أخبار, البارزة, حوارات 0 comments on عبد المجيد الشرفي في حديث صحفي: دراستي للردود على النصارى و الجدل الديني أدت بي إلى نتيجة هامة جدا و هي عقم المماحكات الدينية

عبد المجيد الشرفي في حديث صحفي: دراستي للردود على النصارى و الجدل الديني أدت بي إلى نتيجة هامة جدا و هي عقم المماحكات الدينية

حديث حول المفكر.. المثقف و الإنسان
**  أسمح لنفسي بأن أكون ملتزما بالخيارات التي أراها صائبة سواء جاءت من اليمين أو من اليسار
** لا أتحمل أن تحد حريتي بأي تعلة كانت ولا أجيب عن الجدل العقيم
** الطاهر شريعة وراء تعلقي بالسينما و”إقامتي الجبرية” في مدرسة والدي كانت بين كنوز من الكتب
** تونس في حاجة إلى بيداغوجيا سياسية والدولة تنقصها الجرأة لذلك

نخصص بداية من اليوم وبصفة متواترة مساحة  للمفكرين والمثقفين والمبدعين في بلد يحتل السياسيون فيه جل المنابر الإعلامية، إذ تعج هذه المنابر بأحاديث السياسة إلى حد التخمة، مقابل ذلك يكاد يغيب صوت المثقف الذي من المفروض أن يكون في صدارة المشهد العام في المجتمعات التي تمر مثل تونس، بمرحلة انتقالية تتخللها العديد من الصعوبات والتحديات.

وأول ضيوفنا في هذه المساحة هو الأستاذ عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة بقرطاج) والباحث المختص في تاريخ الفكر الإسلامي. وبطبيعة الحال لا يحتاج الأستاذ عبد المجيد الشرفي للتعريف فأعماله ومسيرته بالجامعة (أستاذا وعميدا  لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية  بتونس) تدل عليه، لكن فقط نشير إلى أنه اصدر عديد  المؤلفات نذكر من بينها على سبيل الذكر لا الحصر “الإسلام والحداثة” و”المسلم في التاريخ” و”الإسلام بين الرسالة والتاريخ” و”مرجعيات الإسلام السياسي” و”المصحف وقراءاته” وغيرها.
والأستاذ عبد المجيد الشرفي هو أستاذ زائر في العديد من الجامعات العربية والأوروبية وشغل أول كرسي اليونسكو للأديان المقارنة بين سنتين 1999 و2003.

وقد شارك مؤخرا في لجنة إعداد مشروع قانون الحريات والمساواة المثير للجدل في انتظار عرضه على أنظار مجلس النواب، كما كان عضوا بالهيئة  العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي التي انتصبت بعد سقوط نظام بن علي في 14 جانفي 2011 وواصلت عملها إلى غاية  تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في أكتوبر من نفس العام.

وقد سعينا في هذا الحوار إلى التعرض إلى عدة جوانب في حياة ضيفنا وإلى مسيرته العلمية والمعرفة، وأردنا أن نقدم صورة قريبة ما أمكن من الواقع حول عبد  المجيد الشرفي، المفكر والجامعي والباحث والإنسان،  فكان الحديث التالي :
 

للطفولة دور حاسم في تكوين شخصية الإنسان، فأية ذكريات تحمل عن هذه الطفولة ؟

 

أحمل ذكريات طيبة عن طفولتي في صفاقس لأنها كانت فيها حياة ثقافية نشيطة فقد كوّن المرحوم الطاهر شريعة نوادي السينما انطلاقا من صفاقس وكانت هناك في مدينتي حركية فكرية وجمعيات ورحلات ونشاط مسرحي.

وساهم كل هذا في تكوين شخصية الطفل والشاب وفيما بعد أصبحت صفاقس مدينة اقتصادية ولم تعد تحتل الثقافة فيها مركزا مهما رغم أن الحياة الثقافية بدأت تعود رويدا رويدا للمدينة بعد تأسيس جامعة صفاقس.

وأعتبر نفسي شخصيا محظوظا لأني نشأت في وسط اجتماعي يهتم بالمسائل الثقافية رغم أني أنحدر من عائلة تقليدية.
فوالدي كان مدير مدرسة ابتدائية قرآنية وكان تكوينه زيتونيا بالأساس لكنه تعلم الفرنسية وتحصل على الشهادة الابتدائية.

وأعتقد أن مزية الوالد علي مزية كبيرة لأنه لم يسع إلى أن التحق بالزيتونة لأنه كان واعيا بتدني التعليم الزيتوني في تلك الفترة، وكذلك فعل جل شيوخ الزيتونة في تونس، إذ فضلوا تسجيل أبنائهم في المدارس العصرية.

أما تأثير الوالدة فقد كان تأثيرا نفسانيا عاطفيا فقد كانت أمية لكنها ساعدتني بطريقتها على التعلّم.
كل مثقف أو مبدع أو مفكر عادة ما يعيش لحظة مميزة أو مختلفة في طفولته أو في شبابه المبكر تكون حاسمة في تحديد مسيرته، فهل عشت موقفا أو حدثا تعتبر أنه لولاه ربما لكانت حياتك العلمية والمعرفية مختلفة؟

أنا كنت طفلا مشاكسا وقد استوجب ذلك عقابي بأن حكم علي بالذهاب مع أبي إلى المدرسة يوميا تقريبا وكانت هناك مكتبة بهذه المدرسة زاخرة بالكتب المتنوعة واستفدت من هذه “الإقامة الجبرية” ومنها تعلمت حب القراءة اذ كنت امام كنوز من الكتب.

 

بعد الأسرة، يتأثر الإنسان بالخصوص بالمعلم وبالأستاذ، فكيف كانت مسيرتك المدرسية وأي من المعلمين أو الأساتذة تركوا فيك تأثيرا خاصا ؟

كنت كامل دراستي أصغر أبناء فصلي وذلك تقريبا من السنة الأولى ابتدائي إلى الجامعة.

وقد تأثرت بالكثير من المعلمين والأساتذة التونسيين والأجانب. أذكر مثلا أستاذة التاريخ والجغرافيا وهي  فرنسية وكانت هي التي أمدتني بأول اسطوانة في الموسيقى السمفونية لأنها لاحظت ربما على اثر سؤال اهتمامي بهذا النمط الموسيقي فأمدتني بهذه الإسطوانة  وكان علي بطبيعة الحال في ذلك الوقت أن أتدبر أمري وأن أطلب آلة مشغلة من باب السلفة، للاستماع إلى السمفونية.

أذكر كذلك أستاذا للفلسفة كان متميزا لأنه قال لنا منذ الحصة الأولى لن أعلمكم شيئا والمعارف التي لديكم سأعلمكم كيف تستغلونها بطريقة منهجية وعقلانية

أذكر من الأساتذة الذين أثروا في الطاهر شريعة الذي كان أستاذي ثم أصبح صديقي. وعموما، لقد تأثرت بالكثير من الأساتذة لكن بعضهم لم يترك في أي اثر.

 

نعرف من خلال سيرتك أنك درست العلوم التجريبية قبل التخصص في الفلسفة، هل كان من اليسير التنقل من العلوم إلى الفلسفة ؟

كان هناك قسم الفلسفة وقسم العلوم التجريبية وقسم الرياضيات في المعهد وفي الحقيقة تكويني مزدوج لأني كنت في قسم العلوم بالنسبة للجزء الأول من الباكالوريا ثم اخترت الفلسفة في الجزء الثاني وكنا في قسم الفلسفة حوالي 20 تلميذا بالنسبة للجنوب التونسي كله وأربعة تلاميذ من فصلنا أصبحوا أطباء فقد كان يمكن انطلاقا من قسم الفلسفة متابعة دراسة الطب.

*أنت شاهد على العصر بطبيعة الحال، فهل من مقارنة بين تعليم الأمس و اليوم ؟

صحيح لم يكن التعليم الخاص موجودا ولا الدروس الخصوصية موجودة في تلك الفترة لكن كانت هناك جمعيات نشيطة تتوفر على مكتبات كبيرة وكانت تقدم محاضرات وأنشطة ثقافية مختلفة وكانت الجمعيات تقوم بنشاط مكمل للمدرسة.

 

الجامعة أيضا كانت مختلفة، أليس كذلك ؟

أهم شيء أن عدد الطلبة كان قليلا جديدا لما دخلت إلى الجامعة سنة 1960.

أنا تابعت السنة الأولى من أستاذية العربية بكلية 9 أفريل بالتوازي مع متابعة دروس السنة التحضيرية وهي دروس عامة في الفلسفة والتاريخ وميادين  مختلفة وأنا لي مع جامعة 9 أفريل قصة خاصة.

فهذه الجامعة كانت حينها تضم إدارة الجامعة ودار المعلمين العليا وكلية الآداب وبعض المخابر لكل العلوم ومعهد الصحافة وفي جناح من البناية كانت كلية الشريعة وكان هناك أيضا مبيت دار المعلمين العليا.

وعندما نجحت سنة 1960 في امتحان الباكالوريا لم أشأ أن التحق بدار المعلمين العليا لأنه كان لي طموح أن أواصل تعلمي بعد الإجازة بينما يمضي طلبة دار المعلمين العليا عقدا يلزمهم بالعمل في المدارس الوطنية لمدى 10 سنوات اثر الإجازة مباشرة لذلك سجلت في كلية الآداب.

لكن اثر اندلاع  معركة بنزرت في جويلية 1961 لم يلتحق المتعاونون الفرنسيون بالمدارس التونسية عند العودة المدرسية فسخر كل الطلبة لتعويض المتعاونين الأجانب.

وسخرت أنا من جملة الطلبة للتدريس في معهد فتيات في صفاقس وبقيت فعلا أدرس وأنا حاملا للشهادة الأولى فقط ثم رجع المتعاونون فعدت إلى تونس لمتابعة دراستي لكن ما لاحظته هو أن الذين أعفوا من التسخير هم طلبة دار المعلمين العليا فقلت أنه لا معنى لإصراري على الدراسة خارج هذه المؤسسة فقدمت مطلبا للتسجيل في السنة الثانية في دار المعلمين العليا لكن بقيت مترددا إلى أن اعترضني المرحوم الهادي بوسن الكاتب العام لدار المعلين العليا فقال لي لن يكون لك لا منحة ولا قرض شرفي إن لم تلتحق فورا بالمؤسسة وأنا لم أكن أريد أن أكون عالة على أسرتي وقررت إذن الالتحاق بدار المعلمين العليا.

كنا حينها أربعة أو خمسة في قسم العربية ثم عندما تحصلت على ديبلوم التخرج انتدبت للتدريس في معهد خزندار بتونس ورفضت أن أبدأ عهدا في التدريس بتدريس السنوات الخامسة والسادسة وفضلت الانطلاق بتدريس السنة الأولى والثانية ثم عينت في آخر السنة   للتدريس في المعهد الثانوي بقفصة (المعهد يعد لأول مرة للباكالوريا فاتصلت بالوزارة وكان بها حينئذ ثلاثة مصالح (الثانوي والابتدائي والمصلحة الاجتماعية والثقافية) واشترطت على المسؤول الذي استقبلني وكنا حتى حينما نتخرج يقع استقبالنا كل على حدة (لم نكن عموما أكثر من أربعة أو خمسة متخرجين) اشترطت عليه أن أذهب لسنتين ثم أعود لخزندار. وفعلا عندما نجح تلامذة السنة الخامسة درست السنة السادسة بالمعهد وكونت ناديا بالسينما.

 

يتكرر الحديث عن السينما وعن الطاهر شريعة. كنت إذن من عشاق السينما ؟ 

كنت مغرما بالسينما بفضل المرحوم الطاهر شريعة  بالذات وحتى المعلقات في هذا النادي كنت أكتبها بخط يدي.
وبالطبع كنت أخشى ما أخشاه أن لا يصل الشريط عن طريق القطار في الإبان بل وينبغي أن يصل قبل يوم حتى نتمكن من عرضه في الإبان كما أني  شاركت بصفتي منشطا في نادي سينما في تربص في فرنسا ثم انقطعت عن النشاط عندما دخلت الجامعة لضيق الوقت.
بعد عودتي إلى تونس وبما أنه لم تكن هناك دراسات عليا بعد الإجارة في تونس أعددت لمناظرة  التبريز  وأعددت ديبلوم الدراسات العليا عن طريق المراسلة مع جامعة باريس وبعد نجاحي في مناظرة التبريز خيرت بين كلية الآداب ودار المعلمين العليا وفضلت دار المعلمين العليا لأن مستوى الطلبة كان أفضل.
انتدبت إذن كأستاذ مساعد وكنت أقوم بدروس عامة وهي تحتسب كما لو قدمت درسين موجهين وهكذا بالنسبة لي لست مطالبا بست ساعات تدريس وسجلت بالتوازي في أطروحة الدكتورة في البداية في جامعة باريس ثم عندما أحدثت دكتوراه دولة سجلت بتونس.

 

هل سارت الأمور بالنسبة لك مثلما تسير مياه النهر الهادئ ؟

كل مسيرتي في البحث والتدريس كانت نتيجة بحث وليست منة من أحد.
ولم تكن الأمور بهذه البساطة وكان علي أن اقضي فترات طويلة بالخارج في البحث وفي المكتبات وأن ابقي زوجتي وابني في تونس. (ولده المهندس اختار مسارا مختلفا عن والده وعن والدته الجامعية).
أذكر أنه كانت هناك مكتبة وطنية في باريس تفتح من التاسعة إلى السادسة وكنت أول من يدخل وأول من يخرج منها.

 

عادة ما تترك باريس ولندن تأثيرا خاصة لدى الطلبة القادمين من العالم النامي أو من المستعمرات القديمة فكيف كانت التجربة بالنسبة لك ؟

عاصمة الأنوار دائما تترك أثرا في زوارها وفي الطلبة، لكني لم أعش ذلك الانبهار الغبي الذي يغطي على نقائص الحياة.
مع العلم أنه عرض علي أن أدرس في فرنسا ولم أرغب لأني كنت اعتبر أن بلادي يمكن أن توفر لي ما لم يكن يخطر ببالي ولا ببال أبناء جيلي.

لكن الهجرة صارت بمثابة الملجأ وأحيانا الحلم بالنسبة للجامعي اليوم ؟

أنا افهم الشباب الذين يرغبون في الهجرة لكن أعتقد أن اختيارهم ليس الاختيار الأصوب  فإذا ما قطع الإنسان الصلة ببلده يعسر عليه أن يعيد الصلة به والكثير منهم يعيش تمزقا بين ما يؤمله وبين واقعه الذي هو في كثير من الأحيان صعبا ولا ينبغي أن نتصور أن الحياة سهلة طبعا فيها جوانب ايجابية لكن الوضع أصبح أكثر صعوبة اليوم مع انتشار موجة العنصرية. لكن تونس توفر نوعية من الحياة أعتقد أنها أفضل بكثير من نوعية الحياة بالخارج اليوم.

 

إلى اليوم ؟

نعم إلى اليوم رغم الصعوبات فما يقلقني شخصيا في تونس ليس ما يقلق عامة الناس. أنا حساس جدا مثلا  عندما أرى الأوساخ والفوضى في الطريق وهو ما يمكن تلافيه بسهولة.
مقابل ذلك الطقس معتدل في بلادنا والعلاقات البشرية أفضل مما هو موجود في بلدان أخرى وهنا الأصدقاء في حين هناك من التونسيين من يذهبون إلى الغرب  ولا يصادقون أحدا في سنوات عديدة وربما حتى في كامل حياتهم بالخارج.
هم يعيشون غرباء في بيئتهم وغرباء عن البيئة الجديدة   وهذا ربما راجع إلى العنصرية التي لم تكن موجودة في الفترة التي كنت فيها في الخارج.

 

إذا ما عدنا إلى تخصصك في تاريخ الفكر الديني فإن السؤال هو كيف اخترت هذا التخصص بعد دراستك للفلسفة وللآداب العربية؟

لأن الإجازة في اللغة والآداب العربية كانت فيها   بعض المواد التي تتعلق بالفكر الديني.  فقد درسنا  مثلا تفسير البيضاوي لسورة ياسين، ثم في التبريز كان هناك دائما درس في الإسلاميات والمبرّز من باريس كان ينبغي أن يهتم بالأدب والنثر والشعر وبجوانب دينية. وأنا في الحقيقة اهتممت في البداية لا بالفكر الإسلامي فقط وإنما بالفكر الديني عموما لأني كنت أعتبر ومازلت أنه لا يمكن أن نفهم عقلية مجتمع ما دون أن ندرس الفكر الديني في ذلك المجتمع. حتى الأدب العربي أو الفرنسي أو الانقليزي لا يمكن أن نفهمه  بدون العودة إلى الأرضية الدينية  التي تكمن وراء  هذا الإنتاج لذلك درست الدين الإسلامي والدين المسيحي ودين التوحيد عموما. وقد كنت صاحب أول صاحب كرسي للأديان المقارنة في العالم الاسلامي لأني اهتممت بالفكر الديني.

 

إلى جانب الرغبة في المعرفة، هل كان هناك هاجس آخر وراء التخصص في الفكر الديني، مثل الخلاص الشخصي مثلا  ؟

الهاجس معرفي بالأساس.  وأنا  أعتبر أني محظوظ لأني درست في أطروحتي الردود على النّصارى والجدل الديني هو الذي أدى بي إلى نتيجة هامة جدا وهي عقم المماحكات الدينية. ولهذا لا يمكن لي أن  أنخرط في جدل يصدر عن هذه الجهة أو تلك وأصبحت أومن أن أهم شيء عندما يدرس الإنسان   الفكر الديني هو محاولة وضع هذا الفكر في نطاق المعقولية الحديثة. وهذا أمر صعب جدا، لا ان يبقى في نطاق المعقولية التقليدية وهذا يتطلب الماما بكل ميادين المعارف الحديثة، لا لتطبيقها آليا على الفكر الديني بل لإنارة هذا الفكر من زوايا مختلفة وهذا ما يعجز عنه الفكر التقليدي. فالفكر التقليدي له حقائق ثابتة وأمور واضحة ودقيقة يحفظها ويبلغها وانتهى الأمر.

 من يدرس الفكر الديني بوسائل علوم الإنسان والمجتمع الحديثة، فهو مضطر لمعرفة ما يعرفه الفكر التقليدي وأيضا اضاءات هذه العلوم التي يقرأ بها هذا الإنتاج. والصعوبة كل الصعوبة في هذه العملية .

 

عندما تقيّم مسيرتك الجامعية والبحثية الطويلة وخاصة على ضوء ما نراه اليوم من عودة بقوة للجدل حول المسألة الدينية، أين تضع  مجهوداتك العلمية والفكرية وهل أنت مقتنع بالنتائج التي وصلت إليها ؟

بدون تواضع كاذب، أعتبر أني حاولت في كل حياتي المهنية في الجامعة أن أكون جديرا بالمستوى الذي أعتبر أنه ينبغي أن يكون لكل باحث جامعي فقط. لا أرى لي مزية خاصة لأنني أرى أن هذه وظيفة الجامعي اي أنه ينتج المعرفة وان يأتي بما لم يأت به السابقون ولا يكرر ما هو موجود في الكتب فقط.

تعرفين أن المهمة لم تكن يسيرة، فقد عانيت من مضايقات في مستوى نشر كتبي ولهذا اضطررت للنشر في لبنان لأن ما أنشره يحجز لكن بصراحة لم يثنني ذلك عن العمل. كنت دائما أعتبر أنها فترة انتقالية ستمر المهم أن الجامعة رغم كل شيء كانت تتمتع بحرية التعبير  التي لم تكن موجودة في البلاد  ولا يمكن أن اشهد بغير هذا الواقع الذي لا يمكن أن يتصوره أحد لكنها الحقيقة، لم تسلط علي رقابة ولم يقل لي احد لماذا قلت هذا في درسك أو لم تقله. ذلك هو المناخ السياسي الذي كان سائدا فهو يسمح بهذا الهامش من الحرية ما لم يكن موجها إلى العموم.  وهو أمر لا يخصني وحدي بل ينسحب على كل الجامعيين.

 

بعد تجربة الاستاذ محمد الشرفي الوزارة (وزارة التربية في عهد بن علي) ما انفك يطرح اسم عبد المجيد الشرفي كأحد الاسماء المرشحة لمسك حقيبة وزارة التعليم العالي، هل تؤمن بالوزير المثقف ؟

عندما كنت في سن المراهقة عشت الصراع بين بورقيبة وبن يوسف ولاحظت من  بعض معارفي أن هناك فجوة بين الالتزام الحزبي وما كان يؤمن به   الشخص وقد أخذت على نفسي عهدا ألا أنخرط في اي حزب سياسي.

في السنوات الأولى من عهد بن علي وعندما علمت بإمكانية ترشيحي لمنصب وزاري طلبت من أحد مستشاريه أن أبلغه أني لا أرغب في أن أكون وزيرا ولو حدث وتم تعييني فإني سأرفض ذلك علنا.

و الحقيقة لم يكن لي في يوم من الايام اي طموح سياسي وأعتقد أنني لا أصلح للوزارة لأن الوزير لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار التضامن الحكومي وأنا حريص على حريتي ولهذا لا ألتزم بخط  حزب معين ولا بحكومة معينة. أنا ضنين بذلك.

 

معروف عن مواقف الأستاذ عبد المجيد الشرفي مرونتها رغم جرأته في تناول القضايا التي يمكن أن ندرجها في خانة المحظورات، كيف يمكن تفسير ذلك ؟

الماركسية، هي الايديولوجويا التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية وحتى السبعينات لكن ربما تكويني الفلسفي قد مكنني من أن أتجنب الدغمائية الموجودة في الأحزاب الشيوعية لذلك مازالت أعتبر أن الماركسية كما مورست في الاتحاد السوفياتي فيها جوانب ايجابية ولكن تطبيقاتها كارثية، لأنها تعوق حرية الفرد. هي تحقق انجازات مادية وحتى ثقافية هامة و لكن انا لا أتحمل أن تحد حريتي بأي تعلة كانت و لذلك فلم أنخرط في حزب سياسي ولا في تيار إيديولوجي، إنما كنت اسمح لنفس بأن أكون ملتزما بالخيارات التي أراها صائبة سواء جاءت من اليمين أو من اليسار.

 

هي البراغماتية إذن ؟

لا ليست البراغماتية لأنها مراعاة الواقع و إنما أنا أتحدث عن الاختيارات. إذ أسمح لنفسي  أن آخذ ما أراه صالحا من الوسط و من اليمين  و لا أرى حرجا في تغيير رأيي إن كان خاطئا.

و الحقيقة لم تستهوني الوزارة في يوم من الأيام لا وزير و لا رئيس و لا أي شيء.

 

لكن هذا لا يعني أنه ليس لديك موقف من الشأن العام ؟

الوضع العام اهم شيء فيه التذبذب وعدم الاستقرار وهذا التذبذب مسؤول عنه غياب الحياة السياسية مدة ثلاثين سنة من أواخر عهد بورقيبة ومسؤول عنه الاستبداد وغياب الحياة السياسية والاستبداد كلاهما يفرض مواقف فيها الكثير من التطرف.  على غرار قول إنه لا يوجد في تونس إلا الخراب وحتى عندما   أفتح الإذاعة ألاحظ أن هناك تبرما من كل شيء .

لا اقول أن كل شيء على احسن ما يرام لكن كم هي الإيجابيات الموجودة في المجتمع التونسي لماذا نقف  إلا على  النقائص؟ صحيح أن الصحافة لا تهتم كما يقال إلا بالقطارات التي لا تصل في الوقت لكن الإعلام عندما لا يهتم إلا  بالقطارات التي تصل متأخرة فإنه يخل بواجبه وإعلامنا بصفة عامة مخل في إبراز ما هو ايجابي في المجتمع التونسي رغم كل الصعوبات والنقائص الموجودة في الممارسة السياسية اليوم وهي بعيدة وبعضها راجع إلى أمد بعيد إلى ارث استبدادي لم نتخلص منه في نفسيتنا بصفتنا شعبا عانى من الاستبداد   وبعضها ناتج عن عوامل خارجية والاسلام السياسي  هو انتاج استعماري رغم أنف زعماء هذا التيار.

 

عمليا، هل هناك مقترحات وجيهة يمكن أن تساعد على إصلاح الوضع ؟

كنت اقترحت في إطار الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أن لا يتم الاعتراف بالحزب إلا إذا ما برهن على أن له عددا أدنى من المنخرطين خمسة آلاف أو عشرة لا يهم، المهم أن لا يكون حزبا عائليا، لكن لم يؤخذ بهذا الاقتراح.

و مازلت اصر على أن حرية التنظم لا بد لها من الضوابط  وإلى حد الآن لم يجرؤ رجال السياسة على مواجهة هذه الصعوبة والضوابط لا تكون إلا قانونية لا اعتباطية .

و الوضع السياسي ناتج إلى حد كبير عن طبيعة الدستور الذي اقر سنة 2014 وعبرت عن  رأيي فيه  وأعتقد أن التشبث بالنظام البرلماني في بلاد كتونس لا يؤدي بالضرورة الى الديمقراطية. فالنظام البرلماني كما هو معمول به في بريطانيا يقتضي نوعا من الوعي السياسي والتنظيم الحزبي غير متوفر في تونس بينما النظام الرئاسي المعدل الذي فيه سلط مضادة يمكن ان يكون أفضل من النظام البرلماني. النظام الانتخابي بدوره أثبت أنه ليس بالنجاعة المتوقعة.

صحيح هناك تجنب للنظام الاسمي لانه قد يؤدي إلى انتخاب الوجهاء فقط لكن نظام القائمات وإن كان صالحا للمجلس التأسيسي فهو ليس صالحا للحكم.

 

السؤال الأكثر ترددا على ألسنة الناس اليوم هو إلى أين نسير ؟

تعودنا على ان تكون تونس في كثير من الأوقات على حافة الهاوية دون أن تسقط ولذلك نعيش أوضاعا متأزمة صعبة لكنها ليست كارثية وأنا شخصيا متفائل  وأعتقد ان التونسيين سيتجاوزون الصعوبات الحالية.

و هناك عمل سياسي بيداغوجي لا بد من القيام به. وهو دور يجب أن يكون بعهدة الدولة. الدولة عليها أن تفسر للناس بأن تونس لا يمكن لها أن تتحمل مزيدا من التعطيلات.

و أنا شخصيا لا أومن بأن هناك معطلين عن العمل بل هناك عاطلون وليس معطلون وكثيرون منهم يشتغلون في الاقتصاد الموازي وهم يتكبرون على بعض المهن ونفس الأشخاص عندما “يحرقون” إلى أوروبا يرضون بأي عمل.

هناك بيداغوجيا لا بد من القيام بها في هذا الباب لكن لسوء الحظ لنا حكومة بكماء أو تكاد  وتأخذ قرارات مهمة لكنها لا تفسرها. وبورقيبة كان يخاطب الشعب التونسي كل أسبوع.

 

لكن السياسيين اليوم كلما توجهوا بكلمة إلى الشعب إلا وكانت الكارثة ؟

لا بد أن يكون الخطاب بعيدا عن اللغة الخشبية وأن يكون متعلقا بخيارات دقيقة. فيه حديث مثلا عن لماذا يعطل انتاج الفسفاط ومن المسؤول عن ذلك وهل من الطبيعي أن يكون ذلك والحكومة لا تحرك ساكنا في الظاهر على الأقل.

هناك أكفاء في دوائر الحكم لكن ربما يحتاج رجال السياسة إلى جرأة هي ليست دائما موجودة.

تخول له النظر بدقة لما يحدث اليوم ؟

لست بعيدا في ركني الهادئ بل أواجه مثل كل التونسيين مشاكل البلاد وتعطل الإدارة وبالخصوص لأن بيت الحكمة منبر لتعميق التفكير في مشاكل البلاد ولن تكون بعيدا عندما نقدم الكتب التي تنشرها بيت الحكمة الآن تباعا في الاقتصاد وفي المجتمع وفي عدة ميادين والتي فيها إضاءة لكثير من الجوانب التي كانت مجهولة وكلها في خضم المشاكل التي يعيشها التونسيون. لكن بالطبع هناك فرق بين من ينظر وهو منخرط في الصراعات الدائرة ومن هو غير منخرط فيها.

جدل كثير أثير في الأشهر الأخيرة حول مشروع قانون الحريات و المساواة، كيف تتفاعل معه ؟

انا تعلمت أن الجدل عقيم لذلك لا بد أنك لاحظت أني لم أجب و لا مرة على كل ما أثير من جدل حول الموضوع.

 

 

المصدر :الصباح نيوز

حاورته: حياة السايب 

أخبار, البارزة 0 comments on على خُطى تشاد.. مالي في طريق تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”

على خُطى تشاد.. مالي في طريق تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”

عملت “إسرائيل” طوال العقود الماضية على إغراء الدول الإفريقية، بتقديم الأسلحة والمساعدة الإنمائية والتكنولوجيا المتقدمة، في محاولة منها لتوطيد علاقاتها مع القارة، وإنهاء عزلتها الجغرافية والسياسية.

لكن بدأ مؤخراً اهتمام إفريقي بالاتجاه المعاكس؛ حيث بات بعض القادة الأفارقة يتنافسون لزيارة “إسرائيل”، وآخر تلك الزيارات؛ الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي، إدريس ديبي، إلى “إسرائيل”، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، في رحلة وصفتها الحكومة الإسرائيلية ووسائل إعلامها بأنّها “اختراق مهمّ حققه بنيامين نتنياهو باتجاه القارة”، وفي المقابل، كان قد استقبل ديبي، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، في أنجامينا؛ حيث وافقوا على استئناف العلاقات الدبلوماسية.

تتحدث وسائل الإعلام العبرية هذه الأيام ضمن دعاية نتنياهو الانتخابية، الذي يروّج بدوره لتقوية المكانة الإستراتيجية لـ”إسرائيل”، إلى الاستعدادات الجارية “لزيارة تاريخية” أخرى، وهي زيارة رئيس وزراء مالي، سوميو بوبيي ماغا، لدولة الاحتلال في “الأسابيع المقبلة”.

الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى "إسرائيل" مؤخراً

الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى “إسرائيل” مؤخراً

 

لماذا إفريقيا  ؟

 

لقد ظلت القارة الإفريقية، في سياسة “إسرائيل” الخارجية، هدفاً ثابتاً منذ قيامها، وكانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى كينيا وأوغندا وإثيوبيا ورواندا، عام 2016، أول زيارة تاريخية يقوم بها رئيس حكومة إسرائيلي إلى إفريقيا منذ عقود، وقال الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، في المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب محادثات تموز (يوليو) عام 2016: “نعتقد كقارة أننا في حاجة إلى إعادة النظر في إسرائيل على أسس أكثر إيجابية”.

ومنذ ذلك الحين؛ عاد نتنياهو إلى القارة مرتين، إحداهما حلّ ضيفاً خاصاً في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا(ECOWAS) ، في حزيران (يونيو) العام 2017.

ترى "إسرائيل" أنّ الفيتو الأمريكي لم يعد ضامناً للهيمنة الإقليمية

ترى “إسرائيل” أنّ الفيتو الأمريكي لم يعد ضامناً للهيمنة الإقليمية

ورغم العلاقة المتينة التي تجمع كلاً من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، في الوقت الحالي، فإنّ بعض المراقبين للمشهد يرون أنّ “إسرائيل” تساورها شكوك في مستقبل الهيمنة الأمريكية في المنطقة، في الوقت الذي يبرز فيه لاعبون دوليون نشطون، في القارة الإفريقية ومنطقة الشرق المتوسط، على حدّ سواء.

“التحالف مع “إسرائيل” يشكّل بالنسبة لبعض الدول الإفريقية تذكرة مضمونة لقبولهم ضمن النادي السياسي التابع لواشنطن”

و قد تحدث عن ذلك نتنياهو علناً، قبل زيارته الأخيرة إلى تشاد؛ حيث أشار في حديثه لصحيفة “التايمز أوف إسرائيل”، في حزيران (يونيو) الماضي، إلى حاجة “إسرائيل” إلى تنويع حلفائها الدوليين، وأنّ الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يعد ضامناً للهيمنة الإقليمية لـ”إسرائيل”.
وذكر نتنياهو أكثر من مرة طلب بلاده بمنح عضو مراقب لدى الاتحاد الإفريقي، وإلى سعي “إسرائيل” لحلّ “الكتلة الكبيرة المكونة من 54 دولة إفريقية، التي تشكل أساس الأغلبية التلقائية ضدّ إسرائيل في الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية”.

 

إستراتيجية جديدة

 

إنّ “إسرائيل” تأمل من خلال إستراتيجيتها الجديدة، المتمثلة في السعي إلى إقامة تحالفات منفصلة مع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى كسب ودّ الدول التي وقفت تاريخياً إلى جانب الفلسطينيين، والحصول على تصويتهم في الأمم المتحدة.
إنّ الصراع بين “إسرائيل” والدول العربية في إفريقيا، بحسب قول دان أفني، وهو مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ظلّ منذ الخمسينيات والستينيات “معركة حياة أو موت”، وكانت الدول الإفريقية حجر عثرة أمام القرارات الإسرائيلية المدافعة لممارستها الاحتلالية.

ظلّ الصراع بين "إسرائيل" والدول العربية بإفريقيا منذ الخمسينيات "معركة حياة أو موت"

ظلّ الصراع بين “إسرائيل” والدول العربية بإفريقيا منذ الخمسينيات “معركة حياة أو موت”

وفي أعقاب توسع المشروع الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين و الدول العربية الأخرى، بعد حرب 1967، غطّى الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الأمريكي غير المشروط لـ”إسرائيل” العديد من نقاط الضعف لدى هذاالكيان الصهيوني، مما مكّنها من أن تصبح لاعباً قوياً بلا منازع للمنطقة برمتها، رغم غياب قبول لها لدى القارة أو لدى بقية المجتمع الدوليّ.
لكن، تجري الآن لعبة جديدة تهدف إلى تغيير القواعد مرة أخرى، بسبب أنّ الولايات المتحدة تفقد هيمنتها المطلقة في الشرق الأوسط و إفريقيا، وذلك بفضل صعود التأثيرات الروسية والصينية على المنطقة.

 

وهم التكنولوجيا الأمنية

غالباً ما يُفسَّر فتح بعض الدول الإفريقية مجالها أمام إسرائيل بأنّه يعود بإغراء البلدان الفقيرة في إفريقيا، بدعم سياسي ووعود اقتصادية، حتى يُحرم الفلسطينيون من التصويت في الأمم المتحدة.

“العلاقات الدبلوماسية مع تشاد ومالي قد تكسب نتنياهو بعض الأصوات بالانتخابات القادمة لكنها ستسهم أيضاً بترويج الوهم الإسرائيلي مؤقتاً”

و صحيح أنّ “إسرائيل” تقدم مساعدات تنموية إلى دول القارة لكسب ودّها؛ ففي أوائل كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بدأت “إسرائيل” في المشاركة في البرنامج التنموي الأمريكي، الذي يسمى”Power Africa” ، و يهدف إلى تأمين الكهرباء لــ 60 مليون إفريقي، بحلول عام 2030.
لكن بنظر رمزي بارود، وهو باحث فلسطيني؛ فإنّه يستبعد أن تكون “التكنولوجيا الأمنية” الإسرائيلية لها علاقة بالسبب وراء رغبة بعض الدول الإفريقية في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” مؤخراً.

و يتساءل بارود، في مقال له على موقع “ماندويس”، المتخصص في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية، عمّا يمكن لـ”إسرائيل” أن تقدمه في قطاع التكنولوجيا إلى تشاد و مالي و غيرها من الدول، و لا تستطيع الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و الصين و روسيا و الهند و البرازيل و جنوب إفريقيا و غيرها تقديمه ؟

يجيب بارود: “لا شيء”، ويضيف “اللحظة التي نقبل بها مثل هذه الحقيقة؛ هي اللحظة التي نبدأ نفهم فيها حقاً لماذا قامت تشاد، وهي دولة ذات غالبية مسلمة، بتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل”، و ينطبق الأمر نفسه على مالي، وهي دولة أخرى ذات غالبية مسلمة مستعدة للتطبيع مع دولة الاحتلال.

ليس الطريق إلى تل أبيب هو ما تبحث عنه نجامينا وباماكو بل الطريق إلى واشنطن نفسها

ليس الطريق إلى تل أبيب هو ما تبحث عنه نجامينا وباماكو بل الطريق إلى واشنطن نفسها

 

بوابة إلى الرضا الأمريكي

ما تبحث عنه الدول الإفريقية مثل؛ تشاد ومالي، ليس فقط دعماً على مستويات الاقتصاد و التنمية، لكنها تبحث أيضاً عن شرعية سياسية، ويشعرون بأنهم مضطرون لإيجاد خيارات بديلة يمكن أن تنقذهم من أي خطر داخلي، سواءً عبر اضطرابات شعبية أو انقلاب عسكري، كما أنّ التحالف مع “إسرائيل” يشكّل، بالنسبة إلى هذه الدول، تذكرة مضمونة لقبولهم ضمن النادي السياسي التابع لواشنطن.

إذاً؛ ليس الطريق إلى تل أبيب هو ما تبحث عنها نجامينا وباماكو، بل الطريق إلى واشنطن نفسها؛ ففي إفريقيا، كما هو الحال في أجزاء أخرى من جنوب العالم، غالباً ما تكون الولايات المتحدة، وليس الأمم المتحدة هي التي تمنح الشرعية السياسية أو تسلبها، بالنسبة إلى القادة الأفارقة، الذين لا يتمتعون بأيّة مصداقية ديمقراطية؛ فإنّ مصافحة نتنياهو يمكن أن تكون بمثابة تأمين مؤبّد على الحياة السياسية.

لذا؛ تحاول “إسرائيل” في الوقت الحالي السير في هذه الإستراتيجية، ومن خلال الاستفادة من الموارد الأمريكية و دعمها السياسي، تنسج علاقات مستقلة مع دول العالم بمفردها، في سبيل رغبتها في تطوير سياسة خارجية تأمل أن تقدّم لها مزيداً من الاستقلالية في المستقبل.
في المحصلة؛ العلاقات الدبلوماسية مع تشاد ومالي قد تكسب نتنياهو بعض الأصوات في الانتخابات القادمة، في شهر نيسان (أبريل) المقبل، لاختراقه المزعوم لجبهة إفريقيا، لكنها ستسهم أيضاً في ترويج الوهم الإسرائيلي مؤقتاً، بأنّه يمكن أن يكون نظاماً مقبولاً على المستوى الدولي، ونظاماً للفصل العنصري، في وقت واحد.

 

 

موقع حفريات

أخبار, البارزة 0 comments on كيف تدعم أمريكا الدكتاتوريات حول العالم

كيف تدعم أمريكا الدكتاتوريات حول العالم

 تناول موقع غلوبال ريسيرش الكندي في مقال للكاتب البارز “جاكوب هورنبيرجر” كيفية تعاطي بلاد العم سام مع الديكتاتوريات الاستبدادية حول العالم.

دعونا نبدأ في دراسة بعض الأمثلة حيث إن هذا التدخل الأخير ليس أكثر من لعبة قوة لتدخل أمريكا في البلدان الأخرى، وتهدف بذلك إلى استبدال نظام دكتاتوري بآخر.

ففي السعودية يوجد ديكتاتورية وحشية واستبدادية، وحكومة أمريكا تدعم النظام السعودي ولا يوجد أي قلق على المواطنين السعوديين الذين يعانون من هذا الطغيان الوحشي والقمع الذي يمارسه النظام السعودي بحقهم.

إيران تحت حكم الشاه في عام 1953، دمّرت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية تجربة إيران بالديمقراطية بإقصاء رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً، محمد مصدق من السلطة، ووضعت بدلاً منه شاه إيران، أحد أكثر الطغاة وحشية في العالم، والأسوأ من ذلك أنها ساعدت في تدريب مؤسسته الأمنية الوطنية في فنون التعذيب والطغيان والظلم، لم يكن هناك أي اهتمام برفاهية الشعب الإيراني أو حريته.

غواتيمالا وفي عام 1954، أطاحت مؤسسة الأمن القومي في أمريكا بالرئيس المنتخب ديمقراطياً من منصبه ووضعت بدلاً منه سلسلة من الطغاة العسكريين الوحشيين، وقد ألقى الانقلاب الذي خضعت له أمريكا البلاد في حرب أهلية دامت ثلاثة عقود، أسفرت عن مقتل أكثر من مليون شخص.

وكوبا في الخمسينات من القرن الماضي، دعمت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية وشاركت في دكتاتور وحشي فاسد يدعى فولغينسيو باتيستا، والذي كان هو نفسه شريكاً في المافيا، المنظمة الإجرامية الأولى في العالم، ولم يكن هناك أي قلق على الإطلاق بالنسبة للشعب الكوبي، بما في ذلك الفتيات الصغيرات اللواتي تعرّضن للاختطاف من قبل المافيا لاستخدامهن جنسياً، ومنذ أن أطاح الشعب الكوبي بـ “باتيستا” من السلطة من خلال ثورة عنيفة واستبدله بفيديل كاسترو، لم تتوقف مؤسسة الأمن القومي الأمريكية عن محاولة الحصول على دكتاتور خاضع وممتد إلى السلطة في كوبا.

تشيلي في عام 1973، دبّرت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية الإطاحة العنيفة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً، سلفادور أليندي، واستبدلته بواحد من أكثر الديكتاتوريين العسكريين استبداداً وفساداً في العالم، الجنرال أوغستو بينوشيه، حيث شرع بينوشيه في تعذيب واغتصاب وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، بمن في ذلك أمريكيين بدعم كامل من مؤسسة الأمن القومي الأمريكية.

العراق في الثمانينيات من القرن الماضي، دعمت مؤسسة الأمن القومي الأمريكية صدام حسين، أحد أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم، وهو أحد من كان بعض المسؤولين الأمريكيين يشيرون إليه في التسعينيات على أنه “أدولف هتلر”، وكانوا يساعدون صدام على قتل الإيرانيين، في وقت لاحق، بعد أن قام المسؤولون الأمريكيون بتحويل شريكهم صدام إلى عدو في التسعينيات، استهدفوا المواطنين العراقيين بالقتل والمعاناة من خلال واحدة من أكثر أنظمة العقوبات قسوة في التاريخ كطريقة للتخلص من صدام واستبداله بشريك دكتاتوري آخر لأمريكا.

واختتم الموقع بالقول إن عقلية أمريكا التدخلية اليوم تجاه فنزويلا لا تختلف، وهي تعكس شيئين: الأول، فرض عقوبات أمريكية على فنزويلا، والثاني، الاعتراف الرسمي برئيس بديل على أمل أن ينتج هذان الأمران ثورة عنيفة، إن عدد القتلى من هذه الثورة، بغض النظر عن ارتفاعها، لا يهم المسؤولين الأمريكيين، بعد كل شيء، سيكون الناس الذين سيموتون فنزويليين، كما هو الحال مع مصر والسعودية وإيران والعراق وكوبا وشيلي وغيرهم، فإن حرية ورفاهية المواطنين لا تثير أي قلق، كل ما يهم هو طرد نظام مستقل واستبداله بنظام دكتاتوري جديد متحمس وراغب في أن يكون شريكاً وحليفاً لحكومة أمريكا.

الوقت

أخبار, البارزة 0 comments on حالة من الرعب يعيشها الإخوان في تركيا.. فهل تخلى أردوغان عن الجماعة ؟

حالة من الرعب يعيشها الإخوان في تركيا.. فهل تخلى أردوغان عن الجماعة ؟

الخبر كما ورد من وسائل الإعلام الدولية، أن السلطات التركية ترحلت مواطناً مصرياً محكوماً عليه بالإعدام إلى القاهرة، بعد طلب السلطات المصرية، وذلك دون أي تصريح رسمي من الجانب المصري، وسط حالة من الذهول من جانب مجموعات الإخوان الموجودة في تركيا، وحالة من التخبط في التصريحات التركية، ومحاولة تبرير أمام الإخوان.. لماذا تم ترحيل هذا الشاب إلى القاهرة، خاصة أنه مطلوب لتنفيذ حكم بالإعدام “مثلما تقول الإنباء”.

ويُرى بعض الإعلاميين من الإخوان في برامجهم أو على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد انتابتهم حالة من الذهول، بل وحالة من الرعب لأنه يتوقع اليوم الذي سيأتي عليه هو الدور.

بل وصل الأمر بأحدهم أنْ سأل على الهواء “أكلّم مين في السلطات التركية معرفش”، مدعياً أنه “مش بعيد يتم القبض عليه أو قتله داخل تركيا”.

ويتساءل مناصرو الإخوان في الخارج: ما الذي يدفع تركيا وهي في حالة عداء واضح مع مصر أنْ تسلمها هذا الشاب؟

وطبعاً بعض الأسباب التي تسمعها من الجانب التركي لا ترقى إلى مرتبة العقل.

السياسه لا تعرف الثوابت، ومن الجائز أن يكون أردوغان جاهزاً الآن للتخلي عن عناصر الإخوان الموجودة في تركيا بوساطة عربية.

لكنْ أعتقد أنّ أفراد الإخوان في تركيا سيبدأون في الهرب من الآن محاولين التوجه إلى أوروبا وطلب اللجوء السياسي.

لكن الأمر ليس بهذه السهولة.. ويبدو أنهم أنفسهم عجزوا عن إيجاد تصور لمستقبلهم ومستقبل زوجاتهم وأبنائهم كيف سيعيشون وأين؟ ومن سيحميهم ومن سيدفع نفقات الحياة؟ وكيف سيتعاملون مع الإنتربول الدولي؟ وإلى من يلجأون؟

كل هذه أسئلة تدور في ذهن الإخوان الآن، ولا تجد إجابة.

فهم  يساقون في تركيا وفقاً لسماع الأوامر، وإلا البديل هو أن تعيش مشرداً، لا يقبلك مكان آخر أنت وأولادك.

يبدو أنّ الأيام القادمة ستشهد عودة المزيد من “الإخوان” من تركيا إلى القاهرة.

ويبدو أنّ حالة الرعب لدى هؤلاء في إسطنبول قد تدفعهم إلى مزيد من التناحر الداخلي الذي أصبح واضحاً للجميع.

عن “اليوم السابع”

البارزة, وجهات نظر 0 comments on السياسي العربي بين الثورة و فن الممكن .. بقلم خالد عاشور

السياسي العربي بين الثورة و فن الممكن .. بقلم خالد عاشور

شاع لدى عموم المشتغلين بالسياسة والإعلام في عالمنا العربي تعريف السياسة على أنها “فن الممكن”، من بين تعريفات أشمل وأرجح وأكثر تعبيراً عنها. هذه التعريفات تجعل من السياسة مجالاً حيوياً خلاقاً، تتحقق من خلالها المصالح، وتُبنى القدرات، وعلاقات القوة، وامتدادات النفوذ، وتصنع المكانة. من أجل منافسة سياسية فعالة للأفراد والأحزاب والدول. تلك التعريفات الراجحة انحسرت في ضفاف الكتب وعقول الخبراء المهمشين، لحساب شيوع ثقافة “فن الممكن” ونتاجها.

وأزمة التعريف ليست أزمة منهج ولكنها أزمة انتقاء واستهلاك محلى عربي. حيث تزخر العلوم السياسية بالمفاهيم والتعريفات الإيجابية المعبرة عن مكوناتها. ولكن المعارف والمفاهيم الخاطئة تجد رواجاً في عالمنا العربي خاصة مع البيئات السياسية المغلقة بفعل السلطة، أو المنغلقة ذاتياً بفعل ممارسة الجماعات السياسية. حيث يسهم المفهوم المرجوح للسياسة في تكريس استبداد السلطة، والانبطاح والتبعية في الداخل والخارج.

والبيئات الإعلامية السائلة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تنشط فيها المفاهيم الخاطئة. وقد برزت ظاهرة تداول المنشورات غير المنضبطة بضابط يحقق المعلومة ويسند المعارف إلى مصادرها. حتى اختل التمييز فيها بين ما هو معلومات وبيانات، وما هو تحليلات وآراء، وبين ما هو ثرثرة اجتماعية وانطباعات شخصية. ويزيد الالتباس والخلل إذا صدرت الرسالة الخاطئة عن منصات رأى معتبرة، وأقلام وتصريحات نخب ذات ثقل.

والأزمة الكبيرة في تعريف السياسة على أنها فن الممكن هي أنها تصنع نخبة سياسية ذات صفات معينة. حيث تصنع للسياسي إطاراً للحركة لا يتجاوز وسقفاً لا يعلى. الأمر الذي ينتقص من فاعليته وإنتاجه وطموحه وإرادته، لحساب المتحكمين الألد في السياسة والسلطة والثروة. ويجعل منه كائناً داجناً يتشكل وفق أطر اللعبة السياسية. فلا يتحرك وفق رؤية ذاتية حرة نابعة من ضميره الوطني لينشئ واقعاً مختلفاً خارج الإطار المرسوم. حتى نشأت من السياسيين أجيالاً وهلكت، دون أن يغيروا شيئاً من الواقع السياسي.

وتتضح أزمة التعريف الأضعف، حين يتصدر السياسي موقع التكليف لينجز أهدافاً محددة، فيأتي “فن الممكن” يمنحه غطاءً للإخفاق مرة بعد مرة. فلا يحاسب كمكلف بعد حصوله على صك “فن الممكن”. الأمر الذي يفسر لنا جانباً من ظاهرة الرضا عن الحكام المعمرين، والنخب السياسية طويلة الأمد. ذلك لأنهم دائما معذورون سلفاً باحتمال أخف الضررين أو تحقيق أدنى المصلحتين. وكأن دفع الضرر الكبير ليس من واجبهم، وتحقيق المصلحة الأرجح منوطة بغيرهم.

وتعريفات السياسة كثيرة ومتنوعة من حيث كونها علم وكونها فن، وقدرة، وعقيدة الخ، حيث لا تعرف العلوم الإنسانية كلمة النهاية.. ولكن المقال يتعرض للتمييز بين مضمون ومكونات التعريفات الأهم في مجال السياسة. فمن تلك التعريفات لجورج كاتلون “أن السياسة هي مجموعة علاقات القوة”. ويرى “لاسويل” أن “علم السياسة يشمل النفوذ والقدرة بأقسامها، وأن كل عمل يُنفذ من خلال القوة”. بينما تعريف السياسة بفن الممكن يرجع إلى الرئيس الأمريكي الأسبق “ليندون جونسون”.

وهذا التعريف قد يكون مقبولا للسياسة في مقابل “فن الخيال أو المستحيل” الأمر الذي ام يرد في الكتب. أو قد يكون معبراً عن “رفاهية السياسة” لدولة بلغت من القوة والمكانة ما يجعلها تكسب في كل الأحوال، أو أن خسارتها غير مؤثرة، كدولة صاحب التعريف أميركا. رغم أن الدول القوية وصلت لمكانتها عبر مفاهيم القدرة والقوة والنفوذ، بل وأكثرها وصل عبر ممارسة الاحتلال والنهب والهيمنة. أما الدول التي تناضل من أجل البقاء والمكانة فإن “فن الممكن” يخصم من طموحها في امتلاك قدرات وأدوات تحمى وتبنى مكانتها ومستقبلها.

ومن دلالات الكلمات الواردة في التعريفات ندرك فجوة الفهم والتطبيق التي يرصدها المقال. فالبون كبير بين الممكن، والقدرة والقوة والنفوذ. والكلمات على بساطة تركيبها من حروف قليلة، تحمل دلالات ورموز وصور، تترسخ في العقول مع الزمن معرفة وثقافة، وتستدعيها عند سماعها، فتعمل عملها في الفكر والسلوك والوجدان. وكلمة “الممكن” في بيئتنا العربية، هي أقرب لمعان سلبية في مقابل الكلمات الأخرى والتي تجعل من السياسة كما أسلفنا مجالاً حيوياً خلاقاً، يحقق القوة بكل معانيها ويصنع المكانة.

والسياسي لكي ينجح في ممارسة السياسة ويصنع المكانة لنفسه وحزبه ودولته، لابد له من تغيير الإطار الذي فرضته ثقافة الممكن بأطر إيجابية تمنحه قوة وفاعلية وتأثير. ومن المهم في ذلك دراسة تجارب صناعة القدرة والمكانة والتقدم، في كل بلاد العالم، والتي تمثل تركيا فيها نموذجاً أقرب. وللخبرة والعلم دور كبير في صنع أطر حركة فعالة.، فلا ينبغي أن تعلو ممارسات الضرورة على واجب الاحتكام للخبراء والعلماء. والتجربة التركية المذكورة في صنع مكانتها جمعت بين الفكر والتطبيق. ويمثل “العمق الاستراتيجي” للمفكر “أحمد داوود أوغلو” نموذجها الفكري، الذي رسم استراتيجيات تركيا الحديثة.

وإعلامياً يجب العمل على استبدال الثقافات السلبية بمفاهيم إيجابية، وغرس تصورات صحيحة للسياسة. تجعل الشعوب على وعى بالأدوار وفهم للواقع ومعرفة بالحقوق. لتكون الشعوب طاقة خلاقة، وثورة متوقدة في الدفاع عن حقوقها، ولتمتلك معايير الفرز والمحاسبة، لتخرج نخبة سياسية جديدة تختلف عن سابقتها. ومن ناحية أخرى من الضرورى التعرض لعلاج الظواهر السلبية التي تتعلق بتوثيق المصادر وتبادل المعرفة[1].

أخبار, البارزة 0 comments on هل يكشف كوشنر تفاصيل حول “صفقة القرن” خلال مؤتمر وارسو ؟

هل يكشف كوشنر تفاصيل حول “صفقة القرن” خلال مؤتمر وارسو ؟

يسعى مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، جاريد كوشنر، إلى الكشف عن تفاصيل تتعلق بالخطة الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية والمعروفة إعلاميًا بـ”صفقة القرن”، خلال مؤتمر حول الشرق الأوسط سيعقد في وارسو يوم الخميس 14 فيفري الجاري، وذلك بحسب ما ذكر المراسل السياسي للقناة 13 الإسرائيلية (القناة العاشرة سابقًا)، باراك رافيد، مساء أمس الثلاثاء.

وقال رافيد في تغريدة على حسابه الشخصي بموقع “تويتر”، نقلا عن مصادره، إن “كوشنر سيقدم تفاصيل خطة البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط خلال مؤتمر وارسو”، وأشار إلى أن ذلك سيتم خلال جلسة عامة مفتوحة أمام مشاركة الصحافيين.

وسيتطرق كوشنر إلى وضع الخطة التي تعمل الإدارة الأميركية على بلورتها منذ استلام ترامب لمنصبه رئيسًا للولايات المتحدة، وسيوضح التوقيت الذي تعتزم خلاله الولايات المتحدة الإعلان عن “صفقة القرن”، والكيفية التي تخطط الإدارة الإعلان من خلالها عن الخطة؛ وبحسب رافيد، من المتوقع أيضا أن يجيب كوشنر على أسئلة الصحافيين حول هذا الشأن.

يذكر أن تقارير صحافية إسرائيلية كشفت عن لقاء محتمل يجمع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع كوشنر، والمبعوث الأميركي الخاص، جيسون غرينبلات، خلال مؤتمر وارسو.

وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن كوشنر وغرينبلات سيشاركان في المؤتمر، الذي سيفتتح في 13 فيفري المقبل، ويتوقع أن يبحثا مع نتنياهو “صفقة القرن”، كما سيجري التداول في دفع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية.

ونقلت القناة الإسرائيلية عن مسؤولين في البيت الأبيض قولهم إنه يتوقع أن يعقد كوشنر وغرينبلات لقاءات مع وزراء خارجية عرب وأوروبيين، خلال المؤتمر، كي يبحثا معهم “صفقة القرن”، وهي خطة سلام لتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

ويتوقع أن يشارك في المؤتمر وزراء خارجية السعودية والبحرين والإمارات وعمان والأردن، بينما لم تتم دعوة مندوبين عن السلطة الفلسطينية وإيران.

يشار إلى أن الإدارة الأميركية وصفت هذا المؤتمر الذي يعقد في العاصمة البولندية، أنه اجتماع دولي ضد إيران، وبعد اعتراضات أوروبية جرى وصف المؤتمر أنه “لقاء وزراء خارجية من أجل دفع مستقبل سلام وأمن في الشرق الأوسط”.

 

صفقة القرن: دولة فلسطينية في معظم الضفة؛ الأقصى للاحتلال ولا ذكر لغزة

 

وكان رافيد قد ذكر منتصف جانفي أن خطة الولايات المتحدة ستشمل دولة فلسطينية على أرض ستكون أكثر من ضعف مساحة المنطقتين (أ) و(ب) في الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية اليوم، وهو ما يعني أن الدولة الفلسطينية ستكون على مساحة ما بين 80 إلى 90% من الضفة الغربية.

ووفقًا للمعلومات التي قال رافيد إنه استقاها من إحاطة قدمها مسؤول أميركي إلى مجموعة صغيرة من الصحافيين، دون مزيدا من التفاصيل، تُقسم الضفة الغربية بحسب اتفاق أوسلو، ستشمل الخطة أيضًا مبدأ تبادل الأراضي بين إسرائيل والفلسطينيين لضم بعض الأراضي في الضفة الغربية إلى إسرائيل دون أن يكون من الواضح حجم التبادل.

وأشار إلى أن “صفقة القرن”، “تقسم المستوطنات إلى 3 مجموعات: كُتل المستوطنات، حيث يعيش معظم المستوطنين وتلك ستصبح جزءا من إسرائيل؛ ولن يتم إخلاء المستوطنات المعزولة ولكن لن يسمح بتوسيعها، وسيتم إزالة البؤر الاستيطانية غير القانونية بموجب القانون الإسرائيلي”.

وتجعل خطة الولايات المتحدة القدس عاصمة مشتركة، ستكون عاصمة إسرائيل في القدس الغربية وأجزاء من القدس الشرقية، وستكون عاصمة فلسطين في أجزاء من القدس الشرقية وتشمل غالبية الأحياء الفلسطينية، فيما يبقى الحوض المقدس الذي يشمل البلدة القديمة والحرم القدسي (المسجد الأقصى) ومحيطه المباشر تحت السيادة الإسرائيلية، وسيستمر الوضع القائم في الأماكن المقدسة وسيُعطى للفلسطينيين والأردنيين وربما أطراف أخرى دورًا في إدارة الأماكن المقدسة”.

أخبار, البارزة 0 comments on مجلس الشيوخ الأميركي يدعو إلى فرض عقوبات على من يقاطع إسرائيل

مجلس الشيوخ الأميركي يدعو إلى فرض عقوبات على من يقاطع إسرائيل

صوت مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون السياسة الخاصة بالشرق الأوسط، يوم الأربعاء، والذي يتضمن إجراء سيسمح للولايات بأن تفرض عقوبات على شركات تشارك في حملات لمقاطعة إسرائيل، كما صوت على تعديل يخالف الرئيس دونالد ترامب بمعارضة أي خطط لسحب القوات بشكل مفاجئ من سورية.

ونال قانون تعزيز أمن أميركا في الشرق الأوسط دعم مشرعي مجلس الشيوخ بنحو 77 صوتا مؤيدا مقابل 23 صوتا معارضا، قبل ساعات من إلقاء ترامب خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي يناقش فيه سياساته لهذا العام.

ويختلف العديد من أعضاء الكونغرس، ومنهم كثير من الجمهوريين بشدة مع خطة أعلنها ترامب في ديسمبر، بسحب 2000 جندي أميركي من سورية على أساس أن تنظيم “داعش” لم يعد يشكل تهديدا.

وقدم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، الذي نادرا ما ينشق على ترامب، التعديل غير الملزم الذي صدر. وأقر التعديل بالتقدم ضد تنظيمي “وداعش” والقاعدة في سورية وأفغانستان، لكنه حذر من أن “انسحابا متسرعا” يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة ويخلق فراغا يمكن أن تملأه إيران أو روسيا.

وطالب التعديل إدارة ترامب بالتصديق على أنه تم تلبية كل الشروط التي تعني أن التنظيمين تكبدا “هزيمة لا رجعة فيها” قبل أي انسحاب كبير من سورية أو أفغانستان.

كما يتضمن التعديل بنودا مدعومة من الجمهوريين والديمقراطيين لفرض عقوبات جديدة على سورية، وضمان المساعدة الأمنية لإسرائيل والأردن. وينظر إلى هذه الإجراءات على أنها جهود لطمأنة الحلفاء الذين يشعرون بالقلق إزاء التحولات في السياسة الأميركية، بما في ذلك خطة ترامب في سورية.

ولكن لكي يصبح قانونا، سيحتاج مشروع القانون إلى موافقة مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، حيث من غير المرجح أن يتحرك دون تغييرات كبيرة بسبب المخاوف من البند الذي يتناول حركة “مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها” بسبب معاملتها للفلسطينيين.

ويجادل معارضو هذا البند بأن مشاركة الأميركيين في حملات المقاطعة محمية بموجب الحق الدستوري في حرية التعبير.

أخبار, البارزة 0 comments on محمد السادس يطوي صفحة جنرالات “المثلث الذهبي”

محمد السادس يطوي صفحة جنرالات “المثلث الذهبي”

أعفى الملك المغربي محمد السادس الإثنين الجنرال حسني بنسليمان من قيادة الدرك الملكي، ثاني أكبر مؤسسة أمنية في المغرب. وأعلن بيان لديوان القصر الخبر فيما بثت وسائل الإعلام المغربية صور استقبال الملك له ولخلفه محمد حرمو، قائد سرية فيالق الشرف التابعة للدرك الملكي.

وينهي هذا الإعفاء لبنسليمان الذي تجاوز سن التقاعد، مسيرة حافلة للجنرال الأشهر في التاريخ المعاصر للمغرب، الذي عايش حكم الملك الراحل الحسن الثاني ومحمد السادس وقاد ملفات أمنية شائكة طيلة أكثر من أربعين عاما.

كما أعلن القصر الملكي في بيانه كذلك إحالة الجنرال بوشعيب عروب، المفتش العام السابق للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، إلى التقاعد ليعين محله الجنرال عبد الفتاح الوراق.

وتأتي إحالتهما إلى التقاعد بعد شائعات دامت لسنوات بقرب إعفائهما من مناصبهما لتجاوزهما سن التقاعد.

وكان بنسليمان إلى جانب عروب والجنرال الراحل عبد العزيز بناني عام 2015 يلقبون بـ”المثلث الذهبي”، الذي سيطر على الأجهزة الأمنية والعسكرية في المغرب منذ حكم الحسن الثاني.

وتقلد الجنرال بنسليمان منصب جنرال دو كوردارمي (فريق) وهي أكبر رتبة عسكرية في هرم الجيش المغربي بعد الملك محمد السادس، القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الأركان.

وينحدر الجنرال من عائلة ذات شبكة علاقات مصاهرة واسعة، تسيطر على دواليب الحياة السياسية المغربية من اليمين إلى اليسار.

وعين بنسليمان وهو من مواليد 1935 بمدينة الجديدة المغربية قائدا لوحدات التدخل السريع عام 1965 قبل أن يصبح نائبا للمدير العام للأمن الوطني المغربي عام 1967. وشهدت هذه الفترة حركة احتجاجات دامية في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتعرف هذه الأحداث بـ 32 مارس 1965.

وفي عام 1972 تم تنفيذ انقلاب عسكري فاشل بقيادة الجنرال محمد أوفقير استهدف طائرة الملك الحسن الثاني، لتحدث تغييرات كبيرة داخل القيادات العسكرية والأمنية.

وعين بنسليمان، المنتمي إلى عائلة مقربة من القصر، بعد هذه المحاولة الانقلابية قائدا للدرك الملكي المغربي. وأسندت إليه صلاحيات أمنية واسعة ومهمة مراقبة تحركات الجيش.

ويعتبر بنسليمان أحد أهم الشاهدين على الأحداث السياسية الكبرى في المغرب، منذ الستينيات من القرن الماضي وعالما بخبايا أكثر الملفات تعقيدا.

وفي عام 2007 أصدر قاضي التحقيق الفرنسي باتريك راماييل مذكرة توقيف دولية لاعتقاله في إطار التحقيقات الخاصة باختطاف الزعيم الاشتراكي المغربي المهدي بن بركة عام 1965، الذي يعتبر اختطافه إلى حد اليوم لغزا كبيرا. لكن الجنرال رفض دوما التعاون مع السلطات القضائية الفرنسية، وطالما تحصن بالصمت بفضل منصبه العسكري.

ورغم تنقلاته الكثيرة للخارج، كإسبانيا مثلا في 2009 لم يعتقل الرجل لحساسية منصبه في المغرب. وكان قاضي التحقيق الفرنسي قد تقدم بطلب رسمي للسلطات الإسبانية لاعتقاله وقتها، ولم يجد جوابا.

وفي شبابه، كان حسني بنسليمان حارس مرمى بكرة القدم، ولعب لفريق الجيش الملكي للمواسم الكروية الممتدة من 1958 إلى 1961. وفاز مع الفريق بالبطولة المغربية وكأس السوبر.

وترأس الجنرال اتحاد كرة القدم “الجامعة الملكية لكرة القدم” ما بين 1994 و2009.

وراجت شائعات منذ سنوات في الصحافة المغربية عن قرب إعفائه من منصبه بسبب عمره المتقدم قبل أن يتحقق هذا.

أخبار, البارزة, ندوات ودراسات 0 comments on الأزمة الفنزويلية: صراع داخلي بأبعاد دولية

الأزمة الفنزويلية: صراع داخلي بأبعاد دولية

مقدمة

بعد انتخابات شكك كثيرون في نزاهتها وقاطعتها المعارضة الفنزويلية، أدى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في 10 كانون الثاني/ يناير 2019، اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثانية تدوم ست سنوات. وردّت المعارضة التي تسيطر على الجمعية الوطنية (البرلمان) بتأييد رئيس البرلمان خوان غوايدو كرئيس مؤقت للبلاد، والذي أدى اليمين الدستورية في 23 كانون الثاني/ يناير 2019، بعد أن اتهم مادورو باغتصاب السلطة. وتعهّد غوايدو بالسماح بدخول المعونات الإنسانية إلى فنزويلا التي تشهد أوضاعًا اقتصادية ومعيشية صعبة، وبالدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة. وقد عَدَّ مادورو ما جرى محاولة انقلابية تقف وراءها الولايات المتحدة الأميركية[1]. وسرعان ما اتخذت دول عدّة مواقف من الأزمة، لا تستند إلى قضايا الشعب الفنزويلي التي يدور حولها الصراع، بل بناء على اعتبارات دولية جيوستراتيجية.

أين تقف واشنطن من الصراع ؟

ما إن أعلن غوايدو نفسه رئيسًا، حتى سارعت واشنطن إلى الاعتراف بشرعيته. ويعد الاعتراف بنائب برلماني معارض، لا يحكم البلاد ولا يملك أي قوة فعلية، رئيسًا شرعيًّا هي خطوة جارفة غير مألوفة في العلاقات بين الدول. وهو ما عزّز الشكوك بوقوف واشنطن وراء محاولات تقويض سلطة مادورو، بالتعاون مع حكومات اليمين في كولومبيا والبرازيل. وقد اتخذت واشنطن على الأثر سلسلة إجراءات لتحقيق ذلك، أهمها:

  • فرض عقوبات على صادرات فنزويلا النفطية إلى الولايات المتحدة في محاولة لمنع نظام مادورو من الحصول على سيولة نقدية، فضلًا عن العقوبات المصرفية التي كانت أصلًا مفروضة على فنزويلا قبل الأزمة. وتأمل واشنطن أن يدفع انحسار السيولة النقدية في فنزويلا إلى انفضاض الجيش والأمن اللذين لا يزالان على ولائهما لمادورو. وبمقتضى العقوبات الأميركية الجديدة، فإن إدارة دونالد ترامب تعمل مع غوايدو للاستحواذ على شركة “سيتجو” النفطية والتي تعمل في الولايات المتحدة وتتبع شركة النفط الوطنية الفنزويلية[2]. كما طلبت إدارة ترامب من كل الزبائن الأميركيين لدى شركة النفط الوطنية الفنزويلية تحويل الدفعات النقدية مقابل النفط الفنزويلي إلى حسابات خاصة في الولايات المتحدة تخضع لسيطرة غوايدو.
  • تشديد الخناق على نظام مادورو عبر تجميد أصول شركة النفط الوطنية الفنزويلية، والاستحواذ على الأصول الحكومية الفنزويلية في الولايات المتحدة، وحيثما أمكن عالميًّا ونقل السيطرة عليها إلى غوايدو[3]. وبناء عليه، اتخذ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في 29 كانون الثاني/ يناير 2019، قرارًا بالسيطرة على الأصول الفنزويلية وممتلكاتها المؤمّنة في بنوك أميركية، بما في ذلك البنك المركزي في نيويورك. كما نجحت واشنطن في الضغط على مصرف إنكلترا المركزي لحرمان مادورو من الوصول إلى الذهب الذي تحتفظ به فنزويلا في لندن بقيمة 1.2 مليار دولار.
  • الحشد دبلوماسيًّا ضد نظام مادورو؛ إذ دعت الولايات المتحدة إلى عقد جلسة خاصة في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة حول فنزويلا، في 26 كانون الثاني/ يناير 2019، شارك فيها وزير الخارجية الأميركي. وخلال الجلسة، وضع بومبيو الأعضاء أمام خيارين “إما أن تقفوا مع قوى الحرية، وإما أن تكونوا متواطئين مع مادورو والفوضى التي ينشرها”. كما دعا “جميع أعضاء مجلس الأمن لدعم التحول الديمقراطي في فنزويلا ودور الرئيس المؤقت غوايدو فيه”[4]. غير أن روسيا والصين، إضافةً إلى جنوب أفريقيا وغينيا الاستوائية، عرقلت مسعى الولايات المتحدة لاستصدار بيان من المجلس يعبر عن تأييده الكامل للجمعية الوطنية الفنزويلية باعتبارها “المؤسسة الوحيدة المنتخبة ديمقراطيًا” في فنزويلا[5]. وتعترف اليوم أغلبية الدول الغربية، بما فيها كندا والاتحاد الأوروبي، بغوايدو رئيسًا، وكذلك حال أغلب الدول الأميركية اللاتينية، في حين ترفض الاعتراف به روسيا والصين، ودول أخرى مثل تركيا وإيران وبعض الدول الأميركية الجنوبية كالمكسيك وكوبا وبوليفيا.
  • التلميح بغزو عسكري؛ إذ كرر المسؤولون الأميركيون مرات، بدءًا بالرئيس ترامب، بأن واشنطن قد تلجأ إلى استخدام القوة لإرغام مادورو على التنازل عن الحكم[6]، أو إذا ما أقدم على فض المظاهرات الشعبية المعارضة له بالقوة. وقد زادت التكهنات باحتمال تنفيذ عمل عسكري أميركي ضد مادورو، بعدما ظهر مستشار الأمن القومي، جون بولتون، في مؤتمر صحفي في أواخر كانون الثاني/ يناير 2019، وفي يده كراسة ملاحظات مكتوب عليها “5000 جندي إلى كولومبيا”. لقد رفضت وزارة الدفاع الأميركية استبعاد العمل العسكري، على الرغم من إصرار المسؤولين الأميركيين على أنه لا توجد خطط لتدخل عسكري وشيك حاليًّا، مع بقاء كل الخيارات مطروحة[7].

 الموقف الروسي – الصيني

ما إن تصاعدت حدة الأزمة السياسية في فنزويلا مع تمسك طرفي النزاع بمواقفهما، حتى تحولت إلى صراع جيوسياسي دولي، تنخرط فيه مباشرة الولايات المتحدة، من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، ولكل طرف حلفاؤه على ساحة أميركا اللاتينية ودوليًّا. وتحظى فنزويلا بأهمية كبرى لدى كل هذه الأطراف؛ فهي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تُعدّ ضمن ساحة خلفية لا تسمح لأحد بالاقتراب منها. ووفق “مبدأ مونرو”، نسبة إلى الرئيس جيمس مونرو، الصادر عام 1823، فإن واشنطن لن تسمح لأي قوة بإنشاء مناطق نفوذ في القارتين الأميركيتين، الشمالية والجنوبية. وقد تدخلت واشنطن مرارًا في شؤون جيرانها في أميركا اللاتينية لتقويض أي نظام حكم يعارض سياستها في القارة، سواء أكان ديمقراطيًّا أم ديكتاتوريًّا.

وقد تضاعفت أهمية أميركا اللاتينية بالنسبة إلى الولايات المتحدة خلال سنوات الحرب الباردة، خاصة بعد سقوط كوبا بيد الثوار الماركسيين الموالين للاتحاد السوفياتي عام 1959. وفي عام 1962، كادت مواجهة نووية أميركية – سوفياتية أن تندلع بسبب محاولة الاتحاد السوفياتي نصب صواريخ نووية متوسطة المدى في كوبا، تغطي معظم الأراضي الأميركية، وذلك ردًّا على مشاريع أميركية مماثلة في أوروبا تهدد الاتحاد السوفياتي. وقد احتفظت قوى اليسار بمواقع لها في القارة، ومنها فنزويلا، على الرغم سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات. فقد تمكن الرئيس الراحل، هوغو تشافيز، من الوصول إلى السلطة في انتخابات عام 1998. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف محاولات واشنطن تغيير نظام الحكم في فنزويلا، بما في ذلك الانقلاب العسكري.

وفضلًا عن أن فنزويلا دولة مصدرة للنفط، تسعى واشنطن إلى منع روسيا والصين من امتلاك نفوذ لهما فيها، خصوصًا أن فنزويلا طورت على مدى العقدين الماضيين علاقات سياسية واقتصادية واستثمارية وعسكرية قوية مع الدولتين المنافستين للولايات المتحدة. وقد حطت قاذفتان حربيتان روسيتان قادرتان على حمل أسلحة نووية في فنزويلا أواخر عام 2018[8]، في رسالة رأت فيها الولايات المتحدة تحديًّا روسيًّا لها.

بالنسبة إلى موسكو، تكتسي فنزويلا أهمية خاصة؛ نظرًا إلى موقعها المهم على مقربة من الولايات المتحدة. غير أن أهمية فنزويلا في الحسابات الروسية لا تقف عند هذا الحد؛ إذ ثمة حسابات إستراتيجية واقتصادية أكبر. فمن الناحية الإستراتيجية، ترى موسكو أن الثورات الشعبية، كما في أوكرانيا وسورية وفنزويلا، ما هي إلا أدوات أميركية لزعزعة استقرار الأنظمة التي ليست على توافق معها. ورأت موسكو أن الثورات الشعبية شكلت رأس حربة لتمدد الديمقراطية، التي تعتبرها نموذجًا غربيًّا في الحكم، إلى مناطق نفوذها المباشرة كما في المحاولات التي جرت في جورجيا وقرغيزيا وأوكرانيا. وعلاوة على ذلك، تملك روسيا محطة إلكترونية في القاعدة البحرية في أنطونيو دياز في لا أوركيلا، وهي جزيرة تقع شمال العاصمة الفنزويلية كاراكاس. وترى موسكو في هذا الوجود العسكري ورقة للضغط على واشنطن بشأن أوكرانيا[9].

اقتصاديًّا، تملك شركة روسنفت النفطية الروسية المملوكة للدولة حصة تساوي 50 في المئة تقريبًا في شركة سيتجو النفطية التابعة لشركة النفط الوطنية الفنزويلية. وثمة تقديرات تفيد بأن موسكو قدمت قروضًا وضمانات ائتمانية لفنزويلا، فضلًا عن أسلحة ومعدات عسكرية، بقيمة تراوح بين سبعة عشر وخمسة وعشرين مليار دولار، وهي مضمونة بعقود يتم تسديدها عبر دفعات مربوطة بالنفط.

أما الصين، فتشتري حوالى 240 ألف برميل نفط يوميًّا من فنزويلا، وقد ضخت فيها نحو 65 مليار دولار منذ عام 2008. كما ساعدت فنزويلا على إنشاء مصانع لتصنيع سيارات (شيري)، وهواتف (هواوي)، فضلًا عن بناء سكك الحديد وتحديث الموانئ الفنزويلية والبنى التحتية. وعلى المستوى العسكري، باعت الصين كميات كبيرة من المعدات إلى فنزويلا، بما في ذلك ناقلات جند مدرعة، إضافةً إلى رادارات دفاع جوي ومقاتلات وطائرات نقل عسكرية، وغير ذلك من المعدات والأسلحة. وللصين كذلك منشأة لتتبع الأقمار الصناعية في قاعدة كابيتان مانويل ريوس الجوية في غواريكو[10]. وكما في حال روسيا، فإن أغلب الاستثمارات والصفقات الصينية – الفنزويلية هي على شكل قروض مضمونة بعقود موازية تسدد من عوائد النفط. وثمة شكوك حول موثوقية تسديد فنزويلا تلك القروض، إذا تمت إطاحة مادورو، وذلك على الرغم من عرض غوايدو التفاوض معهما لضمان حقوقهما.

موقف الجيش

اشتد التنافس الدولي على فنزويلا. لكن يبدو واضحًا أن قرار حسم الصراع في هذا البلد سيكون داخليًّا؛ فقد أصبحت المؤسسة العسكرية العامل الرئيس في حسم الصراع بين القوى المدنية الحاكمة والمعارضة، الذي وصل إلى نقطة اللاعودة واللاحسم. فكلاهما يرفض التراجع، ولا يقدر على حسم المعركة لصالحه في الوقت ذاته. وبينما يحاول غوايدو استمالة الجيش، يبدو أن مادورو ما زال يتمتع حتى الآن بدعم المؤسسة العسكرية والأمنية والقضاء، باستثناء انشقاقات بسيطة لا يُعتدّ بها. في حين يبدو الشارع منقسمًا؛ نتيجة سنوات من الأوضاع المعيشية الصعبة التي تسببت فيها سياسات مادورو الاقتصادية الفاشلة، إضافة إلى العقوبات المفروضة عليها. لقد بدأ عهد حكم شافيز بالعمل لصالح الفئات الفقيرة اقتصاديًّا وتمكينها وتعزيز مشاركتها السياسية. وما زالت هذه قواعد مادورو الاجتماعية، ولكنه خسر الطبقات الوسطى وجزءًا كبيرًا من الإنتلجنسيا. ومع تدهور مستوى المعيشة وتفشي الفساد وأعمال البلطجة، خسر قطاعات من الطبقات الفقيرة أيضًا.

وينظر إلى الجيش في فنزويلا باعتباره صاحب السلطة الفعلية في البلاد؛ إذ يبلغ تعداده أكثر من نصف مليون رجل، وهو يمسك بأكثر المؤسسات الحكومية، وله نصيب وافر من الوزارات التي يحتل أهمها ضباط متقاعدون، مثل وزارة رئاسة الجمهورية، ووزارات الدفاع، والداخلية، والعدل، والزراعة، والكهرباء، والنفط والغاز. لذلك ظلّ الجيش مواليًّا للسلطة، على الرغم من تردّي الوضع الاقتصادي في فنزويلا. وتجدر الإشارة أيضًا، إلى أن من يسيطر على الجيش اليوم هم الضباط الذين جاء بهم تشافيز بعد عام 1999، والذين وقفوا معه ضد محاولة الانقلاب عليه عام 2002. وأضحوا اليوم ذوي رتب عالية، وأي تغيير حاليًّا سيعني إحالة هؤلاء الضباط على التقاعد، وربما إلى محاكمات بقضايا متعلقة بمقتل متظاهرين. لكن هذا كله قد يتغير، إذا حشدت المعارضة ما يكفي لتغيير موازين القوى في الشارع، وإذا بدأت العقوبات الأميركية تؤثّر في المؤسسة العسكرية.

خاتمة

تتوقف نتيجة الصراع في فنزويلا على عوامل عدة؛ أهمها موازين القوى في الداخل، والتي سيكون للجيش دور حاسم في تحديدها، كما سيكون للعوامل الخارجية (الأميركي تحديدًا) دور مهمّ في ضوء سعي إدارة الرئيس ترامب إلى إنهاء النظام المعارض لمصالحها في فنزويلا. وتستثمر واشنطن في صعود قوى اليمين في عموم أميركا اللاتينية للإجهاز على ما تبقى من معارضة لها فيها. كما تستثمر في ضعف التأييد الدولي لنظام مادورو؛ إذ لا يتوقع أن تتجاوز روسيا والصين حدود الدعم السياسي والدبلوماسي لنظامه، في الوقت الذي سيجد فيه مادورو صعوبةً في الحفاظ على تماسك مؤسستي الجيش والأمن حوله، فضلًا عن توفير الحد الأدنى من المستلزمات المعيشية للشعب الفنزويلي، في ظل العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على نظامه.

[1] Nathan Hodge, “Venezuela Crisis: Putin’s New Cold War on America’s Doorstep?” CNN, 2/2/2019, accessed on 5/2/2019, at: https://cnn.it/2Bjz7AB

[2] Patricia Laya, “The Forces That Could Plunge Venezuela Into Chaos,” Bloomberg, ‎31‎/1/2019‎, accessed on 5/2/2019, at: https://bloom.bg/2GqLCNZ

[3] “Statement by a Treasury Spokesperson on Venezuela,” U.S. Department of the Treasury, 25/1/2019, accessed on 5/2/2019, at: https://bit.ly/2MwSA5b

[4] Michael R. Pompeo, “Remarks at a United Nations Security Council Meeting on Venezuela,” U.S. Department of State, 26/1/2019, accessed on 5/2/2019, at: https://bit.ly/2MDg5cJ

[5] “Pompeo Says ‘Now is the Time’ for Countries to Pick a Side on Venezuela,” Reuters, 26/1/2019, accessed on 5/2/2019, at: https://reut.rs/2Bl3pD7

[6] “Trump Says Sending Military to Venezuela ‘an Option’,” CNBC, 3/2/2019, accessed on 5/2/2019, at: https://cnb.cx/2D8rEEL

[7] “Trump Calls Venezuela’s Guaido in Intensifying Push to Oust Maduro,” Haaretz, 30/1/2019, accessed on 5/2/2019, at: https://bit.ly/2S7ucND

[8] Hodge.

[9] Hollie McKay, “Why Russia, China Are Fighting US Push Against Venezuela’s Maduro,” Fox News, January 31, 2019, accessed on 5/2/2019, at: https://fxn.ws/2BdKXvZ

[10] Ibid.

المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات
أخبار, البارزة 0 comments on ترامب يستعرض “حالة الاتحاد” أمام كونغرس منقسم

ترامب يستعرض “حالة الاتحاد” أمام كونغرس منقسم

تناول الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه اليوم الأربعاء أمام جلسة مشتركة للكونغرس، عددا من القضايا على الصعيد الدولي والمحلي، كان أهمها إعلانه أنه سيلتقي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في فيتنام يومي 27 و28 من هذا الشهر، وسط انقسام بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في العديد من القضايا، أبرزها الهجرة وبناء الجدار على الحدود مع المكسيك.

وفي خطابه شدد الرئيس الأميركي على دعم الولايات المتحدة لشعب فنزويلا “في سعيه النبيل إلى الحرية”.

وبشأن المفاوضات مع الصين، قال ترامب إنها تمضي قدما من أجل اتفاق تجاري، وتعهد بحماية الوظائف الأميركية، وقال إن “سرقة الوظائف والثروة قد انتهت” في إشارة إلى الصين، ملقيا باللوم على الإدارات السابقة في السماح بحدوث “هذه الظاهرة”.

كما دعا ترامب أعضاء الكونغرس إلى إقرار اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) بنسختها المعدلة، والتي أبرمها مع كندا والمكسيك. 

وعن المفاوضات التي تجري بشأن الوضع في أفغانستان، قال ترامب إن إدارته تجري “محادثات بناءة” مع جماعات في أفغانستان بينها حركة طالبان، وإنها ستتمكن من خفض القوات الأميركية هناك والتركيز على مكافحة الإرهاب إذا حققت تقدما.

وانتقد ترامب “النظام الراديكالي في إيران”، وتعهد بألا تحصل طهران مطلقا على أسلحة نووية، وقال إن الإيرانيين يفعلون “أمورا سيئة”، متهما الحكومة في طهران بأنها معادية للسامية.

 

معجزة اقتصادية

و في الشأن الداخلي، أشاد ترامب بحالة الاقتصاد في بلاده، قائلا: “اقتصادنا يحسدنا عليه العالم، وجيشنا هو الأقوى على وجه الأرض، وأميركا تفوز في كل يوم”.

و قال إن هناك “معجزة اقتصادية تحدث في الولايات المتحدة، والأشياء الوحيدة التي يمكن أن توقفها هي الحروب الحمقاء أو السياسة أو التحقيقات السخيفة والمنحازة”، في إشارة مباشرة منه إلى التحقيقات في التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة الأميركية.

و دعا الرئيس الأميركي إلى نبذ سياسة الانتقام واعتماد روح التوافق من أجل المصلحة العامة، معلنا استعداده العمل من أجل تحقيق انفراجات تاريخية للأميركيين، وقال إن “الانتصار لا يعني الفوز لحزبنا ولكن الانتصار هو الفوز لبلادنا”.

وأوضح أن خارطة الطريق للبيت الأبيض خلال العام المقبل هي جدول أعمال للشعب الأميركي كله، مشددا على أن التركيز سيكون على توفير الوظائف والتجارة والبنية التحتية وأسعار الدواء والهجرة.

وطالب الرئيس الأميركي أعضاء الكونغرس بالعمل معا في شأن قضية الهجرة الحساسة للغاية، مشددا على أنّ تشييد جدار حدودي في مواجهة الهجرة غير النظامية وحده سيضمن أمن الولايات المتحدة، وأكد أنه “سيتم بناؤه.. إنه جدار ذكي وإستراتيجي وليس مجرد جدار خرساني”.