لا شك أن إجراء الانتخابات في ليبيا هو المخرج من المأزق وهو السبيل الوحيد والأوحد لإعادة الاستقرار في مراكز السلطة المنقسمة والمتنازع على شرعيتها، خاصة وسط تردي الخدمات وتعدد مظاهر الفوضى والانفلات في المطارات والساحات العامة في المناطق الثلاث أي الشرق والغرب والجنوب، فما هي ملامح الحلول العملية خاصة في ظل الحديث عن المؤتمر الدولي برعاية أممية والذي يتم الحديث عن عقده في مدينة “شياكا” الإيطالية بين 10 و22 نوفمبر المقبل؟

++ في ضرورة التشخيص الموضوعي لفهم ماهية التطورات

وقف الجميع في الداخل والخارج على حقيقة مفادها أن إجراء انتخابات دون تهيئة الظروف والمناخ الملائم لها لن ينتج إلا حلقة جديدة في الصراع ذلك أن الإصرار على الذهاب إلى انتخابات دون اتفاق حقيقي مضمون دولياً وبمرجعية دستورية واضحة، ودون إيجاد حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي في حدّه الأدنى هو محاولة لتصفية الخصوم السياسيين وبناء دكتاتورية الفرد أو النخبة، وقبل كل ذلك لابد من التأكيد مجددا أن مشكلة ليبيا هي أن وكلاء الصراع المحليين ضيقي الأفق وأن ما يحدث هو ترجمة فعلية للحرب بالوكالة، وأن ما عدا ذلك تفاصيل وأحداث نسقية لطبيعة الازمة المتحكم فيها ضمن ما يدار للمنطقة من فوضى خلاقة وضمن ترتيبات يخطط لها بعقل استراتيجي على عقود…

وبالعودة إلى ملامح التأزم الأخيرة فإن ما حدث في طرابلس بين نهاية أوت الماضي والايام الأربعة الأولى من سبتمبر الحالي، كان جليا للمطلع على الأوضاع في ليبيا وكانت بداية الاحداث فعليا باستعراض ترهونة لقوات كبيرة ومدربة وكانت رسالة واضحة بأننا قادمون ولكن من هم حول السراج لم يستنتجوا شيئا من ذلك لانهم  كانوا مشغولين بالوقائعي اليومي وبلقاءات مع غسان سلامة و”وليلمز”، واضافة الى ذلك فان الدول التي تدعي أنها حريصة على ليبيا بدت على مواقفها عشية الاحداث أنها رهينة حساباتها الضيقة، وقبل ذلك كان اجتماع ترهونة ومصراته والزنتان قبل شهور دالا على ما ستؤول إليه الاحداث فالسراج كان يتعرض الى اذلال وتسلط “مليشيات الاعتمادات” عليه وعلى مستشاريه ووزرائه وإرغامه على دفع أجورهم ومنحهم العطايا بل أن الجميع ضاق بالمليشيات، ولكن التردد جعل تلك المليشيات الواقعة تحت سيطرة تيار المداخلة تستمر في قهر الناس والتغاضي عن حقوقهم ….

++ الاتفاق الهش وضرورة دعم الفعل الاممي 

ان الاتفاق الذي تم توقيعه بمدينة الزاوية بين ممثلي المليشيات المتناحرة وبحضور غسان سلامة و”وليامز”، هو اتفاق هش عمليا طالما قد لا تُنفذ بنوده أصلا حيث أن الصراع داخل طرابلس كان منذ أكثر من سنة بين ثلاث مليشيات وبهذا الاتفاق زاد العدد الي أكثر من 7 الى حد الآن، ولكن ورغم الأخطاء والتقديرات غير الصائبة فان هذا الاتفاق يجب أن يُطبق لسبب بسيط وهو أن القتلى قد يكونون بالآلاف في حالة تمكن حفتر من دخول طرابلس، وأيضا في صورة اندلاع القتال في طرابلس مُجددا لأنه باختصار اتفاق هش ولن يُعير البعض له اهتماما إذا لم يتحصلوا على ما يريدونه أو في صورة عدم ردعهم جديا بخطوات وإجراءات ترتيبية حاسمة ….

لقد أكد سلامة للمجتمع الدولي خلال الأيام الماضية أن البرلمان واعضائه فشلوا ويكفيهم ما أخذوه من الأموال وعليهم العمل من اجل ليبيا أو يغربوا كما شدد على الانتخابات، أما بخصوص السراج وحكومته فقد أشار الى انهم لم يقدموا شيئا وهم فاشلون ولكننا سندعمهم لأنهم يطبقون ما نقوله لهم، كما أشار سلامة الى حفتر وقواته مؤكدا انهم لا يجب ان يدخلوا طرابلس حيث الحل العسكري غير ممكن ولن يسمحوا به، كما شخص واقع ما تفعله المليشيات والتي تعيثُ فسادا في ليبيا…

++ ما هي حقيقة وتفاصيل الخطة “ب” لــ”ويليامز”؟

نشرت عددا من المواقع الالكترونية الليبية على غرار صحيفة “رؤية ليبية” الالكترونية في عددها الثالث عشر الصادر الاثنين 10 أيلول/سبتمبر 2018، تقريرا بحثيا أعده خبيران ليبيان (محمد فؤاد – محمد المنتصر)، لمكتب أبحاث “الأتلانتك كاونسل” (Atlantic Council) الامريكي المعروف والذي تحدث عن الخطة “ب” لمساعدة المبعوث الاممي، ويشير التقرير بعد مقدمة تشخيصية أن غسان سلامة لجأ فعلا إلى خطة وليامز حيث أشار في إحاطته أمام مجلس الأمن منذ أيام وخاصة عندما قال مُهدَدا  “فإذا لم يتم تشريع قانون (الانتخابات) قريباً، فإننا لن نستمر في هذا النهج، إذ ثمة سبل أخرى لتحقيق التغيير السياسي على نحو سلمي وسوف نتبناها دون تردد، وبكل حماس بالتأكيد”…

وبخصوص تفاصيل الخطة “ب” يؤكد الباحثان أنها تعتمد “على تشكيل وانعقاد مؤتمر وطني يقوم باتخاذ خطوات حاسمة رسمتها له وليامز بدقة”، وحسب نص التقرير فان الخطة “ب” تعتمد على “على أن تلوِّح الولايات المتحدة بعصاها في وجه كل الأطراف محذرة من مغبة عرقلة الخطة ومطالبة الجميع باحترام نتائج الانتخابات وأن اللمسات النهائية على خطة وليامز سترسم في اجتماع روما المخطط له في شهر نوفمبر لهذه السنة”….

كما يؤكد نص التقرير أن “من الاستعدادات الخفِّية التي تقوم بها وليامز هي التواصل مع بعض الحقوقيين والنشطاء الليبيين للتصدي لأي تشريع يصدره برلمان طبرق ومن شأنه عرقلة الخطة ب تقوم وليامز كذلك بمحاولة ترويض مليشيات طرابلس…”

وبشأن الخطوات العملية أكد التقرير البحثي أن وليامز تتحرك على عدة محاور لضمان نجاح خطتها، أما الجانب الأهم من التقرير والذي لاقى اهتمام كل المتابعين الأجانب فهو ملامسته للعثرات وأوجه القصور التي لابد من تداركها إن أرادت وليامز أن يكتب لخطتها النجاح وهي حسب التقرير عثرات خمس:

  • أولى تلك العثرات هي محاولة احتواء والتعاون مع مليشيات طرابلس، وهي مليشيات متغولة تعتمد في نجاحها وقوتها وإيراداتها على غياب الأمن والاستقرار….
  • ثاني العثرات المرتقبة فهي اعتماد الخطة “ب” على قوانين الانتخابات الحالية سيؤدي لرفضه من قبل المدن والمناطق المتضررة من تجاوزات هذا القانون، ويؤكد التقرير أن نجاح الخطة يقتضي “وضع خارطة طريق لإقرار دستور ويكون هذا عن طريق تعيين لجنة فنية دولية مصغرة تقوم بتعديل دستور 1963 والإعداد للاستفتاء عليه السنة القادمة”…
  • العثرة الثالثة تتمثل في الإصرار على القيام بعملية انتخابية موَّحدة في كل أنحاء البلاد، وكما أنذرت جهات مختصة عدة كــ”هيومن رايتس واتش”، فإن المناطق التي ترزح تحت الحكم العسكري أو يصعب فيها الانتخاب بحرية لا يمكن أن تكون جزءا من عملية الانتخاب”، وفي هذا الخصوص أوصى التقرير باعتماد أطروحة الانتخابات التزايدية عبر التأكيد أن تعقد الانتخابات أولا في المناطق التي ينطبق عليها الحد الأدنى من المعايير الدولية، ويتشكل البرلمان الجديد من هؤلاء الأعضاء المنتخبين بغض النظر عن عددهم، ويكون لهذا البرلمان الجديد كافة الصلاحيات التشريعية والسيادية ويمارس مهامه المعتادة ومنها تشكيل حكومة….
  • العثرة الرابعة حسب الباحثين الليبيين أن الخطة ب لن تنجح ما لم يُكبح جماح المشوشين الإقليميين، ولابد من وضع حد للمحاولات الفرنسية لتشكيل حكومة موالية لباريس ولأبي ظبي، ولن تنجح الخطة “ب” بدون تعقب ومحاسبة الفاسدين من السياسيين والعسكريين والمليشيات ويكون تجميد أرصدتهم من أولويات المجتمع الدولي، كما يؤكد نص التقرير أن “الممولين للميليشيات والمحركين للقلاقل والاضطرابات كمصر والإمارات العربية المتحدة قد انتهكتا مرارا حظر توريد السلاح لليبيا فيجب أن يواجهوا عقوبات صارمة لا تحابي أحدا …”
  • العثرة الخامسة والأخيرة التي يؤكد عليها التقرير فهي “أن على المجتمع الدولي أن يعيَ تماما أن طائفة المداخلة تمثل تهديدا وجوديا للدولة الليبية، يتحتم على المملكة السعودية أن تجفف سبل دعم هذه الفرقة التي تتخذ من السعودية مهدا ومركزا روحيا لها. وإن تطَّلَب الأمر، فعلى المجتمع الدولي أن يدعم عمل عسكري ليبي ضد هذه الجماعة المتطرفة المُمعنة في الفساد والإجرام”…..

++ في طبيعة الحلول الجدية للخروج من عمق الازمة

الحقيقة التي لا مناص من التغاضي عنها أن الأمم المتحدة نسيت وتنسى أن الوضع في ليبيا مأسوي بكل المعايير وهو وضع يُنذر بقتل جماعي لا حدود له وجوع منقطع النظير وتهجير يشبه بتهجير الفلسطينيين من ديارهم

ومن حيث الحلول العملية والجادة، فيمكن اختصارها في مقترحات ثلاث وجب على البعثة الأممية والصادقين من النخب الليبية العمل على تفعيلها وتحويلها الى حقائق ملموسة وبشكل تراتبي:

أ- نزع السلاح وفك المليشيات بأسرع وقت، لتجنب حرب ثالثة في طرابلس والتي ستكون ترتباتها كارثية ذلك أن الصراع ليس صراع سلطة بين المليشيات ولكن صراع من اجل السيطرة على منابع القرار والأموال…

ب- إنعاش اقتصادي، وذلك بالاستعانة بخبراء دوليين من داخل ليبيا وأجانب لتسيير منابع الأموال وبكل شفافية ومهنية حيث الشعب مقهور والفقر طال كل البيوت…

ت- ابعاد أي حل عسكري داخل طرابلس والبدء في انشاء جيش ليبي وطني وتفعيل الشرطة في كل مناطق ليبيا واشراك المليشيات في أي حل سياسي والتعامل معهم وجعلهم داخل الصندوق لا خارجه ….

والخلاصة أن الأزمة في ليبيا أعمق وأخطر من أن تُحلّ بالانتخابات فقط، أو بإقرار الدستور وإجراء الانتخابات فقط، صحيح أنهما يمثلان مُطهراً للجرح الغائر والمُلتهب بطفيليات السياسة التي فاقمت تورمات الفساد في جسد الوطن وعطلت مراكز السلطة فيه…

إنّ إقرار مشروع الدستور أمر لازم لبدء عملية سياسية مستقرّة وواضحة المعالم والحدود وهو سيحدّ عمليا من عقلية المغالبة والإقصاء ويؤسس لقاعدة من الوعي السياسي، أما حصر حل المشكلة في الانتخابات أو إحالة المشاكل المتراكمة على من ستأتي بهم الانتخابات هو هروب للأمام وإطالة لأمد الأزمة وعقد آمال على المجهول، ويبقى وعي السياسي والمواطن هو الضامن الأساسي للاستقرار وضمان سيادة القانون والدستور.

وفي الأخير فإن عمق أزمة الليبيين وما يعانونه هو نتاج اللاواقعية في السلوك السياسي واعتقاد كل طرف مقدرته على الحسم والاعتقاد أنه الوحيد القادر على حل الأزمات، مع أن هذا السلوك هو أهم أسباب الأزمة، وأن أول الحلول بقبول المشاركة السياسية من الجميع والالتزام بآليات التنافس السياسي بعيد عن المغالبة والإقصاء وعقلية الاستئصال التي تغذيها أطراف إقليمية لا تريد لليبيا الخروج من نفق الازمة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *