البارزة, وجهات نظر 0 comments on الذكرى الأربعون للثورة وقمة وارسو “الإقلاع” الإيراني في مواجهة “المُقعَدين”(1) .. بقلم الشاعر والكاتب البحري العرفاوي

الذكرى الأربعون للثورة وقمة وارسو “الإقلاع” الإيراني في مواجهة “المُقعَدين”(1) .. بقلم الشاعر والكاتب البحري العرفاوي

1: الأربعون أو عُمُرُ الفُتُوّة
لو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تحقق إلا بلوغ عامها الأربعين من زمن الثورة لكان ذاك كافيا لتأكيد انتصارها على الذين توعدوها ووعدوا خصومها بأنها لن تبلغ عامها الأربعين.
لقد سبق أن حاول خصومها منذ نهاية ديسمبر 2017 تحريك الشارع في عدة مدن إيرانية على خلفية مطالب اجتماعية مشروعة وكانوا يريدون من ورائها إحداث “ثورة” على النظام الثوري المقاوم ومساعدة من يسهل التعامل معه في البيع والشراء على تسلم السلطة.
حدث أيضا أن تسلل مسلحون إلى استعراض عسكري بمدينة الأهواز بتاريخ 22 سبتمبر 2018نفذوا أصابوا فيه عددا من الأبرياء.
بلوغ الاحتفالية الذكرى الأربعين كان تحديا كبيرا وإنجازا رمزيا مُعَبّأً بالدلالات بوجه أعداء الثورة الإسلامية في إيران.
2:إيران الشدائد والانتصارات
منذ انتصارات الثورة في إيران عام 1979 تتالت عليها المؤامرات والتهديدات على عهد كارتر الذي هدده بأسطوله السادس ثم فرض الحصار الاقتصادي في عملية اختبار لصلابة القيادة الثورية، الإمام الخميني رحمه الله أمر بتجنيد عشرين مليون مقاتل لمواجهة أي غزو كما دعا إلى الاستفادة من فريضة الصوم كدُربة على الصبر لمواجهة الحصار الاقتصادي،كان ذاك درسا عظيما حين يفهم المستكبرون أن الشعوب لا يمكن إخضاعها بالرغيف وبكماليات العيش أو حتى ضروراته.
وصمُ السفارة الأمريكية بطهران ب”وكر الجواسيس” وطرد سفير الكيان الصهيوني ورفع علم فلسطين على نفس تلك البناية وإعلانها سفارة فلسطينية كانتا رسالتين للعرب والمسلمين وللقضية الفلسطينية بأن هذه الثورة إنما هي ثورتهم بل ثورة كل المستضعفين بوجه الاستكبار العالمي.
لم تكن الثورة الإسلامية في إيران انقلابا عسكريا تُستبدل فيه “شُخوصُ” الحكم بل كانت ثورة في فلسفة الحياة وفي روح الدولة وفي معاني الصمود بوجه الظلم والاستكبار، كانت ثورة ثقافية بالأساس جددت قاموس الخطاب في الحركات الإسلامية في البلاد العربية وأعطتها مضمونا اجتماعيا وجعلتها تربط بين الإسلام والناس كل الناس لا على أساس الهوية الدينية وإنما على أساس الهوية الإنسانية وهوية “الاستضعاف”.
المتابع لمسار الثورة الإسلامية الإيرانية يلحظ أنها لم تُغير فلسفتها ولم تتبرأ من مرجعيتها الإسلامية ولم تتنكر لفلسطين ولم تبخل في دعم الحركات المقاومة للاحتلال الصهيوني رغم ما تعرضت وتتعرض له من حصار ومن مقاطعة ومن حملات تحريضية.
دعم الثورة الاسلامية لحركات المقاومة هو الذي غير موازين القوى في لبنان بداية من انتصار 2000 إلى انتصار تموز 2006 وصولا إلى صمود غزة في كل معاركها الأخيرة مع الصهاينة بداية من 2008 إلى آخر معركة في 2018وصدمة “الكورنيت”.
الكيان الصهيوني اليوم يجد بأنه محاصر من قُوى مقاومة ومجهزة ومُعبأة انطلاقا من لبنان وغزة وصولا إلى العراق وسوريا.
3:وارسو “الحشد الأخير”
الرئيس الأمريكي ترامب مُتوعدا للإيرانيين فكان أن أعلن خروجه من الاتفاق النووي ثم أوعز للخليجيين بالتوحد ضد خصم مشترك أقنعهم بأنه أشد خطرا من العدو الصهيوني ثم كان مؤتمر مكة المكرمة في ماي 2017حشد فيه دولا إسلامية وعربية تحت عنوان واضح هو التحالف السني في مواجهة الخطر الشيعي وهو “عنوانٌ” من أخطر عناوين الحروب،إنه عنوانٌ للفتنة بين أبناء الأمة وقد اشتغلوا عليه ومهدوا له منذ أعلن بوش الابن عشية 11 سبتمبر 2001″سنجعلهم يقتلون بعضهم” وها هم المسلمون يقتلون بعضهم في العراق وسوريا وليبيا واليمن وربما تسع دائرة الفتنة إذا لم يتدارك قادة الشعوب وعلماؤها ونخبها أمرهم.
في مؤتمر وارسو كانت كلمة نائب الرئيس الأمريكي كلمة مطولة مشحونة بالتحريض المباشر ضد إيران واصفا إياها ب”الإرهاب الإسلامي” ليكشف في الأخير عن الهدف الحقيقي من المؤتمر وهو حماية الكيان الصهيوني الذي أصبح مرتعبا وأصبح بحاجة إلى حضن عربي أكثر دفئا وأوضح للعيان،يُريد أن يخرج التطبيع من السرية إلى العلن وكأنه يطمع أن الشعوب العربية الإسلامية قد تأتمر بأوامر حكوماتها فتنخرط في التطبيع الشامل بل لعلها ستُقاتل من أجل سلامة “دولة إسرائيل الكبرى”.
قمة وارسو التي حضرتها حوالي ستون دولة بمستويات مختلفة، إلى أي حدّ حققت أهدافها؟ وما هي آفاق تحركها مستقبلا لتفعيل “صفقة القرن” وإلى أي مدى سيصمد تحالفٌ تحت “راع” واحدٍ ولكن من “زرائب” مختلفة؟
يتبع.

أخبار, البارزة, وجهات نظر 0 comments on كيف تدعم أمريكا الدكتاتوريات حول العالم

كيف تدعم أمريكا الدكتاتوريات حول العالم

تناول موقع غلوبال ريسيرش الكندي في مقال للكاتب البارز “جاكوب هورنبيرجر” كيفية تعاطي بلاد العم سام مع الديكتاتوريات الاستبدادية حول العالم.

دعونا نبدأ في دراسة بعض الأمثلة حيث إن هذا التدخل الأخير ليس أكثر من لعبة قوة لتدخل أمريكا في البلدان الأخرى، وتهدف بذلك إلى استبدال نظام دكتاتوري بآخر.

ففي السعودية يوجد ديكتاتورية وحشية واستبدادية، وحكومة أمريكا تدعم النظام السعودي ولا يوجد أي قلق على المواطنين السعوديين الذين يعانون من هذا الطغيان الوحشي والقمع الذي يمارسه النظام السعودي بحقهم.

 

إيران تحت حكم الشاه في عام 1953، دمّرت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية تجربة إيران بالديمقراطية بإقصاء رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً، محمد مصدق من السلطة، ووضعت بدلاً منه شاه إيران، أحد أكثر الطغاة وحشية في العالم، والأسوأ من ذلك أنها ساعدت في تدريب مؤسسته الأمنية الوطنية في فنون التعذيب والطغيان والظلم، لم يكن هناك أي اهتمام برفاهية الشعب الإيراني أو حريته.

غواتيمالا وفي عام 1954، أطاحت مؤسسة الأمن القومي في أمريكا بالرئيس المنتخب ديمقراطياً من منصبه ووضعت بدلاً منه سلسلة من الطغاة العسكريين الوحشيين، وقد ألقى الانقلاب الذي خضعت له أمريكا البلاد في حرب أهلية دامت ثلاثة عقود، أسفرت عن مقتل أكثر من مليون شخص.

و كوبا في الخمسينات من القرن الماضي، دعمت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية وشاركت في دكتاتور وحشي فاسد يدعى فولغينسيو باتيستا، والذي كان هو نفسه شريكاً في المافيا، المنظمة الإجرامية الأولى في العالم، ولم يكن هناك أي قلق على الإطلاق بالنسبة للشعب الكوبي، بما في ذلك الفتيات الصغيرات اللواتي تعرّضن للاختطاف من قبل المافيا لاستخدامهن جنسياً، ومنذ أن أطاح الشعب الكوبي بـ “باتيستا” من السلطة من خلال ثورة عنيفة واستبدله بفيديل كاسترو، لم تتوقف مؤسسة الأمن القومي الأمريكية عن محاولة الحصول على دكتاتور خاضع وممتد إلى السلطة في كوبا.

تشيلي في عام 1973، دبّرت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية الإطاحة العنيفة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً، سلفادور أليندي، واستبدلته بواحد من أكثر الديكتاتوريين العسكريين استبداداً وفساداً في العالم، الجنرال أوغستو بينوشيه، حيث شرع بينوشيه في تعذيب واغتصاب وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، بمن في ذلك أمريكيين بدعم كامل من مؤسسة الأمن القومي الأمريكية.

العراق في الثمانينيات من القرن الماضي، دعمت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية صدام حسين، أحد أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم، وهو أحد من كان بعض المسؤولين الأمريكيين يشيرون إليه في التسعينيات على أنه “أدولف هتلر”، وكانوا يساعدون صدام على قتل الإيرانيين، في وقت لاحق، بعد أن قام المسؤولون الأمريكيون بتحويل شريكهم صدام إلى عدو في التسعينيات، استهدفوا المواطنين العراقيين بالقتل والمعاناة من خلال واحدة من أكثر أنظمة العقوبات قسوة في التاريخ كطريقة للتخلص من صدام واستبداله بشريك دكتاتوري آخر لأمريكا.

واختتم الموقع بالقول إن عقلية أمريكا التدخلية اليوم تجاه فنزويلا لا تختلف، وهي تعكس شيئين: الأول، فرض عقوبات أمريكية على فنزويلا، والثاني، الاعتراف الرسمي برئيس بديل على أمل أن ينتج هذان الأمران ثورة عنيفة، إن عدد القتلى من هذه الثورة، بغض النظر عن ارتفاعها، لا يهم المسؤولين الأمريكيين، بعد كل شيء، سيكون الناس الذين سيموتون فنزويليين، كما هو الحال مع مصر والسعودية وإيران والعراق وكوبا وشيلي وغيرهم، فإن حرية ورفاهية المواطنين لا تثير أي قلق، كل ما يهم هو طرد نظام مستقل واستبداله بنظام دكتاتوري جديد متحمس وراغب في أن يكون شريكاً وحليفاً لحكومة أمريكا.

 
البارزة, وجهات نظر 0 comments on هل يؤثر توتر العلاقة بين السعودية و المغرب على المعاملات التجارية و المالية بين البلدين

هل يؤثر توتر العلاقة بين السعودية و المغرب على المعاملات التجارية و المالية بين البلدين

محطات من الخلافات غير المعلنة انتقلت من السرية إلى العلنية

 

منية العيادي

 

يبدو أن توتر العلاقة بين المغرب و السعودية على خلفية قضية الصحراء الغربية التي أثارت “أزمة” بين البلدين اعتراضا على تقرير نشرته قناة العربية المقربة من الدوائر الحاكمة في السعودية يخالف الموقف المغربي من قضية الصحراء الغربية ، بدأ يحصي آثاره بعد قيام الخارجية المغربية باستدعاء سفيريها في الرياض ثم أبو ظبي وسط توقعات بمزيد تعقّد الأزمة التي بدأت تلقي بضلالها على المعاملات المالية و التجارية بين البلدين .

 

*** تقرير ” العربية” القطرة التي أفاضت الكأس

 

 مثل التقرير الذي نشرته قناة “العربية” القطرة التي أفاضت الكأس و شكلت نقطة التحول في العلاقة بين البلدين و جاء فيه أن ”  الصحراء الغربية كانت مستعمرة إسبانية انسحبت منها إسبانيا عام 1975 و منحت الرقابة عليها لكل من المغرب و موريتانيا “.

و اعتادت السعودية، على مر سنوات، تأكيد موقفها الداعم لسيادة المغرب على الصحراء الغربية، إلا أن تقرير قناة “العربية “، التي يراها البعض مقربة من السعودية، يشير من وجهة نظر مراقبين مغاربة، إلى عدم احترام السيادة المغربية التاريخية على الصحراء الغربية.

و جاء التقرير بعد مرور بضعة أيام على مقابلة أجراها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مع قناة “الجزيرة” القطرية قال فيها إن “المغرب طور مشاركته أو غير مشاركته انطلاقا من تطورات وقعت على الواقع، انطلاقا من تدبير التحالف، و انطلاقا من تقييم المغرب نفسه للتطورات في اليمن”.

و رغم تصريحات السفير مصطفى المنصوري الذي أكد أن المغرب و السعودية تربطهما علاقات قوية قديمة تمر حاليا “بسحابة عابرة” فإن التاريخ يشير إلى أن العلاقات المغربية السعودية شهدت أزمة صامتة قبل سنتين، لتنتقل مؤخرا من السرية إلى العلنية، بشكل مفاجئ .

 

*** الديبلوماسية المغربية- السعودية من التحالف إلى التخوين 

 

 جاء تقرير قناة العربية بعد مرور بضعة أيام على مقابلة أجراها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مع قناة “الجزيرة” القطرية قال فيها إن “المغرب طور مشاركته أو غير مشاركته انطلاقا من تطورات وقعت على الواقع، انطلاقا من تدبير التحالف، و انطلاقا من تقييم المغرب نفسه للتطورات في اليمن”.

و أضاف بوريطة أن المغرب “لم يعد يشارك في العمليات العسكرية في اليمن ولم يحضر المناورات العسكرية أو الاجتماعات الوزارية الأخيرة للتحالف”.

و لم يساند المغرب السعودية ضد قطر في الأزمة الخليجية، بل اتخذ موقفا محايدا داعيا إلى التقريب بين وجهات النظر دون الاصطفاف مع طرف ضد الآخر.

كما لم يعرب المغرب عن تأييده للموقف السعودي في قضية مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول.

و يُلوم المغاربة السعودية على تصويتها لصالح ملف (الولايات المتحدة و المكسيك) لتنظيم كأس العالم 2026، و ضد ملف المغرب الذي كان يطمح في الفوز باستضافة البطولة.

و كانت الدبلوماسية المغربية اصطفت في مواقفها، بشأن القضايا العربية و الإقليمية و حتى الدولية، في محور الرياض أبو ظبي، و بلغت قراراتها، في بعض الأحيان، مستويات تجاوزت سقف التوقعات؛ على غرار ما حدث في أزمة البحرين و إيران (2009)، حيث اكتفت دول هذا الحلف بالإدانة و التنديد، بينما قرّرت الرباط حينها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. غير أن الأزمة الخليجية شكلت لاحقا القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقات الرياض بالرباط، بعدما اختار المغرب الخروج عن المألوف، بإعلانه التزام الحياد البنّاء في موقف مفاجئ، تلاه قرار إرسال مساعدات غذائية عاجلة لدولة قطر، خلال الأيام الأولى لاندلاع الأزمة، ثم تقديم مقترح للوساطة بين الطرفين.

و اعتبرت السعودية هذا التموقع بمثابة خيانةٍ غير متوقعة من حليف استراتيجي، تربطهما قواسم مشتركة كثيرة، ما حداها، في سياق معين، إلى اقتراح منحه، بمعية الأردن، العضوية في دول مجلس التعاون الخليجي. لذا رفضت كل الوساطات التي اقترحها محمد السادس في كل من أزمتي رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ماي 2018 و الأمير الوليد بن طلال مارس 2018 ابن خالة الأمير مولاي هشام العلوي. 

و تجلت مؤشرات التوتر بين البلدين، بعد أن غيرت المغرب من مشاركتها في التحالف السعودي الإماراتي، و عدم زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الرباط بعد الجولة الأخيرة التي قام بها إلى بلدان المغرب العربي، عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا .

و بدا أن المغرب لم يرغب في أن يكون جزءا من تحركات ولي العهد السعودي الذي زار بلدانا عربية بعد أزمة مقتل خاشقجي، وفسر وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة في حوار للجزيرة، بكون “التوقيت و الترتيبات حالت دون ذلك”.

 

*** الرياض و أبو ظبي لم تلتزما بالوعود المالية التي تعهدتا بها للمغرب

 

كان لعدم وفاء العربية السعودية بالتزامها بمنح مساعدات مالية للمغرب، إبّان الربيع العربي، سببا إضافيا لإعادة الرباط النظر في موقعها، فوفقا لتقارير رسمية مغربية، لم توف سوى قطر و الكويت بالتزامهما بمنح الدعم المخصص للمغرب بدفع مبلغ 1٫25 مليار دولار لكل منهما، بينما دفعت السعودية 868 مليون دولار فقط من إجمالي 1٫25 مليار دولار تم التعهد به عام 2012.

و تداولت عدة مصادر إعلامية توقعاتها بتأخر مساعدات السعودية للمغرب و المنح المالية التي وعدت بها الرياض الرباط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي.

و حسب مراقبين، فقد تؤدي تداعيات الأزمة، إلى مزيد من التأخير للمنح السعودية للمغرب، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية إضافية مرتقبة على العلاقات التجارية بين البلدين.

و سبق لمحافظ المركزي المغربي، عبد اللطيف الجواهري، أن أوضح، عندما سئل حول احتمال تجديد اتفاق الهبات بين المغرب و دول الخليج، بأن ذلك يبقى رهينا بالمستوى السياسي.

و يقول الخبير الاقتصادي المغربي، محمد الشيكر،  إن تأخر صرف ما تبقى من الهبات الخليجية، ساهم في تدهور عجز الميزان التجاري في العام الماضي.

لكنه يرى أن مستقبل المساعدات لن يكون رهينا بالتعاطي مع مجلس التعاون الخليجي، كتكتل منسجم في المستقبل، بل يتعلق الأمر بالعلاقات مع كل دولة على حدة.

و لم تتعدّ هبات دول الخليج للمغرب في العام الماضي 285 مليون دولار، بعدما دفع انخفاض وتيرة صرفها الحكومة المغربية إلى خفض توقعاتها من 720 مليون دولار إلى 480 مليون دولار.

وتعهدت قطر والسعودية و الإمارات والكويت بمنح المغرب 5 مليارات دولار بين 2012 و 2016، لتمويل مشاريع تنموية في المملكة، إذ تعهد كل بلد بتوفير 1.25 مليار دولار.

ويشير تقرير حديث ملحق بمشروع موازنة العام المقبل 2019، إلى أن عدم حصول المغرب على كامل المنح التي وُعد بها في 2012، يرجع إلى تأخر السعودية و الإمارات في وفاء ما التزمتا به.

و يوضح التقرير الذي تضمن بيانات إلى غاية أوت الماضي، أن قطر و الكويت أوفتا بالتزاماتهما، بينما لم تتعد مساهمات الإمارات و السعودية على التوالي 1.03 مليار دولار و 868 مليون دولار.

و يتجلى أن العديد من المشاريع علقت في سياق التوتر بين البلدين، فلم يجر الحديث منذ 2017، عن إنشاء خط بحري لشحن السلع، بما يفضي إلى تقليص كلفة النقل و زيادة حجم المبادلات.

و كان ذلك الخط يحظى بالأولوية في اجتماعات مجلس الأعمال المغربي/ السعودي، الذي لم يُعقد منذ عامين.

و كان مجلس التعاون الخليجي قد تبنى -في دورته الـ32 التي شهدتها الرياض عام 2011- قرارا بمنح المغرب هبة بخمسة مليارات دولار في ست سنوات بهدف تمويل مشاريع تنموية.

 

*** هل تطول الأزمة تمويل ميزانية الاسيسكو

 

التأثيرات أيضا يبدو أنها وصلت إلى المنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة “الإيسيسكو” و مقرها “الرباط” بعد أنباء عن إمكانية إستقالة مديرها العام السعودي عبد العزيز بن عثمان التويجري و عدول السعودية عن تمويلها أو التقليل من حجم حصتها من  تمويلات المنظمة و التي تقدر ب 80 % من الميزانية . 

و سبق أن أشاد عبد العزيز بن عثمان التويجري،  بمبادرة الملك محمد السادس، التي دعا فيها إلى إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار و التشاور بين المغرب و الجزائر، من أجل الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة بينهما بكل صراحة و موضوعية وصدق و حسن نية، و بأجندة مفتوحة دون شروط أو استثناءات.

ورأى التويجري في المبادرة الملكية خطوة مهمة في سبيل حل الخلافات بين البلدين، و إحداث التكامل بين دولتين عضوين في “الإيسيسكو”، و لهما دور كبير في تعزيز العمل الإسلامي المشترك.

 

 

 

البارزة, وجهات نظر 0 comments on الشعب التونسي – الجزائري .. في خطر .. بقلم كمال بن يونس

الشعب التونسي – الجزائري .. في خطر .. بقلم كمال بن يونس

المطالبة بوحدة مصير” الشعب التونسي الجزائري” واعتباره بلدا واحدا لم تبدأ بالغارة الفرنسية على الوطنيين الجزائريين والتونسيين في ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958، بل صدرت منذ 1918 عن المناضل الوطني محمد باش حانبه ( 1981-1920) ، شقيق زعيم “حركة الشباب التونسي” مطلع القرن الماضي المناضل علي باش حانبه ..علما أن أغلب زعماء الحركة الوطنية في تونس في القرن الماضي، وبينهم العلامة عبد العزيزالثعالبي، كانوا من أصول جزائرية ..كما كانت الاراضي التونسي وجامعاتها ومعاهدها قبلة أغلب الوطنيين الجزائرييين وبينهم الرئيس الاسبق هواري بومدين خريج جامعة الزيتونة..

وقد تبنى الوطنيون الجزائريون والتونسيون هذا الشعار منذ ذلك التاريخ ..
 

كما بادرت وزارتا الدفاع في تونس والجزائر قبل أعوام بإصدار كتاب عنوانه هذا الشعار، ساهم في تأثيثه جامعيون ومؤرخون وسياسيون من البلدين .

+ واذ اقترن احياء أحداث الساقية قبل أيام بإعطاء اشارة انطلاق مشروع مشترك حدودي جديد يشمل  قطاع الطاقة ، فإن حجم التحديات الجديدة التي تواجه تونس والشقيقة الجزائر ينبغي أن تشجع صناع القرار في  البلدين على تطوير مستوى الشراكة والمشاورات فورا..وفي كل المجالات..

+ مصادر مسؤولة في عواصم عالمية تؤكد أن البلدان المغاربية ودول الساحل والصحراء المغاربية عامة والجزائر وتونس خاصة أصبحت مهددة بمخاطر كثيرة ، من بينها توريطها في اضطرابات أمنية سياسية واجتماعية كبيرة تزيد في إضعاف سلطاتها المركزية وفي معاناة مواطنيها.

و من واجب تونس وكل دول المنطقة دعم صناع القرار في الجزائر لضمان سلامة ترابها الوطني وإجهاض كل السيناريوهات القديمة – الجديدة للنيل من وحدتها الوطنية ومحاولة تقسيمها تحت يافطات عديدة ، مع استخدام ” ورقة الأقليات ” و بعض الاختلافات الثقافية والاجتماعية القديمة جدا بين العرب والبربر..

كما يجب اجهاض سيناريوهات احياء المشروع الاستعماري لعام 1930 حول تقسيم المغرب الاقصى الشقيق الى دولتين واحدة ” ايمازيغية بربرية ” في الشمال والثانية عربية ..

+ ومع اقتراب موعد الانتخابات الجزائرية والتونسية يتخوف كثير من المراقبين من افتعال أزمات أمنية جديدة في الشقيقة الجزائر وفي تونس ، خاصة في المناطق الحدودية، للتسبب في الغاء الانتخابات أو تأجيلها أو إضعاف مصداقيتها السياسية  .

وتكشف وسائل الإعلام الجزائرية منذ مدة ارتفاع منسوب الإحساس بالخطر من المتغيرات الجيو استراتيجية والمستجدات في بعض ” الدول الإفريقية المجاورة “وليبيا ، بسبب ” الزحف الإسرائيلي ” على المنطقة ؟؟.

+ وفي الوقت الذي تستعد فيه تونس والدول العربية لاستضافة مؤتمر وزراء الداخلية العرب ثم قمتين مهمتين : الاولى عربية أوربية في القاهرة والثانية عربية في تونس ، يجب أن تكون على رأس مشاريع القرارات المحافظة على الوحدة الوطنية في كل دول المنطقة وخاصة الجزائر والمغرب وتونس وليبيا.. ووقف مسلسل ابتزاز ساستها خدمة لأجندات استعمارية جديدة و” لوبيات” تحركها مصالح ضيقة  …

++ لقد ثبت خلال الاعوام الماضية أن استقرار الاوضاع الامنية والسياسية في الشقيقة الجزائر ساهم في تنقل ملايين السياح ومئات رجال الاعمال الجزائريين والتونسيين في الاتجاهين ..كما دعم فرص التنسيق بين القيادات الامنية والعسكرية في البلدين وارباك عصابات  التهريب والارهاب والجريمة المنظمة ..

كما أثبتت عشرية التسعينات من القرن الماضي ، أن مخططات ” الفوضى الخلاقة ” والعمليات الارهابية لم تستهدف الجزائر وحدها بل كل دول المنطقة ..

و ليس من مصلحة تونس والدول المغاربية والعربية والاوربية  اليوم دفع بلد كبير مثل الجزائر وجيرانها مجددا نحو مربع العنف والفوضى وعدم الاستقرار..

فعسى أن ينجح ساسة المنطقة والعالم في تحييد الدول المغاربية عامة ، وتونس والجزائر خاصة ، عن أجندات العنف والعنف المضاد ومخططات ” الاستعمار الجديد”..وعلى كل الاطراف السياسية والشخصيات الوطنية التونسية والجزائرية الدفع نحو التكريس الفعلي ل”مزيد تقاطع المصالح “..حتى يجسم حلم محمد باش حانبة ورفاقه قبل قرن ، ببناء دولة واحدة تجمع كل أبناء “الشعب التونسي الجزائري..”

البارزة, وجهات نظر 0 comments on إلى الانتخابات دون مراوغات .. “وقفت الزنقة بالهارب” .. بقلم محمد القوماني

إلى الانتخابات دون مراوغات .. “وقفت الزنقة بالهارب” .. بقلم محمد القوماني

تدلّ مؤشرات عديدة على أنّنا نتهرّب من الاستحقاق الانتخابي، التشريعي والرئاسي لنهاية سنة 2019، والتي بدأناها بإحياء الذكرى الثامنة للثورة، وأنّنا ننزاح، بوعي وبغير وعي، إلى أجواء انتخابات 2011 و2014 وموضوعاتها. وكان المأمّل أن تكون للسنوات دلالتها، وأن يعي السياسيون المعنيون بالترشّح، أنّ العودة الدورية لصناديق الاقتراع أداة الناخبين الديمقراطية لمحاسبة السياسيين، وأنّ الوضع مختلف هذه المرّة. فالتونسيات والتونسيون ينتظرون أجوبة واضحة ومقنعة ووعودا قابلة للتحقّق في التصدّي لمشاغلهم وانتظاراتهم المعيشية التي تراكمت وصارت تنغّص حياتهم وتتهدّد مستقبل أولادهم. ولا يجب أن تكون المناكفات الثقافية والسياسية في مواضيع مهما كانت أهميتها، على غرار مبادرة قانون المساواة في الإرث وما يعرف بملف الجهاز السرّي والمدارس القرآنية، هروبا من مواجهة مُستحقّة للتحدّيات الاقتصادية والاجتماعية. فلنا أن نُولي موضوعات الخلافات ما تستحقّ من اهتمامات، لكن علينا أن نسجّل ما يجمعنا فيها من مشتركات، حتى لا تضيّع مناورات المناكفات بوصلة الانتخابات.

 

خطوة هامة.. لكن..

توفّق مجلس نواب الشعب، وسط الأسبوع الماضي، في تجديد ثلث أعضاء الهيئة العليا للانتخابات واختيار رئيس لها، بعد أزمة حادة عاشتها الهيئة وعجز المجلس عن وضع حدّ لها لمدّة فاقت السنة. كانت خطوة هامة، ارتاح لها التونسيون وتوقف عندها المتابعون، على طريق إزالة العوائق التي تتهدّد الاستحقاق الانتخابي نهاية العام. كنّا ننتظر تثمين هذه الخطوة وتعزيز التوافق في البرلمان باتجاه حسم بقية الملفات التشريعية ذات الصلة بالانتخابات، وفي مقدمتها استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية و إقرار التنقيحات بالمجلة الانتخابية، والتقدم في التوافقات السياسية والاجتماعية لتهيئة أفضل الظروف لانتخابات شفافة يقبل الجميع بنتائجها. لكن للأسف، وجدنا أنفسنا بعد أيام معدودات، ننشغل بملف جديد بالغ الأهمية، عقب تعهّد القضاء بتجاوزات قانونية خطيرة جدا فيما سمي بالمدرسة القرآنية بالرقاب. ونشطت ببلادنا مجدّدا مساع محمومة من جهات ايديولوجية وسياسية عديدة، لتغذية التجاذبات الحادّة واستعادة الاستقطاب الثنائي البغيض.

 

الاستقطاب ليس تنافسا

تعرف ديمقراطيات عريقة في الشرق والغرب حالات من التنافس الانتخابي بين الأحزاب، لا يستبعد فيها استعمال حرب “الملفات” في إحراج الخصوم وإسقاطهم انتخابيا. ويأخذ التنافس في مراحله الحاسمة صيغة ثنائية، لتصطفّ الأطراف المختلفة إلى أحد المتقابلين الرئيسيين. ويخضع ذلك التنافس لضوابط سياسية وأخلاقية وقانونية، وينتهي بإعلان نتائج الاقتراع وتهنئة المهزوم للفائز حزبا أو تحالفا أو رئيسا…ليتوحّد الجميع بعد ذلك في خدمة المشروع الوطني الجامع باحترام القوانين والخضوع للمؤسسات والانضباط لمقتضيات الديمقراطية في انتظار استحقاق جديد ومنافسة متجدّدة. وهذا التنافس الديمقراطي لا يندرج ضمن ما نعنيه بالاستقطاب، الذي يقوم على استعداء الخصم وشيطنته واستباحة كل الوسائل لهزمه ومنعه من المنافسة مجدّدا، عبر العمل على استبعاده أو استئصاله إن لزم الأمر وتوفّرت الفرصة. فالاستقطاب احتراب بين قطبين وليس تنافسا بين مُختلفين.

 

استدعاء الاستقطاب مجدّدا

فانطلاقا من الجدال الحادّ حول مشروع قانون المساواة في الإرث، الذي تقدم به رئيس الجمهورية، وتمّ فيه إخراج الصراع من المنابر إلى الشوارع، ومن المحاججة إلى التحشيد، وحضرت في خطابات أنصار الرأيين المتقابلين مخالفات صريحة للدستور والقانون، وعبارات أقرب إلى الحرب الأهلية الثقافية، التي تعود بالبلاد إلى أجواء الاستقطاب المقيت وتيه “العلمنة والأسلمة” و”الحداثة والهوية” والمناخات التي وفّرت أرضية الإرهاب والاغتيالات السياسية، وكادت أن تعصف بالثورة والسلم الأهلية.

ومررورا بما يٌعرف بملف “الجهاز السري” الذي استندت فيه هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي على وثائق بملف قضائي تمّ الحكم فيه بإدانة مصطفى خذر في نهاية سنة 2013، لتثير شكوكا حول ملابسات تلك القضية، ولتكشف للرأي العام بعض مستندات الملف، وتزعم أن مستندات أخرى تمّ حجزها ولم ينظر فيها القضاء، تؤكد حيازة حزب حركة النهضة لجهاز سري يعمل بالتوازي مع أجهزة الدولة الرسمية ويخترقها، بل يتجسّس على دول عظمى وعلى دول شقيقة. وأنّ هذا الجهاز يورّط النهضة في المشاركة في اغتيال الشهيدين. ومنذ ندوة 02 أكتوبر 2018 تحوّلت هيئة الدفاع عن الشهيدين إلى مدفعية سياسية ثقيلة ضدّ النهضة، وباتت رأس حربة للجبهة الشعبية، يتنقل أعضاؤها بين المنابر الإعلامية ويطوفون جهات الجمهورية، بدل أروقة المحاكم، لشرح “ملف الجهاز السري لحركة النهضة” والتشكيك في مدنيتها والمطالبة بحلّها.

وانتهاء بالجدال المستعر هذه الأيام حول ما يسمّى بالمدارس القرآنية، الذي غذّى مجددا أجواء الاستقطاب المشار إليها. فبدل أن يتوحّد الجميع على دعم مجهود القضاء وانتظار حكمه في قضية الرقاب، والتشنيع بشبهات الجرائم في حق الأطفال خاصة، والتوقّف عند التقصير الحاصل من مختلف المسؤولين، والانتباه إلى المخاطر الجمّة التي تتهدّد الأمن القومي والمجتمع التونسي، من خلال ما تمّ كشفه بهذا الفضاء أو ما قد يكتشف بفضاءات مماثلة، والتجنّد للتصدّي لها قبل غرق المركب الوطني، فإنّه بدل ذلك، سرعان ما خرج الموضوع عن سباقه، لنقع في مقاربات المناكفات والمزايدات، ويتمّ الاحتماء بالدفاع عن المقدسات والنزوع إلى تصفية الحسابات، وتضيع البوصلة في مثل هذه الملفات. فتصبح المعركة الخطأ ضدّ “الاستئصاليين ممّن يستهدفون هوية الشعب المسلم ويحاربون القرآن” من جهة، وضدّ “حزب حركة النهضة الذي يرعى التطرف الديني ويحمي محاضن الإرهاب” من الجهة المقابلة.

وفي كل هذه المعارك على أهميتها، وكما نتبيّن في المحصّلة، يحضر الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي، وتغيب مشاغل المواطنين الحيوية، وكأنّ المنخرطين في هذه الصراعات يتعمّدون الهروب من مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماية المتأكدة في برامجهم الانتخابية المفترضة.

 

وقفت الزنقة بالهارب

لن يكون مسموحا ولا مُجديا في انتخابات 2019، تكرار سيناريو الاستقطاب مهما كانت العناوين. ومهما كانت المناورات والمراوغات، ومهما حصل من توظيف للمستجدات، فإنّه باقتراب الانتخابات ستقف الزنقة بالهارب، ليُواجَه المترشحين من الأحزاب والمستقلين، بأسئلة الناخبين، على غرار ما هي حلولكم لمشكلة المديونية المتفاقمة؟ كيف ستجلبون الاستثمار وتخلقون الثروة؟ ما الحلّ لخفض ملحوظ لنسبة البطالة؟ وكيف السبيل للتعاطي مع حوالي المليون من المعطّلين؟ ما هي رؤيتكم للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المتأكدة؟ كيف تعيدون التوازن للمالية العمومية؟ كيف تخفّضون كتلة الأجور بالميزانية ونسبتها في مختلف الوزارات؟ كيف ستتعاطون مع المؤسسات العمومية ذات الصبغة الانتاجية التي تعاني من الخسائر والديون؟ ما هي برامجكم المقترحة لتحسين البنية التحتية والنهوض بالصحة والتعليم والنقل؟ وما هي مصادر تمويل الإصلاحات؟ ما معنى الحوكمة الرشيدة؟ وكيف تقيسون نجاحها؟ ما هي خططكم المرحلية للقضاء على الفساد؟ ما ذا ستفعلون مع الاقتصاد الموازي؟ كيف تدمجونه؟ ما هي الحوافز وآليات الردع؟ ماهي مقترحاتكم العملية للعدالة الجبائية؟ وكيف ستجعلون المهن االحرة تخضع لما تقرّرون؟ ما هي مشاريعكم للجهات المهمشة ولتفعيل التمييز الإيجابي؟ هل أنتم مع منحة للبطالة ودفتر علاج لكل مواطن؟ من أين ستمولون ذلك؟ كيف ستتعاملون مع توقيف الإنتاج في مصالح حيوية؟ كيف ستضعون حدّا للجريمة التي صارت تهدّد أمن المواطنين؟ …

 

خاتمة

 

إنّ الاستفادة من دروس الماضي المرير تجعلنا حريصين على تجاوز الاستقطاب، والخروج من التِيه الذي أوقعتنا فيه ثنائيّات عديدة، كانت “العلمنة” و”الأسلمة” أبرزها. فهموم الوطن الذي يجمعنا ومشاكل الواقع وتحدياته المشتركة، التي نجتهد في اجتراح حلول لها، عناصر توحّدنا أكثر من عناصر أخرى أيديولوجية أو أجندات خارجية تشتّتنا. والقضايا الثقافية الخلافية تكون الانتخابات فرصة لتبيّن موقف الرأي العام منها، وليست أداة لإرباك الانتخابات بها.
––-–

 

* مقال منشور بجريدة الرأي العام، العدد 94، تونس في 07 فيفري 2019.

البارزة, وجهات نظر 0 comments on في ظل ما يجري في التشاد و الجنوب الليبي … التبو: من هم؟ و ما هو مستقبلهم في ليبيا و في دول الساحل و الصحراء ؟ (1 من 2) .. بقلم علي اللافي

في ظل ما يجري في التشاد و الجنوب الليبي … التبو: من هم؟ و ما هو مستقبلهم في ليبيا و في دول الساحل و الصحراء ؟ (1 من 2) .. بقلم علي اللافي

“التبو” مجموعة قبائل وعشائر بدوية ذات هوية زنجية عربية مختلطة، تسكن الصحراء الكبرى  خاصة منطقة جبال تيبستي، وتمتهن تنمية المواشي، وتتألف من قبيلتين أساسيتين هما “التدَّا” و”الدازا”، وقد كثر الحديث عنهم خلال الأيام الماضية وخاصة في ظل التطورات الأخيرة ميدانيا وعسكريا في كل من التشاد والجنوب الليبي وطبيعة ردود أفعال مختلف الأطراف وهذا أمر منتظر منذ مدة بناء على تغير خارطة التحالفات وتعدد عمليات التواصل بين الأطراف والمكونات والدول في الساحل والصحراء الإفريقيتين، وهي تحالفات سيكون لـــ”التبو” فيها أدوارا ومواقع رئيسية بل وسيكونون محور ورهان الأحداث مستقبلا، فمن هم “التبو”، وما هي أصولهم وما هو مسارهم التاريخي وما هي طبيعة اصطفافاتهم قبل وبعد ثورة فبراير؟، وما هي أدوارهم الراهنة في ظل الصراعات والاشتباكات القائمة في التشاد والجنوب الليبي وما هي آفاقهم السياسية خلال الأشهر والسنوات القادمة وليبيا وغي دول الساحل والصحراء  ؟

 

  • التعريف والأصول والانتشار الجغرافي

1- من هم التبو ؟

“التوبو” أو “التبو” (من التبو القديمة، وتعني “شعب الصخر”[1])، هي جماعة عرقية تعيش في شمال تشاد، جنوب ليبيا، شمال شرق النيجر و شمال غرب السودان، و يعيش “التبو” إما كرعاة رُحل أو كمزارعين بالقرب من الواحات ويعتمد مجتمعهم على النظام القبلي، حيث تمتلك كل قبيلة واحات، ومراعي وآبار خاصة بها، وينقسم التبو عموماً إلى جماعتين متقاربتين: التيدا (أو التـِدا، التودا) والدازا (أو الدازاگا، الدازاگارا، الدازا)، وهما يتشاركان نفس الأصل ويتحدثان لغتين متقاربتين تسميا التيدا (تيدا التبو) و الدازا (الدازا گوران)، وينتمي كلاهما إلى اللغات النيلية الصحراويةويتحدث شعب “التبو” لغات “التبو” المشتقة من الفرع الصحراوي لعائلة اللغات النيلية الصحراوية…

يعيش التيدا في أقصى شمال تشاد، حول حدود ليبيا والنيجر وفي جبال تبستي. ينتشر شعب الدازا في شمال تشاد ومنطقة شرق النيجر وشمال غرب السودان الدازا، الموجودين في الجنوب من التيدا، هم الأكثر عدداً، 1.500.000 شخص، بينما يبلغ عدد التيدا 750.000 شخص وتؤكد المصادر أن تجمعات من التبو ظلت تعيش في مصر حتى عشرينيات القرن العشرين….

 

أ- الأصول

 

 الثابت الوحيد من حيث أصولهم بشكل دقيق أنهم سكنوا منطقة الساحل الأفريقي منذ قرون غابرة، وقد نسبهم المؤرخون على غرار “هيرودوت” (مؤرخ يوناني) إلى المجموعة الزنجية الإثيوبية (أي الحبشية)، والذي أكد أن مواطن سكنهم منذ قرون هي فزان في ليبيا مرورا بتشاد وصولا إلى النيجر، مع امتدادات محدودة في الدول المجاورة على غرار السودان و أفريقيا الوسطى، وهو ما يفسر طبيعة ملبسهم وتقاليدهم وطرق عيشهم خلال العقود الماضية، وإن كان تأثرهم بالرافد العربي المتاخم لهم من الشمال أمر بين وجلي، فهم يرتدون العمائم البيض إضافة إلى تعلقهم بالإبل وبالصحراء وحياتها…

و قد أكد بعض المؤرخين الأوربيين أن التبو يشبهون من حيث ازدواج هويتهم قبائل “آيت باعمران” في جنوب المغرب الذين يعتبرهم جيرانهم في الجنوب (من عرب بني حسان وبني معقل) من الأمازيغ، في حين يعتبرهم الأمازيغ عربا… وكذلك التبو، يُصنفهم جوارهم الزنجي عربا وفي الآن نفسه يُصنفهم العرب زنوجا….

تتألف مجموعة التبو من نحو 50 عشيرة يُعتقد على نطاق واسع أن نحو نصفها وُلد من تمايُزات عشائرية نشأت بسبب النمو الديمغرافي للمجموعة، ولعوامل أخرى تتعلق بالتمدن والتحديث في المحيط السياسي والاجتماعي للمجموعة وهو الساحل الأفريقي. وتحصر دراسات اجتماعية أُنجزت في الحقبة الاستعمارية بطون التبو في 36 بطنا….[2]

وهنا تجدر الإشارة إلى أن تسمية “التبو” يعود شيوعها إلى الحقبة الاستعمارية الفرنسية، حيث لاقى المستعمر الفرنسي مقاومة شرسة من مقاتلي التبو، وكذلك من “الطوارق” و”الفُلّان”، على عكس المجموعات الزنجية الخالصة التي كانت في أغلبها مهادنة للحملات الاستعمارية بل تم الاحتفاء والترحيب بها في أحيان كثيرة…

وبشكل عام يُمكن حصر مواطن التبو في مساحة تُقدر بمليون وربع مليون كيلومتر مربع توجد كلها في منطقة الصحراء الكبرى، مع الإشارة إلى أن كثافتهم في هذا الفضاء الفسيح ضعيفة جدا، فالإحصائيات المتوفرة تُقدرهم بـ400 ألف نسمة.

يمارس التبو الرعي والتنمية الحيوانية على نطاق واسع، ويُفسر ارتباطهم بقطعانهم فساحة المساحات التي يتحركون عليها بحثا عن الكلأ والماء. وقد نجد -في حالات نادرة- لدى بعض عشائر التبو أنشطة زراعية محدودة.

 

  • المسار التاريخي لقبائل التبو في الصحراء الإفريقية

 

تاريخ التبو يكتنفه الكثير من الغموض وتغلب عليه الثقافة الشفوية بينهم وقد عانى المؤرخون كثيرا من قلة المعلومات عن هذه القبائل، ومعظم الذين كتبوا عن التبو وتاريخهم هم من الرحالة الغربيين وبعض العرب من الذين جابوا الصحراء الليبية منذ حوالي ثلاث قرون، وأما التبو فلم يكتبوا شيئا عن أنفسهم، ولم يتركوا آثارا واضحة يمكن الاستدلال بها لمعرفة تاريخهم البعيد وحتى المعاصر منه…

ويمكن البدء بتاريخ التبو في ما دونه المؤرخون عن قبائل تسكن جزء من شمال ليبيا وجنوبها وهي قبائل “الجرمنت” و”التروجليدات“، حيث كانت هذه القبائل تشبه في صفاتها وأوصافها التبو، وهو ما يؤكد أن قبائل “التبو” هم من سكان ليبيا الأصليين، وليس كما يدعي البعض بأنهم هاجروا من اليمن أو إثيوبيا أو القرن الإفريقي، ومعظم الرحالة الذين قدموا إلى ليبيا في مختلف العصور تحدثوا عن التبو ووجودهم في الجنوب الليبي، ولكن في معظم كتبهم لم يكتبوا عنهم بالشكل الوافي ومعظم الكتب الغنية بالمعلومات عن التبو لم تترجم إلى العربية أصلا في ما وردت إشارات مبكرة لشعب التبو في الأدب الإسلامي على غرار تلك التي رافقت الإشارة لشعب “الزغاوة” في نص من القرن الثامن للعالم العربي “ابن قتيبة“، أما في القرن التاسع فقد أشار الخوارزمي إلى شعب الدازا (التبو الجنوبيون)…

 

أ- المسار التاريخي للتبو حتى بداية سبعينات القرن الماضي

 

عرفَ “التبو” الإسلام متأخرين نسبيا، ويعود الفضل في انتشار تعاليمه بينهم إلى أسرة السنوسيين الصوفية الشهيرة في منطقة الصحراء الكبرى وبرقة في شرق ليبيا، وهكذا ساد لديهم إسلام صوفي اختلط كثيرا مع التقاليد حتى بات يعسرُ التمييز بينهما.

وتتفق أغلبية الدراسات التي تناولت المجموعة على أن تقاليد “التيدا” تحديدا تحكم مناحي الحياة كلها تقريبا، وتبدو السمة البارزة للمنظومة القيمية والأخلاقية لمجموعات التبو، وقد قاوم التبو بشدة الاستعمار الفرنسي الذي غزا المنطقة مطلع القرن العشرين، ورفضوا الانخراط في مخططاته التعميرية الرامية إلى تثبيت السكان في تجمعات قروية ثابتة، وآثروا على ذلك ترحالهم الدائم بحثا عن الكلأ لقطعان ماشيتهم….

ويُفسر هذا الرفض ضعفَ اندماج التبو في الحياة السياسية التي نشأت في ظل الاستعمار، وانتهت إلى قيام الدول الوطنية في أفريقيا خلال ستينيات القرن العشرين، ومع ذلك فقد تمكنوا لاحقا من المساهمة في المسار السياسي لبعض الدول الناشئة، كما أنَّ قيادات سياسية منهم يعود لها الفضل في تأسيس جبهة “فرولينا” التي  قادت التمرد على أول رئيس لتشاد (وهو فرانسوا تومبال باي)، إثرَ قمعه انتفاضة المنمّين في منطقة مانغالمي سنة 1965…

تعيش مجموعات التبو في ظل الدول الوطنية المنبثقة عن الحقبة الاستعمارية، لكن لا تزال مشاركة التبو ضعيفة في الحياة السياسية، ونسبة التمدن والتعليم في صفوف التبو ضعيفة للغاية، وهو أمر ينسحب على هذه المنطقة المصنفة ضمن مناطق العالم الأشد فقرا…

ومع ذلك، شارك التبو في عمليات “تمرد” بعدد من الدول “طلبا للإنصاف والعيش الكريم”، ومن أمثلة ذلك مشاركتهم في حركات مناوئة لأنظمة الحكم في تشاد والنيجر.

 

 ب- الأوضاع المعاصرة للتبو في التشاد و ليبيا

 

التشاد: تنحدر أغلب الطبقة السياسية التشادية من عرقية الدازا، وأثناء الحرب الأهلية التشادية (1966-1979)، أصبح الدرده يشغلون المزيد من المناصب الهامة، وقبل ذلك وتحديدا سنة 1965 فرضت الحكومة التشادية سلطة مباشرة على جبال تبستي، وأرسلت حامية عسكرية وإداريين إلى بارداي، عاصمة مقاطعة تبستي. وفي غضون سنة واحدة أي سنة 1966 أثارت انتهاكات السلطة معارضة قوية بين التبو،الدرده وداي كيشيدمي، المعترف به لكن لم يكن يحظى سوى بتقديراً محدوداً في ذلك الوقت، ذهب للمنفى في ليبيا، ومع دعم الطلبة التبو في جامعة البيضاء الإسلامية، أصبح رمزاً لمعارضة الحكومة التشادية، وعزز هذا الدور مكانة الدرده بين التبو

بعد عام 1967، كان الدرده يأمل حشد التبو في الجبهة التشادية للتحرير الوطني. بعد فترة وجيزة، أصبحت السلطة الأخلاقية سلطة عسكرية، عندما أصبح ابنه گوكوني وداي أحد قادة جيش التحرير الثاني للجبهة، أصبح گوكوني شخصية وطنية؛ وساعد بدور هام في معركة نجامينا عام 1979 و1980، وخدم كرئيس للدولة في ذلك الوقت، شمالي آخر، حسين حبري من الدازا، خلف گوكوني من التيدا عام 1982، وفي النهاية فقد سلطته لصالح إدريس ديدي من الزغاوة بعد ثمانية سنوات….

ليبيا: عانت أقلية التبو في ليبيا فيما ويصف بالتمييز الهائل وخاصة تحت سلطة معمر القذافي (1969- 2011)، ففي ديسمبر 2007 مثلا جردت حكومة القذافي يومذاك ليبيين تبو من جنسيتهم، مدعية أنهم ليسوا ليبيين، لكنهم تشاديين. بالإضافة إلى ذلك، منعت السلطات المحلية دخول أفراد من التبو البلاد للتعليم والرعاية الصحية[3]، ورداً على ذلك، قامت جماعة مسلحة تدعى جبهة التبو لإنقاذ ليبيا بانتفاضة في نوفمبر 2008 التي استمرت خمسة أيام وتسببت في وفاة 33 شخص قبل أن تسحقها قوات الأمن الحكومية، على الرغم من المقاومة والشجب العام، إلا أن نظام القذافي استمر في اضطهاده لأقلية التبو في ليبيا. بدءاً من نوفمبر 2009، بدأت الحكومة برنامجاً للترحيل الإجباري وهدم منازل التبو، تاركة الكثير من التبو بلا مأوى. اعتقل عشرات من المحتجين على هدم منازلهم، وتعرضت العائلات التي رفضت الرحيل للضرب…

 

ت- “التبو” بين 2011 و 2015

مع اندلاع الثورة الليبية على نظام القذافي في فيفري 2011، انخرط التبو على نطاق واسع في قتال النظام الليبي السابق حتى سقوطه..

ومنذ 2012 دخلوا في مواجهات عنيفة مع بعض جيرانهم من القبائل العربية بمنطقة الكفرة، أما في مارس 2012، فقد اندلعت اشتباكات دموية بين قبائل التبو والقبائل العربية في مدينة سبها بجنوب ليبيا. رداً على ذلك، هدد عيسى عبد المجيد منصور، زعيم قبيلة التبو في ليبيا بالانفصال، منتقداً ما اعتبره “تطهيراً عرقياً” ضد التبو، وصرح قائلاً: “نحن نعلن إعادة تنشيط جبهة التبو لإنقاذ ليبيا لحماية شعب التبو من التطهير العرقي”…[4]

ومثلما حدث منذ ثلاث عقود ونتاج عدم توافر الوظائف في جنوب غرب ليبيا، اشتغل الكثير من التبو مهربين لمهاجري غرب أفريقيا المتجهين إلى أوروپا ومن المعلوم أن التبو والطوارق أيضا يُسيطرون على طرق التهريب الرئيسية في الصحراء الكبرى…..

وفي أكتوبر 2014، فقد شهدت مدينة “أوباري” قتالا بين “التبو” والطوارق استمر عامين كاملين، وسقط بسببه عشرات القتلى والجرحى ونزح عن المدينة قرابة 80% من سكانها، وانتهى هذا الاقتتال بتوقيع اتفاق الدوحة بين قبائل التبو والطوارق يوم 23 نوفمبر 2015 بوساطة من دولة قطر…

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]   MacMichael, Harold: A history of the Arabs in the Sudan and some account of the people who preceded them and of the tribes inhabiting Darfur. 1922.

[2]   انظر موسوعة الجزيرة، “قبائل التبو” تاريخ الاطلاع 01-02-2019 ….

[3]  في تقرير نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أفادت جمعية الشعوب المهددة بوجود “تمييز هائل” ضد أقلية التبو، التي تقيم في الركن الجنوب الشرقي من البلاد حول واحة-بلدة الكفرة….

[4]  كانت جبهة التبو لإنقاذ ليبيا جماعة معارضة نشطة في أحداث فوضى 2007-2008 التي “اضطهدت بقسوة” من قبل حكومة القذافي…

البارزة, وجهات نظر 0 comments on النداء و عقدة المؤتمر .. رواية من الداخل .. بقلم خالد شوكات

النداء و عقدة المؤتمر .. رواية من الداخل .. بقلم خالد شوكات

طرح موضوع المؤتمر على حركة نداء تونس منذ سنة 2013، حيث قام الرئيس المؤسس الباجي قائد السبسي بتشكيل أول لجنة وطنية للتفكير في المؤتمر، جرى تحويلها لاحقا في السنة نفسها الى لجنة وطنية للاعداد للمؤتمر، وقد كان لي شرف عضوية كلتا اللجنتين وان اشغل فيهما موقع “المُقَرِّر” المسؤول عن صياغة جميع الوثائق الناتجة عن اشغالهما، وهي وثائق ما تزال صالحة الى هذا اليوم، باعتبارهما قانونيا جزء من أدبيات الحزب، واذكر هنا إنني كلفت بعرض اعمال اللجنة في اجتماع للمكتب التنفيذي ووجد العرض ترحيبا وتأييدا واسعا من جلّ القيادات الندائية، التي اقتنعت بأنه لا مستقبل لحزب لم ينظم مؤتمره التأسيسي.

و بمناسبة الذكرى الثانية لتأسيس الحركة، وفي أفق انتخابات 2014، وفي شهر جوان تحديدا من ذلك العام، كلفت بإعداد مشروع لتنظيم مؤتمر وطني، قمت بعرضه شخصيا على الرئيس المؤسس في منزله الخاص بضاحية سكرة، بحضور عدد ضيّقٌ من القيادات الندائية حينها، وانتهى العرض بما قدرنا في حينها انها موافقة من سي الباجي على عقد المؤتمر الوطني قبل انعقاد الانتخابات التشريعية والرئاسية، فقد كان دافع الحماسة والتصميم على عقد المؤتمر الخوف من ان يصل النداء الى الحكم – كما هو متوقع حينها- دون وجود مؤسسات حزبية قوية وقادرة على حماية الحركة من اي مفاجآت قد تحدث جراء مقتضيات السلطة، وقد صدقت التوقعات في جانبيها، اي الفوز والحكم، وانتهى النداء الى ما هو عليه اليوم من ضعف وهوان، وعلى الرغم من ابداء الرئيس المؤسس موافقته المبدئية على عقد المؤتمر الا انه سرعان ما تراجع جراء ضغوط مجموعات ندائية رأت في الامر مؤامرة بغاية تصفيتها.

فما الذي حال دون تنظيم مؤتمر في حضرة الرئيس المؤسس، كان بمقدوره ان يزود الحركة بمؤسسات تقيه برد الحكم والسلطة، وتحول دون هذه الرداءة والانهيارات والانشقاقات التي زعزعت الثقة في حزب يفترض انه وارث حزب الحركة الوطنية وا لاصلاحية التونسية و ممثل المدرسة الدستورية العريقة ؟ و ما الذي ما يزال يحول دون قدرة النداء على تنظيم مؤتمر وطني مقنع حتى تحوّل الأمر الى ما يشبه العقدة الندائية المزمنة ؟

و قبل الإجابة على هذا السؤال، وهو ما تروم هذه الورقة تقديم محاولة فيه، عليَّ الاعتراف بأنّ مخيّلتي لم تسعفني يوما لتوقّع المستوى الهابط الذي أدركته الممارسة الحزبية والعبثية السياسية التي تابعتها خلال السنوات الاخيرة، فهو وضع فاق كل التصوّرات والتقديرات مهما كانت جانحة في استشراف السوء والانحطاط، حيث استبيحت جميع الوسائل وجرى الاستهتار بكافة القواعد والاعراف والأخلاقيات، وتحوّل الخلاف في وجهات النظر بين القيادات الندائية المؤسسة حول قضايا أساسية أصلية أو مستجدّة من بينها المؤتمر، الى معارك كسر عظم غير مشرّفة، غالبا ما انتهت الى انشقاقات فرّخت أحزابا سياسية جديدة او انسحابات حرمت النداء من خيرة كفاءاته وخبرائه في عديد الاختصاصات التي يحتاجها الحزب والدولة، ولعل اكثر ما في هذا الامر من خطورة، هو ان معالم هذا المشهد الندائي ما تزال قائمة، وان ذات المنطق ما يزال يقود الشأن الندائي في الظاهر والباطن، مما لا يدفع كثيرا الى التفاؤل بان النداء قادر على فك عقدته مع المؤتمر في الأجل المعلن أو في أجل لاحق قريب، لكن المستحيل ليس ندائيا كما يحلو لبعض القيادات الندائية الوفيّة القول.

إن ما أدّى خلال السنوات الست الماضية الى عجز النداء عن تنظيم مؤتمر وطني مقنع، لم يعدم الى حدّ الساعة، ان لم نقل ان العوامل المعرقلة قد تفاقمت اكثر، وهي عوامل منها ما يتصل بخصائص النداء، ومنها ما يتعلّق بخصائص الانتقال الديمقراطي، ومنها ما ينبع من خصائص الشخصية التونسية، ولعلّه بمقدورنا ايجاز أهمّها كما يلي:

– أوّلاً: ان ايماننا بالتنوع في إطار حركة قامت واكتسبت هويتها وخصوصيتها باعتبارها حركة متنوعة الروافد، كان ايمانا سطحيا وظاهريا وصوريا وظرفيا، اكثر مما هو ايمان عميق وباطني وبنيوي ودائم مثلما يقتضي الحال، وبالتالي فقد كان التجمع الندائي تجمع أطراف كلّ واحد منها يضمر الشرّ للطرف الاخر متى ما تغيّرت الظروف والمعادلة، وكان هنا منطق المغالبة هو السائد في العقل الباطن، مما جعل المؤتمر أشبه بالمشروع الانتقامي في نظر أحد الروافد، والمشروع الإقصائي لدى رافد اخر، الامر الذي يتناقض تماما مع وظيفة المؤتمر الأصلية، فالمؤتمر مناسبة لولادة الأحزاب في بعض الاحوال، ومناسبة لتقوية الأحزاب في احوال اخرى. ومن هذا المنطلق على الندائيين التسلّح بقناعة مفادها ان النداء يجب ان يظل متنوعا، وان المؤتمر عليه ان يكون ضامنا للتنوع ومكرّسا له مؤسساتيا، وهو ما لا يمكن تحقيقه الا بالاعتراف المتبادل بين الروافد الندائية والاتفاق على اليات تمثيل شامل للجميع في مؤسسات الحركة.

– ثانيا: ان جزءًا من المشكل مردّه مناخ حزبي ملبّد بغيوم الشكوك والتخوين وهواجس امنية وأوهام تروِّج لها بعض العقليات المريضة التي تشكّلت غالبا في ظل العهود السابقة للثورة، والتي غالبا ما تتحدث عن اختراقات ومؤامرات ومخططات داخلية وخارجية لضرب الحركة او توظيفها او تطويعها، وعندما تسود هذه الأجواء المسمومة تذبل الافكار الايجابية وتموت روح المبادرة البناءة وتحاصر الكفاءات وتتراجع المشاريع المفيدة ويطغى اهل الرداءة ممن لا يستمرون الا في مثل هذه الفضاءات غير الطبيعية، وعلى الرغم من خروج ثمانين بالمائة من القيادات الندائية الا ان اجواء العشرين بالمائة الباقية ما تزال متشبثة الى الان بذات الأجواء، ولم يخل امر الأقلية المتشبثة بالنداء من منغصات الانقسام والصراعات غير المبررة، فكيف لأجواء الانقسام ان تقود الى مؤتمر مقنع كما نرجو.

– ثالثا: ان احد اهم مصادر الأزمة الندائية غلبة المفاهيم المنحرفة للظاهرة الحزبية وللحكم والسلطة، فالعقل السياسي الموجه لكثير من القيادات الندائية مشدود لمحدد “الغنيمة” اكثر مما هو مشدود ل”مشروع حضاري وطني” يهدف الى التقدم بالوطن وإلحاقه كما يقول الرئيس المؤسس بركب الامم المتحضرة، فبدل ان يلتزم النداء ببرنامجه الانتخابي الهادف الى إنقاذ الاقتصاد الوطني، اصبح غاية عدد كبير من قادة النداء وممثليه في مؤسسات الحكم نيل نصيبهم من كعكة المصالح ومواقع السلطة واستنزاف ما تبقى مما خلّفه النظام السابق من ثروة. ولهذا فقد انتصر اهل ” الغنيمة والتكمبين” على اهل “القدرة والكفاءة”، وتقدّمت المشهد الندائي شخصيات “غنائمية” لن يكون بمستطاعها مساعدة النداء على بلوغ مؤتمر وطني مقنع أبدًا، ولن تفضي سيرتها كما أشير سلفا، الا لما يتفق مع مصالحها في البقاء مدة أطول في السلطة التي وحدها تضمن حماية هؤلاء من شرور الشبهات التي تحوم حولها وتنغص عيشها.

و في الختام، لا مناص من القول بان المؤتمر ليس مجرد اعلان نوايا حسنة او تحديد موعد له، قد يؤجل مرة أولى وثانية وثالثة بتعلّات غالبا ما تشير الى الأسباب الأصلية او تتحاشى ذكرها، فالمؤتمر هو السلطة الأعلى التي يتوقف على حسن ادائها مستقبل الحزب، وعلينا الوعي بانه دون تفاهمات سابقة صلبة بين الروافد الندائية، يسبقه اعتراف قوي متبادل واتفاق على تكليف الأكفأ مسؤولية الاعداد والتنظيم والقيادة والتسليم لاحقا بقواعد اللعبة بكل روح رياضية، فان النتيجة لن تكون أبدًا مرضية.. والحق أقول ان المقدمات التي تابعتها طيلة الأشهر الماضية لا تبشر أبداً بخير، وان المحصلة بالتالي

لن تكون كما نتمناه بالصورة المأمولة.. على الرئيس المؤسس ان يدرك ان النداء لن يستمر الا اذا اعتمدنا قاعدة النزاهة والشفافية والكفاءة، وربطنا الحزب بمشروع الوطن الحضاري الذي يبقى الغاية العظمى.

 

 

*قيادي في حركة نداء تونس

البارزة, وجهات نظر 0 comments on السياسي العربي بين الثورة و فن الممكن .. بقلم خالد عاشور

السياسي العربي بين الثورة و فن الممكن .. بقلم خالد عاشور

شاع لدى عموم المشتغلين بالسياسة والإعلام في عالمنا العربي تعريف السياسة على أنها “فن الممكن”، من بين تعريفات أشمل وأرجح وأكثر تعبيراً عنها. هذه التعريفات تجعل من السياسة مجالاً حيوياً خلاقاً، تتحقق من خلالها المصالح، وتُبنى القدرات، وعلاقات القوة، وامتدادات النفوذ، وتصنع المكانة. من أجل منافسة سياسية فعالة للأفراد والأحزاب والدول. تلك التعريفات الراجحة انحسرت في ضفاف الكتب وعقول الخبراء المهمشين، لحساب شيوع ثقافة “فن الممكن” ونتاجها.

وأزمة التعريف ليست أزمة منهج ولكنها أزمة انتقاء واستهلاك محلى عربي. حيث تزخر العلوم السياسية بالمفاهيم والتعريفات الإيجابية المعبرة عن مكوناتها. ولكن المعارف والمفاهيم الخاطئة تجد رواجاً في عالمنا العربي خاصة مع البيئات السياسية المغلقة بفعل السلطة، أو المنغلقة ذاتياً بفعل ممارسة الجماعات السياسية. حيث يسهم المفهوم المرجوح للسياسة في تكريس استبداد السلطة، والانبطاح والتبعية في الداخل والخارج.

والبيئات الإعلامية السائلة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تنشط فيها المفاهيم الخاطئة. وقد برزت ظاهرة تداول المنشورات غير المنضبطة بضابط يحقق المعلومة ويسند المعارف إلى مصادرها. حتى اختل التمييز فيها بين ما هو معلومات وبيانات، وما هو تحليلات وآراء، وبين ما هو ثرثرة اجتماعية وانطباعات شخصية. ويزيد الالتباس والخلل إذا صدرت الرسالة الخاطئة عن منصات رأى معتبرة، وأقلام وتصريحات نخب ذات ثقل.

والأزمة الكبيرة في تعريف السياسة على أنها فن الممكن هي أنها تصنع نخبة سياسية ذات صفات معينة. حيث تصنع للسياسي إطاراً للحركة لا يتجاوز وسقفاً لا يعلى. الأمر الذي ينتقص من فاعليته وإنتاجه وطموحه وإرادته، لحساب المتحكمين الألد في السياسة والسلطة والثروة. ويجعل منه كائناً داجناً يتشكل وفق أطر اللعبة السياسية. فلا يتحرك وفق رؤية ذاتية حرة نابعة من ضميره الوطني لينشئ واقعاً مختلفاً خارج الإطار المرسوم. حتى نشأت من السياسيين أجيالاً وهلكت، دون أن يغيروا شيئاً من الواقع السياسي.

وتتضح أزمة التعريف الأضعف، حين يتصدر السياسي موقع التكليف لينجز أهدافاً محددة، فيأتي “فن الممكن” يمنحه غطاءً للإخفاق مرة بعد مرة. فلا يحاسب كمكلف بعد حصوله على صك “فن الممكن”. الأمر الذي يفسر لنا جانباً من ظاهرة الرضا عن الحكام المعمرين، والنخب السياسية طويلة الأمد. ذلك لأنهم دائما معذورون سلفاً باحتمال أخف الضررين أو تحقيق أدنى المصلحتين. وكأن دفع الضرر الكبير ليس من واجبهم، وتحقيق المصلحة الأرجح منوطة بغيرهم.

وتعريفات السياسة كثيرة ومتنوعة من حيث كونها علم وكونها فن، وقدرة، وعقيدة الخ، حيث لا تعرف العلوم الإنسانية كلمة النهاية.. ولكن المقال يتعرض للتمييز بين مضمون ومكونات التعريفات الأهم في مجال السياسة. فمن تلك التعريفات لجورج كاتلون “أن السياسة هي مجموعة علاقات القوة”. ويرى “لاسويل” أن “علم السياسة يشمل النفوذ والقدرة بأقسامها، وأن كل عمل يُنفذ من خلال القوة”. بينما تعريف السياسة بفن الممكن يرجع إلى الرئيس الأمريكي الأسبق “ليندون جونسون”.

وهذا التعريف قد يكون مقبولا للسياسة في مقابل “فن الخيال أو المستحيل” الأمر الذي ام يرد في الكتب. أو قد يكون معبراً عن “رفاهية السياسة” لدولة بلغت من القوة والمكانة ما يجعلها تكسب في كل الأحوال، أو أن خسارتها غير مؤثرة، كدولة صاحب التعريف أميركا. رغم أن الدول القوية وصلت لمكانتها عبر مفاهيم القدرة والقوة والنفوذ، بل وأكثرها وصل عبر ممارسة الاحتلال والنهب والهيمنة. أما الدول التي تناضل من أجل البقاء والمكانة فإن “فن الممكن” يخصم من طموحها في امتلاك قدرات وأدوات تحمى وتبنى مكانتها ومستقبلها.

ومن دلالات الكلمات الواردة في التعريفات ندرك فجوة الفهم والتطبيق التي يرصدها المقال. فالبون كبير بين الممكن، والقدرة والقوة والنفوذ. والكلمات على بساطة تركيبها من حروف قليلة، تحمل دلالات ورموز وصور، تترسخ في العقول مع الزمن معرفة وثقافة، وتستدعيها عند سماعها، فتعمل عملها في الفكر والسلوك والوجدان. وكلمة “الممكن” في بيئتنا العربية، هي أقرب لمعان سلبية في مقابل الكلمات الأخرى والتي تجعل من السياسة كما أسلفنا مجالاً حيوياً خلاقاً، يحقق القوة بكل معانيها ويصنع المكانة.

والسياسي لكي ينجح في ممارسة السياسة ويصنع المكانة لنفسه وحزبه ودولته، لابد له من تغيير الإطار الذي فرضته ثقافة الممكن بأطر إيجابية تمنحه قوة وفاعلية وتأثير. ومن المهم في ذلك دراسة تجارب صناعة القدرة والمكانة والتقدم، في كل بلاد العالم، والتي تمثل تركيا فيها نموذجاً أقرب. وللخبرة والعلم دور كبير في صنع أطر حركة فعالة.، فلا ينبغي أن تعلو ممارسات الضرورة على واجب الاحتكام للخبراء والعلماء. والتجربة التركية المذكورة في صنع مكانتها جمعت بين الفكر والتطبيق. ويمثل “العمق الاستراتيجي” للمفكر “أحمد داوود أوغلو” نموذجها الفكري، الذي رسم استراتيجيات تركيا الحديثة.

وإعلامياً يجب العمل على استبدال الثقافات السلبية بمفاهيم إيجابية، وغرس تصورات صحيحة للسياسة. تجعل الشعوب على وعى بالأدوار وفهم للواقع ومعرفة بالحقوق. لتكون الشعوب طاقة خلاقة، وثورة متوقدة في الدفاع عن حقوقها، ولتمتلك معايير الفرز والمحاسبة، لتخرج نخبة سياسية جديدة تختلف عن سابقتها. ومن ناحية أخرى من الضرورى التعرض لعلاج الظواهر السلبية التي تتعلق بتوثيق المصادر وتبادل المعرفة[1].

وجهات نظر 0 comments on ليبيا: ملامح الخروج من الأزمة .. بقلم السنوسي بسيكري

ليبيا: ملامح الخروج من الأزمة .. بقلم السنوسي بسيكري

تنقية الأجواء الملوثة بأنفاس ثورية متزمتة ودينية متشددة وقبلية وجهوية متعصبة، هي أولى خطوات السير باتجاه حل الأزمة الراهنة في ليبيا، وثاني الخطوات طرح مقاربة مثلى تستوعب الجميع وتحرك العربة المتوقفة بسبب العراقيل المحلية والخارجية.

ثبت أن النزوعات الثورية المتزمتة والدينية المتشددة والقبلية والجهوية والمناطقية المتعصبة تصنع حاجزا سميكا يحجب عنا ضوء الشمس والهواء العليل فنتيه بعيدا عن مسار الحل ونُغرق كثيرا في النزاع والصراع.

المقاربة المثلى المقصودة هي تلك التي تضمن الاتفاق على السير الصحيح باتجاه الاستقرار السياسي ثم التطور الاقتصادي والاجتماعي، على أن تكون الانتخابات هي أداتها للوصول إلى بر الأمان.

المقاربة المثلى ينبغي أن تجيب على مسألة الأرضية الدستورية والقانونية التي تقوم عليها الانتخابات عبر توافق واسع لا إقصاء فيه، والاتفاق على السلطة التنفيذية المخولة بالإشراف على تهيئة المناخ.

المقاربة المثلى ينبغي أن تتضمن أفضل الخيارات لترتيب الوضع الأمني على صعيديه العسكري والشُرَطي من ناحية التنظيم والهيئة والتبعية ومن ناحية التمركزات والأدوار والمهام.

 

ثبت أن النزوعات الثورية المتزمتة والدينية المتشددة والقبلية والجهوية والمناطقية المتعصبة تصنع حاجزا سميكا يحجب عنا ضوء الشمس والهواء العليل فنتيه بعيدا عن مسار الحل ونُغرق كثيرا في النزاع والصراع.

 
ومطلوب أيضا من المقاربة المثلى أن تجيب على سؤال المصالحة الشاملة ومنطلقاتها وآلياتها وكيف تكون عضدا للتسوية السياسية ودعما لها لتحقيق الغايات المنشودة.

ومطلوب أخيرا من المقاربة المثلى التوافق على الدور المناسب والملائم للمجتمع الدولي في حل الأزمة الليبية والالتزام الكامل والصادق للحد من التدخلات الإقليمية والدولية والاتفاق على دور البعثة بما يسهل اشتراطات الانتقال والتقدم على المسارات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

غياب المقومات السابق الإشارة إليها يفسح المجال للمغامرين وأصحاب المصالح الشخصية من الفرقاء المحللين لتعبئة المتنازعين باتجاه مشاريعهم التي تخدم مصالحهم، كما تشكل المدخل الواسع لولوج الأطراف الإقليمية والدولية وتمرير أجنداتها التي في معظمها لا تخدم المصلحة العامة الليبية بل تقوضها وتهدم المتبقي من المقدرات الوطنية.

راجع معي منحى السياسة والأمن في ليبيا منذ 2011م وسيتجلى لك كيف تم تجيير تعرجاته وانعطافاته الحادة لصالح الطامحين المحليين والطامعين الخارجيين وكيف أن دورهم الهدام اقترن بتفجر الخلافات ذات الطبيعة الثورية والدينية والقبلية والجهوية، ولن أجادل في فرضية تورطهم في تفجيرها فلن يؤثر صحة الفرضية أو خطأها في تشخيصنا للعوائق وتقديرنا لسبل مجابهتها.

 

الحل يبدأ بتوافق داخلي

التفكير المنطقي في مخرج من الأزمة ينبغي أن ينطلق من أساس الداء، ذلك أن النجاح في استئصال تلك النزوعات أو تحييدها سيحد من تدخلات الطامحين المحليين والطامعين الخارجيين. وسيهيئ المناخ للاتفاق على المقاربة المثلى للسير الثابت إلى الأمام باتجاه تخطي الأزمة.

أعتقد جازما أن أساس المشكلة هو ما ذكرت وأن خيار الحل هو مجابهة المشكلة وأسبابها وفق ما وضحت، غير أن الحل ليس فقط بمجرد الوقوف عليه، فالنزوعات الثورية والدينية والقبلية والجهوية المتطرفة حالة مستعصية تخطيها يتطلب محفزات ودوافع وحتى ضغوطات وإكراهات.

لكنها ممكنة وذلك في حال بروز شخصيات ذات قبول نخبوي وشعبي ضمن التيارات الثورية والدينية والقبلية والجهوية تتقدم للدفع باتجاه تنقية المناخ من تلك اللوثات وتوفير أجواء صحية للحوار والتفاوض حول المختلف فيه من الملفات والوصول للمقاربة المثلى.

الشخصيات المرشحة في حال اجتماعها على ما يجمع ومجافاتها لما يفرق وإبداعها في مقاربة الحل تحتاج أن تجمع حولها الأنصار بحيث تتشكل قاعدة سياسية اجتماعية تكون بمثابة الكتلة القادرة على حفز أصحاب القرار ومن يملكون مفاتيح الحل من ساسة وعسكريين للتخلي عن تصلبهم، وتفلح في إبعاد المتدخلين الخارجيين عن المشهد.

 
أعتقد أن تكوين حراك شعبي بقيادة نخبة وطنية يمثل طريق الخلاص، خاصة إذا ترافق ذلك مع خطاب متسامح تصالحي يجنح إلى الوحدة ويضمن تماسكها عبر حلول للعوائق التي تقف أمامها، ويمهد لانطلاقة تتجاوز كل العراقيل.
 
أخيرا أقول إن المقاربة المثلى في ظل أجواء إيجابية ومناخ صحي ينبغي أن تتطرق إلى معالجة مفاهيم بعضها ذو طابع فلسفي وتحتاج إلى توافق وتأطير فكري وعملي ومن مثالها: هل الدستور هو مفتاح الأزمة وصانع الاستقرار، أم أن المصالحة والوفاق السياسي والتصالح الاجتماعي هما ما يصنعان الدستور؟

وهل الجيش الوطني المهني نتاج استقرار سياسي وأمني يأتي عبر وفاق أو انتخابات أم أنه أداة حل الأزمة وتحقيق الاستقرار؟

كما أنها تتطلب الاتفاق على تصحيح الأفكار المغلوطة حول الدين ومكانته وعلاقته بالسياسة، والقبيلة ووظائفها، والهوية الجامعة وسبيل تشكلها، وتوصيف دقيق لمفاهيم تنخر في جسم الدولة والمجتمع مثل الإرهاب والتطرف، والمليشيات وسبل تفكيكها.

 

البارزة, وجهات نظر 0 comments on من شروط إجراء الإنتخابات القادمة … حياد الدولة ؟ .. بقلم الدكتور المنصف السليطي

من شروط إجراء الإنتخابات القادمة … حياد الدولة ؟ .. بقلم الدكتور المنصف السليطي

يعد انتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و استكمال بقية أعضائها بعد أن منت علينا لجنة التوافقات بالبرلمان ب”مكرمة” ، خطوة في اتجاه إنجاز الانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة، و لكن من شروط إنجازها توفير مناخ انتخابي ملائم لابد للهيئة و لمختلف الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين بالإضافة إلى مؤسسات الدولة من العمل على إيجاده.

نعم تكلفة الانتقال الديمقراطي لازالت مرتفعة في بلادنا و أغلب المؤشرات و الدلالات تؤكد أن أوضاعنا لم تستقر بعد على توازنات سياسية و اجتماعية و اقتصادية دائمة و مستمرة و واضحة المعالم بعد اهتزاز العالم القديم من تحت أرجلنا ؛ و سردية الانتقال السحري من الضيق الى البحبوحة و من الفقر الى الغنى و من الشدة الى الرخاء اتضح أنها تتطلب مراحل طويلة و الكثير من الحكمة و الدربة و الخبرة، و لكن اليوم بهذه الخطوة و إرجاع الروح للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ، نأمل أن تمر البلاد إلى مربع الوضوح السياسي و الاستعداد للاستحقاقات القادمة بأكثر توازن و استقرار ، فاليافطة الكبيرة المرفوعة الآن هي أن الانتخابات مدخل صحيح لتجاوز أوضاعنا الراهنة .

و لكن العديد من الأسئلة الهامة لازالت مطروحة اليوم بإلحاح من قبل جهات عديدة متابعة للشأن الوطني ،فهل من الممكن إجراء الانتخابات في ظل تنامي الصراع المستمر بين رأسي السلطة التنفيذية و في سياقات عدم حياد الدولة و في ظل الأجواء المشحونة و المتوترة والتي تكثفت فيها التجاذبات السياسية و تبادل التهم بين مختلف مكونات المشهد المجتمعي و دخول إتحاد الشغل على الخط للمساهمة في إعادة توزيع التكتلات و النقاط الساخنة و مراكز القوة و النفوذ في الساحة السياسية ؟ و هل بإمكان تونس تحمل تكلفة صراع القوى السياسية التي يصل بها الأمر إلى استعمال أدوات و أجهزة الدولة هذا بالإضافة إلى نيران الدول الصديقة التي لا يهمها أن تستكمل التجربة التونسية دورتها العادية الانتخابية لتثبيت و تدعيم و تكريس حلمها الديمقراطي ؟ فهل بإمكان تونس تحمل تبعات هذه التعقيدات و الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي لتأمين المسار الديمقراطي و تأمين التجربة ككل ؟

و في خضم هذه الانشغالات و المعارك الحزبية و تعدد الأجندات السياسية و تقاطعها ، نحن مطالبون بالعمل على إنجاح هذا الاستحقاق الوطني لإخراج البلاد من أوضاعها المتردية و الصعبة و السيئة التي آلت إليها و ذلك عبر المرور على صندوق الاقتراع لتشكيل حكومة قوية تتجاوز إرهاصات و أوجاع المرحلة التي تعيشها تونس اليوم ، فما العمل حتى نتفق جميعا على قانون اللعبة ولا يستأثر أحد بإمكانيات الدولة و يتوجه نحو الانتخابات المقبلة بحوافز مادية و سياسية أكبر من خصومه ؟

و لذا من الصعب عدم طرح مسألة حياد الدولة و هي من أهم شروط انعقاد انتخابات شفافة و لها مصداقية لما لها من انعكاسات مباشرة و مهمة على نتائج الانتخابات حتى ندفع البلاد في الاتجاه الصحيح و نخرجها من منطقة الضغوطات و نبنى المرحلة القادمة على الرصيد و الإمكانات الذاتية لكل حزب هذا بالإضافة إلى أن إمساك مؤسسات الدولة العليا عن كل ما يوحي بتقسيم المجتمع و ما يساهم في الاستثمار في الحقد و الكراهية و الدفع نحو مواقف مجتمعية تؤلب فئة ضد اخرى و تعمق جراحات و أعطاب الدولة .

أوقفوا هذا النزيف حتى لا نثقل كاهل الوطن و نجد أنفسنا نعيد البناء من الأول و لكن في الاتجاه المعاكس و لا عزاء عندئذ لشهود الزور و أولهم من ساهم في العبث بحياد الدولة.