في المقال الذي نشرته في 18 أفريل 2020 على هذا الموقع تحت عنوان « إلى متى هذا الصمت على التوغّل في اغتيال المنظومة الأممية والمواثيق الدولية؟.. استعرضتُ بالتفصيل سلسلة القرارات العديدة التي اتّخذها الرئيس الأمريكي غريب الاطوار دونالد ترامب على امتداد الأربعين شهرا الأولى من ولايته، في إطار ما أسماه بالسياسة المغايرة لسياسات أسلافه فيما يتعلّق بمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها، وبقية المنظمات والاتفاقيات الدّولية الأخرى، وقد استخلصت، في خاتمته، أنّ « المؤسف في الأمر هو أنّ العالم وقف حتى الآن صامتا متفرّجا على ما يجري، وقابل قرارات الرئيس الأمريكي وإجراءاته بردود فعل رخوة ومتراخية لا ترقى إلى خطورة أفعاله التي لا تعير أيّ اهتمام للأصدقاء قبل الأعداء، وللحلفاء قبل الخصوم، ولا تبالي بمصالح الكرة الأرضية كلّها والإنسانية جمعاء في سبيل تجسيم شعار (أمريكا أولا) وتحقيق المصالح الأمريكية »…

 

وأضفتُ قائلا إنّه « إذا استمرّ هذا الوضع فإنّ المرجّح أن يؤدّي إلى تقويض أركان النظام العالمي القائم، وأن يدخل العالم في حالة من الفوضى الخطيرة التي سيصعب الخروج منها، في غياب نظام بديل يمكن أن يحلّ محلّه ».

واليوم وبعد « الهزيمة النكراء » التي منيت بها الولايات المتحدة الأمريكية يوم الجمعة 14 أوت الجاري في مجلس الأمن الدولي الذي رفض مشروع القرار الذي تقدمت به من أجل التمديد في حظر السلاح المفروض على إيران، يحقّ لنا أن نسأل السؤال الذي طرحته في العنوان: « هل هو إرهاص أول لتحوّل في السلوك الدولي إزاء الغطرسة الأمريكية؟ ».

إنّ الولايات المتّحدة الأمريكية لم تجد من مؤيّد لمشروعها إلا دولة وحيدة هي جُمْهُورِيَّة الدُّومِنِيكَان التي كانت استعمرتها من سنة 1916 إلى سنة 1924 ثم تدخّلت فيها عسكريا عند اندلاع حربها الأهلية سنة 1965.

أمّا روسيا والصين فقد رفضتا المشروع دون أن تحتاجا إلى استخدام حقّ النقض.

وأما الإحدى عشرة دولة الباقية وفيها حليفاتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ومنها أيضا بلادنا، فقد فضّلت الامتناع عن التصويت.

وأمام هذا الفشل الذّريع الذي لم تعرف له الولايات المتحدة الأمريكية مثيلا طيلة السنوات الخمس والسبعين من عمر منظمة الأمم المتحدة، أرغى الرئيس الأمريكي غريب الأطوار دونالد ترامب وأزبد، وتوعّد يوم السبت 15 أوت الجاري بأنّه سيلجأ إلى آلية « snapback » من خلال استخدام حق النقض بطريقة معاكسة تمكّنه، بصفة آحادية، من أن يفرض على إيران العقوبات الأممية التي ينصّ عليها الاتفاق المبرم حول الملف النووي الإيراني سنة 2015 رغم أنّه كان تفرّد بالانسحاب منه منذ ماي سنة 2018، ثم أردف انسحابه بسلسلة من العقوبات المشدّدة وغير المسبوقة التي لم يكتف بفرضها على إيران، بل فرض على العالم الالتزام بتطبيقها.

ويرى المحللون أنّ لجوءه إلى هذه الآلية يعني أنّه لن يشارك في اللقاء الذي دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى عقده حول الملف الإيراني بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وألمانيا وإيران، كما إنّ من شأنه أن يؤدي إلى إيقاع المجلس في إحدى أسوإ الأزمات الدبلوماسية في تاريخه.

ويبدو أنّ إصرار الرئيس الأمريكي غريب الأطوار دونالد ترامب على تمرير مشروع القرار بأيّ شكل من الأشكال قبل شهر نوفمبر القادم راجع إلى رغبته في تسجيل « نجاح » آخر (إلى جانب اتفاق إبراهيم حول التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وربما اتفاق قريب مماثل آخر مع دولة عربية ثانية) يساعده على خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة والفوز بالولاية الثانية مهما كان الثمن…

ولقد اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني اليوم الذي تمّ فيه رفض المشروع الأمريكي في مجلس الأمن « يوما مشهودا في تاريخ بلاده وفي تاريخ النضال ضد الغطرسة العالمية »، غير أنّ استدامة هذا الإرهاص الأوّل تبقى رهينة تأكّده في المستقبل وعدم النكوص عنه مثلما يخشى من الاتصال الذي تم، بعد التصويت، بين الرئيسين الأمريكي والفرنسي والذي تناول، حسب البيت الأبيض، الضرورة العاجلة لعمل في الأمم المتحدة للتمديد في حظر السلاح المفروض على إيران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *