هل تكون القمة العربية القادمة في تونس، قمّة المصارحة والمصالحة العربية مع سوريا عقب 8 سنوات كاملة من الحرب الكلامية والإعلامية والنفسية والسياسية والاقتصادية المتبادلة، التي لم تفض سوى إلى تعميق الأزمة وتأخير التسوية.

بمعنى أدقّ، هل تكون قمة تونس 2019، قمة إعادة الانفتاح العربي على دمشق وبالتالي قمّة وضع قطار العمل العربي المشترك على سكّة التعاون والتشاور، بعيدا عن مسلكيات إسقاط الحكومات والعواصم العربية بالحديد والنار وطرائق منح الشرعيات الرسمية والدبلوماسية لفصائل عسكرية ومجالس انتقاليّة متناحرة وميليشيات مسلحة على غرار قمة الدوحة 2013، والتي شهدت جلوس رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الخطيب على كرسي الدولة السورية وأفضت إلى انقسام خطير بين أعضاء الجامعة العربية.

لعبت الجامعة العربية أدوارا خطيرة وخاطئة، ضمن الجغرافيا السياسية والإستراتيجية العربيّة، وانزاحت في أكثر من مرة لا إلى ميثاقها التأسيسي وفلسفة عملها العربي، بل إلى موازين القوى الإقليمية وإلى طبيعة الفاعلين السياسيين.

كان بالإمكان للجامعة العربية أن تلعب دورا أكثر عمقا وتعديلا وتأثيرا في الساحة الليبية إبان اندلاع الانتفاضة في مارس 2011، دون أن تحصر دورها في استصدار قرار دوليّ تحت الفصل السابع أباح للأطلسي التدخّل العسكري وأتاح للميليشيات المسلحة السيطرة على فصائل الدولة وحوّل ليبيا من فاعل إقليمي إلى جغرافيا مستباحة وخطرا أمنيا على كافة الجيران.

دون استباق للأحداث السياسية، ودون سقوط في التكهّن حيال استقدام عربي لدمشق في القمة القادمة، من الواضح أنّ المشهدية السياسية باتت اليوم مواتية لعودة دمشق إلى المنتظم العربي، وما استئناف العمل الدبلوماسي في السفارات العربية والخليجية وآخرها سفارة دولة الكويت، إلا دليل على تغيير كبير وجليّ في المواقف حيال دمشق والمواقع حيال الصراع السوريّ.

على الجامعة العربية والكثير من أعضائها، استيعاب الدرس السوري بشكل عميق واستكناه حقيقة أنّ الطبيعة الاستراتيجية تأبى الغياب وأنّ توظيف المنتظم العربي من قبل عواصم إقليمية في سبيل تحقيق مآرب مصلحية ضيقة لا يؤمن الوظيفة الحقيقية للجامعة العربية بل يزيدها ترهّلا وسقوطا، وأنّ الحضور الروسي والإيراني الكثيف والبارز على الساحة السياسية قوامه أساسا الغياب العربي والارتهان لطرف على حساب آخر والرهان على الحصان الخاسر، وقد خسر السباق.

ولئن كان من واجب الجامعة العربية على دمشق، الإقرار بخطيئة الغياب أو بخطأ ترحيل الملفات العربية إلى الفاعلين الدوليين، فمن واجب الدولة السورية على السوريين أولا وعلى باقي العرب ثانيا الاقتناع بأنّ الاعتماد على النهج الأمني وعلى المسلكية الاستبدادية في مواجهة المظاهرات السلمية والمطالبة بالحقوق الإنسانية، خيار يزيد من الشقة بين المواطن والوطن، ويهضم ويقضم الكثير من الشرعية السياسية للفاعل الرسمي.

لن نجادل في قدرة دمشق على مجابهة الأزمة في شقها العسكري والأمني والاستخباراتي، ولكن في المقابل تبقى في تقديرنا الأزمة السياسية والحقوقية والمدنية والثقافية ماثلة إلى يوم الناس هذا، حيث لا تزال السجون والمعتقلات السورية السرية منها والرسمية، مسرحا للتنكيل بالذات البشرية وبكينونة الإنسان.

الأزمة في سوريا، ظاهرها السلاح وباطنها الإصلاح، وكل حسم يكتفي بشقه العسكري والأمني ولا يلتفت إلى الزوايا الحقوقية والمدنية والسياسية، فهذا ليس سوى تأجيل لتمرّد ثان وانتفاضة جديدة طالما أنّ مقدمات الغضب لا تزال قائمة وإرهاصات الاحتقان لا تزال ماثلة.

إعادة الإعمار الحقيقي في سوريا، ليست فقط إعادة إعمار الحجر والشجر، بقدر ما هي إعادة “إعمار البشر وتعمير الإنسان”، بمعنى نيل الذات البشرية والمجموعة الوطنية حقوقها الإنسانية والثقافية والمدنية والسياسية على أرضها، وهنا فقط يمكن الحديث عن انتصار سوري، والذي لا بد أن يكون انتصارا عسكريا على الأعداء ونصرا معنويا على الجسم الاستبدادي والقمعي القائم في الدولة السورية.

إن كان للقمة العربية القادمة في تونس من عنوان، فليكن عنوان “المصارحة والمصالحة” بين العواصم العربية وسوريا من جهة وبين السوريين ودولتهم من جهة ثانية، وهو بالضبط منتهى السيادة، أن يكون المواطن سيّدا على أرض ذات سيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *