منذ إندلاع الأزمة الليبية العام 2011،سارعت الأمم المتحدة للتدخل لحل الملف الليبي الشائك والملغم بالسلاح والتوجهات القبلية،حيث أرسلت عددا من المبعوثين الدوليين إلى ليبيا،والذين مكثوا في مهامهم شهورا قبل أن يصلوا إلى نهاية الطريق المسدودة والفشل في الوصول إلى أي تسوية.

خمسة مبعوثين تعاقبوا على ليبيا وغادروها دون نتائج،وباءت مهامهم بالفشل وهو ما أثبته الواقع المعاش والفوضى العارمة والانعدام الكلى للأمن وغياب كل معالم الدولة في ليبيا، والذي دفع  ضريبته الشعب الليبي بكل شرائحه وفى مختلف المناطق،من موت و دمار و هجرة وتهجير و نزوح متواصل ومتضاعف.

ومع وصول غسان سلامة مبعوثاً دولياً إلى ليبيا،تصاعد مستوى الأمل في الأوساط الليبية والدولية للتوصل إلى تسوية سياسية دراية المبعوث الأممي الجديد بشئون المنطقة العربية أكثر من سابقيه ، وقربه من أصحاب القرار في المنطقة،وارتباطاته المتعددة بالعديد من زعماء العالم.

ورغم البداية المشجعة لسلامة مع قبول وترحيب الأطراف الليبية المتنازعة به،الا أنه فشل في الوصول إلى حلول للأزمات،وتحولت البعثة الأممية معه من طرف وسيط دوره خلق مناخ مناسب يدفع الأطراف المتناحرة للتوافق والتشاور، إلى جزء رئيسى من الأزمة الليبية وطرفا فى الصراع وهو ما أفقد البعثة الأممية حيادها بشكل كامل.

السياسات المتناقضة التى يعتمد عليها المبعوث الأممى إلى ليبيا، أغضبت شريحة واسعة من الأطياف السياسية والمكونات الاجتماعية الليبية، وذلك بسبب فشل البعثة الأممية فى تنفيذ خطتها التى أعلن عنها غسان سلامة وانحيازه لتيار سياسى أفقده الحيادية والنزاهة، وعدم قدرته على لعب دور الوسيط بين الفرقاء الليبيين.

وفي مؤشر جديد على فشل غسان سلامة،أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري، الأربعاء، أن قوات الجيش تعتبر مبعوث الأمم المتحدة،خصماً يساهم في الأزمة العنيفة التي تشهدها البلاد.

وقال المسماري: “الحقيقة إن سلامة تحول إلى معارض وأصبح جزءاً من الأزمة الليبية”، لافتاً إلى أن انتشار قوات الجيش في مدينة سبها الجنوبية سيعزز الأمن للسكان وحقول النفط.وأضاف للصحافيين، في مدينة بنغازي شرق ليبيا، أن “غسان سلامة يجب أن يتذكر أن هذا واجب وطني مقدس ولن نترك ليبيا مثل لبنان دولة ميليشيات وسلطات متعددة“.

وتأتي هذه الإنتقادات بعد أن عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن “قلقها العميق” إزاء قيام قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في جنوب البلاد الأسبوع الماضي بتنفيذ عملية عسكرية ضد الجماعات المتطرفة والعصابات الأجنبية التي تهدد أمن المنطقة والبلاد عموما.

وأثار المبعوث الأممي غسّان سلامة، استياء كبيرا داخل ليبيا في الفترة الأخيرة، بعد تجاهله لتضحيات الجيش الليبي في محاربة الإرهاب،وذلك في الإحاطة الأخيرة له حول ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي.

ولم يشير المبعوث الأممى إلى ليبيا لجهود القوات المسلحة الليبية الإيجابية فى فرض الأمن والاستقرار فى شرق البلاد بعكس ما يجرى فى العاصمة طرابلس، وعدم تطرقه لضرورة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية كأولوية للبدء فى توحيد المؤسسات الليبية استعدادا لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية فى البلاد.

وعبر أعضاء مجلس النواب الليبي،الإثنين الماضي، عن استيائهم مما ورد في إحاطة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، أمام مجلس الأمن بـ”تجاهله تضحيات الجيش الوطني الليبي في محاربة الإرهاب ورفضه العملية العسكرية التي يقوم بها في جنوب البلاد”.وقال المتحدث باسم المجلس عبدالله بليحق، إن المجلس قرر تخويل رئاسة المجلس بوضع الرد المناسب على إحاطة سلامة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والتجاوزات التي يرتكبها المبعوث الأممي، من خلال تجاوزه لاختصاصاته وصلاحياته، ومجانبته للصواب في الكثير من القضايا الخاصة بالشأن الليبي.

من جهة أخرى،كشفت إحاطة المبعوث الأممى إلى ليبيا، وجود ارتباك فى عمل البعثة حول موعد الانتخابات فى ليبيا، فقد دعم سلامة مخرجات مؤتمر باليرمو لتنظيم انتخابات ربيع 2019 ثم تراجع ورجح إجراؤها نهاية العام الجارى قبل أن يتراجع مجددا، ويشير إلى أن تنظيم الانتخابات يتطلب أولا قبول الجميع بنتائجها وتحديد الترتيبات الأمنية الخاصة بالاستحقاقات الانتخابية فى البلاد، وضرورة مشاركة من وصفهم بأطراف الوضع الراهن بشكل فعال فى الملتقى الوطنى الجامع، وهو ما يؤكد تخبط البعثة فى التعاطى مع ملف الاستحقاقات الانتخابية وعدم وجود خطة عمل واضحة لذلك.

وفي تدوينة على صفحته في تويتر،اعتبر النائب عبد السلام نصية، أن تصريحات سلامة بخصوص إجراء الانتخابات، “تعد خيبة أمل كبيرة واستمرارا لمشروع الفوضى وتراجعا عن خارطة الطريق التي أعلنها عقب استلام مهامه”، معتبرا أن “رحيل سلامة اليوم أفضل، بسبب انحيازه لمشروع الفوضى”، بحسب ما قال.

ويبدو أن غسان سلامة لم يدرس جيدا أخطاء سلفه ،مارتن كوبلر، الذي يتحمل وزر الإخفاقات والنكسات التي وقعت فيها البعثة الأممية السابقة،حيث انحاز بشكل واضح ومكشوف إلى طرف دون آخر، الأمر الذي عقد مهمته في إيجاد تفاهمات تنهي الصراع السياسي والعسكري الذي تشهده ليبيا.

ودأبت الأمم المتحدة،على استبدال مبعوثها إلى ليبيا كلما شعرت بوصول جهوده لحلحلة الأزمة إلى طريق مسدود، بسبب استعصاء الأزمة، أو بسبب موقف بعض أطراف الصراع من شخص المبعوث.ويبدو أن إستعداء غسان سلامة للجيش الليبي قد يكون نقطة النهاية لمهمته في ليبيا.

ويرى مراقبون،أن تحقيق المبعوث الأممي نجاحات في الأزمة الليبية مرهون بقدرته على إحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي.كما أن نجاح المبعوث الأممي في التعامل مع قيادة الجيش الليبي يعتبر أحد المرتكزات الرئيسية التي قد تساعده في الوصول إلى حلول توافقية للأزمة الليبية، نظرا للنجاحات المستمرة له بتحقيق انتصارات على الأرض.

وبعد سنوات من الأزمة ومأساة الصراع المسلح بين الفرقاء الليبيين،مازالت الأمور تزداد تعقيدا وصعوبة يوما بعد يوم بتواصل الإقتتال وإنتشار الفوضى التى اسهمت بصفة كبيرة في توغل الإرهاب في مفاصل البلاد،في وقت عجزت فيه الأمم المتحدة من خلال مبعوثيها الى هناك،عن  تحديد أسباب استمرار الصراع في ليبيا والخروج بتسوية سياسية للازمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *