بقلم:علي عبداللطيف اللافي(*)

*باتت الدول الأفريقية قبلة للمسؤولين الأوروبيين للظفر بكعكة الطاقة

نهاية السنة الفارطة قام الأوروبيون باستدارة أولية نحو افريقيا بعد أن اكتشفوا حجم التغلغل الصيني في مناطقها وبلدانها بل وتَيقنُوا يومها أن المقاربة الأمنية لوحدها مع الدول والشعوب الافريقية هي مقاربة قاصرة وستكون تباعاتها وتداعياتها كارثية عليهم أولا وعلى السلم العالمي ثانيا، وها هي الحرب الروسية – الأوكرانية تجعلهم في أمسّ الحاجة إلى إيجاد بديل عن الروسوبما يُلبي احتياجاتهم من الغاز والطاقة اللذين باتت دول أوروبا مهددة في توفيرها لمواطنيهاولذلك ستتجه أوروبا مستقبلا وعبر استدارة كبرى هذه المرة نحو القارة الأفريقية حيث طفت دبلوماسية الطاقة على السطح، وباتت الدول الأفريقية وخصوصا شمال القارة قبلة للمسؤولين الأوروبيين للظفر بكعكة الطاقة في القارة السمراء، فما هي الخطوات الأوروبية الجارية والأخرى المرتقبة تجاه القارة السمراء، وهل ستتم الخطوات بناء على تقييم ومراجعة شاملة للعلاقة مع شعوب القارة أم وفقا للوقائع المتسارعة والحاجة للطاقة والغاز أساسا؟

  • أولا، الثابت اليوم أن دول أوروبا تتخوف من التهديد الذي يَطال أمن الطاقة بسبب تقلص وتضرر إمداداتها من روسيا خاصة وأن هذه الأخيرة تُعتبر أحد أبرز مزودي الدول الأوروبيةولذلك اعتمدت إجراءات استباقية منها تقليص استعمال الطاقة على أبواب شتاء بارد، وفي حين توجهت فرنسا إلى الجزائر، وضعت بريطانيا أعينها على الطاقة المتجددة في المغرب، فيما تبحث إسبانيا عن تأمين مستقبلها في مجال الطاقة، أما إيطاليا فقد توجهت إلى الجزائر وأنغولا ومصر والكونغو ونيجيريا، بينما وجدت دول غرب أوروبا والمملكة المتحدة من الغاز الطبيعي القادم من الولايات المتحدة بديلا لتعويض الغاز الروسي، والمؤكد من خلال التحركات الدبلوماسية والاتفاقات والمشاورات أن دول الاتحاد برمتها تفعيل دبلوماسية الطاقة لعلها تظفر بعقود طويلة الأمد، وأمام تلك الجهود الفردية أو الجماعية قد تجد غالبية دول التكتل نفسها عاجزة عن توفير حاجتها من الطاقة لعدم وجود علاقات قوية أو شراكات بينها وبين دول منتجة.
  • ثانيا، بلغة الأرقام والمعطياتتَعتمد ألمانيا على روسيا للحصول على 50 في المئة من حاجتها من الغاز الطبيعي، بينما تعتمد إيطاليا على الغاز الروسي بنسبة 40 في المئة، كما تستورد فرنسا 25 في المئة من حاجتها من الغاز من روسيا بل وأعلنت عن خطوات لتوسيع محطات لتسييل الغاز وبناء مخازن أكبر لتخزين مصدر الطاقة الأبرز بالنسبة إليها والبحث عن مصدّرين جدد من آسيا وأفريقيا، ولكن الدول الأوروبية تتجاهل أن الحرب الروسية – الأوكرانية تسببت في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والأسمدة وهو أمر فاقم طبعا معاناة الدول الأفريقية ذات الاقتصاديات الهشةوخاصة تلك المستوردة منها للغذاء من روسيا وأوكرانيا، وكلما طال أمد الحرب وتداعياتها الاقتصادية كلما تضررت الدول الأفريقية ودخلت في اضطرابات اجتماعية قد تعرقلها عن تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة، ومن حيث الاستقراء والتحليل فيمكن الجزم أن الدول الأوروبية تعرف مصالحها وتدافع عنهاوذلك يفسر طبعا ذلك التوجه إلى أفريقيا من أجل البحث عن بدائل للطاقة وتنبني تلك القراءة على حقيقة أن مسعى الدول الأوروبية مستقبلا (أي على المدى المتوسط تحديدا) هي أنها تضع في الاعتبار ان الحرب الروسية الأوكرانية قد تمتد زمنيا وقد تتواصل لأشهر أو حتى ربما لسنوات قادمة أو ربما يتوسع مجالها جغرافيا، ولا يُمكن هنا تغييب أن الأوربيين قد استداروا للقارة السمراء دون ان يبادروا الى التنسيق معدول الشمال فيها تحديديا وللتفاوض معها ككتلة واحدة مع الدول الأوروبية ولا يختلف اثنان في أن ذلك الأمر يجعل الدول السبع في شمال افريقيا تستغل ذلك من أجل الاستفادة أكثر من اتفاقيات الشراكة في مجال الطاقة وباعتبار انها فعليا هي مستقبل الطاقة على المستوى الدولي والغريب في الامر ان الدول الافريقية نفسها (“غرب” و”وسط” و”شمال” القارة) لم يَنتبه سَاستُها ولا نخبها ولا اقتصاديوها – وبالأحرى لم يبادروا- إلى التفاوض بشكل جماعي بدل الفردي خاصة وان تلك الآلية تضمن فعليا هامش ربح لصالحها….
  • ثالثا، كثر في المدة الماضية الحديث عن مشاريع أنابيب الغاز في مربعات ساسة ليبيا والجزائر والمغرب وحدث التشاور مع أطراف أوروبية وشمل ذلك النيجر ونيجيريا ومالي أيضا، وقد وصل مشروع خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا إلى مرحلة الدراسات التقنية والهندسية التفصيلية، في حين أن الأطراف تبحث عن تمويل يقدر بـ25 إلى 30 مليار دولار ومعلوم أن ذلك الأنبوب يعبر 13 دولة في غرب أفريقيا قبل أن يصل إلى أوروبا، وتم الاتفاق عليه مع المغرب في 2016كما تجدد الاهتمام الجزائري – النيجيري بمشروع قديم لنقل الغاز إلى أوروبا في إطار ما يعرف بـالأنبوب العابر للصحراء(خلال شهر سبتمبر الماضي تحديدا كشف وزير الطاقة النيجيري “تيميبري سيلفا” أن حكومة بلاده شرعت بتنفيذ بناء خط أنابيب لنقل الغاز إلى الجزائر والتي ستقوم بدورها في مرحلة لاحقة بنقله إلى دول أوروبية) ومعلوم أن مشروع أنبوب الغاز “نيجيريا – الجزائر”يعود الى حوالي العقدين من الزمن، وإضافة الى ذلك أبدت ليبيا أيضا استعدادها لإنجاز أنبوب غاز ليبي – نيجري يتجه إلى أوروبا وهو مشروع بدأ الحديث عنه في منتصف شهر جوان/يونيو الماضي حيث منحت الحكومة الليبية الإذن لوزارة النفط والغاز لإجراء الدراسات الفنية والاقتصادية لجدوى إنشاء مشروع أنبوب غاز من نيجيريا عبر النيجر أو تشاد إلى أوروبا عبر ليبيا…
  • رابعا، فعليا استثمرت بعض الدول الأفريقية في الطاقة المتجددة بالنظر إلى الحاجة إلى توفير الكهرباء لدول القارة وإمكانية تصديرها إلى الدول الأوروبية، وعلى الرغم من الإمكانات الطبيعية التي تملكها أفريقيا، فإن التمويل والإمكانات اللوجستية يقفان حاجزا أمام الكثير من الدول في القارة السمراء وخاصة في ظل استراتيجيات نهب وتوظيف واحتواء من طف قوى إقليمية ودولية ومحافل وشركات عابرة للقارات وهي في أغلبها لا ترى في افريقيا سوى ثرواتها ولا تعنيها لا استثمارات تفيد تلك الشعوب ولا مردودية تنموية على بلدان القارة، ومعلوم أن دول مثل كينيا وزامبيا موزمبيق وإثيوبيا والمغرب وغانا ونيجيريا قد قطعت أشواطا في مجال الطاقة المتجددة حيث وقع المغرب والاتحاد الأوروبي مثلا اتفاقية الشراكة الخضراء في مجال الطاقة والبيئة ومكافحة تغير المناخ لتوفير الأمن في مجال الطاقة والاستثمار في الهيدروجين الأخضر، وقد عدت تلك الاتفاقية الأولى من نوعها للاتحاد الأوروبي مع بلد من الجوار الجنوبي، وسيتم على ضوئها تعزيز التعاون في مجال مكافحة تغير المناخ، وتدعم الجهود المشتركة المبذولة لتحقيق الانتقال الأخضر، وقالت وسائل اعلام مغربية أن المملكة وبريطانيا تعتزمان التوقيع على اتفاقية مشروع الطاقة الكهربائية بين البلدين، ومن المتوقع أن يتم ربط أطول خط كهرباء في العالم بطول 3800 كيلومتر انطلاقا من السواحل الجنوبية للمغرب باتجاه بريطانيا، ومن المتوقع حسب الخبراء والمختصين أن يوفر ذلك المشروع الكهرباء لحوالي 8 ملايين منزل في بريطانيا، ويؤمن حوالي 8 في المئة من الحاجيات من الكهرباء، وان يكون لبنة أولى في تعاون أوسع بين البلدين في غرب ووسط افريقيا…

5-   خامسا، الخلاصة أن أزمة الطاقة قد أجبرت الأوروبيين على التوجه نحو القارة الأفريقية ومن ثم كانت الاستدارة هذه المرة نحو بلدانها كبيرة وتم ذلك بناء على معطى قائم وهو تخوف كل دول أوروبا من التهديد الذي يطال أمن الطاقة بسبب تقلص وتضرر إمداداتها من روسيا وهو ما كانت نتيجته الطبيعية خلال الأشهر والأسابيع الماضية وتحديدا منذ بداية 2022 حيث باتت الدول الأفريقية وخصوصا شمال القارة قبلة للمسؤولين الأوروبيين للظفر بكعكة الطاقة في القارة السمراء ومن ثم أصبحت دول الاتحاد الأوروبي برمتها تبحث وتحاول تفعيل دبلوماسية الطاقة لعلها تظفر بعقود طويلة الأمد، وأمام تلك الجهود قد تجد غالبية دول الاتحاد نفسها فعليا عاجزة عن توفير حاجتها من الطاقة وخاصة اذا لم تراع واقع بلدان القارة السمراء واحتياجاتها ومساعدتها على الاستقرار  وقبل ذلك تقييم سياساتها السابقة تجاهها والابتعاد عن تعامل يقتصر على الأمني والاقتصادي فقط دون غيرهما من المجالات والملفات…

*كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *