمثل له مشكلاً أمنياً داخلياً. و كان الرئيس النيجري السابق محمدو يوسوفو الذي انتخب في ربيع 2011، اعتبر أن التدخل العسكري الفرنسي حظي بشعبية كبيرة في إفريقيا، من أجل دحر قوات الطوارق والإسلامييين المتشديين الذين سيطروا على شمال مالي منذ بداية سنة 2012، إذ يوجد مليون من الطوارق من بين 12 مليون عدد سكان النيجر.
لقد كان النيجر لوقت طويل ألدورادو هادىء ل”فرانس أفريك”بالنسبة لمجموعة “أريفا” النووية الفرنسية ،قبل أن تصبح خلال بضع سنوات مصدراً للمشاكل:تهديدات متمردي الطوارق، وعمليات خطف رهائن، ففي أرليت (الف كيلومتر شمال شرق نيامي عاصمة النيجر ) التي تشكل موقعاً لاستخراج الأورانيوم شهدت آخر عملية خطف من قبل تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي “، وهو ما دفع مجموعتا “أريفا” و”فينسي” الفرنسيتان إلى إجلاء كل العاملين فيهما.
مجموعة “أريفا” النووية الفرنسية تحتاج إلى علاقات ديبلوماسية مستقرة بين باريس ونيامي،لضمان أنشطتها ، و تأمين مستقبل استثماراتها : أكثر من ثلث إنتاجها العالمي(8600طن من اليورانيوم في سنة 2009) يأتي من مناجم سمير وكوميناك.
فقد لقي الانقلاب تنديداً واسعاً من قبل فرنسا، وهي الدولة المستعمرة للنيجر سابقاً، وكذلك من قبل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن قبل الولايات المتحدة، التي تسعى إلى زيادة نفوذها في القارة الإفريقية، ومن المعلوم أيضاً أنَّ هناك صراعاً أمريكياً – فرنسياً على توسيع النفوذ في القارة التي شهدت أنواع الاستعمار كافة، وعانت وتعاني من سياسات الهيمنة الغربية التي جعلتها أفقر القارات في العالم وأكثرها تخلفاً.‏
إذاً واشنطن لاتخفي رغبتها في توسيع تواجدها العسكري في إفريقيا وتأمين مصالحها ومواجهة أي نفوذ آخر، وخاصة النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء ، الذي بدأ يلاقي معارضة قوية من قبل مالي وبركينا فاسو و النيجر.
وهكذا يتضح بجلاء أن الصراع الأمريكي مع دول أخرى مثل فرنسا،وروسيا، والصين، على النفوذ والثروة في القارة الإفريقية بلغ أوجه، وأنَّ واشنطن لن تفرط في نفوذها المتزايد ومصالحها الاقتصادية والعسكرية في النيجر وفي غيرها من البلدان الإفريقية….
خاتمة:
أصبح الوجود العسكري الفرنسي في بلدان الساحل وجنوب الصحراء غير مرغوب فيه من قبل شعوب المنطقة، التي أصبحت تناهض القوة الاستعمارية الفرنسية .وبات الوجود العسكري الفرنسي موضوعاً في السياسة الداخلية لهذه البلدان، وتستخدمه قوى داخل الجيوش الإفريقية مناهضة لفرنسا و أمريكا للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها انطلاقاً من الاعتماد على الرأي العام الإفريقي المناهض للسياسات الاستعمارية الفرنسية والأمريكية، واستبدال التحالفات الكلاسيكية السابقة بالتحالف مع روسيا و الصين، القوى الدولية الصاعدة.
وهذه الظاهرة مرتبطة بالوضع الأمني في المنطقة، وكذلك بـنية فئة من الرأي العام في بلدان الساحل وجنوب الصحراء الانتقال إلى مرحلة جديدة والحصول على استقلال جديد.
وقد شذَّ النيجر عن هذا الخط السياسي الجديد في ظل رئاسة محمد بازوم ، لأنَّ النيجر مثلاً تواجه تهديدات إرهابية هائلة، وفي رأي الرئيس بازوم أنَّ دعم القوى الغربية يوفر إيجابيات تفوق السلبيات لمساعدته في خوض هذه التحديات.
ولهذا السبب حصل الانقلاب العسكري في النيجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *