بالمرور على تاريخ الاستقالات من البرلمان على مدى 56 سنة الماضية، نجد أن أسبابها كانت سياسية تتمثل في احتجاج رئيس المجلس التأسيسي، الراحل فرحات عباس، برسالة استقالة وقعها بتاريخ 20 سبتمبر 1963، تضمنت عريضة من 20 صفحة، شرح فيها الأسباب واحتجاجه على الانتهاك الصارخ من طرف رئيس الجمهورية آنذاك، أحمد بن بلة، لما عمد إلى ترؤس اجتماع في قاعة الأطلس بالعاصمة، قال فيه إنه حضره المناضلون وعرض أمامهم مشروع دستور الجمهورية الجزائرية الناشئة واعتبر التصويت اعتمادا له.

ورد فرحات عباس على خطوة بن بلة، بالقول والفعل، بأن إعداد الدستور من صلاحيات المجلس التأسيسي الذي يرأسه وهو منتخب من طرف الشعب الجزائري عبر الاقتراع المباشر ومهمته الحصرية هي إعداد دستور للبلاد، لهذا السبب قدم استقالته دون ضغط أو إكراه ودون توقيع عريضة سحب الثقة منه.

وأما رابح بيطاط فاستقال بعد أحداث أكتوبر 1988 ودخول البلاد عهد التعددية الحزبية، واحتجاجا على إصلاحات رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش السياسية والاقتصادية، وخاصة الأخيرة، حيث قدر بيطاط بأن هذه الإصلاحات ستؤدي بالبلاد بطريقة مأساوية نحو الرأسمالية المتوحشة وبالتالي تدخل الدولة في تناقض صارخ مع مبادئ ثورة نوفمبر. وحدث ذلك في أكتوبر 1990، ليظل منتميا إلى الأفالان إلى غاية وفاته.

ولاستكمال العهدة التشريعية بعد استقالة بيطاط، انتخب عبد العزيز بلخادم خليفة له، غير أن عهدته لم تكتمل بسبب توقيف المسار الانتخابي في 11 جانفي 1992 باستقالة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد وتعويضه بهيئة رئاسية خماسية هي المجلس الأعلى للدولة تحت رئاسة الراحل محمد بوضياف الذي خلفه الراحل علي كافي إلى غاية جانفي 1994. وفي تفاصيل ما حدث أن بن جديد رضخ للضغوط التي طالبته بحل البرلمان بأثر رجعي لإحداث حالة الشغور التي تمهد الطريق لمرحلة انتقالية تكرس إيقاف المسار الانتخابي. ولحد اليوم، مازال بلخادم يؤكد أن البرلمان لم يحل في 4 جانفي 1992، مناقضا رواية الجنرال خالد نزار القائل إن البرلمان حل في ذلك التاريخ، وأن بن جديد أعلن عنه لما قدم استقالته من الرئاسة في 11 جانفي لرئيس المجلس الدستوري عبد المالك بن حبيلس!!

ولتسارع الأحداث، اضطر بلخادم للاستسلام لسياسة الأمر الواقع، عندما منع من دخول مبنى المجلس الشعبي الوطني من طرف رجال الأمن آنذاك، علما أن الدورة الخريفية للبرلمان كانت قد اختتمت بتاريخ 2 جانفي 1992 من دون أن يليها إعلان أو قرار بالحل الذي ينص دستور 1976 على أنه لا يتم إلا بعد استشارة رئيس الجمهورية كلا من رئيس المجلس الشعبي الوطني، الشخصية الثانية في الدولة، ورئيس المجلس الدستوري (عبد المالك بن حبيلس) ورئيس الحكومة آنذاك (سيد أحمد غزالي).

كما جاءت استقالة بشير بومعزة من رئاسة مجلس الأمة وهو العضو غير المنتخب شعبيا، بل معين في كتلة الثلث الرئاسي من طرف رئيس الجمهورية ليامين زروال ووضعيته الدستورية غير شبيهة بوضعية بوحجة، إذ غادر المنصب دون أن يتعرض للإكراه، كما لم توقع عريضة لسحب الثقة منه وإنما استقال طواعية بسبب خلاف مع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.

أما كريم يونس، فإنه سار بمناسبة رئاسيات 2004 في تيار علي بن فليس ضد بوتفليقة، ولما استقرت نتائج الانتخابات على هزيمة المرشح الذي دعمه اختار طواعية دون إكراه أو ضغط أو توقيع عريضة سحب الثقة منه أن يستقيل ويدخل منزله ويلزم الصمت.

أما قضية السعيد بوحجة، فهي غير مسبوقة، لأنه ينتمي سياسيا للأفالان الذي يدعم رئيس الجمهورية وكان من أوائل المبادرين لتأسيس الحركة التصحيحية في 2003 ومن أعضاء المكتب الوطني، في وقت لم يكن أحد يسمع حسيسا لأمين عام الأفالان جمال ولد عباس أو يلحظ له حراكا. كما ظل بوحجة وفيا لبوتفليقة بتأكيداته المتكررة في كل تصريحاته أنه سيبقى داعما له مهما كانت الظروف والأحوال.

وبرأي خبراء في القانون الدستوري، فإنه منذ إنشاء المجالس البلدية والولائية في 1967 و1969 على التوالي، كانت قضية سحب الثقة من رئيس البلدية قائمة وثابتة، لكن في قانون البلدية الأخير حذفت هذه الإمكانية من القانون بذريعة أنها كثيرا ما مست استقرار البلديات وأضرت بحسن سيرها، الأمر الذي يطرح السؤال على ولاة الجمهورية باعتبارهم الممارسين للوصاية على المجالس المحلية وكذا على وزير الداخلية، كيف سيكون موقفهم لو سحب أعضاء مجلس بلدي ما الثقة من رئيسه؟ وهل سيصادقون على المداولة رغم حذف القانون هذه الإمكانية!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *