++ تمهيد

نقل مُقربون عن حاكم ليبيا السابق معمر القذافي أنه كان يطلب كُل صباح تقريرا يوميا عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية في مدينة بنغازي خاصة وفي والشرق الليبي عموما، وحتى يوم سقط نظامه فان تفجر الأحداث والتطورات في البداية كانت من هناك ويعرف الجميع أن الأحداث بدأت يوم 15 فيفري 2011، ولكن اليوم وفي ظل ما يجري في ليبيا من صراعات وخلافات والتي تطورت الى حروب خاصة منذ فيفري 2014، يصح اليوم طرح سؤال ما هي مستقبل الأوضاع الاجتماعية في الشرق الليبي، وماهي ترتبات تلك الأوضاع وتطوراتها على مستقبل حل الأزمة الليبية رغم ان ظاهر الأشياء يحيلنا أن المشكل في جنوب طرابلس وليس في الشرق، وهو حكم مبني أن هناك تحكم وعسكرة محكمة للمجالس الاجتماعية التي تقودها القبائل هناك، ومعلوم أن هناك عمليات ترهيب وترغيب مستمرة لأهم قادة القبائل وتوظيف مستمر ومتواصل لأبنائها في الصراعات والحروب لتحقيق مشاريع لا علاقة للمكونات الاجتماعية بها بشكل مباشر؟
وعمليا قسمنا الدراسة الى ثلاث حلقات وفقا لما يلي:

  • الحلقة الأولى: خريطة قبائل شرق ليبيا وتطورات السنوات الماضية
  • الحلقة الثانية: واقع الاوضاع الاجتماعية في الشرق الليبي سنة 2019
  • الحلقة الثالثة: مستقبل الأوضاع الاجتماعية في الشرق الليبي ومؤثراتها في حل الأزمة

الحلقة الأولى : خريطة قبائل شرق ليبيا وتطورات السنوات الماضية

* فُسيفساء خارطة القبائل في الشرق الليبي

أ – “العواقير” و”البراغثة”، وهما قبيلتان من أصول واحدة شرق بنغازي كما تتوزعان في جزء من غرب المدينة، وفعليا شكّلت القبيلتان النواة الأولى لقوات حفتر منذ منتصف 2014، ورغم ذلك حد من نفوذهما وسيطرتهما ثم تم لاحقا عزل أبنائهما من أهم المناصب، وهو ما صعد الخلاف معهما لينتهي بانشقاق أهم وجهين أي “المهدي البرغثي” (قائد كتيبة الدبابات، الذي تولّى منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني)، و”فرج قعيم” (قائد قوات العمليات الخاصة، الذي تولّى منصب وكيل وزارة الداخلية في حكومة “الوفاق الوطني“ قبل أن يعتقله أبناء حفتر لمدة تسعة أشهر بعد محاولاته تنفيذ انقلاب عسكري في بنغازي وفقا لما هو متداول).

ب- البراعصة والحاسة، وهما قبيلتان تسكنان في مدينتي “البيضاء” و”شحات”، لكن مواقفهما مختلفة تماماً:

  • البراعصة، وأغلبهم في البيضاء وهم على خلاف كبير مع حفتر وخاصة بعد إعلان “العقيد فرج البرعصي” منذ بداية 2016 عن انشقاقه عن حفتر وهو ما دفع بمقربين من حفتر الى مداهمة منزل خصمه في أراضي قبيلته، وهذه الأخيرة انسحبت من دعم قوات حفتر دون المُجاهرة بخصومته ذلك أن كتائبها المسلحة لا تزال نافذة داخل كواليس حكومة مجلس النواب التي تتخذ من البيضاء مقرّاً لها.
  • الحاسة، وهي عمليا توالي حفتر بشكل مطلق وخاصة قبل جوان الماضي، باعتبار أن “عبد السلام الحاسي”، كان يُعتبر الضابط الأهم في قوات حفتر، ومن بين أهم رجالها رئيس الوزراء الأسبق عمر الحاسي والقيادي الأسبق في جبهة الإنقاذ “سالم الحاسي”، وأيضا القيادي في العدالة والبناء “شكري الحاسي”، وصاحب المبادرات السياسية “عبدالباسط قطيط”…

ت- العبيدات، وهي أكبر قبائل شرق ليبيا، عدداً وعدة، إذ تسيطر على أغلب أجزاء الشرق ما بين مدينة شحات وصولاً إلى مدينة طبرق، وعمليا تنقسم فروعها العديدة في مواقفها من حفتر، فبعضها مؤيد له، وبعضها معارض بشكل غير مباشر، غير أنّ بروز الخلافات بين “عقيلة صالح” (رئيس مجلس النواب) وحفتر في أكثر من مناسبة بين سنتي 2015و2018، وهو ما صعد لاحقا من الأصوات الرافضة داخلها لمساعي حفتر، ورغم أن درنة مثلا تقع داخل أراضي نفوذ العبيدات، غير أنّ القبيلة رفضت الزج بأبنائها في أتون حروب حفتر ضد المدينة، ويعرف اللواء “سليمان محمود”، بأنه أبرز أبناء القبيلة العسكريين وهو عمليا يُجاهر بعدائه لحفتر…

  • “المنفة” و”القطعان”، وهما قبيلتان تسكنان منطقة البطنان في مدينة طبرق وجوارها، ولا تعلنان مواقف سياسية أو عسكرية من مشروع حفتر، باستثناء التعبير عن الدعم عبر البيانات والبلاغات، غير أنّ أهميتهما تعود لكونهما المستضيف والحامي لمجلس النواب في طبرق، والذي يُشكل أهمية سياسية لحفتر.
  • “المغاربة” و”الزوية”، وهما قبيلتان جد مُعروفتين حيث تتخذان من مدينة “أجدابيا” عاصمة لهما، ورغم الجوار إلا أنّهما تتبادلان خصومة تاريخية متجذرة:
  • قبيلة الزوية، وهي تمتد جنوباً وصولاً إلى مدينة الكفرة الحدودية مع السودان، وتسيطر في أراضيها على النصيب الأكبر من حقول ومنابع النفط، وهي تُوالي حفتر بشكل مطلق حتى أنها هدّدت مراراً بغلق منابع النفط كوسيلة للضغط على حكومة الوفاق، لمصلحة قرارات مؤيدة لحفتر.
  • قبيلة “المغاربة”، ويمتد نفوذهم شرقاً من أجدابيا وصولاً إلى منطقة النوفلية ( أي 127 كيلومترا شرق سرت)، وتمر أراضيهم بموانئ النفط في منطقة الهلال النفطي، وقد برزت القبيلة إعلاميا إبان تولّي ابنها “إبراهيم الجضران” ما عرف رئاسة حرس المنشآت النفطية، إضافة الى صراعه يومها مع الحكومة المؤقتة، ثم في محاولة لاحقة تمكن حفتر بعدها أي في مارس 2017 من عقد صفقة مع زعيم المغاربة “صالح الأطيوش”، وهذا الأخير أقنع أبناء القبيلة المسلحين بالتخلّي عن “الجضران”، و ومن ثم تسليم منطقة الهلال لحفتر، مقابل تولّي “ناجي المغربي” يومها رئاسة مؤسسة النفط في بنغازي، أما ابرز الوجوه العسكرية لقبيلة المغاربة فهو “ونيس بوخمادة” أي قائد القوات الخاصة في بنغازي…
  • “العرفة”، وهي قبيلة تسكن مدينة “المرج” التي يتخذ حفتر من القاعدة العسكرية في جنوبها، مقرّاً رئيسياً له. كما أنّ قاعدة الخادم التي تشغلها الإمارات تقع في أراضي القبيلة جنوب المدينة، وهي بذلك توالي حفتر ولاء مطلقاً، ويشغل أبناؤها أغلب المناصب الأمنية في قواته.
  • قبائل أخرى، وهي قبائل لا تمتلك أراضي بسبب موضوعي وهو هجرتها إلى الشرق من مناطق أخرى، كقبيلة “ورفلة” القادمة من غرب ليبيا، والتي ينتمي إليها “محمود الورفلي” (قائد الإعدامات في قوات حفتر والمنشق عنه وفقا لما هو رائج رغم الحديث عن تواصل دائم بينهما)، إضافة الى قبيلة “الفرجان” التي ينتمي إليها حفتر، وموقعها الرئيسي في مدينة سرت وسط ليبيا، ومدينة “ترهونة” غربها، فضلاً عن وجودها كذلك في مدينة أجدابيا.

* محاولات حفتر وحكومة الثني للتحكم في النسيج الاجتماعي

قامت حكومة الثاني ومن وراءها حفتر وابناؤه وأنصاره بعدد من الخطوات والإجراءات والسياسات للتحكم في النسيج الاجتماعي في الشرق الليبي على غرار:

  • إعادة هيكلة مجالس القبائل على غرار مجلس قبيلة الحاسة (مدينة شحات)، حيث تم يومها تكليف حوالي أربعين شخصية، برئاسة وعضوية المجلس، وتمثيلها لدى حفتر والقبائل الأخرى، كما خضعت قبيلة المغاربة لتغييرات مماثلة، من حيث البحث في أكثر من مناسبة على إعادة تشكيل المجلس الاجتماعي لتمثيل قيادتها الرسمية، بعيداً عن الزعامات السابقة التي تتولى قيادة القبيلة بالوراثة …
  • واعتمد حفتر، منذ إطلاق “عملية الكرامة” منتصف عام 2014، على الدعم القبلي، حيث شكّل أبناء القبائل في شرق ليبيا، خزاناً بشرياً لحروبه المتتالية في بنغازي وأجدابيا والهلال النفطي ودرنة، فضلاً عن تحالفه، مؤخراً، مع قوى قبلية في جنوب البلاد؛ كقبائل “التبو” و”أولاد سليمان”.
  • همش حفتر قبائل الشرق الليبي الذين تولى ابناؤهم مناصب في حكومة الوفاق، وقوبل ذلك بحركات احتجاجات واسعة وخاصة من طرف فاعلين في قبيلة “العواقير” كما أنّ طيفاً واسعاً من قبيلة المغاربة شارك في عملية “إبراهيم الجضران”، قائد حرس المنشآت النفطية السابق، في منطقة الهلال النفطي، في يونيو/حزيران جوان 2018 ، وهو ما قد يفسر بحث حفتر الدائم عن وسائل لإعادة سيطرته على قرار القبائل التي تشكّل عامل الاستقرار الأول له، وعامل الفوضى الأول في الوقت عينه“، حتى أنه ساوم أبناء قبيلة العواقير، يقضي بتغيير موقفهم المعارض، مقابل إطلاق سراح ابنهم المعتقل أي “فرج قعيم” (وكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق)، وعمليا لا يمكن اغفال أن إجراءات حفتر في وقت سابق بشأن إعادة هيكلة مجلس قبائل الشرق، “تأتي أيضاً لتقوية القبائل الصغيرة، كما حدث مع قبيلة الحاسة” حسب راي البعض.

 

 

علي عبداللطيف اللافي
كاتب و محلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية بتاريخ 07 نوفمبر 2019 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *