في حوار شامل مع يومية “الخبر” الجزائرية، نشر اليوم 14 جانفي 2019، بمناسبة الذكرى الثامنة للثورة تحدث الرئيس  السابق محمد المنصف المرزوقي  عن مسار الانتقال الديمقراطي في تونس ، بعد ثماني سنوات من ثورة الحرية و هروب زين العابدين بن علي ، و عاد الى فترة رئاسته للجمهورية والتحديات الصعبة التي واجهتها تونس في تلك الفترة ، كما فسر العوامل الداخلية والاقليمية التي سمحت بعودة جزء من رموز النظام السابق الى الحكم ، و يطرح تصوره للأفق السياسي و التحولات التي ستشهدها تونس في السنة الانتخابية 2019 ، والتي ستشهد اجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.

الثورة ستثأر لنفسها

في تقييم لحصيلة الثورة بعد ثمانية سنوات، قال المرزوقي مخاطبا محاوره الزميل الاعلامي عثمان اللحياني “أعطيني مثالا واحدا تكون فيه الثورة قد حققت كل أهدافها في بضع سنوات، الناس تعتقد ان الثورة  زر كهرباء يمر بنا  من الظلام الى النور ، الثورة مسلسل طويل وصعب وبالنسبة لي هي منعرج ، يكون المسار التاريخي في اتجاه وتأتي الثورة لتحول المسار الى طريق آخر ، والطريق الجديد طويل ومحفوف بالمخاطر ، وأنا دائما أعطي مثال الثورة الفرنسية التي استغرقت  70 سنة لكي تحقق بعض أهدافها، وهناك ثورات تفشل تماما في تحقيق الاهداف ، وهناك ثورات تحقق بعض الأهداف في زمن طويل ،وهناك ثورات تحقق انجازات في ظرف قصير ، لا يوجد قالب محدد للثورات” .

و تابع مشيرا الى أنه في “في تونس استطيع أن أقول أن الثورة التونسية حققت 50 في المائة من مطالبها ، حققت الحرية حيث تونس اليوم بلد حر ، الاعلام فيه حر الى أبعد درجة ، الشعب التونسي حر لديه دستور جديد ولديه مؤسسات هامة جدا تؤسس للديمقراطية ، استقلال القضاء ومؤسسة محاربة الفساد وحماية الحقوق وهي مؤسسات تضمن الحريات ، اذن نحن في تونس حققنا جزء من الأهداف ، والدليل أنك اليوم أمام رئيس دولة سابق، لا هو في السجن ولا في المنفى ولا هو القبر ، وهذا لا يتحقق الا في دولة حرة ، حققنا 50 بالمئة من أهداف الثورة ، بقيت ال50 بالمئة من الأهداف الأخرى المتعلقة بالخبز والتشغيل لم نحقق منها شيء ، لأسباب عديدة ومتعددة، أنا أعتقد أن الصراع مازال متواصلا ، وأنا لدي قناعة ان عندما يغلق قوس الثورة المضادة التي هي جزء من المسار الطبيعي للثورات ، في انتخابات 2019 ، سنعيد الصراع من أجل تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية والخبز والعمل للتونسيين الذين قاموا بالثورة لأسباب اقتصادية ايضا”.

النظام القديم عاد

و شدد المرزوقي على أن “النظام السابق عاد بطم طميمه و انتصر علينا لسبين ، بالمال و الاعلام الفاسد ، ثم أن النظام السابق و الوجوه القديمة نجحت في استدراج و استقطاب جزء من القوى التي كانت معنا ( مع القوى الثورية ) الى جانبه ، و قام بابتزاز حركة النهضة و جذبها الى صفه ، النهضة كان لديها بعض التوجس ذهبت معهم بسبب الخوف من تكرار السيناريو المصري ( انقلاب السيسي ) في تونس ، و عليه فان الجزء القوي الذي كان يسند الثورة ذهب معهم و هذا هو الانتصار الكبير للثورة المضادة ، و أنا شخصيا أقرأ التاريخ كثيرا و لم أفاجئ بذلك، في عام 2012 زارني في القصر  صديقي المفكر عزمي بشارة ، و سألني ان كنت سأترشح مرة أخرى للرئاسة في انتخابات  2014 ، فقلت ممكن أن أترشح، قال لي اياك ، لأنه في التاريخ بعد الثورة تأتي دائما الثورة المضادة في السياق الطبيعي، تماما مثل الرضيع حيث لا يستطيع الوقوف على رجليه مباشرة بعد ولادته “.

رموز النظام القديم في أزمة

و يضيف : “لكن للأسف التاريخ كان أقوى مني ، وعادت الثورة المضادة ، لكنها الآن في أوج أزمتها، بحيث لم أكن أتصور أن رئيس الجمهورية ( الباجي قايد السبسي ) ورئيس الحكومة( يوسف الشاهد)، وهما من نفس العائلة ونفس المنظومة من نفس الطبقة الاجتماعية ومن نفس الحزب السياسي يصلان الى حالة الحرب المفتوحة بينهما كما هو واقع الآن، وهذه لحظة انهيار تام للثورة المضادة التي دخلت مرحلة أزمة أخلاقية وسياسية، وانهيار تام للاقتصاد التونسي، واعتبر أن هذا سيعجل بنهاية الثورة المضادة في 2019 ، بحيث يمكننا في الانتخابات المقبلة أن نضع قطار الثورة على السكة مجددا “.

حول تحالف النهضة مع رموز النظام القديم قال المرزوقي  “أنا لا أظن تكتيك سياسي، أعتقد أنهم كانوا خائفين من النموذج المصري الى درجة كبيرة ، وبالنسبة اليهم فان الربيع العربي صفي وانتهى ، وبالتالي هم أيضا سيصفون وينتهون ، وبالتالي فان معركة الوجود هي أن يسيروا مع النظام الحالي للحفاظ على الأقل على وجودهم” .

النهضة خافت من السيناريو المصري

و اعتبر المرزوقي أن خيار النهضة ” ربما يحل لهم مشكلتهم على المدى المتوسط و لكن لن تحل مشكلتهم على المدى الطويل ، لأن المجموعة التي ارتهنتهم ستواصل ارتهانهم و ستواصل ابتزازهم و في النهاية سيدفعون النهضة الى أن تتخلى عن كل ثوابتها و شخصيتها و مبادئها السياسية، وحينها ستفقد النهضة قواعدها و تنتهي سياسيا، أما اذا حاولت المواجهة فسيتم ضربها لأنها أصبحت وحدها بعدما تخلت عن أصدقائها السابقين وستكون فريسة ، اعتبر أن هذا هو الوضع الخطير الذي تواجهه حركة النهضة الآن”.

لا نبني جديدا بالقديم

كما اعتبر المرزوقي ” أنه لا يمكن أن تبني الجديد مع القديم ، صحيح عفا الله عن ما سلف لكن بالنسبة لي يجب على تونس بعد سبع عقود من الحكم الاستبدادي الفصل التام مع المنظومة القديمة بما تمثله من عقلية سياسية ، واعادة بناء تونس على أسس عقلية جديدة وأحزاب وشخصيات جديدة ، هم ( النهضة ) قالوا لا ، وقالوا أنه ليس هناك حل غير التواصل مع منظومة فاسدة ومتهالكة نبقى مع المنظومة القديمة ، أنا ومن معي سنواصل طريقنا وفق رؤيتي ، واذا هم ، النهضة والاسلاميين اكتشفوا أن طريقهم واستراتيجيتهم لن توصلهم الى شيء وعادوا فليكن لكن  لن أذهب اليهم على أساس خيارات انتخابية ، أنا مساري لم يتغير على مدى خمسين سنة ، وموقفي الثابت هو القطع الجذري والنهائي مع  البورقيبية ومنظومة بن علي الفاسدة ، المبنية على الفساد والزبونية والجهوية والعنصرية وهي التي أهلكت تونس ، كان بإمكان تونس أن تكون في مستوى تركيا وماليزيا ، ولكن اليوم تونس بلد متخلف ويتراجع حتى بالنسبة لدول افريقية مقارنة مع امكانيات تونس والكفاءات التي يزخر بها”.

أسئلة حول الارهاب

اجابة عن سؤال حول دور الارهاب في ارباك المسار قال الرئيس السابق المرزوقي : “أنا أقول لك كيف ذلك ،أنه في كل مرة كنا نريد أن نخطو فيها خطوة ايجابية للتقدم في مسار الانتقال الديمقراطي، كانت تحدث هناك عملية ارهابية تكبح هذه الخطوة ، في حادثة اغتيال الشهيد محمد البراهمي ، وقبل اغتياله بقليل اتفقنا في اجتماع عقد على ما أذكر في 22 يوليو حضرته مختلف مكونات الطيف السياسي ، اتفقنا اتفاقا كليا على تسريع تنظيم الانتخابات ، على أن تتم في شهر سبتمبر من تلك السنة 2013 ، سنة قبل تنظيمها في 2014 ، كنا مقتنعين جميعا أن نسرع في الانتخابات لمنح تونس حكومة مستقرة ، ولأننا كنا نعرف انه مادام المرحلة الانتقالية تطول مادام الاقتصاد معطل، لكننا تفاجئنا بحادثة اغتيال الشهيد الابراهمي في 25 يوليو ، كان واضحا أنها عملية كانت تستهدف تعطيل المسار ، كما كلما حاولنا التقدم كلما ضرب الارهاب ، ولحد الآن نحن نبحث بدقة في من وراء الارهاب والاغتيالات ، نجد أن القضية تتجاوز تونس بكثير .

رئاسيات 2019 .. هل تقع ؟

وحول ترشحه لرئاسيات 2019 أكد المرزوقي:  “يطرح على هذا السؤال طول الوقت ، وأرد عليه بنفس الكيفية ، ليس تهربا وانما احتراما للقواعد في حزبنا والقرار يتخذ بكل ديمقراطية ومسألة الترشح لم تطرح لحد الآن ، مشكلتي الأساسية الآن ليست في الترشح ، وانما في ضمان أن تكون هناك انتخابات وفي ضمان نزاهتها ، لأنه ما الفائدة من الترشح بينما وهناك من يتحدث عن تأجيل الانتخابات وهذا أمر خطير ، وشروط النزاهة غير متوفرة ، حيث لم يتم تشكيل  المحكمة الدستورية وهي معطلة، برغم أنها جزء أساسي من الانتخابات النزيهة ، اللجنة العليا للانتخابات تعرف مشاكل كبيرة وليس لديها رئيس لحد الآن ، وقضية الاعلام الذي لعب دور خبيث جدا في المرة (الانتخابات ) الماضية ، اذن عندما تكون هناك انتخابات وتعطى فيها ضمانات، عندها يصبح مسألة الترشح مطروحة، لكن في الظروف الحالية سيكون من العبث أن أتحدث عن الترشح .”

قطر و تركيا الوحيدتان اللتان قدمتا لنا الدعم

منذ 2011 قدم الاتحاد الأوروبي وعودا كثيرة بدعم التجربة التونسية سياسيا واقتصاديا، برأيك هل وفت أوروبا بوعودها لتونس أم كانت مجرد بروباغندا سياسية ؟. للأسف لا ، الأوروبيون لم يقدموا لنا شيئا ، أنا أعرفهم جميعا وقلت للزعماء الأوروبيين ان لدينا مشكلات تتعلق بتمويل المشاريع  التي تساعد على توفير العمل للبطالين ، والديون الخارجية التي كانت تخنقنا ، عندما كنت رئيسا قلت للأوروبيين اننا لا نطالب بمسح الديون ، لكن نطالب بخفض هذه الديون مقابل أن  نستعمل هذا الفارق في شراء المستلزمات الصناعية لتشغيل الشباب من أوروبا نفسها ، حصلنا على خفض طفيف للدين فقط ، حتى عسكريا لم يساعدنا الاتحاد الأوروبي لمواجهة الإرهاب الذي كان الجيش التونسي يواجهه بأسلحة ومعدات ضئيلة وتكاد تكون معدومة، عندما تسلمت الرئاسة وجدت الجيش في حالة كارثية لان بن علي كان يخاف من الجيش ولم يعمل على تسليحه، ، والذين ساعدونا في مجال السلاح والتجهيز الأمني هم الأتراك والقطريين، ولذلك قوى الثورة  المضادة تكره الأتراك والقطريين وتعتبرني عميل لهم .

غير نادم على قطع العلاقات مع سوريا

 

أنا أطلب من الجميع العودة الى خطابي الذي ألقيته في مؤتمر أصدقاء سوريا، كانت حاضرة وزيرة  الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ومسؤولين من كل الدول ، قلت حينها أن أكبر خطأ هو تسليح المعارضة السورية والتدخل الخارجي، واذا وقع هذا ستخرب سوريا هذا ما قلته وأنا متمسك به ، قلت اتركوها ثورة سلمية ديمقراطية ، ولو لم يحدث ذلك لما وقع كل الدمار في سوريا، أما بالنسبة لقرار قطع العلاقات مع النظام السوري ، في عام 2013 كانت قمة الهمجية حيث النظام السوري والرجل ( بشار) يهاجم السكان بالبراميل والقنابل ، وتريد مني أنا كحقوقي أن أسكت، عندما كنا في المعارضة ضد نظام بن علي كنا نطالب الدول أن تقطع علاقاتها مع نظام بن علي وتعاقب هذا النظام ، وبالمثل من شرفي كحقوقي ومن شرف تونس ألا أقبل ما يقوم به النظام السوري الذي يحتمي بإيران وروسيا ، وأنا لن أندم على موقفي السابق ولن أغيره .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *