معارك رديئة حول السلطة لا من أجل الوطن تستحق ان تعتزل

خضت طيلة السنوات الماضية الكثير من المعارك التي اعتبرتها عادلة ومحقّة ومشرّفة:
– معركة ضد الاقصاء لانني اعتقد وما ازال بان الوطن يبنى بجميع ابنائه؛ وان الوطن غفور رحيم، وان في النظام الديمقراطي الذي أتت به الثورة مكان لجميع أبناء الوطن ممن لم تتلوث أيديهم بدماء التونسيين او اموالهم، وكان لديهم الاستعداد للانخراط في النظام الجديد.

– معركة من اجل التوازن السياسي، لانني اعتقد ان استفراد تيار واحد بالمشهد العام سيقود الى ولادةدكتاتورية جديدة، مهما خلصت النوايا واجتهدت الهمم، فالديمقراطية هي نتاج تعادل للقوى وصراع مدني سلمي تحسمه صناديق الاقتراع وتؤمّنه الدساتير، وعندما توافقنا على الدستور نظرنا الى المستقبل وتحررنا من سطوة ما سبق.
– معركة من اجل الاستقرار السياسي ومصداقية النظام الديمقراطي، عندما دافعت عن حكومة الحبيب الصيد ليس لأني عضو فيها او ناطق باسمها، بل لأني ارفض إسقاط الحكومات خارج البرلمان رمز السيادة الشعبية والحكم الديمقراطي، وقد سجل التاريخ ان حكومة الحبيب الصيد هي اول حكومة يسقطها البرلمان، وامل ان لا تكون الاخيرة.
– معركة من اجل التوافق والمصالحة الوطنية لأننا امنا بان هذا النهج سيجنب بلادنا الفتن وسيؤمن لها استمرارية مشروعها الديمقراطي الناشئ وسيمنح دولتها المدنية الوليدة قاعدة صلبة وسيؤسس للتعايش الدائم بين التيارين العلماني والإسلامي بما يفوت الفرص على الراغبين في دفع بلادنا مجددا الى معارك الاقصاء والتدمير الذاتي.
– معركة من اجل اللامركزية الموسعة والحكم المحلي التشاركي، في مواجهة مراكز قوى السلطة المركزية ممن عملوا على الالتفاف على هدف اساسي ومطلب رئيس لثورة 17 ديسمبر المجيدة، من أنصار السلطة المركزية المطلقة ودعاة العودة الى الوراء.
– معركة من اجل الحفاظ على حركة نداء تونس، بعد ان تتالت الانشقاقات والانقسامات، ايمانا منّيَ بان نداء تونس هو نسخة جديدة من الحركة الوطنية والاصلاحية بمبادئها وأهدافها التي مازلت أدافع عنها منذ ربع قرن، لا حزب غنيمة سلطوية او سمسرة وفساد، وقد خضنا اخر استحقاق انتخابي بلدي ونحن اوفياء لخط الرئيس المؤسس، وفاجأنا البعض بتحويل النصر النسبي الى هزيمة مدوية.
– معركة تجديد وتشبيب الطبقة السياسية وربط السياسة بالاخلاق ومحاربة الرداءة والغنائمية والقبلية وسائر محدّدات العقل السياسي الفاسد وامراض الشخصية التونسية التي نمت في حقب الاستبداد الذي يزرع كما يقول الكواكبي رحمه الله كل الرذائل. 

اليوم لا نرى معارك مقنعة عادلة ومحقة تستحق ان نخوضها، فالمعارك التي نراها هي اساسا من اجل السلطة، وان جرى تدثيرها بشعارات وطنية، تحركها دوافع ضيقة، الرابح فيها خاسر، والخاسر الأكبر فيها هو الوطن ومشروعه الديمقراطي وحلمه الحضاري الوطني.. ما أراه فتن تتربص بِنَا كقطع الليل المظلم، وتكالب محموم على السلطة الظاهرة والباطنة على السواء، وتراشق بالتهم الباطلة، وتداعٍ الى حروب المحاور الدائرة في المنطقة.

وعندما تكون المعارك على هذه الشاكلة فاعتزالها فضيلة واتقاء شبهاتها سلوك محمود والنأي بالنفس عن تأثيراتها مطلوب.. سائلا المولى ان يحفظ تونس ومسارها الديمقراطي ومسيرتها الاصلاحية، فنحن مؤتمنون على تراث وطني اصلاحي عظيم مثله رموز خالدون عظام تعلمنا في مدرستهم الكثير من المبادئ والقيم، ولسنا من يضيع الأمانة او يتنكر للأصل والفضيلة او يخون او يغدر، ثابتون على خط الاصالة والمعاصرة، ولن نبدّل تبديلا. 
(خالد شوكات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *