يعد انتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات و استكمال بقية أعضائها بعد أن منت علينا لجنة التوافقات بالبرلمان ب”مكرمة” ، خطوة في اتجاه إنجاز الانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة، و لكن من شروط إنجازها توفير مناخ انتخابي ملائم لابد للهيئة و لمختلف الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين بالإضافة إلى مؤسسات الدولة من العمل على إيجاده.

نعم تكلفة الانتقال الديمقراطي لازالت مرتفعة في بلادنا و أغلب المؤشرات و الدلالات تؤكد أن أوضاعنا لم تستقر بعد على توازنات سياسية و اجتماعية و اقتصادية دائمة و مستمرة و واضحة المعالم بعد اهتزاز العالم القديم من تحت أرجلنا ؛ و سردية الانتقال السحري من الضيق الى البحبوحة و من الفقر الى الغنى و من الشدة الى الرخاء اتضح أنها تتطلب مراحل طويلة و الكثير من الحكمة و الدربة و الخبرة، و لكن اليوم بهذه الخطوة و إرجاع الروح للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ، نأمل أن تمر البلاد إلى مربع الوضوح السياسي و الاستعداد للاستحقاقات القادمة بأكثر توازن و استقرار ، فاليافطة الكبيرة المرفوعة الآن هي أن الانتخابات مدخل صحيح لتجاوز أوضاعنا الراهنة .

و لكن العديد من الأسئلة الهامة لازالت مطروحة اليوم بإلحاح من قبل جهات عديدة متابعة للشأن الوطني ،فهل من الممكن إجراء الانتخابات في ظل تنامي الصراع المستمر بين رأسي السلطة التنفيذية و في سياقات عدم حياد الدولة و في ظل الأجواء المشحونة و المتوترة والتي تكثفت فيها التجاذبات السياسية و تبادل التهم بين مختلف مكونات المشهد المجتمعي و دخول إتحاد الشغل على الخط للمساهمة في إعادة توزيع التكتلات و النقاط الساخنة و مراكز القوة و النفوذ في الساحة السياسية ؟ و هل بإمكان تونس تحمل تكلفة صراع القوى السياسية التي يصل بها الأمر إلى استعمال أدوات و أجهزة الدولة هذا بالإضافة إلى نيران الدول الصديقة التي لا يهمها أن تستكمل التجربة التونسية دورتها العادية الانتخابية لتثبيت و تدعيم و تكريس حلمها الديمقراطي ؟ فهل بإمكان تونس تحمل تبعات هذه التعقيدات و الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي لتأمين المسار الديمقراطي و تأمين التجربة ككل ؟

و في خضم هذه الانشغالات و المعارك الحزبية و تعدد الأجندات السياسية و تقاطعها ، نحن مطالبون بالعمل على إنجاح هذا الاستحقاق الوطني لإخراج البلاد من أوضاعها المتردية و الصعبة و السيئة التي آلت إليها و ذلك عبر المرور على صندوق الاقتراع لتشكيل حكومة قوية تتجاوز إرهاصات و أوجاع المرحلة التي تعيشها تونس اليوم ، فما العمل حتى نتفق جميعا على قانون اللعبة ولا يستأثر أحد بإمكانيات الدولة و يتوجه نحو الانتخابات المقبلة بحوافز مادية و سياسية أكبر من خصومه ؟

و لذا من الصعب عدم طرح مسألة حياد الدولة و هي من أهم شروط انعقاد انتخابات شفافة و لها مصداقية لما لها من انعكاسات مباشرة و مهمة على نتائج الانتخابات حتى ندفع البلاد في الاتجاه الصحيح و نخرجها من منطقة الضغوطات و نبنى المرحلة القادمة على الرصيد و الإمكانات الذاتية لكل حزب هذا بالإضافة إلى أن إمساك مؤسسات الدولة العليا عن كل ما يوحي بتقسيم المجتمع و ما يساهم في الاستثمار في الحقد و الكراهية و الدفع نحو مواقف مجتمعية تؤلب فئة ضد اخرى و تعمق جراحات و أعطاب الدولة .

أوقفوا هذا النزيف حتى لا نثقل كاهل الوطن و نجد أنفسنا نعيد البناء من الأول و لكن في الاتجاه المعاكس و لا عزاء عندئذ لشهود الزور و أولهم من ساهم في العبث بحياد الدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *