الموفدون الأمميون، أو التابعون لدولة ما، في ملف شائك، غالباً ما يكون دورهم “تمرير الوقت” في أي نزاع، بدلاً من حلّه جذريا. ربما من طبيعة العلاقات الدولية أو إدارةالأزمات أن يكون هذا الشخص موجودا فقط لملء فراغ محدّد، ترفضه الطبيعة عادة. المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أحد هؤلاء، شأنه كشأن كثيرين سبقوه في سورية أو غيرها، وكشأن كثيرين سليحقونه في سورية أو غيرها. لم يقم دي ميستورا عملياً سوى بإدارة الصراع في سورية، في ظلّ تعدّد اللاعبين الإقليميين والدوليين. اقتصر عمله على إدارة أذنه “للأكثر قوة” أو “المُسيطر على الميدان”. في اليمن كذلك، اسألوا مارتن غريفيث وإسماعيل ولد الشيخ أحمد وجمال بنعمر. في لبنان، كان فيليب حبيب والأخضر الإبراهيمي، في ثمانينات سوداء، في العراق، حدّث ولا حرّج، وليبيا أيضاً.
مفهوم “المبعوث الأممي” في حاجة ملحّة إلى إعادة تعريف، فدوره وسيطا بين المتقاتلين أقرب إلى دوره متفرجا لا ضحية للصراع، لكنه متفرح يتلقى راتبه المرتفع على مرّ فترة خدمته في الملف. وحين ينتهي دوره يعلّل الأمر بأن “الظروف أكبر منه”. لا يمكن الاستناد إلى مبعوث أممي في أي صراع، فالاتكال عليه جزء من سياسة قتل الوقت، لتمرير مرحلة ميدانية أو لتفعيل الحلول السياسية، التي غالباً ما تكون مباشرة بين أطراف الصراع، وحين يتمّ هذا الأمر يصبح دور المبعوث الأممي فارغاً من مضمونه.
لم يقدّم دي ميستورا مثلاً للسوريين حلولاً جذرية، مكتفياً بالتجوال في عواصم إقليمية ودولية وطارحاً أفكارا، عادة ما تكون نابعة من إرادات تلك العواصم، لا كما يفترض أن يكون الحلّ. ليس المبعوث الأممي قاضيا يفرض الحلّ، ويطالب بتنفيذه متسلّحاً بأدواتٍ ملزمة، بل شخص تعيّنه الأمم المتحدة لرفع العتب الدولي عن عجزها في فرض الحلول أو تطبيق قراراتها. في سورية، وبعد سبع سنوات ونيّف من القتل الذي وقع ضحيته نصف مليون إنسان، تبدو بصمات دي ميستورا غائبة كلياً عن المشهد، سواء الحالي، أو المرتقب في فترة لاحقة، بناءً على تطورات إدلب والشرق السوري وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين والحلّ السياسي الدستوري.
بات إلغاء دور المبعوث الأممي في سورية وغيرها ملحاً لكونه لا يقدّم جديداً، ولا يجترح الحلول، وهو ترجمة خاصة وفعلية لفشل الأمم المتحدة في معالجة قضايا العالم، وربما الغوص في إعادة هيكليتها، أو رسم خريطة طريق جديدة لها، تخرجها من السياق الحالي. كما أنها، في ظلّ رسوبها في الامتحانات الفلسطينية والسورية والعراقية واليمنية والليبية، أضحى اسمها مرادفا للعمليات السياسية الفاشلة.
نفهم أن المبعوث التابع لدولة ما يهدف إلى تكريس مصالح دولته، ويعمل لأجلها، بغضّ النظر عن الفشل والنجاح، إلا أنه قد ينجح في أحيانٍ كثيرة، خصوصاً إذا كان منتمياً لدولة عظمى. أما مبعوثو الأمم المتحدة فلم يكونوا غالباً بهذه القوة، لا بل ساهموا عن غير قصد في تأزيم الأوضاع وضرب منطق الحلّ السليم في أي قضية، والمستند أساساً إلى مرتكزاتٍ قانونيةٍ وإنسانية، لمصلحة القوة الميدانية أو الاقتصادية لأي دولة. ويعد هذا الأمر فشلاً عاماً لسياساتٍ أممية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، ولدور الأمم المتحدة باعتبارها ناظمة لسير العمل السياسي والاقتصادي والإنساني في العالم.
وبدلاً من السؤال “من سيخلف دي ميستورا؟”، لا بدّ من الإجابة أولاً على سؤال “ماذا سيفعل الخلف؟”. وهو ما يكاد يكون معروفاً: سيكون مجرّد شخص آخر يتلقى راتبه من أجل تمرير مرحلة ما في سورية، تنتهي بحسب مصالح اللاعبين الكبار على حساب الشعب السوري، تماماً كما يحصل في اليمن والعراق وليبيا وفلسطين. وحتى يحين دور تغيير سلوكيات الأمم المتحدة، سيكون جميع المبعوثين في أي ملف ستيفان دي ميستورا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *