وجهات نظر 0 comments on موقع «موند أفريك» الفرنسي في مقال مثير: تونس قد تطوي صفحة الديمقراطية قريبا!

موقع «موند أفريك» الفرنسي في مقال مثير: تونس قد تطوي صفحة الديمقراطية قريبا!

تناول موقع “موند أفريك” الفرنسي في مقال جديد الأوضاع السياسية الصعبة التي تمرّ بها تونس منذ أشهر، الأمر الذي جعل تواصل الإنفتاح الديمقراطي «أمرا مشكوكا» فيه حسب ما أشار مقال «موند أفركي»، حيث كتب الموقع يقول: أن الانتقال السياسي في تونس يعاني من صعوبات عديدة، وبدأت آمال التونسيين تتراجع في قدرة قادة البلاد على إيجاد حل للتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العديدة.

ويعيش اقتصاد البلاد حالة ركود في الوقت الذي ينقسم فيه الزعماء السياسيون بشكل متزايد بين إسلاميين وغيرهم، ويتنافس كلا الطرفين على السيطرة على موارد الدولة.

وأوضح الموقع أن جلّ هذه المشاكل قد تسببت في ظهور أزمة ثقة عامة في النخبة السياسية، مما أدى إلى بروز مخاوف تجاه إعادة نظر البلاد في انفتاحها الديمقراطي الذي تميزت به خلال فترة ما بعد سنة 2011، قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستعقد نهاية السنة الحالية.

وأورد الموقع أن الاقتصاد التونسي يمر بوضع صعب، فقد انخفضت قيمة الدينار التونسي أكثر من 40% مقابل اليورو منذ سنة 2016؛ وهو ما الذي أدى إلى تراجع القدرة الشرائية، خاصة في ظل ارتفاع نسبة التضخم التي وصلت إلى حدود 8% سنويا، ونتيجة لذلك، ارتفعت تكلفة المعيشة بأكثر من 30% منذ سنة 2016، مما دفع إلى لجوء الأسر للاستدانة. كما أدت عدة عوامل إلى تسريع هجرة الأدمغة وهروب رأس المال.

وأضاف الموقع أن هذه المشاكل الاقتصادية ظهرت في وقت تشهد فيه البلاد توترات خطيرة بين الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، وقد اشتدت حدتها خلال السنتين الماضيتين وعكس تنافسهما انقساما قديما بين الإسلاميين (حزب حركة النهضة) وخصومهم نداء تونس.

وأورد الموقع أن حركة النهضة تشارك في الحكومات الائتلافية منذ سنة 2011، ولكن منذ سنة 2016 -عندما تولى الشاهد رئاسة حكومة الوحدة الوطنية- عمل حزب نداء تونس على تعزيز نفوذه من خلال تعيين عدد متزايد من أنصاره في مناصب قيادية في الإدارة العامة والشركات العمومية والمكاتب والوكالات الحكومية في العاصمة والولايات.

وبهذا الشكل، أحدث نداء تونس تغييرات تصب في مصلحته، تمثلت في الانتقال من تعزيز شبكات “الزبائنية” إلى تعزيز الاحتكارات الخاصة واحتكار الأقلية.

ومع مرور الوقت، سيؤدي ذلك إلى الحد من الهيمنة الاقتصادية لشمال تونس الساحلي على حساب المناطق الداخلية الجنوبية، وقد يزيد تصاعد وتيرة الصراع على الموارد من تفاقم الفجوة بين الإسلاميين والأطراف المعادية لهم في تونس، وتجدر الإشارة إلى أنه خلال انتخابات ماي 2018، حصلت حركة النهضة على 28% من مقاعد المجالس البلدية، مقابل 20% لصالح “نداء تونس” في كل المدن الكبرى في البلاد.

وقد عزز هذا الانتصار الجزئي الثقل السياسي للحزب، وغيّر موازين قواه في مواجهة “نداء تونس” خصمه الرئيسي.
وأثار هذا الاستعراض للقوة الانتخابية رد فعل تحالف مكون من الشخصيات المؤثرة في الحكومة والجمعيات المهنية والنقابات، وكذلك من الناشطين اليساريين والقوميين العرب، وبدأ هؤلاء بالضغط على وزارات الداخلية والعدل لتصنيف الحزب الإسلامي منظمة إرهابية، وطلبوا من المحاكم العسكرية حله وسجن بعض قادته.
وأشار موقع “موند آفريك” إلى أن التنافس من أجل الموارد يعزز الفجوة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين في تونس، مما يزيد من التوترات السياسية والاجتماعية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع عقدها في وقت لاحق من هذه السنة.
وقد تكون نتائج الانتخابات حاسمة في تحديد ملامح المشهدين السياسي والاقتصادي للبلاد على مدى العقد المقبل.

مع ذلك، من المحتمل أن تشهد البلاد سيناريوهات مغايرة، ويمكن لاستفحال التوترات قبيل الانتخابات أن تعرقل سير العملية الانتخابية، في هذه الحال، قد يلجأ رئيس الدولة إلى إعلان حالة طوارئ، لكن دون رقابة دستورية إضافية. ولتفادي هذا السيناريو، من الضروري أن يؤسس البرلمان محكمة دستورية عليها أن تقرر ما إذا كانت البلاد بحاجة إلى تمديد حالة الطوارئ أم لا، حسب ما كتب «موند أفريك».

البارزة, وجهات نظر 0 comments on هل ما تزال أمام نداء تونس فرصة ؟ .. بقلم خالد شوكات

هل ما تزال أمام نداء تونس فرصة ؟ .. بقلم خالد شوكات

لا بد لي من القول بداية، انه ليس لي أدنى مشكلة في ان يطرح السيد يوسف الشاهد مشروعا سياسيا على التونسيين، فان يكون بمقدور التونسيين طرح مشاريع سياسية جديدة، والمساهمة بشكل دوري في تجديد العقل السياسي الوطني، فذلك من فضائل النظام الديمقراطي، إِلَّا ان اعتراضي الوحيد – وما يزال- كما قلت هذا الامر قبل ما يزيد عن العام، فهو استغلال وسائل الدولة لبناء وإطلاق حزب سياسي، اذ هو امر شديد الخطورة على مستقبل الديمقراطية وانحراف اخلاقي وسياسي غير مقبول وقد تكون عواقبه على الجميع وخيمة.

اما بالنسبة لنا في حركة نداء تونس، وفيما عدا النقطة المشار اليها سلفا، اي اجراء انشقاق إضافي لكن بموارد الحكومة، فإننا قد اعتدنا تقريبا على هذه الحالة التي يخرج فيها علينا بعض رفاقنا ليزعموا اننا انحرفنا عن الطابع الديمقراطي والحداثي، وأنهم جاءوا لمقاومة الانحراف وتقويم المسار، وهي حجة متهافتة برأينا يفندها الموقع السياسي الذي اختاره المنشقون منذ يومهم الاول في الحكم، وهو التوافق مع الحركة التي انشقوا لاجل توافقنا معها، اي حركة النهضة ذات المرجعية الاسلامية، ومن هذا المنطلق فان من ينهى عن سلوك ويأتي بمثله يفترض ان لا يعتد كثيراً برأيه، لانه عمليا قد اختار تعويض “توافق الندية” ب”توافق التبعية”.

لكن، بالمقابل، لا يمكن لندائي صادق ان يتجاهل امر الانشقاقات المتواصلة وان ينفي حالة الوهن التي وصلنا اليها جراء اخطاء تسييرية شبه قاتلة واصرار يبلغ درجة العناد على العزة بالاثم ورغبة في عدم اجراء اي نقد او تقويم او تصحيح حقيقي، ناهيك عن الإنصات اليه والعمل بمقتضياته والشجاعة في القيام بموجباته ولو كانت مؤلمة، فقد بلغت حالة المرض الندائي درجة تستوجب حلا في مستوى الجراحة، وليس مجرد وصف مسكنات الم وتهدئة، ولعل المؤتمر الديمقراطي الانتخابي – ان تمكنا من بلوغه بطبيعة الحال- يشكل كما قال بعض الرفاق والاخوة، اخر فرصة للنداء حتى يكون قادرًا على الاستمرار في لعب دور رئيسي، والا فان مصيره لن يختلف عن مصير حزبي التكتل والمؤتمر، او الحزب الاشتراكي الدستوري الذي انتهى برحيل بورقيبة عن السلطة، والتجمع الذي انهار بانهيار نظام بن علي، اذ يقدر بعضهم ان النداء سينتهي كذلك بانتهاء عهد الباجي. 
انني – بكل تواضع- من قيادات المرحلة التأسيسية 2012/2013، وقد كنت احد أعضاء الهيئة التسييرية التي اختارها الرئيس المؤسس الباجي قاىد السبسي، عددهم خمسة وعشرون قياديا من ضمنهم الاثنى عشرة عضوا في هيئة التأسيسية، وربما اكون احد خمسة او ستة من مجموعة ال25 المشار اليها، ممن لم يغادروا الحزب لتأسيس احزاب اخرى او ممن استقالوا او جمدوا عضويتهم، وقد يكونوا تراجعوا لاحقا، ومن هنا ارى انه من واجبي ومن حقي في الوقت نفسه ان أبدي رأيا في مستقبل الحزب، في هذه اللحظة المفصلية الحاسمة التي يتوقف عليها مصير النداء الذي لا يمكن لأحد إنكار الدور الذي لعبه في تحقيق التوازن السياسي وانقاذ مسار الانتقال الديمقراطي، وبعد ان كانت تونس في طريقها الى بناء نظام احادي جديد يهيمن الاسلاميون عليه.

و لعلي أوجز رؤيتي المسقبلية للنداء في ثلاث نقاط أو رهانات أساسية: 

– النقطة الأولى: ان نخرج من المؤتمر بقيادة ندائية مقنعة، تتشكل من افضل الكفاءات الندائية، كفاءات تحوز على المواهب الضرورية في العمل السياسي والسمعة الطيّبة البعيدة عن الشبهات والقدرة على العمل المشترك والإيمان بخصائص النداء التاريخي في التنوع والوسطية والاعتدال والحداثة والوطنية. وعلى الرغم من كل الانشقاقات التي حصلت، فان خزّان النداء ما يزال يتوفّر على العديد من القيادات الوطنية والجهوية والمحلية والنسوية والشبابية التي تتوفر على المطلوب من القدرات لربح الرهانات السياسية والانتخابية القريبة القادمة، ومنح النداء نفسا جديدا يرمم صورته المهشمة والمشوهة. 

– النقطة الثانية: ان نخرج من المؤتمر برؤية مستقبلية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى، يجري تضمينها في وثائق ولوائح وبيانات واضحة، فكرية وسياسية وتنموية اقتصادية واجتماعية، تستند الى مفهوم مبدئي وواقعي في نفس الوقت للنداء باعتباره نسخة معاصرة لحزب الحركة الوطنية الاصلاحية التونسية، وبالرغم من كل ما قيل وما يقال عن النزعة “البرغماتية” والمحددات الغنائمية لحركة نداء تونس، فان للحركة رصيدا من الوثائق المكتوبة والمرئية والمسموعة لا يستهان به، ارتبطت خاصة بمحاولات التأثيث الفكري والسياسي خلال المرحلة التأسيسية، لا مناص من الاستفادة منه في هذه المرحلة التأسيسية الجديدة التي تحتاج قدرا من الإحياء والتجديد في آن.

– النقطة الثالثة: ان نخرج من المؤتمر بمؤسسات حزبية واضحة المعالم وثابتة، تعكس الرغبة في بناء حزب ديمقراطي مؤسساتي قادر على ربح رهان الاستدامة وتجاوز البعد “الشخصاني”، ويليق فعلا بتمثيل التراث السياسي الوطني الاصلاحي، ويصحح الصورة التي التصقت بالنداء خلال السنوات الماضية، في علاقة ب”الباتيندا” وجماعات الضغط والمصالح الضيقة، فالمؤسسات الديمقراطية وحدها هي التي تضمن للأحزاب الكبرى ديمومتها وتربط القوانين بالفضيلة وتفتح المجال امام المواهب لارتقاء اعلى سلم الحزب والدولة، ودون مؤسسات ستنهار البنى تباعاً وستنحدر الممارسة الحزبية الى ما يقود الى نهاية موشكة قريبة، خصوصا في ظل نظام ديمقراطي يقوم على لعب سياسي مفتوح البقاء فيه سيكون في النهاية للأصلح.

ثمّةَ من الاصدقاء و الرفاق و الاخوان من يقول لنا انكم تنفخون في جسم ميّت، وثمة من يؤكد على ان المشروع الندائي قام منذ البداية على أسس خاطئة غير قابلة للتصحيح، كما ثمّةَ من يشير الى الطابع “الغنائمي” البنيوي للنداء فيما يتصل بالعلاقة بالدولة، الى جانب من يقول بأن العناصر الندائية الجيدة قد غلبتها العناصر “المافيوزية” وانتهى امرها.. كل هذه الامور واردة ولا يمكن تهميشها او تجاهلها، لكن الثابت عندي وعند عدد من المساهمين في التأسيس حريصون كل الحرص على القيام بواجبنا تجاه حزبنا الى اخر رمق، فان كانت النهاية محتومة فلتكن إذًا مشرفة من خلال قيامنا بواجبنا في النقد والنصح والتوجيه والتصحيح ما استطعنا، والله من وراء القصد والله ولي التوفيق.

 

 

*قيادي في حركة نداء تونس

وجهات نظر 0 comments on تونس.. مقاربات عن الإسلاميين و الهوية و الإرهاب (1 من 2) بقلم كمال بن يونس

تونس.. مقاربات عن الإسلاميين و الهوية و الإرهاب (1 من 2) بقلم كمال بن يونس

نجح نحو 50 من الجامعيين والباحثين والإعلاميين التونسيين من مدارس فكرية مختلفة، في صياغة دراسة شاملة، هي الأولى من نوعها عربيا، عن السلوكيات الثقافية والاجتماعية والسياسية في علاقة بالمرجعيات الثقافية الدينية.

خصوصيات تونسية

هذا البحث الذي أنجز في شكل دراسة عميقة وأنيقة من1500 صفحة من الحجم الكبير، في 4 مجلدات، عن سنوات 2011 ـ 2015 اعتمد أشكال البحث العلمي المختلفة من المقاربات النظرية إلى الدراسات الكمية والإحصائية وإنجاز استبيان شمل عينة من 1800 شخصية من شمال البلاد وجنوبها .

وقد توصل الباحثون إلى استنتاجات جديرة بالمتابعة حول الملفات التي لها علاقة بالتعدد والتعددية فكريا ودينيا والأقليات الدينية والمذهبية وخصوصيات “الاتجاه الإسلامي” التونسي بكل مكوناته وتعبيراته التقليدية والحداثية الرسمية والمستقلة والمعارضة . كما توصلوا إلى استنتاجات تساعد على فهم “الاستثناء الديمقراطي التونسي” سياسيا والتعبيرات الدينية السلفية الاقصائية والعنيفة التي طفت على السطح ثم همشت.

وقد أسندت مهمة الإشراف على هذا البحث المعمق لنخبة من الجامعيين هم عالم الاجتماع منير السعيداني والعلامة المختص في حوارالأديان والحضارات احميدة النيفر والباحث في دراسات الفكر الإسلامي نادر الحمامي .

وكان من بين أبرز من أثث البحث أو ساهم فيه بأوراق وشهادات مهمة خبراء ومختصون في دراسة فسيفساء الفكر الاسلامي والبحوث الميدانية والسوسيولوجية بينهم الأساتذة عبد الوهاب بن حفيظ وعبد اللطيف الهرماسي وعبد المجيد الشرفي وعبد الحق الزموري وتوفيق بن عامر وفوزي البدوي ومحمد ضيف الله وحفيظة شقير وعلي اللافي والهادي يحمد وآمنة البناري …

فما هي أهم إضافات هذا التقرير الذي شهد مهندسوه بهامش الحرية العلمية والأكاديمية غير المسبوق الذي تمتعوا به خلافا لتقارير مماثلة عربيا؟

يلخص المشرف العام على هذه الدراسة منير سعيدان حصيلة عمل الباحثين الذين أنجزوها قائلا: “كانت نتيجة جهدنا الطويل كتاب ضخم من الحجم الكبير من 4 أجزاء: الأول عن المؤسسات الدينية والثاني عن المسائل الحقوقية والدستورية والقانونية في علاقتها بتنظيم الشأن الديني والثالث عن التعدد والتعددية الدينية والمذهبية. وعرض الجزء الرابع التحقيق الميداني وقراءات للاستبيان وشهادات من مختصين كبار في دراسة الظواهر الدينية الثقافية الاجتماعية والسياسية .

“التطور العشوائي” بعد الثورات العربية

ونوه الباحث المشارك في الدراسة عبد الحق الزموري بأهمية هذا البحث في بلد مثل تونس، وفي منطقة مثل المنطقة العربية، تفتقر فيها الجامعات إلى دراسات ميدانية موضوعية وعميقة وشاملة عن الشأن الديني وانعكاساته على حياة المجتمع وعلى فسيفساء المتدينين والنخب والنشطاء السياسيين الحداثيين والسلفيين، الثوريين والإصلاحيين أوالموالين.

واعتبر عالم الاجتماع عبد اللطيف الهرماسي، المختص في الدراسات السوسيولوجية وظاهرة الإسلام السياسي وحركات الإسلام الاحتجاجي والتيارات العلمانية الليبرالية واليسارية، أن من بين مبررات الاستبيان والدراسات التي أثثت هذا التقرير “التطوّر العشوائيّ في المشهد الديني السياسي” بعد ثورة 2011 .

 

وسجل الاعلامي والباحث علي اللافي أن هذا البحث قدم إجابات لأسئلة حيرت المراقبين حول سلوكيات “الاتجاه الاسلامي” في تونس بعد “الفلتان الإعلامي” وتوسع هامش الحريات بعد الثورات العربية.

وكان “الفلتان الاعلامي والأمني” قد ساهما في إضعاف مؤسسات السلطة المركزية وتراجع نفوذ الدولة التي كانت تهيمن على المجالين الديني والاجتماعيّ والسياسي طوال عقود.

وكانت الحصيلة أن طفت على السطح قوى متوترة سياسيا حينا وسلفية دينيا حينا آخر بما برر الحاجة إلى مثل هذا العمل بالتنسيق بين نخبة من الجامعيين والخبراء والفرع التونسي لمؤسسة مؤمنون بلاحدود ، التي نوه ممثلها الجامعي نادر الحمامي أنها احترمت كليا استقلالية البحث والباحثين وجاء تقريرها عن تونس حياديا وعلميا.

 

وتكشف الدراسات والتحاليل المقدمة في الأجزاء الأربعة للتقرير أن من بين انجازات الدراسة فهم خصوصيات “الاتجاه الاسلامي” التونسي بأجنحته التحديثية والسلفية، الصوفية والسياسية الاحتجاجية.

وقد احترم الباحثون التنوع والفوارق داخل كل تيار وجناح، مع الإقرار بكون من بين ما ميز مرحلة 2011 ـ 2015 وما قبل الثورات تزايد تأثير التيارات السلفيّة المحلية والمستوردة، بفروعها العلميّة/ المسالمة والجهاديّة/ العنيفة.

وكان من بين ما أكدته هذه الدراسة توظيف السلفيين للثغرات داخل المؤسسات السياسية والإعلامية والتربوية الرسمية المشرفة على المشهد الديني.

وازداد التعقيد بسبب افتقار السلفيّين في تونس إلى منظّرين ومراجع من الحجم الكبير، فاعتمد خطابهم على اقتباسات متناقضة من أدبيات تيارات دينيّة مشرقية شخصيات تقليدية معارضة للحكام ولرموز التديّن والحركات السلفية ..

من الجوامع إلى الجامعات

ولعل من أبرز إضافات التقرير، الدراسات التي قدمت لأول مرة للمشهد الدينيّ من خلال التعريف بدقة بطبيعة علاقته بهياكل الدولة السياسية والتربوية وأماكن التعبد، من وزارة الشؤون الدينيّة والمجلس الإسلامي الأعلى إلى هيئات الـ 5 آلاف جامع ومسجد ومركز عبادة..

كما قدم التقرير قراءات علمية كمية ومضمونية مقارنة لعلاقة المشهد الديني بمؤسسات التربية والبحث العلميّ والإعلام الديني التقليدي والحديث وتأثيرات الشبكات الاجتماعيّة والجمعيّات الثقافيّة الاجتماعية الدينيّة.

 

ورغم احترام الباحثين للخطوط الحمراء في مهمتهم الأكاديمية والسوسيولوجية فقد نجحوا في تناول فسيفساء “الحالة الدينية” التونسية بمختلف أبعادها في كل الأوساط، بما في ذلك في الأوساط الشبابية والحركة الطلاّبيّة وعلاقة المرأة بالدين والجمعيّات والمنظّمات المهنيّة الدينيّة.

لذلك اعتبر منسق الورقات التحليلية للدراسة الميدانية عالم الاجتماع عبد اللطيف الهرماسي أن وضع المعطى الدينيّ في تونس معقد وفسيفسائي، وأنّ الانسجام الظاهر يخفي تنوّعا في المكوّنات وعرض الإشكاليات .

وسجل المشرفون على الدراسة تأثر تطورات التوجّهات الدينيّة في البلاد بتحوّلات المجتمع وصراع الآراء داخله ضمن المستجدات في عالم متوتّر ومنفتح في آن واحد.

تمرين على الاختلاف

وكشف التقرير حسب المشرفين على إنجازه استعدادا لفهم الظواهر الدينية الاجتماعية والثقافية بأبعادها الرسمية والشعبية من خلال التفاعل مع نظرة عموم التونسيين للدين بعيدا عن الإسقاطات الإيديولوجية أو التورط في “تسييس الدين” أو “تديين السياسة”.

وتوقف الباحث شهاب اليحياوي عند بعض خصوصيات السلوكيات الدينية في المجتمع التونسي التي لا تخلو من المفارقات، مثل عدم تسامح الأغلبية مع الإفطار في شهر رمضان مقابل مرونة في التعامل مع من لا يؤدون الصلاة ولا يحترمون قيما ومعاملات اسلامية اخرى.

واعتبر اليحياوي أن ذلك يندرج ضمن ميولات لدى البعض للتوفيق بين مرجعياتهم الدينية واقتناعهم بمزايا السياسات العلمانية المتبعة منذ اعلان استقلال تونس عن فرنسا في 1956.

المجتمع التونسي لا يخلو من المفارقات، مثل عدم تسامح الأغلبية مع الإفطار في شهر رمضان مقابل مرونة في التعامل مع من لا يؤدون الصلاة

وأورد الباحث نادر الحمامي، أن الدراسة الميدانية والاستبيان كشفا أن الممارسة والمواقف الدينية في تونس تحكمها أكثر الاعتبارات العرفية الثقافية والاجتماعية من الاعتبارات العقائدية الدينية النظرية .

وينطبق هذا الاستنتاج على المواقف من القضايا المثيرة مثل المساواة في الارث بين الجنسين وزواج المسلمة بغير المسلم ورفض العودة إلى مرحلة تعدد الزوجات .

إذن فقد ساهم التقرير بأجزائه الأربعة في الخروج بالمسالة الدينية من الاهتمامات الأيديولوجية العقائدية إلى مجال البحث العلمي المنهجي مثلما أورد الباحث عبد الحق الزموري.

وسجل الباحث نادر الحمامي أن تعدد توجهات الباحثين كان “تمرينا على الاختلاف والتعدد داخل الواحد”، من خلال خوض تجربة إعداد دراسات مشتركة ثم التأليف بينها وإصدار استنتاجات إلى صناع القرار بمختلف مواقعهم وتوجهاتهم .

وجهات نظر 0 comments on حزب الشاهد ….مساندون و معارضون و نقاط استفهام

حزب الشاهد ….مساندون و معارضون و نقاط استفهام

عزيزة بن عمر 

 

أعلن عشرات من نواب البرلمان  و الوزراء الأحد عن تشكيل حزب جديد يحمل اسم “تحيا تونس”، من المتوقع أن يتزعمه رئيس الوزراء يوسف الشاهد

وبحضور آلاف الأنصار في مدينة المنستير ، تم إعلان الحزب الذي صوت أنصاره لاختيار اسمه “تحيا تونس”

و يأتي إعلان الحزب الجديد بعد أشهر من خلافات محتدمة بين قيادات حزب نداء تونس، الذي يقوده السبسي الابن و انضم إلى الحزب الجديد عشرات النواب المستقيلين من حزب نداء تونس و المستشارين في البلديات، متهمين نجل الرئيس بأنه يسعى لخدمة مشروعه الشخصي. ولم يحضر يوسف الشاهد الاجتماع الأول، لكن قيادات في الحزب قالوا إنه سيكون زعيم الحزب الجديد.‭‭ ‬‬‬و من بين قادة الحزب الجديد سليم العزبي المدير السابق لديوان السبسي

 

ردود فعل السياسيين
 
أما في كواليس الأوساط السياسية فقد رحب زعيم حركة مشروع تونس محسن مرزوق المشاركة في الائتلاف الحكومي الذي يقوده الشاهد بتأسيس الحزب، داعيا الأحزاب الوسطية للالتحاق به و التنسيق معه بشأن الصيغ التنظيمية للدخول في تحالفات انتخابية نهاية 2019

و قالت النائبة في البرلمان زهرة إدريس “لمغرب نيوز” إن “هدفنا سيكون تأسيس حزب قوي يقود الإصلاحات الاقتصادية، و يعيد الأمل للتونسيين المحبطين، و نتطلع لأغلبية برلمانية مريحة لقيادة البلاد “، مضيفة ” من المتوقع أن يكون الشاهد في قيادة الحزب الجديد”، لكنها أكدت أنه “لن يكون قائما على الأشخاص مثلما حصل في حزب نداء تونس”

من جهة آخرى قال  رئيس كتلة الائتلاف الوطني وأحد مؤسسي الحزب المحسوب على الشاهد مصطفى بن أحمد”لمغرب نيوز” إن الهدف من تأسيس هذا الحزب الجديد هو تجميع العائلة الوسطية و إيجاد جبهة وسطية للفوز في الانتخابات المقبلة دون التحالف مع حركة النهضة  .

و تابع قائلا  “حزبنا سيعتمد على مبدأ التشارك و صنع القرار عبر آلية الانتخابات”

  الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي يقول  إن الحزب السياسي المنسوب لرئيس الحكومة الحالي هو نسخة مشوهة من حركة نداء تونس التي أعلنت سابقا عن إنهاء توافقها السياسي مع حركة النهضة لرفض الأخيرة سحب الثقة من يوسف الشاهد.

 معتبرين وصف إعلان قيادات هذا الحزب عدم التحالف مع حركة النهضة في الانتخابات المقبلة بأنه “ضحك على الذقون”، مشيرا إلى أن هذا الحزب متحالف مع حركة النهضة في الائتلاف الحكومي الحالي شأنه شأن حركة مشروع تونس الذي طالما دعا سابقا إلى عدم التحالف مع النهضة

الشابي: الحزب السياسي المنسوب لرئيس الحكومة الحالي هو نسخة مشوهة من حركة نداء تونس 

 
استنساخ مشوه
 
و بشأن موقفه من تأسيس هذا الحزب، قال المحلل السياسي منذر بالضيافي في تصريح صحفي إنه لم يعاين تأسيس حزب جديد بقدر ما لاحظ تأسيس شق جديد من حركة نداء تونس التي تأسست على إنقاذها مجموعة من الأحزاب الصغيرة بسبب الاستقالات السابقة لقياداتها

و أكد أن الحزب المحسوب على رئيس الحكومة ضم نفس الوجوه و الأشخاص و الشعارات التي رفعت خلال تأسيس حركة نداء تونس، مشيرا إلى أن هناك “استنساخا مشوها” للنسخة الأصلية من نداء تونس الذي تأسس في ظل مطالب مجتمعية بتحقيق التوازن مع حركة النهضة

ويقول إن تأسيس هذا الحزب الجديد لا يستجيب للشروط التاريخية لتأسيس الأحزاب بسبب خلوه من البرامج والرؤى والأيديولوجيا وغياب القاعدة الشعبية التي تسانده، إلى جانب عدم وضوح الرؤية بشأن قياداته ومسؤوليه باستثناء الإعلان عن منسقه العام سليم العزابي.

“تشرذم سياسي”
 
و اتهم القيادي في نداء تونس حسن العماري  يوسف الشاهد بمزيد شرذمة القوى الديمقراطية التقدمية في البلاد، و فسح المجال لحركة النهضة لمزيد التوغل السياسي و الأيديولوجي.
 
و أضاف: “إعلان يوسف الشاهد عن حزبه الجديد كبديل لنداء تونس لن يكون هو الحل، بل سيزيد في تعقيد المشهد الحزبي وتشتيت العائلة الديمقراطية الوسطية، ولن يخدم إلا حركة النهضة “.
 
وحذر العماري من مغبة استغلال رئيس الحكومة لمؤسسات الدولة وتسخيرها لخدمة طموحه السياسي وحزبه الجديد، بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية القادمة.
 
وختم بالقول: “من المتعارف عليه في نواميس العمل السياسي أن يتم تأسيس حزب للوصول إلى السلطة، لكن الشاهد وصل إلى السلطة ثم انطلق في تأسيس كتلة برلمانية تلاها حزب سياسي جديد”.
 
ويرى النائب عن كتلة “الولاء للوطن” توفيق الجملي، أن هذا الحزب لن “يحقق أي إضافة للمشهد السياسي والحزبي في تونس، مبررا ذلك بتكرار الوجوه نفسها التي انشقت عن نداء تونس والتحقت بحزب الشاهد”.
 
و أكد في تصريح “لمغرب نيوز “أن “حكومة الشاهد فشلت على كل المستويات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية، و تريد إعادة رسكلة الفشل بوجوه جديدة وحزب جديد”.

في ذات السياق انتقد رئيس الجمهورية السابق محمد منصف المرزوقي الشاهد، مشككا فيما قد يدعيه رئيس الحكومة الحالي من وعود من وراء تكوين هذا الحزب، وقال عنه: “إذا لم يستطع القيام بإصلاحات وهو الآن في الحكم، فمتى عساه يقوم بذلك؟”. وجاءت كلمة المرزوقي خلال اجتماع شعبي عقده في مدينة صفاقس، استعرض خلاله قراءته للوضع الراهن في البلاد، ومواقفه منها

مهمة التنسيق

 
و لم يصرح رئيس الحكومة يوسف الشاهد حتى الآن بوقوفه وراء تأسيس هذا الحزب أو اعتزامه ترؤسه بعد مؤتمره التأسيسي المقرر بعد شهر

ويتولى حاليا مدير الديوان الرئاسي سليم العزابي سابقا لدى الرئيس الباجي قايد السبسي مهمة التنسيق إلى حين عقد مؤتمره التأسيسي

ويتوقع بالضيافي أن يشهد هذا الحزب نفس مصير نداء تونس الذي انقسم بسبب صراعاته الداخلية، مستبعدا أن يحقق فوزا في الانتخابات المقبلة لأن “إحدى أكبر نقاطه ضعفه هي ارتباطه بالحكومة الحالية التي لم تحقق أي إنجازات تذكر وتراجعت خلال فترة حكمها جميع المؤشرات”

كما توقع بالضيافي أن تحمل الانتخابات المقبلة مفاجآت كبيرة بسبب ارتفاع نسبة عزوف الناخبين وتراجع ثقة الناخبين في الأحزاب، ولا سيما في الانتخابات البلدية الأخيرة، معتقدا أن يتجه الناخبون إلى القيام بتصويت عقابي ضد الأحزاب الكبرى جراء تدهور الأوضاع في البلاد.

و حظيت تونس بإشادة واسعة من الغرب باعتبارها النجاح الديمقراطي الوحيد الذي حققه الربيع العربي، بعد أن أطاحت الاحتجاجات بالرئيس زين العابدين بن علي في عام 2011 دون إثارة اضطرابات عنيفة ،مثل التي شهدتها سوريا وليبيا

لكن منذ عام 2011 أخفقت تسع حكومات في‭‭‭ ‬‬‬حل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تونس، والتي تشمل ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، فضلا عن نفاد صبر المقرضين مثل صندوق النقد الدولي، الذي يحث تونس على تسريع إصلاحاتها لخفض العجز

ومن المتوقع أن تجري الانتخابات البرلمانية و الرئاسية بنهاية العام الحالي، لكن لم يتم تحديد موعد رسمي حتى الآن. وتسعى القوى العلمانية إلى تكوين جبهة قوية لمنافسة حزب النهضة و هو أقوى حزب، و ترشحه استطلاعات الرأي المحلية، للفوز في الانتخابات المقبلة

البارزة, وجهات نظر 0 comments on كلفة عدم بناء المغرب الكبير .. بقلم امحمد مالكي

كلفة عدم بناء المغرب الكبير .. بقلم امحمد مالكي

ستحُل بعد أيام قليلة الذكرى الثلاثون لإنشاء “اتحاد المغرب العربي” (17 شباط/ فبراير 1989 – 17 شباط/ فبراير 2019)، وسيتم، دون شك، التذكير بهذه المناسبة عبر وسائل الإعلام، والتباكي على النتائج المتواضعة والضعيفة التي جنتها شعوب المنطقة من هذا التنظيم الإقليمي، الذي أحيطت به عند تأسيسه العديد من الرهانات، والكثير من الآمال والتطلعات.

كنت شاهدا على إبرام معاهدة مراكش المعلِنة عن ميلاد “اتحاد المغرب العربي”، وواكبت، كمواطن يقطن في مدينة “ابن رشد الحفيد” (مراكش)، التصريحات والتطلعات التي عبر عنها قادة الدول الخمس الموقّعِين على وثيقة التأسيس (موريتانيا – المغرب – الجزائر – تونس – ليبيا)، وساهمت كباحث ببعض الكتابات عن طبيعة هذا الاتحاد، وأبعاده، والآفاق المتاحة أمامه. وتعاقبت السنون وبقيت مواظبا على مواكبة مسار هذا الاتحاد، وتأرجحه بين المدِّ والجزر، وكل سنة كانت تمُر دون التقدم على طريق الإنجاز، كما نضيّع فرصاً وإمكانيات، وكنا نخلف موعدَنا مع التاريخ، أي كنا نفرّط في ما أتاحت الاتحادات الناجحة لغيرنا من سُبل التطور ومصادر اكتساب المناعة وامتلاك القوة الجماعية.

سيُنهي الاتحاد المغاربي بعد أيام عقدهُ الثالث، ورصيده من الإنجازات التي تضمنتها معاهدته ووقع عليها قادتُه، وباركتها شعوبه، ضعيفة ولا تدعو بالجملة إلى الوقوف عندها. فباستثناء عملية الهيكلة والتأسيس، أي إرساء الأجهزة التي تم التنصيص عليها في المعاهدة، وعقد بضع دورات لمجلس الرئاسة بحسبه أعلى هيئة مقررة في البناء المشترك، لم تُسفر العقود الثلاثة عن نتائج واضحة، وازنة وفعلية، بسبب التوتر الذي ساد علاقات بعض أطرافه (المغرب والجزائر)، والذي أفضى إلى توقف انعقاد مجلس رئاسته منذ العام 1994. وحين توقف الرأس عن الاشتغال والمبادرة، طال الجمود كل أعضاء الجسم وأطرافه. ومرة أخرى أضاع المغاربيون موعدهم مع التاريخ، كما أضاعوه عام 1958 في أعقاب انعقاد مؤتمر طبنجة والإعلان عن إنشاء “اتحاد كونفدرالي”، وأعادوا إضاعته سنة 1974 مع الدعوة إلى تأسيس الوحدة الاقتصادية، من خلال ما سمي وقتئذ “مؤتمر وزراء الاقتصاد” والمؤسسات المنبثقة عنه.

 

باستثناء عملية الهيكلة والتأسيس، أي إرساء الأجهزة التي تم التنصيص عليها في المعاهدة، وعقد بضع دورات لمجلس الرئاسة بحسبه أعلى هيئة مقررة في البناء المشترك، لم تُسفر العقود الثلاثة عن نتائج واضحة

ثمة خيط رابط بين لحظات الضياع الثلاث، يمكن من خلاله تفسير تعثر المشروع المغاربي والكلفة التي تؤديها الشعوب المغاربية جراء هذا التخلف.. إنه عدم تنزيل البناء المغاربي المشترك منزلة القضية الاستراتيجية ذات الأولوية، والتي يجب تعبئة كل الطاقات والإمكانيات من أجل نجاحها واستمرارها حيةً ومتجددةً ومؤثرةً في الحياة العامة للمنطقة. أما القصد بـ”الاستراتيجية” في هذا المقال، فيعني عدم امتلاك الإرادة الواعية واللازمة للبحث عن المشترك من أجل تغليب فرص البناء على عناصر الفُرقة والتباعد.

تُشكل ثنائيةُ “المغرب – الجزائر” عُقدة تفسير التعثر الحاصل في البناء المغاربي المشترك ومفتاح الحل، لاعتبارات متعددة، أبرزها وزن الدولتين الديمغرافي، والسياسي والاقتصادي. وإذا كان للدول الثلاث الأخرى مكانتها في البناء الجماعي، فإن للمغرب والجزائر القدرة على إعاقة هذا البناء أو إنجاحه، دليلنا في ذلك أن مقررات مؤتمر طنجة لعام 1958، توقف تنفيذها بعد إعلان استقلال الجزائر سنة 1962، ودخولها فما سمي “حرب الرمال” عام 1963، وأخفقت صيغة “مؤتمر وزراء الاقتصاد” عام 1975 للأسباب نفسها، أي توتر العلاقات المغربية الجزائرية. أما “اتحاد المغرب العربي” فتوقف بدوره سنة 1994 في أعقاب الهجوم الإرهابي على مواقع سياحية في مدينة مراكش، تورط فيها أشخاص من أصول جزائرية.

ثمة أسباب عديدة لتفسير مصادر التوتر المغربي الجزائري، منها ما هو وجيه وموضوعي، والكثير منها ذاتي ولا يستند إلى العقل والمنطق. لنترك الجوانب الذاتية وغير المنطقية جانبا، وننظر إلى العناصر العقلانية في البناء المغاربي المشترك، أي الضرورات التي تعمّ بالخير العام والفائدة على شعوب المنطقة، وتُؤمن سبل المناعة والقوة لبلدانها. ولنعزز نظرنا بالممارسات المُثلى التي راكمتها التجارب الناجحة من حولنا، ونطرح سلسلة من الأسئلة عسى أن نمسك بجوهر هذه الضرورات.

 

أسباب عديدة لتفسير مصادر التوتر المغربي الجزائري، منها ما هو وجيه وموضوعي، والكثير منها ذاتي ولا يستند إلى العقل والمنطق

فما الذي يمنع الجزائر والمغرب من فتح حوار صريح وموضوعي عن كل القضايا الخلافية التي تؤجج التوتر بينهما؟ وما الذي يمنعهما من تقديم نقد ذاتي متبادل عن الأخطاء (إن وجدت) والنظر إلى المستقبل على أسس جديدة ورؤية مغايرة؟ وما الذي يمنع من إشراك مواطني البلدين في إبداء رأيهم بشكل حر وإرادي في قضية البناء المشترك؟ لماذا لا تُفتح الحدود البرية وإتاحة فرصة انسياب الأشخاص والأموال بين البلدين، بالقانون ووفق أحكامه وآلياته؟

يُقنعنا التاريخ وتجارب الاتحادات الناجحة أنه لا خيار أمام الدول المتجاورة، والتي تجمعها روابط قوية، سوى وسيلة الحوار الصريح والصادق والمسؤول، كما ليس أمامها أفق سالك سوى العمل المستمر من أجل المشترك، ونبذ الخلافات، أو على الأقل ترشيد خسائرها.. ألم يكن تاريخ ألمانيا وفرنسا وديان دماء، وحروبا لا حدود لها؟ ومع ذلك أقنعت آفة الحرب وكوارثها البلدين بأن قوتهما في وحدتهما، أي في تعاونهما وبحثهما المستمر والصادق عن المشترك، الذي يعم بالفائدة والخير العام على شعبيهما وشعوب فضائهما التاريخي والحضاري.

إن كلفة عدم بناء المغرب الكبير كبيرة وفادحة، وقد قدر قيمتها البنك الدولى منذ سنوات بفقدان 2 في المئة من الناتج الخام الوطني لكل دولة مغاربية. والمؤسف أن الضياع ما زال مستمرا باستمرار تعثر المشروع، ولا يُعرف على وجه اليقين متى يتوقف الضياع، وتهب ريح الوعي على عقول النخب المغاربية.

وجهات نظر 0 comments on ساحة جديدة للتنافس الفرنسي-الإيطالي على ليبيا .. بقلم السنوسي بسيكري

ساحة جديدة للتنافس الفرنسي-الإيطالي على ليبيا .. بقلم السنوسي بسيكري

استدركت إيطاليا على مبادرة باريس التي جمع فيها الرئيس ماكرون رئيس البرلمان ورئيس المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الأعلى وقائد عام الجيش التابع للبرلمان بعقد اجتماع باليرمو ليكون لها زمام المبادرة في إدارة الملف الليبي، لهذا كان من نتائج باليرمو تأييد المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج وتقديم كامل الدعم له وتجاهل الجيش وقائده.

إيطاليا تتمتع بمباركة أمريكا في مسارها القائم على تحقيق التوافق تحت مظلة الرئاسي والانطلاق إلى مرحلة انتخابات برلمانية والحيلولة دون انتخابات رئاسية والتي في الغالب نتائجها لن تكون مرضية للإيطاليين.

الدور الفرنسي في عملية الجنوب

يبدو أن الاستراتيجية الفرنسية كانت، ولا تزال، تقوم على التعويل على خليفة حفتر، وسعت باريس إلى التعجيل بالانتخابات الرئاسية على افتراض أن حفتر هو المرشح الذي لا منافس له، ولأن روما نجحت في استبعاد هذا الخيار بمساعدة واشطن عبر ممثلها القوي في البعثة الأممية لليبيا، ستيفاني ويليامز، فمن الطبيعي أن تستخدم فرنسا ورقتها المهمة لمناكفة روما.

إقدام خليفة حفتر على الدخول عسكريا في الجنوب مؤخرا أكبر من أن يكون قرارا فرديا، ومن غير المستبعد أن تكون عمليته العسكرية بتشجيع ودعم فرنسي، وتسهيلات تقدمها الدول الإقليمية المؤيدة لجبهة طبرق والتي وفرت لحفتر ما يحتاجه من الدعم المادي والمعنوي منذ إطلاقه عملية الكرامة.
 
العلمية العسكرية مهمة جدا لحفتر كونها ستعيد تقديمه كمنقذ بعد أن خفت بريق اسمه بانتهاء الحروب في الشرق الليبي، لكنها بالقطع يمكن أن تحقق أهدافا استراتيجية لفرنسا من أهمها:

1 ـ فرض قوة أمر واقع في الجنوب الليبي متوافقة مع باريس وسياستها في دول جنوبي ليبيا.
2 ـ العملية قد تقدم فرنسا كمساهم أكثر فاعلية من إيطاليا في الحد من الهجرة غير الشرعية. 
3 ـ تعزيز دور فرنسا في تشكيل المشهد السياسي والأمني في ليبيا.
 

التوافق بين باريس و”المرج”، حيث مقر خليفة حفتر إنما يتأتى لحاجة الأخير لكسر الطوق الذي فرضته إيطاليا بموافقة أمريكية والذي تجلى في آخر نسخة من رؤية البعثة الأممية لحل الأزمة الليبية والتي لم تكن مرضية لحفتر على الإطلاق، ولأن حفتر لا يحسن إلا العمل العسكري لتحقيق أهدافه، فإن الجنوب هو الخيار المناسب بعد فشل الحراك العسكري قرب العاصمة .

أيضا ليس من العجب أن يطمح حفتر من خلال السيطرة على الجنوب أن يضع طرابلس بين فكي الكماشة ويصبح الانطلاق صوبها أكثر يسرا.

بالمقابل فإن المناورة الإيطالية المباركة من قبل أمريكا عزلت فرنسا جزئيا وأفشلت مبادرتها التي عولت على الخيار السلمي لتحقيق التغيير المنشود، ولهذا لم يعد أمام باريس من خيار إلا البحث عن أوراق ضغط، ولن تكون تلك الأوراق إلا في الجنوب الذي تعتبره فضاءها الحيوي.

تصريحات الساسة التنفيذيين الإيطاليين في الأيام القليلة الماضية والتي تعكس حالة من الضيق وربما الغضب تجاه فرنسا إنما هي تعبير عما حاولنا شرحه أعلاه، فتصريحات وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء التي تصف الدور الفرنسي في ليبيا بالمعرقل لا تفسير لها إلا ما يظهر من حراك عسكري في الجنوب ترعاه فرنسا.

ربما ستنجح باريس في إحراج وحتى عزل روما في دهاليز الاتحاد الأوروبي إذا حققت العملية العسكرية نتائج مرضية في الحد من التدفق الكبير للمهاجرين غير الشرعيين من جنوب ليبيا إلى شمالها ومن ثم إلى أوروبا، مما يعني مزيدا من الدعم الأوروبي لحفتر وهو ما تريده فرنسا ولا ترغبه إيطاليا.

عوائق وتحديات

حفتر ومن خلفه من داعمين دوليين يحسنون اقتناص الفرص، فالوضع المتردي جدا في الجنوب والذي من أبرز مظاهر تأزيمه بعبع المجموعات المسلحة الأجنبية واستباحتها للأراضي الليبية يشكل اليوم الهاجس الأكبر في الجنوب، وأصبح عاملا مهم للتعبئة وكسب تأييد سكانه تماما كما كان الوضع في بنغازي العام 2014م.

غير أن وجود قوة عسكرية كبيرة وتوفر دعم دولي مباشر لا يعني بحال أن العملية ناجحة وستحقق أهدافها، فالجنوب ساحة كبيرة ومعقدة، والسيطرة عليه يتطلب احتواء كافة مكوناته السياسية والاجتماعية والعسكرية وهذا أمر شديد الصعوبة.

أيضا ثبت أن حفتر يستعين بمجموعات مسلحة خارجة عن القانون وهي جزء من الأزمة اليوم وترتكب أعمالا إجرامية تحت مظلة العملية العسكرية وقد تحدث عن ذلك عدد من أنصار حفتر والجيش واعتبروه تحديا يمكن أن يعيق العملية العسكرية وربما يفشلها.

 

وجهات نظر 0 comments on فرنسا و إيطاليا… معركة أوروبية في ليبيا….بقلم عبد الرحمان شلقم

فرنسا و إيطاليا… معركة أوروبية في ليبيا….بقلم عبد الرحمان شلقم

يقال إن الشجرة كثيراً ما تخفي الغابة، لكن الشجرة قد تكون من غير مكونات الغابة الخفية. لما تتصارع دولتان أوروبيتان يجمعهما اتحاد على بلد صغير هو ليبيا، فهل هو النفط والغاز الليبي، أم إعادة بناء البلد الذي لحق به كثير من الدمار بسبب الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 8 سنوات؟ بلا شك هناك كثير من نقاط الاختلاف بين السياسة الإيطالية والفرنسية في كثير من القضايا على المستوى الأوروبي، بل الدولي.
القيادة السياسية في إيطاليا التي يتولاها رأسان، هما حزب رابطة الشمال وحركة النجوم الخمس، يجمعهما المنهج الشعبوي الأصولي الوطني، ويعملان على تأسيس قوة أوروبية تتبنى المنهج نفسه، وحليفهما الأول «الجبهة الوطنية» الفرنسية اليمينية المتطرفة، بقيادة مارلين لوبان. وهناك تيارات أوروبية في غرب القارة وشرقها تتبنى المنهج الشعبوي نفسه، لكنها أقل قوة مما هو في فرنسا وإيطاليا. الهجوم على «الآخر» من أساسيات العمل التعبوي للتيارات المتشددة على أساس وطني.
الخلاف المتصاعد بين فرنسا وإيطاليا سياسياً لا بد أن يُقرأ على ضوء ذلك. ففي هجوم شنّه لويدجي دي مايو، نائب رئيس الوزراء ووزير العمل الإيطالي، وهو أيضاً الزعيم السياسي لحركة النجوم الخمس الشعبوية، على فرنسا، اتهمها فيه بالتدخل في ليبيا، ضمن ما سمَّاه سياستها الاستعمارية في القارة الأفريقية، وكال لها الاتهامات باستغلال ثروات أفريقيا. وانضم إليه سالفيني نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، زعيم رابطة الشمال. كل ذلك يدخل في خضم الصراع السياسي الآيديولوجي بين فرنسا وإيطاليا. الحزبان الحاكمان في روما يعارضان بشدة تفرد فرنسا وألمانيا بقيادة الاتحاد الأوروبي، وهيمنتهما على القارة عبر الاتحاد.
ليبيا ورقة في ملف كبير، يحمل تفاصيل خلاف، بل صراع بين تيارين سياسيين، بل فكريين تعيشهما القارة العجوز. في يوم 22 من هذا الشهر وقّعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معاهدة ثنائية بين بلديهما تحت عنوان «معاهدة التعاون والتكامل الفرنسية الألمانية»، تحمل كثيراً من المؤشرات التي تعبر عن ملامح أوروبا جديدة. تأتي هذه الخطوة استكمالاً لمعاهدة الإليزيه الموقعة سنة 1963 بين الجنرال ديغول والمستشار أديناور، التي أسست لعلاقة جديدة بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية. المعاهدة الجديدة بين البلدين، تؤسس لاتحاد داخل الاتحاد الأوروبي، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تجد إيطاليا نفسها شبه معزولة أو قوة من الدرجة الثانية داخل الكيان الأوروبي.
اللغة التي تحدث بها الوزيران الإيطاليان ضد فرنسا، والتي لم تحمل الطعم الدبلوماسي المعتاد في التخاطب بين الساسة الأوروبيين، والتي وصلت إلى حد إعلان وزير الداخلية ماثيو سالفيني أمله أن يرى فرنسا دون الرئيس ماكرون وحكومته، تكشف حجم الانفعال السياسي الإيطالي، رغم محاولة رئيس الوزراء الإيطالي ووزير خارجيته التخفيف من حدة التوتر بين الدولتين. رئيس الجمهورية ماتاريلا ردّ بقوة على تصريحات الوزيرين، وعبّر عن الارتباط القوي بين فرنسا وإيطاليا.
كال السياسيّان الإيطاليان أكثر من تهمة لفرنسا، بالقول إنها أفقرت الدول الأفريقية، وإنها تسيطر على اقتصاد أكثر من 14 دولة أفريقية، ولولا تلك السيطرة لكانت فرنسا من الدول المتأخرة اقتصادياً وتتحمل المسؤولية الكاملة في مأساة هروب الأفارقة من بلدانهم التي أفقرتها فرنسا، وإنها لا تبالي بمعاناة المهاجرين الأفارقة، وتساهم في عبورهم للصحراء والبحر الأبيض المتوسط. ولم يفت وزير الداخلية الإيطالي أن يشير إلى رفض فرنسا تسليم عدد من المجرمين الإيطاليين الهاربين إلى فرنسا.
أما الحديث عن الصراع بين الطرفين حول الثروة النفطية الليبية، فإنه لا يطابق الواقع، حيث إن الشركات العالمية تحصل على امتيازات الاستكشاف والاستثمار في ليبيا، وفق معايير معلنة، وفي عروض لها ضوابط دقيقة. الشركات الإيطالية، وفي مقدمتها «إيني»، تعمل في ليبيا منذ زمن، وخاصة في مجال الغاز، وكذلك شركة «توتال» الفرنسية، وهناك استثمار كبير لشركة «ريبسول» الإسبانية، وغيرها من الشركات، مع ملاحظة أن حجم الإنتاج الليبي من النفط لا يشكل كميات كبيرة تستدعي صداماً بين حليفين أوروبيين.
أوروبا في حالة سيولة سياسية حقيقية. التيار الشعبوي اليميني ينمو في بلدان كثيرة من القارة. والانتخابات البرلمانية الأوروبية التي ستجري في مايو (أيار) المقبل ستكون المؤشر الأهم على مستقبل الخريطة السياسية المقبلة. لم يتردد كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن الإشارة صراحةً إلى ما تشهده أوروبا من اتساع لمساحة التشدد الشعبوي اليميني في القارة، وربما حرص الرئيس الفرنسي على إنجاز المعاهدة مع ألمانيا قبل مغادرة أنجيلا ميركل رئاسة الحكومة الألمانية.
منذ نمو الحركات اليمينية الشعبوية في أوروبا، وتأثير التوجه الأميركي الجديد تحت رئاسة دونالد ترمب وطرحه مفاهيم جديدة للتحالف القديم بين أوروبا والولايات المتحدة، ارتفعت في أوروبا أصوات جديدة عبّرت عن تغيرات، من الصعب قراءة أبعادها على المدى المتوسط والبعيد. بروز الصين قوةً اقتصاديةً وسياسيةً فاعلةً، و«نمراً عسكرياً» تحسب له حسابات استراتيجية، وضع مفهوم العولمة أمام أسئلة جديدة. أفريقيا القارة الغنية بالثروات، والخزان البشري الذي يزداد فقراً، ويدفع بمزيد من المشكلات ذات البعد العالمي من الهجرة غير القانونية، واتساع وتمدد حركات العنف المتطرفة، تجسد ناقوساً حقيقياً لم يجد الاهتمام العالمي الجادّ. لقد بادرت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، بتقديم «مشروع مارشال» لإعادة بناء أوروبا المدمرة، ما ساهم في تحقيق السلام الدولي. لا مندوحة من وضع مشروع دولي كبير تساهم فيه أوروبا، والولايات المتحدة، والصين، واليابان، والدول العربية، لتحقيق تنمية في أفريقيا، وتكريس الحكم الرشيد بها.
دول الساحل والصحراء تضررت بقوة جراء التغير المناخي الذي يشهده العالم، ما سبّب كوارث حقيقة أدت إلى ضرر بالغ بالزراعة والرعي، ما دفع آلاف الشباب إلى الهجرة والانضمام إلى حركات التطرف بحثاً عن لقمة الحياة. ليبيا اليوم مسرح لحرب أهلية معقدة، يحمل فيها أهلها السلاح الذي يتدفق من أكثر من صوب، ويتحارب فيها التاريخ والجغرافيا والأطماع الخارجية أيضاً.
عندما يتحدث أي طرف أوروبي اليوم عن حقبة الاستعمار، نقول له من كان منكم بلا خطيئة فليرمِ خصمه بألف حجر.

وجهات نظر 0 comments on معركة «كسر عظم» بين رأسي السلطة في تونس …بقلم كمال بن يونس

معركة «كسر عظم» بين رأسي السلطة في تونس …بقلم كمال بن يونس

تساؤلات عن كيفية حسمها بعد انحياز حزب الرئيس إلى النقابات… ضد الحكومة

«الشعب يريد إسقاط النظام»… «ارحل»… «خبز وحرية وكرامة وطنية»… هذه الشعارات التي رُفِعت بمناسبة «انتفاضة 2011» في تونس التي مهّدت لاندلاع انتفاضات ما عُرف بـ«الربيع العربي» عادت لتطفو على السطح في خضم المظاهرات والاضطرابات التي تشهدها تونس للمطالبة بالزيادات في الأجور والإطاحة بحكومة الائتلاف الوطني الجديدة التي شكلها يوسف الشاهد… رغم معارضة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وحزبه الليبرالي… حزب «نداء تونس».
وفي أعقاب تلويح «المركزية النقابية» بإضراب عام جديد خلال شهر فبراير (شباط) المقبل وإعلان قيادات في حزب الرئيس دعمها لها أضحى المراقبون السياسيون في تونس يطرحون علامات استفهام حول ما إذا كانت الحكومة الحالية قادرةً على الصمود حتى تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في وقت لاحق من العام الحالي… أم ستنهار تحت وطأة معركة «كسر العظام» بين رأسي السلطة التنفيذية من جهة وبين أنصار يوسف الشاهد والمركزية النقابية من جهة ثانية.
إلى أين تسير تونس؟ وهل سيتوصل الأفرقاء إلى حل الأزمة الراهنة سياسياً وتهيئة ظروف انطلاق السباق الانتخابي في ظروف عادية؟ أم ستزداد أزمات البلاد تعقيداً وتؤجل الانتخابات أو تلغى… وبذا ينهار النظام السياسي والنموذج التونسي للديمقراطية والتعدّدية؟

رغم الدعوات التي توجّه بها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لتجنيب البلاد المخاطر الأمنية والسياسية للإضرابات والإضرابات العامة، تتابع بلاغات حزبه «نداء تونس»، وتصريحات زعمائه إعلان انحيازها لمطالب النقابات وتحركاتها.
كذلك صعّد المقرّبون من الرئيس، مثل بوجمعة الرميلي ورضا بالحاج وعبد الرؤوف الخماسي، اتهاماتهم للحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد والغالبية البرلمانية الموالية له بزعامة حزب «حركة النهضة» الإسلامي، بانتهاج سياسة «ليبرالية متوحشة» والابتعاد عن النزعة الاجتماعية الشعبية التي نصّ عليها البرنامج الانتخابي لحزب «نداء تونس» في انتخابات 2014.
في الوقت نفسه، طالب قياديون في حزب الرئيس قائد السبسي، الذي يتزعمه حالياً نجله حافظ، بإقالة الحكومة وتغيير رئيسها، بعدما حمّلوها والأحزاب التي تشكِّل «حزامها» السياسي، مسؤولية فشل المفاوضات مع النقابات و«التسبّب» في حمّى الإضرابات، لا سيما في قطاعات التربية والتعليم والفوسفات. ثم في تنظيم إضرابٍ عامّ يوم 17 يناير (كانون الثاني) الحالي شل جميع المطارات والموانئ والإدارات والمؤسسات العمومية في أغلب المدن.

– انفلات أمني وإعلامي
اليوم تخشى أوساط كثيرة في تونس من الانفلات الأمني والإعلامي في صورة تنفيذ قرار تنظيم الإضراب العام الجديد يومي 21 و22 فبراير المقبل، وتمديد الاضطرابات والصدامات بين الطلاب وعائلاتهم ورجال التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات، بسبب امتناع نقابة الأساتذة – ومنخرطيها المائتي ألف – عن تنظيم الامتحانات في ظروف عادية للعام الثالث على التوالي.
ولقد تبنّت أغلب قيادات الأحزاب والأطراف السياسية مطالب النقابات، بما في ذلك بعض أنصار رئيس الحكومة في البرلمان من اليساريين المعتدلين والليبراليين والإسلاميين، وذلك بعدما تبين أن الطبقة الوسطى فقدت أكثر من 40 في المائة من قدرتها الشرائية خلال السنوات القليلة الماضية. بيد أن البرلمانيين المنتمين إلى كتلة رئيس الحكومة بزعامة النقابي مصطفى بن أحمد، يحذّرون مع رئيس الكتلة البرلمانية لـ«حركة النهضة» الوزير السابق نور الدين البحيري وحلفائهم في حزب «مشروع تونس» اليساري من مخاطر التوظيف «السياسي والحزبي والانتخابي» للإضرابات من قبل بعض النقابيين والسياسيين الموالين لقائد السبسي و«نداء تونس» في معركتهم ضد الشاهد ومشروعه السياسي الانتخابي.

– تحذيرات من تأجيل الانتخابات
في هذه الأثناء، أعرب رئيس الحكومة وزعماء الأحزاب المتحالفة معه، وبينهم زعيم حزب «المبادرة» الوزير كمال مرجان، والوزير السابق محسن مرزوق، زعيم حزب «مشروع تونس» اليساري المعتدل، ورئيس حزب «حركة النهضة» راشد الغنوشي، عن إرادة لتجنب قطع شعرة معاوية مع الرئيس قائد السبسي ومؤسسة رئاسة الجمهورية «على الرغم من الاختلافات السياسية».
لكن هؤلاء الزعماء السياسيين حذّروا بحزم من محاولات خصومهم – المتحالفين مع رئاسة الجمهورية ومع قيادة حزب «النداء» – من مخاطر الضغط مجدّداً من أجل الإطاحة بالحكومة التي صادق عليها ثلثا أعضاء البرلمان قبل 3 أشهر فقط. ومن ثم، اعتبروا أن تغييرها الآن سيعني تهديداً للتوازنات العامة في البلاد وتوريطاً للطبقة السياسية في خلافات خطيرة. بل، أكثر من هذا، يفتح الباب أمام مزايدات قد تؤدي إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرّرة في الربع الأخير من العام الحالي أو إلغائها.
ومن جهته، أعرب يوسف الشاهد ووزراؤه عن استعدادهم للحوار والتفاوض مع النقابات والموافقة على «زيادات معقولة» في الأجور لا تؤدي إلى استفحال معضلة التضخم المالي، الذي تضاعف خلال السنوات الأربع الماضية، وارتفع من نحو 4 في المائة إلى نحو 5.7 في المائة. وكانت الزيادات الكبيرة في الأجور وخسائر البلاد – من جراء الإضرابات في قطاعات الفوسفات والمحروقات (الوقود) والنقل والخدمات – في طليعة العوامل التي أدت إلى مثل هذا التضخم، ما أسهم في ترفيع نسب الفقر والبطالة وفي تدهور مناخ الأعمال والاستثمار.

– حزب الرئيس والنقابات في المعارضة
من جهة ثانية، إذا كان السباق الانتخابي بين قصري الرئاسة في قرطاج والحكومة في القصبة وراء «معارك كسر العظام» بين رأسي السلطة التنفيذية منذ سنة كاملة، فإن مأزق تونس الجديد قد يتمثّل في تصدع التحالفات السياسية القديمة وبروز تحالفات جديدة، وصفها الفنان الكبير لطفي بوشناق وعدد من المثقفين التونسيين، بـ«الغريبة جداً».
فلقد تحوّل حزب الرئيس التونسي والمركزية النقابية إلى قطبٍ معارض لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ومشروع الحزب الذي من المتوقَّع أن يؤسسه الشاهد، بعد أيام، تحت تسمية «أمل تونس» بالاشتراك مع مئات المنشقين عن حزب «النداء» وعن أحزاب ليبرالية ويسارية وسطية مثل الحزب الجمهوري.
ومن المفارقات أن قيادة «حركة النهضة»، التي توافقت منذ صيف 2013 مع الرئيس قائد السبسي وحزبه (النداء) وقبلت المشاركة معه في حكومات ما بعد انتخابات 2014، انحازت ضده منذ نصف سنة، واصطفت إلى جانب رئيس الحكومة الشاب (الشاهد)، رغم معارضة نخبة من زعمائها بينهم المستشار السياسي لرئيس الحركة الوزير السابق لطفي زيتون ورئيس المكتب السياسي نور الدين العرباوي. واللافت هنا، أن بعض زعماء «حركة النهضة»، مثل الوزير السابق للخارجية رفيق عبد السلام والبرلماني حسين الجزيري، أعلنوا ترحيبهم بتأسيس الشاهد حزباً جديداً، وأيدوا حقه في المشاركة بالسباق الانتخابي المقبل. غير أن الغنوشي، رئيس الحركة، وعدداً من المقرّبين منه، مثل رئيس الحكومة السابق علي العريّض، يرون أن الشاهد قد يضطر إلى مغادرة رئاسة الحكومة إذا ما اختار الترشح للانتخابات المقبلة أو توظيف أجهزة الدولة في معركته الانتخابية. وهكذا، اقترب الغنوشي ورفاقه مجدّداً من مواقع الرئيس قائد السبسي وقادة حزبه الذين حذّروا رئيس الحكومة ووزراءه من تأسيس حزب سيكون عملياً «حزب الدولة»، وبالتالي توظيف كوادر الحكومة الحالية للتأثير على الناخبين، بما في ذلك عبر تدشين مشاريع وإنجازات جديدة لفائدة الفئات الفقيرة والطبقات الوسطى والجهات الداخلية المحرومة لأغراض انتخابية.

– عودة شعارات «ارحل» و«إسقاط النظام»
في اتجاه موازٍ، رغم تنويه أمين عام نقابات العمال نور الدين الطبوبي ورئاسة الحكومة وزعيم «حركة النهضة» بأنه لم تُسجّل حوادث عنف وأعمال تخريب إبان الإضراب العام الذي وقع يوم 17 يناير، اندلعت مواجهات سياسية وكلامية خلال الاجتماعات النقابية والمظاهرات بين أنصار بعض الأحزاب اليسارية وحزب «نداء تونس» الموالي لرئاسة الجمهورية من جهة… وأنصار الحكومة و«حركة النهضة» من جهة ثانية.
وبلغت معركة «كسر العظام» ولعبة «خلط الأوراق» أوجها عندما تطوّرت الشعارات الأساسية قبالة رئاسة الحكومة وفي الشارع الرئيسي للعاصمة والتجمّعات الكبرى للنقابيين من المطالب الاجتماعية إلى شعارات سياسية «ثورية» من نوع «ارحل» و«حكومة الشاهد ديغاج» (أي «ارحلي!»).
أكثر من هذا، رفعت شعارات تتهم زعماء «حركة النهضة» – من جديد – بالضلوع في العنف والإرهاب وقتل المعارضين اليساريين والقوميين شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي في عام 2013. والمُلاحَظ هنا، أن أمين عام اتحاد النقابات نور الدين الطبوبي – المعروف تاريخياً باعتداله ووسطيته – لم يتدخّل لمنع أو وقف مثل هذه الشعارات. وهو ما اعتبره المراقبون تزايد تأثير القياديين الموالين لأقصى اليسار النقابي داخل «المركزية النقابية» وقيادة بعض النقابات، مثل التعليم.
كذلك، لم يمنع الزعماء النقابيون مشاركة قياديين بارزين من «الجبهة الشعبية» اليسارية بزعامة حمّة الهمامي والبرلماني الجيلاني الهمامي، ومن حزب قائد السبسي في اجتماعاتهم، بينهم البرلمانية أنس الحطاب الناطقة الرسمية باسم الحزب. وانتقدت شخصيات علمانية، مثل الإعلامي والناشط السياسي زياد الهاني، انخراط حمه الهمامي المنسّق العام لـ«الجبهة الشعبية» اليسارية ورفاقه في المعارك بين رأسي السلطة التنفيذية، وفي مسار التهجّم على قيادات سياسية وحزبية، بينها محسن مرزوق زعيم حزب «مشروع تونس» اليساري المعتدل وسمير الطيب زعيم حزب «المسار» (الشيوعي سابقاً) وزعماء «حركة النهضة»… «من دون تقديم حجج وإثباتات».

– معارك بورقيبة مع خصومه
على صعيد متصل، شهد السباق والصراع بين الأفرقاء السياسيين الليبيراليين واليساريين بصورة متزايدة محاولة لاستخدام «ورقة التاريخ»، وبالذات، إرث الزعيم المؤسس للدولة التونسية الحديثة الحبيب بورقيبة في معاركه مع بعض مشايخ جامع الزيتونة. وفي هذا الاتجاه، أعلن محمود البارودي ومقرّبون من رئيس الحكومة أن الشاهد وأنصاره، بزعامة الوزير مدير الديوان الرئاسي السابق سليم العزابي، سيجتمعون بعد أيام في موطن الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، للكشف عن مشروعهم السياسي والانتخابي، وليعلنوا تأسيس حزب «أمل تونس» الذي «سيكون وفياً لسياسات بورقيبة الحداثية والعلمانية ومعارضاً للتيارات الإسلامية المحافظة».
وبالتزامن مع هذا التطوّر، أكد حافظ قائد السبسي نجل الرئيس التونسي والمقرّبون منه، مثل رجل الأعمال بوجمعة الرميلي وسلمى اللومي الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي الجديدة، أن حزب الرئيس (بدوره) سيعقد مؤتمره الانتخابي مطلع شهر مارس (آذار) المقبل في مدينة قصر هلال، الواقعة في ضواحي مدينة المنستير، مسقط رأس الحبيب بورقيبة. كذلك، صعّد محسن مرزوق، زعيم «مشروع تونس» حالياً والأمين العام السابق لحزب «النداء»، نسّق تحرّكاته وطنياً وجهوياً دعماً لحزبه الذي يعتبره الأجدر بوراثة حزب قائد السبسي والتراث التحديثي لبورقيبة.
وهكذا يتضح أن الصراعات بين «الإخوة الأعداء» قد تطوّر ليشمل حتى بعض حلفاء الشاهد و«حركة النهضة». ويبدو التنافس على أشده بين العلمانيين حول كسب ثقة ثلثي الناخبين ممن تصنفهم استطلاعات الرأي بالمناهضين لكل مشاريع «الإسلام السياسي» و«التيارات الإسلامية المحافظة».

– أوراق جديدة
لكن من مفاجآت المعارك السياسية الجديدة بين النقابات والحكومة من جهة، و«رأسي» السلطة التنفيذية من جهة أخرى، استخدام بعض اللاعبين أوراقاً جديدة، من بينها تلويح زعماء نقابيين وحقوقيين بالترشح للرئاسة، والمشاركة بقوة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة والتأثير فيها، رغم اعتراضات زعماء تاريخيين من اليسار النقابي، مثل عبيد البريكي.
وحقاً، بمجرد إعلان زعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي عزوفه عن الترشح، وأن حركته ستدعم أحد المتنافسين للرئاسة «في الوقت المناسب»، تعاقبت الإعلانات عن نيات الترشح. وفتحت عدة أطراف سياسية خطوط تفاوض جديدة مع قيادة الحركة وحلفائها، بما في ذلك بعض أنصار الرئيس قائد السبسي الذي سبق أن أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي القطيعة معهم، بسبب انحيازها لرئيس الحكومة الشاهد ضده.
ومن المتوقَّع، وفق كثيرين، أن يتعقد المشهد أكثر خلال الأسابيع القليلة المقبلة في صورة فشل الوسطاء بوقف الأزمة المستفحلة بين أجنحة «نداء تونس» الذي فاز في انتخابات 2014.
وبالفعل، يخشى زعماء التيارات العلمانية الليبيرالية واليسارية أن تفرز الانتخابات في ظل هذا الانقسام والتشرذم فوز مرشحي «حركة النهضة» بالغالية البرلمانية، ما سيمكّنها من التحكم في البرلمان والحكومة خلال السنوات الخمس المقبلة.

– «السيناريو الأخطر» و«الورقة الدولية»
تصريحات بعض الزعماء النقابيين والسياسيين في وسائل الإعلام التونسية والدولية، مثل سامي الطاهري وسمير الشفي القياديين في اتحاد الشغل، تعبر راهناً عن الحرص على إشراك «الاتحاد التونسي للشغل» في المعركة الانتخابية المقبلة. كذلك تراهن شخصيات قيادية في «نداء تونس» مثل رضا بالحاج وسليم الرياحي وأنس الحطاب وبوجمعة الرميلي، على أن يحصل «القطب الحداثي – النقابي الاجتماعي السياسي» على دعم أكبر من قبل رجال الأعمال في تونس، ومن العواصم العربية والدولية المناوئة لـ«الإسلام السياسي».
وفي المقابل، حذرت شخصيات سياسية وإعلامية كثيرة من «السيناريو الأخطر» ألا وهو توافق عدد من كبار صنّاع القرار في تونس من أجل «تأجيل» الانتخابات أو إلغائها. وحول هذه النقطة سرّبت وسائل إعلام تونسية ودولية كثيرة قريبة من قياديين في الحزب الحاكم، وأيضاً من المعارضة النقابية واليسارية، أن رئاسة الجمهورية «قد تضطر» إلى إعلان خطوات في هذا الاتجاه تحت حجة «تعرض البلاد إلى خطر داهم».
ويمكن اعتبار الاضطرابات الاجتماعية ومعركة «كسر العظام» داخل مؤسسات الدولة السيادية من بين مؤشرات هذا «الخطر الداهم». وفي هذه الحالة قد تضرب رئاسة الجمهورية والقوى الحليفة لها عدة عصافير بحجر واحد:
– تمديد فترة بقاء قائد السبسي لمدة سنة أو سنتين.
– إسقاط الحكومة السياسية الحالية وتعويضها بحكومة «تكنوقراطية» تضم مستقلين عن كل الأحزاب.
– إجهاض مشروع تأسيس حزب يوسف الشاهد.
– إبعاد «حركة النهضة» وحلفائها عن مؤسسات الدولة.
ولكن النتيجة ستكون واقعياً إسقاط النظام السياسي التعددي والتوافقي المعتمد منذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011.

– هل تنقذ القمة العربية حكام تونس أم تعمّق أزمتهم؟
> بعد فشل القمة الاقتصادية والتنموية العربية، التي عُقِدت أخيراً في العاصمة اللبنانية بيروت، فتح جدل داخل الطبقة السياسية التونسية وصناع القرار حول القمة العربية العادية المقرّر عقدها في تونس خلال مارس المقبل، إذ ثمة من يرى أنه ينبغي تأجيلها والاعتذار عن استضافتها كي لا تعمّق الصراعات بين «رأسي» السلطة التنفيذية والأحزاب المشاركة في الحكومة؟
جدير بالذكر أن القوى التونسية المؤيدة لاستضافة هذه القمة تتوقع حصول تونس على دعم مالي يساعدها على تلبية مطالب النقابات وتغطية حاجاتها المالية الملحّة، وبينها نحو 10 مليارات دولار أميركي لتسديد ديونها الخارجية.
وفي المقابل يتوقع معارضو استضافتها أن تكون فاشلة، على غرار قمة بيروت، بسبب التغيب المتوقع لمعظم الملوك والرؤساء العرب. كذلك، يتخوّف هؤلاء من أن يعمّق فشل القمة الصراعات الداخلية داخل السلطات التونسية والأحزاب المشاركة في الحكومة بسبب حدة الانقسامات داخل تونس. ومن جهة أخرى، يخشون أيضاً تسبّبها في توتير العلاقات مع بعض العواصم العربية فيما يتعلق ببعض المواضيع الحارقة، مثل مستقبل العلاقة مع إيران، والملف السوري وملف السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وملف «القوى» الليبية المتصارعة، وملفات الخلافات الخليجية، والخليجية – التركية، والجزائرية – المغربية.

وجهات نظر 0 comments on خمسة مبعوثين تعاقبوا على ليبيا دون نتائج …هل حان الوقت لتغيير المبعوث الأممي؟

خمسة مبعوثين تعاقبوا على ليبيا دون نتائج …هل حان الوقت لتغيير المبعوث الأممي؟

منذ إندلاع الأزمة الليبية العام 2011،سارعت الأمم المتحدة للتدخل لحل الملف الليبي الشائك والملغم بالسلاح والتوجهات القبلية،حيث أرسلت عددا من المبعوثين الدوليين إلى ليبيا،والذين مكثوا في مهامهم شهورا قبل أن يصلوا إلى نهاية الطريق المسدودة والفشل في الوصول إلى أي تسوية.

خمسة مبعوثين تعاقبوا على ليبيا وغادروها دون نتائج،وباءت مهامهم بالفشل وهو ما أثبته الواقع المعاش والفوضى العارمة والانعدام الكلى للأمن وغياب كل معالم الدولة في ليبيا، والذي دفع  ضريبته الشعب الليبي بكل شرائحه وفى مختلف المناطق،من موت و دمار و هجرة وتهجير و نزوح متواصل ومتضاعف.

ومع وصول غسان سلامة مبعوثاً دولياً إلى ليبيا،تصاعد مستوى الأمل في الأوساط الليبية والدولية للتوصل إلى تسوية سياسية دراية المبعوث الأممي الجديد بشئون المنطقة العربية أكثر من سابقيه ، وقربه من أصحاب القرار في المنطقة،وارتباطاته المتعددة بالعديد من زعماء العالم.

ورغم البداية المشجعة لسلامة مع قبول وترحيب الأطراف الليبية المتنازعة به،الا أنه فشل في الوصول إلى حلول للأزمات،وتحولت البعثة الأممية معه من طرف وسيط دوره خلق مناخ مناسب يدفع الأطراف المتناحرة للتوافق والتشاور، إلى جزء رئيسى من الأزمة الليبية وطرفا فى الصراع وهو ما أفقد البعثة الأممية حيادها بشكل كامل.

السياسات المتناقضة التى يعتمد عليها المبعوث الأممى إلى ليبيا، أغضبت شريحة واسعة من الأطياف السياسية والمكونات الاجتماعية الليبية، وذلك بسبب فشل البعثة الأممية فى تنفيذ خطتها التى أعلن عنها غسان سلامة وانحيازه لتيار سياسى أفقده الحيادية والنزاهة، وعدم قدرته على لعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين.

وفي مؤشر جديد على فشل غسان سلامة،أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري، الأربعاء، أن قوات الجيش تعتبر مبعوث الأمم المتحدة،خصماً يساهم في الأزمة العنيفة التي تشهدها البلاد.

وقال المسماري: “الحقيقة إن سلامة تحول إلى معارض وأصبح جزءاً من الأزمة الليبية”، لافتاً إلى أن انتشار قوات الجيش في مدينة سبها الجنوبية سيعزز الأمن للسكان وحقول النفط.وأضاف للصحافيين، في مدينة بنغازي شرق ليبيا، أن “غسان سلامة يجب أن يتذكر أن هذا واجب وطني مقدس ولن نترك ليبيا مثل لبنان دولة ميليشيات وسلطات متعددة“.

وتأتي هذه الإنتقادات بعد أن عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن “قلقها العميق” إزاء قيام قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في جنوب البلاد الأسبوع الماضي بتنفيذ عملية عسكرية ضد الجماعات المتطرفة والعصابات الأجنبية التي تهدد أمن المنطقة والبلاد عموما.

وأثار المبعوث الأممي غسّان سلامة، استياء كبيرا داخل ليبيا في الفترة الأخيرة، بعد تجاهله لتضحيات الجيش الليبي في محاربة الإرهاب،وذلك في الإحاطة الأخيرة له حول ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي.

ولم يشير المبعوث الأممى إلى ليبيا لجهود القوات المسلحة الليبية الإيجابية فى فرض الأمن والاستقرار فى شرق البلاد بعكس ما يجرى فى العاصمة طرابلس، وعدم تطرقه لضرورة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية كأولوية للبدء فى توحيد المؤسسات الليبية استعدادا لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية فى البلاد.

وعبر أعضاء مجلس النواب الليبي،الإثنين الماضي، عن استيائهم مما ورد في إحاطة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، أمام مجلس الأمن بـ”تجاهله تضحيات الجيش الوطني الليبي في محاربة الإرهاب ورفضه العملية العسكرية التي يقوم بها في جنوب البلاد”.وقال المتحدث باسم المجلس عبدالله بليحق، إن المجلس قرر تخويل رئاسة المجلس بوضع الرد المناسب على إحاطة سلامة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والتجاوزات التي يرتكبها المبعوث الأممي، من خلال تجاوزه لاختصاصاته وصلاحياته، ومجانبته للصواب في الكثير من القضايا الخاصة بالشأن الليبي.

من جهة أخرى،كشفت إحاطة المبعوث الأممى إلى ليبيا، وجود ارتباك فى عمل البعثة حول موعد الانتخابات فى ليبيا، فقد دعم سلامة مخرجات مؤتمر باليرمو لتنظيم انتخابات ربيع 2019 ثم تراجع ورجح إجراؤها نهاية العام الجارى قبل أن يتراجع مجددا، ويشير إلى أن تنظيم الانتخابات يتطلب أولا قبول الجميع بنتائجها وتحديد الترتيبات الأمنية الخاصة بالاستحقاقات الانتخابية فى البلاد، وضرورة مشاركة من وصفهم بأطراف الوضع الراهن بشكل فعال فى الملتقى الوطنى الجامع، وهو ما يؤكد تخبط البعثة فى التعاطى مع ملف الاستحقاقات الانتخابية وعدم وجود خطة عمل واضحة لذلك.

وفي تدوينة على صفحته في تويتر،اعتبر النائب عبد السلام نصية، أن تصريحات سلامة بخصوص إجراء الانتخابات، “تعد خيبة أمل كبيرة واستمرارا لمشروع الفوضى وتراجعا عن خارطة الطريق التي أعلنها عقب استلام مهامه”، معتبرا أن “رحيل سلامة اليوم أفضل، بسبب انحيازه لمشروع الفوضى”، بحسب ما قال.

ويبدو أن غسان سلامة لم يدرس جيدا أخطاء سلفه ،مارتن كوبلر، الذي يتحمل وزر الإخفاقات والنكسات التي وقعت فيها البعثة الأممية السابقة،حيث انحاز بشكل واضح ومكشوف إلى طرف دون آخر، الأمر الذي عقد مهمته في إيجاد تفاهمات تنهي الصراع السياسي والعسكري الذي تشهده ليبيا.

ودأبت الأمم المتحدة،على استبدال مبعوثها إلى ليبيا كلما شعرت بوصول جهوده لحلحلة الأزمة إلى طريق مسدود، بسبب استعصاء الأزمة، أو بسبب موقف بعض أطراف الصراع من شخص المبعوث.ويبدو أن إستعداء غسان سلامة للجيش الليبي قد يكون نقطة النهاية لمهمته في ليبيا.

ويرى مراقبون،أن تحقيق المبعوث الأممي نجاحات في الأزمة الليبية مرهون بقدرته على إحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي.كما أن نجاح المبعوث الأممي في التعامل مع قيادة الجيش الليبي يعتبر أحد المرتكزات الرئيسية التي قد تساعده في الوصول إلى حلول توافقية للأزمة الليبية، نظرا للنجاحات المستمرة له بتحقيق انتصارات على الأرض.

وبعد سنوات من الأزمة ومأساة الصراع المسلح بين الفرقاء الليبيين،مازالت الأمور تزداد تعقيدا وصعوبة يوما بعد يوم بتواصل الإقتتال وإنتشار الفوضى التى اسهمت بصفة كبيرة في توغل الإرهاب في مفاصل البلاد،في وقت عجزت فيه الأمم المتحدة من خلال مبعوثيها الى هناك،عن  تحديد أسباب استمرار الصراع في ليبيا والخروج بتسوية سياسية للازمة.

وجهات نظر 0 comments on ماذا بعد إقرار تعديلات على قانون الاستفتاء على الدستور الليبي؟

ماذا بعد إقرار تعديلات على قانون الاستفتاء على الدستور الليبي؟

أقر البرلمان الليبي تعديلات على قانون الاستفتاء على الدستور كانت قد تقدمت بها مفوضية الانتخابات الليبية، وسط تساؤلات عن مدى إمكانية البدء في عملية التصويت، وما إذا كان هذا الإقرار سيلغي الطعن المقدم للمحكمة العليا ضد القانون.

وأكد المتحدث باسم البرلمان الليبي، عبد الله بليحق، أن “جلسة البرلمان الأخيرة أقرت التعديلات التي قدمتها المفوضية العليا للانتخابات على قانون الاستفتاء، مضيفا أن المجلس ناقش أيضا مشروع قانون انتخاب رئيس البلاد، واستوفى النقاش حول المادة الأولى والمادة الثانية”، وفق تصريحات صحفية.

ما الخطوة القادمة؟

وأشار رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، عماد السايح، في تصريحات سابقة إلى أن “المفوضية أنجزت 90% من التجهيز للاستفتاء، وأنهم في انتظار تخصيص 40 مليون دينار ليبي من المجلس الرئاسي، وبعض التعديلات من البرلمان على قانون الاستفتاء.

ورأى مراقبون ليبيون أن “إقرار التعديلات خطوة للأمام، لكنها غير كافية لتحقيق البدء فعليا في عملية الاستفتاء؛ لعدم وضوح موقف المجلس الأعلى للدولة وكذلك الرئاسي الليبي من إقرار ميزانية لذلك، بالإضافة إلى الوضع الأمني في البلاد.

والسؤال: ما الخطوة المقبلة بعد قرار البرلمان؟ ومتى ستشهد ليبيا استفتاء على دستورها المعطل؟

“انتظار التمويل”

من جهته، أوضح عضو البرلمان الليبي الذي حضر الجلسة، صالح فحيمة، أن “الخطوة القادمة بعد إقرار التعديلات سوف تكون انتظار التمويل الذي طلبته المفوضية من الحكومة، والذي وعدت الحكومة بتوفيره خلال الربع الأول من العام الجاري”.

وأضاف في تصريحات صحفية أنه “عندما يتم تخصيص المبلغ المطلوب وهو 40 مليون ليبي سوف تقوم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في الشروع بإجراء الاستفتاء على مسودة الدستور”، حسب كلامه.

وحول موقف مجلس الدولة وتأثيره على الأمر، قال البرلماني الليبي: “طالما قبلت المفوضية القانون وأعلنت جاهزيتها للتنفيذ فهذا يعني أنه سوف يتم تجاوز مجلس الدولة”، كما صرح.

عراقيل وتعقيدات

لكن الباحث الليبي في الشأن الدستوري، محمد محفوظ، رأى أن “الأمر ما زال معقدا بعض الشي، خاصة مع عدم وضوح موقف مجلس الدولة والمجلس الرئاسي، خاصة فيما يتعلق بتوفير الميزانية الخاصة بتنظيم عملية الاستفتاء، وأيضا فيما يتعلق بالطعن المقدم في القانون وكذلك التعديل الدستوري الخاص به”.

واستدرك قائلا: “لكن ما قد يعطي إشارة لدعم عملية الاستفتاء هو تصريح المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، الذي قال إن الملتقى الجامع سيكون بعد الاستفتاء على مشروع الدستور”، وفق رأيه.

وماذا عن الطعن؟

وقال المحلل السياسي الليبي، إسماعيل المحيشي، إنه “حتى الآن لم يتم التوافق على قانون الاستفتاء بين الأطراف السياسية، فالبرلمان يعرقل الوصول إلى مشروع الدستور، والكل ينتظر قرار المحكمة العليا بخصوص الطعن ضد القانون، والبعثة الأممية تتكلم عن مسار غامض فيه مراوغة ومماطلة سياسية”.

وتابع: “كما أن المؤتمر الجامع حتى الآن غامض، ولا نتوقع أنه سيكون خطوة من خطوات الاستقرار في لبيبا، والغريب أن البعثة لم تدعم مشروع الدستور الذي وضعته هيئة منتخبة ويتوافق مع المعايير الدولية، ما يدفعنا للقول إن هذه البعثة ورئيسها لا يدعمان الاستقرار في ليبيا”، حسب تصريحه له.

خطوة للأمام.. ولكن

ووصف المدون الليبي، فرج فركاش، “قرار البرلمان بأنه خطوة للأمام، لكنها ليست الحل في ظل تحفظ مجلس الدولة على صيغة القانون الحالي، وكذلك اعتراضه على التعديلات الدستورية التي أجراها البرلمان، بالإضافة إلى الطعون المقدمة في هذه التعديلات وفي القانون نفسه”.

وأوضح في تصريح صحفي أنه “ليس هناك حل عملي متاح إلا تضمين الاتفاق السياسي والتوافق على القوانين اللازمة للاستفتاء والانتخابات وفق البنود التي جاءت فيه، وأي حلول أخرى، منها الملتقى الجامع، لن تكون حلا جذريا، بل ربما ستزيد من تعقيد الأزمة وإطالتها”، وفق تقديراته.