· مشاريع تنموية ضخمة ستنفض غبار الصحراء عن مقدرات دول الساحل والصحراء
· تشابك السياسي والاقتصادي والأمني يُوفر أرضية ملائمة للتكامل الاقتصادي الافريق

منار السليمي: المبادرة ستعزز التعاون جنوب-جنوب على قاعدة شراكة رابح-رابح.

محمد الغالي: المبادرة الأطلسية الإفريقية ستكون رافعة تنموية اقتصادية هامة، وهي بوابة لانفتاح دول إفريقيا جنوب الصحراء على العالم.

بدأت المبادرة الأطلسية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس تفرض ايقاعها بمعاييرمتناسقة اتخذت أبعادا شمولية تمازجت فيها الرؤية الاستراتيجية، والرغبة الصادقة في نفض غبار الصحراء عن مقدرات عدد كبير من الدول الافريقية، وخاصة منها تلك التي ليس لها منفذا بحريا.
وترنو هذه المبادرة التي كثُر الاهتمام بها خلال الأيام القليلة الماضية، إلى فتح الباب على مصراعيه أمام شراكات متعددة، تُوفر أرضية للتكامل الاقتصادي الافريقي، عبر فك عزلة دول الساحل والصحراء (بوركينا فاسو والنيجر وتشاد ومالي)، من خلال تمكينها من منفذ بحري هي أحوج ما تكون إليه في هذه المرحلة.
وقد جاءت المبادرة واضحة في دلالاتها، وصريحة في تفاصيلها، كما في عناوينها التي تعكس إدراكا مغربيا بالمتغيرات التي تُحيط بإفريقيا في هذه المرحلة التي تتسم بتحولات متعددة الأبعاد، تستدعي بالضرورة مقاربات سياسية واقتصادية وكذلك أيضا أمنية ذات طابع استراتيجي.
وتقتضي هذه المقاربات الانسجام مع الاهتمام المغربي المتزايد بأفريقيا الذي أعطى زخما لأعمال منظمة الاتحاد الافريقي لم يكن متاحا في السابق، وشكل حتى الآن نوعا من التمازج الفعلي بين السياسي والاقتصادي والأمني وفق رؤية متكاملة بأبعاد استراتيجية أملتها التحولات الكبرى بانعطافاتها الآنية وانعكاساتها المستقبلية.
وليس أدل على ذلك، أن هذه المبادرة التي اتخذت سياقا متنوعا بدا مغايرا لأنماط المبادرات التي عرفتها المنطقة، جاءت لترسم معادلات جديدة اقتضتها طبيعة المرحلة، والفهم الحقيقي لاحتياجات دول المنطقة التي تريد إعادة تموضعها إقليميا

ودوليا، ولا تخفي رغبتها الملحة في التخلص نهائيا من الموروث الاستعماري الذي مازال يُعيق انطلاق اقتصاداتها نحو افق أوسع.
ولهذا السبب، بدأ صدى هذه المبادرة يتردد في عدة عواصم من واشنطن إلى مدريد مرورا بالعواصم الافريقية المعنية بها، وسط حراك ديبلوماسي مغربي نشيط يتسم بالهدوء والواقعية لتوفير شروط إنجاح المبادرة التي نحسب انها ستُعيد تشكيل المشهد الجيواستراتيجي لإفريقيا.
وتستهدف هذه المبادرة التي تعكس إلى حد بعيد تمسك المغرب بعمقه الافريقي، وقدرته على المساهمة في رسم إيقاع التحولات في افريقيا، وخاصة منها منطقة الساحل والصحراء، ارساء تكامل واندماج حقيقيين في منطقة افريقيا الأطلسية التي تستحوذ وحدها على نحو 55 %، من إجمالي الناتج المحلي الأفريقي.
كما أن اقتصادات تلك الدول الافريقية المطلة على الأطلسي تستحوذ على 57 %من التجارة الحرة في افريقيا، وهي قادرة على جذب 60 % من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ما يعني أن هذه المبادرة ستُعطي قيمة مضافة تدفع إلى الجزم بأن مرحلة جديدة بدأت تتبلور لمفهوم الشراكة على قاعدة رابح/رابح في هذه المنطقة المطلة على الأطلسي.
ويتضح من خلال العناوين الكبرى لهذه المبادرة أنها تأخذ بعين الاعتبار كل الحسابات والمعادلات التي تستهدف التشبيك الإقليمي لتعزيز أسس التعاون الإقليمي من منطلق ترتيب الأولويات عبر التركيز على الجانب الاستراتيجي الذي يبقى صالحا لوقت طويل للعديد من المقاربات.
وتكتسي مسألة ترتيب الأوليات أهمية بالغة، بل تُعد نقطة مفصلية، حيث سعى المغرب قبل ذلك إلى توفير قاعدتين أساسيتين لتجاوز الاكراهات التي قد تعيق تقدم هذه المبادرة، تناولتا البعدين الاقتصادي والأمني، وفق معادلات ناشئة تكون فيها قواعد الحسابات واضحة وجلية.
وفي هذا الصدد، عمل المغرب على اعادة ترتيب البعدين المذكورين، عبر رسم حدودهما، دون إغفال تتداخل العوامل الخارجية عن المنطقة في رسم جزءا منها، حيث سعى على مستوى البعد الاقتصادي إلى إطلاق مشروع خط أنابيب الغاز من نيجيريا إلى الساحل الأطلسي المغربي، وعلى المستوى الأمني كان له دور كبير في تأسيس “منظمة حلف شمال الأطلسي الافريقي”.

وخط أنابيب الغاز المغرب- نيجيريا هو مشروع استراتيجي ليس مُنفصلا عن المبادرة الأطلسية، بل هو جزء منها، وهو سيعبر 13 دولة افريقية هي نيجيريا وبنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو، وغامبيا والسنغال وموريتانيا والمغرب قبل أن يصل إلى اسبانيا وعبرها إلى بقية الأسواق الأوروبية.
ويبرز الترابط بين هذا المشروع والمبادرة الأطلسية من خلال أن خط أنابيب الغاز المغرب-نيجيريا سيزود 3 دول غير ساحلية تنتمي إلى منطقة الساحل والصحراء الافريقية بالغاز، هي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي الدول التي ستمكنها المبادرة المغربية من منفذ بحري.
ويُعتبر هذا المشروع الذي قال عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس، إنه مشروع “…من اجل السلام والاندماج الاقتصادي الإفريقي والتنمية المشتركة، مشروع من أجل الحاضر والأجيال القادمة”، أطول أنبوب غاز بري وبحري في العالم، حيث يصل طوله إلى أكثر من 5600 كيلومترا.
وستستفيد من هذا المشروع منطقة غرب إفريقيا كلها التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة، حيث يُتوقع أن تبلغ طاقته الاستيعابية ما بين 30 و40 مليار متر مكعب سنويا، بمعدل 3 مليارات قدم مكعبة من الغاز يوميا، وتقدر تكلفة إنجازه بحوالي 25 مليار دولار.
أما بالنسبة للموضوع الأمني، فإن المغرب ومن منطلق وعيه بالمخاطر والتهديدات الأمنية في المنطقة، عمل على تأسيس “منظمة حلف شمال الأطلسي الافريقي” خلال اجتماع عُقد في الرباط يوم 8 يونيو 2022 بمشاركة 21 دولة أفريقية مطلة على المحيط الاطلسي الأفريقي.
وتهدف هذه المنظمة إلى تكريس الحوار السياسي والأمن والسلامة والعمل المشترك ضد التهديدات الإرهابية، وتامين أنبوب الغاز من نيجيريا إلى المغرب، إلى جانب صياغة خطط العمل الأمنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والقرصنة البحرية والهجرة غير الشرعية.
وعلى هذا الأساس ليس غريبا، أن تُكثف الديبلوماسية المغربية من نشاطها في كل الاتجاهات لبلورة آليات إنجاح هذه المبادرة، في الوقت الذي أطلق فيه عدد من الأكاديميين والخبراء المغاربة يتقدمهم رئيس المركز الأطلسي للدراسات

الاستراتيجية، عبد الرحيم المنار السليمي لجنة تحضيرية لتأسيس إطار مؤسساتي تحت اسم “منتدى التحليل الاستراتيجي لشؤون الاطلسي ودول الساحل”.
وجاء الإعلان عن تشكيل هذه اللجنة بعد سلسلة لقاءات نظمها المنتدى على مدى ثلاثة أيام في مدن العيون والسمارة وبوجدور من الصحراء المغربية، حول المبادرة “الأطلسية الافريقية وإدماج دول الساحل…تحليل الابعاد الاستراتيجية الوطنية والإقليمية والدولية”.
وخلال سلسلة تلك اللقاءات التي تميزت أعمالها بتفاعل فكري أكاديمي عميق بحضور وفود من تونس والكويت والامارات، شدد عبد الرحيم المنار السليمي، على أن المبادرة الأطلسية المغربية “ستفرز ديناميات تنموية ستستفيد منها افريقيا، وكذلك أيضا العالم العربي، وأمريكا اللاتينية”.
واعتبر أن رؤية العاهل المغربي في إطلاق هذه المبادرة التي تروم إلى جعل المغرب بوابة لدخول دول الساحل والصحراء الافريقية إلى الأطلسي، من شانها تعزيز التعاون جنوب-جنوب على شراكة رابح-رابح.
ومن جهته، ذهب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة، محمد الغالي، إلى القول إن هذه المبادرة الأطلسية الإفريقية ستكون رافعة تنموية اقتصادية هامة، وهي بمثابة بوابة لانفتاح دول إفريقيا جنوب الصحراء على العالم، وهي بذلك تنسجم مع السياسة الإفريقية للمغرب، التي ترنو إلى ” فك العزلة عن دول الساحل والصحراء الافريقية”.
وعلى هذه القاعدة، يمكن القول، إن الرهان على المسار الذي أطلقته هذه المبادرة يتجاوز في مجمل جوانبه التطلعات الوطنية للمغرب، إلى التأسيس لأبعاد استراتيجية إقليمية ودولية يُراكم من خلالها مساحة الإنجازات التي تتعدد وتتغير وفق معادلة الإرادة والرغبة في المساهم في رسم خارطة اقتصادية تكاملية جديدة ستفرضها التحولات الجيواستراتيجية التي تشهدها المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *