استمعت الى شيخة مدينة تونس هذا الصباح في حوار حول تعريب اللافتات التجارية، القرار الذي اتخذه المجلس البلدي للعاصمة التونسية مؤخرا، بناء على مقترحتقدم به المستشار البلدي عن التيار الديمقراطي الدكتور احمد بوعزي مشكورا، وقد استفزني الحوار وأحيى في داخلي رغبة سابقة في الإدلاء ببعض الملاحظاتحول هذا الموضوع الهام:

  • اولا: بدا لي ان شيخة المدينة واقعة تحت تأثير سلبي  للحملة الاتصالية التي شنّها اللوبي “الفرنكوفيلي” على القرار طيلة الأيام الماضية، خائفة ومترددةومستعدة للتراجع ومبررة. هذا القرار سيدتي، قرار مشرّف، ان لم يقل انه اشرف قرار اتخذه المجلس البلدي منذ تشكله السنة الفائتة، ليس لانه مرتبط فقطبدستور البلاد الذي أقر اللغة العربية كلغة وطنية وألزم الدولة بالتمكين لها، بل لانه التزام وطني اصلاحي يجب ان يعمم على جميع المدن والقرى وعلى جميعالمرافق والأصعدة، التزام قدم لاجله التونسيون على مر ثوراتهم منذ الكفاح ضد المستعمر الذي دام 75 عاما الى ثورة الحرية والكرامة، ثورة 17 ديسمبرالمجيدة، اجيالا من الشهداء، حتى نتكلم في بلادنا بلغتنا الام ولا نحيى فيها غرباء، وكان مطلب التعريب لدى الوطنيين والمصلحين متقدما على جميع المطالبالاخرى.
  • ثانيا: لقد بينت الحملة على تعريب اللافتات مدى تغلغل “لوبي الهزيمة الحضارية في المجتمع والدولة”، مثبتا ان مع عجزت عن القيام به الادارة الاستعماريةالفرنسية طيلة ثلاثة ارباع القرن من الادارة المباشرة للبلاد بقي فيها شعبنا صامدا معتزا بهويته العربية الاسلامية، تمكنت من القيام به حفنة الطابور الخامسالذي أبقاه المستعمر وراءه في تونس بعد رحيله، حفنة تحتقر ذاتها الحضارية ولغتها الوطنية وترى في كل ما له صلة بالجذور سلبيا وكل ما له صلة بالغربإيجابيا، وهذه الحفنة المتمكنة عجزت – لا في تونس فحسب- بل في كل المستعمرات السابقة عن صناعة اي نموذج مشرف يحتذى ويقنع، وكل منجزها إيقافعجلة استكمال الاستقلال التي علينا اعادة ادارتها بكل قوة في ظل الديمقراطية الناشئة. 
  • ثالثا: تعترف شيخة المدينة بوجود قرار سابق في موضوع اللافتات يعود الى سنة 1996، اي الى زمن الرئيس بن علي، كما تعترف ايضا بتميزه على القرارالحالي من جهتين على الأقل، جهة الشمول فهو يخص عموم البلاد لا العاصمة فقط، وجهة التنصيص على علوية اللغة العربية على سواها من حيث مكانهاالاسمى في اللافتة وكذا البنط الأكبر الذي يجب ان تكتب به قياسا بغيرها، فيّا لخيبة المسعى لو قامت اللجنة الفنية التي ستتولى تفصيل القرار البلدي الاخيربإفراغه من محتواه لتعلات تقنية  لا معنى لها. ان المواطن الفخور بهويته الوطنية يجب ان يرى لغته الوطنية مهيمنة على الجدران والساحات وفي المرافقالعمومية والخاصة، تماما كما يرى راية بلاده متفردة بميادين بلاده خفّاقة لا تنافسها على أرضنا راية اخرى، وهكذا نصنع مواطنا واثقا من ذاته قادرًا علىصناعة التقدم، لا ذليلا تريد نخبة منبتة إقناعه كل ساعة وحين بانه سليل ثقافة وتاريخ وحضارة لا يشرفه الانتماء اليها. 
  • رابعا: لقد حاولت الشيخة في موقف دفاعي لا مبرر له بيان ان القرار لا يهاجم اللغات الأجنبية، وهل ان إيلاء اللغة الوطنية الدستورية مكانتها التي تستحق كانيوما بالضرورة توجها ضد اللغات الأجنبية، ولماذا يود البعض ربط اللغات الأجنبية باللغة الفرنسية حصرا، فاللغة الصينية او الانجليزية او الايطالية قد تكوناكثر أهمية لنا من حيث المصلحة الاقتصادية، وحتى بالمنطق السياحي تظل اللغة العربية اكثر أهمية، فالإحصائيات ما تزال تثبت ان اشقاءنا الليبيينوالجزائريين العرب يشكلون عبر العقود اكثر من نصف عدد الوافدين الى بلادنا، نصف ثابت لا يتأثر كما هو حال الفرنسيين مثلا بأوضاع بلادنا الأمنية اوالسياسية، ولهذا كفى رعبا من هؤلاء الذين لم نحاسبهم على 75 عاما من نهب ثرواتنا ولم نطالبهم بالاعتذار عن جرائم الاستعمار التي اقترفوها ضد شعبناوأمتنا وما يزالون.
  • خامسا: اجبار الماركات العالمية على تعريب لافتاتها الإشهارية ليس بدعة، فهذه الماركات وممثلياتها لا يتصدقون علينا بحضورهم في بلادنا ولا يمكنهم انيمنوا علينا بهذا، فهم يربحون منا ولو توقف ربحهم لغادرونا في اليوم التالي، وهم يقومون بكتابة لافتاتهم بجميع لغات العالم حيث يتواجدون.. يفعلون ذلك فيالصين والهند وإيران وتركيا وروسيا، وحتى في فنلدا والنرويج وأيسلندا التي لا يتجاوز عدد مواطنيها ثلاثماية الف، ومن يريد الاستفادة من دولة او بلدية عليهالالتزام بقوانينها وقراراتها، وهذا حق يقره لنا القانون الدولي، وهو مجلبة للاحترام لا العكس، فمن يحترم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *