بقلم نادية مسغوني باحثة في الشأن السياسي الليبي والجزائري-
تنقسم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم تقليدية هي إقليم برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب، وهذا التقسيم كان ولا يزال يلعب الدور الأساسي في تشكيل الخارطة السياسية في هذا البلد الغني المترامي الأطراف، وحتى المجلس الرئاسي الجديد الذي تم تشكيله في فيفري الماضي لم يخرج عن فكرة التوافق التي يفرضها هذا التقسيم التقليدي للأقاليم في ليبيا، وإن بدأ هذا التوافق بعيد كل البعد عن العملية الديمقراطية التي تستمد في العادة قوتها من المشاركة الكاملة للشعب، وهو الأمر الذي ظل مفقودا في مؤتمر جنيف ولجنة الحوار الوطني التي انبثق عنها المجلس الرئاسي الجديد، إذ اقتصر اختيار الأخير على خمسة وسبعين شخصية ليبية هم أعضاء لجنة الحوار الليبي تم تعيينهم من قبل رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالانابة في ليبيا السيدة ( ستيفاني ويليامز)، فنحن أمام اختيار غاب أو غيب فيه صوت الشعب ولا يشفع في عدم شرعية هذا الكيان المنبثق عن هذا الاختيار الضيق قصر المدة التي سيبقاها في الحكم.
ففي غياب التوافق السياسي بين الأطراف الفاعلة وتقديم تنازلات وعدم وجود جيش وطني موحد وبرلمان واحد ومؤسسات واحدة، فإن مهام الحكومة الجديدة ستكون صعبة ودقيقة، واذا ما أضفنا إلى ذلك تغلغل القوات الأجنبية والميليشيات والأطماع الخارجية الدولية منها والاقليمية، فإن الوصول إلى ظروف طبيعية ومؤاتية لاجراء عملية انتخابية في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم يعد تحديا كبيرا لهذه الحكومة الوليدة وأمرا صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا.
تأتي هذه التطورات بعد أن أصرت واشنطن على بقاء السفيرةالأمريكية ( ستيفاني ويليامز) في منصبها الأممي كرئيسة بالانابة لبعثة الأمم المتحدة من أجل الدعم في ليبيا حتى بعد تعيين مسؤول جديد خلفا لها ، وبعد جولتي تصويت لملتقي الحواربحضور السيد( يان كوبيتش )، المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، أعلنت رئيسة بعثة الدعم الأممية بالانابة قوز القائمة الثالثة برئاسة الدكتور ( محمد المنفي ) بحصولها على تسعة وثلاثينصوت مقابل فقطأربعة وثلاثين لصالح قائمة (عقيلة صالح)،  ليصبح  المجلس الرئاسي الجديد لليبيا برئاسة الدكتور المنفيوعضوية النائبين عبد الله اللافي عن اقليم الغرب الليبي وموسي الكوني عن اقليم الجنوب الليبي والمهندس عبد الحميد دبيبة من مصراتة في الغرب الليبي رئيسا للحكومة.
وقد سارعت واشنطن إلى جانب المملكة المتحدة وايطاليا وفرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية في بيان مشترك إلى تحذير من يهددون الاستقرار أو يقوضون  العملية السياسية في ليبيا وأكدوا على دعم السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا منأجل أداء واجبها و التنفيذ الكامل لحظر  توريد الاسلحة ودعم الانسحاب الفوري لجميع المقاتلين و المرتزقة الأجانب.
وبخصوص السيد (محمد يونس االمنفي ) الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي فهوينتمي إلى إقليم برقة وتحديدا من مدينة طبرق القريبة من الحدود المصرية، كما أنه ينحدر من نفس القبيلة التي ينتمي إليها شيخ المجاهدين في ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي ( عمر المختار ). ولدى السيد المنفي مواقفه المعارضة للحرب التي شنها خليفة حفتر على طرابلس و لديه أيضاصلاته مع بعض رموز النظام السابق، حيث كان يشغل نائب رئيس اتحاد الطلبة الليبيين في فرنسا ابان فترة حكم العقيد القذافيثم أصبح  عضوا بالمؤتمر الوطني في ليبيا بعد سقوط القذافي، ليتم تسميته بعدهامن قبل حكومة السراج سفيرا لليبيالدى دولة اليونان ، والتي سرعان ما اعتبرته شخصا غير مرغوب فيه احتجاجا على توقيع حكومة السراج اتفاقا بحريا مع الحكومة التركيةحيث رأت الحكومة اليونانيةأن هذا الاتفاق يضر بمصالحها في منطقة حوض البحر المتوسط.
وعلى الرغم من موقف المنفي من حفتر ومن حرب هذا الأخير على طرابلسإلا أنه لا يمكنه الانسلاخ في النهاية عن موقف قبيلته ( المنفه ) المعروفة بتأييدها وموالاتهاللجنرال حفتر رجل الشرق الليبي القوي. كما أن تعيينه يعد ترضية ضمنية للمجموعات المسلحة في طرابلس التي وقفت الي جانب وزير الدفاع بحكومة الوفاق ( صلاح الدين نمروش ) الرافض لهيمنة وزير الداخلية فتحي باشاغا على المشهد الأمني و العسكري في طرابلس.
 وفيما يتعلق برئيس الحكومة الجديدة السيد عبد الحميد دبيبةفهو أصيل مدينة مصراته الواقعة في الغرب الليبي، وكان يشغل في السابق رئيسالمجلس الادارة بالشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة والتي كانت تحت الإدارة المباشرةللعقيد معمر القذافي. وهو يعتبر أيضا مؤسسا لحزب سياسي في ليبيا تحت اسم تيار ليبيا المستقبل،وسبق وأن تم تصنيفه ضمن قائمات( الشخصيات الإرهابية )في يوليو من عام2017 ضمن عشرات الأسماء المعارضة لمشروع حفترالعسكري، لكنه ارتبط خلال الأشهر الماضية باتفاق مع الجنرال حفتر بشأنإعادة استئناف تصدير النفط عبر الموانئ التي يسيطر عليها هذا الأخير في الشرق الليبي، ومن المؤكد أنه يرتبط أيضا بعلاقات متينة مع تركيا.
ويبدو للوهلة الأولى أن خلفيات السلطة الجديدة في ليبيا من شأنها أن تساعدها على البقاء في سدة الحكم دون تصادم مع أي  من الأطراف ، فهي حكومة للتهدئة وتحسين الأوضاع إلى حين الوصول الى فترة الانتخابات المقبلة،  والجدير بالذكر أنه لم تصدرأية مواقف رسمية من المجوعات المسلحة في ليبيا بخصوص موقفها من هذه الحكومة حتى الآن.
ومنذ أن وضع مؤتمر برلين في مطلع العام الماضي خارطة طريق للمرور بليبيا نحو الحكومة الموحدة والشرعية عبرالصندوق والمقررة في الرابع و العشرين من ديسمبر المقبل ، إلا أن مسار الحل السلمي لم يخلو من عراقيل و صعوبات بالرغم من دعم القوات الأجنبية و خاصة أمريكيا عبر سفيرها لدي ليبيا  (ريتشارد نورلاند ) و ألمانيا القائدة للموقف الأوروبي حيث اكد سفيرها السيد ( اوليفر أوفتشا )،  لرئيس المجلس الرئاسي الجديد الدكتور محمد المنفي إن ألمانيا حريصة كل الحرص على استكمال ومتابعة مراحل الحل السياسي في ليبيا.
وقد أوصى معهد ( واشنطن للأبحاث )، الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ( جوبايدن )، ضرورة وضع ليبيا ضمن اهتماماتها وأن المساعدات الأمريكية يمكن أن تشمل ثلاث مجالات، هي مجالات الوحدة الوطنية وتوحيد المؤسسات المالية وتفعيل الخدمات العامة، كما تم أيضا تحديد المجالات التي سيكون فيها الدعم الفني السريع أكثر فائدة وفعاليةبدءا بمراقبة وقف اطلاق الناروتحديد الأولويات الدبلوماسية و الأمنية و التقنية و لعب دور فاعل في تعزيز الاستقرار الليبي و الاستفادة من التحالفات الأوروبية و حماية أمن البحر الابيض المتوسطودعم الانتخابات و مساعدة البعثة في النقل بما في ذلك حالات الاخلاء الطارئة ، و الأهم من ذلك يجب وقف عمليات انتشار الانتهاكات بنفس الطريقة التي أبلغت بها أفريكوم عن مجموعة “فاغنر” الروسية وفضح انتهاكات خطر توريد السلاح و التهديد بفرض عقوبات في ظل الصلاحيات القائمة.
وقد نشرت ( الواشنطن بوست )، الأمريكية مؤخرا تقريرا صادما عددت فيه ما حصل خلال  18 شهر في ليبيا، حيث تم رصد330  رحلة جوية روسية وصلت ليبيا جالبة معها شحنات كبيرة من الأسلحة و الذخائر ومقاتلين أجانب في سرتكما تم رصد المرتزقة الاجانب وكيف يتحركون بشكل علني في الدوريات و المهام الأخرى.
أما في قاعدتي الجفرة و براك الجويتين بالجنوب فقد أظهرت في السابق بعض صور الاقمار الصناعية حضائر و ومدارج طائرات و معدات اتصالات. كما أشارت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة السيدة ( ستيفاني ويليامز )، إلى أن هناك أكثر من  2000 مرتزق من “فاغنر” موجودين حاليا في ليبيا و اكثر من 10  الاف مرتزق من أفريقيا و سوريا، وهو الأمر الذي يجعل من الوضع الليبي وضعا استثنائيا ومعقدا، على المستوى الأمني والسياسي والاقليمي ويجعل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة أمام تحديات صعبة قد تفرض عليها تنازلات وترضيات مجحفة قد تؤدي إلى فشلها في النهاية.
أما غربا فقد عمدت الجزائر الى فتح معبر ( الدبداب-غدامس )، الحدودي مع ليبيا والسماح بعبور السلع المصدرة الي ليبيا،  في حين أعادت تونس منذ مدة فتح المعبر الحدودي راس الجدير الذي أغلق منذ فترة بسب جائحة كورونا، وعززت المغرب اتصالاتها برئيس الحكومة الجديدة دبيبة ودعوته لزيارة رسمية، وهي الزيارة التي ألغيت أو تم تأجيلها في الآونة الأخيرة لانشغالات داخلية تتعلق برئيس الحكومة،ويشار في هذا الصدد إلى أن المملكة المغربية قامت بتعليمات مباشرة من العاهل المغربي الملك محمد السادس، بتنظيم اجتماعات ولقاءات بين الأطراف الليبية، أسهمت بشكل ملموس في خلق جو من الثقة و مكنت من الاستثمار في قدرات  الفاعلين الليبيين على تجاوز العقبات و تغليب المصلحة العليا لليبيا.واكتفت الجمهورية الاسلامية الموريطانيةبالإشادة بالاتفاق بين الليبيين وبمجهودات البعثة الاممية واعتبرته تاريخيا.
أما شرقا فقد قامت مصر بإعادة واستئناف علاقاتها  مع حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي في طرابلس، واستضافت اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في الغردقة والتي أسفرت عن نتائج مرضية لتعزيز وقف اطلاق النار، اضافة إلىإعادةفتح السفارة المصرية في طرابلس لتسهيل المعاملات وتحقيق التقارب السياسي، واستقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رئيس الحكومة الليبية الجديدة في أول زيارة خارجية لهالذي أكد لضيفه الليبيالتزام انخراط مصر الكامل في المسار الاصلاحي لليبيا وتقديم كافة خبرات بلاده و تجربته لتهيئة ليبيا للانطلاق نحو آفاق البناء والتنمية والاستقرار.وتحمل هذه الزيارة دلالات كبيرة على البدء في اعادة رسم وتغيير التحالفات وابدال المواقع والمواقف بين الأطراف الدولية و الاقليمية المتدخلة في الملف الليبي.
وفي هذا السياق فقد طالبت مصر وقبرص و اليونان رسميا السلطة الجديدة في ليبيا بالغاء مذكرات التفاهم الموقعة بين الحكومة التركية و حكومة الوفاق بخصوص تحديد المناطق البحرية، وقد جاء ذلك في بيان مشترك بين وزراء الخارجية للدول الثلاث اثر اختتام منتدى ( فيليل ) المنعقد في العاصمة اليونانية أثينا والذي شارك فيه وزراء من فرنسا و المملكة العربية السعودية والامارات والبحرين، مما جعل تركيا تتهم الدول المشاركة بربط تحالف يهدد مصالحها واعتبرت مسألة خروج قواتها من ليبيا انتقادا للسياسة التركية القائمة على الانصاف في المنطقة، واشترطت خروج قواتها بانسحاب القوات الأخرى أولا.
والجدير بالذكر في هذا الصددأن الاتفاق الليبي التركي بخصوص تحديد المناطق البحرية يصب في نهاية المطاف في مصالح هذه الدول ومن المؤكد أنها لا تمس بحقوقها في المناطق البحرية المختلفة في البحر المتوسط، وهو الأمر الذي هدأ في النهاية من لهجة التراشق الإعلامي والسياسي بين هذه الدول من جهة وتركيا من جهة أخرى.
وبالرغم من أن مصر بدأتتنأى بنفسها أو تعدل في موقفها السياسي وعلاقاتها مع الجنرال حفتر، إلا أن الجهة الرئيسية الأخرى الداعمة له، أي دولة الامارات العربية المتحدة، لم تغير أو تعدل في موقفها فمسألة عداء الأخيرة للتيار الإسلامي هي مسألة مبدأ في علاقاتها الخارجية. كما أن روسيا ( بوتين ) لم تقم بتعديل في علاقاتها هي الأخرى مع حفتر حيث مازالت  قوات المرتزقة التابعة له تدافع عن مدينة سرت.
تعهدات الحكومة الجديدة و الوضع الراهن
سارع السيد المنفي الى تطمين الدول الكبرى و التحالفات بموعد اجراء الانتخابات في موعدها المحدد في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، وهو أمر ليس بالمضمون من الناحية العملية في ظل الأوضاع القائمة ، كما وعد بدعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ماديا و معنويا مع امكانية اللجوء للمنظمات الدولية كالأمم المتحدة للحصول على دعم لوجيستي واشراكها في مراقبة عملية الانتخابات وضمان صحة نتائج هذه الانتخابات، غير أن تحريك المسارالسياسي في ليبيا سيكون دائما رهينابإخراج القوات الأجنبية و الجماعات المسلحة من ليبيا، وقد سعى في الفترة الماضية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى ارسال مراقبين لوقف إطلاق النار في ليبيا وإن كان قد بدأ يلمح في الفترة الأخيرة أن ذلك غير ممكن في الوقت الحاضر.
وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أنه يتعين على الحكومة الجديدة السعيفي تنفيذ توافقات وترتيبات مؤتمر برلين، منها تلكالترتيبات المتعلقةبعودة المهجرين و النازحين إلى مناطقهم الأصلية و توحيد المؤسسات الاقتصادية والمصرفية و العسكرية و الأمنية ، ويعتبر المشير حفتر العقبة الأكبر في سبيل تحقيق ذلك لاسيما فيما يتعلقبتوحيد المؤسستين الأخيرتين ( العسكرية والأمنية ). كما يقع التزاما على المجلس الرئاسي الجديد العمل على توفير الاطار الدستوري كأساس تجرى عليه العملية الانتخابية في ديسمبر القادم.
ويرى بعض المراقبين أن الحكومة الجديدة هي حكومة محاصصة ومناطقية وقبلية، الأمر الذيسيجعلها عُرضة للمساومات من البرلمان من أجل نيل الثقة، وهذه المساومات قد بدأت فعلا،  ومن ضمنها محاولة السيد عقيلة صالح خلق توافقات مع بعضالنواب عن منطقة الجنوب الليبي، من اجل زيادة مقاعدهم في الوزارات السيادية مقابل ان يبقى عقيلة صالح رئيسا للبرلمان وهو المنصب الذي سبق لعقيلة صالح نفسه أن تنازل عنه في جنيف لصالح إقليم الجنوب، من أجل أن يكون رئيسا للمجلس الرئاسي المزمع اختياره وهو الأمر الذي لم يتحقق للسيد عقيلة صالح في التصويت الذي حصل في جنيف في فيفري الماضي.
ومن جهته  سارع ( يان كوبيش ) المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الجديدإلى ليبيا بلقاء وزير الدفاع في حكومة الوفاق صلاح الدين نمروش وعدة مسؤولين في طرابلس لدعم جهود اللجنة العسكرية المشتركة5+5 وأيضا من أجل دعم  الجهود المبذولة منذ مؤتمر برلين لتوحيد  المؤسستين العسكرية و الأمنية ونزع السلاح و إلغاء الأجسام المسلحة غير النظامية.
ومن ضمن التحديات أيضا التي تواجه الحكومة الجديدة هو مصير الاتفاقات التي أبرمتها حكومة الوفاق المنتهية ولايتها مع عدة دول خاصة الاتفاقيات العسكرية و الاقتصادية مع تركيا، ونضيف لذلك تحديا آخر يتعلق بخروج إقليم الجنوب عن السيطرة الفعلية للدولة، وهو الإقليم الذي يمثل ثلث البلاد ويعد مصدر ثراواتها، حيثبات يتركز فيه العديد من الجماعات المسلحة وعصابات التهريب ومرتزقة السودان وتشاد وعدة جنسيات أخرى.
ويمثل الملف الاقتصادي تحديا آخر لهذه السلطة الجديدة في ليبيا، فأمام نقص وشح السيولة في المصارف في و تعطل المصالح الاقتصادية نتيجة لتوقف عائدات النفط لمدة طويلة و تراجع احتياطات ليبيا من العملات الأجنبية فضلا عن تداعيات جائحة كوفيد 19، الأمرالذي جعل الوضع الاجتماعي صعبا للغاية، وسبب تدهورا في الأوضاع المعيشية وصعب من الوصول الى ابسط المرافق الضرورية اليومية التي يحتاجها المواطن الليبي. ويبقى حل جميع هذه الأزمات رهين بتوافق داخلي وخارجي.
السيناريوهات المتوقعة:
السيناريو الأول: هو عدم حصول الحكومة الجديدة على الثقة من البرلمان وفي هذه الحالة فان المطروح هو استمرار المجلس الرئاسي الحالي برئاسة فايز السراج على أن يقوم هذا الأخير بتشكيل حكومة هي التي تتولى التمهيد للانتخابات القادمة ومن المرجح أن يتولى رئاسة هذه الحكومة وزير العدل الحالي بحكومة الوفاق الأستاذ محمد لملوم.
السيناريو الثاني: هو حصول هذه الحكومة على ثقة مجلس النواب ومن هنا فإن هناك العديد من التحديات أمامها أهمها رفع المعاناة وتحسين المستوى الخدمي واجراء انتخابات في الموعد المحدد وهو أمرفي غاية الصعوبة والذي لن يكون ممكنا إلا بانسحاب القوات الأجنبية ونزع أسلحة الميليشيات المسلحة والارهابين الناشطين لا سيما في اقليم الجنوب، واعادة المهجرين والنازحين من أجل التمهيد لإنجاح العملية الانتخابية التي يتنظرها الليبيون بفارغ الصبر علها ستكون سببا ضمن أسباب أخرى في انتهاء معاناتهم ومشاكلهم المزمنة.
السيناريو الثالث: ويتعلق بالتحديات الدولية.. إن احتمال نشوب ( صراع داخل الصراع ) بين روسيا وتركيا في ليبيا أمر مرجح، فعدم الاتفاق على تقاسم وتنسيق المصالح وتصادم الهدف التركي التوسعي المتمثل في اعادة احياء مشروعالخلافةالعثمانية في المنطقة مع الهدف الروسي المتمثل في اعادة حلم الامبراطورية السوفياتية وبحثها عن منفذ على البحار المفتوحة وهو الأمر الذي بدأ يتحقق بها حيث تحصلتعلى ميناء طرطوس في اللاذقية في سوريا وميناء طبرق في ليبيا، كل ذلك من شأنه أن يؤجج صراع المصالح داخل ليبيا بين هذين المتصارعين وقد يتحول إلى صدام حقيقي  إن لم يحصل بينهما تفاهم حقيقي ومباشر بخصوص ليبيا.
وكسيناريو تصعيدي، فإن قيام حرب بحرية في البحر الابيض المتوسط يظل أمرا واردا،  حيث أن روسيا قد جيشت الجزائر بأحدث المعدات الحربية أما تركيا فقد استحوذت منذ مدة قاعدتي’الوطية’ و’مصراتة’لأهميتهما الاستراتيجية في السيطرة على الساحل البحري للمتوسط وبسط النفوذ فيما يخص النفط و الغاز، لا سيما بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اليونانية الايطالية.إن اندلاع هذا الصراع بهذا الشكل سيكون كارثة بالنسبة لليبيا وستكون له أضرارا جانبية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط عموما.
فليبيا التي رعى النظام السابق وحدتها بشكل مصطنع، ستتعرض لمزيد من التصدعوسوف يميل زعماء القبائل الذين أصبح البعض منهم أمراء حرب وتجار أسلحة خلال هذا الصراع إلى تصفية الحسابات مع القبائل الأخرى ( القذاذفة وأولاد سليمان وصراع التبو مع الطوارق)، مما يزيد من حدة الفوضى القائمة في ليبيا. كما أن شمال إفريقيا لن يكون محصنا ضد تهريب الأسلحة وتسلل العناصر المتطرفة من أماكن الصراع.
 إن منطقة الساحل والصحراء ذات الحدود المليئة بالثغرات والأنظمة الأمنية الهشة والضعيفة ستكون كما في الماضي، الوعاء الطبيعي لاحتواء التطرف والارهاب الإسلامي. ناهيك عن أنه لا يمكن استبعاد خطر تعطل إمدادات الطاقة العالمية أيضًا.
والواقع فإن هذه التحديات يمكن تجاوزها لو سارت هذه الحكومة وفق الخط الوطني التي قطعه رئيسها على نفسه يوم اختياره رئيسا لهذه الحكومة، فالتمسك بالخط الوطني هو الضامن الوحيد للحد من التدخلات الخارجية في الشأن الليبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *