أثار حدث اختفاء الكاتب والصحفي السعودي جمال خاشقجي سيلا من ردود الأفعال المنددة بالحادث، فاختطاف شخصية إعلامية معروفة أثناء وجودها بقنصلية بلادها لقضاء شؤون شخصية يعتبر جريمة شنيعة بكل المقاييس، وذلك من جانبين أولهما أن الرجل لم يكن يتوقع سلوكا وحشيا كهذا من قنصلية كان من المفترض أن يكون نشاطها الأساسي قضاء حاجات مواطنيها، وثانيها أن عملية الاختطاف وما يتردد عن تصفية الرجل جسديا ليست ممارسة تليق بدولة تحترم الحد الأدنى من القانون. الأصل أن يتمتع كل متهم بمحاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعي، فما بالك وأن جمال خاشقجي لم يكن مطلوبا أو متهما بشيء ولم تعلن السلطات السعودية يوما أنه ملاحق بجريمة معينة.

 

غير أن المتابع لتاريخ الأنظمة العربية يدرك تورطها في جرائم اختطاف وتصفية خارج القانون طالت شخصيات سياسية وإعلامية كل جريمتها أنها عارضت النظام القائم أو انتقدته بشكل آو بآخر. ويمكن في هذا السياق عرض بعض عمليات التصفية والقتل خارج القانون التي اقترفتها أنظمة الاستبداد العربي في العقود الماضية وصولا الى اللحظة الراهنة.

 

 

فرج الله الحلو

 

صورة للشهيد فرج الله الحلو بعد اعتقاله من قبل الاحتلال الفرنسي في تظاهرات العام 1936

 

في شهر جوان من سنة 1959 وأثناء زيارته لدمشق في إطار مهام حزبية تم اختطاف الزعيم الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو (ولد سنة 1906) على يد الأجهزة الأمنية التي يشرف عليها الضابط عبد الحميد السراج في ما كان يُعرف حينها بالإقليم الشمالي (سوريا) للجمهورية العربية المتحدة إبان الوحدة المصرية السورية تحت حكم عبد الناصر، تعرض فرج الله الحلو لتعذيب شنيع على يد الأجهزة الأمنية حينها ما أدى الى وفاته يوم 25 جوان 1959 حيث تم التكتم على الجريمة ولمزيد إخفاء معالمها وفي خطوة غاية في الوحشية تم تذويب جسد القيادي الشيوعي في برميل من الأسيد وظلت القيادات الأمنية والسياسية تنكر اعتقال فرج الله الحلو رغم انتشار خبر موته وإفناء جسده تماما حتى لا يكون له قبر يكون شاهدا على ما جرى له.

 

صالح بن يوسف

 

 

كان من أهم الشخصيات القيادية في الحزب الحر الدستوري ودخل في خلاف حاد مع الحبيب بورقيبة حول التقديرات السياسية واتفاقيات الاستقلال الأمر الذي اضطره الى مغادرة تونس حيث ظل في المنفى (القاهرة تحديدا) قبل أن يتم ترتيب موعد وهمي له أثناء وجوده في أروبا ليقوم القتلة بتصفيته بكاتم للصوت في فندق “روايال” بمدينة فرنكفورت الألمانية وذلك بتاريخ 11 أوت 1961 وكان واضحا أنه ذهب ضحية خياراته السياسية وأن النظام الرسمي في تونس هو الذي يقف وراء الاغتيال رغم إنكار السلطات الرسمية التونسية حينها لأي علاقة لها بالحادثة إلا أن الشهادات المتواترة التي ظهرت لاحقا أثبتت بما لا يدعو للشك أن تصفية الزعيم بن يوسف كانت جريمة دولة بكل المقاييس.

 

المهدي بن بركة

 

 

يعتبر من أهم الشخصيات السياسية المغربية والمؤسس لتيار اليسار في المغرب، كانت مواقفه الثورية تثير نقمة ملك المغرب حينها الحسن الثاني بالإضافة الى علاقاته المتشعبة مع حركات التحرر العالمي التي جعلت تحركاته تحت رقابة من أجهزة مخابرات دولية مختلفة منها المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الصهيوني بالإضافة الى المخابرات الفرنسية حيث كان مقيما في باريس. في صباح 29 أكتوبر 1965 تم اختطافه على يد فرنسيين تابعان للشرطة الفرنسية ذكرا لاحقا أنهما نقلاه الى بناية تديرها المخابرات المغربية في إحدى ضواحي باريس حيث تم تعذيبه بقسوة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. تضاربت المعلومات حول مصير جثمان الرجل حيث ذكر أحمد البخاري العميل السابق للمخابرات المغربية في حديث له سنة 2001 أن جسد بن بركة تم نقله الى الرباط على متن طائرة عسكرية مغربية وتم إذابته في حوض من الأسيد في إحدى المقرات السرية للمخابرات المغربية.

 

ناصر السعيد

 

 

معارض سعودي وكاتب وناشط في المجال النقابي والسياسي، عارض سياسات الأسرة الحاكمة في المملكة السعودية حيث اشرف على برامج إذاعية مناهضة لها في القاهرة قبل أن ينتقل الى اليمن الجنوبي سنة 1963 ومنها الى دمشق بعد سنة 1967، كان يتنقل بين دمشق وبيروت في إطار حربه الإعلامية ضد النظام السعودي حتى تم اختطافه على يد مجموعة فلسطينية بتاريخ 17 ديسمبر  1979 وسلمته للأجهزة السعودية حيث تمت تصفيته ولا يعرف له قبر الى يوم الناس هذا وإن ذكرت بعض المصادر إنه تم رميه من طائرة مروحية.

 

محمد مصطفى رمضان

 

 

إعلامي ليبي عمل بإذاعة “بي بي سي” وكان له نشاط سياسي مستقل حيث انتقد ممارسات نظام معمر القذافي. وفي يوم الجمعة 11 أفريل 1980 وفيما كان محمد يغادر مسجد لندن المركزي وقد فرغ من أداء صلاة الجمعة اعترض طريقه شابان ليبيان أطلقا عليه الرصاص من قرب فأردياه قتيلا. وقد اعترف قاتلاه أمام المحكمة بالانتماء الى اللجان الثورية الليبية وصدر عليهما حكم بالسجن مدى الحياة.

 

سليم اللوزي

 

 

احد ابرز الصحافيين اللبنانيين ومؤسس مجلة الحوادث، كانت له علاقات واسعة مع الزعماء العرب وخاصة جمال عبد الناصر، في سبعينات القرن الماضي اختلف مع النظام السوري بقيادة حافظ الأسد على خلفية تدخله في الشؤون اللبنانية. قامت المخابرات السورية بتصفية شقيقه مصطفى ورغم ذلك لم يتوقف عن انتقاد سياسات حافظ الأسد وكان مدركا للمخاطر التي تنتظره حيث كتب يقول “..وغدًا ، إذا نجحت المخابرات العسكرية(السورية) في تنفيذ الحكم الذي أصدرته باغتيالي . وهي قادرة على ذلك بوسائلها المختلفة، فإني أكون قد استحققت هذا المصير . وعزاء زوجتي وبناتي وأولاد أخي مصطفى التسعة، أنني أحببت بلدي ، وأخلصت لمهنتي، أكثر مما أخافني الإرهاب وردعني حكم المخابرات العسكرية “.

 

 

 

عاد من لندن لحضور مأتم والدته فتم اختطافه على طريق المطار يوم 25 فيفري 1980 وتم العثور على جثته بعد ثمانية أيام من اختطافه في أحراج عرمون اللبنانية، كانت جثته مشوهة بشكل وحشي، كان ملقى على بطنه وطلق ناري في مؤخرة الرأس حطّم الجمجمة ومزّق الدماغ، ورصاصة أخرى اخترقت الوجنتين يبدو أنها في فترة التعذيب، بينما سُلخ لحم اليد اليسرى عن العظم حتى الكوع، أما اليد اليمنى فقد حرقت أصابعها الخمسة بالأسيد واهترأت، وعثر على أقلام حبر مغروزة بعنف في أحشائه ومؤخرته وظهره وصولاً للبطن والأمعاء…

 

كمال المطماطي

 

 

قامت الأجهزة البوليسية التابعة لنظام بن علي باعتقال الناشط السياسي كمال المطماطي بمقر عمله (كان موظفا بشركة الكهرباء والغاز) بتاريخ 7 أكتوبر 1991 وبنقله الى مخفر البوليس تم الاعتداء عليه بالعنف واستمر التعذيب الى اليوم الموالي وفي حدود الساعة الثانية بعد الزوال من يوم 8 أكتوبر 1991 توفي كمال المطماطي نتيجة الإصابات البليغة التي تعرض لها. لم يكن حادث التعذيب معزولا فقد تعرض المساجين السياسيين طيلة حكم المخلوع بن علي للتعذيب وبعضهم مات نتيجة له، غير أن ما جرى لكمال المطماطي هو إنكار الأجهزة لاعتقاله ورفضهم الاعتراف بوجوده أو تسليم جثته لذويه وظلت عائلته تبحث عنه قبل أن تظهر الحقيقة الصادمة بعد الثورة أن جثة كمال أُخذت ووُضعت في خرسانة جسر كان بقيد الإنشاء.

منصور الكيخيا

 

 

سياسي ليبي تولى مناصب مهمة أثناء حكم معمر القذافي حيث تولى منصب وزير الخارجية (1972/ 1973) ومنصب السفير الليبي لدى الأمم المتحدة وبعدها مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة قبل أن ينشق على النظام الليبي ويعلن معارضته لسياسات معمر القذافي. ظل مقيما في القاهرة حيث كان ناشطا مع منظمات وجمعيات مدنية قبل أن يتم اختطافه بتاريخ 1 ديسمبر 1993 (62 سنة)، ليختفي بعدها تماما حيث تم العثور على بقايا جثته سنة 2012 في ليبيا وتم التعرف عليها من خلال تطابق عينات الحمض النووي لشقيقه مع عينة لجثة عثرت عليها السلطات الليبية حينها. وقد ترددت أنباء عن تواطؤ نظام حسني مبارك مع الأجهزة التابعة لنظام القذافي في اختطاف المعارض الليبي الذي كان يحظى باللجوء السياسي لمصر.

 

إن هذه النماذج القليلة للجرائم المروعة التي ارتكبتها أنظمة الاستبداد العربي تكشف أن جوهر الطغيان واحد مهما اختلفت مسمياته أو تعددت مظاهره وأن الطاغية على استعداد لتصفية كل من يعارضه بأشنع الطرق وأكثرها وحشية بشكل يكشف أن الاستبداد هو مرض سلطة يحول الطاغية الى وحش بارد يقتات بدماء ضحاياه كما وصفه أفلاطون يوما.

مجلة ميم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *