مازالت رائحة المليشيات المسلحة تفوح من العاصمة الليبية طرابلس وتلقي الضوء على قتامة الأوضاع الأمنية التي تعيشها المدينة منذ سنوات وذلك بالرغم من مزاعم حكومة الوفاق بفرضها للاستقرار منذ إطلاقها للترتيبات الأمنية التي قالت إنها تهدف لإنهاء وجود الجماعات المسلحة وفرض سلطة الدولة.

آخر مظاهر الفوضى التي مازالت تعيشها العاصمة الليبية، تجلى من خلال اعتداء نفذه مسلحون على متظاهرين، رفعوا صوراً للمشير خلفية حفتر، القائد العام للجيش الوطني، تأييدا للعملية العسكرية التي يقودها منذ منتصف يناير الماضي في الجنوب،بهدف تطهيره من سيطرة التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية.

وجاء هذا الحادث بعد أن احتشد عدد من المواطنين أمام قاعة الشعب وفي بعض شوارع العاصمة، مساء أول من أمس، لتهنئة المشير خليفة حفتر بـ”النجاح الذي حققته” القوات المسلحة في التصدي لـ”الجماعات الإرهابية”، و”المرتزقة التشاديين” في مدن الجنوب، لكنهم تعرضوا لهجوم من مجموعات مسلحة.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن أحد المشاركين في المظاهرة،قوله إن عدداً من المسلحين اعتدوا على المتظاهرين أثناء وقفتهم أمام قاعة الشعب، وأجبروهم على ترك المكان بالقوة، بعدما أطلقوا الرصاص في الهواء، دون أن يؤكد إلى أي فصيل ينتمي المسلحون، لكنه توقع أن يكونوا من “قوة حماية طرابلس”، التي تضم عدة ميليشيات.

وأضاف أن “المجموعات المسلحة في العاصمة لا تريد عودة الاستقرار إلى البلاد، وتسعى إلى إبقاء الوضع تحت سيطرتها بقوة الأسلحة الثقيلة”.كما أوضح هذا المشارك أن المتظاهرين، الذين طالبوا بتفعيل أجهزة الشرطة والقضاء في العاصمة، تلوا بياناً حيوا فيه الشعب الليبي والجيش بتحرير الجنوب.

ويشير اعتداء المسلحين على المتظاهرين السلميين،الذين أرادوا التعبير عن رأيهم،عن استمرار سياسة تكميم الأفواه التي تنتهجها المليشيات المسلحة ضد كل من يخالفها.وأعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا عن إدانتها لما سمته جريمة إطلاق الرصاص الحي في فض مظاهرة سلمية مناهضة لسيطرة الميليشيات المسلحة، وداعمة لقيام المؤسسة العسكرية والأمنية الرسمية.

وطالبت المنظمة في بيان رسمي السلطات المحلية بـ”إجراء تحقيق مستقل وشفاف في الواقعة، وضمان حرية التظاهر، بما في ذلك السماح للمتظاهرين بممارسة حقوقهم السياسية”، داعية حكومة الوفاق إلى دعم أي تفاعل إيجابي مع المطالب الشعبية السلمية.

ورأت المنظمة العربية أن “قمع المظاهرات السلمية يتناقض مع القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان”، منوهة إلى أن ما حدث من اعتداء على المتظاهرين “يدق جرس إنذار مبكر بشأن التداعيات المحتملة لإفشال خريطة الطريق الدولية، الرامية لإجراء الانتخابات الرئاسي والبرلمانية في البلاد”.بحسب البيان.

وبينما حذرت المنظمة من “تزايد اعتماد السلطات في طرابلس على قوات غير رسمية في عمليات إنفاذ القانون”، عبرت عن “عميق قلقها” إزاء الخطاب الرسمي العنيف لدار الإفتاء بطرابلس، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الذي يعمل “على تخوين كل القائمين على مبادرات لم شمل البيت الليبي، وتوحيد الجهود الرامية لقيام المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية”، حسب تعبيرها.

وتواجه المظاهرات السلميّة في العاصمة الليبية طرابلس، بالرصاص الحيّ، لاسيّما إذا ما تجرّأت جموع المتظاهرين على المطالبة بإخراج جميع التشكيلات المسلحة غير الشرعية من العاصمة طرابلس. ويتعرض كل من يخالف المليشيات للاختطاف أو الاعتقال التعسفي أو القتل دون رادع في ظل ضعف الحكومة وعجزها عن فرض سيطرتها.

وتخشى منظمات بالمجتمع المدني في طرابلس من تصاعد العنف المسلح واندفاع المليشيات نحو استعمال السلاح ضد المتظاهرين العزل وتكرار إحداث غرغور في 2014 حيث سقط العشرات من القتلى من بين المتظاهرين على يد المليشيات المسلحة.

ورغم إقرار حكومة الوفاق لترتيبات أمنية تستهدف إرساء الأمن بقوة شرطة وأمن نظاميين، وإنهاء دور المليشيات المسلّحة، التي تسيطر على العاصمة الليبية منذ سنوات، فإن نفوذ هذه المليشيات مازال حاضرا بقوة في المدينة، حيث يرى العديد من المراقبين أن الترتيبات الأمنية ليست كافية لإنهاء الفوضى التي يفرضها انتشار السلاح.

وتلقي الحادثة الاخيرة الضوء على مدى قدرة حكومة الوفاق على تأمين الاستحقاق الانتخابي الذي عاد الحديث عنه في أعقاب إعلان بعثة الأمم المتحدة في ليبيا،الخميس الماضي، عن اتفاق رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، وقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، خلال اجتماع بينهما في أبوظبي، على “إنهاء المرحلة الانتقالية” في ليبيا من خلال انتخابات عامة تخرج البلاد من عنق الزجاجة.

وعقد، الأحد، بمقر وزارة الداخلية بحكومة الوفاق اجتماع برئاسة وكيل وزارة الداخلية العميد خالد مازن، بالمنسق العام لشؤون الانتخابات ببعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومندوب المبعوث الأممي لدى ليبيا، ومستشاري بعثة الأمم المتحدة بليبيا وإدارة المشروع الإنمائي المشترك،حيث تم بحث تأمين الاستحقاقات الانتخابية التي أوكلت لوزارة الداخلية بتأمينها.

ووفق ما جاء في بيان لـ”داخلية الوفاق”، فقد أكد وكيل الوزارة على أهمية تأمين الانتخابات عن طريق الجهات المكلفة والمختصة بالتنفيذ، مشيراً إلى أن الاستحقاقات تعتبر مفردة من مفردات الأمن الشامل الذي تتطلع وزارة الداخلية إلى تحقيقه.وأوضح مدير إدارة الانتخابات بالإدارة العامة للعمليات الأمنية بأنه تم الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة مع اللجنة المركزية الفنية بشأن عقد ورشة عمل حول تأمين الانتخابات والمزمع عقدها في منتصف هذا الشهر.

ولا يخفي الليبيون،أن التدخلات الاجنبية اصبحت جزءا أساسيا من الازمة الليبية التي تعصف بالبلاد، ولذلك وجب عليهم اليوم نبذ كل الاختلافات السياسية والقبلية والايديولوجية من أجل تقريب وجهات النظر ودعم مبادرة حفتر والسراج للتعجيل بانتخابات عامة تشارك فيها مختلف مكونات المشهد السياسي، لتكون المحطة الاولى لبناء الدولة الليبية الجديدة.

ولكن حلم إجراء انتخابات في ليبيا وإنهاء المرحلة الانتقالية التي طالت اكثر من اللزوم،يصطدم بوجود الميليشيات التي دأبت على اطالة الأزمة منذ سنوات من اجل الحصول على نفوذ اكبر في البلاد،حيث تمثل لفوضى وغياب الدولة البيئة المناسبة للجماعات المسلحة التي تستنزف ثروات البلاد خدمة لمصالحها ولأجندات خارجية.

 بوابة افريقيا الاخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *