كشف العديد من الخبراء السياسيين أن عدد المتظاهرين الفرنسيين الذي خرجوا للتعبير عن رفضهم للسياسات التي تتبعها حكومة بلادهم منذ عام 2003 وحتى الان، غير مسبوق واعتبر اولئك الخبراء بأن وجود مثل هؤلاء المتظاهرين في الشوارع الفرنسية يعد هزيمة كبرى لحكومة “إيمانويل ماكرون”. وحول هذا السياق، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن العاصمة الفرنسية باريس تعيش هذه الايام في حالة من الاضطرابات الخطيرة التي شلت كافة اعمال الحكومة الفرنسية. ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أن إضراب الكثير من أبناء الشعب الفرنسي أدى إلى تعطيل حركة المواصلات العامة ولقد تم إلغاء حركة 90 ٪ من القطارات السريعة المملوكة لشركة الخطوط الوطنية الفرنسية. وفي العاصمة باريس يعتمد السكان في تنقلاتهم داخل المدينة وضواحيها، على أربعة خطوط سكك حديد محلية، وأربعة عشر خطاً لمترو الأنفاق، جميع تلك الخطوط توقفت عن العمل جراء الإضرابات العمالية، باستثناء خط سكة حديد، وخطي مترو لا يزالان يعملان على اعتبار أن المترو الذي يسير على هذين الخطين هو ذاتي القيادة، أي لا يحتاج إلى سائق، ولهذا نجد أن محطات هذين الخطين تشهدان اكتظاظاً غير مسبوق، والأمر ذاته بالنسبة لقطار الضواحي الباريسية.

وفي سياق متصل، ذكرت وزارة الداخلية في بيان نشرته يوم الجمعة الماضي بأن نسبة إضراب المعلمين في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية بلغت 32 بالمئة، فيما أعلنت النقابات العمالية أن هذه النسبة بلغت 92 بالمئة. ولفت بيان وزارة الداخلية الفرنسي إلى استمرار تعطل الخدمات في المؤسسات الصحية والإدارات الحكومية. وقالت أنه من المتوقع حدوث تكدس وازدحام في وسائل النقل العام، والقطارات بين المدن في باريس، والمدن الكبرى السبت ومن المتوقع أيضا استمرار الإضرابات في البلاد حتى عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة. يذكر أنه بعد احتجاجات السترات الصفراء، بدأ الكثير من موظفي القطاعات إضرابًا مفتوحًا في عموم البلاد رفضًا لقانون التقاعد الجديد الذي أعدته حكومة “ماكرون”. ويهدف مشروع القانون الجديد لنظام التقاعد، إلى التمييز بين الموظفين والعمال في التقاعد، وإلغاء الامتيازات، ورفع سن التقاعد تدريجياً من 62 إلى 64، ما يؤثر سلبًا على عشرات القطاعات.

ما هي أسباب الإضراب المفتوح في فرنسا ؟

ذكرت العديد من وسائل الاعلام العالمية بأن العمال الفرنسيين دخلوا منذ صباح يوم الخميس الماضي في إضراب عام شمل كل القطاعات من بينها المواصلات والتربية والصناعة والتجارة وغيرها احتجاجاً على إصلاح نظام التقاعد في البلاد. ويعد هذا الإضراب الأوسع نطاقا خلال السنوات الأخيرة ويعتبر تصعيدا حقيقياً في المواجهة بين الرئيس “إيمانويل ماكرون” والنقابات وتعارض النقابات “النظام الشامل والموحد” للتقاعد الذي تنوي الحكومة تبنّيه في المستقبل ومن المفترض أن يعوض الأنظمة القائمة البالغ عددها 42 نظاماً. يريد البعض إعادة ما جرى في العام 1995، حيث واجهت فرنسا ثلاثة أسابيع من الإضرابات ضد إصلاح الأنظمة الخاصة. وينص قانون الإصلاح على إنهاء كل الأنظمة الخاصة التي يستفيد منها بعض الموظفين والعاملين في الشركات العامة الكبرى وقلة من القطاعات المهنية الأخرى مثل البحارة وموظفي أوبرا باريس وغيرهم..، وفرض نظام عام للتقاعد يعتمد على النقاط. وتعتبر الحكومة أنظمة التقاعد مكلفة جدا. وفي قطاع النقل في باريس بلغ معدل سن التقاعد 57.5 عاما في 2017 مقابل 63 عاما لمتقاعدي النظام العام بحسب تقرير رسمي نشر في تموز/يوليو. أما النقابات فتؤكد أن هذا النظام الخاص يأخذ في الاعتبار “قيودا محددة” و”صعوبات مرتبطة بطبيعة عملهم في الخدمة العامة“.

الحكومة الفرنسية ترفض جميع مطالب المحتجين

على الرغم من استمرار الإضرابات والاحتجاجات في عدد من المدن الفرنسية، إلا أن الحكومة الفرنسية أعربت بانها مصممة على تنفيذ خطتها المثيرة للجدل لإصلاح حقوق التقاعد والمعاشات. وخلال مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء الماضي، صرح رئيس الوزراء الفرنسي “إدوارد فيليب”، بأن نظام المعاشات التقاعدية سيتم توحيده في نظام واحد، وسيتم إلغاء الامتيازات الممنوحة لمختلف القطاعات، وإلغاء 42 نوعًا من المعاشات التقاعدية تدريجيًا. وقال “فيليب”، “إن المعاش التقاعدي سيكون ألف يورو على الأقل”. وأفاد قائلا: “سيبقى سن التقاعد عند 62 عامًا، لكن العمال سيعملون حتى سن 64 عامًا للحصول على معاش تقاعدي كامل. وإن الذين ولدوا قبل عام 1975 لن يتأثروا بالنظام الجديد“. يذكر أنه في هذا الإضراب شارك متظاهرون يمثلون مختلف فئات المجتمع من موظفي النقل العام، وموظفي السكك الحديدة وشركات الطيران، وأطباء، وطلاب، ومدرسين، وضباط، ومحامين وغيرهم.

مخاوف حكومة باريس من استمرار الاحتجاجات

عارضت الحركة الاجتماعية خطة إصلاح نظام المعاشات التقاعدية لأول مرة عند انطلاق شرارة أصحاب السترات الصفر وخروجهم إلى الشوارع الفرنسية للاحتجاجات ضد سياسيات حكومة “إيمانول” ولقد بدأت حركة أصحاب السترات الصفر في شهر نوفمبر عام 2018، عقب اعلان الحكومة الفرنسية عن رفع ضريبة الوقود، ومنذ ذلك الوقت والاحتجاجات تخرج كل يوم سبت ولقد تخلل تلك الاحتجاجات الكثير من اعمال العنف والنهب والتي كان آخرها تلك الاعمال العنيفة التي وقعت في الـ16 نوفمبر الماضي في باريس.

وفي هذا السياق، دعا قائد شرطة باريس “ديدييه لليمنت”، خلال مؤتمر صحفي، جميع المتظاهرين لمساعدة الشرطة من خلال الابتعاد عن البلطجية الذين يقومون باعمال عنف وتكسير للكثير من الممتلكات العامة والخاصة، وذلك لكي تتمكن الشرطة الفرنسية من معرفتهم والقبض عليهم قبل أن يقوموا باعمال عنف اخرى. وأضاف قائلا: “لقد تم حشد حوالي 6000 من رجال الشرطة والدرك في باريس، وذلك من أجل العمل جنبا إلى جنب مع قوات النقابات العمالية لإرساء النظام والامن والاستقرار في شوارع العاصمة الفرنسية”.

في الواقع، تشعر الحكومة الفرنسية بالقلق من استمرار الاحتجاجات والإضرابات وتوسّع نطاق هذه الأحداث في العديد من المدن الفرنسية وذلك لأنها ترى بأن شرعيتها سوف تتعرض للخطر وللتهديد وأنها سوف تقل أكثر إذا ما استمرت تلك الاحتجاجات. ويرى العديد من الخبراء السياسيين أن عدد المتظاهرين الفرنسيين الذي خرجوا للتعبير عن رفضهم للسياسات التي تتبعها حكومة بلادهم منذ عام 2003 وحتى الان، غير مسبوق واعتبر اولئك الخبراء بأن وجود مثل هؤلاء المتظاهرين في الشوارع الفرنسية يعد هزيمة كبرى لحكومة “إيمانويل ماكرون”. وبالنظر إلى كل هذه التطورات الميدانية والاضطرابات التي تعيش فيها العديد من المدن الفرنسية، فإنه يبدو أن التحديات التي تواجه حكومة “ماكرون” لت تأتي فقط من الحلفاء الغربيين لمنتقديه، بل إنه أيضاً سوف تأتي من المحتجين الغاضبين الداخليين الذين يرفضون قبول سياسات قصر الإليزيه المثيرة للجدل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *