قد تُعقد في سبتمبر القادم
القاهرة و إمكانية عقد قمة أميركية إفريقية خاصة بليبيا

 

الذين يُتابعون الشأن المصري بشكل دقيق يعرفون أن “عبد الفتاح السيسي” يحاول استغلال العام الحالي الذي تترأس فيه مصر الاتحاد الأفريقي، لتحقيق مكاسب سياسية لنظامه على مستوى العلاقات الدولية، مع الدول والغربية (أي مع دول الاتحاد الأوروبي أو مع الولايات المتحدة)، فضلاً عن إيجاد مساحة لشراكات طويلة مع بعض الحكومات الأفريقية، ولكن ما هي عمليا حقيقة اشتغال القاهرة على عقد قمة أمريكية /افريقية خاصة بالملف الليبي في سبتمبر القادم؟، وما هي دلائل ذلك؟ وإلى أي مدى سينجح النظام المصري في عقد تلك القمة وحصد نتائج ايجابية من ورائها، وما هي العوامل الداعمة والمعرقلة لكل ذلك؟

• مؤشر القمتين المُصغرتين في القاهرة

بدا التوجه المصري الذي ذكرناه سابقا واضحا وجليا من خلال استضافة القاهرة منذ أسبوعين تقريبا لقمتين مصغرتين بشأن السودان وليبيا:

أ‌- القمة الأولى: كانت قمة ناجحة، وكان الهدف الأبرز منها هي دعم المجلس العسكري الانتقالي وتخفيف ضغوط الاتحاد الأفريقي عليه لتسليم السلطة لحكومة مدنية خلال مهلة قصيرة ( وتم الاتفاق أن تكون مدة التسليم في أفق زمني بين 15 يوما وثلاث أشهر)…

ب‌- القمة الثانية: وهي قمة اعتبرت سياسيا غير ناجحة، وكانت الأولوية الأهم فيها، تقديم السيسي نفسه كلاعب محوري في الملف الليبي، والظهور بصورة محايدة تجاه الأحداث الميدانية المشتعلة حول العاصمة طرابلس بعد الحرب التي أشعلتها قوات خليفة حفتر مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي…

ومعلوم إعلاميا أن مصادر متعددة ومتطابقة قد نقلت وأكدت أن هناك فكرة برزت عمليا من ثنايا تلك المحاولات (أي عقد القمتين منذ أسبوعين)، وهي فكرة استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقمة في القاهرة ستركّز في الأساس على الشأن الليبي، ويلتقي خلالها بالزعماء الأفارقة…..

• فكرة القمة ورهانات نظام السيسي

عمليا نقلت صحف عربية عن مصادر دبلوماسية مصرية، وأخرى أوروبية خارج مصر، أنّ السيسي في زيارته الأخيرة لواشنطن طرح الأمر بشكل مبدئي على ترامب، الذي لم يُبد قبولاً أو رفضاً للعرض، ووعد بالتفكير فيه على ضوء التزاماته المختلفة خلال الأسابيع والأشهر القادمة (والحقيقة أن أجهزة الدولة العميقة الأمريكية ومؤسسات الأمن القومي هي من ستحدد قبول الأمريكيين بالفكرة)، وقد أكدت ذلك بعض مواقع مختصة أنّ “السيسي والخارجية المصرية يهدفان لتحويل القمة، في حال عقدت فعليا إلى مساحة لبناء شراكات فردية بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة، بحيث يصطحب ترامب معه عدداً من ممثلي دوائر المال والأعمال المؤثرة”…
ولذلك بدأت الدبلوماسية المصرية في ترويج إيجابيات هذه القمة بين هذه الدوائر، حيث لاقى المقترح ترحيباً واسعاً، خصوصاً بين الجمهوريين، وبحسب المصادر فإنّ تلك الدوائر تعتبر أنّ زيارة ترامب لأفريقيا سيكون لها مردود إيجابي على حظوظه في الانتخابات المقبلة، أياً كان المنافس، على الرغم من عدم إيمان ترامب شخصياً بأهمية هذه الزيارة وفقا لتدوينات بعض الخبراء العرب المقيمين في أمريكا رغم اختلاف توجهاتهم…
وعمليا وبسبب أن المقترح/الفكرة مازال في طور التفاوض المبدئي، فإنّ هناك خلافاً بين الدوائر المصرية التي تُروج له، تحديداً حول شكله والملفات التي سيتناولها، فبينما قالت بعض المصادر إنّ مصر ترغب في أن تكون الزيارة مفتوحة للقاء ذي أجندات مختلفة، اقتصادية وسياسية حرة أي غير مرتبطة بملفات سياسية بعينها، بينما ذكرت مصادر أخرى أنّ عبدالفتاح السيسي يُريد التركيز على البعد الليبي تحديداً، سواء في القمة الرئيسية -في حالة عقدها- أو في أحد الاجتماعات المنبثقة منها، لكن ليس مطروحاً حتى الآن أن توجّه الدعوة لحكومات غير أفريقية للحضور….
ويبدو اهتمام مصر بالملف الليبي طبيعياً، نظراً للأهمية القصوى التي يوليها السيسي له، ليس فقط لانعكاساته الإستراتيجية على الأمن القومي المصري، بل أيضاً للدعم الذي يقدمه الرئيس المصري وحلفاؤه الإقليميون لمليشيات شرق ليبيا بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وهي ذات المليشيات التي يُسميها هذا الأخير بــ”الجيش الوطني الليبي”، وجدير بالذكر أن هناك تباينات بين المصريين وحفتر في التفاصيل بل أن المصريين بدؤوا عمليا في البحث عن سيناريوهات مستقبلية أن لم نقل بديلة عن الرهان على حفتر، وسيكون ذلك وفقا للتطورات المستقبلية وخاصة الميدانية في ظل عدم قدرة قوات حفتر على انجاز مهمة اجتياح العاصمة والسيطرة عليها والتي كانت أولى سيناريوهاتها دخول طرابلس في ظرف 72 ساعة أي السيطرة عليها بحلول مساء 06 أفريل/نيسان، ولكن ذلك لم يحدث وهو ما وضع المصريين في حرج وخاصة أثناء أشغال لقاء روما يوم 25-04-2019…
ومعلوم أن الرئيس المصري قد لعب دور الوسيط بين ترامب وحفتر للتقريب بين الرجلين، ومد جسر حوار تمخّض عنه اتصال هاتفي بينهما في شهر إبريل الماضي في أعقاب بداية حملة حفتر المتعثرة حتى الآن على العاصمة الليبية طرابلس، ومعلوم أن المكالمة كانت في الأصل لقاء تم برمجته ولكنه لم يقع رغم سعي ورغبة المحور الإماراتي/السعودي/المصري، ولكنه عُوض في الأخير يوم 15-04-2019 بالمكالمة بإصرار من أطراف قريبة من وليي العهد السعودي والإماراتي القريبين من كوشنير ، مع التذكير أن المصريين ابدوا في أكثر من مناسبة وبشكل غير مباشر انزعاجهم الخافت من أن حفتر يُسارع للتقرب من السعوديين والإماراتيين على حسابهم، بل أن بعض المتابعين أكدوا يومها أن السيسي أنَب حفتر على عدد من النقاط بل وأظهرت صور ملتقطة لحفتر عند خروجه من لقاء السيسي وهو في حالة تحسر وغضب باديين من قسمات وجهه…
ويبدو أن المصريين بصدد الترتيب منذ أيام لقمة افريقية أمريكية أشبه من حيث الشكل وصيغ البرمجة بقمة الرياض 2017، عندما التقى ترامب بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ثمّ التقى بملوك وأمراء الدول الخليجية، ليعود ويجتمع بزعماء الدول العربية والإسلامية، في ثلاثة اجتماعات متوالية على مدار ثلاثة أيام، وما قد يؤكد ذلك بشكل ثابت هو إشارة بعض المصادر الإعلامية العربية منذ أيام أن حضور رؤساء مصر ورواندا وجنوب أفريقيا كدول “ترويكا” الاتحاد الأفريقي في قمة “السبعة الكبار” المقررة في فرنسا في أوت/أغسطس/آب المقبل، سيكون فرصة لبلورة الأفكار الخاصة بالاجتماعات مع الرئيس الأميركي، إذا لم يتم الانتهاء من التخطيط للزيارة، في حال موافقة ترامب عليها بشكل نهائي، قبل ذلك….
• معُوقات وتحديات مُوضوعية تُواجه القمة المُفترضة
لا شك أن الفكرة موجودة والعمل عليها جار، وهي فكرة كما اشرنا أعلاه مُستنسخة من لقاء ترامب بالزعماء العرب، وما سيتم عمليا هو إستبدال الزعماء العرب بالزعماء الأفارقة أو بعضهم على الأقل، ولكن من المُهم الإشارة إلى الملاحظات التالية:
أ‌- لابد من عدم تغييب أن رئيس الاتحاد الإفريقي قد أشار في كلمة له في اجتماع الرباعية عشية القمة العربية في آواخر شهر مارس/آذار الماضي إلى أن الليبيين قد يتصالحون في لقاء في أديس ابابا في شهر يوليو/جويلية القادم، وهو ما بدا يومها غريبا في ظل برمجة الملتقى الليبي الجامعي في مدينة غدامس يومي 14و15 افريل/نيسان الماضي، والذي تم إلغائه سبب هجوم حفتر بداية نفس الشهر…
ب‌- المحور السعودي/الإماراتي/المصري/حفتر ليس موحدا إلا ظاهريا وإعلاميا بشأن الملف الليبي، ورغم التنسيق الظاهر بين دوله من جهة وبين كل منها مع حفتر، فإن هناك تباين كبير وعميق وخاصة بين الإماراتيين والمصريين ويكفي هنا التذكير بحكاية الضابط المصري “العشماوي” (المحتجز لدى قوات حفتر منذ اشهر نتاج تورطه في عمليات إرهابية منذ 2013، ومعلوم أن حفتر قد رفض علنا تسليمه للمصريين)، إضافة إلى حكاية قصة ترحيل الجاسوس الإماراتي (تجسس على عمل مؤسسات سيادية مصرية حسب الاتهامات المصرية، ثم رحل لاحقا في طائرة خاصة… )، آواخر مارس/آذار الماضي….

ت‌- بناء على النقطة السابقة من حيث تواصل التباينات يمكن القول أن التباينات بين المصريين والإماراتيين خاصة قد تُربك الموضوع أي القمة المفترضة وكل الأجندة المصرية الخاصة بها في علاقة بالملف الليبي في نقطتين مهمتين:
** النقطة الأولى، وهي كيفية حضور إماراتي/سعودي بشكل من الأشكال باعتبار أن حضورهما مشكلة وغيابهما مشكلة أكبر…
** النقطة الثانية: وهي قد تنبني على الأولى أيضا فهي إمكانيات ترتيب لحضور حفتر لتلك القمة أو تكرار محاولة جمعه مع ترامب سواء بشكل علني أو بشكل خفي وسري، إضافة إلى الاضطرار إلى دعوة السراج باعتباره المعترف به دوليا وأيضا باعتباره المنتصر ميدانيا خاصة إذا بقيت الأوضاع الميدانية على حالها رغم التحركات الدولية التي تدفع إلى وقف إطلاق النار والمرور لحل سياسي خلال الأيام والأسابيع القادمة ….
ث‌- تحركات السيسي في اتجاه الأوروبيين وتجاه الأمريكيين الهدف منها في أحد الأبعاد هو التغطية على فضيحة التمديد والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في الداخل المصري (انهيار قطاعات اقتصادية مصرية بشكل غير مسبوق، عدم رضا جزء كبير من النخبة المصرية السياسية والاجتماعية ولو بشكل صامت من التمديد)، كما أن نظام السيسي سيُحاول الاستفادة من طرح خيار تصنيف الإخوان المسلمين من طرف إدارة ترامب، وطرح النظام المصري قانون مُشابه مصريا ومن ثم المرور لاحقا لتنفيذ مزيد من الإعدامات وخاصة بحق عددا من قياديي الإخوان وتمرير أحكام خاصة بالرئيس المحتجز محمد مرسي في عدد من القضايا….
ج‌- يسارع السيسي لغلق الملف الليبي بصيغة من الصيغ قبل حل الجزائريين لملفاتهم الداخلية لأنه يعرف تمسكهم بدور أكبر لدبلوماسيتهم في الملفات المغاربية ذلك أنهم يبنون استراتيجيهم الخارجية على عدم السماح لأي من دول المشرق أو أي من القوى الدولية بالتدخل في شؤون الدول المغاربية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *