قال ستيفن كوك الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بمقال له نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان أسوأ من مجرم وهو رمز” وتساءل الكاتب عن سبب غضب الجميع على ولي العهد السعودي مشيرا إلى أن جمال خاشقجي هو جزء صغير من القصة.

وبدأ كوك مقالته بالإشارة إلى مقالة نشرها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في صحيفة “وول ستريت جورنال” ووصف فيه انتقاد الكونغرس لولي السعودي بـ “المواء” وأن ما ينشره الإعلام مبالغ فيه. ثم حرف الانتباه عن مقتل الصحافي في القنصلية السعودية بإسطنبول إلى اتهام إيران والشرور التي تمارسها بالمنطقة. وأكد أن السعودية مهمة جدا ولا يمكن والحالة هذه فرض عقوبات عليها.

وعلق كوك أن مقالة وزير الخارجية لم تقنع أحدا. ويرى مع ذلك أن وزير الخارجية كان محقا في نقده الكونغرس والرد على الجريمة والذي كان غير طبيعي. فالكونغرس لم يبد أي اهتمام بمصير الصحافيين حول العالم والتزم بمواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة بشأن العلاقات مع حلفاء يعدون مصدرا للكراهية، باسم الأمن القومي. وعندما يتعلق الأمر بعدوان السعودية فلم تكن هناك إلا قلة مهتمة باليمن، ولم يكن هنا إلا عدد قليل تحدث بقوة عن سجن الناشطين أو عبروا عن دهشة من سيطرة ولي العهد على مفاصل القرار.

إلا أن الرد السياسي على قصة خاشقجي غريب لأن الكونغرس أحب محمد بن سلمان لوقوفه ضد إيران ولتطويره علاقات مع إسرائيل وسمح للمرأة بقيادة السيارة وعبر عن رغبة للحد من التطرف الديني. ولم يكن الكونغرس وحيدا في رده الغاضب بل والمحللون السياسيون وصناع السياسة الخارجية والصحافيون وسائقو سيارات “أوبر” وصاحب محل البيغل  (الخبز) وأعضاء نادي الشدة في بيت والدته الذين يشمئزون لمجرد ذكر اسم ولي العهد السعودي الشاب.

ويبدو أن هناك غضب عام على مقتل خاشقجي أكثر مما تقترحه عناوين الأخبار. ويقول كوك إن هذا الغضب يتناقض مع حالة الترحيب به في الربيع عندما اجتاح الأمير واشنطن مثل العاصفة وعقد اجتماعات ودية في البيت الأبيض والتقى مع المشرعين الذين أصبح عدد منهم الآن من أشد نقاده. فقد انتهت كل النوايا الحسنة في اليوم الذي قتل فيه خاشقجي في الثاني من تشرين الأول بإسطنبول.

 “فورين بوليسي: لم يسقط شخص بهذه السرعة مثل بن سلمان. فلم تسأم واشنطن من أردوغان إلا بعد سنوات. ولا يزال في واشنطن من يعتقد أن مبارك لم يعامل بطريقة جيدة بعد الربيع العربي.رغم أن لا أحد السيسي فلم يقارن مثل ابن سلمان بصدام حسين”.

 ولم يسقط شخص بهذه السرعة مثل بن سلمان. فلم تسأم واشنطن من رجب طيب أردوغان إلا بعد سنوات. ولا يزال هناك في شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط بواشنطن من يعتقد أن حسني مبارك لم يعامل بطريقة جيدة بعد الربيع العربي. ورغم أن لا أحد يحب عبد الفتاح السيسي فلم يقارن مثل ابن سلمان بصدام حسين.

 ويتساءل الكاتب هنا عن السبب الذي أدى لما أسماه بومبيو “مواء” قطط رغم السجل الواضح لبن سلمان من ناحية الكارثة الإنسانية في اليمن بعد التدخل السعودي. بالإضافة سجن الناشطين واختطاف رئيس وزراء دولة حليفة والتفكير ببناء قناة تفصل بين السعودية والجارة قطر.

ويجيب محللا أن السبب في التحول هي السياسة الحزبية، صحيح أن هناك بعض الجمهوريين الناقدين لولي العهد ونهج ترامب في التعامل مع السعودية. فالسناتور ليندسي غراهام كان من أكثر الناقدين وزميله السناتور مايك لي الذي حاول تحميل السعوديين المسؤولية عن الكارثة الإنسانية في اليمن. وصوت 14 سناتورا جمهوريا في الأسبوع الماضي لصالح قرار يحظر على الولايات المتحدة تقديم الدعم للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وصوت 47 سناتورا جمهوريا لصالح القرار لكن الـ 37 ممن حجبوا أصواتهم كانوا جمهوريين. ويعتقد الكاتب أن إجماع الديمقراطيين بشأن هذا الموضوع مثير للدهشة. وهذا نابع من رؤية الديمقراطيين للعلاقة القريبة بين دونالد ترامب وعائلة آل سعود. فالقضية ليست هي أن دونالد ترامب كما يقول بومبيو هي أن المملكة عماد الاستراتيجيته في محاربة إيران، إلا أن المعلقين خارج أروقة الكونغرس يشكون في أن محاولة دونالد ترامب حماية ولي العهد السعودي مرتبطة بتعاملات منظمة ترامب المالية مع السعوديين.

وهناك جارد كوشنر، صهر ومستشار ترامب الذي قضى الليل يتناقش مع صديقه محمد بن سلمان. ومن جانبهم لا يزال السعوديون غاضبين على الرئيس باراك أوباما وموقفه من إيران ولهذا فهم مع فريق ترامب بالإضافة للمصريين والإماراتيين والإسرائيليين.

” ستيفن كوك: مقتل خاشقجي الشنيع مصدر شرعي للغضب ويقدم في الوقت نفسه فرصة لمعارضي ترامب في الكونغرس وكتاب الأعمدة والمعلقين والمحللين الموضوعيين للهجوم على زعيم يمقتونه”.

 ويرى الكاتب أن مقتل خاشقجي الشنيع مصدر شرعي للغضب ويقدم في الوقت نفسه فرصة لمعارضي ترامب في الكونغرس وكتاب الأعمدة والمعلقين و المحللين الموضوعيين للهجوم على زعيم يمقتونه. وهذا هو السياق الذي سيحاول فيه أدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات المقبل في مجلس النواب البحث في جذور مقتل خاشقجي وعلاقة ترامب مع العائلة المالكة في السعودية.

كما يقول إن الغضب على مقتل خاشقجي يبدو مرتبطا بالمهمة التي لم تنجز والمتعلقة بهجمات إيلول (سبتمبر) 2001. فالصحافيون ينتهكون ويقتلون في كل أنحاء العالم من الصين وروسيا إلى تركيا وهنغاريا ومصر وإيران ولكن قصصهم تظل محدودة في منظمات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش وأمنستي إنترناشونال ولجنة حماية الصحافيين. والفرق أن هناك معرفة دائمة بعدم المحاسبة ومسؤولية السعوديين عن هجمات إيلول (سبتمبر) ويبدو أن الكونغرس مصمم على استخدام قضية خاشقجي والتعبير أن الصبر قد طفح. وكل واحد يعرف أن 15 سعوديا شارك في الهجمات إلا أن دور السعوديين خارج هذه المشاركة ظل مغلفا بالسرية وفي تقرير اللجنة التي حققت في الهجمات والتي ترددت في نشر الأجزاء المتعلقة بالسعودية لحماية المصادر. وعبر الغضب عن نفسه من خلال قانون العدالة ضد داعمي الإرهاب (جاستا) الذي مرر عام 2016 رغم فيتو أوباما.

وغذى مقتل خاشقجي الغضب بشأن 9/11  وتورط محمد بن سلمان بالعديد من السلوكيات المريعة ولا أحد في واشنطن مستعد  على ما يبدو للتسامح مع السلوك السعودي وكنسه تحت البساط. ويعتقد كوك ان واشنطن باتت تمقت ولي العهد لأنه بات يمثل عالما خرج عن السيطرة، فجريمة قتل خاشقجي ليست الأولى والأخيرة التي تعبر عن عنف تدعمه الدولة. ولكن هذه الجريمة الوقحة تأتي وقت يتعرض فيه الصحافيون والناشطون الحقوقيون والأكاديميون والنقاد والإصلاحيون للقمع والملاحقة حول العالم من الفلبين إلى السعودية والبحرين والباكستان وحتى الولايات المتحدة. كما أن فكرة إفلات ولي العهد السعودية من جريمة القتل مع وجود إجماع على أنه هو الذي خطط وأمر بالجريمة سيزيد من الغضب.

ولم يحاسب على الجريمة فسيتحطم ما تبقى من أعراف إزاء هذه البلطجة الدولية التي تمثلها جريمة خاشقجي. وسيرى فيها المراقبون موسما مفتوحا لدى كل مسؤول أو زعيم يريد أن يجتاز المحظور. والنقطة الأخيرة المهمة في هذا السياق هي أن محمد بن سلمان وقع ضحية النقاش داخل مجتمع صناع السياسة الأمريكية منذ ظهوره على الساحة كوريث للعرش السعودي. فقد رأى بعضهم فيه مصلحا حقيقيا لديه الرغبة في تحقيق إصلاحات اقتصادية واسعة وميل للحد من سلطة الشرطة الدينية وتخفيف القيود الاجتماعية. فيما رأى أخرون أن الأمير متعطش للسلطة ومتهور ولا يستحق الدعم طالما عبر عن استعداد لشن حرب في أفقر دولة بالمنطقة.

ويبدو أن المتشككين كانوا محقين في موقفهم. وفي عالم وسائط التواصل الاجتماعي تمت السخرية من أي شخص عبر عن دعم لولي العهد أو موقف إدارة ترامب. وبعض النقد مصيب لكن لا تحليل واحد تام في نظرته. إلا أن “تويتر” تسيد ومعه انتشرت كراهية محمد بن سلمان.

وربما نظر البعض إلى “تويتر”على أنه مصرف للمياه الصحية مليء بالقاذورات لكنه في عام 2018 أسهم في تأطير شروط النقاش في قضايا عدة منها الموقف من محمد بن سلمان. فرغم محاولات إدارة ترامب تجاوز جريمة قتل خاشقجي و طي صفحتها إلا انها تواجه معضلة. ولا تكشف الدراما بشكل عام عن وحشية محمد بن سلمان وحاشيته، ولكن تيار من السخط الأمريكي النابع من التسريبات التركية البطيئة المستمرة و الحكومة التركية والمسؤولين الأمنيين الأمريكيين. ورغم أن السعوديين لديهم مظلومياتهم التي يحاول بومبيو وضع العلاقة الأمريكية-السعودية في إطارها والتركيز على التحدي الإيراني إلا أن الغضب الذي اندلع بسبب مقتل خاشقجي يمنعه عن تحقيق ما يريد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *