اعتبر حزب “نداء تونس”، الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة يوسف الشاهد و الشريك الأوّل في الحكم ببيان أصدره في 29 ماي من عام 2018 أنّ الحكومة الحاليّة برئاسة الشاهد عنوان أزمة سياسيّة.

و انتقد الحزب في البيان نفسه، “الأطراف التي ترفض تغيير الحكومة بمبرّر الحرص على المصلحة الوطنيّة والاستقرار”، في إشارة إلى موقف شريكها في الحكم حزب حركة “النهضة”، التي قال رئيسها راشد الغنوشي في تصريحات صحفية إثر لقاء جمعه بممثلي وثيقة قرطاج الاثنين 28 ماي 2018: “إنّ الحفاظ على الحكومة الحاليّة يمثّل استقراراً لتونس”.

وفي اجتماع عقد الإثنين 22 ماي من عام 2018 في قصر قرطاج برئاسة الرئيس التونسيّ الباجي قائد السبسي، تمسّك كلّ من حزبيّ “نداء تونس” و”الاتّحاد الوطنيّ الحر” و”الاتحاد العام التونسيّ للشغل” و”الاتحاد الوطنيّ للمرأة التونسية” (منظّمة تونسيّة تهتمّ بقضايا المرأة) بالمطالبة بإجراء تغيير شامل في الحكومة، بما فيها رئيسها يوسف الشاهد، فيما تمسّكت حركة “النهضة” وحزبا “المبادرة” و”المسار” و”الاتّحاد التونسيّ للفلاحة والصيد البحريّ” (منظّمة نقابيّة تعنى بالمزارعين في تونس) بإجراء تغيير جزئيّ على الحكومة والإبقاء على رئيسها الشاهد.

من جهتها، أكّدت رئيسة حزب “الاتّحاد الوطنيّ الحرّ” (أحد الموقّعين على وثيقة قرطاج) سميرة الشواشي في تصريح لإذاعة “موزاييك” التونسيّة الخاصّة بـ25 ماي من عام 2018، أنّ حزبها متمسّك بتغيير الحكومة، وأكّدت وجود إجماع تام على ضرورة أن يكون التحوير الحكوميّ عميقاً يشمل جميع الوزراء ورئيسهم، عدا موقف “حركة النهضة” المخالف لذلك.

وكانت أحزاب قد وقّعت على وثيقة قرطاج الأولى في 24 جوان من عام 2016 برعاية الباجي قائد السبسي لتتولّى إسناد حكومة الشاهد ودعمها وتحديد أهدافها التي تم توزيعها على 6 أولويات في مقدمتها كسب الحرب على الارهاب ومقاومة الفساد، وذلك قبل تغييرها بوثيقة قرطاج 2 في 3 ماي من عام 2018، وتغيير النقاط الواردة فيها بـ65 نقطة تضمنت برامج اجتماعية واقتصادية ومجموعة من الإجراءات، بسبب تمسك الاتحاد العام التونسي للشغل بتغيير الحكومة التي قال إنها فشلت في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها تونس. ثمّ تقرّر في 28 ماي من عام 2018 إيقاف العمل بها إلى أجل غير مسمّى بسبب الخلاف بين أطرافها على تحديد مصير الحكومة الحاليّة.

وتجري أحزاب ومنظمات تونسية مشاورات موسعة، منذ مارس الماضي، حول تغيير حكومة يوسف الشاهد، بهدف ما اعتبروه كسر الجمود الاقتصادي في البلاد، وفشل الحكومة الحالية بإجراء الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ومعالجة قضايا التشغيل والتنمية.

هذا و انسحب “الاتّحاد العامّ التونسيّ للشغل” من اتّفاق قرطاج، بعد إيقاف العمل به، احتجاجاً على عدم الاتفاق على إقالة الشاهد.

ونشر حافظ قائد السبسي، وهو نجل الرئيس التونسيّ والمدير التنفيذيّ لحزب “نداء تونس”، الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الحاليّ، تدوينة في صفحته الرسميّة على “فايسبوك” بـ23ماي من عام 2018 دافع فيها عن مطلب حزبه بضرورة تغيير الحكومة، وكتب أنّ الحكومة الحاليّة فشلت على جميع المستويات في حلّ إشكاليّات البلاد، وعدّد أسباب مطالبتهم برحيلها.

مواقف بعض الأحزاب على غرار نداء تونس، والاتحاد الوطني الحر، والاتحاد العام التونسي للشغل المطالبة بتغيير الحكومة، وتصريحات الفاعلين السياسيين، الذين يؤكدون فشل يوسف الشاهد في تنفيذ الأولويات التي حددتها وثيقة قرطاج يقود نظريّاً إلى الاستنتاج بأنّ حكومة الشاهد الثامنة منذ اندلاع الثورة في 17 ديسمبر من عام 2010، دخلت أيّامها الأخيرة، وأنّ تونس على أبواب حكومة تاسعة.

وكانت حكومة الشاهد، الذي يبلغ 41 عاماً، وهو أصغر سياسيّ يتمّ تكليفه بترؤس حكومة في تاريخ تونس منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956، قد تسلّمت السلطة منذ 26 أوت ئيس الجمهورية رئيس الحكومة باقتراح من الحزب الأغلبي في مجلس نواب الشعب، على أن تُجرى انتخابات تشريعية ورئاسية، بعد كل خمس سنوات، يتم على اثرها تغيير رئيس الحكومة الذي يتولى في ما بعد تشكيل فريقه الحكومي، غير أن رئيس الجمهورية التونسي الباجي قايد السبسي أعلن عن مبادرة في 2 جوان 2016، دعمتها أطراف سياسية ومنظمات اجتماعية، وكونوا ما يُعرف اليوم بوثيقة قرطاج، كان هدفها تغيير حكومة الحبيب الصيد التي سبقت حكومة الشاهد، فأصبحت هذه الوثيقة بمثابة اتفاق يلتزم رئيس الحكومة بتنفيذه.

ويتهم برلمانيون تونسيون رئيس الجمهورية بالسطو على صلاحيات البرلمان، لأن البرلمان الطرف الوحيد دستوريا المعني بالنظر في تغيير الحكومة.

وفي هذا الشأن، قال المحلّل السياسيّ محمّد بوعود في تصريح لـ”المونيتور”: إنّنا على وشك توديع الحكومة الثامنة، وإنّ رحيل يوسف الشاهد وحكومته أصبح وشيكاً، وشدّد على أنّ هذا التغيير سيؤثّر سلباً على الإطمئنان النفسيّ لدى المواطنين والمستثمرين، وسيعيق تقدّم تونس اقتصاديّاً، وسيخلق أزمة سياسيّة عميقة.

وقد تولّى قبل الشاهد، 7 أشخاص منصب رئيس الحكومة منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن عليّ في 14 جانفي من عام 2011، وهم: محمّد الغنوشي (بين 14 جانفيمن عام 2011 و27 فيفري من عام 2011)، الباجي قائد السبسي الذي يتولّى حاليّاً منصب رئيس الجمهوريّة (بين 27 فيفري من عام 2011 و 24 ديسمبر من عام 2011)، حمادي الجبالي (بين 24 ديسمبر من عام 2011 و13 مارس من عام 2013)، علي العريض (بين 14 مارس من عام 2013 و 29 جانفي من عام 2014)، مهدي جمعة (بين 29 جانفي من عام 2014 و6 فيفري من عام 2015)، ثمّ حبيب الصيد بين 6 فيفري من عام 2015 و27أوت من عام 2016(.

واعتبر القياديّ في “حركة النّهضة” ورئيس الحكومة السابق علي العريض في تصريح صحفي أنّ التغيير المستمرّ في الحكومات يعني بالضرورة العودة إلى النقاط الصفر من حيث المفاوضات الاجتماعيّة والمشاريع التنمويّة. كما يؤدّي هذا التغيير إلى انقطاع بعض المشاريع التي تتوقّف وتُستأنف الأمر الذي يؤثر على فعاليّتها وجودتها، وقال في التصريح نفسه: إنّ هذا التغيير الدوريّ للوزراء عطّل تنفيذ الإصلاحات التي تطرحها الحكومات في برنامجها أثناء تولّيها الحكم، وإنّ رئيس الحكومة الذي يشعر بأنّه سيتغيّر في أيّ لحظة لن يجرؤ على فتح الملفّات الاجتماعيّة والتنمويّة الكبرى.

من جهته، لفت الخبير الاقتصاديّ وجدي بن رجب في تصريح لـ”المونيتور” إلى أنّ تغيير الحكومات خلال فترات وجيزة (بمعدّل حكومة كلّ سنة) أضرّ كثيراً بالاقتصاد التونسيّ، حيث تراجع الترقيم السياديّ لتونس في مارس الماضي من “بـ1” إلى “بـ2″، وهو ما أثّر سلباً على الاستثمار، مشيراً في التصريح نفسه إلى أنّ عدم الاستقرار الحكوميّ له تأثيرات سلبيّة على المعاملات الدوليّة وثقة المستثمرين في الاستقرار الاقتصاديّ، وهو ما يمنعهم من الاستثمار أو بعث مشاريع في تونس.

ولقد اعتبرت وكالة “فيتش الدوليّة للتصنيف الإئتمانيّ” في بيان بـ28ماي من عام 2018 أنّ الآفاق المستقبليّة غير مستقرّة في تونس بالرجوع إلى البعد السياسيّ، الذي يمثّل خطراً، خاصة من خلال إعادة تموقع الأحزاب قبل الإنتخابات التشريعيّة والرئاسيّة سنة 2019، ممّا قد ينجرّ عنه عدم الاستقرار على مستوى الحكومة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *