اتخذ الجيش الجزائري منذ بدء الحراك بالشارع في شهر  فيفري موقفا أشبه بالحيادي، وأكد وزير الدفاع الوطني في الجزائر، الفريق أحمد قايد صالح في وقت سابق أن الجيش الوطني الشعبي جاهز لتأمين الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18  أفريل المقبل.

إلا أن قايد صالح خرج بتصريح الثلاثاء طالب فيه بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تحدد حالة عجز الرئيس عن ممارسة مهامه، في تطور أثار تساؤلات حول إذا ما كان الجيش الجزائري يستنسخ تجربة نظيره المصري؟ وهل سينقلب على حراك الشارع والعملية الديمقراطية المقبلة؟

انقلاب أبيض

المحلل السياسي الجزائري إسماعيل خلف الله رأى أن “رسالة رئيس هيئة أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري قايد صالح كانت في البداية تهديد ووعيد، ثم في الأسبوع الثاني صرح بأن الجيش يساير الحراك الشعبي، ثم بعدها قال إن الجيش متخندق مع الشعب”.

وتابع خلف الله في حديث لـ”عربي21″: “تصريح صالح الأخير باقتراح تفعيل المادة 102، ما هو في اعتقادي إلا محاولة لإحداث انقلاب أبيض على مطالب الحراك الشعبي، وذلك لإبقاء منظومة الحكم نفسها والمتغير الوحيد فيها هو ذهاب بوتفليقة فقط، وأعتقد أن الشعب سيرفض هذا الطرح”.

وأوضح بأن “التجربة الجزائرية تبقى فريدة ولا يمكن تشبيهها بالحالة المصرية، لأن الانقلاب الذي حصل في مصر في 2013، قد حصل في الجزائر شبيه له في جانفي 1992”.

مقارنة غير صحيحة

من جهته، أشار الباحث الجزائري محمد علي بيوض إلى أن “المقارنة بين التجربة المصرية والجزائرية غير صحيحة لوجود فوارق كثيرة”، مضيفا أنه “لا يظن أن الجيش الجزائري يشبه نظيره المصري في هذه المسألة أو في أدواره”.

وتابع في حديث لـ”عربي21″: “الجيش المصري هو من بنى الدولة المصرية الحديثة منذ زمن محمد علي باشا الذي كان قائدا عسكريا، وكل من حكم مصر من بعده هم من الجيش الذي استمر حكمه لحين وصول الرئيس محمد مرسي للحكم، ولكن في الجزائر يختلف الوضع تماما، فالجيش لا يشارك في الحكم بشكل مباشر، ولكن يمارس تأدية أدوار معينة من خلال نفوذه فحسب”.

وحول ما إذا كان تصريح صالح الأخير يشير لإمكانية انقلاب الجيش على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة والانقلاب على الرئيس المنتخب القادم قال بيوض: “هذا الأمر غير متوقع حاليا، وما قام به قايد صالح فقط هو اقتراح تطبيق مادة 102 من الدستور، ولم يفرضها وقدم هذا المقترح بصفته قائدا لمؤسسة من المؤسسات السيادية في الجزائر”.

لاعب أساسي

وكان للجيش الجزائري دور محوري في الحكم وتحديدا بعد إلغاء نتائج انتخابات عام 1992، وهذا الدور إضافة لتصريحات قادة الجيش حول المطالبة بعزل بوتفليقة، يدفع للتساؤل حول الدور المقبل للجيش في الحكم.

وفي هذا الإطار، أكد بيوض أن “الجيش لن يلعب دورا سياسيا بشكل مباشر، ولكن الأدوار غير المباشرة يقوم بها منذ فترة طويلة، بمعنى أنه لا يوجد رئيس خرج دون تزكية الجيش”.

وأشار إلى أن “الجيش الذي انقلب على الشرعية الانتخابية عام 1992 كان يرأسه جنرالات علمانيون استئصاليون، ولكن خريطة الجيش الحالي تختلف عن السابق، وأيضا الجنرالات الحالية تختلف عن التيار الاستئصالي والعلماني الحاد الذي كان موجودا آنذاك”، وفق تقديره.

ولفت إلى أن “الجيش منذ بداية الحراك وهو يرسل رسائل مبطنة ومطمئنة للشارع، حيث ظهر قايد صالح أكثر من مرة وخاطب الشعب برسائل طمأنة، بمعنى وكأنه يريد استمرار الحراك الهادئ والسلمي”، معتقدا أن “هدوء وسلمية الحراك كان للجيش دور فيه، بحيث أنه يضبط التوازن”.

 

وأوضح أن “الجيش استفاد من تجربة العشرية السوداء الدموية التي حدثت في الجزائر، وتعلم من الخطأ السابق حينما انقلب على صندوق الانتخاب عام 1992″، متوقعا أن “لا يكرر خطأه لسببين، أن الخطأ تحمله كل الشعب الجزائري بمن فيهم أبناء الجيش، وثانيا أن تجربة الجوار السيئة كتجربة مصر وسوريا تخيف الحراك السلمي، وبنفس الوقت تخيف أطراف الدولة”.

وبين بيوض أن “الجميع لا يريد التحول إلى أطراف سيئة السمعة كدول الجوار، ثم إن الجيش له مكانته حاليا، فلماذا يلجأ إلى الأساليب غير الجيدة؟”، منوها إلى أن “الشارع يطلب من الجيش أن يقوم بمرافقة العملية السياسية دون تدخل مباشر”.

وأضاف أن “الجيش هو طرف قوي من الأطراف الموجودة والمتصارعة في النظام الآن، وهذا الصراع بين كتلة المخابرات التي يقودها الجنرال توفيق وبين كتلة الرئيس الحالي بوتفليقة وبين كتلة الجيش”.

من ناحيته، قال إسماعيل خلف الله: “أعتقد أن الجيش سيحاول أن يبقى لاعبا أساسيا في رسم السياسة الجزائرية، والدليل أن قايد صالح كان يستطيع أن يعطي الأمر لرئيس المجلس الدستوري بتفعيل المادة 102 بدون أن يصرح بذلك علنا، ولكن هي رسالة مفادها بأن المؤسسة العسكرية ستبقى فاعلة في المشهد السياسي الجزائري، وهذا ما يرفضه الحراك الشعبي وترفضه المعارضة بكل أطيافها”.

وتابع: “وأنا أعتقد أن الجيش حتى وإن قدم مرشحه سيبقى مسايرا للمرحلة الانتقالية حتى تستقر الأمور ثم ينسحب تدريجيا من المشهد السياسي، وهذا ما يطمح إليه غالبية الشعب الجزائري، لتبقى مهمة الجيش هي السهر على حماية حدود البلد المترامية بين البحار والرمال والجبال”.

معارضة ضعيفة

وحول دور المعارضة في مستقبل الجزائر السياسي، قال محمد علي بيوض: “المعارضة حاليا تعيش حالة نشاط جيد لكنه لم يصل لمرحلة التوحد، وقُدمت مبادرات مختلفة من مختلف أطياف المعارضة ولكنهم لم يصلون لمبادرة واحدة”.

وتابع: “لكن الآن يوجد اتفاق أنه يجب فتح باب للحوار مع المعارضة والشخصيات المستقلة من أجل إيجاد خريطة وحل للخروج من الأزمة، وإذا عُقدت ندوة الحوار هذه سيكون هناك أمل كبير للخروج من الأزمة بالتالي هم نشيطون ولكن غير موحدين”.

اقرأ أيضا: إذاعة الجزائر: المجلس الدستوري لم يجتمع لحسم مصير بوتفليقة

وعن إمكانية استغلال الجيش لعدم توحد المعارضة الذي يسبب لها الضعف قال بيوض: “المعارضة ضعيفة منذ فترة طويلة، بل حتى أن بعض أطراف المعارضة وجزءا من الإسلاميين قبل بداية الحراك، اقترحوا على الجيش أن يتدخل لمرافقة وتهيئة العملية الديمقراطية من غير ممارستها”.

وخلص بالقول إن “المعارضة بحد ذاتها وتحديدا جزء من الإسلاميين اقترحوا على الجيش أن يهيئ جوا ديمقراطيا لانتخابات نزيهة وشفافة، بمعنى لا يوجد تحفظ كبير من المعارضة على أي دور يقوم به الجيش”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *